فهرس الكتاب

فتح الباري لابن حجر - باب ما يستحب لمن توفي فجاءة أن يتصدقوا عنه، وقضاء النذور عن الميت

( قَولُهُ بَابُ مَا يُسْتَحَبُّ لِمَنْ تُوُفِّيَ فُجَاءَةً)
بِضَمِّ الْفَاءِ وَبِالْجِيمِ الْخَفِيفَةِ وَالْمَدِّ وَيَجُوزُ فَتْحُ الْفَاءِ وَسُكُونُ الْجِيمِ بِغَيْرِ مَدٍّ أَنْ يَتَصَدَّقُوا عَنْهُ وَقَضَاءُ النُّذُورِ عَنِ الْمَيِّتِ أَوْرَدَ فِيهِ حَدِيثَ عَائِشَةَ أَنَّ رَجُلًا قَالَ إِنَّ أُمِّي افتلتت نَفسهَا وَحَدِيث بن عَبَّاسٍ أَنَّ سَعْدَ بْنَ عُبَادَةَ قَالَ إِنَّ أُمِّي مَاتَتْ وَعَلَيْهَا نَذْرٌ وَكَأَنَّهُ رَمَزَ إِلَى أَنَّ الْمُهِمَّ فِي حَدِيثِ عَائِشَةَ هُوَ سَعْدُ بن عبَادَة وَقد تقدم حَدِيث بن عَبَّاسٍ فِي قِصَّةِ سَعْدِ بْنِ عُبَادَةَ بِلَفْظٍ آخَرَ وَلَا تَنَافِيَ بَيْنَ



[ قــ :2635 ... غــ :2760] قَوْلِهِ إِنَّ أُمِّي مَاتَتْ وَعَلَيْهَا نَذْرٌ وَبَيْنَ قَوْلِهِ إِنَّ أُمِّي تُوُفِّيَتْ وَأَنَا غَائِبٌ عَنْهَا فَهَلْ يَنْفَعُهَا شَيْءٌ إِنْ تَصَدَّقْتُ بِهِ عَنْهَا لِاحْتِمَالِ أَنْ يَكُونَ سَأَلَ عَنِ النَّذْرِ وَعَنِ الصَّدَقَةِ عَنْهَا وَبَيَّنَ النَّسَائِيّ من وَجه آخر جِهَة الصَّدَقَةَ الْمَذْكُورَةَ فَأَخْرَجَ مِنْ طَرِيقِ سَعِيدِ بْنِ الْمسيب عَن سعد بْنِ عُبَادَةَ قَالَ.

قُلْتُ يَا رَسُولَ اللَّهِ إِنَّ أُمِّي مَاتَتْ أَفَأَتَصَدَّقُ عَنْهَا قَالَ نَعَمْ.

قُلْتُ فَأَيُّ الصَّدَقَةِ أَفْضَلُ قَالَ سَقْيُ الْمَاءِ وَأَخْرَجَهُ الدَّارَقُطْنِيُّ فِي غَرَائِبِ مَالِكٍ مِنْ طَرِيقِ حَمَّادِ بْنِ خَالِدٍ عَنْهُ بِإِسْنَادِ الْحَدِيثِ الثَّانِي فِي هَذَا الْبَابِ لَكِنْ بِلَفْظِ إِنَّ سَعْدًا قَالَ يَا رَسُولَ اللَّهِ أَتَنْتَفِعُ أُمِّي إِنْ تَصَدَّقْتُ عَنْهَا وَقَدْ مَاتَتْ قَالَ نَعَمْ قَالَ فَمَا تَأْمُرُنِي قَالَ اسْقِ الْمَاءَ وَالْمَحْفُوظُ عَنْ مَالِكٍ مَا وَقَعَ فِي هَذَا الْبَابِ وَاللَّهُ أَعْلَمُ وَقَدْ تَقَدَّمَتْ تَسْمِيَةُ أُمِّ سَعْدٍ قَرِيبًا .

     قَوْلُهُ  افْتُلِتَتْ بِضَمِّ الْمُثَنَّاةِ بَعْدَ الْفَاءِ السَّاكِنَةِ وَكَسْرِ اللَّامِ أَيْ أُخِذَتْ فَلْتَةً أَيْ بَغْتَةً وَقَولُهُ نَفْسُهَا بِالضَّمِّ عَلَى الْأَشْهَرِ وَبِالْفَتْحِ أَيْضًا وَهُوَ مَوْتُ الْفَجْأَةِ وَالْمُرَادُ بِالنَّفْسِ هُنَا الرُّوحُ .

     قَوْلُهُ  وَأُرَاهَا لَوْ تَكَلَّمَتْ تَصَدَّقَتْ بِضَمِّ هَمْزَةِ أُرَاهَا وَقَدْ تَقَدَّمَ فِي الْجَنَائِزِ مِنْ وَجْهٍ آخَرَ عَنْ هِشَامٍ بِلَفْظِ وَأَظُنُّهَا وَهُوَ يُشْعِرُ بِأَن رِوَايَة بن الْقَاسِمِ عَنْ مَالِكٍ عِنْدَ النَّسَائِيِّ بِلَفْظِ وَإِنَّهَا لَوْ تَكَلَّمَتْ تَصْحِيفٌ وَظَاهِرُهُ أَنَّهَا لَمْ تَتَكَلَّمْ فَلَمْ تَتَصَدَّقْ لَكِنْ فِي الْمُوَطَّأِ عَنْ سَعِيدِ بْنِ عَمْرِو بْنِ شُرَحْبِيلَ بْنِ سَعِيدِ بْنِ سَعْدِ بْنِ عُبَادَةَ عَنْ أَبِيهِ عَنْ جَدِّهِ قَالَ خَرَجَ سَعْدُ بْنُ عُبَادَةَ مَعَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي بَعْضِ مَغَازِيهِ وَحَضَرت أمه الْوَفَاة بِالْمَدِينَةِ فَقيل لَهَا أَوْصِي فَقَالَتْ فِيمَ أُوصِي الْمَالُ مَالُ سَعْدٍ فَتُوُفِّيَتْ قَبْلَ أَنْ يَقْدَمَ سَعْدٌ فَذَكَرَ الْحَدِيثَ فَإِنْ أَمْكَنَ تَأْوِيلُ رِوَايَةِ الْبَابِ بِأَنَّ الْمُرَادَ أَنَّهَا لَمْ تَتَكَلَّمْ أَيْ بِالصَّدَقَةِ وَلَوْ تَكَلَّمَتْ لَتَصَدَّقَتْ أَيْ فَكَيْفَ أُمْضِي ذَلِكَ أَوْ يُحْمَلُ عَلَى أَنَّ سَعْدًا مَا عَرَفَ بِمَا وَقَعَ مِنْهَا فَإِنَّ الَّذِي رَوَى هَذَا الْكَلَامَ فِي الْمُوَطَّأِ هُوَ سَعِيدُ بْنُ سَعْدِ بْنِ عُبَادَةَ أَوْ وَلَدُهُ شُرَحْبِيلُ مُرْسَلًا فَعَلَى التَّقْدِيرَيْنِ لَمْ يَتَّحِدْ رَاوِي الْإِثْبَاتِ وَرَاوِي النَّفْيِ فَيُمْكِنُ الْجَمْعُ بَيْنَهُمَا بِذَلِكَ وَاللَّهُ أَعْلَمُ .

     قَوْلُهُ  أَفَأَتَصَدَّقُ عَنْهَا فِي الرِّوَايَةِ الْمُتَقَدِّمَةِ فِي الْجَنَائِزِ فَهَلْ لَهَا أَجْرٌ إِنْ تَصَدَّقْتُ عَنْهَا قَالَ نَعَمْ وَلِبَعْضِهِمْ أَتَصَدَّقُ عَلَيْهَا أَوْ أَصْرِفُهُ عَلَى مَصْلَحَتِهَا





[ قــ :636 ... غــ :761] .

     قَوْلُهُ  أَنَّ سَعْدَ بْنَ عُبَادَةَ كَذَا رَوَاهُ مَالِكٌ وَتَابَعَهُ اللَّيْثُ وَبَكْرُ بْنُ وَائِلٍ وَغَيْرُهُمَا عَنِ الزُّهْرِيِّ.

     وَقَالَ  سُلَيْمَانُ بْنُ كَثِيرٍ عَنِ الزُّهْرِيّ عَن عبيد الله عَن بن عَبَّاسٍ عَنْ سَعْدِ بْنِ عُبَادَةَ أَنَّهُ اسْتَفْتَى جَعَلَهُ مِنْ مُسْنَدِ سَعْدٍ أَخْرَجَ جَمِيعَ ذَلِكَ النَّسَائِيُّ وَأَخْرَجَهُ أَيْضًا مِنْ رِوَايَةِ الْأَوْزَاعِيِّ وَمِنْ رِوَايَةِ سُفْيَانَ بْنِ عُيَيْنَةَ كِلَاهُمَا عَنِ الزُّهْرِيِّ على الْوَجْهَيْنِ وَقد قدمت أَن بن عَبَّاسٍ لَمْ يُدْرِكِ الْقِصَّةَ فَتَعَيَّنَ تَرْجِيحُ رِوَايَةِ مَنْ زَادَ فِيهِ عَنْ سَعْدِ بْنِ عُبَادَةَ وَيكون بن عَبَّاسٍ قَدْ أَخَذَهُ عَنْهُ وَيَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ أَخَذَهُ عَنْ غَيْرِهِ وَيَكُونَ قَوْلُ مَنْ قَالَ عَنْ سَعْدِ بْنِ عُبَادَةَ لَمْ يَقْصِدْ بِهِ الرِّوَايَةَ وَإِنَّمَا أَرَادَ عَنْ قِصَّةِ سَعْدِ بْنِ عُبَادَةَ فَتَتَّحِدُ الرِّوَايَتَانِ .

     قَوْلُهُ  وَعَلَيْهَا نَذْرٌ فَقَالَ اقْضِهِ عَنْهَا فِي رِوَايَةِ قُتَيْبَةَ عَنْ مَالِكٍ لَمْ تَقْضِهِ وَفِي رِوَايَةِ سُلَيْمَانَ بْنِ كَثِيرٍ الْمَذْكُورَةِ أَفَيُجْزِئُ عَنْهَا أَنْ أَعْتِقَ عَنْهَا قَالَ أَعْتِقْ عَنْ أُمِّكَ فَأَفَادَتْ هَذِهِ الرِّوَايَةُ بَيَانَ مَا هُوَ النَّذْرُ الْمَذْكُورُ وَهُوَ أَنَّهَا نَذَرَتْ أَنْ تَعْتِقَ رَقَبَةً فَمَاتَتْ قَبْلَ أَنْ تَفْعَلَ وَيَحْتَمِلُ أَنْ تَكُونَ نَذَرَتْ نَذْرًا مُطْلَقًا غَيْرَ مُعَيَّنٍ فَيَكُونَ فِي الْحَدِيثِ حُجَّةٌ لِمَنْ أَفْتَى فِي النَّذْرِ الْمُطْلَقِ بِكَفَّارَةِ يَمِينٍ وَالْعِتْقُ أَعْلَى كَفَّارَاتِ الْأَيْمَانِ فَلِذَلِكَ أَمَرَهُ أَنْ يُعْتِقَ عَنْهَا وَحكى بن عَبْدِ الْبَرِّ عَنْ بَعْضِهِمْ أَنَّ النَّذْرَ الَّذِي كَانَ عَلَى وَالِدَةِ سَعْدٍ صِيَامٌ وَاسْتَنَدَ إِلَى حَدِيث بن عَبَّاسٍ الْمُتَقَدِّمِ فِي الصَّوْمِ أَنَّ رَجُلًا قَالَ يَا رَسُولَ اللَّهِ إِنَّ أُمِّي مَاتَتْ وَعَلَيْهَا صَوْمٌ الْحَدِيثَ ثُمَّ رَدَّهُ بِأَنَّ فِي بَعْضِ الرِّوَايَات عَن بن عَبَّاسٍ جَاءَتِ امْرَأَةٌ فَقَالَتْ إِنَّ أُخْتِي مَاتَتْ.

قُلْتُ وَالْحَقُّ أَنَّهَا قِصَّةٌ أُخْرَى وَقَدْ أَوْضَحْتُ ذَلِكَ فِي كِتَابِ الصِّيَامِ وَفِي حَدِيثِ الْبَابِ مِنَ الْفَوَائِدِ جَوَازُ الصَّدَقَةِ عَنِ الْمَيِّتِ وَأَنَّ ذَلِكَ يَنْفَعُهُ بِوُصُولِ ثَوَابِ الصَّدَقَةِ إِلَيْهِ وَلَا سِيَّمَا إِنْ كَانَ مِنَ الْوَلَدِ وَهُوَ مُخَصِّصٌ لِعُمُومِ قَوْلِهِ تَعَالَى وَأَنْ لَيْسَ لِلْإِنْسَانِ إِلَّا مَا سَعَى وَيَلْتَحِقُ بِالصَّدَقَةِ الْعِتْقُ عَنْهُ عِنْدَ الْجُمْهُورِ خِلَافًا لِلْمَشْهُورِ عِنْدَ الْمَالِكِيَّةِ وَقَدِ اخْتُلِفَ فِي غَيْرِ الصَّدَقَةِ مِنْ أَعْمَالِ الْبِرِّ هَلْ تَصِلُ إِلَى الْمَيِّتِ كَالْحَجِّ وَالصَّوْمِ وَقَدْ تَقَدَّمَ شَيْءٌ مِنْ ذَلِكَ فِي الصِّيَامِ وَفِيهِ أَنَّ تَرْكَ الْوَصِيَّةِ جَائِزٌ لِأَنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَمْ يَذُمَّ أُمَّ سَعْدٍ عَلَى تَرْكِ الْوَصِيَّةِ قَالَهُ بن الْمُنْذِرِ وَتُعُقِّبَ بِأَنَّ الْإِنْكَارَ عَلَيْهَا قَدْ تَعَذَّرَ لِمَوْتِهَا وَسَقَطَ عَنْهَا التَّكْلِيفُ وَأُجِيبَ بِأَنَّ فَائِدَةَ إِنْكَارِ ذَلِكَ لَوْ كَانَ مُنْكَرًا لِيَتَّعِظَ غَيْرُهَا مِمَّنْ سَمِعَهُ فَلَمَّا أَقَرَّ عَلَى ذَلِكَ دَلَّ عَلَى الْجَوَازِ وَفِيهِ مَا كَانَ الصَّحَابَةُ عَلَيْهِ مِنْ اسْتِشَارَةِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي أُمُورِ الدِّينِ وَفِيهِ الْعَمَلُ بِالظَّنِّ الْغَالِبِ وَفِيهِ الْجِهَادُ فِي حَيَاةِ الْأُمِّ وَهُوَ مَحْمُولٌ عَلَى أَنَّهُ اسْتَأْذَنَهَا وَفِيهِ السُّؤَالُ عَنِ التَّحَمُّلِ وَالْمُسَارَعَةُ إِلَى عَمَلِ الْبِرِّ وَالْمُبَادَرَةُ إِلَى بِرِّ الْوَالِدَيْنِ وَأَنَّ إِظْهَارَ الصَّدَقَةِ قَدْ يَكُونُ خَيْرًا مِنْ إِخْفَائِهَا وَهُوَ عِنْدَ اغْتِنَامِ صِدْقِ النِّيَّةِ فِيهِ وَأَنَّ لِلْحَاكِمِ تَحَمُّلَ الشَّهَادَةِ فِي غَيْرِ مَجْلِسِ الْحُكْمِ نَبَّهَ عَلَى أَكْثَرِ ذَلِكَ أَبُو مُحَمَّدِ بْنِ أَبِي جَمْرَةَ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى وَفِي بَعْضِهِ نَظَرٌ لَا يَخْفَى وَكَلَامُهُ عَلَى أَصْلِ الْحَدِيثِ وَهُوَ فِي الْبَابِ الَّذِي يَلِيهِ أبسط من هَذَا الْبَاب