فهرس الكتاب

فتح الباري لابن حجر - باب قوله: {إن الله عنده علم الساعة} [لقمان: 34]

( قَولُهُ بَابُ قَوْلِهِ إِنَّ اللَّهَ عِنْدَهُ عِلْمُ السَّاعَة)
ذكر فِيهِ حَدِيثُ أَبِي هُرَيْرَةَ فِي سُؤَالِ جِبْرِيلَ عَنِ الْإِيمَانِ وَالْإِسْلَامِ وَغَيْرِ ذَلِكَ وَفِيهِ خَمْسٌ لَا يعلمهُنَّ إِلَّا الله وَقد تقد م شَرْحُ الْحَدِيثِ مُسْتَوْفًى فِي كِتَابِ الْإِيمَانِ وَسَيَأْتِي فِي التَّوْحِيدِ شَيْءٌ يَتَعَلَّقُ بِذَلِكَ



[ قــ :4518 ... غــ :4778] .

     قَوْلُهُ  حَدَّثَنِي عُمَرُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ زَيْدٍ أَنَّ أَبَاهُ حَدَّثَهُ أَنَّ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عُمَرَ قَالَ هَكَذَا قَالَ بن وَهْبٍ وَخَالَفَهُ أَبُو عَاصِمٍ فَقَالَ عَنْ عُمَرَ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ زَيْدٍ عَنْ سَالِمٍ عَنِ بن عُمَرَ أَخْرَجَهُ الْإِسْمَاعِيلِيُّ فَإِنْ كَانَ مَحْفُوظًا احْتُمِلَ أَنْ يَكُونَ لِعُمَرَ بْنِ مُحَمَّدٍ فِيهِ شَيْخَانِ أَبُوهُ وَعَمُّ أَبِيهِ .

     قَوْلُهُ  قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَفَاتِيحُ الْغَيْبِ خَمْسٌ ثُمَّ قَرَأَ إِن الله عِنْده علم السَّاعَة هَكَذَا وَقَعَ مُخْتَصَرًا وَفِي رِوَايَةِ أَبِي عَاصِمٍ الْمَذْكُورَةِ مَفَاتِحُ الْغَيْبِ خَمْسٌ لَا يَعْلَمُهُنَّ إِلَّا اللَّهُ إِنَّ اللَّهَ عِنْدَهُ عِلْمُ السَّاعَةِ وَيُنَزِّلُ الْغَيْث يَعْنِي الْآيَةَ كُلَّهَا وَقَدْ تَقَدَّمَ فِي تَفْسِيرِ سُورَةِ الرَّعْدِ وَفِي الِاسْتِسْقَاءِ مِنْ طَرِيقِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ دِينَارٍ عَنِ بن عُمَرَ بِلَفْظِ مَفَاتِحُ الْغَيْبِ خَمْسٌ لَا يَعْلَمُهُنَّ إِلَّا اللَّهُ لَا يَعْلَمُ مَا فِي غَدٍ إِلَّا اللَّهُ الْحَدِيثُ هَذَا السِّيَاقُ فِي الْخَمْسِ وَفِي تَفْسِيرِ الْأَنْعَامِ مِنْ طَرِيقِ الزُّهْرِيِّ عَنْ سَالِمٍ عَنْ أَبِيهِ بِلَفْظِ مَفَاتِحُ الْغَيْبِ خَمْسٌ إِن الله عِنْده علم السَّاعَة إِلَى آخِرِ السُّورَةِ وَأَخْرَجَهُ الطَّيَالِسِيُّ فِي مُسْنَدِهِ عَنْ إِبْرَاهِيمَ بْنِ سَعْدٍ عَنِ الزُّهْرِيِّ بِلَفْظِ أُوتِيَ نَبِيُّكُمْ مَفَاتِحَ الْغَيْبِ إِلَّا الْخَمْسَ ثُمَّ تَلَا الْآيَةَ وَأَظُنُّهُ دَخَلَ لَهُ مَتْنٌ فِي متن فَإِن هَذَا اللَّفْظ أخرجه بن مَرْدَوَيْهِ مِنْ طَرِيقِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ سَلَمَةَ عَن بن مَسْعُودٍ نَحْوَهُ.

     وَقَالَ  الشَّيْخُ أَبُو مُحَمَّدِ بْنِ أَبِي جَمْرَةَ عَبَّرَ بِالْمَفَاتِحِ لِتَقْرِيبِ الْأَمْرِ عَلَى السَّامِعِ لِأَنَّ كُلَّ شَيْءٍ جُعِلَ بَيْنَكَ وَبَيْنَهُ حِجَابٌ فَقَدْ غُيِّبَ عَنْكَ وَالتَّوَصُّلُ إِلَى مَعْرِفَتِهِ فِي الْعَادَةِ مِنَ الْبَابِ فَإِذَا أُغْلِقَ الْبَابُ احْتِيجَ إِلَى الْمِفْتَاحِ فَإِذَا كَانَ الشَّيْءُ الَّذِي لَا يَطَّلِعُ عَلَى الْغَيْبِ إِلَّا بِتَوْصِيلِهِ لَا يَعْرِفُ مَوْضِعَهُ فَكَيْفَ يَعْرِفُ الْمَغِيبَ انْتَهَى مُلَخَّصًا وروى أَحْمد وَالْبَزَّار وَصَححهُ بن حِبَّانَ وَالْحَاكِمُ مِنْ حَدِيثِ بُرَيْدَةَ رَفَعَهُ قَالَ خَمْسٌ لَا يَعْلَمُهُنَّ إِلَّا اللَّهُ إِنَّ اللَّهَ عِنْدَهُ علم السَّاعَة الْآيَةَ وَقَدْ تَقَدَّمَ فِي كِتَابِ الْإِيمَانِ بَيَانُ جِهَةِ الْحَصْرِ فِي قَوْلِهِ لَا يَعْلَمُهُنَّ إِلَّا اللَّهُ وَيُرَادُ هُنَا أَنَّ ذَلِكَ يُمْكِنُ أَنْ يُسْتَفَادَ مِنَ الْآيَةِ الْأُخْرَى وَهِيَ .

     قَوْلُهُ  تَعَالَى قُلْ لَا يَعْلَمُ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ الْغَيْب إِلَّا الله فَالْمُرَادُ بِالْغَيْبِ الْمَنْفِيِّ فِيهَا هُوَ الْمَذْكُورُ فِي هَذِهِ الْآيَةِ الَّتِي فِي لُقْمَانَ.
وَأَمَّا .

     قَوْلُهُ  تَعَالَى عَالِمُ الْغَيْبِ فَلَا يُظْهِرُ عَلَى غَيْبِهِ أَحَدًا إِلَّا مَنِ ارْتَضَى مِنْ رَسُولٍ الْآيَةَ فَيُمْكِنُ أَنْ يُفَسَّرَ بِمَا فِي حَدِيثِ الطَّيَالِسِيِّ.
وَأَمَّا مَا ثَبَتَ بِنَصِّ الْقُرْآنِ أَنَّ عِيسَى عَلَيْهِ السَّلَامُ قَالَ إِنَّهُ يُخْبِرُهُمْ بِمَا يَأْكُلُونَ وَمَا يَدَّخِرُونَ وَأَنَّ يُوسُفَ قَالَ إِنَّهُ يُنَبِّئُهُمْ بِتَأْوِيلِ الطَّعَامِ قَبْلَ أَنْ يَأْتِيَ إِلَى غَيْرِ ذَلِكَ مِمَّا ظَهَرَ مِنَ الْمُعْجِزَاتِ وَالْكَرَامَاتِ فَكُلُّ ذَلِكَ يُمْكِنُ أَنْ يُسْتَفَادَ مِنَ الِاسْتِثْنَاءِ فِي قَوْلِهِ إِلَّا مَنِ ارْتَضَى مِنْ رَسُولٍ فَإِنَّهُ يَقْتَضِي اطِّلَاعَ الرَّسُولِ عَلَى بَعْضِ الْغَيْبِ وَالْوَلِيُّ التَّابِعُ لِلرَّسُولِ عَنِ الرَّسُولِ يَأْخُذُ وَبِهِ يُكَرَّمُ وَالْفَرْقُ بَيْنَهُمَا أَنَّ الرَّسُولَ يَطَّلِعُ عَلَى ذَلِكَ بِأَنْوَاعِ الْوَحْيِ كُلِّهَا وَالْوَلِيُّ لَا يَطَّلِعُ عَلَى ذَلِكَ إِلَّا بِمَنَامٍ أَوْ إِلْهَامٍ وَاللَّهُ اعْلَم وَنقل بن التِّينِ عَنِ الدَّاوُدِيِّ أَنَّهُ أَنْكَرَ عَلَى الطَّبَرِيِّ دَعْوَاهُ أَنَّهُ بَقِيَ مِنَ الدُّنْيَا مِنْ هِجْرَةِ الْمُصْطَفَى نِصْفُ يَوْمٍ وَهُوَ خَمْسُمِائَةِ عَامٍ قَالَ وَتَقُومُ السَّاعَةُ وَيَعُودُ الْأَمْرُ إِلَى مَا كَانَ عَلَيْهِ قَبْلَ أَنْ يَكُونَ شَيْءٌ غَيْرَ الْبَارِي تَعَالَى فَلَا يَبْقَى غَيْرُ وَجْهِهِ فَرَدَّ عَلَيْهِ بِأَنَّ وَقْتَ السَّاعَةِ لَا يَعْلَمُهَا إِلَّا اللَّهُ فَالَّذِي قَالَهُ مُخَالِفٌ لِصَرِيحِ الْقُرْآنِ وَالْحَدِيثِ ثُمَّ تَعَقَّبَهُ مِنْ جِهَةٍ أُخْرَى وَذَلِكَ أَنَّهُ تَوَهَّمَ مِنْ كَلَامِهِ أَنَّهُ يُنْكِرُ الْبَعْثَ فَأَقْدَمَ عَلَى تَفْكِيرِهِ وَزَعَمَ أَنَّ كَلَامَهُ لَا يَحْتَمِلُ تَأْوِيلًا وَلَيْسَ كَمَا قَالَ بَلْ مُرَادُ الطَّبَرِيِّ أَنَّهُ يَصِيرُ الْأَمْرُ أَيْ بَعْدَ فَنَاءِ الْمَخْلُوقَاتِ كُلِّهَا عَلَى مَا كَانَ عَلَيْهِ أَوَّلًا ثُمَّ يَقَعُ الْبَعْثُ وَالْحِسَابُ هَذَا الَّذِي يَجِبُ حَمْلُ كَلَامِهِ عَلَيْهِ وَأما إِنْكَارُهُ عَلَيْهِ اسْتِخْرَاجَ وَقْتِ السَّاعَةِ فَهُوَ مَعْذُورٌ فِيهِ وَيَكْفِي فِي الرَّدِّ عَلَيْهِ أَنَّ الْأَمْرَ وَقع بِخِلَاف مَا قَالَ قد مَضَتْ خَمْسُمِائَةٍ ثُمَّ ثَلَاثُمِائَةٍ وَزِيَادَةٌ لَكِنَّ الطَّبَرِيَّ تَمَسَّكَ بِحَدِيثِ أَبِي ثَعْلَبَةَ رَفَعَهُ لَنْ يَعْجِزَ هَذِهِ الْأُمَّةَ أَنْ يُؤَخِّرَهَا اللَّهُ نِصْفَ يَوْمٍ الْحَدِيثَ أَخْرَجَهُ أَبُو دَاوُدَ وَغَيْرُهُ لَكِنَّهُ لَيْسَ صَرِيحًا فِي أَنَّهَا لَا تُؤَخَّرُ أَكْثَرُ مِنْ ذَلِكَ وَاللَّهُ أَعْلَمُ وَسَيَأْتِي مَا يَتَعَلَّقُ بِقَدْرِ مَا بَقِيَ مِنَ الدُّنْيَا فِي كِتَابِ الْفِتَنِ إِنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى