فهرس الكتاب

فتح الباري لابن حجر - باب قوله: {سواء عليهم أستغفرت لهم أم لم تستغفر لهم، لن يغفر الله لهم، إن الله لا يهدي القوم الفاسقين} [المنافقون: 6]

( قَوْله بَاب قَوْله سَوَاء عَلَيْهِم أَسْتَغْفَرْت لَهُمْ الْآيَةِ)
كَذَا لِأَبِي ذَرٍّ وَسَاقَ غَيْرُهُ الْآيَةَ وَأَخْرَجَ الطَّبَرِيُّ مِنْ طَرِيقِ الْعَوْفِيِّ عَنِ بن عَبَّاسٍ قَالَ أُنْزِلَتْ هَذِهِ الْآيَةُ بَعْدَ الَّتِي فِي التَّوْبَةِ اسْتَغْفِرْ لَهُمْ أَوْ لَا تَسْتَغْفِرْ لَهُمْ إِنْ تَسْتَغْفِرْ لَهُمْ سَبْعِينَ مَرَّةً فَلَنْ يَغْفِرَ اللَّهُ لَهُم



[ قــ :4640 ... غــ :4905] .

     قَوْلُهُ  قَالَ عَمْرٌو وَقَعَ فِي آخِرِ الْبَابِ قَالَ سُفْيَانُ فَحَفِظْتُهُ مِنْ عَمْرٍو قَالَ فَذَكَرَهُ وَوَقَعَ رِوَايَةُ الْحُمَيْدِيِّ الْآتِيَةُ بَعْدَ بَابِ حَفِظْنَاهُ مِنْ عَمْرٍو .

     قَوْلُهُ  كُنَّا فِي غَزَاةٍ قَالَ سُفْيَان مرّة فِي جَيش وَسمي بن إِسْحَاقَ هَذِهِ الْغَزْوَةَ غَزْوَةَ بَنِي الْمُصْطَلِقِ وَكَذَا وَقع عِنْد الْإِسْمَاعِيلِيّ من طَرِيق بن أَبِي عُمَرَ عَنْ سُفْيَانَ قَالَ يَرَوْنَ أَنَّ هَذِهِ الْغَزَاةَ غَزَاةُ بَنِي الْمُصْطَلِقِ وَكَذَا فِي مُرْسَلِ عُرْوَةَ الَّذِي سَأَذْكُرُهُ .

     قَوْلُهُ  فَكَسَعَ رَجُلٌ الْكَسْعُ يَأْتِي تَفْسِيرُهُ بَعْدَ بَابٍ وَالْمَشْهُورُ فِيهِ أَنَّهُ ضَرْبُ الدُّبُرِ بِالْيَدِ أَوْ بِالرِّجْلِ وَوَقَعَ عِنْدَ الطَّبَرِيُّ مِنْ وَجْهٍ آخَرَ عَنْ عَمْرِو بْنِ دِينَارٍ عَنْ جَابِرٍ أَنَّ رَجُلًا مِنَ الْمُهَاجِرِينَ كَسَعَ رَجُلًا مِنْ الْأَنْصَارِ بِرِجْلِهِ وَذَلِكَ عِنْدَ أَهْلِ الْيَمَنِ شَدِيدٌ وَالرَّجُلُ الْمُهَاجِرِيُّ هُوَ جَهْجَاه بن قيس وَيُقَال بن سَعِيدٍ الْغِفَارِيُّ وَكَانَ مَعَ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ يَقُودُ لَهُ فَرَسَهُ وَالرَّجُلُ الْأَنْصَارِيُّ هُوَ سِنَانُ بْنُ وَبَرَةَ الْجُهَنِيُّ حَلِيفُ الْأَنْصَارِ وَفِي رِوَايَةِ عَبْدِ الرَّزَّاقِ عَنْ مَعْمَرٍ عَنِ قَتَادَةَ مُرْسَلًا أَنَّ الْأَنْصَارِيَّ كَانَ حَلِيفًا لَهُمْ مِنْ جُهَيْنَةَ وَأَن الْمُهَاجِرِي كَانَ من غفار وسماهما بن إِسْحَاق فِي الْمَغَازِي عَن شُيُوخه وَأخرج بن أَبِي حَاتِمٍ مِنْ طَرِيقِ عُقَيْلٍ عَنِ الزُّهْرِيِّ عَنْ عُرْوَةَ بْنِ الزُّبَيْرِ وَعَمْرِو بْنِ ثَابِتٍ أَنَّهُمَا أَخْبَرَاهُ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ غَزَا غَزْوَةَ الْمُرَيْسِيعِ وَهِيَ الَّتِي هَدَمَ فِيهَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَنَاةَ الطَّاغِيَةَ الَّتِي كَانَتْ بَيْنَ قَفَا الْمُشَلَّلِ وَبَيْنَ الْبَحْرِ فَاقْتَتَلَ رَجُلَانِ فَاسْتَعْلَى الْمُهَاجِرِيُّ عَلَى الْأَنْصَارِيِّ فَقَالَ حَلِيفُ الْأَنْصَارِ يَا مَعْشَرَ الْأَنْصَارِ فَتَدَاعَوْا إِلَى أَنْ حُجِزَ بَيْنَهُمْ فَانْكَفَأَ كُلُّ مُنَافِقٍ إِلَى عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أُبَيٍّ فَقَالُوا كُنْتَ تُرْجَى وَتَدْفَعُ فَصِرْتَ لَا تَضُرُّ وَلَا تَنْفَعُ فَقَالَ لَئِنْ رَجَعْنَا إِلَى الْمَدِينَةِ ليخرجن الْأَعَز مِنْهَا الْأَذَل فَذَكَرَ الْقِصَّةَ بِطُولِهَا وَهُوَ مُرْسَلٌ جَيِّدٌ وَاتَّفَقَتْ هَذِهِ الطُّرُقُ عَلَى أَنَّ الْمُهَاجِرِيَّ وَاحِدٌ وَوَقَعَ فِي حَدِيثِ أَبِي الزُّبَيْرِ عَنْ جَابِرٍ عِنْدَ مُسْلِمٍ اقْتَتَلَ غُلَامَانِ مِنَ الْمُهَاجِرِينَ وَغُلَامٌ مِنَ الْأَنْصَارِ فَنَادَى الْمُهَاجِرِيُّ يَا لَلْمُهَاجِرِينَ وَنَادَى الْأَنْصَارِيُّ يَا لَلْأَنْصَارِ فَخَرَجَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ مَا هَذَا أَدَعْوَى الْجَاهِلِيَّةِ قَالُوا لَا إِنَّ غُلَامَيْنِ اقْتَتَلَا فَكَسَعَ أَحَدُهُمَا الْآخَرَ فَقَالَ لَا بَأْسَ وَلْيَنْصُرَنَّ الرَّجُلُ أَخَاهُ ظَالِمًا أَوْ مَظْلُومًا الْحَدِيثَ وَيُمْكِنُ تَأْوِيلُ هَذِهِ الرِّوَايَةِ بِأَنَّ قَوْلَهُ مِنَ الْمُهَاجِرِينَ بَيَانٌ لِأَحَدِ الْغُلَامَيْنِ وَالتَّقْدِيرُ اقْتَتَلَ غُلَامَانِ غُلَامٌ مِنَ الْمُهَاجِرِينَ وَغُلَامٌ مِنْ الْأَنْصَارِ فَحَذَفَ لَفْظَ غُلَامٍ مِنَ الْأَوَّلِ وَيُؤَيِّدُهُ .

     قَوْلُهُ  فِي بَقِيَّةِ الْخَبَرِ فَقَالَ الْمُهَاجِرِيُّ فَأَفْرَدَهُ فَتَتَوَافَقُ الرِّوَايَاتُ وَيُسْتَفَادُ مِنْ قَوْلِهِ لَا بَأْسَ جَوَازُ الْقَوْلِ الْمَذْكُورِ بِالْقَصْدِ الْمَذْكُورِ وَالتَّفْصِيلِ الْمُبَيَّنِ لَا عَلَى مَا كَانُوا عَلَيْهِ فِي الْجَاهِلِيَّةِ مِنْ نُصْرَةِ مَنْ يَكُونُ مِنَ الْقَبِيلَةِ مُطْلَقًا وَقَدْ تَقَدَّمَ شَرْحُ قَوْلِهِ انْصُرْ أَخَاكَ ظَالِمًا أَوْ مَظْلُومًا مُسْتَوْفًى فِي بَابِ أَعِنْ أَخَاكَ مِنْ كِتَابِ الْمَظَالِمِ .

     قَوْلُهُ  يَا لَلْأَنْصَارِ بِفَتْحِ اللَّامِ وَهِيَ لِلِاسْتِغَاثَةِ أَيْ أَغِيثُونِي وَكَذَا فِي قَوْلُ الْآخَرِ يَا لَلْمُهَاجِرِينَ .

     قَوْلُهُ  دَعُوهَا فَإِنَّهَا مُنْتِنَةٌ أَيْ دَعْوَةُ الْجَاهِلِيَّةِ وَأَبْعَدَ مَنْ قَالَ الْمُرَادُ الْكَسْعَةُ وَمُنْتِنَةٌ بِضَمِّ الْمِيمِ وَسُكُونِ النُّونِ وَكَسْرِ الْمُثَنَّاةِ مِنَ النَّتْنِ أَيْ أَنَّهَا كَلِمَةٌ قَبِيحَةٌ خَبِيثَةٌ وَكَذَا ثَبَتَتْ فِي بَعْضِ الرِّوَايَاتِ .

     قَوْلُهُ  فَعَلُوهَا هُوَ اسْتِفْهَامٌ بِحَذْفِ الْأَدَاةِ أَيْ أَفَعَلُوهَا أَيِ الْأَثَرَةَ أَيْ شَرِكْنَاهُمْ فِيمَا نَحْنُ فِيهِ فَأَرَادُوا الِاسْتِبْدَادَ بِهِ عَلَيْنَا وَفِي مُرْسَلِ قَتَادَةَ فَقَالَ رَجُلٌ مِنْهُمْ عَظِيمُ النِّفَاقِ مَا مَثَلُنَا وَمَثَلُهُمْ إِلَّا كَمَا قَالَ الْقَائِلُ سَمِّنْ كلبك يَأْكُلك وَعند بن إِسْحَاقَ فَقَالَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ أُبَيٍّ أَقَدْ فَعَلُوهَا نَافَرُونَا وَكَاثَرُونَا فِي بِلَادِنَا وَاللَّهِ مَا مَثَلُنَا وَجَلَابِيبُ قُرَيْشٍ هَذِهِ إِلَّا كَمَا قَالَ الْقَائِلُ سَمِّنْ كَلْبَكَ يَأْكُلْكَ .

     قَوْلُهُ  فَقَامَ عُمَرُ فَقَالَ يَا رَسُولَ اللَّهِ دَعْنِي أَضْرِبُ عُنُقَهُ فِي مُرْسَلِ قَتَادَةَ فَقَالَ عُمَرُ مُرْ مُعَاذًا أَنْ يَضْرِبَ عُنُقَهُ وَإِنَّمَا قَالَ ذَلِكَ لِأَنَّ مُعَاذًا لَمْ يَكُنْ مِنْ قَوْمِهِ .

     قَوْلُهُ  دَعْهُ لَا يَتَحَدَّثُ النَّاسُ أَنَّ مُحَمَّدًا يَقْتُلُ أَصْحَابَهُ أَيْ أَتْبَاعَهُ وَيَجُوزُ فِي يَتَحَدَّثَ الرَّفْعُ عَلَى الِاسْتِئْنَافِ وَالْكَسْرِ عَلَى جَوَابِ الْأَمْرِ وَفِي مُرْسَلِ قَتَادَةَ فَقَالَ لَا وَاللَّهِ لَا يَتَحَدَّثُ النَّاسُ زَاد بن إِسْحَاقَ فَقَالَ مُرْ بِهِ مُعَاذَ بْنَ بِشْرِ بْنِ وَقْشٍ فَلْيَقْتُلْهُ فَقَالَ لَا وَلَكِنْ أَذِّنْ بِالرَّحِيلِ فَرَاحَ فِي سَاعَةٍ مَا كَانَ يَرْحَلُ فِيهَا فَلَقِيَهُ أُسَيْدُ بْنُ حُضَيْرٍ فَسَأَلَهُ عَنْ ذَلِكَ فَأَخْبَرَهُ فَقَالَ فَأَنْتَ يَا رَسُولَ اللَّهِ الْأَعَزُّ وَهُوَ الْأَذَلُّ قَالَ وَبَلَغَ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي مَا كَانَ مِنْ أَمْرِ أَبِيهِ فَأَتَى النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وسلمفقال بَلَغَنِي أَنَّكَ تُرِيدُ قَتْلَ أَبِي فِيمَا بَلَغَكَ عَنْهُ فَإِنْ كُنْتَ فَاعِلًا فَمُرْنِي بِهِ فَأَنَا أَحْمِلْ إِلَيْكَ رَأْسَهُ فَقَالَ بَلْ تُرْفِقُ بِهِ وَتُحْسِنُ صُحْبَتَهُ قَالَ فَكَانَ بَعْدَ ذَلِكَ إِذَا أَحْدَثَ الْحَدَثَ كَانَ قَوْمُهُ هُمُ الَّذِينَ يُنْكِرُونَ عَلَيْهِ فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِعُمَرَ كَيْفَ تَرَى وَوَقَعَ فِي مُرْسَلِ عِكْرِمَةَ عِنْدَ الطَّبَرِيِّ أَنَّ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي قَالَ لِلنَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِنْ وَالِدِي يُؤْذِي اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَذَرْنِي حَتَّى أَقْتُلَهُ قَالَ لَا تَقْتُلْ أَبَاكَ .

     قَوْلُهُ  ثُمَّ إِنَّ الْمُهَاجِرِينَ كَثُرُوا بَعْدُ هَذَا مِمَّا يُؤَيِّدُ تَقَدُّمَ الْقِصَّةِ وَيُوَضِّحُ وَهْمَ مَنْ قَالَ إِنَّهَا كَانَتْ بِتَبُوكَ لِأَنَّ الْمُهَاجِرِينَ حِينَئِذٍ كَانُوا كَثِيرًا جِدًّا وَقَدِ انْضَافَتْ إِلَيْهِمْ مُسْلِمَةُ الْفَتْحِ فِي غَزْوَةِ تَبُوكَ فَكَانُوا حِينَئِذٍ أَكْثَرَ من الْأَنْصَار وَالله أعلم