فهرس الكتاب

فتح الباري لابن حجر - باب الهدية للمشركين

( قَولُهُ بَابُ الْهَدِيَّةِ لِلْمُشْرِكِينَ وَقَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى لَا يَنْهَاكُمُ اللَّهُ عَنِ الَّذِينَ لَمْ يُقَاتِلُوكُمْ فِي الدّين)
سَاقَ إِلَى آخِرِ الْآيَةِ وَهِيَ رِوَايَةُ أَبِي ذَرٍّ وَأَبِي الْوَقْتِ وَسَاقَ الْبَاقُونَ إِلَى قَوْلِهِ وتقسطوا إِلَيْهِم وَالْمُرَادُ مِنْهَا بَيَانُ مَنْ يَجُوزُ بِرُّهُ مِنْهُمْ وَأَنَّ الْهَدِيَّةَ لِلْمُشْرِكِ إِثْبَاتًا وَنَفْيًا لَيْسَتْ عَلَى الْإِطْلَاقِ وَمِنْ هَذِهِ الْمَادَّةِ .

     قَوْلُهُ  تَعَالَى وَإِنْ جَاهَدَاكَ عَلَى أَنْ تُشْرِكَ بِي مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ فَلَا تُطِعْهُمَا وَصَاحِبْهُمَا فِي الدُّنْيَا مَعْرُوفا الْآيَةَ ثُمَّ الْبِرُّ وَالصِّلَةُ وَالْإِحْسَانُ لَا يَسْتَلْزِمُ التَّحَابُبَ وَالتَّوَادُدَ الْمَنْهِيَّ عَنْهُ فِي قَوْلِهِ تَعَالَى لَا تَجِدُ قَوْمًا يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ يوادون من حاد الله وَرَسُوله الْآيَةَ فَإِنَّهَا عَامَّةٌ فِي حَقِّ مَنْ قَاتَلَ وَمَنْ لَمْ يُقَاتِلْ وَاللَّهُ أَعْلَمُ وَأَوْرَدَ فِيهِ حديثين أَحدهمَا حَدِيث بن عُمَرَ فِي حُلَّةِ عُطَارِدٍ وَقَدْ سَبَقَ قَرِيبًا وَالْغَرَضُ مِنْهُ



[ قــ :2504 ... غــ :2619] .

     قَوْلُهُ  فَأَرْسَلَ بِهَا عُمَرُ إِلَى أَخٍ لَهُ مِنْ أَهْلِ مَكَّةَ قَبْلَ أَنْ يُسْلِمَ وَاسْمُ هَذَا الْأَخِ عُثْمَانُ بْنُ حَكِيمٍ وَكَانَ أَخَا عُمَرَ مِنْ أُمِّهِ أُمُّهُمَا خَيْثَمَةُ بِنْتُ هِشَامِ بْنِ الْمُغِيرَةِ وَهِيَ بِنْتُ عَمِّ أَبِي جَهْلِ بْنِ هِشَامِ بْنِ الْمُغِيرَةِ.

     وَقَالَ  الدِّمْيَاطِيُّ إِنَّمَا كَانَ عُثْمَانُ بْنُ حَكِيمٍ أَخَا زَيْدِ بْنِ الْخَطَّابِ أَخِي عُمَرَ لِأُمِّهِ أُمِّهِمَا أَسْمَاءَ بِنْتِ وَهْبٍ.

قُلْتُ إِنْ ثَبَتَ احْتَمَلَ أَنْ تَكُونَ أَسْمَاءُ بِنْتُ وَهْبٍ أَرْضَعَتْ عُمَرَ فَيَكُونَ عُثْمَانُ بْنُ حَكِيمٍ أَخَاهُ أَيْضًا مِنَ الرَّضَاعَةِ كَمَا هُوَ أَخُو أَخِيهِ زَيْدٍ مِنْ أُمِّهِ ثَانِيهِمَا حَدِيثُ أَسْمَاءَ بِنْتِ أَبِي بَكْرٍ





[ قــ :505 ... غــ :60] قَوْله عَن هِشَام هُوَ بن عُرْوَة وَفِي رِوَايَة بن عُيَيْنَةَ الْآتِيَةِ فِي الْأَدَبِ أَخْبَرَنِي أَبِي .

     قَوْلُهُ  عَنْ أَسْمَاءَ بِنْتِ أَبِي بَكْرٍ فِي رِوَايَةِ بن عُيَيْنَةَ الْمَذْكُورَةِ أَخْبَرَتْنِي أَسْمَاءُ كَذَا قَالَ أَكْثَرُ أَصْحَاب هِشَام.

     وَقَالَ  بعض أَصْحَاب بن عُيَيْنَةَ عَنْهُ عَنْ هِشَامٍ عَنْ فَاطِمَةَ بِنْتِ الْمُنْذِرِ عَنْ أَسْمَاءَ قَالَ الدَّارَقُطْنِيُّ وَهُوَ خَطَأٌ.

قُلْتُ حَكَى أَبُو نُعَيْمٍ أَنَّ عُمَرَ بْنَ عَليّ الْمقدمِي وَيَعْقُوب الْقَارئ رَوَيَاهُ عَنْ هِشَامٍ كَذَلِكَ فَيَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَا مَحْفُوظَيْنِ وَرَوَاهُ أَبُو مُعَاوِيَةَ وَعَبْدُ الْحَمِيدِ بْنُ جَعْفَرٍ عَنْ هِشَامٍ فَقَالَا عَنْ عُرْوَةَ عَنْ عَائِشَة وَكَذَا أخرجه بن حِبَّانَ مِنْ طَرِيقِ الثَّوْرِيِّ عَنْ هِشَامٍ وَالْأَوَّلُ أَشْهَرُ قَالَ الْبَرْقَانِيُّ وَهُوَ أَثْبَتُ اه وَلَا يَبْعُدُ أَنْ يَكُونَ عِنْدَ عُرْوَةَ عَنْ أُمِّهِ وخالته فقد أخرجه بن سَعْدٍ وَأَبُو دَاوُدَ الطَّيَالِسِيُّ وَالْحَاكِمُ مِنْ حَدِيثِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الزُّبَيْرِ قَالَ قَدِمَتْ قُتَيْلَةُ بِالْقَافِ وَالْمُثَنَّاةِ مُصَغَّرَةٌ بِنْتُ عَبْدِ الْعُزَّى بْنِ سَعْدٍ مِنْ بَنِي مَالِكِ بْنِ حِسْلٍ بِكَسْرِ الْحَاءِ وَسُكُونِ السِّينِ الْمُهْمَلَتَيْنِ عَلَى ابْنَتِهَا أَسْمَاءَ بِنْتِ أَبِي بَكْرٍ فِي الْهُدْنَةِ وَكَانَ أَبُو بَكْرٍ طَلَّقَهَا فِي الْجَاهِلِيَّةِ بِهَدَايَا زَبِيبٍ وَسَمْنٍ وَقَرَظٍ فَأَبَتْ أَسْمَاءُ أَنْ تَقْبَلَ هَدِيَّتَهَا أَوْ تُدْخِلَهَا بَيْتَهَا وَأَرْسَلَتْ إِلَى عَائِشَةَ سَلِي رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ لِتُدْخِلْهَا الْحَدِيثَ وَعُرِفَ مِنْهُ تَسْمِيَةُ أُمِّ أَسْمَاءَ وَأَنَّهَا أُمُّهَا حَقِيقَةً وَأَنَّ مَنْ قَالَ إِنَّهَا أُمُّهَا مِنَ الرَّضَاعَةِ فَقَدْ وَهَمَ وَوَقَعَ عِنْدَ الزُّبَيْرِ بْنِ بَكَّارٍ أَنَّ اسْمَهَا قَيْلَةُ وَرَأَيْتُهُ فِي نُسْخَة مُجَرّدَة مِنْهُ بِسُكُون التَّحْتَانِيَّة وَضَبطه بن مَاكُولَا بِسُكُونِ الْمُثَنَّاةِ فَعَلَى هَذَا فَمَنْ قَالَ قُتَيْلَةٌ صَغَّرَهَا قَالَ الزُّبَيْرُ أُمُّ أَسْمَاءَ وَعَبْدِ اللَّهِ ابْنَيْ أَبِي بَكْرٍ قَيْلَةُ بِنْتُ عَبْدِ الْعُزَّى وَسَاقَ نَسَبَهَا إِلَى حِسْلِ بْنِ عَامِرِ بْنِ لُؤَيٍّ.
وَأَمَّا قَوْلُ الدَّاوُدِيِّ إِنَّ اسْمَهَا أم بكر فقد قَالَ بن التِّينِ لَعَلَّهُ كُنْيَتُهَا .

     قَوْلُهُ  قَدِمَتْ عَلَيَّ أُمِّي زَادَ اللَّيْثُ عَنْ هِشَامٍ كَمَا سَيَأْتِي فِي الْأَدَبِ مَعَ ابْنِهَا وَكَذَا فِي رِوَايَةِ حَاتِمِ بْنِ إِسْمَاعِيلَ عَنْ هِشَامٍ كَمَا سَيَأْتِي فِي أَوَاخِرِ الْجِزْيَةِ وَذَكَرَ الزُّبَيْرُ أَنَّ اسْمَ ابْنِهَا الْمَذْكُورِ الْحَارِثُ بْنُ مُدْرِكِ بْنِ عُبَيْدِ بْنِ عَمْرِو بْنِ مَخْزُومٍ وَلَمْ أَرَ لَهُ ذِكْرًا فِي الصَّحَابَةِ فَكَأَنَّهُ مَاتَ مُشْرِكًا وَذَكَرَ بَعْضُ شُيُوخِنَا أَنَّهُ وَقَعَ فِي بَعْضِ النُّسَخِ مَعَ أَبِيهَا بِمُوَحَّدَةٍ ثُمَّ تَحْتَانِيَّةٍ وَهُوَ تَصْحِيفٌ .

     قَوْلُهُ  وَهِيَ مُشْرِكَةٌ سَأَذْكُرُ مَا قِيلَ فِي إِسْلَامِهَا .

     قَوْلُهُ  فِي عَهْدِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي رِوَايَةِ حَاتِمٍ فِي عَهْدِ قُرَيْشٍ إِذْ عَاهَدُوا رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَأَرَادَ بِذَلِكَ مَا بَيْنَ الْحُدَيْبِيَةِ وَالْفَتْحِ وَسَيَأْتِي بَيَانُهُ فِي الْمَغَازِي .

     قَوْلُهُ  فَاسْتَفْتَيْتُ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.

قُلْتُ إِنَّ أُمِّي قَدِمَتْ وَهِيَ رَاغِبَةٌ فِي رِوَايَةِ حَاتِمٍ فَقَالَتْ يَا رَسُولَ اللَّهِ إِنَّ أُمِّي قَدِمَتْ عَلَيَّ وَهِيَ رَاغِبَةٌ وَلِمُسْلِمٍ مِنْ طَرِيقِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ إِدْرِيسَ عَنْ هِشَامٍ رَاغِبَةً أَوْ رَاهِبَةً بِالشَّكِّ وَلِلطَّبَرَانِيِّ مِنْ طَرِيقِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ إِدْرِيسَ الْمَذْكُورِ رَاغِبَةً وَرَاهِبَةً وَفِي حَدِيث عَائِشَة عِنْد بن حِبَّانَ جَاءَتْنِي رَاغِبَةً وَرَاهِبَةً وَهُوَ يُؤَيِّدُ رِوَايَةَ الطَّبَرَانِيِّ وَالْمَعْنَى أَنَّهَا قَدِمَتْ طَالِبَةً فِي بِرِّ ابْنَتِهَا لَهَا خَائِفَةً مِنْ رَدِّهَا إِيَّاهَا خَائِبَةً هَكَذَا فَسَّرَهُ الْجُمْهُورُ وَنَقَلَ الْمُسْتَغْفَرِيُّ أَنَّ بَعْضَهُمْ أَوَّلَهُ فَقَالَ وَهِيَ رَاغِبَةٌ فِي الْإِسْلَامِ فَذَكَرَهَا لِذَلِكَ فِي الصَّحَابَةِ وَرَدَّهُ أَبُو مُوسَى بِأَنَّهُ لَمْ يَقَعْ فِي شَيْءٍ مِنَ الرِّوَايَاتِ مَا يَدُلُّ عَلَى إِسْلَامِهَا وَقَوْلُهَا رَاغِبَةً أَيْ فِي شَيْءٍ تَأْخُذُهُ وَهِيَ عَلَى شِرْكِهَا وَلِهَذَا اسْتَأْذَنَتْ أَسْمَاءُ فِي أَنْ تَصِلَهَا وَلَوْ كَانَتْ رَاغِبَةً فِي الْإِسْلَامِ لَمْ تَحْتَجْ إِلَى إِذْنٍ اه وَقِيلَ مَعْنَاهُ رَاغِبَةً عَنْ دِينِي أَوْ رَاغِبَةً فِي الْقُرْبِ مِنِّي وَمُجَاوَرَتِي وَالتَّوَدُّدِ إِلَيَّ لِأَنَّهَا ابْتَدَأَتْ أَسْمَاءَ بِالْهَدِيَّةِ الَّتِي أَحْضَرَتْهَا وَرَغِبَتْ مِنْهَا فِي الْمُكَافَأَةِ وَلَوْ حَمَلَ قَوْلَهُ رَاغِبَةً أَيْ فِي الْإِسْلَامِ لَمْ يَسْتَلْزِمْ إِسْلَامَهَا وَوَقَعَ فِي رِوَايَةِ عِيسَى بْنِ يُونُسَ عَنْ هِشَامٍ عِنْدَ أَبِي دَاوُدَ وَالْإِسْمَاعِيلِيِّ رَاغِمَةً بِالْمِيمِ أَيْ كَارِهَةً لِلْإِسْلَامِ وَلم تقدم مهاجرة.

     وَقَالَ  بن بَطَّالٍ قِيلَ مَعْنَاهُ هَارِبَةً مِنْ قَوْمِهَا وَرَدَّهُ بِأَنَّهُ لَوْ كَانَ كَذَلِكَ لَكَانَ مُرَاغَمَةً قَالَ وَكَانَ أَبُو عَمْرِو بْنُ الْعَلَاءِ يُفَسِّرُ قَوْلَهُ مُرَاغَمًا بِالْخُرُوجِ عَنِ الْعَدُوِّ عَلَى رَغْمِ أَنْفِهِ فَيَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ هَذَا كَذَلِكَ قَالَ وَرَاغِبَةً بِالْمُوَحَّدَةِ أَظْهَرُ فِي مَعْنَى الْحَدِيثِ .

     قَوْلُهُ  صِلِي أُمَّكِ زَادَ فِي الْأَدَبِ عَقِبَ حَدِيثِهِ عَنِ الْحميدِي عَن بن عُيَيْنَة قَالَ بن عُيَيْنَةَ فَأَنْزَلَ اللَّهُ فِيهَا لَا يَنْهَاكُمُ اللَّهُ عَنِ الَّذِينَ لَمْ يُقَاتِلُوكُمْ فِي الدّين وَكَذَا وَقَعَ فِي آخِرِ حَدِيثِ عَبْدِ اللَّهِ بن الزبير وَلَعَلَّ بن عُيَيْنَة تَلقاهُ مِنْهُ وروى بن أَبِي حَاتِمٍ عَنِ السُّدِّيِّ أَنَّهَا نَزَلَتْ فِي نَاسٍ مِنَ الْمُشْرِكِينَ كَانُوا أَلْيَنَ شَيْءٍ جَانِبًا لِلْمُسْلِمِينَ وَأَحْسَنَهُ أَخْلَاقًا.

قُلْتُ وَلَا مُنَافَاةَ بَيْنَهُمَا فَإِنَّ السَّبَبَ خَاصٌّ وَاللَّفْظَ عَامٌّ فَيَتَنَاوَلُ كُلَّ مَنْ كَانَ فِي مَعْنَى وَالِدَةِ أَسْمَاءَ وَقِيلَ نَسَخَ ذَلِكَ آيَةُ الْأَمْرِ بِقَتْلِ الْمُشْرِكِينَ حَيْثُ وُجِدُوا وَاللَّهُ أَعْلَمُ.

     وَقَالَ  الْخَطَّابِيُّ فِيهِ أَنَّ الرَّحِمَ الْكَافِرَةَ تُوصَلُ مِنَ الْمَالِ وَنَحْوِهِ كَمَا تُوصَلُ الْمُسْلِمَةُ وَيُسْتَنْبَطُ مِنْهُ وُجُوبُ نَفَقَةِ الْأَبِ الْكَافِرِ وَالْأُمِّ الْكَافِرَةِ وَإِنْ كَانَ الْوَلَدُ مُسْلِمًا اه وَفِيهِ مُوَادَعَةُ أَهْلِ الْحَرْبِ وَمُعَامَلَتُهُمْ فِي زَمَنِ الْهُدْنَةِ وَالسَّفَرُ فِي زِيَارَةِ الْقَرِيبِ وَتَحَرِّي أَسْمَاءَ فِي أَمْرِ دِينِهَا وَكَيْفَ لَا وَهِيَ بِنْتُ الصِّدِّيقِ وَزَوْجُ الزُّبَيْرِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ