فهرس الكتاب

فتح الباري لابن حجر - باب: لا يحل لأحد أن يرجع في هبته وصدقته

( قَولُهُ بَابُ لَا يَحِلُّ لِأَحَدٍ أَنْ يَرْجِعَ فِي هِبَتِهِ وَصَدَقَتِهِ)
كَذَا بَتَّ الْحَكَمُ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ لِقُوَّةِ الدَّلِيلِ عِنْدَهُ فِيهَا وَتَقَدَّمَ فِي بَابِ الْهِبَةِ لِلْوَلَدِ أَنَّهُ أَشَارَ فِي التَّرْجَمَةِ إِلَى أَنَّ لِلْوَالِدِ الرُّجُوعَ فِيمَا وَهَبَهُ لِلْوَلَدِ فَيُمْكِنُ أَنَّهُ يَرَى صِحَّةَ الرُّجُوعِ لَهُ وَإِنْ كَانَ حَرَامًا بِغَيْرِ عُذْرٍ وَاخْتَلَفَ السَّلَفُ فِي أَصْلِ الْمَسْأَلَةِ وَقَدْ أَشَرْنَا إِلَى تَفَاصِيلِ مَذَاهِبِهِمْ فِي بَابِ الْهِبَةِ لِلْوَلَدِ وَلَا فَرْقَ فِي الحكم بَين الْهَدِيَّة وَالْهِبَةِ.
وَأَمَّا الصَّدَقَةُ فَاتَّفَقُوا عَلَى أَنَّهُ لَا يَجُوزُ الرُّجُوعُ فِيهَا بَعْدَ الْقَبْضِ وَأَوْرَدَ الْمُصَنِّفُ فِي الْبَاب حديثين أَحدهمَا حَدِيث بن عَبَّاسٍ مِنْ طَرِيقَيْنِ إِحْدَاهُمَا



[ قــ :2506 ... غــ :2621] .

     قَوْلُهُ  حَدَّثَنَا مُسْلِمُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ حَدَّثَنَا هِشَامٌ هُوَ الدَّسْتُوَائِيُّ وَشُعْبَةُ كَذَا أَخْرَجَهُ وَتَابَعَهُ أَبُو قِلَابَةَ عِنْدَ أَبِي عَوَانَةَ وَأَبُو خَلِيفَةَ عِنْدَ الْإِسْمَاعِيلِيِّ وَعَلِيُّ بْنُ عَبْدِ الْعَزِيزِ عِنْدَ الْبَيْهَقِيِّ كُلُّهُمْ عَنْ مُسْلِمِ بْنِ إِبْرَاهِيمَ وَرَوَاهُ أَبُو دَاوُدَ عَنْ مُسْلِمٍ الْمَذْكُور فَقَالَ حَدثنَا شُعْبَة وَأَبَان وَهَمَّام وَتَابعه إِسْمَاعِيلَ الْقَاضِيَ عَنْ مُسْلِمِ بْنِ إِبْرَاهِيمَ عِنْدَ أَبِي نُعَيْمٍ فَكَأَنَّهُ كَانَ عِنْدَ مُسْلِمٍ عَنْ جَمَاعَةٍ .

     قَوْلُهُ  عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيَّبِ عَنِ بن عَبَّاسٍ فِي رِوَايَةِ شَهْرٍ عَنْ شُعْبَةَ أَخْبَرَنِي قَتَادَةُ سَمِعْتُ سَعِيدَ بْنَ الْمُسَيَّبِ يُحَدِّثُ أَنَّهُ سمع بن عَبَّاسٍ أَخْرَجَهُ أَحْمَدُ .

     قَوْلُهُ  قَالَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي رِوَايَةِ بُكَيْرِ بْنِ الْأَشَج عَن سعيد بن الْمسيب سَمِعت بن عَبَّاسٍ يَقُولُ سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ .

     قَوْلُهُ  الْعَائِدُ فِي هِبَتِهِ كَالْعَائِدِ فِي قَيْئِهِ زَادَ أَبُو دَاوُدَ فِي آخِرِهِ قَالَ هَمَّامٌ قَالَ قَتَادَةُ وَلَا أَعْلَمُ الْقَيْءَ إِلَّا حَرَامًا الْطَرِيقُ الثَّانِيةُ





[ قــ :507 ... غــ :6] .

     قَوْلُهُ  وَحَدَّثَنِي عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ الْمُبَارَكِ هُوَ الْعَيْشِيُّ بِتَحْتَانِيَّةٍ وَمُعْجَمَةٍ بَصْرِيٌّ يُكَنَّى أَبَا بَكْرٍ وَلَيْسَ أَخًا لِعَبْدِ اللَّهِ بْنِ الْمُبَارَكِ الْمَشْهُورِ والإسناد كُله بصريون الا بن عَبَّاسٍ وَعِكْرِمَةَ وَقَدْ سَكَنَاهَا مُدَّةً .

     قَوْلُهُ  لَيْسَ لَنَا مَثَلُ السَّوْءِ أَيْ لَا يَنْبَغِي لَنَا مَعْشَرَ الْمُؤْمِنِينَ أَنْ نَتَّصِفَ بِصِفَةٍ ذَمِيمَةٍ يُشَابِهُنَا فِيهَا أَخَسُّ الْحَيَوَانَاتِ فِي أَخَسِّ أَحْوَالِهَا قَالَ اللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى لِلَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ بِالْآخِرَةِ مثل السوء وَللَّه الْمثل الْأَعْلَى وَلَعَلَّ هَذَا أَبْلَغُ فِي الزَّجْرِ عَنْ ذَلِكَ وَأَدَلُّ عَلَى التَّحْرِيمِ مِمَّا لَوْ قَالَ مَثَلًا لَا تَعُودُوا فِي الْهِبَةِ وَإِلَى الْقَوْلِ بِتَحْرِيمِ الرُّجُوعِ فِي الْهِبَةِ بَعْدَ أَنْ تُقْبَضَ ذَهَبَ جُمْهُورُ الْعُلَمَاءِ إِلَّا هِبَةَ الْوَالِدِ لِوَلَدِهِ جَمْعًا بَيْنَ هَذَا الْحَدِيثِ وَحَدِيثِ النُّعْمَانِ الْمَاضِي.

     وَقَالَ  الطَّحَاوِيّ قَوْله لَا يَحِلُّ لَا يَسْتَلْزِمُ التَّحْرِيمَ وَهُوَ كَقَوْلِهِ لَا تَحِلُّ الصَّدَقَةُ لِغَنِيٍّ وَإِنَّمَا مَعْنَاهُ لَا تَحِلُّ لَهُ مِنْ حَيْثُ تَحِلُّ لِغَيْرِهِ مِنْ ذَوِي الْحَاجَةِ وَأَرَادَ بِذَلِكَ التَّغْلِيظَ فِي الْكَرَاهَةِ قَالَ وَقَولُهُ كَالْعَائِدِ فِي قَيْئِهِ وَإِنِ اقْتَضَى التَّحْرِيمَ لِكَوْنِ الْقَيْءِ حَرَامًا لَكِنَّ الزِّيَادَةَ فِي الرِّوَايَةِ الْأُخْرَى وَهِيَ .

     قَوْلُهُ  كَالْكَلْبِ تَدُلُّ عَلَى عَدَمِ التَّحْرِيمِ لِأَنَّ الْكَلْبَ غَيْرُ مُتَعَبِّدٍ فَالْقَيْءُ لَيْسَ حَرَامًا عَلَيْهِ وَالْمُرَادُ التَّنْزِيهُ عَنْ فِعْلٍ يُشْبِهُ فِعْلَ الْكَلْبِ وَتُعُقِّبُ بِاسْتِبْعَادِ مَا تَأَوَّلَهُ وَمُنَافَرَةِ سِيَاقِ الْأَحَادِيثِ لَهُ وَبِأَنَّ عُرْفَ الشَّرْعِ فِي مثل هَذِه الْأَشْيَاء يُرِيد بِهِ الْمُبَالَغَةُ فِي الزَّجْرِ كَقَوْلِهِ مَنْ لَعِبَ بِالنَّرْدَشِيرِ فَكَأَنَّمَا غَمَسَ يَدَهُ فِي لَحْمِ خِنْزِيرٍ .

     قَوْلُهُ  الَّذِي يَعُودُ فِي هِبَتِهِ أَيِ الْعَائِدُ فِي هِبَتِهِ إِلَى الْمَوْهُوبِ وَهُوَ كَقَوْلِهِ تَعَالَى أَوْ لَتُعُودُنَّ فِي مِلَّتِنَا .

     قَوْلُهُ  كَالْكَلْبِ يَرْجِعُ فِي قَيْئِهِ هَذَا التَّمْثِيلُ وَقَعَ فِي طَرِيقِ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيَّبِ أَيْضًا عِنْدَ مُسْلِمٍ أَخْرَجَهُ مِنْ رِوَايَةِ أَبِي جَعْفَرٍ مُحَمَّدِ بْنِ عَلِيٍّ الْبَاقِرِ عَنْهُ بِلَفْظِ مَثَلُ الَّذِي يَرْجِعُ فِي صَدَقَتِهِ كَمَثَلِ الْكَلْبِ يَقِيءُ ثُمَّ يَرْجِعُ فِي قَيْئِهِ فَيَأْكُلُهُ وَلَهُ فِي رِوَايَةِ بُكَيْرٍ الْمَذْكُورَةِ إِنَّمَا مَثَلُ الَّذِي يَتَصَدَّقُ بِصَدَقَةٍ ثُمَّ يَعُودُ فِي صَدَقَتِهِ كَمَثَلِ الْكَلْبِ يَقِيءُ ثُمَّ يَأْكُلُ قَيْئَهُ الْحَدِيثُ الثَّانِي حَدِيثُ عُمَرَ





[ قــ :508 ... غــ :63] .

     قَوْلُهُ  حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ قَزَعَةَ بِفَتْحِ الْقَافِ وَالزَّايِ وَالْمُهْمَلَةِ مَكِّيٌّ قَدِيمٌ لَمْ يُخَرِّجْ لَهُ غَيْرُ الْبُخَارِيِّ .

     قَوْلُهُ  عَنْ زَيْدِ بْنِ أَسْلَمَ سَيَأْتِي فِي آخِرِ حَدِيثٍ فِي الْهِبَةِ عَنِ الْحُمَيْدِيِّ حَدَّثَنَا سُفْيَانُ سَمِعْتُ مَالِكًا يَسْأَلُ زَيْدَ بْنَ أَسْلَمَ فَقَالَ سَمِعْتُ أَبِي فَذَكَرَهُ مُخْتَصَرًا وَلِمَالِكٍ فِيهِ إِسْنَادٌ آخَرُ سَيَأْتِي فِي الْجِهَاد عَن نَافِع عَن بن عُمَرَ وَلَهُ فِيهِ إِسْنَادٌ ثَالِثٌ عَنْ عَمْرِو بن دِينَار عَن ثَابت الْأَحْنَف عَن بن عمر أخرجه بن عَبْدِ الْبَرِّ .

     قَوْلُهُ  سَمِعْتُ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ زَاد بن الْمَدِينِيِّ عَنْ سُفْيَانَ عَلَى الْمِنْبَرِ وَهِيَ فِي الْمُوَطَّآتِ لِلدَّارَقُطْنِيِّ .

     قَوْلُهُ  حَمَلْتُ عَلَى فَرَسٍ زَادَ الْقَعْنَبِيُّ فِي الْمُوَطَّأِ عَتِيقٍ وَالْعَتِيقُ الْكَرِيمُ الْفَائِقُ من كل شَيْء وَهَذَا الْفرس أخرج بن سَعْدٍ عَنِ الْوَاقِدِيِّ بِسَنَدِهِ عَنْ سَهْلِ بْنِ سَعْدٍ فِي تَسْمِيَةِ خَيْلِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ وَأَهْدَى تَمِيمٌ الدَّارِيُّ لَهُ فَرَسًا يُقَالُ لَهُ الْوَرْدُ فَأَعْطَاهُ عُمَرَ فَحَمَلَ عَلَيْهِ عُمَرُ فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَوَجَدَهُ يُبَاعُ الْحَدِيثَ فَعُرِفَ بِهَذَا تَسْمِيَتُهُ وَأَصْلُهُ وَلَا يُعَارِضُهُ مَا أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ وَلَمْ يَسُقْ لَفْظَهُ وَسَاقَهُ أَبُو عَوَانَةَ فِي مُسْتَخْرَجِهِ مِنْ طَرِيقِ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ عَنْ نَافِعٍ عَنِ بن عُمَرَ أَنَّ عُمَرَ حَمَلَ عَلَى فَرَسٍ فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَأَعْطَاهُ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ رَجُلًا لِأَنَّهُ يُحْمَلُ عَلَى أَنَّ عُمَرَ لَمَّا أَرَادَ أَنْ يَتَصَدَّقَ بِهِ فَوَّضَ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ اخْتِيَارَ مَنْ يَتَصَدَّقُ بِهِ عَلَيْهِ أَوِ اسْتَشَارَهُ فِيمَنْ يَحْمِلُهُ عَلَيْهِ فَأَشَارَ بِهِ عَلَيْهِ فَنُسِبَتْ إِلَيْهِ الْعَطِيَّةُ لِكَوْنِهِ أَمْرَهُ بِهَا .

     قَوْلُهُ  فِي سَبِيلِ اللَّهِ ظَاهِرُهُ أَنَّهُ حَمَلَهُ عَلَيْهِ حَمْلَ تَمْلِيكٍ لِيُجَاهِدَ بِهِ إِذْ لَوْ كَانَ حَمْلَ تَحْبِيسٍ لَمْ يَجُزْ بَيْعُهُ وَقِيلَ بَلَغَ إِلَى حَالَةٍ لَا يُمْكِنُ الِانْتِفَاعُ بِهِ فِيمَا حُبِسَ فِيهِ وَهُوَ مُفْتَقِرٌ إِلَى ثُبُوتِ ذَلِكَ وَيَدُلُّ عَلَى أَنَّهُ تَمْلِيكٌ .

     قَوْلُهُ  الْعَائِدُ فِي هِبَتِهِ وَلَوْ كَانَ حَبْسًا لَقَالَ فِي حَبْسِهِ أَوْ وَقْفِهِ وَعَلَى هَذَا فَالْمُرَادُ بِسَبِيلِ اللَّهِ الْجِهَادُ لَا الْوَقْفُ فَلَا حُجَّةَ فِيهِ لِمَنْ أَجَازَ بَيْعَ الْمَوْقُوفِ إِذَا بَلَغَ غَايَةً لَا يُتَصَوَّرُ الِانْتِفَاعُ بِهِ فِيمَا وُقِفَ لَهُ .

     قَوْلُهُ  فَأَضَاعَهُ أَيْ لَمْ يُحْسِنِ الْقِيَامَ عَلَيْهِ وَقَصَّرَ فِي مؤونته وَخِدْمَتِهِ وَقِيلَ أَيْ لَمْ يَعْرِفْ مِقْدَارَهُ فَأَرَادَ بَيْعَهُ بِدُونِ قِيمَتِهِ وَقِيلَ مَعْنَاهُ اسْتَعْمَلَهُ فِي غَيْرِ مَا جُعِلَ لَهُ وَالْأَوَّلُ أَظْهَرُ وَيُؤَيِّدُهُ رِوَايَةُ مُسْلِمٍ مِنْ طَرِيقِ رَوْحِ بْنِ الْقَاسِمِ عَنْ زَيْدِ بْنِ أَسْلَمَ فَوَجَدَهُ قَدْ أَضَاعَهُ وَكَانَ قَلِيلَ الْمَالِ فَأَشَارَ إِلَى عِلَّةِ ذَلِكَ وَإِلَى الْعُذْرِ الْمَذْكُورِ فِي إِرَادَةِ بَيْعِهِ .

     قَوْلُهُ  لَا تَشْتَرِهِ سَمَّى الشِّرَاءَ عَوْدًا فِي الصَّدَقَةِ لِأَنَّ الْعَادَةَ جَرَتْ بِالْمُسَامَحَةِ مِنَ الْبَائِعِ فِي مِثْلِ ذَلِكَ لِلْمُشْتَرِي فَأَطْلَقَ عَلَى الْقَدْرِ الَّذِي يُسَامِحُ بِهِ رُجُوعًا وَأَشَارَ إِلَى الرُّخْصِ بِقَوْلِهِ وَإِنْ أَعْطَاكَهُ بِدِرْهَمٍ وَيُسْتَفَادُ مِنْ قَوْلِهِ وَإِنْ أَعْطَاكَهُ بِدِرْهَمٍ أَنَّ الْبَائِعَ كَانَ قَدْ مَلَكَهُ وَلَوْ كَانَ مُحْبَسًا كَمَا ادَّعَاهُ مَنْ تَقَدَّمُ ذِكْرُهُ وَجَازَ بَيْعُهُ لِكَوْنِهِ صَارَ لَا يُنْتَفَعُ بِهِ فِيمَا حُبِسَ لَهُ لِمَا كَانَ لَهُ أَنْ يَبِيعَهُ إِلَّا بِالْقِيمَةِ الْوَافِرَةِ وَلَا كَانَ لَهُ أَنْ يُسَامِحَ مِنْهَا بِشَيْءٍ وَلَوْ كَانَ الْمُشْتَرِي هُوَ الْمُحْبِسَ وَاللَّهُ أَعْلَمُ وَقَدِ اسْتَشْكَلَهُ الْإِسْمَاعِيلِيُّ.

     وَقَالَ  إِذَا كَانَ شَرْطُ الْوَاقِفِ مَا تقدم ذكره فِي حَدِيث بن عُمَرَ فِي وَقْفِ عُمَرَ لَا يُبَاعُ أَصْلُهُ وَلَا يُوهَبُ فَكَيْفَ يَجُوزُ أَنْ يُبَاعَ الْفَرَسُ الْمَوْهُوبُ وَكَيْفَ لَا يَنْهَى بَائِعَهُ أَوْ يَمْنَعَ مِنْ بَيْعِهِ قَالَ فَلَعَلَّ مَعْنَاهُ أَنَّ عُمَرَ جَعَلَهُ صَدَقَةً يُعْطِيهَا مَنْ يَرَى رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِعْطَاءَهُ فَأَعْطَاهَا النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الرَّجُلَ الْمَذْكُورَ فَجَرَى مِنْهُ مَا ذَكَرَ وَيُسْتَفَادُ مِنَ التَّعْلِيلِ الْمَذْكُورِ أَيْضًا أَنَّهُ لَوْ وَجَدَهُ مَثَلًا يُبَاعُ بِأَغْلَى مِنْ ثَمَنِهِ لَمْ يَتَنَاوَلْهُ النَّهْيُ .

     قَوْلُهُ  فَإِنَّ الْعَائِدَ فِي صَدَقَتِهِ إِلَخْ حَمَلَ الْجُمْهُورُ هَذَا النَّهْي فِي صُورَةِ الشِّرَاءِ عَلَى التَّنْزِيهِ وَحَمَلَهُ قَوْمٌ عَلَى التَّحْرِيمِ قَالَ الْقُرْطُبِيُّ وَغَيْرُهُ وَهُوَ الظَّاهِرُ ثُمَّ الزَّجْرُ الْمَذْكُورُ مَخْصُوصٌ بِالصُّورَةِ الْمَذْكُورَةِ وَمَا أَشْبَهَهَا لَا مَا إِذَا رَدَّهُ إِلَيْهِ الْمِيرَاثُ مَثَلًا قَالَ الطَّبَرِيُّ يُخَصُّ مِنْ عُمُومِ هَذَا الْحَدِيثِ مَنْ وَهَبَ بِشَرْطِ الثَّوَابِ وَمَنْ كَانَ وَالِدًا وَالْمَوْهُوبُ وَلَدُهُ وَالْهِبَةُ الَّتِي لَمْ تُقْبَضْ وَالَّتِي رَدَّهَا الْمِيرَاثُ إِلَى الْوَاهِبِ لِثُبُوتِ الْأَخْبَارِ بِاسْتِثْنَاءِ كُلِّ ذَلِكَ.
وَأَمَّا مَا عَدَا ذَلِكَ كَالْغَنِيِّ يُثِيبُ الْفَقِيرَ وَنَحْوِ مَنْ يَصِلُ رَحِمَهُ فَلَا رُجُوعَ لِهَؤُلَاءِ قَالَ وَمِمَّا لَا رُجُوعَ فِيهِ مُطْلَقًا الصَّدَقَةُ يُرَادُ بِهَا ثَوَابَ الْآخِرَةِ وَقَدِ اسْتَشْكَلَ ذِكْرُ عُمَرَ مَعَ مَا فِيهِ مِنْ إِذَاعَةِ عَمَلِ الْبِرِّ وَكِتْمَانُهُ أَرْجَحُ وَأُجِيبَ بِأَنَّهُ تَعَارَضَ عِنْدَهُ الْمَصْلَحَتَانِ الْكِتْمَانُ وَتَبْلِيغُ الْحُكْمِ الشَّرْعِيِّ فَرَجَّحَ الثَّانِيَ فَعَمِلَ بِهِ وَتُعُقِّبَ بِأَنَّهُ كَانَ يُمكنهُ أَنْ يَقُولَ حَمَلَ رَجُلٌ عَلَى فَرَسٍ مَثَلًا وَلَا يَقُولُ حَمَلْتُ فَيَجْمَعُ بَيْنَ الْمَصْلَحَتَيْنِ وَالظَّاهِرُ أَنَّ مَحَلَّ رُجْحَانِ الْكِتْمَانِ إِنَّمَا هُوَ قَبْلَ الْفِعْلِ وَعِنْدَهُ.
وَأَمَّا بَعْدَ وُقُوعِهِ فَلَعَلَّ الَّذِي أُعْطِيَهُ أَذَاعَ ذَلِكَ فَانْتَفَى الْكِتْمَانُ وَيُضَافُ إِلَيْهِ أَنَّ فِي إِضَافَتِهِ ذَلِكَ إِلَى نَفْسِهِ تَأْكِيدًا لِصِحَّةِ الْحُكْمِ الْمَذْكُورِ لِأَنَّ الَّذِي تَقَعُ لَهُ الْقِصَّةُ أَجْدَرُ بِضَبْطِهَا مِمَّنْ لَيْسَ عِنْدَهُ إِلَّا وُقُوعُهَا بِحُضُورِهِ فَلَمَّا أَمِنَ مَا يَخْشَى مِنَ الْإِعْلَانِ بِالْقَصْدِ صَرَّحَ بِإِضَافَةِ الْحُكْمِ إِلَى نَفْسِهِ وَيَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ مَحَلُّ تَرْجِيحِ الْكِتْمَانِ لِمَنْ يَخْشَى عَلَى نَفْسِهِ مِنَ الْإِعْلَانِ الْعُجْبَ وَالرِّيَاءَ أَمَّا مَنْ أَمِنَ مِنْ ذَلِكَ كَعُمَرَ فَلَا



( .

     قَوْلُهُ  بَابٌ كَذَا)

لِلْجَمِيعِ بِغَيْرِ تَرْجَمَةٍ وَهُوَ كَالْفَصْلِ مِنَ الْبَابِ الَّذِي قَبِلَهُ وَمُنَاسَبَتُهُ لَهَا أَنَّ الصَّحَابَةَ بَعْدَ ثُبُوتِ عَطِيَّةِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ذَلِكَ لِصُهَيْبٍ لَمْ يَسْتَفْصِلُوا هَلْ رَجَعَ أَمْ لَا فَدَلَّ عَلَى أَنْ لَا أَثَرَ لِلرُّجُوعِ فِي الْهِبَةِ



[ قــ :509 ... غــ :64] .

     قَوْلُهُ  أَنَّ بني صُهَيْب هُوَ بن سِنَانٍ الرُّومِيُّ وَقَدْ تَقَدَّمَ أَصْلُهُ فِي الْعَرَبِ فِي بَابِ شِرَاءِ الْمَمْلُوكِ مِنَ الْحَرْبِيِّ مِنْ كِتَابِ الْبُيُوعِ وَقَولُهُ مَوْلَى بَنِي جُدْعَانَ كَذَا فِي رِوَايَة الْكشميهني وللباقين مولى بن جُدْعَانَ وَهِيَ رِوَايَةُ الْإِسْمَاعِيلِيِّ مِنْ طَرِيقِ أَبِي حَاتِمٍ عَنْ إِبْرَاهِيمَ بْنِ مُوسَى شَيْخِ الْبُخَارِيِّ فِيهِ وبن جُدْعَانَ هُوَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ جُدْعَانَ بْنِ عَمْرِو بْنِ كَعْبِ بْنِ سَعْدِ بْنِ تَيْمِ بْنِ مُرَّةَ.
وَأَمَّا صُهَيْبٌ فَكَانَ لَهُ مِنَ الْوَلَدِ مِمَّنْ رَوَى عَنْهُ حَمْزَةُ وَسَعْدٌ وَصَالِحٌ وَصَيْفِيٌّ وَعَبَّادٌ وَعُثْمَانُ وَمُحَمَّدٌ وَحَبِيبٌ .

     قَوْلُهُ  فَقَالَ مَرْوَان هُوَ بن الْحَكَمِ حَيْثُ كَانَ أَمِيرَ الْمَدِينَةِ لِمُعَاوِيَةَ وَكَانَ مَوْتُ صُهَيْبٍ بِالْمَدِينَةِ فِي أَوَاخِرِ خِلَافَةِ عَلِيٍّ .

     قَوْلُهُ  مَنْ يَشْهَدُ لَكُمَا كَذَا فِيهِ بِالتَّثْنِيَةِ وَبَقِيَّةُ الْقِصَّةِ بِصِيغَةِ الْجَمْعِ فَيُحْمَلُ عَلَى أَنَّ الْمُتَوَلِّيَ لِلدَّعْوَى بِذَلِكَ مِنْهُمْ كَانَا اثْنَيْنِ وَرَضِيَ الْبَاقُونَ بِذَلِكَ فَنُسِبَ إِلَيْهِمْ تَارَةً بِصِيغَةِ الْجَمْعِ وَتَارَةً بِصِيغَةِ التَّثْنِيَةِ عَلَى أَنَّ فِي رِوَايَةِ الْإِسْمَاعِيلِيِّ فَقَالَ مَرْوَانُ مَنْ يَشْهَدُ لَكُمْ وَلَا إِشْكَال فِيهِ وَأجَاب الْكَرْمَانِيُّ بِأَنَّ أَقَلَّ الْجَمْعِ اثْنَانِ عِنْدَ بَعْضِهِمْ .

     قَوْلُهُ  لَأَعْطَى بِفَتْحِ اللَّامِ هِيَ لَامُ الْقَسَمِ كَأَنَّهُ أَعْطَى الشَّهَادَةَ حُكْمَ الْقَسَمِ أَوْ فِيهِ قَسَمٌ مُقَدَّرٌ أَوْ عَبَّرَ عَنِ الْخَبَرِ بِالشَّهَادَةِ وَالْخَبَرُ يُؤَكَّدُ بِالْقَسَمِ كَثِيرًا وَإِنْ كَانَ السَّامِعُ غَيْرَ مُنْكِرٍ وَيُؤَيِّدُ كَوْنَهُ خَبَرًا أَنَّ مَرْوَانَ قضى لَهُم بِشَهَادَة بن عمر وَحْدَهُ وَلَوْ كَانَتْ شَهَادَةً حَقِيقَةً لَاحْتَاجَ إِلَى شَاهد آخر وَدَعوى بن بَطَّالٍ أَنَّهُ قَضَى لَهُمْ بِشَهَادَتِهِ وَيَمِينِهِمْ فِيهِ نَظَرٌ لِأَنَّهُ لَمْ يُذْكَرْ فِي الْحَدِيثِ وَقَدِ اسْتَدَلَّ بِهِ بَعْضُ الْمُتَأَخِّرِينَ لِقَوْلِ بَعْضِ السَّلَفِ كَشُرَيْحٍ إِنَّهُ يَكْفِي الشَّاهِدُ الْوَاحِدُ إِذَا انْضَمَّتْ إِلَيْهِ قَرِينَةٌ تَدُلُّ عَلَى صِدْقِهِ وَتَرْجَمَ أَبُو دَاوُدَ فِي السُّنَنِ بَابُ إِذَا عَلِمَ الْحَاكِمُ صِدْقَ الشَّاهِدِ الْوَاحِدِ يَجُوزُ لَهُ أَنْ يَحْكُمَ وَسَاقَ قِصَّةَ خُزَيْمَةَ بْنِ ثَابِتٍ فِي سَبَبِ تَسْمِيَتِهِ ذَا الشَّهَادَتَيْنِ وَهِيَ مَشْهُورَةٌ وَالْجُمْهُورُ عَلَى أَنَّ ذَلِكَ خَاصٌّ بِخُزَيْمَةَ وَاللَّهُ أَعْلَمُ.

     وَقَالَ  بن التِّينِ يُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ مَرْوَانُ أَعْطَى ذَلِكَ مَنْ يَسْتَحِقُّ عِنْدَهُ الْعَطَاءَ مِنْ مَالِ اللَّهِ فَإِنْ كَانَ النَّبِيُّ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ أَعْطَاهُ كَانَ تَنْفِيذًا لَهُ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ كَانَ هُوَ الْمُنْشِئَ لِلْعَطَاءِ قَالَ وَقَدْ يَكُونُ ذَلِكَ خَاصًّا بِالْفَيْءِ كَمَا وَقَعَ فِي قِصَّةِ أَبِي قَتَادَةَ حَيْثُ قَضَى لَهُ بِدَعْوَاهُ وَشَهَادَةِ مَنْ كَانَ عِنْدَهُ السَّلَبُ .

     قَوْلُهُ  بَيْتَيْنِ وَحُجْرَةً ذَكَرَ عُمَرُ بْنُ شَبَّةَ فِي أَخْبَارِ الْمَدِينَةِ أَنَّ بَيْتَ صُهَيْبٍ كَانَ لِأُمِّ سَلَمَةَ فَوَهَبَتْهُ لِصُهَيْبٍ فَلَعَلَّهَا فَعَلَتْ ذَلِكَ بِأَمْرِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَوْ نُسِبَ إِلَيْهَا بِطَرِيقِ الْمَجَازِ وَكَانَ فِي الْحَقِيقَةِ لِلنَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَأَعْطَاهُ لِصُهَيْبٍ أَوْ هُوَ بَيْتٌ آخَرُ غير مَا وَقعت بِهِ الدَّعْوَى الْمَذْكُورَة