فهرس الكتاب

فتح الباري لابن حجر - باب ما ذكر من درع النبي صلى الله عليه وسلم، وعصاه، وسيفه وقدحه، وخاتمه، وما استعمل الخلفاء بعده من ذلك مما لم يذكر قسمته، ومن شعره، ونعله، وآنيته مما يتبرك أصحابه وغيرهم بعد وفاته

( قَولُهُ بَابُ مَا ذُكِرَ مِنْ دِرْعِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَعَصَاهُ وَسَيْفِهِ وَقَدَحِهِ وَخَاتَمِهِ وَمَا اسْتَعْمَلَ الْخُلَفَاءُ بَعْدَهُ مِنْ ذَلِكَ)
الْغَرَضُ مِنْ هَذِهِ التَّرْجَمَةِ تَثْبِيتُ أَنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَمْ يُورَثْ وَلَا بِيعَ مَوْجُودُهُ بَلْ تُرِكَ بِيَدِ مَنْ صَارَ إِلَيْهِ لِلتَّبَرُّكِ بِهِ وَلَوْ كَانَتْ مِيرَاثًا لَبِيعَتْ وَقُسِّمَتْ وَلِهَذَا قَالَ بَعْدَ ذَلِكَ مِمَّا لَمْ تُذْكَرْ قِسْمَتُهُ وَقَولُهُ مِمَّا تَبَرَّكَ أَصْحَابُهُ أَيْ بِهِ وَحَذَفَهُ لِلْعِلْمِ بِهِ كَذَا لِلْأَصِيلِيِّ وَلِأَبِي ذَرٍّ عَنْ شَيْخَيْهِ شِرْكٌ بِالشِّينِ مِنَ الشَّرِكَةِ وَهُوَ ظَاهِرٌ وَفِي رِوَايَةِ الْكُشْمِيهَنِيِّ مِمَّا يَتَبَرَّكُ بِهِ أَصْحَابُهُ وَهُوَ يُقَوِّي رِوَايَةَ الْأَصِيلِيِّ.
وَأَمَّا قَوْلُ الْمُهلب أَنه إِنَّمَا تَرْجَمَ بِذَلِكَ لِيَتَأَسَّى بِهِ وُلَاةُ الْأُمُورِ فِي اتِّخَاذِ هَذِهِ الْآلَاتِ فَفِيهِ نَظَرٌ وَمَا تَقَدَّمَ أَوْلَى وَهُوَ الْأَلْيَقُ لِدُخُولِهِ فِي أَبْوَابِ الْخُمُسِ ثُمَّ ذَكَرَ فِيهِ أَحَادِيثَ لَيْسَ فِيهَا مِمَّا تَرْجَمَ بِهِ إِلَّا الْخَاتَمُ وَالنَّعْلُ وَالسَّيْفُ وَذَكَرَ فِيهِ الْكِسَاءَ وَالْإِزَارَ وَلَمْ يُصَرِّحْ بِهِمَا فِي التَّرْجَمَةِ فَمَا ذَكَرَهُ فِي التَّرْجَمَةِ وَلَمْ يُخَرِّجْ حَدِيثَهُ فِي الْبَابِ الدِّرْعُ وَلَعَلَّهُ أَرَادَ أَنْ يَكْتُبَ فِيهَا حَدِيثَ عَائِشَةَ أَنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ تُوُفِّيَ وَدِرْعُهُ مَرْهُونَةٌ فَلَمْ يَتَّفِقْ ذَلِكَ وَقَدْ سَبَقَ فِي الْبُيُوعِ وَالرَّهْنِ وَمِنْ ذَلِكَ الْعَصَا وَلَمْ يَقَعْ لَهَا ذِكْرٌ فِي الْأَحَادِيثِ الَّتِي أَوْرَدَهَا وَلَعَلَّهُ أَرَادَ أَنْ يَكْتُبَ حَدِيث بن عَبَّاسٍ أَنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ يَسْتَلِمُ الرُّكْنَ بِمِحْجَنٍ وَقَدْ مَضَى فِي الْحَجِّ وَسَيَأْتِي فِي حَدِيثِ عَلِيٍّ فِي تَفْسِيرِ سُورَةِ وَاللَّيْل إِذا يغشى ذِكْرُ الْمِخْصَرَةِ وَأَنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ جَعَلَ يَنْكُتُ بِهَا فِي الْأَرْضِ وَهِيَ عَصًا يُمْسِكُهَا الْكَبِيرُ يَتَّكِئُ عَلَيْهَا وَكَانَ قَضِيبُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْ شَوْحَطٍ وَكَانَتْ عِنْدَ الْخُلَفَاءِ بَعْدَهُ حَتَّى كَسَرَهَا جَهْجَاهُ الْغِفَارِيُّ فِي زَمَنِ عُثْمَانَ وَمِنْ ذَلِكَ الشَّعْرُ وَلَعَلَّهُ أَرَادَ أَنْ يَكْتُبَ فِيهِ حَدِيثَ أَنَسٍ الْمَاضِي فِي الطَّهَارَة فِي قَول بن سِيرِينَ عِنْدَنَا شَعْرٌ مِنْ شَعَرِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ صَارَ إِلَيْنَا مِنْ قِبَلِ أَنَسٍ.
وَأَمَّا .

     قَوْلُهُ  وَآنِيَتِهِ بَعْدَ ذِكْرِ الْقَدَحِ فَمِنْ عَطْفِ الْعَامِّ عَلَى الْخَاصِّ وَلَمْ يَذْكُرْ فِي الْبَابِ مِنَ الْآنِيَةِ سِوَى الْقَدَحِ وَفِيهِ كِفَايَةٌ لِأَنَّهُ يَدُلُّ عَلَى مَا عَدَاهُ.
وَأَمَّا الْأَحَادِيثُ الَّتِي أَوْرَدَهَا فِي الْبَابِ فَالْأَوَّلُ مِنْهَا حَدِيثُ أَنَسٍ فِي الْخَاتَمِ وَالْغَرَضُ مِنْهُ



[ قــ :2966 ... غــ :3106] .

     قَوْلُهُ  فِيهِ أَنَّ أَبَا بَكْرٍ خَتَمَ الْكِتَابَ بِخَاتَمِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَإِنَّهُ مُطَابِقٌ لِقَوْلِهِ فِي التَّرْجَمَةِ وَمَا اسْتَعْمَلَ الْخُلَفَاءُ مِنْ ذَلِكَ وَسَيَأْتِي فِي اللِّبَاسِ فِيهِ مِنَ الزِّيَادَةِ أَنَّهُ كَانَ فِي يَدِ أَبِي بَكْرٍ وَفِي يَدِ عُمَرَ بَعْدَهُ وَأَنَّهُ سَقَطَ مِنْ يَدِ عُثْمَانَ وَيَأْتِي شَرْحُهُ مُسْتَوْفًى هُنَاكَ إِنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى الثَّانِي حَدِيثُهُ أَنَّهُ أَخْرَجَ نَعْلَيْنِ جَرْدَاوَيْنِ بِالْجِيمِ أَيْ لَا شَعْرَ عَلَيْهِمَا وَقِيلَ خلقتين



[ قــ :967 ... غــ :3107] .

     قَوْلُهُ  لَهُمَا فِي رِوَايَةِ الْكُشْمِيهَنِيِّ لَهَا قِبَالَانِ بِكَسْرِ الْقَافِ وَتَخْفِيفِ الْمُوَحَّدَةِ .

     قَوْلُهُ  فَحَدَّثَنِي ثَابِتٌ الْقَائِلُ هُوَ عِيسَى بْنُ طَهْمَانَ رَاوِي الْحَدِيثِ عَنْ أَنَسٍ وَكَأَنَّهُ رَأَى النَّعْلَيْنِ مَعَ أَنَسٍ وَلَمْ يَسْمَعْ مِنْهُ نِسْبَتَهُمَا فَحَدَّثَهُ بِذَلِكَ ثَابِتٌ عَنْ أَنَسٍ وَسَيَأْتِي شَرْحُهُ فِي اللِّبَاسِ أَيْضًا إِنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى الثَّالِثُ حَدِيثُ عَائِشَةَ قَوْله عَن أبي بردة هُوَ بن أَبِي مُوسَى





[ قــ :968 ... غــ :3108] .

     قَوْلُهُ  كِسَاءً مُلَبَّدًا أَيْ ثَخِنَ وَسَطُهُ وَصَفِقَ حَتَّى صَارَ يُشْبِهُ اللُّبَدَ وَيُقَالُ الْمُرَادُ هُنَا الْمُرَقَّعُ .

     قَوْلُهُ  وَزَادَ سُلَيْمَانُ هُوَ بن الْمُغيرَة عَن حميد هُوَ بن هِلَالٍ وَصَلَهُ مُسْلِمٌ عَنْ شَيْبَانَ بْنِ فَرُّوخَ عَنْ سُلَيْمَانَ بْنِ الْمُغِيرَةِ بِهِ وَسَيَأْتِي بَقِيَّةُ شَرْحِهِ فِي كِتَابِ اللِّبَاسِ أَيْضًا الرَّابِعُ حَدِيثُ أَنَسٍ





[ قــ :969 ... غــ :3109] .

     قَوْلُهُ  عَنْ أَبِي حَمْزَةَ هُوَ السُّكَّرِيُّ قَوْله عَن عَاصِم عَن بن سِيرِينَ كَذَا لِلْأَكْثَرِ وَوَقَعَ فِي رِوَايَةِ أَبِي زيد الْمروزِي بِإِسْقَاط بن سِيرِينَ وَهُوَ خَطَأٌ وَقَدْ أَخْرَجَهُ الْبَزَّارُ فِي مُسْنَدِهِ عَنِ الْبُخَارِيِّ بِهَذَا الْإِسْنَادِ.

     وَقَالَ  لَا نَعْلَمُ مَنْ رَوَاهُ عَنْ عَاصِمٍ هَكَذَا إِلَّا أَبَا حَمْزَةَ.

     وَقَالَ  الدَّارَقُطْنِيُّ خَالَفَهُ شَرِيكٌ عَنْ عَاصِم عَن أنس لم يذكر بن سِيرِينَ وَالصَّحِيحُ قَوْلُ أَبِي حَمْزَةَ.

قُلْتُ قَدْ رَوَاهُ أَبُو عَوَانَةَ عَنْ عَاصِمٍ فَفَصَّلَ بَعْضَهُ عَن أنس وَبَعضه عَن بن سِيرِينَ عَنْ أَنَسٍ وَسَيَأْتِي بَيَانُهُ فِي الْأَشْرِبَةِ وَنَبَّهَ عَلَى ذَلِكَ أَبُو عَلِيٍّ الْجَيَّانِيُّ وَسَيَأْتِي بَيَانُهُ هُنَاكَ إِنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى .

     قَوْلُهُ  إِنَّ قَدَحَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ انْكَسَرَ فَاتَّخَذَ فِي رِوَايَةِ أَبِي ذَرٍّ بِضَمِّ الْمُثَنَّاةِ عَلَى الْبِنَاءِ لِلْمَفْعُولِ وَفِي رِوَايَةِ غَيْرِهِ بِفَتْحِهَا عَلَى الْبِنَاءِ لِلْفَاعِلِ وَالضَّمِيرُ لِلنَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَوْ لِأَنَسٍ وَجَزَمَ بَعْضُ الشُّرَّاحِ بِالثَّانِي وَاحْتَجَّ بِرِوَايَةٍ بِلَفْظِ فَجَعَلْتُ مَكَانَ الشَّعْبِ سِلْسِلَةً وَلَا حُجَّةَ فِيهِ لِاحْتِمَالِ أَنْ يَكُونَ فَجَعَلْتُ بِضَمِّ الْجِيمِ عَلَى الْبِنَاءِ لِلْمَجْهُولِ فَرَجَعَ إِلَى الِاحْتِمَالِ لِإِبْهَامِ الْجَاعِلِ .

     قَوْلُهُ  قَالَ عَاصِمٌ هُوَ الْأَحْوَلُ الرَّاوِي رَأَيْتُ الْقَدَحَ وَشَرِبْتُ فِيهِ الْخَامِسُ حَدِيثُ الْمِسْوَرِ بْنِ مَخْرَمَةَ فِي خِطْبَةِ عَلِيٍّ بِنْتَ أَبِي جَهْلٍ وَسَيَأْتِي الْكَلَامُ عَلَيْهِ مُسْتَوْفًى فِي النِّكَاحِ وَالْغَرَضُ مِنْهُ مَا دَارَ بَيْنَ الْمِسْوَرِ بْنِ مَخْرَمَةَ وَعَلِيِّ بْنِ الْحُسَيْنِ فِي أَمْرِ سَيْفِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَأَرَادَ الْمِسْوَرُ بِذَلِكَ صِيَانَةَ سَيْفِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِئَلَّا يَأْخُذَهُ مَنْ لَا يَعْرِفُ قَدْرَهُ وَالَّذِي يَظْهَرُ أَنَّ الْمُرَادَ بِالسَّيْفِ الْمَذْكُورِ ذُو الْفَقَارِ الَّذِي تَنَفَّلَهُ يَوْمَ بَدْرٍ وَرَأَى فِيهِ الرُّؤْيَا يَوْمَ أُحُدٍ.

     وَقَالَ  الْكِرْمَانِيُّ مُنَاسَبَةُ ذِكْرِ الْمِسْوَرِ لِقِصَّةِ خِطْبَةِ بِنْتِ أَبِي جَهْلٍ عِنْدَ طَلَبِهِ لِلسَّيْفِ مِنْ جِهَةِ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ يَحْتَرِزُ عَمَّا يُوجِبُ وُقُوعَ التَّكْدِيرِ بَيْنَ الْأَقْرِبَاءِ أَيْ فَكَذَلِكَ يَنْبَغِي أَنْ تُعْطِيَنِي السَّيْفَ حَتَّى لَا يَحْصُلَ بَيْنَكَ وَبَيْنَ أَقْرِبَائِكَ كُدُورَةٌ بِسَبَبِهِ أَوْ كَمَا أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ يُرَاعِي جَانِبَ بَنِي عَمِّهِ الْعَبْشَمِيِّينَ فَأَنْتَ أَيْضًا رَاعِ جَانِبَ بَنِي عَمِّكَ النَّوْفَلِيِّينَ لِأَنَّ الْمِسْوَرَ نَوْفَلِيٌّ كَذَا قَالَ وَالْمِسْوَرُ زُهْرِيٌّ لَا نَوْفَلِيٌّ قَالَ أَوْ كَمَا أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ يُحِبُّ رَفَاهِيَةَ خَاطِرِ فَاطِمَةَ عَلَيْهَا السَّلَامُ فَأَنَا أَيْضًا أُحِبُّ رَفَاهِيَةَ خَاطِرِكَ لِكَوْنِكَ بن ابْنِهَا فَأَعْطِنِي السَّيْفَ حَتَّى أَحْفَظَهُ لَكَ.

قُلْتُ وَهَذَا الْأَخِيرُ هُوَ الْمُعْتَمَدُ وَمَا قَبْلَهُ ظَاهِرُ التَّكَلُّفِ وَسَأَذْكُرُ إِشْكَالًا يَتَعَلَّقُ بِذَلِكَ فِي كِتَابِ الْمَنَاقِبِ إِنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى السَّادِسُ





[ قــ :970 ... غــ :3110] .

     قَوْلُهُ  عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ سُوقَةَ بِضَمِّ الْمُهْمَلَةِ وَسُكُونِ الْوَاوِ ثِقَةٌ عَابِدٌ مَشْهُورٌ وَهُوَ وَشَيْخُهُ مُنْذِرُ بْنُ يَعْلَى أَبُو يَعْلَى الثَّوْرِيُّ كُوفِيَّانِ قَرِينَانِ مِنْ صِغَارِ التَّابِعِينَ





[ قــ :971 ... غــ :3111] .

     قَوْلُهُ  لَوْ كَانَ عَلِيٌّ ذَاكِرًا عُثْمَانَ زَادَ الْإِسْمَاعِيلِيُّ عَنِ الْحَسَنِ بْنِ سُفْيَانَ عَنْ قُتَيْبَةَ ذَاكِرًا عُثْمَانَ بِسُوءٍ وَرَوَى بن أَبِي شَيْبَةَ مِنْ وَجْهٍ آخَرَ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ سُوقَةَ حَدَّثَنِي مُنْذِرٌ قَالَ كُنَّا عِنْدَ بن الْحَنَفِيَّةِ فَنَالَ بَعْضُ الْقَوْمِ مِنْ عُثْمَانَ فَقَالَ مَهْ فَقُلْنَا لَهُ أَكَانَ أَبُوكَ يَسُبُّ عُثْمَانَ فَقَالَ مَا سَبَّهُ وَلَوْ سَبَّهُ يَوْمًا لَسَبَّهُ يَوْمَ جِئْتُهُ فَذَكَرَهُ .

     قَوْلُهُ  جَاءَهُ نَاسٌ فَشَكَوْا سُعَاةَ عُثْمَانَ لَمْ أَقِفْ عَلَى تَعْيِينِ الشَّاكِي وَلَا الْمَشْكُوِّ وَالسُّعَاةُ جَمْعُ سَاعٍ وَهُوَ الْعَامِلُ الَّذِي يَسْعَى فِي اسْتِخْرَاجِ الصَّدَقَةِ مِمَّنْ تَجِبُ عَلَيْهِ وَيَحْمِلُهَا إِلَى الْإِمَامِ .

     قَوْلُهُ  فَقَالَ لِي عَلِيٌّ اذْهَبْ إِلَى عُثْمَانَ فَأَخْبِرْهُ أَنَّهَا صَدَقَةُ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَيْ أَنَّ الصَّحِيفَةَ الَّتِي أَرْسَلَ بِهَا إِلَى عُثْمَانَ مَكْتُوبٌ فِيهَا بَيَانُ مَصَارِفِ الصَّدَقَاتِ وَقَدْ بَيَّنَ فِي الرِّوَايَةِ الثَّانِيَةِ أَنَّهُ قَالَ لَهُ خُذْ هَذَا الْكِتَابَ فَإِنَّ فِيهِ أَمَرَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي الصَّدَقَةِ وَفِي رِوَايَةِ بن أَبِي شَيْبَةَ خُذْ كِتَابَ السُّعَاةِ فَاذْهَبْ بِهِ إِلَى عُثْمَانَ .

     قَوْلُهُ  أَغْنِهَا بِهَمْزَةٍ مَفْتُوحَةٍ وَمُعْجَمَةٍ سَاكِنَةٍ وَكَسْرِ النُّونِ أَيِ اصْرِفْهَا تَقُولُ أَغْنِ وَجْهَكَ عَنِّي أَيِ اصْرِفْهُ وَمِثْلُهُ .

     قَوْلُهُ  لِكُلِّ امْرِئ مِنْهُم يَوْمئِذٍ شَأْن يُغْنِيه أَيْ يَصُدُّهُ وَيَصْرِفُهُ عَنْ غَيْرِهِ وَيُقَالُ .

     قَوْلُهُ  اغْنِهَا عَنَّا بِأَلِفِ وَصْلٍ مِنَ الثُّلَاثِيِّ وَهِيَ كَلِمَةٌ مَعْنَاهَا التَّرْكُ وَالْإِعْرَاضُ وَمِنْهُ وَاسْتَغْنَى اللَّهُ أَيْ تَرَكَهُمُ اللَّهُ لِأَنَّ كُلَّ مَنِ اسْتَغْنَى عَنْ شَيْءٍ تَرَكَهُ تَقُولُ غَنِيَ فُلَانٌ عَنْ كَذَا فَهُوَ غَانٍ بِوَزْنِ عَلِمَ فَهُوَ عَالِمٌ وَفِي رِوَايَة بن أَبِي شَيْبَةَ لَا حَاجَةَ لَنَا فِيهِ وَقِيلَ كَانَ عِلْمُ ذَلِكَ عِنْدَ عُثْمَانَ فَاسْتَغْنَى عَنِ النَّظَرِ فِي الصَّحِيفَةِ.

     وَقَالَ  الْحُمَيْدِيُّ فِي الْجَمْعِ قَالَ بعض الروَاة عَن بن عُيَيْنَةَ لَمْ يَجِدْ عَلِيٌّ بُدًّا حِينَ كَانَ عِنْدَهُ عِلْمٌ مِنْهُ أَنْ يُنْهِيَهُ إِلَيْهِ وَنَرَى أَنَّ عُثْمَانَ إِنَّمَا رَدَّهُ لِأَنَّ عِنْدَهُ عِلْمًا مِنْ ذَلِكَ فَاسْتَغْنَى عَنْهُ وَيُسْتَفَادُ مِنَ الْحَدِيثِ بَذْلُ النَّصِيحَةِ لِلْأُمَرَاءِ وَكَشْفُ أَحْوَالِ مَنْ يَقَعُ مِنْهُ الْفَسَادُ مِنْ أَتْبَاعِهِمْ وَلِلْإِمَامِ التَّنْقِيبُ عَنْ ذَلِكَ وَيُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ عُثْمَانُ لَمْ يَثْبُتْ عِنْدَهُ مَا طُعِنَ بِهِ عَلَى سُعَاتِهِ أَوْ ثَبَتَ عِنْدَهُ وَكَانَ التَّدْبِيرُ يَقْتَضِي تَأْخِيرَ الْإِنْكَارِ أَوْ كَانَ الَّذِي أَنْكَرَهُ مِنَ الْمُسْتَحَبَّاتِ لَا مِنَ الْوَاجِبَاتِ وَلِذَلِكَ عَذَرَهُ عَلِيٌّ وَلَمْ يَذْكُرْهُ بِسُوءٍ .

     قَوْلُهُ  فَأَخْبَرْتُهُ فَقَالَ ضَعْهَا حَيْثُ أَخَذْتَهَا فِي رِوَايَة بن أَبِي شَيْبَةَ ضَعْهُ مَوْضِعَهُ .

     قَوْلُهُ  وقَال الْحُمَيْدِيُّ إِلَخْ هُوَ فِي كِتَابِ النَّوَادِرِ لَهُ بِهَذَا الْإِسْنَادِ وَالْحُمَيْدِيُّ مِنْ شُيُوخِ الْبُخَارِيِّ فِي الْفِقْهِ وَالْحَدِيثِ كَمَا تَقَدَّمَ فِي أَوَّلِ هَذَا الْكِتَابِ وَأَرَادَ بِرِوَايَتِهِ هَذِهِ بَيَانَ تَصْرِيحِ سُفْيَانَ بِالتَّحْدِيثِ وَكَذَا التَّصْرِيحُ بِسَمَاعِ مُحَمَّدِ بْنِ سُوقَةَ مِنْ مُنْذِرٍ وَلَمْ أَقِفْ فِي شَيْءٍ مِنْ طُرُقِهِ عَلَى تَعْيِينِ مَا كَانَ فِي الصَّحِيفَةِ لَكِنْ أَخْرَجَ الْخَطَّابِيُّ فِي غَرِيبِ الْحَدِيثِ مِنْ طَرِيقِ عَطِيَّة عَن بن عُمَرَ قَالَ بَعَثَ عَلِيٌّ إِلَى عُثْمَانَ بِصَحِيفَةٍ فِيهَا لَا تَأْخُذُوا الصَّدَقَةَ مِنَ الرَّخَّةِ وَلَا مِنَ النُّخَّةِ قَالَ الْخَطَّابِيُّ النُّخَّةُ بِنُونٍ وَمُعْجَمَةٍ أَوْلَادُ الْغَنَمِ وَالرَّخَّةُ بِرَاءٍ وَمُعْجَمَةٍ أَيْضًا أَوْلَادُ الْإِبِلِ انْتَهَى وَسَنَدُهُ ضَعِيفٌ لَكِنَّهُ مِمَّا يُحْتَمَلُ