فهرس الكتاب

فتح الباري لابن حجر - باب: إذا زكى رجل رجلا كفاه

( قَولُهُ بَابُ إِذَا زَكَّى رَجُلٌ رَجُلًا كَفَاهُ)
تَرْجَمَ فِي أَوَائِلِ الشَّهَادَاتِ تَعْدِيلُ كَمْ يَجُوزُ فَتَوَقَّفَ هُنَاكَ وَجَزَمَ هُنَا بِالِاكْتِفَاءِ بِالْوَاحِدِ وَقَدْ قَدَّمْتُ تَوْجِيهَهُ هُنَاكَ وَاخْتَلَفَ السَّلَفُ فِي اشْتِرَاطِ الْعَدَدِ فِي التَّزْكِيَةِ فَالْمُرَجَّحُ عِنْدَ الشَّافِعِيَّةِ وَالْمَالِكِيَّةِ وَهُوَ قَوْلُ مُحَمَّدِ بْنِ الْحَسَنِ اشْتِرَاطُ اثْنَيْنِ كَمَا فِي الشَّهَادَةِ وَاخْتَارَهُ الطَّحَاوِيُّ وَاسْتَثْنَى كَثِيرٌ مِنْهُمْ بِطَانَةَ الْحَاكِمِ لِأَنَّهُ نَائِبُهُ فَيُنَزَّلُ .

     قَوْلُهُ  مَنْزِلَةَ الْحُكْمِ وَأَجَازَ الْأَكْثَرُ قَبُولَ الْجَرْحِ وَالتَّعْدِيلِ مِنْ وَاحِدٍ لِأَنَّهُ يَنْزِلُ مَنْزِلَةَ الْحُكْمِ وَالْحُكْمُ لَا يُشْتَرَطُ فِيهِ الْعَدَدُ.

     وَقَالَ  أَبُو عُبَيْدٍ لَا يُقْبَلُ فِي التَّزْكِيَةِ أَقَلُّ مِنْ ثَلَاثَةٍ وَاحْتَجَّ بِحَدِيثِ قَبِيصَةَ الَّذِي أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ فِيمَنْ تَحِلُّ لَهُ الْمَسْأَلَةُ حَتَّى يَقُومَ ثَلَاثَةٌ مِنْ ذَوِي الْحِجَا فَيَشْهَدُونَ لَهُ قَالَ وَإِذَا كَانَ هَذَا فِي حَقِّ الْحَاجَةِ فَغَيْرُهَا أَوْلَى وَهَذَا كُلُّهُ فِي الشَّهَادَةِ أَمَّا الرِّوَايَةُ فَيُقْبَلُ فِيهَا قَوْلُ الْوَاحِدِ عَلَى الصَّحِيحِ لِأَنَّهُ إِنْ كَانَ نَاقِلًا عَنْ غَيْرِهِ فَهُوَ مِنْ جُمْلَةِ الْأَخْبَارِ وَلَا يُشْتَرَطُ الْعَدَدُ فِيهَا وَإِنْ كَانَ مِنْ قِبَلِ نَفْسِهِ فَهُوَ بِمَنْزِلَةِ الْحَاكِمِ وَلَا يَتَعَدَّدُ أَيْضًا .

     قَوْلُهُ  وقَال أَبُو جَمِيلَةَ بِفَتْحِ الْجِيمِ وَكَسْرِ الْمِيمِ وَاسْمُهُ سُنَيْنٌ بِمُهْمَلَةٍ وَنُونَيْنِ مُصَغَّرٌ وَوَهَمَ مَنْ شَدَّدَ التَّحْتَانِيَّةَ كَالدَّاوُدِيِّ وَقِيلَ إِنَّهَا رِوَايَةُ الْأَصِيلِيِّ قِيلَ اسْمُ أَبِيهِ فَرْقَدٌ قَالَ بن سَعْدٍ هُوَ سُلَمِيٌّ.

     وَقَالَ  غَيْرُهُ هُوَ ضَمْرِيٌّ وَقِيلَ سَلِيطِيٌّ وَقَدْ ذَكَرَهُ الْعِجْلِيُّ وَجَمَاعَةٌ فِي التَّابِعِينَ وَسَيَأْتِي فِي غَزْوَةِ الْفَتْحِ مَا يَدُلُّ عَلَى صُحْبَتِهِ وَقَدْ ذَكَرَهُ آخَرُونَ فِي الصَّحَابَةِ وَوَقَعَ سِيَاقُ خَبَرِهِ مِنْ طَرِيقِ مَعْمَرٍ عَنِ الزُّهْرِيِّ عَنْ أَبِي جَمِيلَةَ قَالَ أَخْبَرَنَا وَنَحْنُ مَعَ بن الْمُسَيَّبِ أَنَّهُ أَدْرَكَ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَخَرَجَ مَعَهُ عَامَ الْفَتْحِ وَذَكَرَ أَبُو عُمَرَ أَنَّهُ جَاءَ فِي رِوَايَةٍ أُخْرَى أَنَّهُ حَجَّ حَجَّةَ الْوَدَاعِ وَهُوَ وَارِدٌ عَلَى مَنْ لَمْ يَعْرِفْهُ فَقَالَ إِنَّهُ مَجْهُولٌ كَابْنِ الْمُنْذِرِ وَنَقَلَ الْبَيْهَقِيُّ عَنِ الشَّافِعِيِّ نَحْوَ ذَلِكَ وَفِي الرُّوَاةِ أَبُو جَمِيلَةَ آخَرُ اسْمُهُ مَيْسَرَةُ الطُّهَوِيُّ بِضَمِّ الطَّاءِ الْمُهْمَلَةِ وَفَتْحِ الْهَاءِ وَهُوَ كُوفِيٌّ رَوَى عَنْ عُثْمَانَ وَعَلِيٍّ وَلَيْسَتْ لَهُ صُحْبَةٌ اتِّفَاقًا وَوَهَمَ مَنْ جَعَلَهُ صَاحِبَ هَذِهِ الْقِصَّةِ كَالْكَرْمَانِيِّ .

     قَوْلُهُ  وَجَدْتُ مَنْبُوذًا بِفَتْحِ الْمِيمِ وَسُكُونِ النُّونِ وَضَمِّ الْمُوَحَّدَةِ وَسُكُونِ الْوَاوِ بَعْدَهَا مُعْجَمَةٌ أَيْ شَخْصًا مَنْبُوذًا أَيْ لَقِيطًا .

     قَوْلُهُ  قَالَ عَسَى الْغُوَيْرُ أَبْؤُسًا كَذَا لِلْأَصِيلِيِّ وَلِأَبِي ذَرٍّ عَنِ الْكُشْمِيهَنِيِّ وَحْدَهُ وَسَقَطَ لِلْبَاقِينَ وَالْغُوَيْرُ بِالْمُعْجَمَةِ تَصْغِيرُ غَارٍ وَأَبْؤُسًا جَمْعُ بُؤْسٍ وَهُوَ الشِّدَّةُ وَانْتَصَبَ عَلَى أَنَّهُ خَبَرُ عَسَى عِنْدَ مَنْ يُجِيزُهُ أَوْ بِإِضْمَارِ شَيْءٍ تَقْدِيرُهُ عَسَى أَنْ يَكُونَ الْغُوَيْرُ أَبْؤُسًا وَجَزَمَ بِهِ صَاحِبُ الْمُغْنِي وَهُوَ مَثَلٌ مَشْهُورٌ يُقَالُ فِيمَا ظَاهِرُهُ السَّلَامَةُ وَيُخْشَى مِنْهُ الْعَطَبُ وَرَوَى الْخَلَّالُ فِي عِلَلِهِ عَنِ الزُّهْرِيِّ أَنَّ أَهْلَ الْمَدِينَةِ يَتَمَثَّلُونَ بِهِ فِي ذَلِكَ كَثِيرًا وَأَصْلُهُ كَمَا قَالَ الْأَصْمَعِيُّ أَنَّ نَاسًا دَخَلُوا غَارًا يَبِيتُونَ فِيهِ فَانْهَارَ عَلَيْهِمْ فَقَتَلَهُمْ وَقِيلَ وَجَدُوا فِيهِ عَدُوًّا لَهُمْ فَقَتَلَهُمْ فَقِيلَ ذَلِكَ لِكُلِّ مَنْ دَخَلَ فِي أَمْرٍ لَا يَعْرِفُ عَاقِبَتَهُ.

     وَقَالَ  بن الْكَلْبِيِّ الْغُوَيْرُ مَكَانٌ مَعْرُوفٌ فِيهِ مَاءٌ لِبَنِي كَلْبٍ كَانَ فِيهِ نَاسٌ يَقْطَعُونَ الطَّرِيقَ وَكَانَ من يمر يتواصون بالحراسة.

     وَقَالَ  بن الْأَعْرَابِيِّ ضَرَبَ عُمَرُ هَذَا الْمَثَلَ لِلرَّجُلِ يُعَرِّضُ بِأَنَّهُ فِي الْأَصْلِ وَلَدَهُ وَهُوَ يُرِيدُ نَفْيَهُ عَنْهُ بِدَعْوَاهُ أَنَّهُ الْتَقَطَهُ فَهَذَا مَعْنَى قَوْلِهِ كَأَنَّهُ يَتَّهِمُنِي وَقِيلَ أَوَّلُ مَنْ تَكَلَّمَ بِهِ الزَّبَّاءُ بِفَتْحِ الزَّايِ وَتَشْدِيدِ الْمُوَحَّدَةِ وَالْمَدِّ لَمَّا قَتَلَتْ جُذَيْمَةَ الْأَبْرَشَ وَأَرَادَ قَصِيرٌ بِفَتْحِ الْقَافِ وَكَسْرِ الْمُهْمَلَةِ أَنْ يَقْتَصَّ مِنْهَا فَتَوَاطَأَ قَصِيرٌ وَعَمْرو بن أُخْتِ جُذَيْمَةَ عَلَى أَنْ قَطَعَ عَمْرٌو أَنْفَ قَصِيرٍ فَأَظْهَرَ أَنَّهُ هَرَبَ مِنْهُ إِلَى الزَّبَّاءِ فَأَمِنَتْ إِلَيْهِ ثُمَّ أَرْسَلَتْهُ تَاجِرًا فَرَجَعَ إِلَيْهَا بِرِبْحٍ كَثِيرٍ مِرَارًا ثُمَّ رَجَعَ الْمَرَّةَ الْأَخِيرَةَ وَمَعَهُ الرِّجَالُ فِي الْأَعْدَالِ مَعَهُمُ السِّلَاحُ فَنَظَرَتْ إِلَى الْجَمَالِ تَمْشِي رُوَيْدًا لِثِقَلِ مَنْ عَلَيْهَا فَقَالَتْ عَسَى الْغُوَيْرُ أَبْؤُسًا أَيْ لَعَلَّ الشَّرَّ يَأْتِيكُمْ مِنْ قِبَلِ الْغُوَيْرِ وَكَأَنَّ قَصِيرًا أَعْلَمَهَا أَنَّهُ سَلَكَ فِي هَذِهِ الْمَرَّةِ طَرِيقَ الْغُوَيْرِ فَلَمَّا دَخَلَتِ الْأَحْمَالُ قَصْرَهَا خَرَجَتِ الرِّجَالُ مِنَ الْأَعْدَالِ فَهَلَكَتْ .

     قَوْلُهُ  كَأَنَّهُ يَتَّهِمُنِي أَيْ بِأَنْ يَكُونَ الْوَلَدُ لَهُ وَإِنَّمَا أَرَادَ نَفْيَ نَسَبِهِ عَنْهُ لِمَعْنًى مِنَ الْمَعَانِي وَأَرَادَ مَعَ ذَلِكَ أَنْ يَتَوَلَّى هُوَ تَرْبِيَتَهُ وَقِيلَ اتَّهَمَهُ بِأَنَّهُ زَنَى بِأُمِّهِ ثُمَّ ادَّعَاهُ وَهُوَ بَعِيدٌ وَمَا تَقَدَّمَ أَوْلَى وَقَدْ أَخْرَجَ الْبَيْهَقِيُّ هَذِهِ الْقِصَّةَ مَوْصُولَةً مِنْ طَرِيقِ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ الْأَنْصَارِيِّ عَنْ الزُّهْرِيِّ عَنْ أَبِي جَمِيلَةَ أَنَّهُ خَرَجَ مَعَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَامَ الْفَتْحِ وَأَنَّهُ وَجَدَ مَنْبُوذًا فِي خِلَافَةِ عُمَرَ فَأَخَذَهُ قَالَ فَذَكَرَ ذَلِكَ عَرِيفِي لِعُمَرَ فَلَمَّا رَآنِي عُمَرُ قَالَ فَذَكَرَهُ وَزَادَ مَا حَمَلَكَ عَلَى أَخْذِ هَذِهِ النَّسَمَةِ.

قُلْتُ وَجَدْتُهَا ضَائِعَةً وَقد أخرج مَالك فِي الْمُوَطَّأ هَذِه الزِّيَادَة عَنِ الزُّهْرِيِّ أَيْضًا وَصَدْرُ هَذَا الْخَبَرِ سَيَأْتِي مَوْصُولًا فِي أَوَاخِرِ الْمَغَازِي مِنْ وَجْهٍ آخَرَ عَنِ الزُّهْرِيِّ وَفِي ذَلِكَ رَدٌّ عَلَى مَنْ زَعَمَ أَنَّ أَبَا جَمِيلَةَ هَذَا هُوَ الطُّهَوِيُّ لِأَنَّ الطُّهَوِيَّ لَمْ يُدْرِكِ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَلَا عمر وَأورد بن الْأَثِيرِ عَنِ الْبُخَارِيِّ مَا ذَكَرْتُهُ عَنْهُ وَزَادَ فِيهِ وَأَنَّهُ الْتَقَطَ مَنْبُوذًا فَذَكَرَ الْقِصَّةَ وَلَمْ أَرَ ذَلِكَ فِي شَيْءٍ مِنَ النُّسَخِ .

     قَوْلُهُ  فَقَالَ لَهُ عَرِيفِي إِنَّهُ رَجُلٌ صَالِحٌ لَمْ أَقِفْ عَلَى اسْمِ هَذَا الْعَرِيفِ إِلَّا أَنَّ الشَّيْخَ أَبَا حَامِدٍ ذَكَرَ فِي تَعْلِيقِهِ أَنَّ اسْمَهُ سِنَانٌ وَفِي الصَّحَابَةِ لِابْنِ عَبْدِ الْبَرِّ سِنَانٌ الضَّمْرِيُّ اسْتَخْلَفَهُ أَبُو بَكْرٍ الصِّدِّيقُ مَرَّةً عَلَى الْمَدِينَةِ فَيَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ هُوَ ذَا فَقَدْ قِيلَ إِنَّ أَبَا جَمِيلَةَ ضَمْرِيٌّ وَاللَّهُ أعلم قَالَ بن بَطَّالٍ كَانَ عُمَرُ قَسَّمَ النَّاسَ وَجَعَلَ عَلَى كل قَبيلَة عريفا ينطر عَلَيْهِمْ.

قُلْتُ فَإِنْ كَانَ أَبُو جَمِيلَةَ سُلَمِيًّا فَيُنْظَرُ مَنْ كَانَ عَرِيفَ بَنِي سُلَيْمٍ فِي عَهْدِ عُمَرَ .

     قَوْلُهُ  قَالَ كَذَاكَ زَادَ مَالِكٌ فِي رِوَايَتِهِ قَالَ نَعَمْ .

     قَوْلُهُ  اذْهَبْ وَعَلَيْنَا نَفَقَتُهُ فِي رِوَايَةِ مَالِكٍ فَقَالَ عُمَرُ اذْهَبْ فَهُوَ حُرٌّ وَلَكَ وَلَاؤُهُ وَعَلَيْنَا نَفَقَتُهُ وَكَذَلِكَ فِي رِوَايَة الْبَيْهَقِيّ قَالَ بن بَطَّالٍ فِي هَذِهِ الْقِصَّةِ أَنَّ الْقَاضِيَ إِذَا سَأَلَ فِي مَجْلِسِ نَظَرِهِ عَنْ أَحَدٍ فَإِنَّهُ يَجْتَزِئُ بِقَوْلِ الْوَاحِدِ كَمَا صَنَعَ عُمَرُ فَأَمَّا إِذَا كَلَّفَ الْمَشْهُودَ لَهُ أَنْ يُعَدِّلَ شُهُودَهُ فَلَا يَقْبَلُ أَقَلَّ مِنِ اثْنَيْنِ.

قُلْتُ غَايَتُهُ أَنَّهُ حَمَلَ الْقِصَّةَ عَلَى بَعْضِ مُحْتَمَلَاتِهَا وَقِصَّةُ التَّكْلِيفِ تَحْتَاجُ إِلَى دَلِيلٍ مِنْ خَارِجٍ وَفِيهَا جَوَازُ الِالْتِقَاطِ وَإِنْ لَمْ يَشْهَدْ وَأَنَّ نَفَقَتَهُ إِذَا لَمْ يُعْرَفْ فِي بَيْتِ الْمَالِ وَأَنَّ وَلَاءَهُ لِمُلْتَقِطِهِ وَذَلِكَ مِمَّا اخْتُلِفَ فِيهِ وَسَتَأْتِي الْإِشَارَةُ إِلَى ذَلِكَ فِي كِتَابِ الْفَرَائِضِ إِنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى وَقَدْ وَجَّهَ بَعْضُهُمْ مَعْنَى قَوْلِهِ لَكَ وَلَاؤُهُ بِكَوْنِهِ حِينَ الْتَقَطَهُ كَأَنَّهُ أَعْتَقَهُ مِنَ الْمَوْتِ أَوْ أَعْتَقَهُ مِنْ أَنْ يَلْتَقِطَهُ غَيْرُهُ وَيَدَّعِيَ أَنَّهُ مِلْكُهُ تَنْبِيهٌ وَقَعَ فِي الْمَطَالِعِ أَنَّ عُمَرَ لَمَّا اتَّهَمَ أَبَا جَمِيلَةَ شَهِدَ لَهُ جَمَاعَةٌ بِالسَّتْرِ اه وَلَيْسَ فِي قِصَّتِهِ أَنَّ الَّذِي شَهِدَ لَيْسَ إِلَّا عَرِيفَهُ وَحْدَهُ وَفِيهِ تَثَبُّتُ عُمَرَ فِي الْأَحْكَامِ وَأَنَّ الْحَاكِمَ إِذَا تَوَقَّفَ فِي أَمْرِ أَحَدٍ لَمْ يَكُنْ ذَلِكَ قَادِحًا فِيهِ وَرُجُوعُ الْحَاكِمِ إِلَى قَوْلِ أُمَنَائِهِ وَفِيهِ أَنَّ الثَّنَاءَ عَلَى الرَّجُلِ فِي وَجْهِهِ عِنْدَ الْحَاجَةِ لَا يُكْرَهُ وَإِنَّمَا يُكْرَهُ الْإِطْنَابُ فِي ذَلِكَ وَلِهَذِهِ النُّكْتَةِ تَرْجَمَ الْبُخَارِيُّ عَقِبَ هَذَا بِحَدِيثِ أَبِي مُوسَى الَّذِي سَاقَهُ بِمَعْنَى حَدِيثِ أَبِي بَكْرَةَ الَّذِي أَوْرَدَهُ فِي هَذَا الْبَابِ فَقَالَ مَا يُكْرَهُ مِنَ الْإِطْنَابِ فِي الْمَدْحِ وَوَجْهُ احْتِجَاجِهِ بِحَدِيثِ أَبِي بَكْرَةَ أَنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ اعْتَبَرَ تَزْكِيَةَ الرَّجُلِ إِذَا اقْتَصَدَ لِأَنَّهُ لَمْ يَعِبْ عَلَيْهِ إِلَّا الْإِسْرَافَ وَالتَّغَالِيَ فِي الْمَدْحِ وَاعْتَرَضَهُ بن الْمُنِيرِ بِأَنَّ هَذَا الْقَدْرَ كَافٍ فِي قَبُولِ تَزْكِيَتِهِ.
وَأَمَّا اعْتِبَارُ النِّصَابِ فَمَسْكُوتٌ عَنْهُ وَجَوَابُهُ أَنَّ الْبُخَارِيَّ جَرَى عَلَى قَاعِدَتِهِ بِأَنَّ النِّصَابَ لَوْ كَانَ شَرْطًا لَذُكِرَ إِذْ لَا يُؤَخَّرُ الْبَيَانُ عَنْ وَقْتِ الْحَاجَةِ



[ قــ :2547 ... غــ :2662] .

     قَوْلُهُ  أَثْنَى رَجُلٌ عَلَى رَجُلٍ يَحْتَمِلُ أَنْ يُفَسَّرَ الْمُثْنِي بِمِحْجَنِ بْنِ الْأَدْرَعِ الْأَسْلَمِيِّ وَحَدِيثُهُ بِذَلِكَ عِنْدَ الطَّبَرَانِيِّ وَأَحْمَدَ وَإِسْحَاقَ وَعِنْدَ إِسْحَاقَ فِيهِ زِيَادَةٌ مِنْ وَجْهٍ آخَرَ قَدْ يُفَسَّرُ مِنْهَا الْمُثْنَى عَلَيْهِ بِأَنَّهُ عَبْدُ اللَّهِ ذُو النِّجَادَيْنِ وَسَيَأْتِي بَيَانُ ذَلِكَ فِي كِتَابِ الْأَدَبِ مَعَ تَمَامِ الْكَلَامِ عَلَى حَدِيثِ أَبِي بَكْرَةَ إِنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى