فهرس الكتاب

فتح الباري لابن حجر - باب التحريض على الرمي

( قَولُهُ بَابُ التَّحْرِيضِ عَلَى الرَّمْيِ)
وَقَوْلِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ وَأَعِدُّوا لَهُمْ مَا اسْتَطَعْتُمْ مِنْ قُوَّةٍ وَمِنْ رِبَاط الْخَيل الْآيَة لَمَّحَ بِمَا جَاءَ فِي تَفْسِيرِ الْقُوَّةِ فِي هَذِهِ الْآيَةِ أَنَّهَا الرَّمْيُ وَهُوَ عِنْدَ مُسْلِمٍ مِنْ حَدِيثِ عُقَبَةَ بْنِ عَامِرٍ وَلَفْظُهُ سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ وَهُوَ عَلَى الْمِنْبَرِ وَأَعِدُّوا لَهُمْ مَا اسْتَطَعْتُم من قُوَّة أَلَا إِنَّ الْقُوَّةَ الرَّمْيُ ثَلَاثًا وَلِأَبِي دَاوُدَ وبن حِبَّانَ مِنْ وَجْهٍ آخَرَ عَنْ عُقْبَةَ بْنِ عَامِرٍ رَفَعَهُ إِنَّ اللَّهَ يُدْخِلُ بِالسَّهْمِ الْوَاحِدِ ثَلَاثَةً الْجَنَّةَ صَانِعَهُ يَحْتَسِبُ فِي صَنْعَتِهِ الْخَيْرَ وَالرَّامِيَ بِهِ وَمُنْبِلَهُ فَارْمُوا وَارْكَبُوا وَأَنْ تَرْمُوا أَحَبُّ إِلَيَّ مِنْ أَنْ تَرْكَبُوا الْحَدِيثَ وَفِيهِ وَمَنْ تَرَكَ الرَّمْيَ بَعْدَ عِلْمِهِ رَغْبَةً عَنْهُ فَإِنَّهَا نِعْمَةٌ كَفَرَهَا وَلِمُسْلِمٍ مِنْ وَجْهٍ آخَرَ عَنْ عُقْبَةَ رَفَعَهُ مَنْ عَلِمَ الرَّمْيَ ثُمَّ تَرَكَهُ فَلَيْسَ منا أَو فقد عصى وَرَوَاهُ بن مَاجَهْ بِلَفْظِ فَقَدْ عَصَانِي قَالَ الْقُرْطُبِيُّ إِنَّمَا فَسَّرَ الْقُوَّةَ بِالرَّمْيِ وَإِنْ كَانَتِ الْقُوَّةُ تَظْهَرُ بِإِعْدَادِ غَيْرِهِ مِنْ آلَاتِ الْحَرْبِ لِكَوْنِ الرَّمْيِ أَشَدَّ نِكَايَةً فِي الْعَدُوِّ وَأَسْهَلَ مُؤْنَةً لِأَنَّهُ قد يَرْمِي رَأس الكتيبة فيصاب فينهزم مَنْ خَلْفَهُ وَذَكَرَ الْمُصَنِّفُ فِي الْبَابِ حَدِيثَيْنِ أَحَدُهُمَا حَدِيثُ سَلَمَةَ بْنِ الْأَكْوَعِ



[ قــ :2771 ... غــ :2899] .

     قَوْلُهُ  مَرَّ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى نَفَرٍ مِنْ أَسْلَمَ أَيْ مِنْ بَنِي أَسْلَمَ الْقَبِيلَةِ الْمَشْهُورَةِ وَهِيَ بِلَفْظِ أَفْعَلِ التَّفْضِيلِ مِنَ السَّلَامَةِ .

     قَوْلُهُ  يَنْتَضِلُونَ بِالضَّادِ الْمُعْجَمَةِ أَيْ يَتَرَامَوْنَ وَالتَّنَاضُلُ الترامي للسبق ونضل فَلَانٌ فَلَانَا إِذَا غَلَبَهُ .

     قَوْلُهُ  وَأَنَا مَعَ بَنِي فُلَانٍ فِي حَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ فِي نَحْوِ هَذِهِ الْقِصَّةِ عِنْد بن حبَان وَالْبَزَّار وَأَنا مَعَ بن الأدرع انْتهى وَاسم بن الْأَدْرَعِ مِحْجَنٌ وَقَعَ ذَلِكَ مِنْ حَدِيثِ حَمْزَةَ بْنِ عَمْرٍو الْأَسْلَمِيِّ فِي هَذَا الْحَدِيثِ عِنْدَ الطَّبَرَانِيِّ قَالَ فِيهِ وَأَنَا مَعَ مِحْجَنِ بْنِ الْأَدْرَعِ وَمَثَلُهُ فِي مُرْسَلِ عُرْوَةَ أَخْرَجَهُ السَّرَّاجُ عَن قُتَيْبَة عَن بن لَهِيعَةَ عَنْ أَبِي الْأَسْوَدِ عَنْهُ وَهُوَ صَحَابِيٌّ مَعْرُوفٌ لَهُ حَدِيثٌ آخَرُ فِي الْأَدَبِ الْمُفْرَدِ للْبُخَارِيّ وَفِي أبي دَاوُد وَالنَّسَائِيّ وبن خُزَيْمَة وَقيل اسْم بن الأدرع سَلمَة حَكَاهُ بن مَنْدَهْ قَالَ وَالْأَدْرَعُ لَقَبٌ وَاسْمُهُ ذَكْوَانُ وَاللَّهُ أَعْلَمُ .

     قَوْلُهُ  قَالُوا كَيْفَ نَرْمِي وَأَنْتَ مَعَهُمْ اسْمُ قَائِلِ ذَلِكَ مِنْهُم نَضْلَة الْأَسْلَمِيّ ذكره بن إِسْحَاقَ فِي الْمَغَازِي عَنْ سُفْيَانَ بْنِ فَرْوَةَ الْأَسْلَمِيِّ عَنْ أَشْيَاخٍ مِنْ قَوْمِهِ مِنَ الصَّحَابَةِ قَالُوا بَيْنَا مِحْجَنُ بْنُ الْأَدْرعِ يُنَاضِلُ رَجُلًا مِنْ أَسْلَمَ يُقَالُ لَهُ نَضْلَةُ فَذَكَرَ الْحَدِيثَ وَفِيهِ فَقَالَ نَضْلَةُ وَأَلْقَى قَوْسَهُ مِنْ يَدِهِ وَاللَّهِ لَا أَرْمِي مَعَهُ وَأَنْتَ مَعَهُ .

     قَوْلُهُ  وَأَنَا مَعَكُمْ كُلِّكُمْ بِكَسْرِ اللَّامِ وَوَقَعَ فِي رِوَايَةِ عُرْوَةَ وَأَنَا مَعَ جَمَاعَتِكُمْ وَالْمُرَادُ بِالْمَعِيَّةِ مَعِيَّةُ الْقَصْدِ إِلَى الْخَيْرِ وَيُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ قَامَ مَقَامَ الْمُحَلِّلِ فَيَخْرُجُ السَّبْقُ مِنْ عِنْدِهِ وَلَا يَخْرُجُ كَمَا تَقَدَّمَ وَلَا سِيَّمَا وَقَدْ خَصَّهُ بَعْضُهُمْ بِالْإِمَامِ قَالَ الْمُهَلَّبُ يُسْتَفَادُ مِنْهُ أَنَّ مَنْ صَارَ السُّلْطَانُ عَلَيْهِ فِي جُمْلَةِ الْمُنَاضِلِينَ لَهُ أَنْ لَا يَتَعَرَّضَ لِذَلِكَ كَمَا فَعَلَ هَؤُلَاءِ الْقَوْمُ حَيْثُ أَمْسَكُوا لِكَوْنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَعَ الْفَرِيقِ الْآخَرِ خَشْيَةَ أَنْ يَغْلِبُوهُمْ فَيَكُونَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَعَ مَنْ وَقَعَ عَلَيْهِ الْغَلَبُ فَأَمْسَكُوا عَنْ ذَلِكَ تَأَدُّبًا مَعَهُ انْتَهَى وَتُعُقِّبَ بِأَنَّ الْمَعْنَى الَّذِي أَمْسَكُوا لَهُ لَمْ يَنْحَصِرْ فِي هَذَا بَلِ الظَّاهِرُ أَنَّهُمْ أَمْسَكُوا لَمَّا اسْتَشْعَرُوا مِنْ قُوَّةِ قُلُوبِ أَصْحَابِهِمْ بِالْغَلَبَةِ حَيْثُ صَارَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَعَهُمْ وَذَلِكَ مِنْ أَعْظَمِ الْوُجُوهِ الْمُشْعِرَةِ بِالنَّصْرِ وَقَدْ وَقَعَ فِي رِوَايَةِ حَمْزَةَ بْنِ عَمْرٍو عِنْدَ الطَّبَرَانِيِّ فَقَالُوا مَنْ كُنْتَ مَعَهُ فَقَدْ غَلَبَ وَكَذَا فِي رِوَايَة بن إِسْحَاقَ فَقَالَ نَضْلَةُ لَا نَغْلِبُ مَنْ كُنْتَ مَعَهُ وَاسْتُدِلَّ بِهَذَا الْحَدِيثِ عَلَى أَنَّ الْيَمَنَ مِنْ بَنِي إِسْمَاعِيلَ وَفِيهِ نَظَرٌ لِمَا سَيَأْتِي فِي مَنَاقِبِ قُرَيْشٍ مِنْ أَنَّهُ اسْتِدْلَالٌ بِالْأَخَصِّ عَلَى الْأَعَمِّ وَفِيهِ أَنَّ الْجَدَّ الْأَعْلَى يُسَمَّى أَبًا وَفِيهِ التَّنْوِيهُ بِذِكْرِ الْمَاهِرِ فِي صِنَاعَتِهِ بِبَيَانِ فَضْلِهِ وَتَطْيِيبِ قُلُوبِ مَنْ هُمْ دُونَهُ وَفِيهِ حُسْنُ خُلُقِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَمَعْرِفَتُهُ بِأُمُورِ الْحَرْبِ وَفِيهِ النَّدْبُ إِلَى اتِّبَاعِ خِصَالِ الْآبَاءِ الْمَحْمُودَةِ وَالْعَمَلِ بِمِثْلِهَا وَفِيهِ حُسْنُ أَدَبِ الصَّحَابَةِ مَعَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْحَدِيثُ الثَّانِي حَدِيثُ أَبِي أُسَيْدٍ بِضَمِّ الْهَمْزَةِ وَوَقَعَ فِي رِوَايَةِ السَّرَخْسِيِّ وَحْدَهُ بِفَتْحِهَا وَهُوَ خَطَأٌ وَقَولُهُ





[ قــ :77 ... غــ :900] إِذَا أَكْثَبُوكُمْ كَذَا فِي نُسَخِ الْبُخَارِيِّ بِمُثَلَّثَةٍ ثُمَّ مُوَحَّدَةٍ وَالْكَثَبُ بِفَتْحَتَيْنِ الْقُرْبُ فَالْمَعْنَى إِذَا دَنَوْا مِنْكُمْ وَقَدِ اسْتُشْكِلَ بِأَنَّ الَّذِي يَلِيقُ بِالدُّنُوِّ الْمُطَاعَنَةُ بِالرُّمْحِ وَالْمُضَارَبَةُ بِالسَّيْفِ.
وَأَمَّا الَّذِي يَلِيقُ بِرَمْيِ النَّبْلِ فَالْبُعْدُ وَزَعَمَ الدَّاوُدِيُّ أَنَّ مَعْنَى أَكْثَبُوكُمْ كَاثَرُوكُمْ قَالَ وَذَلِكَ أَنَّ النَّبْلَ إِذَا رُمِيَ فِي الْجَمْعِ لَمْ يُخْطِئْ غَالِبًا فَفِيهِ رَدْعٌ لَهُمْ وَقَدْ تُعُقِبَّ هَذَا التَّفْسِيرُ بِأَنَّهُ لَا يُعْرَفُ وَتَفْسِيرُ الْكَثَبِ بِالْكَثْرَةِ غَرِيبٌ وَالْأَوَّلُ هُوَ الْمُعْتَمَدُ وَقَدْ بَيَّنَتْهُ رِوَايَةُ أَبِي دَاوُدَ حَيْثُ زَادَ فِي آخِرِهِ وَاسْتَبْقُوا نَبْلَكُمْ وَفِي رِوَايَةٍ لَهُ وَلَا تَسُلُّوا السُّيُوفَ حَتَّى يَغْشَوْكُمْ فَظَهَرَ أَنَّ مَعْنَى الْحَدِيثِ الْأَمْرُ بِتَرْكِ الرَّمْي وَالْقِتَالِ حَتَّى يَقْرَبُوا لِأَنَّهُمْ إِذَا رَمَوْهُمْ عَلَى بُعْدٍ قَدْ لَا تَصِلُ إِلَيْهِمْ وَتَذْهَبُ فِي غَيْرِ مَنْفَعَةٍ وَإِلَى ذَلِكَ الْإِشَارَةُ بِقَوْلِهِ وَاسْتَبْقُوا نَبْلَكُمْ وَعَرَّفَ بِقَوْلِهِ وَلَا تَسُلُّوا السُّيُوفَ حَتَّى يَغْشَوْكُمْ أَنَّ الْمُرَادَ بِالْقُرْبِ الْمَطْلُوبِ فِي الرَّمْيِ قُرْبٌ نِسْبِيٌّ بِحَيْثُ تَنَالُهُمُ السِّهَامُ لِأَقْرَبِ قَرِيبٍ بِحَيْثُ يَلْتَحِمُونَ مَعَهُمْ وَالنَّبْلُ بِفَتْحِ النُّونِ وَسُكُونِ الْمُوَحَّدَةِ جَمْعُ نَبْلَةٍ وَيُجْمَعُ أَيْضًا عَلَى نِبَالِ وَهِيَ السِّهَامُ الْعَرَبِيَّةُ اللِّطَافُ تَنْبِيهٌ وَقَعَ فِي إِسْنَادِ هَذَا الْحَدِيثِ اخْتِلَافٌ سَأُبَيِّنُهُ إِنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى فِي غَزْوَة بدر