فهرس الكتاب

فتح الباري لابن حجر - باب ضالة الإبل

( قَولُهُ بَابُ ضَالَّةِ الْإِبِلِ)
أَيْ هَلْ تُلْتَقَطُ أَمْ لَا وَالضَّالُّ الضَّائِعُ وَالضَّالُّ فِي الْحَيَوَانِ كَاللُّقَطَةِ فِي غَيْرِهِ وَالْجُمْهُورُ عَلَى الْقَوْلِ بِظَاهِرِ الْحَدِيثِ فِي أَنَّهَا لَا تُلْتَقَطُ.

     وَقَالَ  الْحَنَفِيَّةُ الْأَوْلَى أَنْ تُلْتَقَطَ وَحَمَلَ بَعْضُهُمُ النَّهْيَ عَلَى مَنِ الْتَقَطَهَا لِيَتَمَلَّكَهَا لَا لِيَحْفَظَهَا فَيَجُوزُ لَهُ وَهُوَ قَوْلُ الشَّافِعِيَّةِ وَكَذَا إِذَا وُجِدَتْ بِقَرْيَةٍ فَيَجُوزُ التَّمَلُّكُ عَلَى الْأَصَحِّ عِنْدَهُمْ وَالْخِلَافُ عِنْدَ الْمَالِكِيَّةِ أَيْضًا قَالَ الْعُلَمَاءُ حِكْمَةُ النَّهْيِ عَنِ الْتِقَاطِ الْإِبِلِ أَنَّ بَقَاءَهَا حَيْثُ ضَلَّتْ أَقْرَبُ إِلَى وِجْدَانِ مَالِكِهَا لَهَا مِنْ تَطَلُّبِهِ لَهَا فِي رِحَالِ النَّاسِ وَقَالُوا فِي مَعْنَى الْإِبِلِ كُلُّ مَا امْتَنَعَ بِقُوَّتِهِ عَنْ صِغَارِ السِّبَاعِ



[ قــ :2324 ... غــ :2427] قَوْله حَدثنَا عبد الرَّحْمَن هُوَ بن مَهْدِيٍّ وَسُفْيَانُ هُوَ الثَّوْرِيُّ .

     قَوْلُهُ  عَنْ رَبِيعَةَ هُوَ بن أَبِي عَبْدِ الرَّحْمَنِ الْمَعْرُوفُ بِالرَّأْيِ بِسُكُونِ الْهَمْزَةِ وَقد رَوَاهُ بن وَهْبٍ عَنِ الثَّوْرِيِّ وَغَيْرِهِ أَنَّ رَبِيعَةَ حَدَّثَهُمْ أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ .

     قَوْلُهُ  مَوْلَى الْمُنْبَعِثِ بِضَمِّ الْمِيمِ وَسُكُونِ النُّونِ وَفَتْحِ الْمُوَحَّدَةِ وَكَسْرِ الْمُهْمَلَةِ بَعْدَهَا مُثَلَّثَةٌ وَلَيْسَ لَهُ فِي الْبُخَارِيِّ سِوَى هَذَا الْحَدِيثِ وَقَدْ ذَكَرَهُ فِي الْعِلْمِ وَالشِّرْبِ وَهُنَا فِي مَوَاضِعَ وَيَأْتِي فِي الطَّلَاقِ وَالْأَدَبِ .

     قَوْلُهُ  جَاءَ أَعْرَابِيٌّ فِي رِوَايَةِ مَالِكٍ عَنْ رَبِيعَةَ جَاءَ رجل وَزعم بن بَشْكُوَالَ وَعَزَاهُ لِأَبِي دَاوُدَ وَتَبِعَهُ بَعْضُ الْمُتَأَخِّرِينَ أَنَّ السَّائِلَ الْمَذْكُورَ هُوَ بِلَالٌ الْمُؤَذِّنُ وَلَمْ أَرَ عِنْدَ أَبِي دَاوُدَ فِي شَيْءٍ مِنَ النُّسَخِ شَيْئًا مِنْ ذَلِكَ وَفِيهِ بُعْدٌ أَيْضًا لِأَنَّهُ لَا يُوصَفُ بِأَنَّهُ أَعْرَابِيٌّ وَقِيلَ السَّائِلُ هُوَ الرَّاوِي وَفِيهِ بُعْدٌ أَيْضًا لِمَا ذَكَرْنَاهُ وَمُسْتَنَدُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ مَا رَوَاهُ الطَّبَرَانِيُّ مِنْ وَجْهٍ آخَرَ عَنْ رَبِيعَةَ بِهَذَا الْإِسْنَادِ فَقَالَ فِيهِ أَنَّهُ سَأَلَ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَكِنْ رَوَاهُ أَحْمَدُ مِنْ وَجْهٍ آخَرَ عَنْ زَيْدِ بْنِ خَالِدٍ فَقَالَ فِيهِ أَنَّهُ سَأَلَ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَوْ أَنَّ رَجُلًا سَأَلَ عَلَى الشَّكِّ وَأَيْضًا فَإِن فِي رِوَايَة بن وَهْبٍ الْمَذْكُورَةِ عَنْ زَيْدِ بْنِ خَالِدٍ أَتَى رَجُلٌ وَأَنَا مَعَهُ فَدَلَّ هَذَا عَلَى أَنَّهُ غَيْرُهُ وَلَعَلَّهُ نَسَبَ السُّؤَالَ إِلَى نَفْسِهِ لِكَوْنِهِ كَانَ مَعَ السَّائِلِ ثُمَّ ظَفِرْتُ بِتَسْمِيَةِ السَّائِلِ وَذَلِكَ فِيمَا أخرجه الْحميدِي وَالْبَغوِيّ وبن السَّكَنِ وَالْبَارُودِيُّ وَالطَّبَرَانِيُّ كُلُّهُمْ مِنْ طَرِيقِ مُحَمَّدِ بْنِ مَعْنٍ الْغِفَارِيِّ عَنْ رَبِيعَةَ عَنْ عُقْبَةَ بْنِ سُوَيْدٍ الْجُهَنِيِّ عَنْ أَبِيهِ قَالَ سَأَلْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنِ اللُّقَطَةِ فَقَالَ عَرِّفْهَا سَنَةً ثُمَّ أَوْثِقْ وِعَاءَهَا فَذَكَرَ الْحَدِيثَ وَقَدْ ذَكَرَ أَبُو دَاوُدَ طَرَفًا مِنْهُ تَعْلِيقًا وَلَمْ يَسُقْ لَفْظَهُ وَكَذَلِكَ الْبُخَارِيُّ فِي تَارِيخِهِ وَهُوَ أَوْلَى مَا يُفَسَّرُ بِهِ هَذَا الْمُبْهَمُ لِكَوْنِهِ مِنْ رَهْطِ زَيْدِ بْنِ خَالِدٍ وَرَوَى أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ وَالطَّبَرَانِيُّ مِنْ حَدِيثِ أَبِي ثَعْلَبَةَ الْخُشَنِيِّ قَالَ.

قُلْتُ يَا رَسُولَ اللَّهِ الْوَرِقُ يُوجَدُ عِنْدَ الْقَرْيَةِ قَالَ عَرِّفْهَا حَوْلًا الْحَدِيثَ وَفِيهِ سُؤَالُهُ عَنِ الشَّاةِ وَالْبَعِيرِ وَجَوَابُهُ وَهُوَ فِي أَثْنَاءِ حَدِيثٍ طَوِيلٍ أَخْرَجَ أَصْلَهُ النَّسَائِيُّ وَرَوَى الْإِسْمَاعِيلِيُّ فِي الصَّحَابَةِ مِنْ طَرِيقِ مَالِكِ بْنِ عُمَيْرٍ عَنْ أَبِيهِ أَنَّهُ سَأَلَ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنِ اللُّقَطَةِ فَقَالَ إِنْ وَجَدْتَ مَنْ يَعْرِفُهَا فَادْفَعْهَا إِلَيْهِ الْحَدِيثَ وَإِسْنَادُهُ وَاهٍ جِدًّا وَرَوَى الطَّبَرَانِيُّ مِنْ حَدِيثِ الْجَارُودِ الْعَبْدِيِّ قَالَ.

قُلْتُ يَا رَسُولَ اللَّهِ اللُّقَطَةُ نَجِدُهَا قَالَ أَنْشِدْهَا وَلَا تَكْتُمْ وَلَا تُغَيِّبِ الْحَدِيثَ .

     قَوْلُهُ  فَسَأَلَهُ عَمَّا يَلْتَقِطُهُ فِي أَكْثَرِ الرِّوَايَاتِ أَنَّهُ سَأَلَ عَنِ اللُّقَطَةِ زَادَ مُسْلِمٍ مِنْ طَرِيقِ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ عَنِ يَزِيدَ مَوْلَى الْمُنْبَعِثِ الذَّهَبُ وَالْفِضَّةُ وَهُوَ كَالْمِثَالِ وَإِلَّا فَلَا فَرْقَ بَيْنَهُمَا وَبَيْنَ الْجَوْهَرِ وَاللُّؤْلُؤِ مَثَلًا وَغَيْرِ ذَلِكَ مِمَّا يَسْتَمْتِعُ بِهِ غَيْرُ الْحَيَوَانِ فِي تَسْمِيَتِهِ لُقَطَةً وَفِي إِعْطَائِهِ الْحُكْمَ الْمَذْكُورَ وَوَقَعَ لِأَبِي دَاوُدَ مِنْ طَرِيقِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ يَزِيدَ مَوْلَى الْمُنْبَعِثِ عَنْ أَبِيهِ بِلَفْظِ وَسُئِلَ عَنِ اللُّقَطَةِ .

     قَوْلُهُ  عَرِّفْهَا سَنَةً ثُمَّ اعْرِفْ عِفَاصَهَا وَوِكَاءَهَا فِي رِوَايَةِ الْعَقَدِيِّ عَنْ سُلَيْمَانَ بْنِ بِلَالٍ الْمَاضِيَةِ فِي الْعِلْمِ اعْرِفْ وِكَاءَهَا أَوْ قَالَ عِفَاصَهَا وَلِمُسْلِمٍ مِنْ طَرِيقِ بَشِيرِ بْنِ سَعِيدٍ عَنْ زَيْدِ بْنِ خَالِدٍ فَاعْرِفْ عِفَاصَهَا وَوِعَاءَهَا وَعَدَدَهَا زَادَ فِيهِ الْعَدَدَ كَمَا فِي حَدِيثِ أُبَيِّ بْنِ كَعْبٍ وَوَقَعَ فِي رِوَايَةِ مَالِكٍ كَمَا سَيَأْتِي بَعْدَ بَابٍ اعْرِفْ عِفَاصَهَا وَوِكَاءَهَا ثُمَّ عَرِّفْهَا سَنَةً وَوَافَقَهُ الْأَكْثَرُ نَعَمْ وَافَقَ الثَّوْرِيَّ مَا أَخْرَجَهُ أَبُو دَاوُدَ مِنْ طَرِيقِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ يَزِيدَ مَوْلَى الْمُنْبَعِثِ بِلَفْظِ عَرِّفْهَا حَوْلًا فَإِنْ جَاءَ صَاحِبُهَا فَادْفَعْهَا إِلَيْهِ وَإِلَّا اعْرِفْ وِكَاءَهَا وَعِفَاصَهَا ثُمَّ اقْبِضْهَا فِي مَالِكَ الْحَدِيثَ وَهُوَ يَقْتَضِي أَنَّ التَّعْرِيفَ يَقَعُ بَعْدَ مَعْرِفَةِ مَا ذَكَرَ مِنَ الْعَلَامَاتِ وَرِوَايَةُ الْبَابِ تَقْتَضِي أَنَّ التَّعْرِيفَ يَسْبِقُ الْمَعْرِفَةَ.

     وَقَالَ  النَّوَوِيُّ يُجْمَعُ بَيْنَهُمَا بِأَنْ يَكُونَ مَأْمُورًا بِالْمَعْرِفَةِ فِي حَالَتَيْنِ فَيُعَرِّفُ الْعَلَامَاتِ أَوَّلَ مَا يَلْتَقِطُ حَتَّى يَعْلَمَ صِدْقَ وَاصِفِهَا إِذَا وَصَفَهَا كَمَا تَقَدَّمَ ثُمَّ بَعْدَ تَعْرِيفِهَا سَنَةً إِذَا أَرَادَ أَنْ يَتَمَلَّكَهَا فَيُعَرِّفُهَا مَرَّةً أُخْرَى تَعَرُّفًا وَافِيًا مُحَقَّقًا لِيَعْلَمَ قَدْرَهَا وَصِفَتَهَا فَيَرُدَّهَا إِلَى صَاحِبِهَا.

قُلْتُ وَيُحْتَمَلُ أَنْ تَكُونَ ثُمَّ فِي الرِّوَايَتَيْنِ بِمَعْنَى الْوَاوِ فَلَا تَقْتَضِي تَرْتِيبًا وَلَا تَقْتَضِي تَخَالُفًا يَحْتَاجُ إِلَى الْجمع ويقويه كَون الْمخْرج وَاحِد وَالْقِصَّةِ وَاحِدَةً وَإِنَّمَا يُحَسِّنُ مَا تَقَدَّمَ أَنْ لَوْ كَانَ الْمَخْرَجُ مُخْتَلِفًا فَيُحْمَلُ عَلَى تَعَدُّدِ الْقِصَّةِ وَلَيْسَ الْغَرَضُ إِلَّا أَنْ يَقَعَ التَّعَرُّفُ وَالتَّعْرِيفُ مَعَ قَطْعِ النَّظَرِ عَنْ أَيِّهِمَا أَسْبَقُ وَاخْتُلِفَ فِي هَذِهِ الْمَعْرِفَةِ عَلَى قَوْلَيْنِ لِلْعُلَمَاءِ أَظْهَرُهُمَا الْوُجُوبُ لِظَاهِرِ الْأَمْرِ وَقِيلَ يُسْتَحَبُّ.

     وَقَالَ  بَعْضُهُمْ يَجِبُ عِنْدَ الِالْتِقَاطِ وَيُسْتَحَبُّ بَعْدَهُ وَالْعِفَاصُ بِكَسْرِ الْمُهْمَلَةِ وَتَخْفِيفِ الْفَاءِ وَبَعْدَ الْأَلِفِ مُهْمَلَةٌ الْوِعَاءُ الَّذِي تَكُونُ فِيهِ النَّفَقَةُ جِلْدًا كَانَ أَوْ غَيْرَهُ وَقِيلَ لَهُ الْعِفَاصُ أَخْذًا مِنَ الْعَفْصِ وَهُوَ الثَّنْيُ لِأَنَّ الْوِعَاءَ يُثَنَى عَلَى مَا فِيهِ وَقَدْ وَقَعَ فِي زَوَائِدِ الْمُسْنَدِ لِعَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَحْمَدَ مِنْ طَرِيقِ الْأَعْمَشِ عَنْ سَلَمَةَ فِي حَدِيثِ أُبَيِّ وَخِرْقَتَهَا بَدَلَ عِفَاصِهَا وَالْعِفَاصُ أَيْضًا الْجِلْدُ الَّذِي يَكُونُ عَلَى رَأْسِ الْقَارُورَةِ.
وَأَمَّا الَّذِي يَدْخُلُ فَمَ الْقَارُورَةِ مِنْ جِلْدٍ أَوْ غَيْرِهِ فَهُوَ الصِّمَامُ بِكَسْرِ الصَّادِ الْمُهْمَلَةِ.

قُلْتُ فَحَيْثُ ذُكِرَ الْعِفَاصُ مَعَ الْوِعَاءِ فَالْمُرَادُ الثَّانِي وَحَيْثُ لَمْ يُذْكَرِ الْعِفَاصُ مَعَ الْوِعَاءِ فَالْمُرَادُ بِهِ الْأَوَّلُ وَالْغَرَضُ مَعْرِفَةُ الْآلَاتِ الَّتِي تَحْفَظُ النَّفَقَةَ وَيَلْتَحِقُ بِمَا ذُكِرَ حِفْظُ الْجِنْسِ وَالصِّفَةِ وَالْقَدْرِ وَالْكَيْلِ فِيمَا يُكَالُ وَالْوَزْنِ فِيمَا يُوزَنُ وَالذَّرْعِ فِيمَا يُذْرَعُ.

     وَقَالَ  جَمَاعَةٌ مِنَ الشَّافِعِيَّةِ يُسْتَحَبُّ تَقْيِيدُهَا بِالْكِتَابَةِ خَوْفَ النِّسْيَانِ وَاخْتَلَفُوا فِيمَا إِذَا عَرَّفَ بَعْضَ الصِّفَاتِ دُونَ بَعْضٍ بِنَاءً عَلَى الْقَوْلِ بِوُجُوبِ الدَّفْعِ لمن عرف الصّفة قَالَ بن الْقَاسِم لَا بُدَّ مِنْ ذِكْرِ جَمِيعِهَا وَكَذَا قَالَ أَصْبَغُ لَكِنْ قَالَ لَا يُشْتَرَطُ مَعْرِفَةُ الْعَدَدِ وَقَول بن الْقَاسِمِ أَقْوَى لِثُبُوتِ ذِكْرِ الْعَدَدِ فِي الرِّوَايَةِ الْأُخْرَى وَزِيَادَةُ الْحَافِظِ حُجَّةٌ وَقَولُهُ عَرِّفْهَا بِالتَّشْدِيدِ وَكَسْرِ الرَّاءِ أَيِ اذْكُرْهَا لِلنَّاسِ قَالَ الْعُلَمَاءُ مَحَلُّ ذَلِكَ الْمَحَافِلُ كَأَبْوَابِ الْمَسَاجِدِ وَالْأَسْوَاقِ وَنَحْوِ ذَلِكَ يَقُولُ مَنْ ضَاعَتْ لَهُ نَفَقَةٌ أَوْ نَحْوَ ذَلِكَ مِنَ الْعِبَارَاتِ وَلَا يَذْكُرُ شَيْئًا مِنَ الصِّفَاتِ وَقَولُهُ سَنَةً أَيْ مُتَوَالِيَةً فَلَوْ عَرَّفَهَا سَنَةً مُتَفَرِّقَةً لَمْ يَكْفِ كَأَنْ يُعَرِّفَهَا فِي كُلِّ سَنَةٍ شَهْرًا فَيَصْدُقُ أَنَّهُ عَرَّفَهَا سَنَةً فِي اثْنَتَيْ عَشْرَةَ سَنَةً.

     وَقَالَ  الْعُلَمَاءُ يُعَرِّفُهَا فِي كُلِّ يَوْمٍ مَرَّتَيْنِ ثُمَّ مَرَّةً ثُمَّ فِي كُلِّ أُسْبُوعٍ ثُمَّ فِي كُلِّ شَهْرٍ وَلَا يُشْتَرَطُ أَنْ يُعَرِّفَهَا بِنَفْسِهِ بَلْ يَجُوزُ بِوَكِيلِهِ وَيُعَرِّفُهَا فِي مَكَانِ سُقُوطِهَا وَفِي غَيْرِهِ .

     قَوْلُهُ  فَإِنْ جَاءَ أَحَدٌ يُخْبِرُكَ بِهَا جَوَابُ الشَّرْطِ مَحْذُوفٌ تَقْدِيرُهُ فَأَدِّهَا إِلَيْهِ وَفِي رِوَايَةِ مُحَمَّدِ بْنِ يُوسُفَ عَنْ سُفْيَانَ كَمَا سَيَأْتِي فِي آخِرِ أَبْوَابِ اللُّقَطَةِ فَإِنْ جَاءَ أَحَدٌ يُخْبِرُكَ بِعِفَاصِهَا وَوِكَائِهَا وَقَدْ تَقَدَّمَ الْبَحْثُ فِيهِ .

     قَوْلُهُ  وَإِلَّا فَاسْتَنْفِقْهَا سَيَأْتِي الْبَحْثُ فِيهِ بَعْدَ أَبْوَابٍ وَاسْتُدِلَّ بِهِ عَلَى أَنَّ الْمُلْتَقِطَ يَتَصَرَّفُ فِيهَا سَوَاءٌ كَانَ غَنِيًّا أَوْ فَقِيرًا وَعَنْ أَبِي حَنِيفَةَ إِنْ كَانَ غَنِيًّا تَصَدَّقَ بِهَا وَإِنْ جَاءَ صَاحِبُهَا تَخَيَّرَ بَيْنَ إِمْضَاءِ الصَّدَقَةِ أَوْ تَغْرِيمِهِ قَالَ صَاحِبُ الْهِدَايَةِ إِلَّا إِنْ كَانَ بِإِذْنِ الْإِمَامِ فَيَجُوزُ لِلْغَنِيِّ كَمَا فِي قِصَّةِ أُبَيِّ بْنِ كَعْبٍ وَبِهَذَا قَالَ عمر وَعلي وبن مَسْعُود وبن عَبَّاسٍ وَغَيْرُهُمْ مِنَ الصَّحَابَةِ وَالتَّابِعِينَ .

     قَوْلُهُ  قَالَ يَا رَسُولَ اللَّهِ فَضَالَّةُ الْغَنَمِ أَيْ مَا حُكْمُهَا فَحَذَفَ ذَلِكَ لِلْعِلْمِ بِهِ قَالَ الْعُلَمَاءُ الضَّالَّةُ لَا تَقَعُ إِلَّا عَلَى الْحَيَوَانِ وَمَا سِوَاهُ يُقَالُ لَهُ لُقَطَةٌ وَيُقَالُ لِلضَّوَالِّ أَيْضًا الْهَوَامِي وَالْهَوَافِي بِالْمِيمِ وَالْفَاءِ وَالْهَوَامِلُ .

     قَوْلُهُ  لَكَ أَوْ لِأَخِيكَ أَوْ لِلذِّئْبِ فِيهِ إِشَارَةٌ إِلَى جَوَازِ أَخْذِهَا كَأَنَّهُ قَالَ هِيَ ضَعِيفَةٌ لِعَدَمِ الِاسْتِقْلَالِ مُعَرَّضَةٌ لِلْهَلَاكِ مُتَرَدِّدَةٌ بَيْنَ أَنْ تَأْخُذَهَا أَنْتَ أَوْ أَخُوكَ وَالْمُرَادُ بِهِ مَا هُوَ أَعَمُّ مِنْ صَاحِبِهَا أَوْ مِنْ مُلْتَقِطٍ آخَرَ وَالْمُرَادُ بِالذِّئْبِ جِنْسُ مَا يَأْكُلُ الشَّاةَ مِنَ السِّبَاعِ وَفِيهِ حَثٌّ لَهُ عَلَى أَخْذِهَا لِأَنَّهُ إِذَا عَلِمَ أَنَّهُ إِنْ لَمْ يَأْخُذْهَا بَقِيَتْ لِلذِّئْبِ كَانَ ذَلِكَ أَدْعَى لَهُ إِلَى أَخْذِهَا وَوَقَعَ فِي رِوَايَةِ إِسْمَاعِيلِ بْنِ جَعْفَرٍ عَنْ رَبِيعَةَ كَمَا سَيَأْتِي بَعْدَ أَبْوَابٍ فَقَالَ خُذْهَا فَإِنَّمَا هِيَ لَكَ إِلَخْ وَهُوَ صَرِيحٌ فِي الْأَمْرِ بِالْأَخْذِ فَفِيهِ دَلِيلٌ عَلَى رَدِّ إِحْدَى الرِّوَايَتَيْنِ عَنْ أَحْمَدَ فِي قَوْلِهِ يَتْرُكُ الْتِقَاطَ الشَّاةِ وَتَمَسَّكَ بِهِ مَالِكٌ فِي أَنَّهُ يَمْلِكُهَا بِالْأَخْذِ وَلَا يَلْزَمُهُ غَرَامَةٌ وَلَوْ جَاءَ صَاحِبُهَا وَاحْتَجَّ لَهُ بِالتَّسْوِيَةِ بَيْنَ الذِّئْبِ وَالْمُلْتَقِطِ وَالذِّئْبُ لَا غَرَامَةَ عَلَيْهِ فَكَذَلِكَ الْمُلْتَقِطُ وَأُجِيبَ بِأَنَّ اللَّامَ لَيْسَتْ لِلتَّمْلِيكِ لِأَنَّ الذِّئْبَ لَا يَمْلِكُ وَإِنَّمَا يَمْلِكُهَا الْمُلْتَقِطُ عَلَى شَرْطِ ضَمَانِهَا وَقَدْ أَجْمَعُوا عَلَى أَنَّهُ لَوْ جَاءَ صَاحِبُهَا قَبْلَ أَنْ يَأْكُلَهَا الْمُلْتَقِطُ لَأَخَذَهَا فَدَلَّ عَلَى أَنَّهَا بَاقِيَةٌ عَلَى مِلْكِ صَاحِبِهَا وَلَا فَرْقَ بَيْنَ قَوْلِهِ فِي الشَّاةِ هِيَ لَكَ أَوْ لِأَخِيكَ أَوْ لِلذِّئْبِ وَبَيْنَ قَوْلِهِ فِي اللُّقَطَةِ شَأْنَكَ بِهَا أَوْ خُذْهَا بَلْ هُوَ أَشْبَهُ بِالتَّمَلُّكِ لِأَنَّهُ لَمْ يُشْرِكْ مَعَهُ ذِئْبًا وَلَا غَيْرَهُ وَمَعَ ذَلِكَ فَقَالُوا فِي النَّفَقَةِ يَغْرَمُهَا إِذَا تَصَرَّفَ فِيهَا ثُمَّ جَاءَ صَاحِبُهَا.

     وَقَالَ  الْجُمْهُورُ يَجِبُ تَعْرِيفُهَا فَإِذَا انْقَضَتْ مُدَّةُ التَّعْرِيفِ أَكَلَهَا إِنْ شَاءَ وَغَرِمَ لِصَاحِبِهَا إِلَّا أَنَّ الشَّافِعِيَّ قَالَ لَا يَجِبُ تَعْرِيفُهَا إِذَا وُجِدَتْ فِي الْفَلَاةِ.
وَأَمَّا فِي الْقَرْيَةِ فَيَجِبُ فِي الْأَصَحِّ قَالَ النَّوَوِيُّ احْتَجَّ أَصْحَابُنَا بِقَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي الرِّوَايَةِ الْأُولَى فَإِنْ جَاءَ صَاحِبُهَا فَأَعْطِهَا إِيَّاهُ وَأَجَابُوا عَنْ رِوَايَةِ مَالِكٍ بِأَنَّهُ لَمْ يَذْكُرِ الْغَرَامَةَ وَلَا نَفَاهَا فَثَبَتَ حُكْمُهَا بِدَلِيلٍ آخَرَ انْتَهَى وَهُوَ يُوهِمُ أَنَّ الرِّوَايَةَ الْأُولَى مِنْ رِوَايَاتِ مُسْلِمٍ فِيهَا ذِكْرُ حُكْمِ الشَّاةِ إِذَا أَكَلَهَا الْمُلْتَقِطُ وَلَمْ أَرَ ذَلِكَ فِي شَيْءٍ مِنْ رِوَايَاتِ مُسْلِمٍ وَلَا غَيْرِهِ فِي حَدِيثِ زَيْدِ بْنِ خَالِدٍ نَعَمْ عِنْدَ أَبِي دَاوُدَ وَالتِّرْمِذِيِّ وَالنَّسَائِيِّ وَالطَّحَاوِيِّ وَالدَّارَقُطْنِيِّ مِنْ حَدِيثِ عَمْرِو بْنِ شُعَيْبٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ جَدِّهِ فِي ضَالَّةِ الشَّاةِ فَاجْمَعْهَا حَتَّى يَأْتِيَهَا بَاغِيهَا .

     قَوْلُهُ  فَتَمَعَّرَ وَجْهُ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ هُوَ بِالْعَيْنِ الْمُهْمَلَةِ الثَّقِيلَةِ أَيْ تَغَيَّرَ وَأَصْلُهُ فِي الشَّجَرِ إِذَا قَلَّ مَاؤُهُ فَصَارَ قَلِيلَ النَّضْرَةِ عَدِيمَ الْإِشْرَاقِ وَيُقَالُ لِلْوَادِي الْمُجْدِبِ أَمْعَرَ وَلَوْ رُوِيَ تَمَغَّرَ بِالْغَيْنِ الْمُعْجَمَةِ لَكَانَ لَهُ وَجْهٌ أَيْ صَارَ بِلَوْنِ الْمَغْرَةِ وَهُوَ حُمْرَةٌ شَدِيدَةٌ إِلَى كُمُودَةٍ وَيُقَوِّيهِ أَنَّ قَوْلَهُ فِي رِوَايَةِ إِسْمَاعِيلَ بْنِ جَعْفَرٍ فَغَضِبَ حَتَّى احْمَرَّتْ وَجْنَتَاهُ أَوْ وَجْهُهُ .

     قَوْلُهُ  مَا لَكَ وَلَهَا زَادَ فِي رِوَايَةِ سُلَيْمَانَ بْنِ بِلَالٍ عَنْ رَبِيعَةَ السَّابِقَةِ فِي الْعِلْمِ فَذَرْهَا حَتَّى يَلْقَاهَا رَبُّهَا .

     قَوْلُهُ  مَعَهَا حِذَاؤُهَا وَسِقَاؤُهَا الْحِذَاءُ بِكَسْرِ الْمُهْمَلَةِ بَعْدَهَا مُعْجَمَةٌ مَعَ الْمَدِّ أَيْ خُفُّهَا وَسِقَاؤُهَا أَيْ جَوْفُهَا وَقِيلَ عُنُقُهَا وَأَشَارَ بِذَلِكَ إِلَى اسْتِغْنَائِهَا عَنِ الْحِفْظِ لَهَا بِمَا رُكِّبَ فِي طِبَاعِهَا مِنَ الْجَلَادَةِ عَلَى الْعَطَشِ وَتَنَاوُلِ الْمَأْكُولِ بِغَيْرِ تَعَبٍ لطول عُنُقهَا فَلَا تحْتَاج إِلَى ملتقط