فهرس الكتاب

فتح الباري لابن حجر - باب إذا لم يوجد صاحب اللقطة بعد سنة فهي لمن وجدها

( قَولُهُ بَابُ إِذَا لَمْ يُوجَدْ صَاحِبُ اللُّقَطَةِ بَعْدَ سَنَةٍ فَهِيَ لِمَنْ وَجَدَهَا)
أَيْ غَنِيًّا كَانَ أَوْ فَقِيرًا كَمَا تَقَدَّمَ أَوْرَدَ فِيهِ حَدِيثَ زَيْدِ بْنِ خَالِدٍ الْمَذْكُورَ مِنْ جِهَةِ مَالِكٍ عَنْ رَبِيعَةَ وَفِيهِ



[ قــ :2326 ... غــ :2429] .

     قَوْلُهُ  ثُمَّ عَرِّفْهَا سَنَةً فَإِنْ جَاءَ صَاحِبُهَا وَإِلَّا شَأْنَكَ بِهَا فِيهِ حَذْفٌ تَقْدِيرُهُ فَإِنْ جَاءَ صَاحِبُهَا فَأَدِّهَا إِلَيْهِ وَأَن لم يَجِيء فشأنك بهَا فخذف مِنْ هَذِهِ الرِّوَايَةِ جَوَابَ الشَّرْطِ الْأَوَّلِ وَشَرْطَ إِن الثَّانِيَة وَالْفَاء من جوابها قَالَه بن مَالِكٍ فِي حَدِيثِ أُبَيٍّ الْآتِي فِي أَوَاخِرِ أَبْوَابِ اللُّقَطَةِ بِلَفْظِ فَإِنْ جَاءَ صَاحِبُهَا وَإِلَّا اسْتَمْتِعْ بِهَا وَإِنَّمَا وَقَعَ الْحَذْفُ مِنْ بَعْضِ الرُّوَاةِ دُونَ بَعْضٍ فَقَدْ تَقَدَّمَ حَدِيثُ أُبَيٍّ فِي أَوَّلِ اللُّقَطَةِ بِلَفْظِ فَاسْتَمْتِعْ بِهَا بِإِثْبَاتِ الْفَاءِ فِي الْجَوَابِ الثَّانِي وَمَضَى مِنْ رِوَايَةِ الثَّوْرِيِّ عَنْ رَبِيعَةَ فِي حَدِيثِ الْبَابِ بِلَفْظِ وَإِلَّا فَاسْتَنْفِقْهَا وَمِثْلُهُ مَا سَيَأْتِي بَعْدَ أَبْوَابٍ مِنْ رِوَايَةِ إِسْمَاعِيلَ بْنِ جَعْفَرٍ عَنْ رَبِيعَةَ بِلَفْظِ ثُمَّ اسْتَنْفِقْ بِهَا فَإِنْ جَاءَ رَبُّهَا فأدها إِلَيْهِ وَلمُسلم من طَرِيق بن وَهْبٍ الْمُقْدَّمِ ذِكْرُهَا فَإِذَا لَمْ يَأْتِ لَهَا طَالِبٌ فَاسْتَنْفِقْهَا وَاسْتُدِلَّ بِهِ عَلَى أَنَّ اللَّاقِطَ يَمْلِكُهَا بَعْدَ انْقِضَاءِ مُدَّةِ التَّعْرِيفِ وَهُوَ ظَاهِرُ نَصِّ الشَّافِعِيِّ فَإِنَّ قَوْلَهُ شَأْنَكَ بِهَا تَفْوِيضٌ إِلَى اخْتِيَارِهِ وَقَولُهُ فَاسْتَنْفِقْهَا الْأَمْرُ فِيهِ لِلْإِبَاحَةِ وَالْمَشْهُورُ عِنْدَ الشَّافِعِيَّةِ اشْتِرَاطُ التَّلَفُّظِ بِالتَّمْلِيكِ وَقِيلَ تَكْفِي النِّيَّةُ وَهُوَ الْأَرْجَحُ دَلِيلًا وَقِيلَ تَدْخُلُ فِي مِلْكِهِ بِمُجَرَّدِ الِالْتِقَاطِ وَقَدْ رَوَى الْحَدِيثَ سَعِيدُ بْنُ مَنْصُورٍ عَنِ الدَّرَاوَرْدِيِّ عَنْ رَبِيعَةَ بِلَفْظِ وَإِلَّا فَتَصْنَعُ بِهَا مَا تَصْنَعُ بِمَالِكَ .

     قَوْلُهُ  شَأْنَكَ بِهَا الشَّأْنُ الْحَالُ أَيْ تَصَرَّفْ فِيهَا وَهُوَ بِالنَّصْبِ أَيِ الْزَمْ شَأْنَكَ بِهَا وَيَجُوزُ الرَّفْعُ بِالِابْتِدَاءِ وَالْخَبَرُ بِهَا أَيْ شَأْنُكَ مُتَعَلِّقٌ بِهَا وَاخْتَلَفَ الْعُلَمَاءُ فِيمَا إِذَا تَصَرَّفَ فِي اللُّقَطَةِ بَعْدَ تَعْرِيفِهَا سَنَةً ثُمَّ جَاءَ صَاحِبُهَا هَلْ يَضْمَنُهَا لَهُ أَمْ لَا فَالْجُمْهُورُ عَلَى وُجُوبِ الرَّدِّ إِنْ كَانَتِ الْعَيْنُ مَوْجُودَةً أَوِ الْبَدَلِ إِنْ كَانَتِ اسْتُهْلِكَتْ وَخَالَفَ فِي ذَلِكَ الْكَرَابِيسِيُّ صَاحِبُ الشَّافِعِيِّ وَوَافَقَهُ صَاحِبَاهُ الْبُخَارِيُّ وَدَاوُدُ بْنُ عَلِيٍّ إِمَامُ الظَّاهِرِيَّةِ لَكِنْ وَافَقَ دَاوُدُ الْجُمْهُورَ إِذَا كَانَتِ الْعَيْنُ قَائِمَةً وَمِنْ حُجَّةِ الْجُمْهُورِ .

     قَوْلُهُ  فِي الرِّوَايَةِ الْمَاضِيَةِ وَلْتَكُنْ وَدِيعَةً عِنْدَكَ وَقَولُهُ أَيْضًا عِنْدَ مُسْلِمٍ فِي رِوَايَةِ بِشْرِ بْنِ سَعِيدٍ عَنْ زَيْدِ بْنِ خَالِدٍ فَاعْرِفْ عِفَاصَهَا وَوِكَاءَهَا ثُمَّ كُلْهَا فَإِنْ جَاءَ صَاحِبُهَا فَأَدِّهَا إِلَيْهِ فَإِنَّ ظَاهِرَ قَوْلِهِ فَإِنْ جَاءَ صَاحِبُهَا إِلَخْ بَعْدَ قَوْلِهِ كُلْهَا يَقْتَضِي وُجُوبَ رَدِّهَا بَعْدَ أَكْلِهَا فَيُحْمَلُ عَلَى رَدِّ الْبَدَلِ وَيُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ فِي الْكَلَامِ حَذْفٌ يَدُلُّ عَلَيْهِ بَقِيَّةُ الرِّوَايَاتِ وَالتَّقْدِيرُ فَاعْرِفْ عِفَاصَهَا وَوِكَاءَهَا ثُمَّ كُلْهَا إِنْ لم يَجِيء صَاحِبُهَا فَإِنْ جَاءَ صَاحِبُهَا فَأَدِّهَا إِلَيْهِ وَأَصْرَحُ مِنْ ذَلِكَ رِوَايَةُ أَبِي دَاوُدَ مِنْ هَذَا الْوَجْهِ بِلَفْظِ فَإِنْ جَاءَ بَاغِيهَا فَأَدِّهَا إِلَيْهِ وَإِلَّا فَاعْرِفْ عِفَاصَهَا وَوِكَاءَهَا ثُمَّ كُلْهَا فَإِنْ جَاءَ بَاغِيهَا فَأَدِّهَا إِلَيْهِ فَأَمَرَ بِأَدَائِهَا إِلَيْهِ قَبْلَ الْإِذْنِ فِي أَكْلِهَا وَبَعْدَهُ وَهِيَ أَقْوَى حُجَّةٍ لِلْجُمْهُورِ وَرَوَى أَبُو دَاوُدَ أَيْضًا مِنْ طَرِيقِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ يَزِيدَ مَوْلَى الْمُنْبَعِثِ عَنْ أَبِيهِ عَنْ زَيْدِ بْنِ خَالِدٍ فِي هَذَا الْحَدِيثِ فَإِنْ جَاءَ صَاحِبُهَا دَفَعْتَهَا إِلَيْهِ وَإِلَّا عَرَفْتَ وِكَاءَهَا وَعِفَاصَهَا ثُمَّ اقْبِضْهَا فِي مَالِكَ فَإِنْ جَاءَ صَاحِبُهَا فَادْفَعْهَا إِلَيْهِ وَإِذَا تَقَرَّرَ هَذَا أَمْكَنَ حَمْلُ قَوْلِ الْمُصَنِّفِ فِي التَّرْجَمَةِ فَهِيَ لِمَنْ وَجَدَهَا أَيْ فِي إِبَاحَةِ التَّصَرُّفِ فِيهَا حِينَئِذٍ.
وَأَمَّا أَمْرُ ضَمَانِهَا بَعْدَ ذَلِكَ فَهُوَ سَاكِتٌ عَنْهُ قَالَ النَّوَوِيُّ إِنْ جَاءَ صَاحِبُهَا قَبْلَ أَنْ يَتَمَلَّكَهَا الْمُلْتَقِطُ أَخَذَهَا بِزَوَائِدِهَا الْمُتَّصِلَةِ وَالْمُنْفَصِلَةِ.
وَأَمَّا بَعْدَ التَّمَلُّكِ فَإِنْ لم يَجِيء صَاحِبُهَا فَهِيَ لِمَنْ وَجَدَهَا وَلَا مُطَالَبَةَ عَلَيْهِ فِي الْآخِرَةِ وَإِنْ جَاءَ صَاحِبُهَا فَإِنْ كَانَتْ مَوْجُودَةً بِعَيْنِهَا اسْتَحَقَّهَا بِزَوَائِدِهَا الْمُتَّصِلَةِ وَمَهْمَا تَلِفَ مِنْهَا لَزِمَ الْمُلْتَقِطَ غَرَامَتُهُ لِلْمَالِكِ وَهُوَ قَوْلُ الْجُمْهُورِ.

     وَقَالَ  بَعْضُ السَّلَفِ لَا يَلْزَمُهُ وَهُوَ ظَاهِرُ اخْتِيَارِ الْبُخَارِيِّ وَاللَّهُ أَعْلَمُ وَسَأَذْكُرُ بَقِيَّةَ فَوَائِدِ حَدِيثِ زَيْدِ بْنِ خَالِدٍ بَعْدَ أَرْبَعَةِ أَبْوَابٍ إِنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى



( قَولُهُ بَابُ إِذَا وَجَدَ خَشَبَةً فِي الْبَحْرِ أَوْ سَوْطًا أَوْ نَحْوَهُ)
أَيْ مَاذَا يَصْنَعُ بِهِ هَلْ يَأْخُذُهُ أَوْ يَتْرُكُهُ وَإِذَا أَخَذَهُ هَلْ يَتَمَلَّكُهُ أَوْ يَكُونُ سَبِيلُهُ سَبِيلَ اللُّقَطَةِ وَقَدِ اخْتَلَفَ الْعُلَمَاءُ فِي ذَلِكَ



[ قــ :36 ... غــ :430] .

     قَوْلُهُ  وقَال اللَّيْثُ إِلَخْ تَقَدَّمَ الْكَلَامُ عَلَيْهِ مُسْتَوْفًى فِي الْكَفَالَةِ وَأَوْرَدَهُ هُنَا مُخْتَصَرًا وَسَبَقَ تَوْجِيهُ اسْتِنْبَاطِ التَّرْجَمَةِ مِنْهُ وَأَنَّهَا مِنْ جِهَةِ أَنَّ شَرْعَ مَنْ قَبْلَنَا شَرْعٌ لَنَا مَا لَمْ يَأْتِ فِي شَرْعِنَا مَا يُخَالِفُهُ وَلَا سِيَّمَا إِذَا سَاقَهُ الشَّارِعُ مَسَاقَ الثَّنَاءِ عَلَى فَاعِلِهِ فَبِهَذَا التَّقْدِيرِ تَمَّ الْمُرَادُ مِنْ جَوَازِ أَخْذِ الْخَشَبَةِ مِنَ الْبَحْرِ وَقَدِ اخْتَلَفَ الْعُلَمَاءُ فِي ذَلِكَ عَلَى مَا سَأَذْكُرُهُ.
وَأَمَّا السَّوْطُ وَغَيْرُهُ فَلَمْ يَقع لَهُ ذكر فِي الْبَاب فاعترضه بن الْمُنِيرِ بِسَبَبِ ذَلِكَ وَأُجِيبَ بِأَنَّهُ اسْتَنْبَطَهُ بِطَرِيقِ الْإِلْحَاقِ وَلَعَلَّهُ أَشَارَ بِالسَّوْطِ إِلَى أَثَرٍ يَأْتِي بَعْدَ أَبْوَابٍ فِي حَدِيثِ أُبَيِّ بْنِ كَعْبٍ أَوْ أَشَارَ إِلَى مَا أَخْرَجَهُ أَبُو دَاوُدَ مِنْ حَدِيثِ جَابِرٍ قَالَ رَخَّصَ لَنَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي الْعَصَا وَالسَّوْطِ وَالْحَبْلِ وَأَشْبَاهِهِ يَلْتَقِطُهُ الرَّجُلُ يَنْتَفِعُ بِهِ وَفِي إِسْنَادِهِ ضَعْفٌ وَاخْتُلِفَ فِي رَفْعِهِ وَوَقْفِهِ وَالْأَصَحُّ عِنْدَ الشَّافِعِيَّةِ أَنَّهُ لَا فَرْقَ فِي اللُّقَطَةِ بَيْنَ الْقَلِيلِ وَالْكَثِيرِ فِي التَّعْرِيفِ وَغَيْرِهِ وَفِي وَجْهٍ لَا يَجِبُ التَّعْرِيفُ أَصْلًا وَقِيلَ تُعَرَّفُ مَرَّةً وَقِيلَ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ وَقِيلَ زَمَنًا يَظُنُّ أَنَّ فَاقِدَهُ أَعْرَضَ عَنْهُ وَهَذَا كُلُّهُ فِي قَلِيلٍ لَهُ قِيمَةٌ أَمَّا مَا لَا قِيمَةَ لَهُ كَالْحَبَّةِ الْوَاحِدَةِ فَلَهُ الِاسْتِبْدَادُ بِهِ عَلَى الْأَصَحِّ وَفِي الْبَابِ الَّذِي يَلِيهِ فِي حَدِيثِ التَّمْرَةِ حُجَّةٌ لِذَلِكَ وَعِنْدَ الْحَنَفِيَّةِ أَنَّ كُلَّ شَيْءٍ يَعْلَمُ أَنَّ صَاحِبَهُ لَا يَطْلُبُهُ كَالنَّوَاةِ جَازَ أَخْذُهُ وَالِانْتِفَاعُ بِهِ مِنْ غَيْرِ تَعْرِيفٍ إِلَّا أَنَّهُ يَبْقَى عَلَى مِلْكِ صَاحِبِهِ وَعِنْدَ الْمَالِكِيَّةِ كَذَلِكَ إِلَّا أَنَّهُ يَزُولُ مِلْكُ صَاحِبِهِ عَنْهُ فَإِنْ كَانَ لَهُ قَدْرٌ وَمَنْفَعَةٌ وَجَبَ تَعْرِيفُهُ وَاخْتَلَفُوا فِي مُدَّةِ التَّعْرِيفِ فَإِنْ كَانَ مِمَّا يَتَسَارَعُ إِلَيْهِ الْفَسَادُ جَازَ أَكْلُهُ وَلَا يَضْمَنُ عَلَى الْأَصَحِّ