فهرس الكتاب

فتح الباري لابن حجر - باب قوله: {لا تدخلوا بيوت النبي إلا أن يؤذن لكم إلى طعام غير ناظرين إناه ولكن إذا دعيتم فادخلوا فإذا طعمتم فانتشروا ولا مستأنسين لحديث إن ذلكم كان يؤذي النبي فيستحيي منكم والله لا يستحيي من الحق وإذا سألتموهن متاعا فاسألوهن من وراء حجاب ذلكم أطهر لقلوبكم وقلوبهن وما كان لكم أن تؤذوا رسول الله ولا أن تنكحوا أزواجه من بعده أبدا إن ذلكم كان عند الله عظيما} [الأحزاب: 53] "

( قَولُهُ بَابُ قَوْلِهِ لَا تَدْخُلُوا بُيُوتَ النَّبِيِّ إِلَّا أَنْ يُؤْذَنَ لكم إِلَى طَعَام)
إِلَى قَوْلِهِ إِنَّ ذَلِكُمْ كَانَ عِنْدَ اللَّهِ عَظِيما كَذَا لِأَبِي ذَرٍّ وَالنَّسَفِيِّ وَسَاقَ غَيْرُهُمَا الْآيَةَ كُلَّهَا .

     قَوْلُهُ  يُقَالُ إِنَاهُ إِدْرَاكَهُ أَنَى يَأْنِي أَنَاةً فَهُوَ آنٍ أَنَى بِفَتْحِ الْأَلِفِ وَالنُّونِ مَقْصُور وَيَأْتِي بِكَسْرِ النُّونِ وَأَنَاةً بِفَتْحِ الْهَمْزَةِ وَالنُّونِ مُخَفَّفًا وَآخِرُهُ هَاءُ تَأْنِيثٍ بِغَيْرِ مَدٍّ مَصْدَرٌ قَالَ أَبُو عُبَيْدَةَ فِي قَوْلِهِ إِلَى طَعَامٍ غَيْرَ ناظرين أناه أَيْ إِدْرَاكَهُ وَبُلُوغَهُ وَيُقَالُ أَنَى يَأْنِي أَنْيًا أَيْ بَلَغَ وَأَدْرَكَ قَالَ الشَّاعِرُ تَمَحَّضَتِ الْمَنُونُ لَهُ بِنَوْمٍ أَنَى وَلِكُلِّ حَامِلَةٍ تَمَامُ وَقَولُهُ أَنْيًا بِفَتْحِ الْهَمْزَةِ وَسُكُونِ النُّونِ مَصْدَرٌ أَيْضًا وَقَرَأَ الْأَعْمَشُ وَحْدَهُ آنَاهُ بِمَدِّ أَوَّلِهِ بِصِيغَةِ الْجَمْعِ مِثْلَ آنَاءِ اللَّيْلِ وَلَكِنْ بِغَيْرِ هَمْزٍ فِي آخِرِهِ .

     قَوْلُهُ  لَعَلَّ السَّاعَةَ تَكُونُ قَرِيبًا إِذَا وَصَفْتَ صِفَةَ الْمُؤَنَّثِ قُلْتَ قَرِيبَةٌ وَإِذَا جَعَلْتَهُ ظَرْفًا وَبَدَلًا وَلَمْ تُرِدِ الصِّفَةَ نَزَعْتَ الْهَاءَ مِنَ الْمُؤَنَّثِ وَكَذَلِكَ لَفْظُهَا فِي الْوَاحِدِ وَالِاثْنَيْنِ وَالْجَمْعِ الْمُذَكَّرِ وَالْأُنْثَى هَكَذَا وَقَعَ هَذَا الْكَلَامُ هُنَا لِأَبِي ذَرٍّ وَالنَّسَفِيِّ وَسَقَطَ لِغَيْرِهِمَا وَهُوَ أَوْجَهُ لِأَنَّهُ وَإِنِ اتَّجَهَ ذِكْرُهُ فِي هَذِهِ السُّورَةِ لَكِنْ لَيْسَ هَذَا مَحَلُّهُ وَقَدْ قَالَ أَبُو عُبَيْدَةَ فِي قَوْلِهِ تَعَالَى وَمَا يُدْرِيكَ لَعَلَّ السَّاعَةَ تَكُونُ قَرِيبًا مجازه مجَاز الظّرْف هَا هُنَا وَلَوْ كَانَ وَصْفًا لِلسَّاعَةِ لَكَانَ قَرِيبَةٌ وَإِذَا كَانَتْ ظَرْفًا فَإِنَّ لَفْظَهَا فِي الْوَاحِدِ وَفِي الِاثْنَيْنِ وَالْجَمْعِ مِنَ الْمُذَكَّرِ وَالْمُؤَنَّثِ وَاحِدٌ بِغَيْرِ هَاءٍ وَبِغَيْرِ جَمْعٍ وَبِغَيْرِ تَثْنِيَةٍ وَجَوَّزَ غَيْرُهُ أَنْ يَكُونَ الْمُرَادُ بِالسَّاعَةِ الْيَوْمَ فَلِذَلِكَ ذَكَرَهُ أَوِ الْمُرَادُ شَيْئًا قَرِيبًا أَوْ زَمَانًا قَرِيبًا أَوِ التَّقْدِيرُ قِيَامُ السَّاعَةِ فَحُذِفَ قِيَامُ وَرُوعِيَتِ السَّاعَةُ فِي تَأْنِيثِ تَكُونُ وَرُوعِيَ الْمُضَافُ الْمَحْذُوفُ فِي تَذْكِيرِ قَرِيبًا وَقِيلَ قَرِيبًا كَثُرَ اسْتِعْمَالُهُ اسْتِعْمَالَ الظُّرُوفِ فَهُوَ ظَرْفٌ فِي مَوْضِعِ الْخَبَرِ ثُمَّ ذَكَرَ الْمُصَنِّفُ فِي البَابِ ثَلَاثَةَ أَحَادِيثَ أَحَدُهَا حَدِيثُ أَنَسٍ عَنْ عُمَرَ قَالَ.

قُلْتُ يَا رَسُولَ اللَّهِ يَدْخُلُ عَلَيْكَ الْبَرُّ وَالْفَاجِرُ فَلَوْ أَمَرْتَ أُمَّهَاتِ الْمُؤْمِنِينَ بِالْحِجَابِ فَأَنْزَلَ اللَّهُ آيَةَ الْحِجَابِ وَهُوَ طَرَفٌ مِنْ حَدِيثٍ أَوَّلُهُ وَافَقْتُ رَبِّي فِي ثَلَاثٍ وَقَدْ تَقَدَّمَ بِتَمَامِهِ فِي أَوَائِلِ الصَّلَاةِ وَفِي تَفْسِيرِ الْبَقَرَةِ ثَانِيهَا حَدِيثُ أَنَسٍ فِي قِصَّةِ بِنَاءِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِزَيْنَبَ بِنْتِ جَحْشٍ وَنُزُولِ آيَةِ الْحِجَابِ أَوْرَدَهُ مِنْ أَرْبَعَةِ طُرُقٍ عَنْ أَنَسٍ بَعْضُهَا أَتَمُّ مِنْ بَعْضٍ وَقَولُهُ لَمَّا أُهْدِيَتْ أَيْ لَمَّا زَيَّنَتْهَا الْمَاشِطَةُ وَزُفَّتْ إِلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَزَعَمَ الصَّغَانِيُّ أَنَّ الصَّوَابَ هُدِيَتْ بِغَيْرِ أَلِفٍ لَكِنَّ تَوَارُدَ النُّسَخِ عَلَى إِثْبَاتِهَا يَرُدُّ عَلَيْهِ وَلَا مَانِعَ مِنَ اسْتِعْمَالِ الْهَدِيَّةِ فِي هَذَا اسْتِعَارَةً



[ قــ :4531 ... غــ :4791] .

     قَوْلُهُ  لَمَّا تَزَوَّجَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ زَيْنَبَ بِنْتِ جَحْشٍ دَعَا الْقَوْمَ فَطَعِمُوا فِي رِوَايَةِ الزُّهْرِيِّ عَنْ أَنَسٍ كَمَا سَيَأْتِي فِي الِاسْتِئْذَانِ قَالَ أَنَا أَعْلَمُ النَّاسِ بِشَأْنِ الْحِجَابِ وَكَانَ فِي مُبْتَنَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِزَيْنَبَ بِنْتِ جَحْشٍ أَصْبَحَ بِهَا عَرُوسًا فَدَعَا الْقَوْمَ وَفِي رِوَايَةِ أَبِي قِلَابَةَ عَنْ أَنَسٍ قَالَ أَنَا أَعْلَمُ النَّاسِ بِهَذِهِ الْآيَةِ آيَةِ الْحِجَابِ لَمَّا أُهْدِيَتْ زَيْنَبُ بِنْتُ جَحْشٍ إِلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ صَنَعَ طَعَامًا وَفِي رِوَايَةِ عَبْدِ الْعَزِيزِ بْنِ صُهَيْبٍ عَنْ أَنَسٍ أَنَّهُ كَانَ الدَّاعِي إِلَى الطَّعَامِ قَالَ فَيَجِيءُ قَوْمٌ فَيَأْكُلُونَ وَيَخْرُجُونَ ثُمَّ يَجِيءُ قَوْمٌ فَيَأْكُلُونَ وَيَخْرُجُونَ قَالَ فَدَعَوْتُ حَتَّى مَا أَجِدُ أَحَدًا وَفِي رِوَايَةِ حُمَيْدٍ فَأَشْبَعَ الْمُسْلِمِينَ خُبْزًا وَلَحْمًا وَوَقَعَ فِي رِوَايَةِ الْجَعْدِ بن عُثْمَان عَن أنس عندمسلم وَعَلَّقَهُ الْبُخَارِيُّ قَالَ تَزَوَّجَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَدَخَلَ بِأَهْلِهِ فَصَنَعَتْ لَهُ أُمُّ سَلِيمٍ حَيْسًا فَذَهَبْتُ بِهِ إِلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ ادْعُ لِي فُلَانًا وَفُلَانًا وَذَهَبْتُ فَدَعَوْتُهُمْ زُهَاءَ ثَلَاثِمِائَةِ رَجُلٍ فَذَكَرَ الْحَدِيثَ فِي إِشْبَاعِهِمْ مِنْ ذَلِكَ وَقَدْ تَقَدَّمَتِ الْإِشَارَةُ إِلَيْهِ فِي عَلَامَاتِ النُّبُوَّةِ وَيُجْمَعُ بَيْنَهُ وَبَيْنَ رِوَايَةِ حُمَيْدٍ بِأَنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسلم أَو لم عَلَيْهِ بِاللَّحْمِ وَالْخُبْزِ وَأَرْسَلَتْ إِلَيْهِ أُمُّ سَلِيمٍ الْحَيْسَ وَفِي رِوَايَةِ سُلَيْمَانَ بْنِ الْمُغِيرَةِ عَنْ ثَابِتٍ عَنْ أَنَسٍ لَقَدْ رَأَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَطْعَمَنَا عَلَيْهَا الْخُبْزَ وَاللَّحْمَ حَتَّى امْتَدَّ النَّهَارُ الْحَدِيثُ أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ .

     قَوْلُهُ .

قُلْتُ يَا رَسُولَ اللَّهِ وَاللَّهِ مَا أَجِدُ أَحَدًا قَالَ فَارْفَعُوا طَعَامَكُمْ زَادَ الْإِسْمَاعِيلِيُّ مِنْ طَرِيقِ جَعْفَرِ بْنِ مِهْرَانَ عَنْ عَبْدِ الْوَارِثِ فِيهِ قَالَ وَزَيْنَبُ جَالِسَةٌ فِي جَانِبِ الْبَيْتِ قَالَ وَكَانَتِ امْرَأَةٌ قَدْ أُعْطِيَتْ جَمَالًا وَبَقِيَ فِي الْبَيْتِ ثَلَاثَةٌ .

     قَوْلُهُ  ثُمَّ جَلَسُوا يَتَحَدَّثُونَ فِي رِوَايَةِ أَبِي قِلَابَةَ فَجَعَلَ يَخْرُجُ ثُمَّ يَرْجِعُ وَهُمْ قُعُودٌ يَتَحَدَّثُونَ .

     قَوْلُهُ  وَإِذَا هُوَ كَأَنَّهُ يَتَهَيَّأُ لِلْقِيَامِ فَلَمْ يَقُومُوا فَلَمَّا رَأَى ذَلِكَ قَامَ فَلَمَّا قَامَ قَامَ مَنْ قَامَ وَقَعَدَ ثَلَاثَةُ نَفَرٍ فِي رِوَايَةِ عَبْدِ الْعَزِيزِ وَبَقِيَ ثَلَاثَةُ رَهْطٍ وَفِي رِوَايَةِ حُمَيْدٍ فَلَمَّا رَجَعَ إِلَى بَيْتِهِ رَأَى رَجُلَيْنِ وَوَافَقَهُ بَيَانُ بْنُ عَمْرٍو عَنْ أَنَسٍ عِنْدَ التِّرْمِذِيِّ وَأَصْلُهُ عِنْدَ الْمُصَنِّفِ أَيْضًا وَيُجْمَعُ بَيْنَ الرِّوَايَتَيْنِ بِأَنَّهُمْ أَوَّلُ مَا قَامَ وَخَرَجَ مِنَ الْبَيْتِ كَانُوا ثَلَاثَةً وَفِي آخِرِ مَا رَجَعَ تَوَجَّهَ وَاحِدٌ مِنْهُمْ فِي أَثْنَاءِ ذَلِكَ فَصَارُوا اثْنَيْنِ وَهَذَا أولى من جزم بن التِّينِ بِأَنَّ إِحْدَى الرِّوَايَتَيْنِ وَهْمٌ وَجَوَّزَ الْكِرْمَانِيُّ أَنْ يَكُونَ التَّحْدِيثُ وَقَعَ مِنَ اثْنَيْنِ مِنْهُمْ فَقَطْ وَالثَّالِثُ كَانَ سَاكِتًا فَمَنْ ذَكَرَ الثَّلَاثَةَ لَحَظَ الْأَشْخَاصَ وَمَنْ ذَكَرَ الِاثْنَيْنِ لَحَظَ سَبَبَ الْعُقُودِ وَلَمْ أَقِفْ عَلَى تَسْمِيَةِ أَحَدٍ مِنْهُمْ قَوْله فَانْطَلَقت فَجئْت فَأخْبرت النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُمُ انْطَلَقُوا هَكَذَا وَقَعَ الْجَزْمُ فِي هَذِهِ الرِّوَايَةِ بِأَنَّهُ الَّذِي أَخْبَرَ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِخُرُوجِهِمْ وَكَذَا فِي رِوَايَةِ الْجَعْدِ الْمَذْكُورَةِ وَاتَّفَقَتْ رِوَايَةُ عَبْدِ الْعَزِيزِ وَحُمَيْدٍ عَلَى أَنَّ أَنَسًا كَانَ يَشُكُّ فِي ذَلِكَ وَلَفْظُ حميد فَلَا أَدْرِي أَنا أَخْبَرْتُهُ بِخُرُوجِهِمَا أَمْ أُخْبِرَ وَفِي رِوَايَةِ عَبْدِ الْعَزِيزِ عَنْ أَنَسٍ فَمَا أَدْرِي أَخْبَرْتُهُ أَوْ أُخْبِرَ وَهُوَ مَبْنِيٌّ لِلْمَجْهُولِ أَيْ أُخْبِرَ بِالْوَحْيِ وَهَذَا الشَّكُّ قَرِيبٌ مِنْ شَكِّ أَنَسٍ فِي تَسْمِيَةِ الرَّجُلِ الَّذِي سَأَلَ الدُّعَاءَ بِالِاسْتِسْقَاءِ فَإِنَّ بَعْضَ أَصْحَابِ أَنَسٍ جَزَمَ عَنْهُ بِأَنَّهُ الرَّجُلُ الْأَوَّلُ وَبَعْضُهُمْ ذَكَرَ أَنَّهُ سَأَلَهُ عَنْ ذَلِكَ فَقَالَ لَا أَدْرِي كَمَا تَقَدَّمَ فِي مَكَانِهِ وَهُوَ مَحْمُولٌ عَلَى أَنَّهُ كَانَ يَذْكُرُهُ ثُمَّ عَرَضَ لَهُ الشَّكُّ فَكَانَ يَشُكُّ فِيهِ ثُمَّ تَذَكَّرَ فَجَزَمَ .

     قَوْلُهُ  فَذَهَبْتُ أَدْخُلُ فَأَلْقَى الْحِجَابَ بَيْنِي وَبَيْنَهُ فَأَنْزَلَ اللَّهُ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَدْخُلُوا بُيُوتَ النَّبِي الْآيَةَ زَادَ أَبُو قِلَابَةَ فِي رِوَايَتِهِ إِلَّا أَن يُؤذن لكم إِلَى قَوْله من وَرَاء حجاب فَضُرِبَ الْحِجَابُ وَفِي رِوَايَةِ عَبْدِ الْعَزِيزِ حَتَّى إِذَا وَضَعَ رِجْلَهُ فِي أُسْكُفَّةِ الْبَابِ دَاخِلَةً وَالْأُخْرَى خَارِجَةً أَرْخَى السِّتْرَ بَيْنِي وَبَيْنَهُ وَأُنْزِلَتْ آيَةُ الْحِجَابِ وَعِنْدَ التِّرْمِذِيِّ مِنْ رِوَايَةِ عَمْرِو بْنِ سَعِيدٍ عَنْ أَنَسٍ فَلَمَّا أَرْخَى السِّتْرَ دُونِي ذَكَرْتُ ذَلِكَ لِأَبِي طَلْحَةَ فَقَالَ إِنْ كَانَ كَمَا تَقُولُ لَيَنْزِلَنَّ فِيهِ قُرْآنٌ فَنَزَلَتْ آيَةُ الْحِجَابِ .

     قَوْلُهُ  فِي رِوَايَةِ عَبْدِ الْعَزِيزِ





[ قــ :4533 ... غــ :4793] فَخَرَجَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَانْطَلَقَ إِلَى حُجْرَةِ عَائِشَةَ فَقَالَ السَّلَامُ عَلَيْكُمْ فِي رِوَايَةِ حُمَيْدٍ ثُمَّ خَرَجَ إِلَى أُمَّهَاتِ الْمُؤْمِنِينَ كَمَا كَانَ يَصْنَعُ صَبِيحَةَ بِنَائِهِ فَيُسَلِّمُ عَلَيْهِنَّ وَيُسَلِّمْنَ عَلَيْهِ وَيَدْعُو لَهُنَّ وَيَدْعُونَ لَهُ وَفِي رِوَايَةِ عَبْدِ الْعَزِيزِ أَنَّهُنَّ قُلْنَ لَهُ كَيْفَ وَجَدْتَ أَهْلَكَ بَارَكَ اللَّهُ لَكَ .

     قَوْلُهُ  فَتَقَرَّى بِفَتْحِ الْقَافِ وَتَشْدِيدِ الرَّاءِ بِصِيغَةِ الْفِعْلِ الْمَاضِي أَيْ تَتَبَّعَ الْحُجُرَاتِ وَاحِدَةً وَاحِدَةً يُقَالُ مِنْهُ قَرَيْتُ الْأَرْضَ إِذَا تَتَبَّعْتُهَا أَرْضًا بَعْدَ أَرْضٍ وَنَاسًا بَعْدَ نَاسٍ .

     قَوْلُهُ  وَكَانَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ شَدِيدَ الْحَيَاءِ فَخَرَجَ مُنْطَلِقًا نَحْوَ حُجْرَةِ عَائِشَةَ فِي رِوَايَةِ حُمَيْدٍ رَأَى رَجُلَيْنِ جَرَى بِهِمَا الْحَدِيثُ فَلَمَّا رَآهُمَا رَجَعَ عَنْ بَيْتِهِ فَلَمَّا رَأَى الرَّجُلَانِ نَبِيَّ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ رَجَعَ عَنْ بَيْتِهِ وَثَبَا مُسْرِعَيْنِ وَمُحَصِّلُ الْقِصَّةِ أَنَّ الَّذِينَ حَضَرُوا الْوَلِيمَة جَلَسُوا يتحدثون واستحيي النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنْ يَأْمُرَهُمْ بِالْخُرُوجِ فَتَهَيَّأَ لِلْقِيَامِ لِيَفْطِنُوا لِمُرَادِهِ فَيَقُومُوا بِقِيَامِهِ فَلَمَّا أَلْهَاهُمُ الْحَدِيثُ عَنْ ذَلِكَ قَامَ وَخَرَجَ فَخَرَجُوا بِخُرُوجِهِ إِلَّا الثَّلَاثَةُ الَّذِينَ لَمْ يَفْطِنُوا لِذَلِكَ لِشِدَّةِ شُغْلِ بَالِهِمْ بِمَا كَانُوا فِيهِ مِنَ الْحَدِيثِ وَفِي غُضُونِ ذَلِكَ كَانَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُرِيدُ أَنْ يَقُومُوا مِنْ غَيْرِ مُوَاجَهَتِهِمْ بِالْأَمْرِ بِالْخُرُوجِ لِشِدَّةِ حَيَائِهِ فَيُطِيلُ الْغَيْبَةَ عَنْهُمْ بِالتَّشَاغُلِ بِالسَّلَامِ عَلَى نِسَائِهِ وَهُمْ فِي شُغْلِ بَالِهِمْ وَكَانَ أَحَدُهُمْ فِي أَثْنَاءِ ذَلِكَ أَفَاقَ مِنْ غَفْلَتِهِ فَخَرَجَ وَبَقِيَ الِاثْنَانِ فَلَمَّا طَالَ ذَلِكَ وَوَصَلَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِلَى مَنْزِلِهِ فَرَآهُمَا فَرَجَعَ فَرَأَيَاهُ لَمَّا رَجَعَ فَحِينَئِذٍ فَطِنَا فَخَرَجَا فَدَخَلَ النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَأُنْزِلَتِ الْآيَةُ فَأَرْخَى السِّتْرَ بَيْنَهُ وَبَيْنَ أَنَسٍ خَادِمِهِ أَيْضًا وَلَمْ يَكُنْ لَهُ عَهْدٌ بِذَلِكَ تَنْبِيهٌ ظَاهِرُ الرِّوَايَةِ الثَّانِيَةِ أَنَّ الْآيَةَ نَزَلَتْ قبل قيام الْقَوْم وَا لأولى وَغَيْرُهَا أَنَّهَا نَزَلَتْ بَعْدُ فَيُجْمَعُ بِأَنَّ الْمُرَادَ أَنَّهَا نَزَلَتْ حَالَ قِيَامِهِمْ أَيْ أَنْزَلَهَا اللَّهُ وَقَدْ قَامُوا وَوَقَعَ فِي رِوَايَةِ الْجَعْدِ فَرَجَعَ فَدَخَلَ الْبَيْتَ وَأَرْخَى السِّتْرَ وَإِنِّي لَفِي الْحُجْرَةِ وَهُوَ يَقُولُ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَدْخُلُوا بُيُوتَ النَّبِي إِلَى قَوْله من الْحق وَفِي الْحَدِيثِ مِنَ الْفَوَائِدِ مَشْرُوعِيَّةُ الْحِجَابِ لِأُمَّهَاتِ الْمُؤْمِنِينَ قَالَ عِيَاضٌ فَرْضُ الْحِجَابِ مِمَّا اخْتَصَصْنَ بِهِ فَهُوَ فُرِضَ عَلَيْهِنَّ بِلَا خِلَافٍ فِي الْوَجْهِ وَالْكَفَّيْنِ فَلَا يَجُوزُ لَهُنَّ كَشْفُ ذَلِكَ فِي شَهَادَةٍ وَلَا غَيْرِهَا وَلَا إِظْهَارُ شُخُوصِهِنَّ وَإِنْ كُنَّ مُسْتَتِرَاتٍ إِلَّا مَا دَعَتْ إِلَيْهِ ضَرُورَةٌ مِنْ بِرَازٍ ثُمَّ اسْتَدَلَّ بِمَا فِي الْمُوَطَّأِ أَنَّ حَفْصَةَ لَمَّا تُوُفِّيَ عُمَرُ سَتَرَهَا النِّسَاءُ عَنْ أَنْ يُرَى شَخْصُهَا وَأَنَّ زَيْنَبَ بِنْتَ جَحْشٍ جُعِلَتْ لَهَا الْقُبَّةُ فَوْقَ نَعْشِهَا لِيُسْتَرَ شَخْصُهَا انْتَهَى وَلَيْسَ فِيمَا ذَكَرَهُ دَلِيلٌ عَلَى مَا ادَّعَاهُ مِنْ فَرْضِ ذَلِكَ عَلَيْهِنَّ وَقَدْ كُنَّ بَعْدَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَحْجُجْنَ وَيَطُفْنَ وَكَانَ الصَّحَابَةُ وَمَنْ بَعْدَهُمْ يَسْمَعُونَ مِنْهُنَّ الْحَدِيثَ وَهُنَّ مُسْتَتِرَاتِ الْأَبَدَانِ لَا الْأَشْخَاص وَقد تقدم فِي الْحَج قَول بن جُرَيْجٍ لِعَطَاءٍ لَمَّا ذَكَرَ لَهُ طَوَافَ عَائِشَةَ أَقَبْلَ الْحِجَابُ أَوْ بَعْدَهُ قَالَ قَدْ أَدْرَكْتُ ذَلِك بعد الْحِجَابِ وَسَيَأْتِي فِي آخِرِ الْحَدِيثِ الَّذِي يَلِيهِ مزِيد بَيَان لذَلِك





[ قــ :4534 ... غــ :4794] قَوْله.

     وَقَالَ  بن أَبِي مَرْيَمَ أَنْبَأَنَا يَحْيَى حَدَّثَنِي حُمَيْدٌ سَمِعْتُ أَنَسًا مُرَادُهُ بِذَلِكَ أَنَّ عَنْعَنَةَ حُمَيْدٍ فِي هَذَا الْحَدِيثِ غَيْرِ مُؤَثِّرَةٍ لِأَنَّهُ وَرَدَ عَنْهُ التَّصْرِيح بِالسَّمَاعِ لهَذَا الحَدِيث مِنْهُ وَيحيى الْمَذْكُور هُوَ بن أَيُّوب الغافقي الْمصْرِيّ وبن أَبِي مَرْيَمَ مِنْ شُيُوخِ الْبُخَارِيِّ وَاسْمُهُ سَعِيدُ بْنُ الْحَكَمِ وَوَقَعَ فِي بَعْضِ النُّسَخِ مِنْ رِوَايَةِ أَبِي ذَرٍّ.

     وَقَالَ  إِبْرَاهِيمُ بْنُ أَبِي مَرْيَمَ وَهُوَ تَغْيِيرٌ فَاحِشٌ وَإِنَّمَا هُوَ سَعِيدٌ الْحَدِيثُ الثَّالِثُ حَدِيثُ عَائِشَةَ خَرَجَتْ سَوْدَةُ أَيْ بنت زَمعَة أم الْمُؤمنِينَ بعد مَا ضُرِبَ الْحِجَابُ لِحَاجَتِهَا وَقَدْ تَقَدَّمَ فِي كِتَابِ الطَّهَارَةِ مِنْ طَرِيقِ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ عَنْ أَبِيهِ مَا يُخَالِفُ ظَاهِرُهُ رِوَايَةَ الزُّهْرِيِّ هَذِهِ عَنْ عُرْوَةَ قَالَ الْكِرْمَانِيُّ فَإِنْ.

قُلْتُ وَقَعَ هُنَا أَنه كَانَ بعد مَا ضُرِبَ الْحِجَابُ وَتَقَدَّمَ فِي الْوُضُوءِ أَنَّهُ كَانَ قَبْلَ الْحِجَابِ فَالْجَوَابُ لَعَلَّهُ وَقَعَ مَرَّتَيْنِ.

قُلْتُ بَلِ الْمُرَادُ بِالْحِجَابِ الْأَوَّلِ غَيْرُ الْحِجَابِ الثَّانِي وَالْحَاصِلُ أَنَّ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ وَقَعَ فِي قَلْبِهِ نُفْرَةٌ مِنَ اطِّلَاعِ الْأَجَانِبِ عَلَى الْحَرِيم النَّبَوِيّ حَتَّى صرح يَقُوله لَهُ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ احْجُبْ نِسَاءَكَ وَأَكَّدَ ذَلِكَ إِلَى أَنْ نَزَلَتْ آيَةُ الْحِجَابِ ثُمَّ قَصَدَ بَعْدَ ذَلِكَ أَنْ لَا يُبْدِينَ أَشْخَاصَهُنَّ أَصْلًا وَلَوْ كُنَّ مُسْتَتِرَاتٍ فَبَالَغَ فِي ذَلِكَ فَمَنَعَ مِنْهُ وَأَذِنَ لَهُنَّ فِي الْخُرُوجِ لِحَاجَتِهِنَّ دَفْعًا لِلْمَشَقَّةِ وَرَفْعًا لِلْحَرَجِ وَقَدِ اعْتَرَضَ بَعْضُ الشُّرَّاحِ بِأَنَّ إِيرَادَ الْحَدِيثِ الْمَذْكُورِ فِي الْبَابِ لَيْسَ مُطَابِقًا بَلْ إِيرَادُهُ فِي عَدَمِ الْحِجَابِ أَوْلَى وَأُجِيبَ بِأَنَّهُ أَحَالَ عَلَى أَصْلِ الْحَدِيثِ كَعَادَتِهِ وَكَأَنَّهُ أَشَارَ إِلَى أَنَّ الْجَمْعَ بَيْنَ الْحَدِيثَيْنِ مُمْكِنٌ وَاللَّهُ أَعْلَمُ وَقَدْ وَقَعَ فِي رِوَايَةِ مُجَاهِدٍ عَنْ عَائِشَةَ لِنُزُولِ آيَةِ الْحِجَابِ سَبَبٌ آخَرُ أَخْرَجَهُ النَّسَائِيُّ بِلَفْظِ كُنْتُ أَكَلَ مَعَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حَيْسًا فِي قَعْبٍ فَمَرَّ عُمَرُ فَدَعَاهُ فَأَكَلَ فَأَصَابَ إِصْبَعُهُ إِصْبَعِي فَقَالَ حِسَّ أَوْ أَوْهُ لَوْ أُطَاعُ فِيكُنَّ مَا رَأَتْكُنَّ عَيْنٌ فَنَزَلَ الْحِجَابُ وَيُمْكِنُ الْجَمْعُ بِأَنَّ ذَلِكَ وَقَعَ قَبْلَ قِصَّةِ زَيْنَبَ فَلِقُرْبِهِ مِنْهَا أَطْلَقْتُ نُزُولَ الْحِجَابِ بِهَذَا السَّبَبِ وَلَا مَانِعَ مِنْ تَعَدُّدِ الْأَسْبَابِ وَقَدْ أخرج بن مرْدَوَيْه من حَدِيث بن عَبَّاسٍ قَالَ دَخَلَ رَجُلٌ عَلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَأَطَالَ الْجُلُوسَ فَخَرَجَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ثَلَاثَ مَرَّاتٍ لِيَخْرُجَ فَلَمْ يَفْعَلْ فَدَخَلَ عُمَرُ فَرَأَى الْكَرَاهِيَةَ فِي وَجْهِهِ فَقَالَ لِلرَّجُلِ لَعَلَّكَ آذَيْتَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَقَدْ قُمْتُ ثَلَاثًا لِكَيْ يَتْبَعَنِي فَلم يفعل فَقَالَ لَهُ عمريا رَسُولَ اللَّهِ لَوِ اتَّخَذْتَ حِجَابًا فَإِنَّ نِسَاءَكَ لَسْنَ كَسَائِرِ النِّسَاءِ وَذَلِكَ أَطْهَرُ لِقُلُوبِهِنَّ فَنَزَلَتْ آيَة الْحجاب