فهرس الكتاب

فتح الباري لابن حجر - باب إذا تسارع قوم في اليمين

( قَولُهُ بَابُ إِذَا تَسَارَعَ قَوْمٌ فِي الْيَمِينِ)
أَيْ حَيْثُ تَجِبُ عَلَيْهِمْ جَمِيعًا بِأَيِّهِمْ يُبْدَأُ



[ قــ :2557 ... غــ :2674] .

     قَوْلُهُ  أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَرَضَ عَلَى قَوْمٍ الْيَمِينَ فَأَسْرَعُوا فَأَمَرَ أَنْ يُسْهَمَ بَيْنَهُمْ فِي الْيَمِينِ أَيُّهُمْ يَحْلِفُ أَيْ قَبْلَ الْآخَرِ هَذَا اللَّفْظُ أَخْرَجَهُ النَّسَائِيُّ أَيْضًا عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ رَافِعٍ عَنْ عَبْدِ الرَّزَّاقِ.

     وَقَالَ  فِيهِ فَأَسْرَعَ الْفَرِيقَانِ وَقَدْ رَوَاهُ أَحْمَدُ عَنْ عَبْدِ الرَّزَّاقِ شَيْخِ شَيْخِ الْبُخَارِيِّ فِيهِ بِلَفْظِ إِذَا أُكْرِهَ الِاثْنَانِ عَلَى الْيَمِينِ وَاسْتَحَبَّاهَا فَلْيَسْتَهِمَا عَلَيْهَا وَأَخْرَجَهُ أَبُو نُعَيْمٍ فِي مُسْنَدِ إِسْحَاق بنراهويه عَنْ عَبْدِ الرَّزَّاقِ مِثْلَ رِوَايَةِ الْبُخَارِيِّ.
وَتَعَقَّبَهُ بِأَنَّهُ رَآهُ فِي أَصْلِ إِسْحَاقَ عَنْ عَبْدِ الرَّزَّاقِ بِاللَّفْظِ الَّذِي رَوَاهُ أَحْمَدُ قَالَ وَقَدْ وَهَمَ شَيْخُنَا أَبُو أَحْمَدَ فِي ذَلِكَ انْتَهَى.

قُلْتُ وَهَكَذَا أَخْرَجَهُ الْإِسْمَاعِيلِيِّ مِنْ طَرِيقِ إِسْحَاقَ بْنِ أَبِي إِسْرَائِيلَ عَنْ عَبْدِ الرَّزَّاقِ وَأَخْرَجَهُ مِنْ طَرِيقِ الْحَسَنِ بْنِ يَحْيَى عَنْ عَبْدِ الرَّزَّاقِ مِثْلَهُ لَكِنْ قَالَ فَاسْتَحَبَّاهَا وَأَخْرَجَهُ أَبُو دَاوُدَ عَنْ أَحْمَدَ وَسَلَمَةَ بْنِ شَبِيبٍ عَنْ عَبْدِ الرَّزَّاقِ بِلَفْظِ أَوِ اسْتَحَبَّاهَا قَالَ الْإِسْمَاعِيلِيُّ هَذَا هُوَ الصَّحِيحُ أَيْ أَنَّهُ بِلَفْظِ أَوْ لَا بِالْفَاءِ وَلَا بِالْوَاوِ.

قُلْتُ وَرِوَايَةُ الْوَاوِ يُمْكِنُ حَمْلُهَا عَلَى رِوَايَةِ أَوْ.
وَأَمَّا رِوَايَةُ الْفَاءِ فَيُمْكِنُ تَوْجِيهُهَا بِأَنَّهُمَا أُكْرِهَا عَلَى الْيَمِينِ فِي ابْتِدَاءِ الدَّعْوَى فَلَمَّا عَرَفَا أَنَّهُمَا لَا بُدَّ لَهُمَا مِنْهَا أَجَابَا إِلَيْهَا وَهُوَ الْمُعَبَّرُ عَنْهُ بِالِاسْتِحْبَابِ ثُمَّ تَنَازَعَا أَيُّهُمَا يَبْدَأُ فَأَرْشَدَ إِلَى الْقُرْعَةِ.

     وَقَالَ  الْخَطَّابِيُّ وَغَيْرُهُ الْإِكْرَاهُ هُنَا لَا يُرَادُ بِهِ حَقِيقَتُهُ لِأَنَّ الْإِنْسَانَ لَا يُكْرَهُ عَلَى الْيَمِينِ وَإِنَّمَا الْمَعْنَى إِذَا تَوَجَّهَتِ الْيَمِينُ عَلَى اثْنَيْنِ وَأَرَادَا الْحَلِفَ سَوَاءٌ كَانَا كَارِهَيْنِ لِذَلِكَ بِقَلْبِهِمَا وَهُوَ مَعْنَى الْإِكْرَاهِ أَوْ مُخْتَارَيْنِ لِذَلِكَ بِقَلْبِهِمَا وَهُوَ مَعْنَى الِاسْتِحْبَابِ وَتَنَازَعَا أَيُّهُمَا يَبْدَأُ فَلَا يُقَدَّمُ أَحَدُهُمَا عَلَى الْآخَرِ بِالتَّشَهِّي بَلْ بِالْقُرْعَةِ وَهُوَ الْمُرَادُ بِقَوْلِهِ فَلْيَسْتَهِمَا أَيْ فَلْيَقْتَرِعَا وَقِيلَ صُورَةُ الِاشْتِرَاكِ فِي الْيَمِينِ أَنْ يَتَنَازَعَ اثْنَانِ عَيْنًا لَيْسَتْ فِي يَدِ وَاحِدٍ مِنْهُمَا وَلَا بَيِّنَةَ لِوَاحِدٍ مِنْهُمَا فَيُقْرَعُ بَيْنَهُمَا فَمَنْ خَرَجَتْ لَهُ الْقُرْعَةُ حَلَفَ وَاسْتَحَقَّهَا وَيُؤَيِّدُ ذَلِكَ مَا رَوَى أَبُو دَاوُدَ وَالنَّسَائِيُّ وَغَيْرُهُمَا مِنْ طَرِيقِ أَبِي رَافِعٍ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّ رَجُلَيْنِ اخْتَصَمَا فِي مَتَاعٍ لَيْسَ لِوَاحِدٍ مِنْهُمَا بَيِّنَةٌ فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ اسْتَهِمَا عَلَى الْيَمِينِ مَا كَانَ أَحَبَّا ذَلِكَ أَوْ كَرِهَا.
وَأَمَّا اللَّفْظُ الَّذِي ذَكَرَهُ الْبُخَارِيُّ فَيَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ عِنْدَ عَبْدِ الرَّزَّاقِ فِيهِ حَدِيثٌ آخَرُ بِاللَّفْظِ الْمَذْكُورِ وَيُؤَيِّدُهُ رِوَايَةُ أَبِي رَافِعٍ الْمَذْكُورَةُ فَإِنَّهَا بِمَعْنَاهَا وَيَحْتَمِلُ أَنْ تَكُونَ قِصَّةٌ أُخْرَى بِأَنْ يَكُونَ الْقَوْمُ الْمَذْكُورُونَ مُدَّعًى عَلَيْهِمْ بِعَيْنٍ فِي أَيْدِيهِمْ مَثَلًا وَأَنْكَرُوا وَلَا بَيِّنَةَ لِلْمُدَّعَى عَلَيْهِمْ فَتَوَجَّهَتْ عَلَيْهِمُ الْيَمِينُ فَتَسَارَعُوا إِلَى الْحَلِفِ وَالْحَلِفُ لَا يَقَعُ مُعْتَبَرًا إِلَّا بِتَلْقِينِ الْمُحَلِّفِ فَقَطَعَ النِّزَاعَ بَيْنَهُمْ بِالْقُرْعَةِ فَمَنْ خَرَجَتْ لَهُ بَدَأَ بِهِ فِي ذَلِك وَالله أعلم.