فهرس الكتاب

فتح الباري لابن حجر - باب شهادة النساء

( قَولُهُ بَابُ شَهَادَةِ النِّسَاءِ وَقَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى فَإِن لم يَكُونَا رجلَيْنِ فَرجل وَامْرَأَتَانِ)
قَالَ بن الْمُنْذِرِ أَجْمَعَ الْعُلَمَاءُ عَلَى الْقَوْلِ بِظَاهِرِ هَذِهِ الْآيَةِ فَأَجَازُوا شَهَادَةَ النِّسَاءِ مَعَ الرِّجَالِ وَخَصَّ الْجُمْهُورُ ذَلِكَ بِالدُّيُونِ وَالْأَمْوَالِ وَقَالُوا لَا تَجُوزُ شَهَادَتُهُنَّ فِي الْحُدُودِ وَالْقِصَاصِ وَاخْتَلَفُوا فِي النِّكَاحِ وَالطَّلَاقِ وَالنَّسَبِ وَالْوَلَاءِ فَمَنَعَهَا الْجُمْهُورُ وَأَجَازَهَا الْكُوفِيُّونَ قَالَ وَاتَّفَقُوا عَلَى قَبُولِ شَهَادَتِهِنَّ مُفْرَدَاتٍ فِيمَا لَا يَطَّلِعُ عَلَيْهِ الرِّجَالُ كَالْحَيْضِ وَالْوِلَادَةِ وَالِاسْتِهْلَالِ وَعُيُوبِ النِّسَاءِ وَاخْتَلَفُوا فِي الرَّضَاعِ كَمَا سَيَأْتِي فِي الْبَابِ الَّذِي بَعْدَهُ.

     وَقَالَ  أَبُو عُبَيْدٍ أَمَّا اتِّفَاقُهُمْ عَلَى جَوَازِ شَهَادَتِهِنَّ فِي الْأَمْوَالِ فَلِلْآيَةِ الْمَذْكُورَةِ.
وَأَمَّا اتِّفَاقُهُمْ عَلَى مَنْعِهَا فِي الْحُدُودِ وَالْقِصَاصِ فَلِقَوْلِهِ تَعَالَى فَإِنْ لَمْ يَأْتُوا بأَرْبعَة شُهَدَاء.
وَأَمَّا اخْتِلَافُهُمْ فِي النِّكَاحِ وَنَحْوِهِ فَمَنْ أَلْحَقَهَا بِالْأَمْوَالِ فَذَلِكَ لِمَا فِيهَا مِنَ الْمُهُورِ وَالنَّفَقَاتِ وَنَحْوِ ذَلِكَ وَمَنْ أَلْحَقَهَا بِالْحُدُودِ فَلِأَنَّهَا تَكُونُ اسْتِحْلَالًا لِلْفُرُوجِ وَتَحْرِيمُهَا بِهَا قَالَ وَهَذَا هُوَ الْمُخْتَارُ وَيُؤَيِّدُ ذَلِكَ .

     قَوْلُهُ  تَعَالَى وَأَشْهِدُوا ذَوَيْ عدل مِنْكُم ثُمَّ سَمَّاهَا حُدُودًا فَقَالَ تِلْكَ حُدُودُ اللَّهِ وَالنِّسَاءُ لَا يُقْبَلْنَ فِي الْحُدُودِ قَالَ وَكَيْفَ يَشْهَدْنَ فِيمَا لَيْسَ لَهُنَّ فِيهِ تَصَرُّفٌ مِنْ عَقْدٍ وَلَا حِلٍّ انْتَهَى وَهَذَا التَّفْصِيلُ لَا يُنَافِي التَّرْجَمَةَ لِأَنَّهَا مَعْقُودَةٌ لِإِثْبَاتِ شَهَادَتِهِنَّ فِي الْجُمْلَةِ وَقَدِ اخْتَلَفُوا فِيمَا لَا يَطَّلِعُ عَلَيْهِ الرِّجَالُ هَلْ يَكْفِي فِيهِ قَوْلُ الْمَرْأَةِ وَحْدَهَا أَمْ لَا فَعِنْدَ الْجُمْهُورِ لَا بُدَّ مِنْ أَربع وَعَن مَالك وبن أَبِي لَيْلَى يَكْفِي شَهَادَةُ اثْنَتَيْنِ وَعَنِ الشَّعْبِيِّ وَالثَّوْرِيِّ تَجُوزُ شَهَادَتُهَا وَحْدَهَا فِي ذَلِكَ وَهُوَ قَول الْحَنَفِيَّة ثمَّ ذَكَرَ الْمُصَنِّفُ حَدِيثَ أَبِي سَعِيدٍ مُخْتَصَرًا وَقَدْ مَضَى بِتَمَامِهِ فِي الْحَيْضِ وَالْغَرَضُ مِنْهُ



[ قــ :2543 ... غــ :2658] .

     قَوْلُهُ  صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَلَيْسَ شَهَادَةُ الْمَرْأَةِ مِثْلَ نِصْفِ شَهَادَةِ الرَّجُلِ قَالَ الْمُهَلَّبُ وَيُسْتَنْبَطُ مِنْهُ التَّفَاضُلُ بَيْنَ الشُّهُودِ بِقَدْرِ عَقْلِهِمْ وَضَبْطِهِمْ فَتُقَدَّمُ شَهَادَةُ الْفَطِنِ الْيَقِظِ عَلَى الصَّالِحِ الْبَلِيدِ قَالَ وَفِي الْآيَةِ أَنَّ الشَّاهِدَ إِذَا نَسِيَ الشَّهَادَةَ فَذَكَّرَهُ بِهَا رَفِيقُهُ حَتَّى تَذَكَّرَهَا أَنَّهُ يَجُوزُ أَنْ يَشْهَدَ بِهَا وَمِنَ اللَّطَائِفِ مَا حَكَاهُ الشَّافِعِيُّ عَنْ أُمِّهِ أَنَّهَا شَهِدَتْ عِنْدَ قَاضِي مَكَّةَ هِيَ وَامْرَأَةٌ أُخْرَى فَأَرَادَ أَنْ يُفَرِّقَ بَيْنَهُمَا امْتِحَانًا فَقَالَتْ لَهُ أُمُّ الشَّافِعِيِّ لَيْسَ لَكَ ذَلِكَ لِأَنَّ اللَّهَ تَعَالَى يَقُولُ أَن تضل إِحْدَاهمَا فَتذكر إِحْدَاهمَا الْأُخْرَى