فهرس الكتاب

فتح الباري لابن حجر - باب الخطإ والنسيان في العتاقة والطلاق ونحوه، ولا عتاقة إلا لوجه الله

( قَولُهُ بَابُ الْخَطَأِ وَالنِّسْيَانِ فِي الْعَتَاقَةِ وَالطَّلَاقِ وَنَحْوِهِ)
أَيْ مِنَ التَّعْلِيقَاتِ لَا يَقَعُ شَيْءٌ مِنْهَا إِلَّا بِالْقَصْدِ وَكَأَنَّهُ أَشَارَ إِلَى رَدِّ مَا رُوِيَ عَنْ مَالِكٍ أَنَّهُ يَقَعُ الطَّلَاقُ وَالْعِتَاقُ عَامِدًا كَانَ أَوْ مُخْطِئًا ذَاكِرًا كَانَ أَوْ نَاسِيًا وَقَدْ أَنْكَرَهُ كَثِيرٌ مِنْ أَهْلِ مَذْهَبِهِ قَالَ الدَّاوُدِيُّ وُقُوعُ الْخَطَأِ فِي الطَّلَاقِ وَالْعِتَاقِ أَنْ يُرِيدَ أَنْ يَلْفِظَ بِشَيْءٍ غَيْرِهِمَا فَيَسْبِقُ لِسَانُهُ إِلَيْهِمَا.
وَأَمَّا النِّسْيَانُ فَفِيمَا إِذَا حَلَفَ وَنَسِيَ .

     قَوْلُهُ  وَلَا عَتَاقَةَ إِلَّا لِوَجْهِ اللَّهِ سَيَأْتِي فِي الطَّلَاقِ نَقْلُ مَعْنَى ذَلِكَ عَنْ عَلِيٍّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ وَفِي الطَّبَرَانِيِّ من حَدِيث بن عَبَّاسٍ مَرْفُوعًا لَا طَلَاقَ إِلَّا لِعِدَّةٍ وَلَا عِتَاقَ إِلَّا لِوَجْهِ اللَّهِ وَأَرَادَ الْمُصَنِّفُ بِذَلِكَ إِثْبَاتَ اعْتِبَارِ النِّيَّةِ لِأَنَّهُ لَا يَظْهَرُ كَوْنُهُ لِوَجْهِ اللَّهِ إِلَّا مَعَ الْقَصْدِ وَأَشَارَ إِلَى الرَّدِّ عَلَى مَنْ قَالَ مَنْ أَعْتَقَ عَبْدَهُ لوجه الله أَو للشَّيْطَان أَوْ لِلصَّنَمِ عَتَقَ لِوُجُودِ رُكْنِ الْإِعْتَاقِ وَالزِّيَادَةُ عَلَى ذَلِكَ لَا تُخِلُّ بِالْعِتْقِ .

     قَوْلُهُ  وقَال النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِكُلِّ امْرِئٍ مَا نَوَى هُوَ طَرَفٌ مِنْ حَدِيثِ عُمَرَ وَقَدْ ذَكَرَهُ فِي الْبَابِ بِلَفْظِ وَإِنَّمَا لِامْرِئٍ مَا نَوَى وَاللَّفْظُ الْمُعَلَّقُ أَوْرَدَهُ فِي أَوَّلِ الْكِتَابِ حَيْثُ قَالَ فِيهِ وَإِنَّمَا لِكُلِّ امْرِئٍ مَا نَوَى وَأَوْرَدَهُ فِي أَوَاخِرِ الْإِيمَانِ بِلَفْظِ وَلكُل امْرِئ مَا نوى وَإِنَّمَا فِيهِ مُقَدَّرَةٌ .

     قَوْلُهُ  وَلَا نِيَّةَ لِلنَّاسِي وَالْمُخْطِئِ وَقَعَ فِي رِوَايَةِ الْقَابِسِيِّ الْخَاطِئِ بَدَلَ الْمُخْطِئِ قَالُوا الْمُخْطِئُ مَنْ أَرَادَ الصَّوَابَ فَصَارَ إِلَى غَيْرِهِ وَالْخَاطِئُ مَنْ تَعَمَّدَ لِمَا لَا يَنْبَغِي وَأَشَارَ الْمُصَنِّفُ بِهَذَا الِاسْتِنْبَاطِ إِلَى بَيَانِ أَخْذِ التَّرْجَمَةِ مِنْ حَدِيثِ الْأَعْمَالُ بِالنِّيَّاتِ وَيُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ أَشَارَ بِالتَّرْجَمَةِ إِلَى مَا وَرَدَ فِي بَعْضِ الطُّرُقِ كَعَادَتِهِ وَهُوَ الْحَدِيثُ الَّذِي يَذْكُرُهُ أَهْلُ الْفِقْهِ وَالْأُصُولِ كَثِيرًا بِلَفْظِ رَفَعَ اللَّهُ عَن أمتِي الْخَطَأ وَالنِّسْيَان وَمَا اسْتكْرهُوا عَلَيْهِ أخرجه بن ماجة من حَدِيث بن عَبَّاسٍ إِلَّا أَنَّهُ بِلَفْظِ وَضَعَ بَدَلَ رَفَعَ وَأَخْرَجَهُ الْفَضْلُ بْنُ جَعْفَرٍ التَّيْمِيُّ فِي فَوَائِدِهِ بِالْإِسْنَادِ الَّذِي أخرجه بِهِ بن مَاجَهْ بِلَفْظِ رَفَعَ وَرِجَالُهُ ثِقَاتٌ إِلَّا أَنَّهُ أُعِلَّ بِعِلَّةٍ غَيْرِ قَادِحَةٍ فَإِنَّهُ مِنْ رِوَايَةِ الْوَلِيدِ عَنِ الْأَوْزَاعِيِّ عَنْ عَطَاءٍ عَنْهُ وَقَدْ رَوَاهُ بِشْرُ بْنُ بَكْرٍ عَنِ الْأَوْزَاعِيِّ فَزَادَ عبيد بن عُمَيْر بَين عَطاء وبن عَبَّاسٍ أَخْرَجَهُ الدَّارَقُطْنِيُّ وَالْحَاكِمُ وَالطَّبَرَانِيُّ وَهُوَ حَدِيثٌ جَلِيلٌ قَالَ بَعْضُ الْعُلَمَاءِ يَنْبَغِي أَنْ يُعَدَّ نِصْفَ الْإِسْلَامِ لِأَنَّ الْفِعْلَ إِمَّا عَنْ قَصْدٍ وَاخْتِيَارٍ أَوْ لَا الثَّانِي مَا يَقَعُ عَنْ خَطَأٍ أَوْ نِسْيَانٍ أَوْ إِكْرَاهٍ فَهَذَا الْقِسْمُ مَعْفُوٌّ عَنْهُ بِاتِّفَاقٍ وَإِنَّمَا اخْتَلَفَ الْعُلَمَاءُ هَلِ الْمَعْفُوُّ عَنْهُ الْإِثْمُ أَوِ الْحُكْمُ أَوْ هُمَا مَعًا وَظَاهِرُ الْحَدِيثِ الْأَخِيرُ وَمَا خَرَجَ عَنْهُ كَالْقَتْلِ فَلَهُ دَلِيلٌ مُنْفَصِلٌ وَسَيَأْتِي بَسْطُ الْقَوْلِ فِي ذَلِكَ فِي كِتَابِ الْأَيْمَانِ وَالنُّذُورِ إِنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى وَتَقْدِيرُ قَوْلِهِ وَلِكُلِّ امْرِئٍ مَا نَوَى يُعْتَدُّ لِكُلِّ امْرِئٍ مَا نَوَى وَهُوَ يَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ أَوْ فِي الْآخِرَةِ فَقَطْ وَبِحَسَبِ هَذَيْنِ الِاحْتِمَالَيْنِ وَقَعَ الِاخْتِلَافُ فِي الْحُكْمِ



[ قــ :2418 ... غــ :2528] .

     قَوْلُهُ  عَنْ زُرَارَةَ بْنِ أَوْفَى يَأْتِي فِي الْأَيْمَانِ وَالنُّذُورِ بِلَفْظِ حَدَّثَنَا زُرَارَةُ وَهُوَ مِنْ ثِقَاتِ التَّابِعِينَ كَانَ قَاضِيَ الْبَصْرَةِ وَلَيْسَ لَهُ فِي الْبُخَارِيِّ إِلَّا أَحَادِيثُ يَسِيرَةٌ .

     قَوْلُهُ  مَا وَسْوَسَتْ بِهِ صُدُورُهَا يَأْتِي فِي الطَّلَاقِ بِلَفْظِ مَا حَدَّثَتْ بِهِ أَنْفسهَا وَهُوَ الْمَشْهُور وصدورها فِي أَكْثَرِ الرِّوَايَاتِ بِالضَّمِّ وَلِلْأَصِيلِيِّ بِالْفَتْحِ عَلَى أَنَّ وَسْوَسَتْ مُضَمَّنٌ مَعْنَى حَدَّثَتْ وَحَكَى الطَّبَرِيُّ هَذَا الِاخْتِلَافَ فِي حَدَّثَتْ بِهِ أَنْفُسُهَا وَالضَّمُّ كَقَوْلِهِ تَعَالَى وَنَعْلَمُ مَا تُوَسْوِسُ بِهِ نَفْسُهُ .

     قَوْلُهُ  مَا لَمْ تَعْمَلْ أَوْ تَكَلَّمْ وَيَأْتِي فِي النُّذُورِ بِلَفْظِ مَا لَمْ تَعْمَلْ بِهِ وَالْمُرَادُ نَفْيُ الْحَرَجِ عَمَّا يَقَعُ فِي النَّفْسِ حَتَّى يَقَعَ الْعَمَلُ بِالْجَوَارِحِ أَوِ الْقَوْلُ بِاللِّسَانِ عَلَى وَفْقِ ذَلِكَ وَالْمُرَادُ بِالْوَسْوَسَةِ تَرَدُّدُ الشَّيْءِ فِي النَّفْسِ مِنْ غَيْرِ أَنْ يَطْمَئِنَّ إِلَيْهِ وَيَسْتَقِرَّ عِنْدَهُ وَلِهَذَا فَرَّقَ الْعُلَمَاءُ بَيْنَ الْهَمِّ وَالْعَزْمِ كَمَا سَيَأْتِي الْكَلَامُ عَلَيْهِ فِي حَدِيثِ مَنْ هَمَّ بِحَسَنَةٍ وَمِنْ هُنَا تَظْهَرُ مُنَاسَبَةُ هَذَا الْحَدِيثِ لِلتَّرْجَمَةِ لِأَنَّ الْوَسْوَسَةَ لَا اعْتِبَارَ لَهَا عِنْدَ عَدَمِ التَّوَطُّنِ فَكَذَلِكَ الْمُخْطِئُ وَالنَّاسِي لَا توطن لَهما وَزَاد بن ماجة عَن هِشَام بن عمار عَن بن عُيَيْنَةَ فِي آخِرِهِ وَمَا اسْتُكْرِهُوا عَلَيْهِ وَأَظُنُّهَا مُدْرَجَةً مِنْ حَدِيثٍ آخَرَ دَخَلَ عَلَى هِشَامٍ حَدِيثٌ فِي حَدِيثٍ قِيلَ لَا مُطَابَقَةَ بَيْنَ الْحَدِيثِ وَالتَّرْجَمَةِ لِأَنَّ التَّرْجَمَةَ فِي النِّسْيَانِ وَالْحَدِيثَ فِي حَدِيثِ النَّفْسِ وَأَجَابَ الْكَرْمَانِيُّ بِأَنَّهُ أَشَارَ إِلَى إِلْحَاقِ النِّسْيَانِ بِالْوَسْوَسَةِ فَكَمَا أَنَّهُ لَا اعْتِبَارَ لِلْوَسْوَسَةِ لِأَنَّهَا لَا تَسْتَقِرُّ فَكَذَلِكَ الْخَطَأُ وَالنِّسْيَانُ لَا اسْتِقْرَارَ لِكُلٍّ مِنْهُمَا وَيُحْتَمَلُ أَنْ يُقَالَ إِنَّ شَغْلَ الْبَالِ بِحَدِيثِ النَّفْسِ يَنْشَأُ عَنهُ الْخَطَأِ وَالنِّسْيَانِ وَمِنْ ثَمَّ رَتَّبَ عَلَى مَنْ لَا يُحَدِّثُ نَفْسَهُ فِي الصَّلَاةِ مَا سَبَقَ فِي حَدِيثِ عُثْمَانَ فِي كِتَابِ الطَّهَارَةِ مِنَ الْغُفْرَانِ تَنْبِيهٌ ذَكَرَ خَلَفٌ فِي الْأَطْرَافِ أَنَّ الْبُخَارِيَّ أَخْرَجَ هَذَا الْحَدِيثَ فِي الْعِتْقِ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عَرْعَرَةَ عَنْ شُعْبَةَ عَنْ قَتَادَةَ وَلَمْ نَرَهُ فِيهِ وَلَمْ يَذْكُرْهُ أَبُو مَسْعُودٍ وَلَا الطوقي وَلَا بن عَسَاكِرَ وَلَا اسْتَخْرَجَهُ الْإِسْمَاعِيلِيُّ وَلَا أَبُو نُعَيْمٍ وَسَيَأْتِي الْكَلَامُ عَلَى هَذَا الْحَدِيثِ مُسْتَوْفًى فِي كِتَابِ الْأَيْمَانِ وَالنُّذُورِ إِنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى





[ قــ :419 ... غــ :59] .

     قَوْلُهُ  عَنْ سُفْيَانَ هُوَ الثَّوْرِيُّ .

     قَوْلُهُ  الْأَعْمَالُ بِالنِّيَّةِ وَلِامْرِئٍ مَا نَوَى كَذَا أَخْرَجَهُ بِحَذْفِ إِنَّمَا فِي الْمَوْضِعَيْنِ وَقَدْ أَخْرَجَهُ أَبُو دَاوُدَ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ كَثِيرٍ شَيْخِ الْبُخَارِيِّ فِيهِ فَقَالَ إِنَّمَا الْأَعْمَالُ بِالنِّيَّاتِ وَإِنَّمَا لِامْرِئٍ مَا نَوَى .

     قَوْلُهُ  إِلَى دُنْيَا فِي رِوَايَةِ الْكُشْمِيهَنِيِّ لِدُنْيَا وَهِيَ رِوَايَةُ أَبِي دَاوُدَ الْمَذْكُورَةُ وَقَدْ تَقَدَّمَ الْكَلَامُ عَلَى هَذَا الْحَدِيثِ فِي أَوَّلِ الْكِتَابِ وَيَأْتِي بَقِيَّةٌ مِنْهُ فِي تَرْكِ الْحِيَلِ وَغَيره أَن شَاءَ الله تَعَالَى