فهرس الكتاب

فتح الباري لابن حجر - باب غزوة ذي قرد

قَوْله بَاب غَزْوَة ذِي قرد)
بِفَتْح الْقَاف وَالرَّاء وَحكى الضَّم فيهمَا وَحكى ضم أَوله وَفتح ثَانِيَة قَالَ الْحَازِمِي الأول ضبط أَصْحَاب الحَدِيث وَالضَّم عَن أهل اللُّغَة.

     وَقَالَ  البلاذري الصَّوَاب الأول وَهُوَ مَاء على نَحْو بريد مِمَّا يَلِي بِلَاد غطفان وَقيل على مَسَافَة يَوْم .

     قَوْلُهُ  وَهِيَ الْغَزْوَةُ الَّتِي أَغَارُوا فِيهَا عَلَى لِقَاحِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَبْلَ خَيْبَرَ بِثَلَاثٍ كَذَا جَزَمَ بِهِ وَمُسْتَنَدُهُ فِي ذَلِكَ حَدِيثُ إِيَاسِ بْنِ سَلَمَةَ بْنِ الْأَكْوَعِ عَنْ أَبِيهِ فَإِنَّهُ قَالَ فِي آخِرِ الْحَدِيثِ الطَّوِيلِ الَّذِي أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ مِنْ طَرِيقِهِ قَالَ فَرَجَعْنَا أَيْ مِنَ الْغَزْوَةِ إِلَى الْمَدِينَةِ فَوَاللَّهِ مَا لَبِثْنَا بِالْمَدِينَةِ إِلَّا ثَلَاثَ لَيَالٍ حَتَّى خرجنَا إِلَى خَيْبَر وَأما بن سَعْدٍ فَقَالَ كَانَتْ غَزْوَةُ ذِي قَرَدٍ فِي رَبِيعٍ الْأَوَّلِ سَنَةَ سِتٍّ قَبْلَ الْحُدَيْبِيَةِ وَقِيلَ فِي جُمَادَى الأولى وَعَن بن إِسْحَاقَ فِي شَعْبَانَ مِنْهَا فَإِنَّهُ قَالَ كَانَتْ بَنُو لِحْيَانَ فِي شَعْبَانَ سَنَةَ سِتٍّ فَلَمَّا رَجَعَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِلَى الْمَدِينَةِ فَلَمْ يُقِمْ بِهَا إِلَّا لَيَالِيَ حَتَّى أَغَارَ عُيَيْنَةُ بْنُ حِصْنٍ عَلَى لِقَاحِهِ قَالَ الْقُرْطُبِيُّ شَارِحُ مُسْلِمٍ فِي الْكَلَامِ عَلَى حَدِيثِ سَلَمَةَ بْنِ الْأَكْوَعِ لَا يَخْتَلِفُ أَهْلُ السِّيَرِ أَنَّ غَزْوَةَ ذِي قَرَدٍ كَانَتْ قَبْلَ الْحُدَيْبِيَةِ فَيَكُونُ مَا وَقَعَ فِي حَدِيثِ سَلَمَةَ مِنْ وَهَمِ بَعْضِ الرُّوَاةِ قَالَ وَيُحْتَمَلُ أَنْ يُجْمَعَ بِأَنْ يُقَالَ يُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ أَغْزَى سَرِيَّةً فِيهِمْ سَلَمَةُ بْنُ الْأَكْوَعِ إِلَى خَيْبَرَ قَبْلَ فَتْحِهَا فَأَخْبَرَ سَلَمَةُ عَنْ نَفْسِهِ وَعَمَّنْ خَرَجَ مَعَهُ يَعْنِي حَيْثُ قَالَ خَرَجْنَا إِلَى خَيْبَرَ قَالَ وَيُؤَيِّدهُ أَن بن إِسْحَاقَ ذَكَرَ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَغْزَى إِلَيْهَا عَبْدَ اللَّهِ بْنَ رَوَاحَةَ قَبْلَ فَتْحِهَا مَرَّتَيْنِ انْتَهَى وَسِيَاقُ الْحَدِيثِ يَأْبَى هَذَا الْجَمْعَ فَإِنَّ فِيهِ بَعْدَ قَوْلِهِ حِينَ خَرَجْنَا إِلَى خَيْبَرَ مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَجَعَلَ عُمَرُ يَرْتَجِزُ بِالْقَوْلِ وَفِيه قَوْلُ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَنِ السَّائِقُ وَفِيهِ مُبَارَزَةُ عَلِيٍّ لِمَرْحَبٍ وَقَتْلُ عَامِرٍ وَغَيْرُ ذَلِكَ مِمَّا وَقَعَ فِي غَزْوَةِ خَيْبَرَ حِينَ خَرَجَ إِلَيْهَا النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَعَلَى هَذَا مَا فِي الصَّحِيحِ مِنَ التَّارِيخِ لِغَزْوَةِ ذِي قَرَدٍ أَصَحُّ مِمَّا ذَكَرَهُ أَهْلُ السِّيَرِ وَيُحْتَمَلُ فِي طَرِيقِ الْجَمْعِ أَنْ تَكُونَ إِغَارَةُ عُيَيْنَةَ بْنِ حِصْنٍ عَلَى اللِّقَاحِ وَقعت مرَّتَيْنِ الأولى الَّتِي ذكرهَا بن إِسْحَاقَ وَهِيَ قَبْلَ الْحُدَيْبِيَةِ وَالثَّانِيَةُ بَعْدَ الْحُدَيْبِيَةِ قَبْلَ الْخُرُوجِ إِلَى خَيْبَرَ وَكَانَ رَأْسُ الَّذِينَ أَغَارُوا عَبْدَ الرَّحْمَنِ بْنَ عُيَيْنَةَ كَمَا فِي سِيَاقِ سَلَمَةَ عِنْدَ مُسْلِمٍ وَيُؤَيِّدُهُ أَنَّ الْحَاكِمَ ذَكَرَ فِي الْإِكْلِيلِ أَنَّ الْخُرُوجَ إِلَى ذِي قرد تكَرر فَفِي الأولى خَرَجَ إِلَيْهَا زَيْدُ بْنُ حَارِثَةَ قَبْلَ أُحُدٍ وَفِي الثَّانِيَةِ خَرَجَ إِلَيْهَا النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي رَبِيعٍ الْآخَرَ سَنَةَ خَمْسٍ وَالثَّالِثَةُ هَذِهِ الْمُخْتَلَفُ فِيهَا انْتَهَى فَإِذَا ثَبَتَ هَذَا قَوِيَ هَذَا الْجَمْعُ الَّذِي ذَكَرْتُهُ وَاللَّهُ أعلم



[ قــ :3984 ... غــ :4194] قَوْله حَدثنَا حَاتِم هُوَ بن إِسْمَاعِيلَ وَيَزِيدُ بْنُ أَبِي عُبَيْدَةَ هُوَ مَوْلَى سَلَمَةَ بْنِ الْأَكْوَعِ وَقَدْ أَخْرَجَ الْبُخَارِيُّ هَذَا الْحَدِيثَ عَالِيًا فِي الْجِهَادِ عَنْ مَكِّيِّ بْنِ إِبْرَاهِيمَ عَنْ يَزِيدَ وَهُوَ أَحَدُ ثُلَاثِيَّاتِهِ .

     قَوْلُهُ  خَرَجْتُ قَبْلَ أَنْ يُؤَذَّنَ بِالْأُولَى يَعْنِي صَلَاةَ الصُّبْح وَيدل عَلَيْهِ قَوْله فِي رِوَايَةِ مُسْلِمٍ أَنَّهُ تَبِعَهُمْ مِنَ الْغَلَسِ إِلَى غُرُوبِ الشَّمْسِ وَفِي رِوَايَةِ مَكِّيٍّ خَرَجْتُ مِنَ الْمَدِينَةِ ذَاهِبًا نَحْوَ الْغَابَةِ .

     قَوْلُهُ  وَكَانَتْ لقاح رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم تَرْعَى بِذِي قَرَدٍ اللِّقَاحُ بِكَسْرِ اللَّامِ وَتَخْفِيفِ الْقَافِ ثُمَّ مُهْمَلَةٍ ذَوَاتُ الدَّرِّ مِنَ الْإِبِلِ وَاحِدُهَا لِقْحَةٌ بِالْكَسْرِ وَبِالْفَتْحِ أَيْضًا وَاللَّقُوحُ الْحَلُوبُ وَذكر بن سَعْدٍ أَنَّهَا كَانَتْ عِشْرِينَ لِقْحَةً قَالَ وَكَانَ فيهم بن أَبِي ذَرٍّ وَامْرَأَتُهُ فَأَغَارَ الْمُشْرِكُونَ عَلَيْهِمْ فَقَتَلُوا الرَّجُلَ وَأَسَرُوا الْمَرْأَةَ .

     قَوْلُهُ  فَلَقِيَنِي غُلَامٌ لِعَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَوْفٍ لَمْ أَقِفْ عَلَى اسْمِهِ وَيُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ هُوَ رَبَاحَ غُلَامَ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَمَا فِي رِوَايَةِ مُسْلِمٍ وَكَأَنَّهُ كَانَ مِلْكَ أَحَدِهِمَا وَكَانَ يَخْدُمُ الْآخَرَ فَنُسِبَ تَارَةً إِلَى هَذَا وَتَارَةً إِلَى هَذَا .

     قَوْلُهُ  غَطَفَانَ بِفَتْحِ الْمُعْجَمَةِ وَالطَّاءِ الْمُشَالَةِ الْمُهْمَلَةِ وَالْفَاءِ تَقَدَّمَ بَيَانُ نَسَبِهِمْ فِي غَزْوَةِ ذَاتِ الرِّقَاعِ وَفِي رِوَايَةِ مَكِّيٍّ غَطَفَانَ وَفَزَارَةَ وَهُوَ مِنَ الْخَاصِّ بَعْدَ الْعَامِّ لِأَنَّ فَزَارَةَ مِنْ غَطَفَانَ وَعِنْدَ مُسْلِمٍ قَدِمْنَا الْحُدَيْبِيَةَ ثُمَّ قَدِمْنَا الْمَدِينَةَ فَبَعَثَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِظَهْرِهِ مَعَ رَبَاحٍ غُلَامِهِ وَأَنَا مَعَهُ وَخَرَجْتُ بِفَرَسٍ لِطَلْحَةَ أَنْدُبُهُ فَلَمَّا أَصْبَحْنَا إِذا عبد الرَّحْمَن الْفَزارِيّ وَلأَحْمَد وبن سَعْدٍ مِنْ هَذَا الْوَجْهِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنِ عُيَيْنَةَ بْنِ حِصْنٍ الْفَزَارِيُّ وَقَدْ أَغَارَ عَلَى ظَهْرِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَاسْتَاقَهُ أَجْمَعَ وَقَتَلَ رَاعِيَهُ قَالَ فَقُلْتُ يَا رَبَاحُ خُذْ هَذَا الْفَرَسَ وَأَبْلِغْهُ طَلْحَةَ وَأَبْلِغْ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْخَبَرَ وَلِلطَّبَرَانِيِّ مِنْ وَجْهٍ آخَرَ عَنْ سَلَمَةَ خَرَجْتُ بِقَوْسِي وَنَبْلِي وَكُنْتُ أَرْمِي الصَّيْدَ فَإِذَا عُيَيْنَةُ بْنُ حِصْنٍ قَدْ أَغَارَ عَلَى لِقَاحِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَاسْتَاقَهَا وَلَا مُنَافَاة فَإِنَّ كُلًّا مِنْ عُيَيْنَةَ وَعَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عُيَيْنَةَ كَانَ فِي الْقَوْمِ وَذَكَرَ مُوسَى بْنُ عقبَة وبن إِسْحَاقَ أَنَّ مَسْعَدَةَ الْفَزَارِيَّ كَانَ أَيْضًا رَئِيسًا فِي فَزَارَةَ فِي هَذِهِ الْغُزَاةِ .

     قَوْلُهُ  فَصَرَخْتُ ثَلَاثَ صَرَخَاتٍ فِي رِوَايَةِ الْمُسْتَمْلِي بِثَلَاثِ بِزِيَادَةِ الْمُوَحَّدَةِ وَهِيَ لِلِاسْتِغَاثَةِ .

     قَوْلُهُ  فَأَسْمَعْتُ مَا بَيْنَ لَابَتَيْ الْمَدِينَةِ فِيهِ إِشْعَارٌ بِأَنَّهُ كَانَ وَاسِعَ الصَّوْتِ جِدًّا وَيُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ ذَلِكَ مِنْ خَوَارِقِ الْعَادَاتِ وَلِمُسْلِمٍ فَعَلَوْتُ أَكْمَةً فَاسْتَقْبَلْتُ الْمَدِينَةَ فَنَادَيْتُ ثَلَاثًا وَلِلطَّبَرَانِيِّ فَصَعِدْتُ فِي سَلَعٍ ثُمَّ صِحْتُ يَا صَبَاحَاهُ فَانْتَهَى صِيَاحِي إِلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَنُودِيَ فِي النَّاسِ الْفَزَعَ الْفَزَعَ وَهُوَ عِنْدَ إِسْحَاقَ بِمَعْنَاهُ .

     قَوْلُهُ  يَا صَبَاحَاهُ هِيَ كَلِمَةٌ تُقَالُ عِنْدَ اسْتِنْفَارِ مَنْ كَانَ غَافِلًا عَنْ عَدُوِّهِ .

     قَوْلُهُ  ثُمَّ انْدَفَعْتُ عَلَى وَجْهِي أَيْ لَمْ أَلْتَفِتْ يَمِينًا وَلَا شِمَالًا بَلْ أَسْرَعْتُ الْجَرْيَ وَكَانَ شَدِيدَ الْعَدْوِ كَمَا سَيَأْتِي بَيَانُهُ فِي آخِرِ الْحَدِيثِ .

     قَوْلُهُ  حَتَّى أَدْرَكْتُهُمْ فِي رِوَايَةِ مَكِّيٍّ حَتَّى أَلْقَاهُمْ وَقَدْ أَخَذُوهَا يَعْنِي اللِّقَاحَ ذَكَرَهُ بِهَذِهِ الصِّيغَةِ مُبَالَغَةً فِي اسْتِحْضَارِ الْحَالِ .

     قَوْلُهُ  فَأَقْبَلْتُ أَرْمِيهِمْ أَيْ أَقْبَلْتُ عَلَيْهِمْ أَرْمِيهِمْ أَيْ بِالسِّهَامِ قَوْله وَأَقُول أَنا بن الْأَكْوَعِ وَالْيَوْمُ يَوْمُ الرُّضَّعِ بِضَمِّ الرَّاءِ وَتَشْدِيدِ الْمُعْجَمَةِ جَمْعُ رَاضِعٍ وَهُوَ اللَّئِيمُ فَمَعْنَاهُ الْيَوْمَ يَوْمُ اللِّئَامِ أَيِ الْيَوْمُ يَوْمُ هَلَاكِ اللِّئَامِ وَالْأَصْلُ فِيهِ أَنَّ شَخْصًا كَانَ شَدِيدَ الْبُخْلِ فَكَانَ إِذَا أَرَادَ حَلْبَ نَاقَتِهِ ارْتَضَعَ مِنْ ثَدْيِهَا لِئَلَّا يَحْلُبَهَا فَيَسْمَعَ جِيرَانُهُ أَوْ مَنْ يَمُرُّ بِهِ صَوْتَ الْحَلْبِ فَيَطْلُبُونَ مِنْهُ اللَّبَنَ وَقِيلَ بَلْ صَنَعَ ذَلِكَ لِئَلَّا يَتَبَدَّدَ مِنَ اللَّبَنِ شَيْءٌ إِذَا حَلَبَ فِي الْإِنَاءِ أَوْ يَبْقَى فِي الْإِنَاءِ شَيْءٌ إِذَا شَرِبَهُ مِنْهُ فَقَالُوا فِي الْمَثَلِ أَلْأَمُ مِنْ رَاضِعٍ وَقِيلَ بَلْ مَعْنَى الْمَثَلِ ارْتَضَعَ اللُّؤْمَ مِنْ بَطْنِ أمه وَقيل كل من كَانَ يُوصف وباللؤم يُوصَفُ بِالْمَصِّ وَالرَّضَاعِ وَقِيلَ الْمُرَادُ مَنْ يَمُصُّ طَرَفَ الْخِلَالِ إِذَا خَلَّ أَسْنَانَهُ وَهُوَ دَالٌّ عَلَى شِدَّةِ الْحِرْصِ وَقِيلَ هُوَ الرَّاعِي الَّذِي لَا يَسْتَصْحِبُ مِحْلَبًا فَإِذَا جَاءَهُ الضَّيْفُ اعْتَذَرَ بِأَنْ لَا مِحْلَبَ مَعَهُ وَإِذَا أَرَادَ أَنْ يَشْرَبَ ارْتَضَعَ ثَدْيَهَا.

     وَقَالَ  أَبُو عَمْرٍو الشَّيْبَانِيُّ هُوَ الَّذِي يَرْتَضِعُ الشَّاةَ أَوِ النَّاقَةَ عِنْدَ إِرَادَةِ الْحَلْبِ مِنْ شِدَّةِ الشَّرَهِ وَقِيلَ أَصْلُهُ الشَّاةُ تَرْضَعُ لَبَنَ شَاتَيْنِ مِنْ شِدَّةِ الْجُوعِ وَقِيلَ مَعْنَاهُ الْيَوْمَ يُعْرَفُ مَنِ ارْتَضَعَ كَرِيمَةً فَأَنْجَبَتْهُ وَلَئِيمَةً فَهَجَّنَتْهُ وَقِيلَ مَعْنَاهُ الْيَوْمَ يُعْرَفُ مَنْ أَرْضَعَتْهُ الْحَرْبُ مِنْ صِغَرِهِ وَتَدَرَّبَ بِهَا مِنْ غَيْرِهِ.

     وَقَالَ  الدَّاوُدِيُّ مَعْنَاهُ هَذَا يَوْمٌ شَدِيدٌ عَلَيْكُمْ تُفَارِقُ فِيهِ الْمُرْضِعَةُ مَنْ أَرْضَعَتْهُ فَلَا تَجِدُ مَنْ تُرْضِعُهُ قَالَ السُّهَيْلِيُّ .

     قَوْلُهُ  الْيَوْمُ يَوْمُ الرُّضَّعِ يَجُوزُ الرَّفْعُ فِيهِمَا وَنَصْبُ الْأَوَّلِ وَرَفْعُ الثَّانِي عَلَى جَعْلِ الْأَوَّلِ ظَرْفًا قَالَ وَهُوَ جَائِزٌ إِذَا كَانَ الظَّرْفُ وَاسِعًا وَلَا يُضَيِّقُ عَلَى الثَّانِي قَالَ.

     وَقَالَ  أَهْلُ اللُّغَةِ يُقَالُ فِي اللُّؤْمِ رَضَعَ بِالْفَتْحِ يُرْضِعُ بِالضَّمِّ رَضَاعَةً لَا غَيْرُ وَرَضِعَ الصَّبِيُّ بِالْكَسْرِ ثَدْيَ أُمِّهِ يَرْضَعُ بِالْفَتْحِ رَضَاعًا مِثْلَ سَمِعَ يَسْمَعُ سَمَاعًا وَعِنْدَ مُسْلِمٍ فِي هَذَا الْمَوْضِعِ فَأَقْبَلْتُ أَرْمِيهُمْ بِالنَّبْلِ وَأَرْتَجِزُ وَفِيهِ فَأَلْحَقُ رَجُلًا مِنْهُمْ فَأَصُكُّهُ بِسَهْمٍ فِي رِجْلِهِ فَخَلَصَ السَّهْمُ إِلَى كَعْبِهِ فَمَا زِلْتُ أَرْمِيهِمْ وَأَعْقِرُهُمْ فَإِذَا رَجَعَ إِلَيَّ فَارِسٌ مِنْهُمْ أَتَيْتُ شَجَرَةً فَجَلَسْتُ فِي أَصْلِهَا ثُمَّ رَمَيْتُهُ فَعَقَرْتُ بِهِ فَإِذَا تَضَايَقَ الْخَيْلُ فَدَخَلُوا فِي مُضَايَقَةٍ عَلَوْتُ الْجَبَلَ فَرَمَيْتهمْ بِالْحِجَارَةِ وَعند بن إِسْحَاقَ وَكَانَ سَلَمَةُ مِثْلَ الْأَسَدِ فَإِذَا حَمَلَتْ عَلَيْهِ الْخَيْلُ فَرَّ ثُمَّ عَارَضَهُمْ فَنَضَحَهَا عَنْهُ بِالنَّبْلِ .

     قَوْلُهُ  اسْتَنْقَذْتُ اللِّقَاحَ مِنْهُمْ وَاسْتَلَبْتُ مِنْهُمْ ثَلَاثِينَ بُرْدَةً فِي رِوَايَةِ مُسْلِمٍ فَمَا زِلْتُ كَذَلِكَ حَتَّى مَا خَلَقَ اللَّهُ مِنْ ظَهْرِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنَ بَعِيرٍ إِلَّا خَلَفْتُهُ وَرَاءَ ظَهْرِي ثُمَّ اتَّبَعْتُهُمْ أَرْمِيهِمْ حَتَّى أَلْقَوْا أَكْثَرَ مِنْ ثَلَاثِينَ بُرْدَةً وَثَلَاثِينَ رُمْحًا يَتَخَفَّفُونَ بِهَا قَالَ فَأَتَوْا مَضِيقًا فَأَتَاهُمْ رَجُلٌ فَجَلَسُوا يَتَغَدَّوْنَ فَجَلَسْتُ عَلَى رَأْسِ قَرْنٍ فَقَالَ لَهُمْ مَنْ هَذَا فَقَالُوا لَقِينَا مِنْ هَذَا الْبُرْجِ قَالَ فَلْيَقُمْ إِلَيْهِ مِنْكُمْ أَرْبَعَةٌ فَتَوَجَّهُوا إِلَيْهِ فَتَهَدَّدَهُمْ فَرَجَعُوا قَالَ فَمَا بَرَحْتُ مَكَانِي حَتَّى رَأَيْتُ فَوَارِسَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَوَّلُهُمِ الْأَخْرَمُ الْأَسَدِيُّ فَقُلْتُ لَهُ احْذُوهُمْ فَالْتَقَى هُوَ وَعَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنِ عُيَيْنَةَ فَقَتَلَهُ عَبْدُ الرَّحْمَنِ وَتَحَوَّلَ عَلَى فَرَسِهِ فَلَحِقَهُ أَبُو قَتَادَةَ فَقَتَلَ عَبْدَ الرَّحْمَنِ وَتَحَوَّلَ عَلَى الْفَرَسِ قَالَ وَاتَّبَعْتُهُمْ عَلَى رِجْلَيَّ حَتَّى مَا أَرَى أَحَدًا فَعَدَلُوا قَبْلَ غُرُوبِ الشَّمْسِ إِلَى شِعْبٍ فِيهِ مَاءٌ يُقَالُ لَهُ ذِي قَرَدٍ فَشَرِبُوا مِنْهُ وَهُمْ عِطَاشٌ قَالَ فَجَلَاهُمْ عَنْهُ حَتَّى طَرَدَهُمْ وَتَرَكُوا فَرَسَيْنِ عَلَى ثنية فَجئْت بِهِمَا أَسُوقُهُمَا إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَذكر بن إِسْحَاقَ نَحْوَ هَذِهِ الْقِصَّةَ.

     وَقَالَ  إِنَّ الْأَخْرَمَ لَقَبٌ وَاسْمُهُ مُحْرِزُ بْنُ نَضْلَةَ لَكِنْ وَقَعَ عِنْدَهُ حَبِيبُ بْنُ عُيَيْنَةَ بْنِ حِصْنٍ بَدَلَ عَبْدِ الرَّحْمَنِ فَيُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ كَانَ لَهُ اسْمَانِ .

     قَوْلُهُ  وَجَاءَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَالنَّاسُ فِي رِوَايَةِ مُسْلِمٍ وَأَتَانِي عَمِّي عَامِرُ بْنُ الْأَكْوَعِ بِسَطِيحَةٍ فِيهَا مَاءٌ وَسَطِيحَةٍ فِيهَا لَبَنٌ فَتَوَضَّأْتُ وَشَرِبْتُ ثُمَّ أَتَيْتُ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَهُوَ عَلَى الْمَاءِ الَّذِي أَجْلَيْتُهُمْ عَنْهُ فَإِذَا هُوَ قَدْ أَخَذَ كُلَّ شَيْءٍ اسْتَنْقَذْتُهُ مِنْهُمْ وَنَحَرَ لَهُ بِلَالٌ نَاقَتَهُ .

     قَوْلُهُ  قَدْ حَمَيْتُ الْقَوْمَ الْمَاءَ أَيْ مَنَعْتُهُمْ مِنَ الشُّرْبِ .

     قَوْلُهُ  فَابْعَثْ إِلَيْهِمُ السَّاعَةَ فِي رِوَايَةِ مُسْلِمٍ فَقُلْتُ يَا رَسُولَ اللَّهِ خَلِّنِي أَنْتَخِبُ مِنَ الْقَوْمِ مِائَةَ رَجُلٍ فَأَتَّبِعُهُمْ فَلَا يَبْقَى مِنْهُمْ مُخْبِرٌ قَالَ فَضَحِكَ وَعِنْدَ بن إِسْحَاقَ فَقُلْتُ يَا رَسُولَ اللَّهِ لَوْ سَرَّحْتَنِي فِي مِائَةِ رَجُلٍ لَأَخَذْتُ بِأَعْنَاقِ الْقَوْمِ قَوْله فَقَالَ يَا بن الْأَكْوَعِ مَلَكْتَ فَأَسْجِحْ بِهَمْزَةِ قَطْعٍ وَسِينٍ مُهْمَلَةٍ سَاكِنَةٍ وَجِيمٍ مَكْسُورَةٍ بَعْدَهَا مُهْمَلَةٌ أَيْ سَهِّلْ وَالْمَعْنَى قَدَرْتَ فَاعْفُ وَالسَّجَاحَةُ السُّهُولَةُ زَادَ مَكِّيٌّ فِي رِوَايَتِهِ أَنَّ الْقَوْمَ لَيُقْرَوْنَ فِي قَوْمِهِمْ وَعِنْدَ الْكُشْمِيهَنِيِّ مِنْ قَوْمِهِمْ وَلِمُسْلِمٍ أَنَّهُمْ لَيُقْرَوْنَ فِي أَرْضِ غَطَفَانَ وَيُقْرَوْنَ بِضَمِّ أَوَّلِهِ وَسُكُونِ الْقَافِ وَفَتْحِ الرَّاءِ وَسُكُونِ الْوَاوِ مِنَ الْقِرَى وَهِيَ الضِّيَافَةُ وَلِابْنِ إِسْحَاقَ فَقَالَ إِنَّهُمُ الْآنَ لِيَغْبِقُونِ فِي غَطَفَانَ وَهُوَ بِالْغَيْنِ الْمُعْجَمَةِ السَّاكِنَةِ وَالْمُوَحَّدَةِ الْمَفْتُوحَةِ وَالْقَافِ مِنَ الْغَبُوقِ وَهُوَ شُرْبُ أَوَّلِ اللَّيْلِ وَالْمُرَادُ أَنَّهُمْ فَاتُوا وَأَنَّهُمْ وَصَلُوا إِلَى بِلَادِ قَوْمِهِمْ وَنَزَلُوا عَلَيْهِمْ فَهُمُ الْآنَ يَذْبَحُونَ لَهُمْ وَيُطْعِمُونَهُمْ وَوَقَعَ عِنْدَ مُسْلِمٍ قَالَ فَجَاءَ رَجُلٌ فَقَالَ نَحَرَ لَهُمْ فُلَانٌ جَزُورًا فَلَمَّا كَشَطُوا جِلْدَهَا إِذَا هُمْ بِغَبَرَةٍ فَقَالُوا أَتَاكُمُ الْقَوْمُ فَخَرَجُوا هَارِبِينَ .

     قَوْلُهُ  ثُمَّ رَجَعْنَا إِلَى الْمَدِينَةِ وَيُرْدِفُنِي رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى نَاقَتِهِ حَتَّى دَخَلْنَا الْمَدِينَةَ فِي رِوَايَةِ مُسْلِمٍ ثُمَّ أَرْدَفَنِي رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَرَاءَهُ عَلَى الْعَضْبَاءِ وَذَكَرَ قِصَّةَ الْأَنْصَارِيِّ الَّذِي سَابَقَهُ فَسَبَقَهُ سَلَمَةُ قَالَ فَسَبَقْتُ إِلَى الْمَدِينَةِ فَوَاللَّهِ مَا لَبِثْنَا إِلَّا ثَلَاثَ لَيَالٍ حَتَّى خَرَجْنَا إِلَى خَيْبَرَ وَفِيهِ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ خَيْرُ فُرْسَانِنَا الْيَوْمَ أَبُو قَتَادَةَ وَخَيْرُ رِجَالَتِنَا الْيَوْمَ سَلَمَةُ قَالَ سَلَمَةُ ثُمَّ أَعْطَانِي سَهْمَ الرَّاجِلِ وَالْفَارِسِ جَمِيعًا وَرَوَى الْحَاكِمُ فِي الْإِكْلِيلِ وَالْبَيْهَقِيُّ مِنْ طَرِيقِ عِكْرِمَةَ بْنِ قَتَادَةَ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عِكْرِمَةَ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي قَتَادَةَ حَدَّثَنِي أَبِي عَنْ أَبِيهِ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي قَتَادَةَ أَنَّ أَبَا قَتَادَةَ اشْتَرَى فَرَسَهُ فَلَقِيَهُ مُسْعَدَةُ الْفَزَارِيُّ فَتَقَاوَلَا فَقَالَ أَبُو قَتَادَةَ أَسْأَلُ اللَّهَ أَنْ يُلْقِنِيكَ وَأَنَا عَلَيْهَا قَالَ آمِينَ قَالَ فَبَيْنَمَا هُوَ يَعْلِفُهَا إِذْ قِيلَ أُخِذَتِ اللِّقَاحُ فَرَكِبَهَا حَتَّى هَجَمَ عَلَى الْعَسْكَرِ قَالَ فَطَلَعَ عَلَيَّ فَارِسٌ فَقَالَ لَقَدْ أَلْقَانِيكَ اللَّهُ يَا أَبَا قَتَادَةَ فَذَكَرَ مُصَارَعَتَهُ لَهُ وَظَفَرَهُ بِهِ وَقَتَلَهُ وَهَزَمَ الْمُشْرِكِينَ ثُمَّ لَمْ يَنْشَبِ الْمُسْلِمُونَ أَنْ طَلَعَ عَلَيْهِمْ أَبُو قَتَادَةَ يَحُوشُ اللِّقَاحَ فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَبُو قَتَادَةَ سَيِّدُ الْفُرْسَانِ وَفِي الْحَدِيثِ جَوَازُ الْعَدْوِ الشَّدِيدِ فِي الْغَزْوِ وَالْإِنْذَارُ بِالصِّيَاحِ الْعَالِي وَتَعْرِيفُ الْإِنْسَانِ نَفْسَهُ إِذَا كَانَ شُجَاعًا لِيُرْعِبَ خَصْمَهُ وَاسْتِحْبَابُ الثَّنَاءِ عَلَى الشُّجَاعِ وَمَنْ فِيهِ فَضِيلَةٌ لَا سِيَّمَا عِنْدَ الصُّنْعِ الْجَمِيلِ لِيَسْتَزِيدَ مِنْ ذَلِكَ وَمَحَلُّهُ حَيْثُ يُؤْمَنُ الِافْتِتَانُ وَفِيهِ الْمُسَابَقَةُ عَلَى الْأَقْدَامِ وَلَا خِلَافَ فِي جَوَازِهِ بِغَيْرِ عِوَضٍ.
وَأَمَّا بِالْعِوَضِ فَالصَّحِيحُ لَا يَصِحُّ وَاللَّهُ أعلم