فهرس الكتاب

فتح الباري لابن حجر - باب ما قيل في الجرس ونحوه في أعناق الإبل

( قَولُهُ بَابُ مَا قِيلَ فِي الْجَرَسِ وَنَحْوِهِ فِي أَعْنَاقِ الْإِبِلِ)
أَيْ مِنَ الْكَرَاهَةِ وَقَيَّدَهُ بِالْإِبِلِ لوُرُود الْخَبَر فِيهَا بِخُصُوصِهَا



[ قــ :2872 ... غــ :3005] .

     قَوْلُهُ  عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي بَكْرٍ أَيِ بن مُحَمَّدِ بْنِ عَمْرِو بْنِ حَزْمٍ وَعَبَّادُ بْنُ تَمِيمٍ هُوَ الْمَازِنِيُّ وَهُوَ وَشَيْخُهُ وَالرَّاوِي عَنْهُ أَنْصَارِيِّونَ مَدَنِيُّونَ وَعَبْدُ اللَّهِ وَعَبَّادٌ تَابِعِيَّانِ .

     قَوْلُهُ  أَنَّ أَبَا بَشِيرٍ الْأَنْصَارِيَّ أَخْبَرَهُ لَيْسَ لِأَبِي بَشِيرٍ وَهُوَ بِفَتْحِ الْمُوَحَّدَةِ ثُمَّ مُعْجَمَةٍ فِي الْبُخَارِيِّ غَيْرُ هَذَا الْحَدِيثِ الْوَاحِدِ وَقَدْ ذَكَرَهُ الْحَاكِمُ أَبُو أَحْمَدَ فِيمَنْ لَا يُعْرَفُ اسْمُهُ وَقِيلَ اسْمُهُ قَيْسُ بْنُ عَبْدِ الْحُرَيْرِ بِمُهْمَلَاتٍ مصغر بن عَمْرو ذكر ذَلِك بن سَعْدٍ وَسَاقَ نَسَبَهُ إِلَى مَازِنٍ الْأَنْصَارِيِّ وَفِيهِ نَظَرٌ لِأَنَّهُ وَقَعَ فِي رِوَايَةِ عُثْمَانَ بْنِ عُمَرَ عَنْ مَالِكٍ عِنْدَ الدَّارَقُطْنِيِّ نِسْبَةُ أَبِي بَشِيرٍ سَاعِدِيًّا فَإِنْ كَانَ قَيْسٌ يُكَنَّى أَبَا بَشِيرٍ أَيْضًا فَهُوَ غَيْرُ صَاحِبِ هَذَا الْحَدِيثِ وَأَبُو بَشِيرٍ الْمَازِنِيُّ هَذَا عَاشَ إِلَى بَعْدِ السِّتِّينَ وَشَهِدَ الْحَرَّةَ وَجُرِحَ بِهَا وَمَاتَ مِنْ ذَلِكَ .

     قَوْلُهُ  فِي بَعْضِ أَسْفَارِهِ لَمْ أَقِفْ عَلَى تَعْيِينِهَا .

     قَوْلُهُ  قَالَ عَبْدُ اللَّهِ حَسِبْتُ أَنه قَالَ عبد الله هُوَ بن أَبِي بَكْرٍ الرَّاوِي وَكَأَنَّهُ شَكَّ فِي هَذِهِ الْجُمْلَةِ وَلَمْ أَرَهَا مِنْ طَرِيقِهِ إِلَّا هَكَذَا قَوْله فَأرْسل قَالَ بن عَبْدِ الْبَرِّ فِي رِوَايَةِ رَوْحِ بْنِ عُبَادَةَ عَنْ مَالِكٍ أرسل مَوْلَاهُ زيدا قَالَ بن عَبْدِ الْبَرِّ وَهُوَ زَيْدُ بْنُ حَارِثَةَ فِيمَا يَظْهَرُ لِي .

     قَوْلُهُ  فِي رَقَبَةِ بَعِيرٍ قِلَادَةٌ مِنْ وَتَرٍ أَوْ قِلَادَةٌ كَذَا هُنَا بِلَفْظِ أَوْ وَهِيَ لِلشَّكِّ أَوْ لِلتَّنْوِيعِ وَوَقَعَ فِي رِوَايَةِ أَبِي دَاوُدَ عَنِ الْقَعْنَبِيِّ بِلَفْظِ وَلَا قِلَادَةَ وَهُوَ مِنْ عَطْفِ الْعَامِّ عَلَى الْخَاصِّ وَبِهَذَا جَزَمَ الْمُهَلَّبُ وَيُؤَيِّدُ الْأَوَّلَ مَا رُوِيَ عَنْ مَالِكٍ أَنَّهُ سُئِلَ عَنِ الْقِلَادَةِ فَقَالَ مَا سَمِعْتُ بِكَرَاهَتِهَا إِلَّا فِي الْوَتَرِ وَقَولُهُ وتر بِالْمُثَنَّاةِ فِي جَمِيع الرِّوَايَات قَالَ بن الْجَوْزِيِّ رُبَّمَا صَحَّفَ مَنْ لَا عِلْمَ لَهُ بِالْحَدِيثِ فَقَالَ وبر بِالْمُوَحَّدَةِ قلت حكى بن التِّين أَن الدَّاوُدِيَّ جَزَمَ بِذَلِكَ.

     وَقَالَ  هُوَ مَا يُنْتَزَعُ عَن الْجمال يشبه الصُّوف قَالَ بن التِّين فصحف قَالَ بن الْجَوْزِيِّ وَفِي الْمُرَادِ بِالْأَوْتَارِ ثَلَاثَةُ أَقْوَالٍ أَحَدُهَا أَنَّهُمْ كَانُوا يُقَلِّدُونَ الْإِبِلَ أَوْتَارَ الْقَسِّيِّ لِئَلَّا تُصِيبَهَا الْعَيْنُ بِزَعْمِهِمْ فَأُمِرُوا بِقَطْعِهَا إِعْلَامًا بِأَنَّ الْأَوْتَارَ لَا تَرُدُّ مِنْ أَمْرِ اللَّهِ شَيْئًا وَهَذَا قَوْلُ مَالِكٍ.

قُلْتُ وَقَعَ ذَلِكَ مُتَّصِلًا بِالْحَدِيثِ مِنْ كَلَامِهِ فِي الْمُوَطَّأِ وَعِنْدَ مُسْلِمٍ وَأَبِي دَاوُدَ وَغَيْرِهِمَا قَالَ مَالِكٌ أَرَى أَنَّ ذَلِكَ مِنْ أَجْلِ الْعَيْنِ وَيُؤَيِّدُهُ حَدِيثُ عُقْبَةَ بْنِ عَامِرٍ رَفَعَهُ مَنْ عَلَّقَ تَمِيمَةً فَلَا أَتَمَّ اللَّهُ لَهُ أَخْرَجَهُ أَبُو دَاوُدَ أَيْضًا وَالتَّمِيمَةُ مَا عُلِّقَ مِنَ الْقَلَائِدِ خَشْيَةَ الْعَيْنِ وَنَحْو ذَلِك قَالَ بن عَبْدِ الْبَرِّ إِذَا اعْتَقَدَ الَّذِي قَلَّدَهَا أَنَّهَا تَرُدُّ الْعَيْنَ فَقَدْ ظَنَّ أَنَّهَا تَرُدُّ الْقَدَرَ وَذَلِكَ لَا يَجُوزُ اعْتِقَادُهُ ثَانِيهَا النَّهْيُ عَنْ ذَلِكَ لِئَلَّا تَخْتَنِقَ الدَّابَّةُ بِهَا عِنْدَ شِدَّةِ الرَّكْضِ وَيُحْكَى ذَلِكَ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ الْحَسَنِ صَاحِبِ أَبِي حَنِيفَةَ وَكَلَامُ أَبِي عُبَيْدٍ يُرَجِّحُهُ فَإِنَّهُ قَالَ نَهَى عَنْ ذَلِكَ لِأَنَّ الدَّوَابَّ تَتَأَذَّى بِذَلِكَ وَيَضِيقُ عَلَيْهَا نَفَسُهَا وَرَعْيُهَا وَرُبَّمَا تَعَلَّقَتْ بِشَجَرَةٍ فَاخْتَنَقَتْ أَوْ تَعَوَّقَتْ عَنِ السَّيْرِ ثَالِثُهَا أَنَّهُمْ كَانُوا يُعَلِّقُونَ فِيهَا الْأَجْرَاسَ حَكَاهُ الْخَطَّابِيُّ وَعَلَيْهِ يَدُلُّ تَبْوِيبُ الْبُخَارِيِّ وَقَدْ رَوَى أَبُو دَاوُدَ وَالنَّسَائِيُّ مِنْ حَدِيثِ أُمِّ حَبِيبَةَ أُمِّ الْمُؤْمِنِينَ مَرْفُوعًا لَا تَصْحَبُ الْمَلَائِكَةُ رُفْقَةً فِيهَا جَرَسٌ وَأَخْرَجَهُ النَّسَائِيُّ مِنْ حَدِيثِ أُمِّ سَلَمَةَ أَيْضًا وَالَّذِي يَظْهَرُ أَنَّ الْبُخَارِيَّ أَشَارَ إِلَى مَا وَرَدَ فِي بَعْضِ طُرُقِهِ فَقَدْ أَخْرَجَهُ الدَّارَقُطْنِيُّ مِنْ طَرِيقِ عُثْمَانَ بْنِ عُمَرَ الْمَذْكُورِ بِلَفْظِ لَا تَبْقَيَنَّ قِلَادَةٌ مِنْ وَتَرٍ وَلَا جَرَسٍ فِي عُنُقِ بَعِيرٍ إِلَّا قُطِعَ.

قُلْتُ وَلَا فَرْقَ بَيْنَ الْإِبِلِ وَغَيْرِهَا فِي ذَلِكَ إِلَّا عَلَى الْقَوْلِ الثَّالِثِ فَلَمْ تَجْرِ الْعَادَةُ بِتَعْلِيقِ الْأَجْرَاسِ فِي رِقَابِ الْخَيْلِ وَقَدْ رَوَى أَبُو دَاوُدَ وَالنَّسَائِيُّ مِنْ حَدِيثِ أَبِي وَهْبٍ الْحَسَّانِيِّ رَفَعَهُ ارْبِطُوا الْخَيْلَ وَقَلِّدُوهَا وَلَا تُقَلِّدُوهَا الْأَوْتَارَ فَدَلَّ عَلَى أَنْ لَا اخْتِصَاصَ لِلْإِبِلِ فَلَعَلَّ التَّقْيِيدَ بِهَا فِي التَّرْجَمَةِ لِلْغَالِبِ وَقَدْ حَمَلَ النَّضْرُ بْنُ شُمَيْلٍ الْأَوْتَارَ فِي هَذَا الْحَدِيثِ عَلَى مَعْنَى الثَّأْرِ فَقَالَ مَعْنَاهُ لَا تَطْلُبُوا بِهَا ذُحُولَ الْجَاهِلِيَّةِ قَالَ الْقُرْطُبِيُّ وَهُوَ تَأْوِيلٌ بَعِيدٌ.

     وَقَالَ  الثَّوْرِيُّ ضَعِيفٌ وَإِلَى نَحْوِ قَوْلِ النَّضْرِ جَنَحَ وَكِيعٌ فَقَالَ الْمَعْنَى لَا تَرْكَبُوا الْخَيْلَ فِي الْفِتَنِ فَإِنَّ مَنْ رَكِبَهَا لَمْ يَسْلَمْ أَنْ يَتَعَلَّقْ بِهِ وَتَرٌ يُطْلَبُ بِهِ وَالدَّلِيلُ عَلَى أَنَّ الْمُرَادَ بِالْأَوْتَارِ جَمْعُ الْوَتَرِ بِالتَّحْرِيكِ لَا الْوَتْرِ بِالْإِسْكَانِ مَا رَوَاهُ أَبُو دَاوُدَ أَيْضًا مِنْ حَدِيثِ رُوَيْفِعِ بْنِ ثَابِتٍ رَفَعَهُ مَنْ عَقَدَ لِحْيَتَهُ أَوْ تَقَلَّدَ وَتَرًا فَإِنَّ مُحَمَّدًا بَرِيءٌ مِنْهُ فَإِنَّهُ عِنْدَ الرُّوَاةِ أَجْمَعَ بِفَتْحِ الْمُثَنَّاةِ وَالْجَرَسُ بِفَتْحِ الْجِيمِ وَالرَّاءِ ثُمَّ مُهْمَلَةٍ مَعْرُوفٌ وَحَكَى عِيَاضٌ إِسْكَانَ الرَّاءِ وَالتَّحْقِيقُ أَنَّ الَّذِي بِالْفَتْحِ اسْمُ الْآلَةِ وَبِالْإِسْكَانِ اسْمُ الصَّوْتِ وَرَوَى مُسْلِمٌ مِنْ حَدِيثِ الْعَلَاءِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَفَعَهُ الْجَرَسُ مِزْمَارُ الشَّيْطَانِ وَهُوَ دَالٌّ عَلَى أَنَّ الْكَرَاهِيَةَ فِيهِ لِصَوْتِهِ لِأَنَّ فِيهَا شَبَهًا بِصَوْتِ النَّاقُوسِ وَشَكْلِهِ قَالَ النَّوَوِيُّ وَغَيْرُهُ الْجُمْهُورُ عَلَى أَنَّ النَّهْيَ لِلْكَرَاهَةِ وَأَنَّهَا كَرَاهَةُ تَنْزِيهٍ وَقِيلَ لِلتَّحْرِيمِ وَقِيلَ يُمْنَعُ مِنْهُ قَبْلَ الْحَاجَةِ وَيَجُوزُ إِذَا وَقَعَتِ الْحَاجَةُ وَعَنْ مَالِكٍ تَخْتَصُّ الْكَرَاهَةُ مِنَ الْقَلَائِدِ بِالْوَتَرِ وَيَجُوزُ بِغَيْرِهَا إِذَا لَمْ يُقْصَدْ دَفْعُ الْعَيْنِ هَذَا كُلُّهُ فِي تَعْلِيقِ التَّمَائِمِ وَغَيْرِهَا مِمَّا لَيْسَ فِيهِ قُرْآنٌ وَنَحْوُهُ فَأَمَّا مَا فِيهِ ذِكْرُ اللَّهِ فَلَا نَهْيَ فِيهِ فَإِنَّهُ إِنَّمَا يُجْعَلُ لِلتَّبَرُّكِ بِهِ وَالتَّعَوُّذِ بِأَسْمَائِهِ وَذِكْرِهِ وَكَذَلِكَ لَا نَهْيَ عَمَّا يُعَلَّقُ لِأَجْلِ الزِّينَةِ مَا لَمْ يَبْلُغِ الْخُيَلَاءَ أَوِ السَّرَفَ وَاخْتَلَفُوا فِي تَعْلِيقِ الْجَرَسِ أَيْضًا ثَالِثُهَا يَجُوزُ بِقَدْرِ الْحَاجَةِ وَمِنْهُمْ مَنْ أجَاز الصَّغِير مِنْهَا دون الْكَبِير وَأغْرب بن حِبَّانَ فَزَعَمَ أَنَّ الْمَلَائِكَةَ لَا تَصْحَبُ الرُّفْقَةَ الَّتِي يَكُونُ فِيهَا الْجَرَسُ إِذَا كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِيهَا