فهرس الكتاب

فتح الباري لابن حجر - باب فضل من جهز غازيا أو خلفه بخير

( قَولُهُ بَابُ فَضْلِ مَنْ جَهَّزَ غَازِيًا)
أَيْ هَيَّأَ لَهُ أَسْبَابَ سَفَرِهِ أَوْ خَلَفَهُ بِفَتْحِ الْمُعْجَمَةِ وَاللَّامِ الْخَفِيفَةِ أَيْ قَامَ بِحَالِ مَنْ يَتْرُكُهُ



[ قــ :2715 ... غــ :2843] .

     قَوْلُهُ  حَدَّثَنَا الْحُسَيْنُ هُوَ الْمُعَلِّمُ نَسَبَهُ الطَّبَرَانِيُّ عَنْ حَفْصِ بْنِ عُمَرَ عَنْ أَبِي مَعْمَرٍ وَكَذَا صَرَّحَ بِهِ مُسْلِمٌ فِي رِوَايَتِهِ من وَجه آخر عَنهُ وَيحيى هُوَ بن أَبِي كَثِيرٍ وَفِي الْإِسْنَادِ ثَلَاثَةٌ مِنَ التَّابِعِينَ فِي نَسَقٍ هُوَ وَأَبُو سَلَمَةَ وَبُسْرٌ وَهُوَ بِضَمِّ الْمُوَحَّدَةِ وَسُكُونِ الْمُهْمَلَةِ وَقَدْ سَمِعَ أَبُو سَلَمَةَ مِنْ زَيْدِ بْنِ خَالِدٍ وَحَدَّثَ عَنْهُ هُنَا بِوَاسِطَةٍ وَحَدَّثَ عَنْهُ بِلَا وَاسِطَةٍ فِي غَيْرِ هَذَا عِنْدَ أَبِي دَاوُدَ وَالتِّرْمِذِيُّ وَصَحَّحَهُ وَغَيرهمَا قَوْله فقد غزا قَالَ بن حِبَّانَ مَعْنَاهُ أَنَّهُ مِثْلُهُ فِي الْأَجْرِ وَإِنْ لَمْ يَغْزُ حَقِيقَةً ثُمَّ أَخْرَجَهُ مِنْ وَجْهٍ آخَرَ عَنْ بُسْرِ بْنِ سَعِيدٍ بِلَفْظِ كُتِبَ لَهُ مِثْلُ أَجْرِهِ غَيْرَ أَنَّهُ لَا يَنْقُصُ من أجره شَيْء وَلابْن ماجة وبن حِبَّانَ مِنْ حَدِيثِ عُمَرَ نَحْوَهُ بِلَفْظِ مَنْ جَهَّزَ غَازِيًا حَتَّى يَسْتَقِلَّ كَانَ لَهُ مِثْلُ أَجْرِهِ حَتَّى يَمُوتَ أَوْ يَرْجِعَ وَأَفَادَتْ فَائِدَتَيْنِ إِحْدَاهُمَا أَنَّ الْوَعْدَ الْمَذْكُورَ مُرَتَّبٌ عَلَى تَمَامِ التَّجْهِيزِ وَهُوَ الْمُرَادُ بِقَوْلِهِ حَتَّى يَسْتَقِلَّ ثَانِيهِمَا أَنَّهُ يَسْتَوِي مَعَهُ فِي الْأَجْرِ إِلَى أَنْ تَنْقَضِيَ تِلْكَ الْغَزْوَةُ.
وَأَمَّا مَا أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ مِنْ حَدِيثِ أَبِي سَعِيدٍ إِنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بَعَثَ بَعْثًا.

     وَقَالَ  لِيَخْرُجْ مِنْ كُلِّ رَجُلَيْنِ رَجُلٌ وَالْأَجْرُ بَيْنَهُمَا وَفِي رِوَايَةٍ لَهُ ثُمَّ قَالَ لِلْقَاعِدِ وَأَيُّكُمْ خَلَفَ الْخَارِجَ فِي أَهْلِهِ وَمَالِهِ بِخَيْرٍ كَانَ لَهُ مِثْلُ نِصْفِ أَجْرِ الْخَارِجِ فَفِيهِ إِشَارَةٌ إِلَى أَنَّ الْغَازِيَ إِذَا جَهَّزَ نَفْسَهُ أَوْ قَامَ بِكِفَايَةِ مَنْ يَخْلُفُهُ بَعْدَهُ كَانَ لَهُ الْأَجْرُ مَرَّتَيْنِ.

     وَقَالَ  الْقُرْطُبِيُّ لَفْظَةُ نِصْفٍ يُشْبِهُ أَنْ تَكُونَ مُقْحَمَةً أَيْ مَزِيدَةً مِنْ بَعْضِ الرُّوَاةِ وَقَدِ احْتَجَّ بِهَا مَنْ ذَهَبَ إِلَى أَنَّ الْمُرَادَ بِالْأَحَادِيثِ الَّتِي وَرَدَتْ بِمِثْلِ ثَوَابِ الْفِعْلِ حُصُولُ أَصْلِ الْأَجْرِ لَهُ بِغَيْرِ تَضْعِيفٍ وَأَنَّ التَّضْعِيفَ يَخْتَصُّ بِمَنْ بَاشَرَ الْعَمَلَ قَالَ الْقُرْطُبِيُّ وَلَا حُجَّةَ لَهُ فِي هَذَا الْحَدِيثِ لِوَجْهَيْنِ أَحَدُهُمَا أَنَّهُ لَا يَتَنَاوَلُ مَحَلَّ النِّزَاعِ لِأَنَّ الْمَطْلُوبَ إِنَّمَا هُوَ أَنَّ الدَّالَّ عَلَى الْخَيْرِ مَثَلًا هَلْ لَهُ مِثْلُ أَجْرِ فَاعِلِهِ مَعَ التَّضْعِيفِ أَوْ بِغَيْرِ تَضْعِيفٍ وَحَدِيثُ الْبَابِ إِنَّمَا يَقْتَضِي الْمُشَارَكَةَ وَالْمُشَاطَرَةَ فَافْتَرَقَا ثَانِيهِمَا مَا تَقَدَّمَ مِنَ احْتِمَالِ كَوْنِ لَفَظَةِ نِصْفٍ زَائِدَةٌ.

قُلْتُ وَلَا حَاجَةَ لِدَعْوَى زِيَادَتِهَا بَعْدَ ثُبُوتِهَا فِي الصَّحِيحِ وَالَّذِي يَظْهَرُ فِي تَوْجِيهِهَا أَنَّهَا أُطْلِقَتْ بِالنِّسْبَةِ إِلَى مَجْمُوعِ الثَّوَابِ الْحَاصِلِ لِلْغَازِي وَالْخَالِفِ لَهُ بِخَيْرٍ فَإِنَّ الثَّوَابَ إِذَا انْقَسَمَ بَيْنَهُمَا نِصْفَيْنِ كَانَ لِكُلٍّ مِنْهُمَا مِثْلُ مَا لِلْآخَرِ فَلَا تَعَارُضَ بَيْنَ الْحَدِيثَيْنِ.
وَأَمَّا مَنْ وَعَدَ بِمِثْلِ ثَوَابِ الْعَمَلِ وَإِنْ لَمْ يَعْمَلْهُ إِذَا كَانَتْ لَهُ فِيهِ دَلَالَةٌ أَوْ مُشَارَكَةٌ أَوْ نِيَّةٌ صَالِحَةٌ فَلَيْسَ عَلَى إِطْلَاقِهِ فِي عَدَمِ التَّضْعِيفِ لِكُلِّ أَحَدٍ وَصَرْفُ الْخَبَرِ عَنْ ظَاهِرِهِ يَحْتَاجُ إِلَى مُسْتَنَدٍ وَكَأَنَّ مُسْتَنَدَ الْقَائِلِ أَنَّ الْعَامِلَ يُبَاشِرُ الْمَشَقَّةَ بِنَفْسِهِ بِخِلَافِ الدَّالِّ وَنَحْوِهِ لَكِنَّ مَنْ يُجَهِّزُ الْغَازِيَ بِمَالِهِ مَثَلًا وَكَذَا مَنْ يَخْلُفُهُ فِيمَنْ يَتْرُكُ بَعْدَهُ يُبَاشِرُ شَيْئًا مِنَ الْمَشَقَّةِ أَيْضًا فَإِنَّ الْغَازِيَّ لَا يَتَأَتَّى مِنْهُ الْغَزْوُ إِلَّا بَعْدَ أَنْ يُكْفَى ذَلِكَ الْعَمَلُ فَصَارَ كَأَنَّهُ يُبَاشِرُ مَعَهُ الْغَزْوَ بِخِلَافِ مَنِ اقْتَصَرَ عَلَى النِّيَّةِ مَثَلًا وَاللَّهُ أَعْلَمُ وَسَتَكُونُ لَنَا عَوْدَةٌ إِلَى الْبَحْثِ فِي هَذَا الْكَلَامِ عَلَى قَوْلِهِ قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ تَعْدِلُ ثُلُثَ الْقُرْآنِ فِي شَرْحِ فَضَائِلِ الْقُرْآنِ إِنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى





[ قــ :716 ... غــ :844] .

     قَوْلُهُ  عَنْ إِسْحَاق بن عبد الله أَي بن أَبِي طَلْحَةَ وَفِي رِوَايَةِ عَمْرِو بْنِ عَاصِمٍ عَنْ هَمَّامٍ أَخْبَرَنَا إِسْحَاقَ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي طَلْحَةَ أخرجه بن سَعْدٍ عَنْهُ وَعِنْدَ الْإِسْمَاعِيلِيِّ مِنْ طَرِيقِ حِبَّانَ بْنِ هِلَالٍ عَنْ هَمَّامٍ حَدَّثَنَا إِسْحَاقُ .

     قَوْلُهُ  لَمْ يَكُنْ يَدْخُلُ بِالْمَدِينَةِ بَيْتًا غَيْرَ بَيْتِ أَمِّ سُلَيْمٍ قَالَ الْحُمَيْدِيُّ لَعَلَّهُ أَرَادَ عَلَى الدَّوَامِ وَإِلَّا فَقَدْ تَقَدَّمَ أَنَّهُ كَانَ يَدْخُلُ عَلَى أُمِّ حَرَامٍ.

     وَقَالَ  بن التِّينِ يُرِيدُ أَنَّهُ كَانَ يُكْثِرُ الدُّخُولَ عَلَى أُمِّ سُلَيْمٍ وَإِلَّا فَقَدَ دَخَلَ عَلَى أُخْتِهَا أُمِّ حَرَامٍ وَلَعَلَّهَا أَيْ أَمُّ سُلَيْمٍ كَانَتْ شَقِيقَةَ الْمَقْتُولِ أَوْ وَجَدَتْ عَلَيْهِ أَكْثَرَ مِنْ أُمِّ حَرَامٍ.

قُلْتُ لَا حَاجَةَ إِلَى هَذَا التَّأْوِيلِ فَإِنَّ بَيْتَ أُمِّ حَرَامٍ وَأُمِّ سُلَيْمٍ وَاحِدٌ وَلَا مَانِعَ أَنْ تَكُونَ الْأُخْتَانِ فِي بَيْتٍ وَاحِدٍ كَبِيرٍ لِكُلٍّ مِنْهُمَا فِيهِ مَعْزِلٌ فَنُسِبَ تَارَةً إِلَى هَذِهِ وَتَارَةً إِلَى هَذِهِ .

     قَوْلُهُ  فَقِيلَ لَهُ لَمْ أَقِفْ عَلَى اسْمِ الْقَائِلِ .

     قَوْلُهُ  إِنِّي أَرْحَمُهَا قُتِلَ أَخُوهَا مَعِي هَذِهِ الْعِلَّةُ أَوْلَى مِنْ قَوْلِ مَنْ قَالَ إِنَّمَا كَانَ يَدْخُلُ عَلَيْهَا لِأَنَّهَا كَانَتْ مَحْرَمًا لَهُ وَسَيَأْتِي بَيَانُ مَا فِي هَذِهِ الْقِصَّةِ فِي كِتَابِ الِاسْتِئْذَانِ إِنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى وَالْمُرَادُ بِقَوْلِهِ أَخُوهَا حَرَامُ بْنُ مِلْحَانَ الَّذِي تَقَدَّمَ ذِكْرُهُ فِي بَابٍ مَنْ يُنْكَبُ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَسَتَأْتِي قِصَّةُ قَتْلِهِ فِي غَزْوَةِ بِئْرِ مَعُونَةَ مِنْ كِتَابِ الْمَغَازِي وَالْمُرَادُ بِقَوْلِهِ مَعِي أَيْ مَعَ عَسْكَرِي أَوْ عَلَى أَمْرِي وَفِي طَاعَتِي لِأَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَمْ يَشْهَدْ بِئْرَ مَعُونَةَ وَإِنَّمَا أَمَرَهُمْ بِالذَّهَابِ إِلَيْهَا وَغَفَلَ الْقُرْطُبِيُّ فَقَالَ قُتِلَ أَخُوهَا مَعَهُ فِي بَعْضِ حُرُوبِهِ وَأَظُنُّهُ يَوْمَ أُحُدٍ وَلَمْ يُصِبْ فِي ظَنِّهِ وَاللَّهُ أَعْلَمُ تَنْبِيهٌ قَالَ بن الْمُنِيرِ مُطَابَقَةُ حَدِيثِ أَنَسٍ لِلتَّرْجَمَةِ مِنْ جِهَةِ قَوْلِهِ أَوْ خَلَفَهُ فِي أَهْلِهِ لِأَنَّ ذَلِكَ أَعَمُّ مِنْ أَنْ يَكُونَ فِي حَيَاتِهِ أَوْ بَعْدَ مَوْتِهِ وَالنَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ يَجْبُرُ قَلْبَ أُمِّ سُلَيْمٍ بِزِيَارَتِهَا وَيُعَلِّلُ ذَلِكَ بِأَنَّ أَخَاهَا قُتِلَ مَعَهُ فَفِيهِ أَنَّهُ خَلَفَهُ فِي أَهْلِهِ بِخَيْرٍ بَعْدَ وَفَاتِهِ وَذَلِكَ مِنْ حُسْنِ عَهْدِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ