فهرس الكتاب

فتح الباري لابن حجر - باب غزوة العشيرة أو العسيرة

( بَابُ غَزْوَةِ الْعَشِيرَةِ)
بِالشِّينِ الْمُعْجَمَةِ كَذَا لِأَبِي ذَرٍّ وَلِغَيْرِهِ تَأْخِيرُ الْبَسْمَلَةِ عَنْ قَوْلِهِ كِتَابُ الْمَغَازِي وَزَادُوا بَابُ غَزْوَةِ الْعَشِيرَةِ أَوِ الْعَسِيرَةِ بِالشَّكِّ هَلْ هِيَ بِالْإِهْمَالِ أَوْ بِالْإِعْجَامِ مَكَانُهَا عِنْد منزل الْحَج بينبع لَيْسَ بَيْنَهَا وَبَيْنَ الْبَلَدِ إِلَّا الطَّرِيقُ وَخَرَجَ فِي خَمْسِينَ وَمِائَةٍ وَقِيلَ مِائَتَيْنِ وَاسْتَخْلَفَ فِيهَا أَبَا سَلَمَةَ بْنَ عَبْدِ الْأَسَدِ وَالْمَغَازِي جَمْعُ مَغْزًى يُقَالُ غَزَا يَغْزُو غَزْوًا وَمَغْزًى وَالْأَصْلُ غَزْوًا والواحدة غَزْوَة وغزاة وَالْمِيمُ زَائِدَةٌ وَعَنْ ثَعْلَبٍ الْغَزْوَةُ الْمَرَّةُ وَالْغَزَاةُ عَمَلُ سَنَةٍ كَامِلَةٍ وَأَصْلُ الْغَزْوِ الْقَصْدُ وَمَغْزَى الْكَلَامِ مَقْصِدُهُ وَالْمُرَادُ بِالْمَغَازِي هُنَا مَا وَقَعَ مِنْ قَصْدِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْكُفَّارَ بِنَفْسِهِ أَوْ بِجَيْشٍ مِنْ قِبَلِهِ وَقَصْدُهُمْ أَعَمُّ مِنْ أَنْ يَكُونَ إِلَى بِلَادِهِمْ أَوْ إِلَى الْأَمَاكِنِ الَّتِي حَلُّوهَا حَتَّى دَخَلَ مِثْلُ أحد وَالْخَنْدَق قَوْله قَالَ بن إِسْحَاقَ أَوَّلُ مَا غَزَا النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْأَبْوَاءُ ثُمَّ بَوَاطُ ثُمَّ الْعَشِيرَةُ كَذَا لِلْأَكْثَرِ وَسَقَطَ لِأَبِي ذَرٍّ إِلَّا عَنِ الْمُسْتَمْلِي وَحْدَهُ لَكِنَّهُ ذَكَرَهُ آخَرَ الْبَابِ وَالْأَبْوَاءُ بِفَتْحِ الْهَمْزَةِ وَسُكُونِ الْمُوَحَّدَةِ وَبِالْمَدِّ قَرْيَةٌ مِنْ عَمَلِ الْفَرْعِ بَيْنَهَا وَبَيْنَ الْجُحْفَةِ مِنْ جِهَةِ الْمَدِينَةِ ثَلَاثَةٌ وَعِشْرُونَ مِيلًا قِيلَ سُمِّيَتْ بِذَلِكَ لِمَا كَانَ فِيهَا مِنَ الْوَبَاءِ وَهِيَ عَلَى الْقَلْبِ وَإِلَّا لَقِيلَ الْأَوْبَاءُ وَالَّذِي وَقَعَ فِي مغازي بن إِسْحَاقَ مَا صُورَتُهُ غَزْوَةُ وَدَّانَ بِتَشْدِيدِ الْمُهْمَلَةِ قَالَ وَهِيَ أَوَّلُ غَزَوَاتِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ خَرَجَ مِنْ الْمَدِينَةِ فِي صَفَرٍ عَلَى رَأْسِ اثْنَيْ عَشَرَ شَهْرًا مِنْ مَقْدَمِهِ الْمَدِينَةَ يُرِيدُ قُرَيْشًا فَوَادَعَ بَنِي ضَمْرَةَ بْنِ بَكْرِ بْنِ عَبْدِ مَنَاةَ مِنْ كِنَانَةَ وَادَعَهُ رَئِيسُهُمْ مَجْدِي بْنُ عَمْرٍو الضُّمَرِيُّ وَرَجَعَ بِغَيْرِ قتال قَالَ بن هِشَامٍ وَكَانَ قَدِ اسْتَعْمَلَ عَلَى الْمَدِينَةِ سَعْدَ بْنَ عُبَادَةَ اه وَلَيْسَ بَيْنَ مَا وَقَعَ فِي السِّيرَةِ وَبَيْنَ مَا نَقَلَهُ الْبُخَارِيُّ عَنِ بن إِسْحَاقَ اخْتِلَافٌ لِأَنَّ الْأَبْوَاءَ وَوَدَّانَ مَكَانَانِ مُتَقَارِبَانِ بَيْنَهُمَا سِتَّةُ أَمْيَالٍ أَوْ ثَمَانِيَةٌ وَلِهَذَا وَقَعَ فِي حَدِيثِ الصَّعْبِ بْنِ جَثَّامَةَ وَهُوَ بِالْأَبْوَاءِ أَوْ بِوَدَّانَ كَمَا تَقَدَّمَ فِي كِتَابِ الْحَجِّ وَوَقَعَ فِي مَغَازِي الْأُمَوِيِّ حَدَّثَنِي أَبِي عَنِ بن إِسْحَاقَ قَالَ خَرَجَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ غَازِيًا بِنَفْسِهِ حَتَّى انْتَهَى إِلَى وَدَّانَ وَهِيَ الْأَبْوَاءُ.

     وَقَالَ  مُوسَى بْنُ عُقْبَةَ أَوَّلُ غَزْوَةٍ غَزَاهَا النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَعْنِي بِنَفْسِهِ الْأَبْوَاءُ وَفِي الطَّبَرَانِيِّ مِنْ طَرِيقِ كَثِيرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرِو بْنِ عَوْفٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ جَدِّهِ قَالَ أَوَّلُ غزَاة غزوناها مَعَ النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم الْأَبْوَاءُ وَأَخْرَجَهُ الْبُخَارِيُّ فِي التَّارِيخِ الصَّغِيرِ عَنْ إِسْمَاعِيل وَهُوَ بن أَبِي أُوَيْسٍ عَنْ كَثِيرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ مُقْتَصَرًا عَلَيْهِ وَكَثِيرٌ ضَعِيفٌ عِنْدَ الْأَكْثَرِ لَكِنَّ الْبُخَارِيَّ مَشَاهُ وَتَبِعَهُ التِّرْمِذِيُّ وَذَكَرَ أَبُو الْأَسْوَدِ فِي مَغَازِيهِ عَنْ عُرْوَةَ وَوَصَلَهُ بن عَائِذ من حَدِيث بن عَبَّاسٍ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَمَّا وَصَلَ إِلَى الْأَبْوَاءِ بَعَثَ عُبَيْدَةَ بْنَ الْحَارِثِ فِي سِتِّينَ رَجُلًا فَلَقُوا جَمْعًا مِنْ قُرَيْشٍ فَتَرَامَوْا بِالنَّبْلِ فَرَمَى سَعْدُ بْنُ أَبِي وَقَّاصٍ بِسَهْمٍ وَكَانَ أَوَّلُ مَنْ رَمَى بِسَهْمٍ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَعِنْدَ الْأُمَوِيِّ يُقَالُ إِنَّ حَمْزَةَ بْنَ عَبْدِ الْمُطَّلِبِ أَوَّلُ مَنْ عَقَدَ لَهُ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي الْإِسْلَامِ رَايَةً وَكَذَا جَزَمَ بِهِ مُوسَى بْنُ عُقْبَةَ وَأَبُو مَعْشَرٍ وَالْوَاقِدِيُّ فِي آخَرِينَ قَالُوا وَكَانَ حَامِلَ رَايَتِهِ أَبُو مَرْثَدَ حَلِيفُ حَمْزَةَ وَذَلِكَ فِي شَهْرِ رَمَضَانَ مِنَ السَّنَةِ الْأُولَى وَكَانُوا ثَلَاثِينَ رَجُلًا لِيَعْتَرِضُوا عِيرَ قُرَيْشٍ فَلَقُوا أَبَا جَهْلٍ فِي جَمْعٍ كَثِيرٍ فَحَجَزَ بَيْنَهُمْ مَجْدِي.
وَأَمَّا بَوَاطُ فَبِفَتْحِ الْمُوَحَّدَةِ وَقَدْ تُضَمُّ وَتَخْفِيفِ الْوَاوِ وَآخِرُهُ مُهْمَلَةٌ جَبَلٌ مِنْ جبال جُهَيْنَة بِقرب يَنْبع قَالَ بن إِسْحَاقَ ثُمَّ غَزَا فِي شَهْرِ رَبِيعٍ الْأَوَّلِ يُرِيدُ قُرَيْشًا أَيْضًا حَتَّى بَلَغَ بَوَاطَ مِنْ نَاحِيَةِ رَضْوَى وَرَجَعَ وَلَمْ يَلْقَ أَحَدًا وَرَضْوَى بِفَتْحِ الرَّاءِ وَسُكُونِ الْمُعْجَمَةِ مَقْصُورٌ جَبَلٌ مَشْهُورٌ عَظِيم بينبع قَالَ بن هِشَامٍ وَكَانَ اسْتَعْمَلَ عَلَى الْمَدِينَةِ السَّائِبَ بْنَ عُثْمَانَ بْنِ مَظْعُونٍ وَفِي نُسْخَةٍ السَّائِبَ بْنَ مَظْعُونٍ وَعَلَيْهِ جَرَى السُّهَيْلِيُّ.

     وَقَالَ  الْوَاقِدِيُّ سَعْدَ بْنَ مُعَاذٍ.
وَأَمَّا الْعُشَيْرَةُ فَلَمْ يَخْتَلِفْ عَلَى أَهْلِ الْمَغَازِي أَنَّهَا بِالْمُعْجَمَةِ وَالتَّصْغِيرِ وَآخِرُهَا هَاءٌ قَالَ بن إِسْحَاق هِيَ بِبَطن يَنْبع وَخرج إِلَيْهَا فِي جُمَادَى الْأُولَى يُرِيدُ قُرَيْشًا أَيْضًا فَوَادَعَ فِيهَا بني مُدْلِج من كنَانَة قَالَ بن هِشَام اسْتعْمل فِيهَا على الْمَدِينَة أَبَا سَلمَة بْنَ عَبْدِ الْأَسَدِ وَذَكَرَ الْوَاقِدِيُّ أَنَّ هَذِهِ السَّفْرَاتِ الثَّلَاثَ كَانَ يَخْرُجُ فِيهَا لِيَلْتَقِيَ تُجَّارَ قُرَيْشٍ حِينَ يَمُرُّونَ إِلَى الشَّامِ ذِهَابًا وَإِيَابًا وَسَبَبُ ذَلِكَ أَيْضًا أَنَّهَا كَانَتْ وَقْعَةُ بَدْرٍ وَكَذَلِكَ السَّرَايَا الَّتِي بَعَثَهَا قَبْلَ بَدْرٍ كَمَا سَيَأْتِي قَالَ بن إِسْحَاق وَلما رَجَعَ إلىالمدينة لَمْ يُقِمْ إِلَّا لَيَالِيَ حَتَّى أَغَارَ كُرْزُ بْنُ جَابِرٍ الْفِهْرِيُّ عَلَى سَرْحِ الْمَدِينَةِ فَخَرَجَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي طَلَبِهِ حَتَّى بَلَغَ سَفَرَانَ بِفَتْحِ الْمُهْمَلَةِ وَالْفَاءِ مِنْ نَاحيَة بدر ففاته كُرْزُ بْنُ جَابِرٍ وَهَذِهِ هِيَ بَدْرٌ الْأُولَى وَقَدْ تَقَدَّمَ فِي الْعِلْمِ الْبَيَانُ عَنْ سَرِيَةِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ جَحْشٍ وَأَنَّهُ وَمَنْ مَعَهُ لَقُوا نَاسًا مِنْ قُرَيْشٍ رَاجِعِينَ بِتِجَارَةٍ مِنَ الشَّامِ فَقَاتَلُوهُمْ وَاتَّفَقَ وُقُوعُ ذَلِكَ فِي رَجَبٍ فَقَتَلُوا مِنْهُمْ وَأَسَرُوا وَأَخَذُوا الَّذِي كَانَ مَعَهُمْ وَكَانَ أَوَّلَ قَتْلٍ وَقَعَ فِي الْإِسْلَامِ وَأَوَّلَ مَالٍ غُنِمَ وَمِمَّنْ قُتِلَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ الْحَضْرَمِيِّ أَخُو عَمْرِو بْنِ الْحَضْرَمِيٍّ الَّذِي حَرَّضَ بِهِ أَبُو جَهْلٍ قُرَيْشًا عَلَى الْقِتَالِ بِبَدْرٍ.

     وَقَالَ  الزُّهْرِيُّ أَوَّلُ آيَةٍ نَزَلَتْ فِي الْقِتَالِ كَمَا أَخْبَرَنِي عُرْوَةُ عَنْ عَائِشَةَ أُذِنَ لِلَّذِينَ يُقَاتلُون بِأَنَّهُم ظلمُوا أَخْرَجَهُ النَّسَائِيُّ وَإِسْنَادُهُ صَحِيحٌ وَأَخْرَجَ هُوَ وَالتِّرْمِذِيُّ وَصَحَّحَهُ الْحَاكِمُ مِنْ طَرِيقِ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ عَن بن عَبَّاسٍ قَالَ لَمَّا خَرَجَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْ مَكَّةَ قَالَ أَبُو بَكْرٍ أَخْرَجُوا نَبِيَّهُمْ لَيُهْلَكُنَّ فَنَزَلَتْ أُذِنَ لِلَّذِينَ يُقَاتَلُونَ الْآيَة قَالَ بن عَبَّاسٍ فَهِيَ أَوَّلُ آيَةٍ أُنْزِلَتْ فِي الْقِتَالِ وَذَكَرَ غَيْرُهُ أَنَّهُمْ أُذِنَ لَهُمْ فِي قِتَالِ مَنْ قَاتَلَهُمْ بِقَوْلِهِ تَعَالَى وَقَاتِلُوا فِي سَبِيلِ الله الَّذين يقاتلونكم ثُمَّ أُمِرُوا بِالْقِتَالِ مُطْلَقًا بِقَوْلِهِ تَعَالَى انْفِرُوا خفافا وثقالا وَجَاهدُوا الْآيَة



[ قــ :3765 ... غــ :3949] قَوْله حَدثنَا وهب هُوَ بن جَرِيرِ بْنِ حَازِمٍ وَأَبُو إِسْحَاقَ هُوَ السُّبَيْعِيُّ .

     قَوْلُهُ  فَقِيلَ لَهُ الْقَائِلُ هُوَ الرَّاوِي أَبُو إِسْحَاقَ بَيَّنَهُ إِسْرَائِيلُ بْنُ يُونُسَ عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ كَمَا سَيَأْتِي آخِرَ الْمَغَازِي بِلَفْظِ سَأَلْتُ زَيْدَ بْنَ أَرْقَمَ وَيُؤَيِّدُهُ أَيْضًا .

     قَوْلُهُ  فِي هَذِهِ الرِّوَايَةِ آخِرًا فَأَيُّهُمْ .

     قَوْلُهُ  تِسْعَ عَشْرَةَ كَذَا قَالَ وَمُرَادُهُ الْغَزَوَاتُ الَّتِي خَرَجَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِيهَا بِنَفْسِهِ سَوَاءٌ قَاتَلَ أَوْ لَمْ يُقَاتِلْ لَكِنْ رَوَى أَبُو يَعْلَى مِنْ طَرِيقِ أَبِي الزُّبَيْرِ عَنْ جَابِرٍ أَنَّ عَدَدَ الْغَزَوَاتِ إِحْدَى وَعِشْرُونَ وَإِسْنَادُهُ صَحِيحٌ وَأَصْلُهُ فِي مُسْلِمٍ فَعَلَى هَذَا فَفَاتَ زَيْدَ بْنَ أَرْقَمَ ذِكْرُ ثِنْتَيْنِ مِنْهَا وَلَعَلَّهُمَا الْأَبْوَاءُ وَبَوَاطُ وَكَأَنَّ ذَلِكَ خَفِيَ عَلَيْهِ لِصِغَرِهِ وَيُؤَيِّدُ مَا قُلْتُهُ مَا وَقَعَ عِنْدَ مُسْلِمٍ بِلَفْظِ.

قُلْتُ مَا أَوَّلُ غَزْوَةٍ غَزَاهَا قَالَ ذَاتُ الْعُشَيْرِ أَوِ الْعُشَيْرَةُ اهـ وَالْعُشَيْرَةُ كَمَا تقدم هِيَ الثَّالِثَة وَأما قَول بن التِّينِ يُحْمَلُ قَوْلُ زَيْدِ بْنِ أَرْقَمَ عَلَى أَنَّ الْعُشَيْرَةَ أَوَّلُ مَا غَزَا هُوَ أَيْ زيد بن أَرقم وَالتَّقْدِير فَقُلْتُ مَا أَوَّلُ غَزْوَةٍ غَزَاهَا أَيْ وَأَنْتَ مَعَهُ قَالَ الْعُشَيْرُ فَهُوَ مُحْتَمَلٌ أَيْضًا وَيَكُونُ قد خَفِي عَلَيْهِ اثْنَتَانِ مِمَّا بَعْدَ ذَلِكَ أَوْ عَدَّ الْغَزْوَتَيْنِ وَاحِدَةً فَقَدْ قَالَ مُوسَى بْنُ عُقْبَةَ قَاتَلَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِنَفْسِهِ فِي ثَمَانٍ بَدْرٍ ثُمَّ أُحُدٍ ثُمَّ الْأَحْزَابِ ثُمَّ الْمُصْطَلِقِ ثُمَّ خَيْبَرَ ثُمَّ مَكَّةَ ثُمَّ حُنَيْنٍ ثُمَّ الطَّائِفِ اهـ وَأَهْمَلَ غَزْوَةَ قُرَيْظَةَ لِأَنَّهُ ضَمَّهَا إِلَى الْأَحْزَابِ لِكَوْنِهَا كَانَتْ فِي إِثْرِهَا وَأَفْرَدَهَا غَيْرُهُ لِوُقُوعِهَا مُنْفَرِدَةً بَعْدَ هَزِيمَةِ الْأَحْزَابِ وَكَذَا وَقَعَ لِغَيْرِهِ عَدُّ الطَّائِفِ وَحُنَيْنٍ وَاحِدَةً لِتَقَارُبِهِمَا فَيَجْتَمِعُ عَلَى هَذَا قَوْلُ زَيْدِ بْنِ أَرقم وَقَول جَابر وَقد توسع بن سَعْدٍ فَبَلَغَ عِدَّةُ الْمَغَازِي الَّتِي خَرَجَ فِيهَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِنَفْسِهِ سَبْعًا وَعِشْرِينَ وَتَبِعَ فِي ذَلِكَ الْوَاقِدِيَّ وَهُوَ مُطَابق لما عده بن إِسْحَاقَ إِلَّا أَنَّهُ لَمْ يُفْرِدْ وَادِي الْقُرَى مِنْ خَيْبَرَ أَشَارَ إِلَى ذَلِكَ السُّهَيْلِيُّ وَكَأَنَّ السِّتَّةَ الزَّائِدَةَ مِنْ هَذَا الْقَبِيلِ وَعَلَى هَذَا يُحْمَلُ مَا أَخْرَجَهُ عَبْدُ الرَّزَّاقِ بِإِسْنَادٍ صَحِيحٍ عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيَّبِ قَالَ غَزَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَرْبَعًا وَعِشْرِينَ وَأَخْرَجَهُ يَعْقُوبُ بْنُ سُفْيَانَ عَنْ سَلَمَةَ بْنِ شَبِيبٍ عَنْ عَبْدِ الرَّزَّاقِ فَزَاد فِيهِ أَنَّ سَعِيدًا قَالَ أَوَّلًا ثَمَانِيَ عَشْرَةً ثُمَّ قَالَ أَرْبَعًا وَعِشْرِينَ قَالَ الزُّهْرِيُّ فَلَا أَدْرِي أَوَهَمَ أَوْ كَانَ شَيْئًا سَمِعَهُ بَعْدُ.

قُلْتُ وَحَمْلُهُ عَلَى مَا ذَكَرْتُهُ يَدْفَعُ الْوَهَمَ وَيَجْمَعُ الْأَقْوَالَ وَاللَّهُ أَعْلَمُ.
وَأَمَّا الْبُعُوثُ وَالسَّرَايَا فعد بن إِسْحَاقَ سِتًّا وَثَلَاثِينَ وَعَدَّ الْوَاقِدِيُّ ثَمَانِيًا وَأَرْبَعِينَ وَحكى بن الْجَوْزِيِّ فِي التَّلْقِيحِ سِتًّا وَخَمْسِينَ وَعَدَّ الْمَسْعُودِيُّ سِتِّينَ وَبَلَغَهَا شَيْخُنَا فِي نَظْمِ السِّيرَةِ زِيَادَةً عَلَى السَّبْعِينِ وَوَقَعَ عِنْدَ الْحَاكِمِ فِي الْإِكْلِيلِ أَنَّهَا تَزِيدُ عَلَى مِائَةٍ فَلَعَلَّهُ أَرَادَ ضَمَّ الْمَغَازِي إِلَيْهَا .

     قَوْلُهُ .

قُلْتُ فَأَيُّهُمْ كَانَ أَوَّلُ كَذَا للْجَمِيع قَالَ بن مَالِكٍ وَالصَّوَابُ فَأَيُّهَا أَوْ أَيُّهُنَّ وَوَجَّهَهُ بَعْضُهُمْ عَلَى أَنَّ الْمُضَافَ مَحْذُوفٌ وَالتَّقْدِيرُ فَأَيُّ غَزْوَتِهِمْ.

قُلْتُ وَقَدْ أَخْرَجَهُ التِّرْمِذِيُّ عَنْ مَحْمُودِ بْنِ غَيْلَانَ عَنْ وَهْبِ بْنِ جَرِيرٍ بِالْإِسْنَادِ الَّذِي ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ بِلَفْظِ.

قُلْتُ فَأَيَّتُهُنَّ فَدَلَّ عَلَى أَنَّ التَّعْبِيرَ مِنَ الْبُخَارِيِّ أَوْ مِنْ شَيْخِهِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مُحَمَّدٍ الْمُسْنَدِيِّ أَوْ مِنْ شَيْخِهِ وَهْبِ بْنِ جَرِيرٍ حَدَّثَ بِهِ مَرَّةً عَلَى الصَّوَابِ وَمَرَّةً عَلَى غَيْرِهِ إِنْ لَمْ يَصِحَّ لَهُ تَوْجِيهٌ .

     قَوْلُهُ  الْعُشَيْرُ أَوِ الْعُشَيْرَةُ كَذَا بِالتَّصْغِيرِ وَالْأَوَّلُ بِالْمُعْجَمَةِ بِلَا هَاءٍ وَالثَّانِيَةُ بِالْمُهْمَلَةِ وَبِالْهَاءِ وَوَقَعَ فِي التِّرْمِذِيِّ الْعُشَيْرُ أَوِ الْعُسَيْرُ بِلَا هَاءٍ فِيهِمَا .

     قَوْلُهُ  فَذَكَرْتُ لِقَتَادَةَ الْقَائِلُ هُوَ شُعْبَةُ وَقَوْلُ قَتَادَةَ الْعُشَيْرَةُ هُوَ بِالْمُعْجَمَةِ وَبِإِثْبَاتِ الْهَاءِ وَمِنْهُمْ مَنْ حَذَفَهَا وَقَوْلُ قَتَادَةَ هُوَ الَّذِي اتَّفَقَ عَلَيْهِ أَهْلُ السِّيَرِ وَهُوَ الصَّوَابُ.
وَأَمَّا غَزْوَةُ الْعَسِيرَةِ بِالْمُهْمَلَةِ فَهِيَ غَزْوَةُ تَبُوكَ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى الَّذِينَ اتَّبَعُوهُ فِي سَاعَة الْعسرَة وَسُمِّيَتْ بِذَلِكَ لِمَا كَانَ فِيهَا مِنَ الْمَشَقَّةِ كَمَا سَيَأْتِي بَيَانُهُ وَهِيَ بِغَيْرِ تَصْغِيرٍ.
وَأَمَّا هَذِهِ فَنُسِبَتْ إِلَى الْمَكَانِ الَّذِي وَصَلُوا إِلَيْهِ وَاسْمُهُ الْعُشَيْرُ أَوِ الْعُشَيْرَةُ يُذَكَّرُ وَيُؤَنَّثُ وَهُوَ مَوضِع وَذكر بن سَعْدٍ أَنَّ الْمَطْلُوبَ فِي هَذِهِ الْغَزَاةِ هِيَ عِيرُ قُرَيْشٍ الَّتِي صَدَرَتْ مِنْ مَكَّةَ إِلَى الشَّام بِالتِّجَارَة ففاتهم وَكَانُوا يَتَرَقَّبُونَ رُجُوعَهَا فَخَرَجَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَتَلَقَّاهَا لِيَغْنَمَهَا فَبِسَبَبِ ذَلِكَ كَانَتْ وقْعَة بدر قَالَ بن إِسْحَاقَ فَإِنَّ السَّبَبَ فِي غَزْوَةِ بَدْرٍ مَا حَدَّثَنِي يَزِيدُ بْنُ رُومَانَ عَنْ عُرْوَةَ أَنَّ أَبَا سُفْيَانَ كَانَ بِالشَّامِ فِي ثَلَاثِينَ رَاكِبًا مِنْهُمْ مَخْرَمَةُ بْنُ نَوْفَلٍ وَعَمْرُو بْنُ الْعَاصِ فَأَقْبَلُوا فِي قَافِلَةٍ عَظِيمَةٍ فِيهَا أَمْوَالُ قُرَيْشٍ فَنَدَبَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِلَيْهِمْ وَكَانَ أَبُو سُفْيَانَ يَتَجَسَّسُ الْأَخْبَارَ فَبَلَغَهُ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ اسْتَنْفَرَ أَصْحَابَهُ بِقَصْدِهِمْ فَأَرْسَلَ ضَمْضَمَ بْنَ عَمْرٍو الْغِفَارِيَّ إِلَى قُرَيْشٍ بِمَكَّةَ يُحَرِّضُهُمْ عَلَى الْمَجِيءِ لِحِفْظِ أَمْوَالِهِمْ وَيُحَذِّرُهُمُ الْمُسْلِمِينَ فَاسْتَنْفَرَهُمْ ضَمْضَمُ فَخَرَجُوا فِي أَلْفِ رَاكِبٍ وَمَعَهُمْ مِائَةُ فَرَسٍ وَاشْتَدَّ حَذَرُ أَبِي سُفْيَانَ فَأَخَذَ طَرِيقَ السَّاحِلِ وَجَدَّ فِي السَّيْرِ حَتَّى فَاتَ الْمُسْلِمِينَ فَلَمَّا أَمِنَ أَرْسَلَ إِلَى مَنْ يَلْقَى قُرَيْشًا يَأْمُرُهُمْ بِالرُّجُوعِ فَامْتَنَعَ أَبُو جَهْلٍ مِنْ ذَلِكَ فَكَانَ مَا كَانَ من وقْعَة بدر