فهرس الكتاب

فتح الباري لابن حجر - باب: لا يشهد على شهادة جور إذا أشهد

( قَولُهُ بَابُ لَا يَشْهَدُ عَلَى شَهَادَةِ جَوْرٍ إِذَا أُشْهِدَ)
ذَكَرَ فِيهِ حَدِيثَ النُّعْمَانِ بْنِ بَشِيرٍ فِي قِصَّةِ هِبَةِ أَبِيهِ لَهُ وَفِيهِ



[ قــ :2535 ... غــ :2650] .

     قَوْلُهُ  صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَا تُشْهِدْنِي عَلَى جَوْرٍ وَقَدْ مَضَى الْكَلَامُ عَلَيْهِ مُسْتَوْفًى فِي الْهِبَةِ وَقَدْ أَخْرَجَهُ الْبَيْهَقِيُّ مِنَ الْوَجْهِ الَّذِي أَخْرَجَهُ مِنْهُ الْبُخَارِيُّ هُنَا بِلَفْظِ فَقَالَ لَا أَشْهَدُ عَلَى جَوْرٍ وَقَولُهُ فِي التَّرْجَمَةِ إِذَا أُشْهِدَ يُؤْخَذُ مِنْهُ أَنَّهُ لَا يَشْهَدُ عَلَى جَوْرٍ إِذَا لَمْ يُسْتَشْهَدْ بِطَرِيقِ الْأَوْلَى وَقَولُهُ وقَال أَبُو حَرِيزٍ بِفَتْحِ الْمُهْمَلَةِ وَكَسْرِ الرَّاءِ وَآخِرُهُ زَايٌ عَنِ الشَّعْبِيِّ لَا أَشْهَدُ عَلَى جَوْرٍ أَيْ فِي رِوَايَتِهِ عَنِ الشَّعْبِيِّ عَنِ النُّعْمَانِ فِي هَذَا الْحَدِيثِ وَقَدْ تَقَدَّمَ فِي الْهِبَةِ الْإِشَارَةُ إِلَى مَنْ وَصَلَهُ وَإِلَى التَّوْفِيقِ بَيْنَ مَا فِي رِوَايَةِ أَبِي حَرِيزٍ وَغَيْرِهِ عَنِ الشَّعْبِيِّ ثُمَّ ذَكَرَ الْمُصَنِّفُ حَدِيثَ خَيْرُ النَّاسِ قَرْنِي مِنْ رِوَايَةِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ وَمِنْ رِوَايَةِ عِمْرَانَ بْنِ حُصَيْنٍ وَفِي كُلٍّ مِنْهُمَا زِيَادَةٌ عَلَى مَا فِي الْآخَرِ وَوَرَدَ الْحَدِيثُ عَنْ آخَرِينَ مِنَ الصَّحَابَةِ سَأَذْكُرُ مَا فِي رِوَايَاتِهِمْ مِنَ الْفَوَائِدِ وَالزَّوَائِدِ مَشْرُوحَةً فِي أَوَّلِ كِتَابِ فَضَائِلِ الصَّحَابَةِ إِنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى وَالْغَرَضُ هُنَا مَا يَتَعَلَّقُ بِالشَّهَادَاتِ





[ قــ :536 ... غــ :651] .

     قَوْلُهُ  قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ هُوَ مَوْصُولٌ بِالْإِسْنَادِ الْمَذْكُورِ فَهُوَ بَقِيَّةُ حَدِيثِ عِمْرَانَ وَسَيَأْتِي فِي الْفَضَائِلِ مَا يُوَضِّحُ ذَلِكَ .

     قَوْلُهُ  إِنَّ بَعْدَكُمْ قَوْمًا كَذَا لِلْأَكْثَرِ وَفِي رِوَايَة النَّسَفِيّ وبن شَبَّوَيْهِ إِنَّ بَعْدَكُمْ قَوْمٌ قَالَ الْكَرْمَانِيُّ لَعَلَّهُ كُتِبَ بِغَيْرِ أَلِفٍ عَلَى اللُّغَةِ الرَّبِيعِيَّةِ أَوْ حُذِفَ مِنْهُ ضَمِيرُ الشَّأْنِ .

     قَوْلُهُ  يَخُونُونَ كَذَا فِي جَمِيعِ الرِّوَايَاتِ الَّتِي اتَّصَلَتْ لَنَا بِالْخَاءِ الْمُعْجَمَة وَالْوَاو مُشْتَقّ من الْخِيَانَة وَزعم بن حَزْمٍ أَنَّهُ وَقَعَ فِي نُسْخَةٍ يَحْرِبُونَ بِسُكُونِ الْمُهْمَلَةِ وَكَسْرِ الرَّاءِ بَعْدَهَا مُوَحَّدَةٌ قَالَ فَإِنْ كَانَ مَحْفُوظًا فَهُوَ من قَوْلهم حر بِهِ يحر بِهِ إِذَا أَخَذَ مَالَهُ وَتَرَكَهُ بِلَا شَيْءٍ وَرَجُلٌ مَحْرُوبٌ أَيْ مَسْلُوبُ الْمَالِ تَنْبِيهٌ قَالَ النَّوَوِيُّ وَقَعَ فِي أَكْثَرِ نُسَخِ مُسْلِمٍ وَلَا يُتَّمَنُونَ بِتَشْدِيدِ الْمُثَنَّاةِ قَالَ غَيْرُهُ هُوَ نَظِيرُ قَوْلِهِ ثُمَّ يَتَّزِرُ مَوْضِعَ قَوْلِهِ يَأْتَزِرُ وَادَّعَى أَنَّهُ شَاذ وَلَكِن قد قَرَأَ بن مُحَيْصِن فليؤد الَّذِي اتمن امانته وَوَجهه بن مَالِكٍ بِأَنَّهُ شِبْهٌ بِمَا فَاؤُهُ وَاوٌ أَوْ تَحْتَانِيَّةٌ قَالَ وَهُوَ مَقْصُورٌ عَلَى السَّمَاعِ .

     قَوْلُهُ  وَلَا يُؤْتَمَنُونَ أَيْ لَا يَثِقُ النَّاسُ بِهِمْ وَلَا يَعْتَقِدُونَهُمْ أُمَنَاءَ بِأَنْ تَكُونَ خِيَانَتُهُمْ ظَاهِرَةً بِحَيْثُ لَا يَبْقَى لِلنَّاسِ اعْتِمَادٌ عَلَيْهِمْ .

     قَوْلُهُ  وَيَشْهَدُونَ وَلَا يُسْتَشْهَدُونَ يَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ الْمُرَادُ التَّحَمُّلَ بِدُونِ التَّحْمِيلِ أَوِ الْأَدَاءَ بِدُونِ طَلَبٍ وَالثَّانِي أَقْرَبُ وَيُعَارِضُهُ مَا رَوَاهُ مُسْلِمٌ مِنْ حَدِيثِ زَيْدِ بْنِ خَالِدٍ مَرْفُوعًا أَلَا أُخْبِرُكُمْ بِخَيْرِ الشُّهَدَاءِ الَّذِي يَأْتِي بِالشَّهَادَةِ قَبْلَ أَنْ يسْأَلهَا وَاخْتلف الْعلمَاء فِي ترجيحهما فجنح بن عَبْدِ الْبَرِّ إِلَى تَرْجِيحِ حَدِيثِ زَيْدِ بْنِ خَالِدٍ لِكَوْنِهِ مِنْ رِوَايَةِ أَهْلِ الْمَدِينَةِ فَقَدَّمَهُ عَلَى رِوَايَةِ أَهْلِ الْعِرَاقِ وَبَالَغَ فَزَعَمَ أَنَّ حَدِيثَ عِمْرَانَ هَذَا لَا أَصْلَ لَهُ وَجَنَحَ غَيْرُهُ إِلَى تَرْجِيحِ حَدِيثِ عِمْرَانَ لِاتِّفَاقِ صَاحِبَيِ الصَّحِيحِ عَلَيْهِ وَانْفِرَادِ مُسْلِمٍ بِإِخْرَاجِ حَدِيثِ زَيْدِ بن خَالِد وَذَهَبَ آخَرُونَ إِلَى الْجَمْعِ بَيْنَهُمَا فَأَجَابُوا بِأَجْوِبَةٍ أَحَدُهَا أَنَّ الْمُرَادَ بِحَدِيثِ زَيْدٍ مَنْ عِنْدَهُ شَهَادَةٌ لِإِنْسَانٍ بِحَقٍّ لَا يَعْلَمُ بِهَا صَاحِبُهَا فَيَأْتِي إِلَيْهِ فَيُخْبِرُهُ بِهَا أَوْ يَمُوتُ صَاحِبُهَا الْعَالِمُ بِهَا وَيَخْلُفُ وَرَثَةً فَيَأْتِي الشَّاهِدُ إِلَيْهِمْ أَوْ إِلَى مَنْ يَتَحَدَّثُ عَنْهُمْ فَيُعْلِمُهُمْ بِذَلِكَ وَهَذَا أَحْسَنُ الْأَجْوِبَةِ وَبِهَذَا أَجَابَ يَحْيَى بْنُ سَعِيدٍ شَيْخُ مَالِكٍ وَمَالِكٌ وَغَيْرُهُمَا ثَانِيهَا أَنَّ الْمُرَادَ بِهِ شَهَادَةُ الْحِسْبَةِ وَهِيَ مَا لَا يَتَعَلَّقُ بِحُقُوقِ الْآدَمِيِّينَ الْمُخْتَصَّةِ بِهِمْ مَحْضًا وَيَدْخُلُ فِي الْحِسْبَةِ مِمَّا يَتَعَلَّقُ بِحَقِّ اللَّهِ أَوْ فِيهِ شَائِبَةٌ مِنْهُ الْعَتَاقُ وَالْوَقْفُ وَالْوَصِيَّةُ الْعَامَّةُ وَالْعِدَّةُ وَالطَّلَاقُ وَالْحُدُودُ وَنَحْوُ ذَلِكَ وَحَاصِلُهُ أَنَّ المُرَاد بِحَدِيث بن مَسْعُودٍ الشَّهَادَةُ فِي حُقُوقِ الْآدَمِيِّينَ وَالْمُرَادُ بِحَدِيثِ زَيْدِ بْنِ خَالِدٍ الشَّهَادَةُ فِي حُقُوقِ اللَّهِ ثَالِثُهَا أَنَّهُ مَحْمُولٌ عَلَى الْمُبَالَغَةِ فِي الْإِجَابَةِ إِلَى الْأَدَاءِ فَيَكُونُ لِشِدَّةِ اسْتِعْدَادِهِ لَهَا كَالَّذِي أَدَّاهَا قَبْلَ أَنْ يُسْأَلَهَا كَمَا يُقَالُ فِي وَصْفِ الْجَوَادِ إِنَّهُ لَيُعْطِي قَبْلَ الطَّلَبِ أَيْ يُعْطِي سَرِيعًا عَقِبَ السُّؤَالِ مِنْ غَيْرِ تَوَقُّفٍ وَهَذِهِ الْأَجْوِبَةُ مَبْنِيَّةٌ عَلَى أَنَّ الْأَصْلَ فِي أَدَاءِ الشَّهَادَةِ عِنْدَ الْحَاكِمِ أَنْ لَا يَكُونَ إِلَّا بَعْدَ الطَّلَبِ مَنْ صَاحِبِ الْحَقِّ فَيَخُصُّ ذَمَّ مَنْ يَشْهَدُ قَبْلَ أَنْ يُسْتَشْهَدَ بِمَنْ ذَكَرَ مِمَّنْ يُخْبِرُ بِشَهَادَةٍ عِنْدَهُ لَا يَعْلَمُ صَاحِبُهَا بِهَا أَوْ شَهَادَةِ الْحِسْبَةِ وَذَهَبَ بَعْضُهُمْ إِلَى جَوَازِ أَدَاءِ الشَّهَادَةِ قَبْلَ السُّؤَالِ عَلَى ظَاهِرِ عُمُومِ حَدِيثِ زَيْدِ بْنِ خَالِدٍ وَتَأَوَّلُوا حَدِيثَ عِمْرَانَ بِتَأْوِيلَاتٍ أَحَدُهَا أَنَّهُ مَحْمُولٌ عَلَى شَهَادَةِ الزُّورِ أَيْ يُؤَدُّونَ شَهَادَةً لَمْ يُسْبَقْ لَهُمْ تَحَمُّلُهَا وَهَذَا حَكَاهُ التِّرْمِذِيُّ عَنْ بَعْضِ أَهْلِ الْعِلْمِ ثَانِيهَا الْمُرَادُ بِهَا الشَّهَادَةُ فِي الْحَلِفِ يَدُلُّ عَلَيْهِ قَوْلُ إِبْرَاهِيمَ فِي آخِرِ حَدِيث بن مَسْعُودٍ كَانُوا يَضْرِبُونَنَا عَلَى الشَّهَادَةِ أَيْ قَوْلِ الرَّجُلِ أَشْهَدُ بِاللَّهِ مَا كَانَ إِلَّا كَذَا عَلَى مَعْنَى الْحَلِفِ فَكُرِهَ ذَلِكَ كَمَا كُرِهَ الْإِكْثَارُ مِنَ الْحَلِفِ وَالْيَمِينُ قَدْ تُسَمَّى شَهَادَةً كَمَا قَالَ تَعَالَى فشهادة أحدهم وَهَذَا جَوَابُ الطَّحَاوِيِّ ثَالِثُهَا الْمُرَادُ بِهَا الشَّهَادَةُ عَلَى الْمُغَيَّبِ مِنْ أَمْرِ النَّاسِ فَيَشْهَدُ عَلَى قَوْمٍ أَنَّهُمْ فِي النَّارِ وَعَلَى قَوْمٍ أَنَّهُمْ فِي الْجنَّة بِغَيْر دَلِيل كَمَا يصنع ذَلِكَ أَهْلُ الْأَهْوَاءِ حَكَاهُ الْخَطَّابِيُّ رَابِعُهَا الْمُرَادُ بِهِ مَنْ يَنْتَصِبُ شَاهِدًا وَلَيْسَ مَنْ أَهْلِ الشَّهَادَةِ خَامِسُهَا الْمُرَادُ بِهِ التَّسَارُعُ إِلَى الشَّهَادَةِ وَصَاحِبُهَا بِهَا عَالِمٌ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَسْأَلَهُ وَاللَّهُ أَعْلَمُ وَقَولُهُ يَشْهَدُونَ وَلَا يُسْتَشْهَدُونَ اسْتُدِلَّ بِهِ عَلَى أَنَّ مَنْ سَمِعَ رَجُلًا يَقُولُ لِفُلَانٍ عِنْدِي كَذَا فَلَا يَسُوغُ لَهُ أَنْ يَشْهَدَ عَلَيْهِ بِذَلِكَ إِلَّا إِنِ اسْتَشْهَدَهُ وَهَذَا بِخِلَافِ مَنْ رَأَى رَجُلًا يَقْتُلُ رَجُلًا أَوْ يَغْصِبُهُ مَالَهُ فَإِنَّهُ يَجُوزُ لَهُ أَنْ يَشْهَدَ بِذَلِكَ وَإِنْ لَمْ يَسْتَشْهِدْهُ الْجَانِي .

     قَوْلُهُ  وَيَنْذِرُونَ بِفَتْحِ أَوَّلِهِ وَبِكَسْرِ الذَّالِ الْمُعْجَمَةِ وَبِضَمِّهَا وَلَا يَفُونَ يَأْتِي الْكَلَامُ عَلَيْهِ فِي كِتَابِ النُّذُورِ وَقَولُهُ وَيَظْهَرُ فِيهِمُ السِّمَنُ بِكَسْرِ الْمُهْمَلَةِ وَفَتْحِ الْمِيمِ بَعْدَهَا نُونٌ أَيْ يُحِبُّونَ التَّوَسُّعَ فِي الْمَآكِلِ وَالْمَشَارِبِ وَهِيَ أَسْبَابُ السِّمَنِ بِالتَّشْدِيدِ قَالَ بن التِّينِ الْمُرَادُ ذَمُّ مَحَبَّتِهِ وَتَعَاطِيهِ لَا مِنْ تَخَلَّقَ بِذَلِكَ وَقِيلَ الْمُرَادُ يَظْهَرُ فِيهِمْ كَثْرَةُ الْمَالِ وَقِيلَ الْمُرَادُ أَنَّهُمْ يَتَسَمَّنُونَ أَيْ يَتَكَثَّرُونَ بِمَا لَيْسَ فِيهِمْ وَيَدَّعُونَ مَا لَيْسَ لَهُمْ مِنَ الشَّرَفِ وَيَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ جَمِيعُ ذَلِكَ مُرَادًا وَقَدْ رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ مِنْ طَرِيقِ هِلَالِ بْنِ يَسَافٍ عَنْ عِمْرَانَ بْنِ حُصَيْنٍ بِلَفْظِ ثُمَّ يَجِيءُ قَوْمٌ يَتَسَمَّنُونَ وَيُحِبُّونَ السِّمَنَ وَهُوَ ظَاهِرٌ فِي تَعَاطِي السَّمْنِ عَلَى حَقِيقَتِهِ فَهُوَ أَوْلَى مَا حُمِلَ عَلَيْهِ خَبَرُ الْبَابِ وَإِنَّمَا كَانَ مَذْمُومًا لِأَنَّ السَّمِينَ غَالِبًا بَلِيدُ الْفَهْمِ ثَقِيلٌ عَنِ الْعِبَادَةِ كَمَا هُوَ مَشْهُورٌ





[ قــ :537 ... غــ :65] .

     قَوْلُهُ  عَن مَنْصُور هُوَ بن الْمُعْتَمِرِ وَإِبْرَاهِيمُ هُوَ النَّخَعِيُّ وَعَبِيدَةُ بِفَتْحِ أَوَّلِهِ هُوَ السَّلمَانِي وَعبد الله هُوَ بن مَسْعُودٍ وَهَذَا الْإِسْنَادُ كُلُّهُ كُوفِيُّونَ وَفِيهِ ثَلَاثَةٌ مِنَ التَّابِعِينَ فِي نَسَقٍ .

     قَوْلُهُ  تَسْبِقُ شَهَادَةُ أَحَدِهِمْ يَمِينَهُ وَيَمِينُهُ شَهَادَتَهُ أَيْ فِي حَالَيْنِ وَلَيْسَ الْمُرَادُ أَنَّ ذَلِكَ يَقَعُ فِي حَالَةٍ وَاحِدَةٍ لِأَنَّهُ دَوْرٌ كَالَّذِي يَحْرِصُ عَلَى تَرْوِيجِ شَهَادَةٍ فَيَحْلِفُ عَلَى صِحَّتِهَا لِيُقَوِّيَهَا فَتَارَةً يَحْلِفُ قَبْلَ أَنْ يَشْهَدَ وَتَارَةً يَشْهَدُ قَبْلَ أَنْ يَحْلِفَ وَيَحْتَمِلُ أَنْ يَقَعَ ذَلِكَ فِي حَالٍ وَاحِدَةٍ عِنْدَ مَنْ يُجِيزُ الْحَلِفَ فِي الشَّهَادَةِ فيريد أَن يشْهد وَيحلف.

     وَقَالَ  بن الْجَوْزِيِّ الْمُرَادُ أَنَّهُمْ لَا يَتَوَرَّعُونَ وَيَسْتَهِينُونَ بِأَمْرِ الشَّهَادَة وَالْيَمِين.

     وَقَالَ  بن بَطَّالٍ يُسْتَدَلُّ بِهِ عَلَى أَنَّ الْحَلِفَ فِي الشَّهَادَة يُبْطِلهَا قَالَ وَحكى بن شَعْبَانَ فِي الزَّاهِي مَنْ قَالَ أَشْهَدُ بِاللَّهِ أَنَّ لِفُلَانٍ عَلَى فُلَانٍ كَذَا لَمْ تُقْبَلْ شَهَادَته لِأَنَّهُ حلف وَلَيْسَ بِشَهَادَة قَالَ بن بَطَّالٍ وَالْمَعْرُوفُ عَنْ مَالِكٍ خِلَافُهُ .

     قَوْلُهُ  قَالَ إِبْرَاهِيمُ إِلَخْ هُوَ مَوْصُولٌ بِالْإِسْنَادِ الْمَذْكُورِ وَوَهَمَ مَنْ زَعَمَ أَنَّهُ مُعَلَّقٌ وَإِبْرَاهِيمُ هُوَ النَّخَعِيُّ .

     قَوْلُهُ  كَانُوا يَضْرِبُونَنَا عَلَى الشَّهَادَةِ وَالْعَهْدِ زَادَ الْمُصَنِّفُ بِهَذَا الْإِسْنَادِ فِي أَوَّلِ الْفَضَائِلِ وَنَحْنُ صغَار وَكَذَلِكَ أخرجه مُسلم بِلَفْظ كَانُوا ينهوننا وَنَحْنُ غِلْمَانٌ عَنِ الْعَهْدِ وَالشَّهَادَاتِ وَسَيَأْتِي فِي كِتَابِ الْأَيْمَانِ وَالنُّذُورِ نَحْوَهُ وَكَانَ أَصْحَابُنَا يَنْهَوْنَنَا وَنَحْنُ غِلْمَانٌ عَنِ الشَّهَادَةِ.

     وَقَالَ  أَبُو عُمَرَ بْنُ عَبْدِ الْبَرِّ مَعْنَاهُ عِنْدَهُمُ النَّهْيُ عَنْ مُبَادَرَةِ الرَّجُلِ بِقَوْلِهِ أَشْهَدُ بِاللَّهِ وَعَلَيَّ عَهْدُ اللَّهِ لَقَدْ كَانَ كَذَا وَنَحْوِ ذَلِكَ وَإِنَّمَا كَانُوا يَضْرِبُونَهُمْ عَلَى ذَلِكَ حَتَّى لَا يَصِيرَ لَهُمْ بِهِ عَادَةٌ فَيَحْلِفُوا فِي كُلِّ مَا يَصْلُحُ وَمَا لَا يَصْلُحُ.

قُلْتُ وَيَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ الْأَمْرُ فِي الشَّهَادَةِ عَلَى مَا قَالَ وَيَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ الْمُرَادُ النَّهْيَ عَنْ تَعَاطِي الشَّهَادَاتِ وَالتَّصَدِّي لَهَا لِمَا فِي تَحَمُّلِهَا مِنَ الْحَرَجِ وَلَا سِيَّمَا عِنْدَ أَدَائِهَا لِأَنَّ الْإِنْسَانَ مُعَرَّضٌ لِلنِّسْيَانِ وَالسَّهْوِ وَلَا سِيَّمَا وَهُمْ إِذْ ذَاكَ غَالِبًا لَا يَكْتُبُونَ وَيَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ الْمُرَادُ بِالنَّهْي عَنِ الْعَهْدِ الدُّخُولَ فِي الْوَصِيَّةِ لِمَا يَتَرَتَّبُ عَلَى ذَلِكَ مِنَ الْمَفَاسِدِ وَالْوَصِيَّةُ تُسَمَّى الْعَهْدَ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى لَا يَنَالُ عهدي الظَّالِمين وَسَيَأْتِي مَزِيدُ بَيَانٍ لِهَذَا فِي كِتَابِ الْأَيْمَانِ وَالنُّذُورِ إِنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى