فهرس الكتاب

فتح الباري لابن حجر - باب قوله: {ونفخ في الصور فصعق من في السموات ومن في الأرض، إلا من شاء الله، ثم نفخ فيه أخرى فإذا هم قيام ينظرون}

( قَولُهُ بَابُ قَوْلِهِ وَنُفِخَ فِي الصُّوَرِ فَصَعِقَ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَمَنْ فِي الْأَرْضِ إِلَّا مَنْ شَاءَ اللَّهُ)
اخْتُلِفَ فِي تَعْيِينِ مَنِ اسْتَثْنَى اللَّهُ وَقَدْ لَمَّحْتُ بِشَيْءٍ مِنْ ذَلِكَ فِي تَرْجَمَةِ مُوسَى مِنْ أَحَادِيثِ الْأَنْبِيَاءِ



[ قــ :4553 ... غــ :4813] .

     قَوْلُهُ  حَدَّثَنِي الْحَسَنُ كَذَا فِي جَمِيعِ الرِّوَايَاتِ غَيْرُ مَنْسُوبٍ فَجَزَمَ أَبُو حَاتِمٍ سَهْلُ بْنُ السَّرِيِّ الْحَافِظِ فِيمَا نَقَلَهُ الْكَلَابَاذِيُّ بِأَنَّهُ الْحَسَنُ بْنُ شُجَاعٍ الْبَلْخِيُّ الْحَافِظُ وَهُوَ أَصْغَرُ مِنَ الْبُخَارِيِّ لَكِنْ مَاتَ قَبْلَهُ وَهُوَ مَعْدُودٌ مِنَ الْحُفَّاظِ وَوَقَعَ فِي الْمُصَافَحَةِ لِلْبُرْقَانِيِّ أَنَّ الْبُخَارِيَّ قَالَ فِي هَذَا الْحَدِيثِ حَدَّثَنَا الْحُسَيْنُ بِضَمِّ أَوَّلِهِ مُصَغَّرٌ وَنُقِلَ عَنِ الْحَاكِمِ أَنَّهُ الْحُسَيْنُ بْنُ مُحَمَّدٍ الْقَبَّانِيُّ فَاللَّهُ أَعْلَمُ وَإِسْمَاعِيلُ بْنُ الْخَلِيلِ شَيْخُهُ مِنْ أَوْسَاطِ شُيُوخِ الْبُخَارِيِّ وَقَدْ نَزَلَ الْبُخَارِيُّ فِي هَذَا الْإِسْنَادِ دَرَجَتَيْنِ لِأَنَّهُ يُرْوَى عَنْ وَاحِدٍ عَنْ زَكَرِيَّا بْنِ أَبِي زَائِدَةَ وَهُنَا بَيْنَهُمَا ثَلَاثَةُ أَنْفُسٍ .

     قَوْلُهُ  أَخْبَرَنَا عَبْدُ الرَّحِيم هُوَ بن سُلَيْمَانَ وَعَامِرٌ هُوَ الشَّعْبِيُّ .

     قَوْلُهُ  إِنِّي مِنْ أَوَّلِ مَنْ يَرْفَعُ رَأْسَهُ تَقَدَّمَ شَرْحُهُ مُسْتَوْفًى فِي تَرْجَمَةِ مُوسَى مِنْ أَحَادِيثِ الْأَنْبِيَاءِ .

     قَوْلُهُ  أم بعد النفخة نقل بن التِّينِ عَنِ الدَّاوُدِيِّ أَنَّ هَذِهِ اللَّفْظَةَ وَهْمٌ وَاسْتَنَدَ إِلَى أَنَّ مُوسَى مَيِّتٌ مَقْبُورٌ فَيُبْعَثُ بَعْدَ النَّفْخَةِ فَكَيْفَ يَكُونُ مُسْتَثْنًى وَقَدْ تَقَدَّمَ بَيَانُ وَجْهِ الرَّدِّ عَلَيْهِ فِي هَذَا بِمَا يُغْنِي عَنْ إِعَادَتِهِ وَلِلَّهِ الْحَمْدُ





[ قــ :4554 ... غــ :4814] .

     قَوْلُهُ  مَا بَيْنَ النَّفْخَتَيْنِ تَقَدَّمَ فِي أَحَادِيثِ الْأَنْبِيَاءِ الرَّدُّ عَلَى مَنْ زَعَمَ أَنَّهَا أَرْبَعُ نَفَخَاتٍ وَحَدِيثُ الْبَابِ يُؤَيِّدُ الصَّوَابَ .

     قَوْلُهُ  أَرْبَعُونَ قَالُوا يَا أَبَا هُرَيْرَةَ أَرْبَعُونَ يَوْمًا لَمْ أَقِفْ عَلَى اسْمِ السَّائِلِ .

     قَوْلُهُ  أَبَيْتُ بِمُوَحَّدَةٍ أَيِ امْتَنَعْتُ عَنِ الْقَوْلِ بِتَعْيِينِ ذَلِكَ لِأَنَّهُ لَيْسَ عِنْدِي فِي ذَلِكَ تَوْقِيفٌ وَلِابْنِ مَرْدَوَيْهِ مِنْ طَرِيقِ أَبِي بَكْرِ بْنِ عَيَّاشٍ عَنْ الْأَعْمَشِ فِي هَذَا الْحَدِيثِ فَقَالَ أَعْيَيْتُ مِنَ الْإِعْيَاءِ وَهُوَ التَّعَبُ وَكَأَنَّهُ أَشَارَ إِلَى كَثْرَةِ مَنْ يَسْأَلُهُ عَنْ تَبْيِينِ ذَلِكَ فَلَا يُجِيبُهُ وَزَعَمَ بَعْضُ الشُّرَّاحِ أَنَّهُ وَقَعَ عِنْدَ مُسْلِمٍ أَرْبَعِينَ سَنَةً وَلَا وجود لذَلِك نعم أخرج بن مَرْدَوَيْهِ مِنْ طَرِيقِ سَعِيدِ بْنِ الصَّلْتِ عَنِ الْأَعْمَشِ فِي هَذَا الْإِسْنَادِ أَرْبَعُونَ سَنَةً وَهُوَ شَاذ وَمن وَجه ضَعِيف عَن بن عَبَّاسٍ قَالَ مَا بَيْنَ النَّفْخَةِ وَالنَّفْخَةِ أَرْبَعُونَ سَنَةً ذَكَرَهُ فِي أَوَاخِرِ سُورَةِ ص وَكَأَنَّ أَبَا هُرَيْرَةَ لَمْ يَسْمَعْهَا إِلَّا مُجْمَلَةً فَلِهَذَا قَالَ لِمَنْ عَيَّنَهَا لَهُ أَبَيْتُ وَقَدْ أَخْرَجَ بن مَرْدَوَيْهِ مِنْ طَرِيقِ زَيْدِ بْنِ أَسْلَمَ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ بَيْنَ النَّفْخَتَيْنِ أَرْبَعُونَ قَالُوا أَرْبَعُونَ مَاذَا قَالَ هَكَذَا سَمِعت.

     وَقَالَ  بن التِّينِ وَيَحْتَمِلُ أَيْضًا أَنْ يَكُونَ عَلِمَ ذَلِكَ لَكِنْ سَكَتَ لِيُخْبِرَهُمْ فِي وَقْتٍ أَوِ اشْتَغَلَ عَن الْإِعْلَام حِينَئِذٍ وَوَقع فِي جَامع بن وَهْبٍ أَرْبَعِينَ جُمْعَةً وَسَنَدُهُ مُنْقَطِعٌ .

     قَوْلُهُ  وَيَبْلَى كُلُّ شَيْءٍ مِنَ الْإِنْسَانِ إِلَّا عَجْبَ ذَنَبِهِ فِيهِ يُرَكَّبُ الْخَلْقُ فِي رِوَايَةِ مُسْلِمٍ لَيْسَ مِنَ الْإِنْسَانِ شَيْءٌ إِلَّا يَبْلَى إِلَّا عَظْمًا وَاحِدًا الْحَدِيثَ وَأَفْرَدَ هَذَا الْقَدْرَ مِنْ طَرِيقِ أَبِي الزِّنَادِ عَنِ الْأَعْرَجِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ بِلَفْظ كل بن آدَمَ يَأْكُلُهُ التُّرَابُ إِلَّا عَجْبَ الذَّنَبِ مِنْهُ خُلِقَ وَمِنْهُ يُرَكَّبُ وَلَهُ مِنْ طَرِيقِ هَمَّامٍ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ إِنَّ فِي الْإِنْسَانِ عَظْمًا لَا تَأْكُلُهُ الْأَرْضُ أَبَدًا فِيهِ يُرَكَّبُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ قَالُوا أَيُّ عَظْمٍ هُوَ قَالَ عَجْبُ الذَّنَبِ وَفِي حَدِيثِ أَبِي سَعِيدٍ عِنْدَ الْحَاكِمِ وَأَبِي يَعْلَى قِيلَ يَا رَسُولَ اللَّهِ مَا عَجْبُ الذَّنَبِ قَالَ مِثْلُ حَبَّةِ خَرْدَلٍ وَالْعَجْبُ بِفَتْحِ الْمُهْمَلَةِ وَسُكُونِ الْجِيمِ بَعْدَهَا مُوَحَّدَةٌ وَيُقَالُ لَهُ عَجْمٌ بِالْمِيمِ أَيْضًا عِوَضَ الْبَاءِ وَهُوَ عَظْمٌ لَطِيفٌ فِي أَصْلِ الصُّلْبِ وَهُوَ رَأْسُ الْعُصْعُصِ وَهُوَ مَكَانُ رَأْسِ الذَّنَبِ مِنْ ذَوَاتِ الْأَرْبَعِ وَفِي حَدِيثِ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ عِنْد بن أَبِي الدُّنْيَا وَأَبِي دَاوُدَ وَالْحَاكِمِ مَرْفُوعًا إِنَّهُ مثل حَبَّة الْخَرْدَل قَالَ بن الْجَوْزِيّ قَالَ بن عُقَيْلٍ لِلَّهِ فِي هَذَا سِرٌّ لَا يَعْلَمُهُ إِلَّا اللَّهُ لِأَنَّ مَنْ يُظْهِرُ الْوُجُودَ مِنَ الْعَدَمِ لَا يَحْتَاجُ إِلَى شَيْءٍ يَبْنِي عَلَيْهِ وَيَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ ذَلِكَ جُعِلَ عَلَامَةً لِلْمَلَائِكَةِ عَلَى إِحْيَاءِ كُلِّ إِنْسَانٍ بِجَوْهَرِهِ وَلَا يَحْصُلُ الْعِلْمُ لِلْمَلَائِكَةِ بِذَلِكَ إِلَّا بِإِبْقَاءِ عَظْمِ كُلِّ شَخْصٍ لِيُعْلَمَ أَنَّهُ إِنَّمَا أَرَادَ بِذَلِكَ إِعَادَةَ الْأَرْوَاحِ إِلَى تِلْكَ الْأَعْيَانِ الَّتِي هِيَ جُزْءٌ مِنْهَا وَلَوْلَا إِبْقَاءُ شَيْءٍ مِنْهَا لَجَوَّزَتِ الْمَلَائِكَةُ أَنَّ الْإِعَادَةَ إِلَى أَمْثَالِ الْأَجْسَادِ لَا إِلَى نَفْسِ الْأَجْسَادِ وَقَولُهُ فِي الْحَدِيثِ وَيَبْلَى كُلُّ شَيْءٍ مِنَ الْإِنْسَانِ يَحْتَمِلُ أَنْ يُرِيدَ بِهِ يَفْنَى أَيْ تُعْدَمُ أَجْزَاؤُهُ بِالْكُلِّيَّةِ وَيَحْتَمِلُ أَنْ يُرَادَ بِهِ يَسْتَحِيلُ فَتَزُولُ صُورَتُهُ الْمَعْهُودَةُ فَيَصِيرُ عَلَى صِفَةِ جِسْمِ التُّرَابِ ثُمَّ يُعَادُ إِذَا رُكِّبَتْ إِلَى مَا عُهِدَ وَزَعَمَ بَعْضُ الشُّرَّاحِ أَنَّ الْمُرَادَ أَنَّهُ لَا يَبْلَى أَيْ يَطُولُ بَقَاؤُهُ لَا أَنَّهُ لَا يَفْنَى أَصْلًا وَالْحِكْمَةُ فِيهِ أَنَّهُ قَاعِدَةُ بَدْءِ الْإِنْسَانِ وَأُسِّهِ الَّذِي يَنْبَنِي عَلَيْهِ فَهُوَ أَصْلَبُ مِنَ الْجَمِيعِ كَقَاعِدَةِ الْجِدَارِ وَإِذَا كَانَ أَصْلَبَ كَانَ أَدْوَمَ بَقَاءً وَهَذَا مَرْدُودٌ لِأَنَّهُ خِلَافُ الظَّاهِرِ بِغَيْرِ دَلِيلٍ.

     وَقَالَ  الْعُلَمَاءُ هَذَا عَامٌّ يُخَصُّ مِنْهُ الْأَنْبِيَاءُ لِأَن الأَرْض لَا تَأْكُل أَجْسَادهم وَألْحق بن عَبْدِ الْبَرِّ بِهِمُ الشُّهَدَاءَ وَالْقُرْطُبِيُّ الْمُؤَذِّنَ الْمُحْتَسِبَ قَالَ عِيَاض فَتَأْوِيل الْخَبَر وَهُوَ كل بن آدم يَأْكُلهُ التُّرَاب أَي كل بن آدَمَ مِمَّا يَأْكُلُهُ التُّرَابُ وَإِنْ كَانَ التُّرَابُ لَا يَأْكُلُ أَجْسَادًا كَثِيرَةً كَالْأَنْبِيَاءِ .

     قَوْلُهُ  إِلَّا عَجْبُ ذَنَبِهِ أَخَذَ بِظَاهِرِهِ الْجُمْهُورُ فَقَالُوا لَا يَبْلَى عَجْبُ الذَّنَبِ وَلَا يَأْكُلُهُ التُّرَابُ وَخَالَفَ الْمُزَنِيُّ فَقَالَ إِلَّا هُنَا بِمَعْنَى الْوَاوِ أَيْ وَعَجْبُ الذَّنَبِ أَيْضًا يَبْلَى وَقَدْ أَثْبَتَ هَذَا الْمَعْنَى الْفَرَّاءُ وَالْأَخْفَشُ فَقَالُوا تَرِدُ إِلَّا بِمَعْنَى الْوَاوِ وَيَرُدُّ مَا انْفَرَدَ بِهِ الْمُزَنِيُّ التَّصْرِيحُ بِأَنَّ الْأَرْضَ لَا تَأْكُلُهُ أَبَدًا كَمَا ذَكَرْتُهُ مِنْ رِوَايَةِ هَمَّامٍ وَقَولُهُ فِي رِوَايَةِ الْأَعْرَجِ مِنْهُ خُلِقَ يَقْتَضِي أَنَّهُ أَوَّلُ كُلِّ شَيْءٍ يُخْلَقُ مِنَ الْآدَمِيِّ وَلَا يُعَارِضُهُ حَدِيثُ سَلْمَانَ أَنَّ أَوَّلَ مَا خُلِقَ مِنْ آدَمَ رَأْسُهُ لِأَنَّهُ يُجْمَعُ بَيْنَهُمَا بِأَنَّ هَذَا فِي حَقِّ آدَمَ وَذَاكَ فِي حَقِّ بَنِيهِ أَوِ الْمُرَادُ بِقَوْلِ سَلْمَانَ نَفْخِ الرُّوحِ فِي آدَمَ لَا خلق جسده

( .

     قَوْلُهُ  سُورَةُ حم السَّجْدَةِ بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ)

سَقَطَتِ الْبَسْمَلَةُ لِغَيْرِ أَبِي ذَرٍّ .

     قَوْلُهُ  وقَال طَاوس عَن بن عَبَّاسٍ ائْتِيَا طَوْعًا أَوْ كَرْهًا قَالَتَا أَتَيْنَا طائعين أعطينا وَصله الطَّبَرِيّ وبن أَبِي حَاتِمٍ بِإِسْنَادٍ عَلَى شَرْطِ الْبُخَارِيِّ فِي الصِّحَّةِ وَلَفْظُ الطَّبَرِيِّ فِي قَوْلِهِ ائْتِيَا قَالَ أَعْطِيَا وَفِي قَوْلِهِ قَالَتَا أَتَيْنَا قَالَتَا أَعْطَيْنَا.

     وَقَالَ  عِيَاضٌ لَيْسَ أَتَى هُنَا بِمَعْنَى أَعْطَى وَإِنَّمَا هُوَ مِنَ الْإِتْيَانِ وَهُوَ الْمَجِيءُ بِمَعْنَى الِانْفِعَالِ لِلْوُجُودِ بِدَلِيلِ الْآيَةِ نَفْسِهَا وَبِهَذَا فَسَّرَهُ الْمُفَسِّرُونَ أَنَّ مَعْنَاهُ جِيئَا بِمَا خَلَقْتُ فِيكُمَا وأظهراه قَالَتَا أجبنا وروى ذَلِك عَن بن عَبَّاسٍ قَالَ وَقَدْ رُوِيَ عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ نَحْوَ مَا ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ وَلَكِنَّهُ يَخْرُجُ عَلَى تَقْرِيبِ الْمَعْنَى أَنَّهُمَا لَمَّا أُمِرَتَا بِإِخْرَاجِ مَا فِيهِمَا مِنْ شَمْسٍ وَقَمَرٍ وَنَهْرٍ وَنَبَاتٍ وَغَيْرِ ذَلِكَ وَأَجَابَتَا إِلَى ذَلِكَ كَانَ كَالْإِعْطَاءِ فَعَبَّرَ بِالْإِعْطَاءِ عَنَ الْمَجِيءِ بِمَا أُودِعَتَاهُ.

قُلْتُ فَإِذَا كَانَ مُوَجَّهًا وَثَبَتَتْ بِهِ الرِّوَايَةُ فَأَيُّ معنى لإنكاره عَن بن عَبَّاس وَكَأَنَّهُ لما رأى عَن بن عَبَّاسٍ أَنَّهُ فَسَّرَهُ بِمَعْنَى الْمَجِيءِ نَفَى أَنْ يُثْبِتَ عَنْهُ أَنَّهُ فَسَّرَهُ بِالْمَعْنَى الْآخَرِ وَهَذَا عَجِيبٌ فَمَا الْمَانِعُ أَنْ يَكُونَ لَهُ فِي الشَّيْءِ قَوْلَانِ بَلْ أَكْثَرُ وَقَدْ رَوَى الطَّبَرِيُّ من طَرِيق مُجَاهِد عَن بن عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا قَالَ قَالَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ لِلسَّمَاوَاتِ أَطْلِعِي الشَّمْسَ وَالْقَمَرَ وَالنُّجُومَ.

     وَقَالَ  لِلْأَرْضِ شَقِّقِي أَنْهَارَكِ وَأَخْرِجِي ثِمَارَكِ قَالَتَا أَتَيْنَا طائعين.

     وَقَالَ  بن التِّين لَعَلَّ بن عَبَّاسٍ قَرَأَهَا آتَيْنَا بِالْمَدِّ فَفَسَّرَهَا عَلَى ذَلِكَ.

قُلْتُ وَقَدْ صَرَّحَ أَهْلُ الْعِلْمِ بِالْقِرَاءَاتِ أَنَّهَا قِرَاءَتُهُ وَبِهَا قَرَأَ صَاحِبَاهُ مُجَاهِدٌ وَسَعِيدُ بْنُ جُبَيْرٍ.

     وَقَالَ  السُّهَيْلِيُّ فِي أَمَالِيهِ قِيلَ إِنَّ الْبُخَارِيَّ وَقَعَ لَهُ فِي أَيٍّ مِنَ الْقُرْآنِ وَهْمٌ فَإِنْ كَانَ هَذَا مِنْهَا وَإِلَّا فَهِيَ قِرَاءَةٌ بِلُغَتِهِ وَجْهُهُ أَعْطِيَا الطَّاعَةَ كَمَا يُقَالُ فُلَانٌ يُعْطِي الطَّاعَةَ لِفُلَانٍ قَالَ وَقَدْ قُرِئَ ثُمَّ سُئِلُوا الْفِتْنَةَ لَآتَوْهَا بِالْمَدِّ وَالْقَصْرِ وَالْفِتْنَةُ ضِدُّ الطَّاعَةِ وَإِذَا جَازَ فِي إِحْدَاهُمَا جَازَ فِي الْأُخْرَى انْتَهَى وَجَوَّزَ بَعْضُ الْمُفَسِّرِينَ أَنَّ آتَيْنَا بِالْمَدِّ بِمَعْنَى الْمُوَافَقَةِ وَبِهِ جَزَمَ الزَّمَخْشَرِيُّ فَعَلَى هَذَا يَكُونُ الْمَحْذُوفُ مَفْعُولًا وَاحِدًا وَالتَّقْدِيرُ لِتُوَافِقَ كُلٌّ مِنْكُمَا الْأُخْرَى قَالَتَا تَوَافَقْنَا وَعَلَى الْأَوَّلِ يَكُونُ قَدْ حُذِفَ مَفْعُولَانِ وَالتَّقْدِيرُ أَعْطِيَا مَنْ أَمَرَكُمَا الطَّاعَةَ مِنْ أَنْفُسِكُمَا قَالَتَا أَعْطَيْنَاهُ الطَّاعَةَ وَهُوَ أَرْجَحُ لِثُبُوتِهِ صَرِيحًا عَنْ تُرْجَمَانِ الْقُرْآن قَوْله قَالَتَا قَالَ بن عَطِيَّةَ أَرَادَ الْفِرْقَتَيْنِ الْمَذْكُورَتَيْنِ جَعَلَ السَّمَاوَاتِ سَمَاءً وَالْأَرَضِينَ أَرْضًا ثُمَّ ذَكَرَ لِذَلِكَ شَاهِدًا وَهِيَ غَفْلَةٌ مِنْهُ فَإِنَّهُ لَمْ يَتَقَدَّمْ قَبْلَ ذَلِكَ إِلَّا لَفْظُ سَمَاءٍ مُفْرَدٍ وَلَفْظُ أَرْضٍ مُفْرَدٍ نَعَمْ .

     قَوْلُهُ  طَائِعِينَ عَبَّرَ بِالْجَمْعِ بِالنَّظَرِ إِلَى تَعَدُّدِ كُلٍّ مِنْهُمَا وَعَبَّرَ بِلَفْظِ جَمْعِ الْمُذَكَّرِ مِنَ الْعُقَلَاءِ لِكَوْنِهِمْ عُومِلُوا مُعَامَلَةَ الْعُقَلَاءِ فِي الْإِخْبَارِ عَنْهُمْ وَهُوَ مِثْلُ رَأَيْتُهُمْ لِي سَاجِدِينَ



[ قــ :4555 ... غــ :4815] قَوْله.

     وَقَالَ  الْمنْهَال هُوَ بن عَمْرٍو الْأَسَدِيُّ مَوْلَاهُمُ الْكُوفِيُّ وَلَيْسَ لَهُ فِي الْبُخَارِيِّ سِوَى هَذَا الْحَدِيثِ وَآخر تقدم فِي قِصَّةِ إِبْرَاهِيمَ مِنْ أَحَادِيثِ الْأَنْبِيَاءِ وَهُوَ صَدُوقٌ من طبقَة الْأَعْمَش وَثَّقَهُ بن مَعِينٍ وَالنَّسَائِيُّ وَالْعِجْلِيُّ وَغَيْرُهُمْ وَتَرَكَهُ شُعْبَةُ لِأَمْرٍ لَا يُوجِبُ فِيهِ قَدْحًا كَمَا بَيَّنْتُهُ فِي الْمُقَدِّمَةِ وَهَذَا التَّعْلِيقُ قَدْ وَصَلَهُ الْمُصَنِّفُ بَعْدَ فَرَاغِهِ مِنْ سِيَاقِ الْحَدِيثِ كَمَا سَأَذْكُرُهُ .

     قَوْلُهُ  عَن سعيد هُوَ بن جُبَيْرٍ وَصَرَّحَ بِهِ الْأَصِيلِيُّ فِي رِوَايَتِهِ وَكَذَا النَّسَفِيُّ .

     قَوْلُهُ  قَالَ رَجُلٌ لِابْنِ عَبَّاسٍ كَأَنَّ هَذَا الرَّجُلَ هُوَ نَافِعُ بْنُ الْأَزْرَقِ الَّذِي صَارَ بَعْدَ ذَلِكَ رَأْسَ الْأَزَارِقَةِ مِنْ الْخَوَارِجِ وَكَانَ يُجَالس بن عَبَّاسٍ بِمَكَّةَ وَيَسْأَلُهُ وَيُعَارِضُهُ وَمِنْ جُمْلَةِ مَا وَقَعَ سُؤَالُهُ عَنْهُ صَرِيحًا مَا أَخْرَجَهُ الْحَاكِمُ فِي الْمُسْتَدْرَكِ مِنْ طَرِيقِ دَاوُدَ بْنِ أَبِي هِنْدٍ عَنِ عِكْرِمَةَ قَالَ سَأَلَ نَافِعُ بْنُ الْأَزْرَق بن عَبَّاسٍ عَنْ قَوْلِهِ تَعَالَى هَذَا يَوْمُ لَا ينطقون وَلَا تسمع إِلَّا همسا وَقَوله وَأَقْبل بَعضهم على بعض يتساءلون وهاؤم أقرءوا كِتَابيه الْحَدِيثَ بِهَذِهِ الْقِصَّةِ حَسْبُ وَهِيَ إِحْدَى الْقِصَصِ الْمَسْئُولِ عَنْهَا فِي حَدِيثِ الْبَابِ وَرَوَى الطَّبَرَانِيُّ مِنْ حَدِيثِ الضَّحَّاكِ بْنِ مُزَاحِمٍ قَالَ قَدِمَ نَافِعُ بْنُ الْأَزْرَقِ وَنَجْدَةُ بْنُ عُوَيْمِرٍ فِي نفر من رُؤُوس الْخَوَارِجِ مَكَّةَ فَإِذَا هُمْ بِابْنِ عَبَّاسٍ قَاعِدًا قَرِيبًا مِنْ زَمْزَمَ وَالنَّاسُ قِيَامًا يَسْأَلُونَهُ فَقَالَ لَهُ نَافِعُ بْنُ الْأَزْرَقِ أَتَيْتُكَ لِأَسْأَلَكَ فَسَأَلَهُ عَنْ أَشْيَاءَ كَثِيرَةٍ مِنَ التَّفْسِيرِ سَاقَهَا فِي وَرَقَتَيْنِ وَأَخْرَجَ الطَّبَرِيُّ مِنْ هَذَا الْوَجْهِ بَعْضَ الْقِصَّةِ وَلَفْظُهُ أَنَّ نَافِعَ بْنَ الْأَزْرَقِ أَتَى بن عَبَّاسٍ فَقَالَ قَوْلُ اللَّهِ وَلَا يَكْتُمُونَ اللَّهَ حَدِيثا وَقَوله وَالله رَبنَا مَا كُنَّا مُشْرِكين فَقَالَ إِنِّي أَحْسِبُكَ قُمْتَ مِنْ عِنْدِ أَصْحَابِكَ فَقلت لَهُم أَيْن بن عَبَّاسٍ فَأُلْقِي عَلَيْهِ مُتَشَابِهَ الْقُرْآنِ فَأَخْبَرَهُمْ أَنَّ اللَّهَ تَعَالَى إِذَا جَمَعَ النَّاسَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ قَالَ الْمُشْرِكُونَ إِنَّ اللَّهَ لَا يَقْبَلُ إِلَّا مَنْ وَحَّدَهُ فَيَسْأَلُهُمْ فَيَقُولُونَ وَاللَّهِ رَبِّنَا مَا كُنَّا مُشْرِكين قَالَ فَيَخْتِمُ عَلَى أَفْوَاهِهِمْ وَيَسْتَنْطِقُ جَوَارِحَهُمْ انْتَهَى وَهَذِهِ الْقِصَّةُ إِحْدَى مَا وَرَدَ فِي حَدِيثِ الْبَابِ فَالظَّاهِرُ أَنَّهُ الْمُبْهَمُ فِيهِ .

     قَوْلُهُ  إِنِّي أَجِدُ فِي الْقُرْآنِ أَشْيَاءَ تَخْتَلِفُ عَلَيَّ أَيْ تُشْكِلُ وَتَضْطَرِبُ لِأَنَّ بَيْنَ ظَوَاهِرِهَا تَدَافُعًا زَادَ عَبْدُ الرَّزَّاقِ فِي رِوَايَتِهِ عَنْ مَعْمَرٍ عَنِ رَجُلٍ عَنِ الْمِنْهَالِ بِسَنَدِهِ فَقَالَ بن عَبَّاسٍ مَا هُوَ أَشَكٌّ فِي الْقُرْآنِ قَالَ لَيْسَ بِشَكٍّ وَلَكِنَّهُ اخْتِلَافٌ فَقَالَ هَاتِ مَا اخْتُلِفَ عَلَيْكَ مِنْ ذَلِكَ قَالَ أَسْمَعُ اللَّهَ يَقُولُ وَحَاصِلُ مَا وَقَعَ السُّؤَالُ فِي حَدِيثِ الْبَاب أَرْبَعَة مَوَاضِع الأول نفى المسائلة يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَإِثْبَاتُهَا الثَّانِي كِتْمَانُ الْمُشْرِكِينَ حَالَهُمْ وَإِفْشَاؤُهُ الثَّالِثُ خَلْقُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ أَيُّهُمَا تَقَدَّمَ الرَّابِعُ الْإِتْيَانُ بِحَرْفِ كَانَ الدَّالِّ عَلَى الْمَاضِي مَعَ أَن الصّفة لَازِمَة وَحَاصِل جَوَاب بن عَبَّاس عَن الأول أَن نفي المسائلة فِيمَا قَبْلَ النَّفْخَةِ الثَّانِيَةِ وَإِثْبَاتَهَا فِيمَا بَعْدَ ذَلِكَ وَعَنِ الثَّانِي أَنَّهُمْ يَكْتُمُونَ بِأَلْسِنَتِهِمْ فَتَنْطِقُ أَيْدِيهِمْ وَجَوَارِحُهُمْ وَعَنِ الثَّالِثِ أَنَّهُ بَدَأَ خَلْقَ الْأَرْضِ فِي يَوْمَيْنِ غَيْرَ مَدْحُوَّةٍ ثُمَّ خَلَقَ السَّمَاءَ فَسَوَّاهَا فِي يَوْمَيْنِ ثُمَّ دَحَا الْأَرْضَ بَعْدَ ذَلِكَ وَجَعَلَ فِيهَا الرَّوَاسِيَ وَغَيْرَهَا فِي يَوْمَيْنِ فَتِلْكَ أَرْبَعَةُ أَيَّامٍ لِلْأَرْضِ فَهَذَا الَّذِي جمع بِهِ بن عَبَّاسٍ بَيْنَ قَوْلِهِ تَعَالَى فِي هَذِهِ الْآيَةِ وَبَين قَوْله وَالْأَرْض بعد ذَلِك دحاها هُوَ الْمُعْتَمد وإماما أَخْرَجَهُ عَبْدُ الرَّزَّاقِ مِنْ طَرِيقِ أَبِي سَعِيدٍ عَن عِكْرِمَة عَن بن عَبَّاسٍ رَفَعَهُ قَالَ خَلَقَ اللَّهُ الْأَرْضَ فِي يَوْمِ الْأَحَدِ وَفِي يَوْمِ الِاثْنَيْنِ وَخَلَقَ الْجِبَالَ وَشَقَّقَ الْأَنْهَارَ وَقَدَّرَ فِي كُلِّ أَرْضٍ قُوتَهَا يَوْمَ الثُّلَاثَاءِ وَيَوْمَ الْأَرْبِعَاءِ ثُمَّ اسْتَوَى إِلَى السَّمَاءِ وَهِيَ دُخَانٌ وَتَلَا الْآيَةَ إِلَى قَوْلِهِ فِي كُلِّ سَمَاءٍ أَمْرَهَا قَالَ فِي يَوْمِ الْخَمِيسِ وَيَوْمِ الْجُمُعَةِ الْحَدِيثَ فَهُوَ ضَعِيفٌ لِضَعْفِ أَبِي سَعِيدٍ وَهُوَ الْبَقَّالُ وَعَنِ الرَّابِعِ بِأَنَّ كَانَ وَإِنْ كَانَتْ لِلْمَاضِي لَكِنَّهَا لَا تَسْتَلْزِمُ الِانْقِطَاعَ بَلِ الْمُرَادُ أَنَّهُ لَمْ يَزَلْ كَذَلِكَ فَأَما الأول فقد جَاءَ فِيهِ تفسر آخَرُ أَنَّ نَفْيَ الْمُسَاءَلَةِ عِنْدَ تَشَاغُلِهِمْ بِالصَّعْقِ وَالْمُحَاسَبَةِ وَالْجَوَازِ عَلَى الصِّرَاطِ وَإِثْبَاتَهَا فِيمَا عَدَا ذَلِكَ وَهَذَا مَنْقُولٌ عَنِ السُّدِّيِّ أَخْرَجَهُ الطَّبَرِيُّ وَمِنْ طَرِيقِ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَلْحَةَ عَنِ بن عَبَّاسٍ أَنَّ نَفْيَ الْمُسَاءَلَةِ عِنْدَ النَّفْخَةِ الْأُولَى وإثباتها بعد النفخة الثَّانِيَة وَقد تَأَول بن مَسْعُودٍ نَفْيَ الْمُسَاءَلَةِ عَلَى مَعْنًى آخَرَ وَهُوَ طَلَبُ بَعْضِهِمْ مِنْ بَعْضٍ الْعَفْوَ فَأَخْرَجَ الطَّبَرِيُّ من طَرِيق زَاذَان قَالَ أتيت بن مَسْعُودٍ فَقَالَ يُؤْخَذُ بِيَدِ الْعَبْدِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فينادي أَلا إِن هَذَا فلَان بن فُلَانٍ فَمَنْ كَانَ لَهُ حَقٌّ قِبَلَهُ فَلْيَأْتِ قَالَ فَتَوَدُّ الْمَرْأَةُ يَوْمَئِذٍ أَنْ يَثْبُتَ لَهَا حَقٌّ عَلَى أَبِيهَا أَوِ ابْنِهَا أَوْ أَخِيهَا أَوْ زَوْجِهَا فَلَا أَنْسَابَ بَيْنَهُمْ يَوْمَئِذٍ وَلَا يتساءلون وَمِنْ طَرِيقٍ أُخْرَى قَالَ لَا يُسْأَلُ أَحَدٌ يَوْمَئِذٍ بِنَسَبٍ شَيْئًا وَلَا يَتَسَاءَلُونَ بِهِ وَلَا يَمُتُّ بِرَحِمٍ.
وَأَمَّا الثَّانِي فَقَدْ تَقَدَّمَ بَسْطُهُ مِنْ وَجْهٍ آخَرَ عِنْدَ الطَّبَرِيِّ وَالْآيَةُ الْأُخْرَى الَّتِي ذكرهَا بن عَبَّاسٍ وَهِيَ .

     قَوْلُهُ  وَاللَّهِ رَبِّنَا مَا كُنَّا مُشْرِكين فَقَدْ وَرَدَ مَا يُؤَيِّدُهُ مِنْ حَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَة أخرجه مُسلم فِي أَثْنَاءَ حَدِيثٍ وَفِيهِ ثُمَّ يُلْقَى الثَّالِثُ فَيَقُولُ يَا رَبِّ آمَنْتُ بِكَ وَبِكِتَابِكَ وَبِرَسُولِكَ وَيُثْنِي مَا اسْتَطَاعَ فَيَقُولُ الْآنَ نَبْعَثُ شَاهِدًا عَلَيْكَ فَيُفَكِّرُ فِي نَفْسِهِ مَنَ الَّذِي يَشْهَدُ عَلَيَّ فيختم على فِيهِ وتنطق جوارحه وَأما الثَّالِث فَأُجِيبَ بِأَجْوِبَةٍ أَيْضًا مِنْهَا أَنَّ ثُمَّ بِمَعْنَى الْوَاوِ فَلَا إِيرَادَ وَقِيلَ الْمُرَادُ تَرْتِيبُ الْخَبَرِ لَا الْمُخْبَرِ بِهِ كَقَوْلِهِ ثُمَّ كَانَ مِنَ الَّذين آمنُوا الْآيَةَ وَقِيلَ عَلَى بَابِهَا لَكِنْ ثُمَّ لِتَفَاوُتِ مَا بَيْنَ الْخِلْقَتَيْنِ لَا لِلتَّرَاخِي فِي الزَّمَانِ وَقِيلَ خَلَقَ بِمَعْنَى قَدَّرَ.
وَأَمَّا الرَّابِعُ وَجَوَابُ بن عَبَّاسٍ عَنْهُ فَيَحْتَمِلُ كَلَامُهُ أَنَّهُ أَرَادَ أَنَّهُ سَمَّى نَفْسَهُ غَفُورًا رَحِيمًا وَهَذِهِ التَّسْمِيَةُ مَضَتْ لِأَنَّ التَّعَلُّقَ انْقَضَى.
وَأَمَّا الصِّفَتَانِ فَلَا يَزَالَانِ كَذَلِكَ لَا يَنْقَطِعَانِ لِأَنَّهُ تَعَالَى إِذَا أَرَادَ الْمَغْفِرَةَ أَوِ الرَّحْمَةَ فِي الْحَالِ أَوِ الِاسْتِقْبَالِ وَقَعَ مُرَادُهُ قَالَهُ الْكِرْمَانِيُّ قَالَ وَيَحْتَمِلُ أَنْ يكون بن عَبَّاسٍ أَجَابَ بِجَوَابَيْنِ أَحَدُهُمَا أَنَّ التَّسْمِيَةَ هِيَ الَّتِي كَانَتْ وَانْتَهَتْ وَالصِّفَةُ لَا نِهَايَةَ لَهَا وَالْآخَرُ أَنَّ مَعْنَى كَانَ الدَّوَامُ فَإِنَّهُ لَا يَزَالُ كَذَلِكَ وَيَحْتَمِلُ أَنْ يُحْمَلَ السُّؤَالُ عَلَى مَسْلَكَيْنِ وَالْجَوَابُ عَلَى رَفْعِهِمَا كَأَنْ يُقَالَ هَذَا اللَّفْظُ مُشْعِرٌ بِأَنَّهُ فِي الزَّمَانِ الْمَاضِي كَانَ غَفُورًا رَحِيمًا مَعَ أَنَّهُ لَمْ يَكُنْ هُنَاكَ مَنْ يَغْفِرُ لَهُ أَوْ يَرْحَمُ وَبِأَنَّهُ لَيْسَ فِي الْحَالِ كَذَلِكَ لِمَا يُشْعِرُ بِهِ لَفْظُ كَانَ وَالْجَوَابُ عَنِ الْأَوَّلِ بِأَنَّهُ كَانَ فِي الْمَاضِي يُسَمَّى بِهِ وَعَنِ الثَّانِي بِأَنَّ كَانَ تُعْطَى مَعْنَى الدَّوَامِ وَقَدْ قَالَ النُّحَاةُ كَانَ لِثُبُوتِ خَبَرِهَا مَاضِيًا دَائِمًا أَوْ مُنْقَطِعًا .

     قَوْلُهُ  فَلَا يَخْتَلِفُ بِالْجَزْمِ للنَّهْي وَقد وَقع فِي رِوَايَة بن أَبِي حَاتِمٍ مِنْ طَرِيقِ مُطَرِّفٍ عَنِ الْمِنْهَالِ بْنِ عَمْرٍو وَفِي آخِرِهِ قَالَ فَقَالَ لَهُ بن عَبَّاسٍ هَلْ بَقِيَ فِي قَلْبِكَ شَيْءٌ إِنَّهُ لَيْسَ مِنَ الْقُرْآنِ شَيْءٌ إِلَّا نَزَلَ فِيهِ شَيْءٌ وَلَكِنْ لَا تَعْلَمُونَ وَجْهَهُ تَنْبِيهٌ وَقَعَ فِي السِّيَاقِ وَالسَّمَاءِ بَنَاهَا وَالتِّلَاوَةُ أَمِ السَّمَاءُ بناها كَذَا زَعَمَ بَعْضُ الشُّرَّاحِ وَالَّذِي فِي الْأَصْلِ مِنْ رِوَايَةِ أَبِي ذَرٍّ وَالسَّمَاءِ وَمَا بَنَاهَا وَهُوَ عَلَى وَفْقِ التِّلَاوَةِ لَكِنَّ قَوْلَهُ بَعْدَ ذَلِكَ إِلَى قَوْلِهِ دَحَاهَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّ الْمُرَادَ الْآيَةَ الَّتِي فِيهَا أَمِ السَّمَاءُ بَنَاهَا قَوْله حَدَّثَنِيهِ يُوسُف بن عدي أَي بن أَبِي زُرَيْقٍ التَّيْمِيُّ الْكُوفِيُّ نَزِيلُ مِصْرَ وَهُوَ أَخُو زَكَرِيَّا بْنِ عَدِيٍّ وَلَيْسَ لَهُ فِي الْبُخَارِيِّ إِلَّا هَذَا الْحَدِيثُ وَقَدْ وَقَعَ فِي رِوَايَةِ الْقَابِسِيِّ حَدَّثَنِيهِ عَنْ يُوسُفَ بِزِيَادَةِ عَنْ وَهِيَ غَلَطٌ وَسَقَطَ .

     قَوْلُهُ  وَحَدَّثَنِيهِ إِلَخْ مِنْ رِوَايَةِ النَّسَفِيِّ وَكَذَا مِنْ رِوَايَةِ أَبِي نُعَيْمٍ عَنِ الْجُرْجَانِيِّ عَنِ الْفَرَبْرِيِّ وَثَبَتَ ذَلِكَ عِنْدَ جُمْهُورِ الرُّوَاةِ عَنِ الْفَرَبْرِيِّ لَكِنْ ذَكَرَ الْبُرْقَانِيُّ فِي الْمُصَافَحَةِ بَعْدَ أَنْ أَخْرَجَ الْحَدِيثَ مِنْ طَرِيقِ مُحَمَّدِ بْنِ إِبْرَاهِيمَ الْبُوشَنْجِيِّ حَدَّثَنَا أَبُو يَعْقُوبَ يُوسُفُ بْنُ عَدِيٍّ فَسَاقَهُ بِتَمَامِهِ قَالَ.

     وَقَالَ  لِي مُحَمَّدُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ الْأُرْدِسْتَانِيُّ قَالَ شَاهَدْتُ نُسْخَةً مِنْ كِتَابِ الْبُخَارِيِّ فِي هَامِشِهَا حَدَّثَنِيهِ مُحَمَّدُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ حَدَّثَنَا يُوسُفُ بْنُ عَدِيٍّ قَالَ الْبُرْقَانِيُّ وَيَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ هَذَا مِنْ صَنِيعِ مَنْ سَمِعَهُ مِنَ الْبُوشَنْجِيِّ فَإِنَّ اسْمَهُ مُحَمَّدُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ قَالَ وَلَمْ يُخَرِّجِ الْبُخَارِيُّ لِيُوسُفَ وَلَا لِعُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو وَلَا لِزَيْدِ بْنِ أَبِي أُنَيْسَةَ حَدِيثًا مُسْنَدًا سِوَاهُ وَفِي مُغَايَرَةِ الْبُخَارِيِّ سِيَاقَ الْإِسْنَادِ عَنْ تَرْتِيبِهِ الْمَعْهُودِ إِشَارَةٌ إِلَى أَنَّهُ لَيْسَ عَلَى شَرْطِهِ وَإِنْ صَارَتْ صُورَتُهُ صُورَةُ الْمَوْصُولِ وَقَدْ صرح بن خُزَيْمَةَ فِي صَحِيحِهِ بِهَذَا الِاصْطِلَاحُ وَأَنَّ مَا يُورِدُهُ بِهَذِهِ الْكَيْفِيَّةِ لَيْسَ عَلَى شَرْطِ صَحِيحِهِ وَخَرَجَ عَلَى مَنْ يُغَيِّرُ هَذِهِ الصِّيغَةَ الْمُصْطَلَحَ عَلَيْهَا إِذَا أَخْرَجَ مِنْهُ شَيْئًا عَلَى هَذِهِ الْكَيْفِيَّةِ فَزَعَمَ بَعْضُ الشُّرَّاحِ أَنَّ الْبُخَارِيَّ سَمِعَهُ أَوَّلًا مُرْسَلًا وَآخِرًا مُسْنَدًا فَنَقَلَهُ كَمَا سَمِعَهُ وَهَذَا بَعِيدٌ جِدًّا وَقَدْ وَجَدْتُ لِلْحَدِيثِ طَرِيقًا أُخْرَى أَخْرَجَهَا الطَّبَرِيُّ مِنْ رِوَايَةِ مُطَرِّفٍ مِنْ طَرِيقٍ عَنِ الْمِنْهَالِ بْنِ عَمْرٍو بِتَمَامِهِ فَشَيْخُ مَعْمَرٍ الْمُبْهَمُ يَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ مُطَرِّفًا أَوْ زَيْدَ بْنَ أَبِي أُنَيْسَةَ أَوْ ثَالِثًا .

     قَوْلُهُ  وقَال مُجَاهِد لَهُم أجر غير ممنون مَحْسُوبٍ سَقَطَ هَذَا مِنْ رِوَايَةِ النَّسَفِيِّ وَقَدْ وَصَلَهُ الْفِرْيَابِيُّ مِنْ طَرِيقِ مُجَاهِدٍ بِهِ وَرَوَى الطَّبَرِيُّ مِنْ طَرِيقِ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَلْحَةَ عَنِ بن عَبَّاسٍ فِي قَوْلِهِ غَيْرُ مَمْنُونٍ قَالَ غَيْرُ مَنْقُوصٍ وَهُوَ بِمَعْنَى قَوْلِ مُجَاهِدٍ مَحْسُوبٌ وَالْمُرَادُ أَنَّهُ يُحْسَبُ فَيُحْصَى فَلَا يُنْقَصُ مِنْهُ شَيْءٌ .

     قَوْلُهُ  أَقْوَاتَهَا أَرْزَاقُهَا أَخْرَجَهُ عَبْدُ الرَّزَّاقِ عَنْ مَعْمَرٍ عَنِ الْحَسَنِ بِلَفْظِ قَالَ.

     وَقَالَ  قَتَادَةُ جِبَالَهَا وَأَنْهَارَهَا وَدَوَابَّهَا وَثِمَارَهَا وَصَلَهُ الْفِرْيَابِيُّ مِنْ طَرِيقِ مُجَاهِدٍ بِلَفْظِ وَقَدَّرَ فِيهَا أَقْوَاتَهَا قَالَ مِنَ الْمَطَرِ.

     وَقَالَ  أَبُو عُبَيْدَةَ أَقْوَاتُهَا وَاحِدُهَا قُوتٌ وَهِيَ الْأَرْزَاقُ .

     قَوْلُهُ  فِي كُلِّ سَمَاءٍ أمرهَا مِمَّا أَمَرَ بِهِ وَصَلَهُ الْفِرْيَابِيُّ بِلَفْظِ مِمَّا أَمَرَ بِهِ وَأَرَادَهُ أَيْ مِنْ خَلْقِ الرُّجُومِ وَالنَّيِّرَاتِ وَغَيْرِ ذَلِكَ .

     قَوْلُهُ  نَحِسَاتٍ مَشَائِيمَ وَصَلَهُ الْفِرْيَابِيُّ مِنْ طَرِيقِ مُجَاهِدٍ بِهِ.

     وَقَالَ  عَبْدُ الرَّزَّاقِ عَنْ مَعْمَرٍ عَنْ قَتَادَةَ رِيحًا صَرْصَرًا بَارِدَة نحسات مشومات.

     وَقَالَ  أَبُو عُبَيْدَةَ الصَّرْصَرُ هِيَ الشَّدِيدَةُ الصَّوْتِ الْعَاصِفَةُ نَحِسَاتٍ ذَوَاتُ نُحُوسٍ أَيْ مَشَائِيمَ .

     قَوْلُهُ  وقيضنا لَهُم قرناء تتنزل عَلَيْهِم الْمَلَائِكَة عِنْدَ الْمَوْتِ كَذَا فِي رِوَايَةِ أَبِي ذَرٍّ وَالنَّسَفِيِّ وَطَائِفَةٍ وَعِنْدَ الْأصيلِيّ وقيضنا لَهُم قرناء قرناهم بهم تتنزل عَلَيْهِم الْمَلَائِكَة عِنْدَ الْمَوْتِ وَهَذَا هُوَ وَجْهُ الْكَلَامِ وَصَوَابُهُ وَلَيْسَ تَتَنَزَّلُ عَلَيْهِمْ تَفْسِيرًا لِقَيَّضْنَا وَقَدْ أَخْرَجَ الْفِرْيَابِيُّ مِنْ طَرِيقِ مُجَاهِدٍ بِلَفْظِ وَقَيَّضْنَا لَهُمْ قُرَنَاءَ قَالَ شَيَاطِينَ وَفِي قَوْلِهِ تَتَنَزَّلُ عَلَيْهِمُ الْمَلَائِكَة أَن لَا تخافوا وَلَا تحزنوا قَالَ عِنْدَ الْمَوْتِ وَكَذَلِكَ أَخْرَجَهُ الطَّبَرِيُّ مُفَرَّقًا فِي مَوْضِعَيْهِ وَمِنْ طَرِيقِ السُّدِّيِّ قَالَ تَتَنَزَّلُ عَلَيْهِمُ الْمَلَائِكَةُ عِنْدَ الْمَوْتِ وَمِنْ طَرِيقِ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَلْحَةَ عَنِ بن عَبَّاسٍ قَالَ تَتَنَزَّلُ عَلَيْهِمُ الْمَلَائِكَةُ وَذَلِكَ فِي الْآخِرَةِ.

قُلْتُ وَيَحْتَمِلُ الْجَمْعُ بَيْنَ التَّأْوِيلَيْنِ فَإِنَّ حَالَةَ الْمَوْتِ أَوَّلُ أَحْوَالِ الْآخِرَةِ فِي حَقِّ الْمَيِّتِ وَالْحَاصِلُ مِنَ التَّأْوِيلَيْنِ أَنَّهُ لَيْسَ الْمُرَادُ تَتَنَزَّلُ عَلَيْهِمْ فِي حَالِ تَصَرُّفِهِمْ فِي الدُّنْيَا .

     قَوْلُهُ  اهْتَزَّتْ بِالنَّبَاتِ وَرَبَتْ ارْتَفَعَتْ مِنْ أَكْمَامِهَا حِينَ تَطْلُعُ كَذَا لِأَبِي ذَرٍّ وَالنَّسَفِيِّ وَفِي رِوَايَةِ غَيْرِهِمَا إِلَى قَوْلِهِ ارْتَفَعَتْ وَهَذَا هُوَ الصَّوَابُ وَقَدْ وَصَلَهُ الْفِرْيَابِيُّ مِنْ طَرِيقِ مُجَاهِدٍ إِلَى قَوْلِهِ ارْتَفَعَتْ وَزَادَ قَبْلَ أَنْ تَنْبُتَ .

     قَوْلُهُ  لَيَقُولَنَّ هَذَا لِي أَيْ بِعِلْمِي أَنَا محقوق بِهَذَا وَصله الطَّبَرِيّ من طَرِيق بن أَبِي نَجِيحٍ عَنْ مُجَاهِدٍ بِهَذَا وَلَكِنْ لَفْظُهُ بِعَمَلِي بِتَقْدِيمِ الْمِيمِ عَلَى اللَّامِ وَهُوَ الْأَشْبَهُ وَاللَّامُ فِي لَيَقُولَنَّ جَوَابُ الْقَسَمِ.
وَأَمَّا جَوَابُ الشَّرْطِ فَمَحْذُوفٌ وَأَبْعَدَ مَنْ قَالَ اللَّامُ جَوَابُ الشَّرْطِ وَالْفَاءُ مَحْذُوفَةٌ مِنْهُ لِأَنَّ ذَلِكَ شَاذٌّ مُخْتَلَفٌ فِي جَوَازِهِ فِي الشِّعْرِ وَيَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ .

     قَوْلُهُ  هَذَا لِي أَيْ لَا يَزُولُ عَنِّي .

     قَوْلُهُ  وقَال غَيْرُهُ سَوَاءٌ لِلسَّائِلِينَ قَدَّرَهَا سَوَاءً سَقَطَ.

     وَقَالَ  غَيْرُهُ لِغَيْرِ أَبِي ذَرٍّ وَالنَّسَفِيِّ وَهُوَ أَشْبَهُ فَإِنَّهُ مَعْنَى قَوْلِ أَبِي عُبَيْدَةَ.

     وَقَالَ  فِي قَوْلِهِ سَوَاءٌ لِلسَّائِلِينَ نَصَبَهَا عَلَى الْمَصْدَرِ.

     وَقَالَ  الطَّبَرِيُّ قَرَأَ الْجُمْهُورُ سَوَاءً بِالنَّصْبِ وَأَبُو جَعْفَرٍ بِالرَّفْعِ وَيَعْقُوبُ بِالْجَرِّ فَالنَّصْبُ عَلَى الْمَصْدَرِ أَوْ عَلَى نَعْتِ الْأَقْوَاتِ وَمَنْ رَفَعَ فَعَلَى الْقَطْعِ وَمَنْ خَفَضَ فَعَلَى نَعْتِ الْأَيَّامِ أَوِ الْأَرْبَعَةِ .

     قَوْلُهُ  فَهَدَيْنَاهُمْ دَلَلْنَاهُمْ عَلَى الْخَيْر وَالشَّر كَقَوْلِه وهديناه النجدين وَكَقَوْلِه هديناه السَّبِيل وَالْهُدَى الَّذِي هُوَ الْإِرْشَادُ بِمَنْزِلَةِ أَسْعَدْنَاهُ وَمِنْ ذَلِك قَوْلِهِ أُولَئِكَ الَّذِينَ هَدَى اللَّهُ فَبِهُدَاهُمُ اقْتَدِهْ كَذَا لِأَبِي ذَرٍّ وَالْأَصِيلِيِّ وَلِغَيْرِهِمَا أَصْعَدْنَاهُ بِالصَّادِ الْمُهْمَلَةِ قَالَ السُّهَيْلِيُّ هُوَ بِالصَّادِ أَقْرَبُ إِلَى تَفْسِيرِ أَرْشَدْنَاهُ مِنْ أَسْعَدْنَاهُ بِالسِّينِ الْمُهْمَلَةِ لِأَنَّهُ إِذَا كَانَ بِالسِّينِ كَانَ مِنَ السَّعْدِ وَالسَّعَادَةِ وَأَرْشَدْتُ الرَّجُلَ إِلَى الطَّرِيقِ وَهَدَيْتُهُ السَّبِيلَ بَعِيدٌ مِنْ هَذَا التَّفْسِيرِ فَإِذَا.

قُلْتُ أَصْعَدْنَاهُمْ بِالصَّادِ خَرَجَ اللَّفْظُ إِلَى مَعْنَى الصُّعُدَاتِ فِي قَوْلِهِ إِيَّاكُمْ وَالْقُعُودَ عَلَى الصُّعُدَاتِ وَهِيَ الطُّرُقُ وَكَذَلِكَ أَصْعَدَ فِي الْأَرْضِ إِذَا سَارَ فِيهَا عَلَى قَصْدٍ فَإِنْ كَانَ الْبُخَارِيُّ قَصَدَ هَذَا وَكَتَبَهَا فِي نُسْخَتِهِ بِالصَّادِ الْتِفَاتًا إِلَى حَدِيثِ الصُّعُدَاتِ فَلَيْسَ بِمُنْكَرٍ انْتَهَى وَالَّذِي عِنْدَ الْبُخَارِيِّ إِنَّمَا هُوَ بِالسِّينِ كَمَا وَقَعَ عِنْدَ أَكْثَرِ الرُّوَاةِ عَنْهُ وَهُوَ مَنْقُولٌ مِنْ مَعَانِي الْقُرْآنِ قَالَ فِي قَوْله تَعَالَى وَأما ثَمُود فهديناهم يُقَالُ دَلَلْنَاهُمْ عَلَى مَذْهَبِ الْخَيْرِ وَمَذْهَبِ الشَّرِّ كَقَوْلِه وهديناه النجدين ثُمَّ سَاقَ عَنْ عَلِيٍّ فِي قَوْلِهِ وَهَدَيْنَاهُ النَّجْدَيْنِ قَالَ الْخَيْرَ وَالشَّرَّ قَالَ وَكَذَلِكَ .

     قَوْلُهُ  إِنَّا هديناه السَّبِيل قَالَ وَالْهُدَى عَلَى وَجْهٍ آخَرَ وَهُوَ الْإِرْشَادُ وَمِثْلُهُ قَوْلُكَ أَسْعَدْنَاهُ مِنْ ذَلِكَ أُولَئِكَ الَّذِينَ هدى الله فبهداهم اقتده فِي كَثِيرٍ مِنَ الْقُرْآنِ .

     قَوْلُهُ  يُوزَعُونَ يُكَفُّونَ قَالَ أَبُو عُبَيْدَةَ فِي قَوْلِهِ فَهُمْ يُوزَعُونَ أَيْ يُدْفَعُونَ وَهُوَ مِنْ وَزِعْتُ وَأَخْرَجَ الطَّبَرِيُّ مِنْ طَرِيقِ السُّدِّيِّ فِي قَوْلِهِ فَهُمْ يُوزَعُونَ قَالَ عَلَيْهِمْ وَزَعَةٌ تَرُدُّ أُولَاهُمْ عَلَى أُخْرَاهُمْ .

     قَوْلُهُ  مِنْ أَكْمَامِهَا قِشْرُ الْكُفُرَّى الْكُمُّ كَذَا لِأَبِي ذَرٍّ وَلِغَيْرِهِ هِيَ الْكُمُّ زَادَ الْأَصِيلِيُّ وَاحِدُهَا هُوَ قَوْلُ الْفَرَّاءِ بِلَفْظِهِ.

     وَقَالَ  أَبُو عُبَيْدَةَ فِي قَوْلِهِ مِنْ أَكْمَامِهَا أَيْ أَوْعِيَتِهَا وَاحِدُهَا كُمَّةٌ وَهُوَ مَا كَانَتْ فِيهِ وَكُمٌّ وَكُمَّةٌ وَاحِدٌ وَالْجَمْعُ أَكْمَامٌ وَأَكِمَّةٌ تَنْبِيهٌ كَافُ الْكُمِّ مَضْمُومَةٌ كَكُمِّ الْقَمِيصِ وَعَلَيْهِ يَدُلُّ كَلَامُ أَبِي عُبَيْدَةَ وَبِهِ جَزَمَ الرَّاغِبُ وَوَقَعَ فِي الْكَشَّافِ بِكَسْرِ الْكَافِ فَإِنْ ثَبَتَ فَلَعَلَّهَا لُغَةٌ فِيهِ دُونَ كُمِّ الْقَمِيصِ .

     قَوْلُهُ  وقَال غَيْرُهُ وَيُقَالُ لِلْعِنَبِ إِذَا خَرَجَ أَيْضًا كَافُورٌ وَكُفُرَّى ثَبَتَ هَذَا فِي رِوَايَةِ الْمُسْتَمْلِيِّ وَحْدَهُ وَالْكُفُرَّى بِضَمِّ الْكَافِ وَفَتْحِ الْفَاءِ وَبِضَمِّهَا أَيْضًا وَالرَّاءُ مُثَقَّلَةٌ مَقْصُورٌ وَهُوَ وِعَاءُ الطَّلْعِ وَقِشْرُهُ الْأَعْلَى قَالَهُ الْأَصْمَعِيُّ وَغَيْرُهُ قَالُوا وَوِعَاءُ كُلِّ شَيْءٍ كَافُورُهُ.

     وَقَالَ  الْخَطَّابِيُّ قَوْلُ الْأَكْثَرِينَ الْكُفُرَّى الطَّلْعُ بِمَا فِيهِ وَعَنِ الْخَلِيلِ أَنَّهُ الطَّلْعُ .

     قَوْلُهُ  وَلِيٌّ حَمِيمٌ الْقَرِيبُ كَذَا لِلْأَكْثَرِ وَعِنْدَ النَّسَفِيِّ.

     وَقَالَ  مَعْمَرٌ فَذَكَرَهُ وَمَعْمَرٌ هُوَ بن الْمُثَنَّى أَبُو عُبَيْدَةَ وَهَذَا كَلَامُهُ قَالَ فِي قَوْله كَأَنَّهُ ولي حميم قَالَ وَلِيٌّ قَرِيبٌ .

     قَوْلُهُ  مِنْ مَحِيصٍ حَاصَ عَنْهُ حَادَ عَنْهُ قَالَ أَبُو عُبَيْدَةَ فِي قَوْله مالنا من محيص يُقَالُ حَاصَ عَنْهُ أَيْ عَدَلَ وَحَادَ.

     وَقَالَ  فِي مَوْضِعٍ آخَرَ مِنْ مَحِيصٍ أَيْ مِنْ مَعْدِلٍ .

     قَوْلُهُ  مِرْيَةٌ وَمُرْيَةٌ وَاحِدٌ أَيْ بِكَسْرِ الْمِيمِ وَضَمِّهَا أَيِ امْتِرَاءٌ هُوَ قَوْلُ أَبِي عُبَيْدَةَ أَيْضًا وَقِرَاءَةُ الْجُمْهُورِ بِالْكَسْرِ وَقَرَأَ الْحَسَنُ الْبَصْرِيُّ بِالضَّمِّ .

     قَوْلُهُ  وقَال مُجَاهِدٌ اعْمَلُوا مَا شِئْتُمْ الْوَعِيدُ فِي رِوَايَةِ الْأَصِيلِيِّ هُوَ وَعِيدٌ وَقَدْ وَصَلَهُ عَبْدُ بْنُ حُمَيْدٍ مِنْ طَرِيقِ سُفْيَان عَن بن أَبِي نَجِيحٍ عَنْ مُجَاهِدٍ فِي قَوْلِهِ اعْمَلُوا مَا شِئْتُم قَالَ هَذَا وَعِيدٌ وَأَخْرَجَهُ عَبْدُ الرَّزَّاقِ مِنْ وَجْهَيْنِ آخَرَيْنِ عَنْ مُجَاهِدٍ.

     وَقَالَ  أَبُو عُبَيْدَةَ لَمْ يَأْمُرْهُمْ بِعَمَلِ الْكُفْرِ وَإِنَّمَا هُوَ تَوَعُّدٌ قَوْله.

     وَقَالَ  بن عَبَّاس ادْفَعْ بِالَّتِي هِيَ أحسن الصَّبْرُ عِنْدَ الْغَضَبِ وَالْعَفْوُ عِنْدَ الْإِسَاءَةِ فَإِذَا فَعَلُوا ذَلِكَ عَصَمَهُمُ اللَّهُ وَخَضَعَ لَهُمْ عَدُوُّهُمْ كَأَنَّهُ وَلِيٌّ حَمِيمٌ سَقَطَ كَأَنَّهُ وَلِيٌّ حَمِيمٌ مِنْ رِوَايَةِ أَبِي ذَرٍّ وَحْدَهُ وَثَبَتَ لِلْبَاقِينَ وَقَدْ وَصَلَهُ الطَّبَرِيُّ مِنْ طَرِيقِ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَلْحَةَ عَنِ بن عَبَّاسٍ قَالَ أَمَرَ اللَّهُ الْمُؤْمِنِينَ بِالصَّبْرِ عِنْدَ الْغَضَبِ وَالْعَفْوِ عِنْدَ الْإِسَاءَةِ إِلَخْ وَمِنْ طَرِيقِ عَبْدِ الْكَرِيمِ الْجَزَرِيِّ عَنْ مُجَاهِدٍ ادْفَعْ بِالَّتِي هِيَ أحسن السَّلَامُ