فهرس الكتاب

فتح الباري لابن حجر - باب {ودا ولا سواعا، ولا يغوث ويعوق} [نوح: 23]

( .

     قَوْلُهُ  بَاب ودا وَلَا سواعا وَلَا يَغُوث ويعوق)

سَقَطَتْ هَذِهِ التَّرْجَمَةُ لِغَيْرِ أَبِي ذَرٍّ



[ قــ :4654 ... غــ :4920] .

     قَوْلُهُ  أخبرنَا هِشَام هُوَ بن يُوسُف الصَّنْعَانِيّ قَوْله عَن بن جُرَيْجٍ.

     وَقَالَ  عَطَاءٌ كَذَا فِيهِ وَهُوَ مَعْطُوفٌ عَلَى كَلَامٍ مَحْذُوفٍ وَقَدْ بَيَّنَهُ الْفَاكِهِيُّ مِنْ وَجه آخر عَن بن جريج قَالَ فِي قَوْله تَعَالَى وداولا سواعا الْآيَةَ قَالَ أَوْثَانٌ كَانَ قَوْمُ نُوحٍ يَعْبُدُونَهُمْ.

     وَقَالَ  عَطاء كَانَ بن عَبَّاس الخ قَوْله عَن بن عَبَّاسٍ قِيلَ هَذَا مُنْقَطِعٌ لِأَنَّ عَطَاءً الْمَذْكُورَ هُوَ الخرساني وَلم يلق بن عَبَّاسٍ فَقَدْ أَخْرَجَ عَبْدُ الرَّزَّاقِ هَذَا الْحَدِيثَ فِي تَفْسِيره عَن بن جريج فَقَالَ أَخْبرنِي عَطاء الخرساني عَن بن عَبَّاسٍ.

     وَقَالَ  أَبُو مَسْعُودٍ ثَبَتَ هَذَا الْحَدِيثُ فِي تَفْسِير بن جريج عَن عَطاء الخرساني عَن بن عَبَّاس وبن جريج لم يسمع التَّفْسِير من عَطاء الخرساني وَإِنَّمَا أَخَذَهُ مِنَ ابْنِهِ عُثْمَانَ بْنِ عَطَاءٍ فَنَظَرَ فِيهِ وَذَكَرَ صَالِحُ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ حَنْبَلٍ فِي الْعِلَلِ عَنْ عَلِيِّ بْنِ الْمَدِينِيِّ قَالَ سَأَلت يحيى الْقطَّان عَن حَدِيث بن جريج عَن عَطاء الخرساني فَقَالَ ضَعِيفٌ فَقُلْتُ إِنَّهُ يَقُولُ أَخْبَرَنَا قَالَ لَا شَيْءَ إِنَّمَا هُوَ كِتَابٌ دَفَعَهُ إِلَيْهِ انْتهى وَكَانَ بن جُرَيْجٍ يَسْتَجِيزُ إِطْلَاقَ أَخْبَرَنَا فِي الْمُنَاوَلَةِ وَالْمُكَاتَبَةِ.

     وَقَالَ  الْإِسْمَاعِيلِيُّ أُخْبِرْتُ عَنْ عَلِيِّ بْنِ الْمَدِينِيِّ أَنه ذكر عَن تَفْسِير بن جُرَيْجٍ كَلَامًا مَعْنَاهُ أَنَّهُ كَانَ يَقُولُ عَنْ عَطاء الخرساني عَن بن عَبَّاس فطال على الْوراق أَن يكْتب الخرساني فِي كُلَّ حَدِيثٍ فَتَرَكَهُ فَرَوَاهُ مَنْ رَوَى عَلَى أَنَّهُ عَطَاءُ بْنُ أَبِي رَبَاحٍ انْتَهَى وَأَشَارَ بِهَذَا إِلَى الْقِصَّةِ الَّتِي ذَكَرَهَا صَالِحُ بْنُ أَحْمَدَ عَنْ عَلِيِّ بْنِ الْمَدِينِيِّ وَنَبَّهَ عَلَيْهَا أَبُو عَلِيٍّ الْجَيَّانِيُّ فِي تَقْيِيدِ الْمُهْمَلِ قَالَ بن الْمَدِينِيِّ سَمِعْتُ هِشَامَ بْنَ يُوسُفَ يَقُولُ قَالَ لي بن جُرَيْجٍ سَأَلْتُ عَطَاءً عَنِ التَّفْسِيرِ مِنَ الْبَقَرَةِ وَآلِ عِمْرَانَ ثُمَّ قَالَ اعْفِنِي مِنْ هَذَا قَالَ قَالَ هِشَامٌ فَكَانَ بَعْدُ إِذَا قَالَ قَالَ عَطاء عَن بن عَبَّاس قَالَ عَطاء الخرساني قَالَ هِشَامٌ فَكَتَبْنَا ثُمَّ مَلِلْنَا يَعْنِي كَتَبْنَا الخرساني قَالَ بن الْمَدِينِيِّ وَإِنَّمَا بَيَّنْتُ هَذَا لِأَنَّ مُحَمَّدَ بْنَ ثَوْرٍ كَانَ يَجْعَلُهَا يَعْنِي فِي رِوَايَتِهِ عَنِ بن جريج عَن عَطاء عَن بن عَبَّاسٍ فَيُظَنُّ أَنَّهُ عَطَاءُ بْنُ أَبِي رَبَاحٍ وَقَدْ أَخْرَجَ الْفَاكِهِيُّ الْحَدِيثَ الْمَذْكُورَ مِنْ طَرِيقِ مُحَمَّد بن ثَوْر عَن بن جريج عَن عَطاء عَن بن عَبَّاس وَلم يقل الخرساني وَأخرجه عبد الرَّزَّاق كَمَا تقدم فَقَالَ الخرساني وَهَذَا مِمَّا اسْتُعْظِمَ عَلَى الْبُخَارِيِّ أَنْ يَخْفَى عَلَيْهِ لَكِنَّ الَّذِي قَوِيَ عِنْدِي أَنَّ هَذَا الحَدِيث بِخُصُوصِهِ عِنْد بن جريج عَن عَطاء الخرساني وَعَنْ عَطَاءِ بْنِ أَبِي رَبَاحٍ جَمِيعًا وَلَا يَلْزَمُ مِنَ امْتِنَاعِ عَطَاءِ بْنِ أَبِي رَبَاحٍ مِنَ التَّحْدِيثِ بِالتَّفْسِيرِ أَنْ لَا يُحَدِّثَ بِهَذَا الحَدِيث فِي بَابٍ آخَرَ مِنَ الْأَبْوَابِ أَوْ فِي الْمُذَاكَرَةِ وَإِلَّا فَكَيْفَ يَخْفَى عَلَى الْبُخَارِيِّ ذَلِكَ مَعَ تَشَدُّدِهِ فِي شَرْطِ الِاتِّصَالِ وَاعْتِمَادِهِ غَالِبًا فِي الْعِلَلِ عَلَى عَلِيِّ بْنِ الْمَدِينِيِّ شَيْخِهِ وَهُوَ الَّذِي نَبَّهَ عَلَى هَذِهِ الْقِصَّةِ وَمِمَّا يُؤَيِّدُ ذَلِكَ أَنَّهُ لَمْ يُكْثِرْ مِنْ تَخْرِيجِ هَذِهِ النُّسْخَةِ وَإِنَّمَا ذَكَرَ بِهَذَا الْإِسْنَادِ مَوْضِعَيْنِ هَذَا وَآخَرَ فِي النِّكَاحِ وَلَوْ كَانَ خَفِيَ عَلَيْهِ لَاسْتَكْثَرَ مِنْ إِخْرَاجِهَا لِأَنَّ ظَاهِرَهَا أَنَّهَا عَلَى شَرْطِهِ .

     قَوْلُهُ  صَارَتِ الْأَوْثَانُ الَّتِي كَانَتْ فِي قَوْمِ نُوحٍ فِي الْعَرَبِ بَعْدُ فِي رِوَايَةِ عَبْدِ الرَّزَّاقِ عَنْ مَعْمَرٍ عَنِ قَتَادَة كَانَت آلِهَةٌ تَعْبُدُهَا قَوْمُ نُوحٍ ثُمَّ عَبَدَتْهَا الْعَرَبُ بَعْدُ.

     وَقَالَ  أَبُو عُبَيْدَةَ وَزَعَمُوا أَنَّهُمْ كَانُوا مَجُوسًا وَأَنَّهَا غَرِقَتْ فِي الطُّوفَانِ فَلَمَّا نَضَبَ الْمَاءُ عَنْهَا أَخْرَجَهَا إِبْلِيسُ فَبَثَّهَا فِي الْأَرْضِ انْتَهَى وَقَولُهُ كَانُوا مَجُوسًا غَلَطٌ فَإِنَّ الْمَجُوسِيَّةَ كَلِمَةٌ حَدَثَتْ بَعْدَ ذَلِكَ بِدَهْرٍ طَوِيلٍ وَإِنْ كَانَ الْفُرْسُ يَدَّعُونَ خِلَافَ ذَلِكَ وَذَكَرَ السُّهَيْلِيُّ فِي التَّعْرِيف أَن يَغُوث هُوَ بن شِيثَ بْنِ آدَمَ فِيمَا قِيلَ وَكَذَلِكَ سُوَاعٌ وَمَا بَعْدَهُ وَكَانُوا يَتَبَرَّكُونَ بِدُعَائِهِمْ فَلَمَّا مَاتَ مِنْهُم أحد مثلُوا صورته وتمسحوا بِهَا إِلَى زَمَنِ مَهْلَائِيلَ فَعَبَدُوهَا بِتَدْرِيجِ الشَّيْطَانِ لَهُمْ ثُمَّ صَارَتْ سُنَّةً فِي الْعَرَبِ فِي الْجَاهِلِيَّةِ وَلَا أَدْرِي مِنْ أَيْنَ سَرَتْ لَهُمْ تِلْكَ الْأَسْمَاءُ مِنْ قِبَلِ الْهِنْدِ فَقَدْ قِيلَ إِنَّهُمْ كَانُوا الْمَبْدَأَ فِي عِبَادَةِ الْأَصْنَامِ بَعْدَ نُوحٍ أَمِ الشَّيْطَانُ أَلْهَمَ الْعَرَبَ ذَلِكَ انْتَهَى وَمَا ذكره مِمَّا نَقَلَهُ تَلَقَّاهُ مِنْ تَفْسِيرِ بَقِيِّ بْنِ مخلد فَإِنَّهُ ذَكَرَ فِيهِ نَحْوَ ذَلِكَ عَلَى مَا نبه عَلَيْهِ بن عَسْكَرٍ فِي ذَيْلِهِ وَفِيهِ أَنَّ تِلْكَ الْأَسْمَاءَ وَقَعَتْ إِلَى الْهِنْدِ فَسَمَّوْا بِهَا أَصْنَامَهُمْ ثُمَّ أَدْخَلَهَا إِلَى أَرْضِ الْعَرَبِ عَمْرُو بْنُ لُحَيٍّ وَعَنْ عُرْوَةَ بْنِ الزُّبَيْرِ أَنَّهُمْ كَانُوا أَوْلَادَ آدم لصلبه وَكَانَ ودا أَكْبَرَهُمْ وَأَبَرَّهُمْ بِهِ وَهَكَذَا أَخْرَجَهُ عُمَرُ بْنُ شَبَّةَ فِي كِتَابِ مَكَّةَ مِنْ طَرِيقِ مُحَمَّدِ بْنِ كَعْبٍ الْقُرَظِيِّ قَالَ كَانَ لِآدَمَ خَمْسُ بَنِينَ فَسَمَّاهُمْ قَالَ وَكَانُوا عُبَّادًا فَمَاتَ رَجُلٌ مِنْهُمْ فَحَزِنُوا عَلَيْهِ فَجَاءَ الشَّيْطَانُ فَصَوَّرَهُ لَهُمْ ثُمَّ قَالَ لِلْآخَرِ إِلَى آخِرِ الْقِصَّةِ وَفِيهَا فَعَبَدُوهَا حَتَّى بَعَثَ اللَّهُ نُوحًا وَمِنْ طَرِيقٍ أُخْرَى أَنَّ الَّذِي صَوَّرَهُ لَهُمْ رَجُلٌ مِنْ وَلَدِ قَابِيلَ بْنِ آدَمَ وَقَدْ أَخْرَجَ الْفَاكِهِيُّ من طَرِيق بن الْكَلْبِيِّ قَالَ كَانَ لِعَمْرِو بْنِ رَبِيعَةَ رَئِيٌّ مِنَ الْجِنِّ فَأَتَاهُ فَقَالَ أَجِبْ أَبَا ثُمَامَةَ وَادْخُلْ بِلَا مَلَامَةَ ثُمَّ ائْتِ سَيْفَ جُدَّةٍ تَجِدْ بِهَا أَصْنَامًا مُعَدَّةً ثُمَّ أَوْرِدْهَا تِهَامَةَ وَلَا تَهَبْ ثُمَّ ادْعُ الْعَرَبَ إِلَى عِبَادَتِهَا تُجَبْ قَالَ فَأَتَى عَمْرٌو سَاحِلَ جُدَّةَ فَوَجَدَ بِهَا وَدًّا وَسُوَاعًا وَيَغُوثَ وَيَعُوقَ وَنَسْرًا وَهِيَ الْأَصْنَامُ الَّتِي عُبِدَتْ عَلَى عَهْدِ نُوحٍ وَإِدْرِيسَ ثُمَّ إِنَّ الطُّوفَانَ طَرَحَهَا هُنَاكَ فَسَفَى عَلَيْهَا الرَّمْلُ فَاسْتَثَارَهَا عَمْرٌو وَخَرَجَ بِهَا إِلَى تِهَامَةَ وَحَضَرَ الْمَوْسِمَ فَدَعَا إِلَى عِبَادَتِهَا فَأُجِيبَ وَعَمْرُو بْنُ رَبِيعَةَ هُوَ عَمْرُو بْنُ لُحَيٍّ كَمَا تَقَدَّمَ .

     قَوْلُهُ  أَمَّا وَدٌّ فَكَانَتْ لِكَلْبٍ بِدُومَةِ الجندل قَالَ بن إِسْحَاقَ وَكَانَ لِكَلْبِ بْنِ وَبَرَةَ بْنِ قُضَاعَةَ قلت وبرة هُوَ بن تَغْلِبَ بْنِ عِمْرَانَ بْنِ الْحَافِّ بْنِ قُضَاعَةَ ودومة بِضَم الدَّال والجندل بِفَتْحِ الْجِيمِ وَسُكُونِ النُّونِ مَدِينَةٌ مِنْ الشَّامِ مِمَّا يَلِي الْعِرَاقَ وَوَدٌّ بِفَتْحِ الْوَاوِ وَقَرَأَهَا نَافِعٌ وَحْدَهُ بِضَمِّهَا.
وَأَمَّا سُوَاعٌ فَكَانَتْ لِهُذَيْلٍ زَادَ أَبُو عُبَيْدَةَ بْنِ مُدْرِكَةَ بْنِ إِلْيَاسَ بْنِ مُضَرَ وَكَانُوا بِقرب مَكَّة.

     وَقَالَ  بن إِسْحَاقَ كَانَ سُوَاعٌ بِمَكَانٍ لَهُمْ يُقَالُ لَهُ رُهَاطٌ بِضَمِّ الرَّاءِ وَتَخْفِيفِ الْهَاءِ مِنْ أَرْضِ الْحِجَازِ مِنْ جِهَةِ السَّاحِلِ .

     قَوْلُهُ .
وَأَمَّا يَغُوثُ فَكَانَتْ لِمُرَادٍ ثُمَّ لِبَنِي غُطَيْفٍ فِي مُرْسَلِ قَتَادَةَ فَكَانَتْ لِبَنِي غُطَيْفِ بْنِ مُرَادٍ وَهُوَ غُطَيْفُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ نَاجِيَةَ بْنِ مُرَاد وروى الفاكهي من طَرِيق بن إِسْحَاقَ قَالَ كَانَتْ أَنْعَمَ مِنْ طَيِّئٍ وَجُرَشُ بْنُ مَذْحِجٍ اتَّخَذُوا يَغُوثَ لِجُرَشٍ .

     قَوْلُهُ  بِالْجُرُفِ فِي رِوَايَةِ أَبِي ذَرٍّ عَنْ غَيْرِ الْكُشْمِيهَنِيِّ بِفَتْحِ الْحَاءِ وَسُكُونِ الْوَاوِ وَلَهُ عَنِ الْكُشْمِيهَنِيِّ الْجُرُفَ بِضَمِّ الْجِيمِ وَالرَّاءِ وَكَذَا فِي مُرْسَلِ قَتَادَةَ وَلِلنَّسَفِيِّ بِالْجَوْنِ بِجِيمٍ ثُمَّ وَاوٍ ثُمَّ نُونٍ زَادَ غَيْرُ أَبِي ذَرٍّ عِنْدَ سَبَأٍ قَوْله وَأما يعوق فَكَانَت لهمدان قَالَ أَبُو عُبَيْدَةَ لِهَذَا الْحَيِّ مِنْ هَمْدَانَ وَلِمُرَادِ بْنِ مَذْحِجٍ وَرَوَى الْفَاكِهِيُّ مِنْ طَرِيقِ بن إِسْحَاقَ قَالَ كَانَتْ خَيْوَانُ بَطْنٌ مِنْ هَمْدَانَ اتَّخذُوا يعوق بأرضهم



قَوْله سُورَة قل أوحى)
كَذَا لَهُمْ وَيُقَالُ لَهَا سُورَةُ الْجِنِّ .

     قَوْلُهُ  قَالَ بن عَبَّاسٍ لِبَدًا أَعْوَانًا هُوَ عِنْدَ التِّرْمِذِيِّ فِي آخر حَدِيث بن عَبَّاس الْمَذْكُور فِي هَذَا الْبَاب وَوَصله بن أَبِي حَاتِمٍ مِنْ طَرِيقِ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَلْحَةَ عَنِ بن عَبَّاسٍ هَكَذَا وَقِرَاءَةُ الْجُمْهُورِ بِكَسْرِ اللَّامِ وَفَتْحِ الْبَاءِ وَهِشَامٍ وَحْدَهُ بِضَمِّ اللَّامِ وَفَتْحِ الْمُوَحَّدَةِ فَالْأُولَى جَمْعُ لِبْدَةٍ بِكَسْرٍ ثُمَّ سُكُونٍ نَحْوِ قِرْبَةٍ وَقِرَبٍ وَاللِّبْدَةُ وَاللِّبَدُ الشَّيْءُ الْمُلَبَّدُ أَيِ الْمُتَرَاكِبُ بَعْضُهُ عَلَى بَعْضٍ وَبِهِ سُمِّيَ اللِّبَدُ الْمَعْرُوفُ وَالْمَعْنَى كَادَتِ الْجِنُّ يَكُونُونَ عَلَيْهِ جَمَاعَاتٍ مُتَرَاكِبَةٍ مُزْدَحِمِينَ عَلَيْهِ كَاللِّبْدَةِ.
وَأَمَّا الَّتِي بِضَمِّ اللَّامِ فَهِيَ جَمْعُ لُبْدَةٍ بِضَمٍّ ثُمَّ سُكُونٍ مِثْلِ غُرْفَةٍ وَغُرَفٍ وَالْمَعْنَى أَنَّهُمْ كَانُوا جَمْعًا كَثِيرًا كَقَوْلِهِ تَعَالَى مَالًا لُبَدًا أَيْ كَثِيرًا وَرُوِيَ عَنْ أَبِي عَمْرٍو أَيْضًا بِضَمَّتَيْنِ فَقِيلَ هِيَ جَمْعُ لَبُودٍ مِثْلُ صُبُرٍ وَصَبُورٍ وَهُوَ بِنَاء مُبَالغَة وَقَرَأَ بن مُحَيْصِنٍ بِضَمٍّ ثُمَّ سُكُونٍ فَكَأَنَّهَا مُخَفَّفَةٌ مِنَ الَّتِي قَبْلَهَا وَقَرَأَ الْجَحْدَرِيُّ بِضَمَّةٍ ثُمَّ فَتْحَةٍ مُشَدّدَة جمع لَا بُد كَسُجَّدٍ وَسَاجِدٍ وَهَذِهِ الْقِرَاءَاتُ كُلُّهَا رَاجِعَةٌ إِلَى مَعْنًى وَاحِدٍ وَهُوَ أَنَّ الْجِنَّ تَزَاحَمُوا عَلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَمَّا اسْتَمَعُوا الْقُرْآنَ وَهُوَ الْمُعْتَمَدُ وَرَوَى عَبْدُ الرَّزَّاقِ عَنْ مَعْمَرٍ عَنْ قَتَادَةَ قَالَ لَمَّا قَامَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ تَلَبَّدَتِ الْإِنْسُ وَالْجِنُّ وَحَرَصُوا عَلَى أَنْ يُطْفِئُوا هَذَا النُّورَ الَّذِي أَنْزَلَهُ اللَّهُ تَعَالَى وَهُوَ فِي اللَّفْظِ وَاضِحٌ فِي الْقِرَاءَةِ الْمَشْهُورَةِ لَكِنَّهُ فِي الْمَعْنَى مُخَالِفٌ .

     قَوْلُهُ  بَخْسًا نَقْصًا ثَبَتَ هَذَا لِلنَّسَفِيِّ وَحْدَهُ وَتَقَدَّمَ فِي بَدْءِ الْخَلْقِ



[ قــ :4655 ... غــ :491] .

     قَوْلُهُ  عَنْ أَبِي بِشْرٍ هُوَ جَعْفَرُ بْنُ أَبِي وَحْشِيَّةَ .

     قَوْلُهُ  انْطَلَقَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَذَا اخْتَصَرَهُ الْبُخَارِيُّ هُنَا وَفِي صِفَةِ الصَّلَاةِ وَأَخْرَجَهُ أَبُو نُعَيْمٍ فِي الْمُسْتَخْرَجِ عَنِ الطَّبَرَانِيِّ عَنْ مُعَاذِ بْنِ الْمُثَنَّى عَنْ مُسَدَّدٍ شَيْخِ الْبُخَارِيِّ فِيهِ فَزَادَ فِي أَوَّلِهِ مَا قَرَأَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى الْجِنِّ وَلَا رَآهُمُ انْطَلَقَ إِلَخْ وَهَكَذَا أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ عَنْ شَيْبَانَ بْنِ فَرُّوخَ عَنْ أَبِي عَوَانَةَ بِالسَّنَدِ الَّذِي أَخْرَجَهُ بِهِ الْبُخَارِيُّ فَكَأَنَّ الْبُخَارِيَّ حَذَفَ هَذِهِ اللَّفْظَةَ عَمْدًا لِأَنَّ بن مَسْعُودٍ أَثْبَتَ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَرَأَ عَلَى الْجِنِّ فَكَانَ ذَلِكَ مُقَدَّمًا على نفي بن عَبَّاسٍ وَقَدْ أَشَارَ إِلَى ذَلِكَ مُسْلِمٌ فَأَخْرَجَ عقب حَدِيث بن عَبَّاس هَذَا حَدِيث بْنِ مَسْعُودٍ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ أَتَانِي دَاعِيَ الْجِنِّ فَانْطَلَقْتُ مَعَهُ فَقَرَأْتُ عَلَيْهِ الْقُرْآنَ وَيُمْكِنُ الْجَمْعُ بِالتَّعَدُّدِ كَمَا سَيَأْتِي .

     قَوْلُهُ  فِي طَائِفَةٍ مِنْ أَصْحَابِهِ تَقَدَّمَ فِي أَوَائِلِ الْمَبْعَثِ فِي بَابِ ذِكْرِ الْجِنِّ أَنَّ بن إِسْحَاق وبن سعد ذكرا أَن ذَلِك كَانَ فِي ذِي الْقِعْدَةِ سَنَةَ عَشْرٍ مِنَ الْمَبْعَثِ لَمَّا خَرَجَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِلَى الطَّائِفِ ثُمَّ رَجَعَ مِنْهَا وَيُؤَيِّدُهُ .

     قَوْلُهُ  فِي هَذَا الْحَدِيثِ إِنَّ الْجِنَّ رَأَوْهُ يُصَلِّي بِأَصْحَابِهِ صَلَاةَ الْفَجْرِ وَالصَّلَاةُ الْمَفْرُوضَةُ إِنَّمَا شُرِعَتْ لَيْلَةَ الْإِسْرَاءِ وَالْإِسْرَاءُ كَانَ عَلَى الرَّاجِحِ قَبْلَ الْهِجْرَةِ بِسَنَتَيْنِ أَوْ ثَلَاثٍ فَتَكُونُ الْقِصَّةُ بَعْدَ الْإِسْرَاءِ لَكِنَّهُ مُشْكِلٌ مِنْ جِهَةٍ أُخْرَى لِأَنَّ مُحَصَّلَ مَا فِي الصَّحِيحِ كَمَا تَقَدَّمَ فِي بَدْءِ الْخَلْقِ وَمَا ذكره بن إِسْحَاقَ أَنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَمَّا خَرَجَ إِلَى الطَّائِفِ لَمْ يَكُنْ مَعَهُ مِنْ أَصْحَابِهِ إِلَّا زَيْدَ بْنَ حَارِثَةَ وَهُنَا قَالَ إِنَّهُ انْطَلَقَ فِي طَائِفَةٍ مِنْ أَصْحَابِهِ فَلَعَلَّهَا كَانَتْ وُجْهَةً أُخْرَى وَيُمْكِنُ الْجَمْعُ بِأَنَّهُ لَمَّا رَجَعَ لَاقَاهُ بَعْضُ أَصْحَابِهِ فِي أَثْنَاءِ الطَّرِيقِ فَرَافَقُوهُ .

     قَوْلُهُ  عَامِدِينَ أَيْ قَاصِدِينَ .

     قَوْلُهُ  إِلَى سُوقِ عُكَاظٍ بِضَمِّ الْمُهْمَلَةِ وَتَخْفِيفِ الْكَافِ وَآخِرُهُ ظَاءٌ مُعْجَمَةٌ بِالصَّرْفِ وَعَدَمِهِ قَالَ اللِّحْيَانِيُّ الصَّرْفُ لأهل الْحِجَازِ وَعَدَمُهُ لُغَةُ تَمِيمٍ وَهُوَ مَوْسِمٌ مَعْرُوفٌ لِلْعَرَبِ بَلْ كَانَ مِنْ أَعْظَمِ مَوَاسِمِهِمْ وَهُوَ نَخْلٌ فِي وَادٍ بَيْنَ مَكَّةَ وَالطَّائِفِ وَهُوَ إِلَى الطَّائِفِ أَقْرَبُ بَيْنَهُمَا عَشَرَةُ أَمْيَالٍ وَهُوَ وَرَاءَ قَرْنِ الْمَنَازِلِ بِمَرْحَلَةٍ مِنْ طَرِيقِ صَنْعَاءِ الْيَمَنِ.

     وَقَالَ  الْبَكْرِيُّ أَوَّلُ مَا أُحْدِثَتْ قَبْلَ الْفِيلِ بِخَمْسَ عَشْرَةَ سَنَةً وَلَمْ تَزَلْ سُوقًا إِلَى سَنَةِ تِسْعٍ وَعِشْرِينَ وَمِائَةٍ فَخَرَجَ الْخَوَارِجُ الحرورية فنهبوها فَتركت إِلَى الْآن وَكَانُوا يُقِيمُونَ بِهِ جَمِيعَ شَوَّالٍ يَتَبَايَعُونَ وَيَتَفَاخَرُونَ وَتُنْشِدُ الشُّعَرَاءُ مَا تَجَدَّدَ لَهُمْ وَقَدْ كَثُرَ ذَلِكَ فِي أَشْعَارِهِمْ كَقَوْلِ حَسَّانَ سَأَنْشُرُ إِنْ حَيِيتُ لَكُمْ كَلَامًا يُنْشَرُ فِي الْمَجَامِعِ مِنْ عُكَاظٍ وَكَانَ الْمَكَانُ الَّذِي يَجْتَمِعُونَ بِهِ مِنْهُ يُقَالُ لَهُ الِابْتِدَاءُ وَكَانَتْ هُنَاكَ صُخُورٌ يَطُوفُونَ حَوْلَهَا ثُمَّ يَأْتُونَ مَجَنَّةَ فَيُقِيمُونَ بِهَا عِشْرِينَ لَيْلَةً مِنْ ذِي الْقِعْدَةِ ثُمَّ يَأْتُونَ ذَا الْمَجَازِ وَهُوَ خَلْفَ عَرَفَةَ فَيُقِيمُونَ بِهِ إِلَى وَقْتِ الْحَجِّ وَقَدْ تَقَدَّمَ فِي كِتَابِ الْحَجِّ شَيْءٌ من هَذَا.

     وَقَالَ  بن التِّينِ سُوقُ عُكَاظٍ مِنْ إِضَافَةِ الشَّيْءِ إِلَى نَفْسِهِ كَذَا قَالَ وَعَلَى مَا تَقَدَّمَ مِنْ أَنَّ السُّوقَ كَانَتْ تُقَامُ بِمَكَانٍ مِنْ عُكَاظٍ يُقَالُ لَهُ الِابْتِدَاءُ لَا يَكُونُ كَذَلِكَ .

     قَوْلُهُ  وَقَدْ حِيلَ بِكَسْرِ الْحَاءِ الْمُهْمَلَةِ وَسُكُونِ التَّحْتَانِيَّةِ بَعْدَهَا لَامٌ أَيْ حُجِزَ وَمُنِعَ عَلَى الْبِنَاءِ لِلْمَجْهُولِ .

     قَوْلُهُ  بَيْنَ الشَّيَاطِينِ وَبَيْنَ خَبَرِ السَّمَاءِ وَأُرْسِلَتْ عَلَيْهِمُ الشُّهُبَ بِضَمَّتَيْنِ جَمْعُ شِهَابٍ وَظَاهِرُ هَذَا أَنَّ الْحَيْلُولَةَ وَإِرْسَالَ الشُّهُبِ وَقَعَ فِي هَذَا الزَّمَانِ الْمُقَدَّمِ ذِكْرُهُ وَالَّذِي تَضَافَرَتْ بِهِ الْأَخْبَارُ أَنَّ ذَلِكَ وَقَعَ لَهُمْ مِنْ أَوَّلِ الْبَعْثَةِ النَّبَوِيَّةِ وَهَذَا مِمَّا يُؤَيِّدُ تَغَايُرَ زَمَنِ الْقِصَّتَيْنِ وَأَنَّ مَجِيءَ الْجِنِّ لِاسْتِمَاعِ الْقُرْآنِ كَانَ قَبْلَ خُرُوجِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِلَى الطَّائِفِ بِسَنَتَيْنِ وَلَا يُعَكِّرُ عَلَى ذَلِكَ إِلَّا .

     قَوْلُهُ  فِي هَذَا الْخَبَرِ إِنَّهُمْ رَأَوْهُ يُصَلِّي بِأَصْحَابِهِ صَلَاةَ الْفَجْرِ لِأَنَّهُ يَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ ذَلِكَ قَبْلَ فَرْضِ الصَّلَوَاتِ لَيْلَةَ الْإِسْرَاءِ فَإِنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ قَبْلَ الْإِسْرَاءِ يُصَلِّي قَطْعًا وَكَذَلِكَ أَصْحَابُهُ لَكِنِ اخْتُلِفَ هَلِ افْتُرِضَ قَبْلَ الْخَمْسِ شَيْءٌ مِنَ الصَّلَاةِ أَمْ لَا فَيَصِحُّ عَلَى هَذَا قَوْلُ مَنْ قَالَ إِنَّ الْفَرْضَ أَوَّلًا كَانَ صَلَاةً قَبْلَ طُلُوعِ الشَّمْسِ وَصَلَاةً قَبْلَ غُرُوبِهَا وَالْحُجَّةُ فِيهِ .

     قَوْلُهُ  تَعَالَى فَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ قَبْلَ طُلُوعِ الشَّمْسِ وَقَبْلَ غُرُوبِهَا وَنَحْوُهَا مِنَ الْآيَاتِ فَيَكُونُ إِطْلَاقُ صَلَاةِ الْفَجْرِ فِي حَدِيثِ الْبَابِ بِاعْتِبَارِ الزَّمَانِ لَا لِكَوْنِهَا إِحْدَى الْخَمْسِ الْمُفْتَرَضَةِ لَيْلَةَ الْإِسْرَاءِ فَتَكُونُ قِصَّةُ الْجِنِّ مُتَقَدِّمَةً مِنْ أَوَّلِ الْمَبْعَثِ وَهَذَا الْمَوْضِعُ مِمَّا لَمْ يُنَبِّهْ عَلَيْهِ أَحَدٌ مِمَّنْ وَقَفْتُ عَلَى كَلَامِهِمْ فِي شَرْحِ هَذَا الْحَدِيثِ وَقَدْ أَخْرَجَ التِّرْمِذِيُّ وَالطَّبَرِيُّ حَدِيثَ الْبَابِ بِسِيَاقٍ سَالِمٍ مِنَ الْإِشْكَالِ الَّذِي ذَكَرْتُهُ مِنْ طَرِيقِ أَبِي إِسْحَاقَ السَّبِيعِيِّ عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَير عَن بن عَبَّاسٍ قَالَ كَانَتِ الْجِنُّ تَصْعَدُ إِلَى السَّمَاءِ الدُّنْيَا يَسْتَمِعُونَ الْوَحْيَ فَإِذَا سَمِعُوا الْكَلِمَةَ زَادُوا فِيهَا أَضْعَافًا فَالْكَلِمَةُ تَكُونُ حَقًّا.
وَأَمَّا مَا زَادُوا فَيَكُونُ بَاطِلًا فَلَمَّا بُعِثَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مُنِعُوا مَقَاعِدَهُمْ وَلَمْ تَكُنِ النُّجُومُ يُرْمَى بِهَا قَبْلَ ذَلِكَ وَأَخْرَجَهُ الطَّبَرِيُّ أَيْضا وبن مرْدَوَيْه وغيررهما مِنْ طَرِيقِ عَطَاءِ بْنِ السَّائِبِ عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ مُطَوَّلًا وَأَوَّلُهُ كَانَ لِلْجِنِّ مَقَاعِدُ فِي السَّمَاءِ يَسْتَمِعُونَ الْوَحْيَ الْحَدِيثَ فَبَيْنَمَا هُمْ كَذَلِكَ إِذْ بُعِثَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَدُحِرَتِ الشَّيَاطِينُ مِنَ السَّمَاءِ وَرُمُوا بِالْكَوَاكِبِ فَجَعَلَ لَا يَصْعَدُ أَحَدٌ مِنْهُمْ إِلَّا احْتَرَقَ وَفَزِعَ أَهْلُ الْأَرْضَ لِمَا رَأَوْا مِنَ الْكَوَاكِبِ وَلَمْ تَكُنْ قَبْلَ ذَلِكَ فَقَالُوا هَلَكَ أَهْلُ السَّمَاء وَكَانَ أَهْلُ الطَّائِفِ أَوَّلُ مَنْ تَفَطَّنَ لِذَلِكَ فَعَمَدُوا إِلَى أَمْوَالِهِمْ فَسَيَّبُوهَا وَإِلَى عَبِيدِهِمْ فَعَتَقُوهَا فَقَالَ لَهُمْ رَجُلٌ وَيْلَكُمْ لَا تُهْلِكُوا أَمْوَالَكُمْ فَإِنَّ مَعَالِمَكُمْ مِنَ الْكَوَاكِبِ الَّتِي تَهْتَدُونَ بِهَا لَمْ يَسْقُطْ مِنْهَا شَيْءٌ فَأَقْلَعُوا.

     وَقَالَ  إِبْلِيسُ حَدَثَ فِي الْأَرْضِ حَدَثٌ فَأَتَى مِنْ كُلِّ أَرْضٍ بتربة فشمها فَقَالَ لتربة تهَامَة هَا هُنَا حَدَثَ الْحَدَثُ فَصَرَفَ إِلَيْهِ نَفَرًا مِنَ الْجِنِّ فَهُمُ الَّذِينَ اسْتَمَعُوا الْقُرْآنَ وَعِنْدَ أَبِي دَاوُدَ فِي كتاب الْمَبْعَثِ مِنْ طَرِيقِ الشَّعْبِيِّ أَنَّ الَّذِي قَالَ لأهل الطَّائِف مَا قَالَ هُوَ عبد يَا ليل بْنُ عَمْرٍو وَكَانَ قَدْ عَمِيَ فَقَالَ لَهُمْ لَا تَعْجَلُوا وَانْظُرُوا فَإِنْ كَانَتِ النُّجُومُ الَّتِي يُرْمَى بِهَا هِيَ الَّتِي تُعْرَفُ فَهُوَ عِنْدَ فَنَاءِ النَّاسِ وَإِنْ كَانَتْ لَا تُعْرَفُ فَهُوَ مِنْ حَدَثٍ فَنَظَرُوا فَإِذَا هِيَ نُجُومٌ لَا تُعْرَفُ فَلَمْ يَلْبَثُوا أَنْ سَمِعُوا بِمَبْعَثِ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَقَدْ أَخْرَجَهُ الطَّبَرِيُّ من طَرِيق السّديّ مطولا وَذكر بن إِسْحَاقَ نَحْوَهُ مُطَوَّلًا بِغَيْرِ إِسْنَادٍ فِي مُخْتَصَرِ بن هِشَامٍ زَادَ فِي رِوَايَةِ يُونُسَ بْنِ بُكَيْرٍ فَسَاقَ سَنَدَهُ بِذَلِكَ عَنْ يَعْقُوبَ بْنِ عُتْبَةَ بْنِ الْمُغِيرَةِ بْنِ الْأَخْنَسِ أَنَّهُ حَدَّثَهُ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ أَنَّهُ حَدَّثَهُ أَنَّ رَجُلًا مِنْ ثَقِيفٍ يُقَالُ لَهُ عَمْرُو بْنُ أُمَيَّةَ كَانَ مِنْ أَدْهَى الْعَرَبِ وَكَانَ أَوَّلُ مَنْ فَزِعَ لَمَّا رُمِيَ بِالنُّجُومِ مِنَ النَّاس فَذكر نَحوه وَأخرجه بن سَعْدٍ مِنْ وَجْهٍ آخَرَ عَنْ يَعْقُوبَ بْنِ عُتْبَةَ قَالَ أَوَّلُ الْعَرَبِ فَزِعَ مِنْ رَمْيِ النُّجُومِ ثَقِيفٌ فَأَتَوْا عَمْرَو بْنَ أُمَيَّةَ وَذَكَرَ الزُّبَيْرُ بْنُ بَكَّارٍ فِي النَّسَبِ نَحْوَهُ بِغَيْرِ سِيَاقه وَنسب القَوْل الْمَنْسُوب لعبد يَا ليل لِعُتْبَةَ بْنِ رَبِيعَةَ فَلَعَلَّهُمَا تَوَارَدَا عَلَى ذَلِكَ فَهَذِهِ الْأَخْبَارُ تَدُلُّ عَلَى أَنَّ الْقِصَّةَ وَقَعَتْ أَوَّلَ الْبَعْثَةِ وَهُوَ الْمُعْتَمَدُ وَقَدِ اسْتَشْكَلَ عِيَاضٌ وَتَبِعَهُ الْقُرْطُبِيُّ وَالنَّوَوِيُّ وَغَيْرُهُمَا مِنْ حَدِيثِ الْبَابِ مَوْضِعًا آخَرَ وَلَمْ يَتَعَرَّضُوا لِمَا ذَكَرْتُهُ فَقَالَ عِيَاضٌ ظَاهِرُ الْحَدِيثِ أَنَّ الرَّمْيَ بِالشُّهُبِ لَمْ يَكُنْ قَبْلَ مَبْعَثِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِإِنْكَارِ الشَّيَاطِينِ لَهُ وَطَلَبِهِمْ سَبَبَهُ وَلِهَذَا كَانَتِ الْكَهَانَةُ فَاشِيَةً فِي الْعَرَبِ وَمَرْجُوعًا إِلَيْهَا فِي حُكْمِهِمْ حَتَّى قُطِعَ سَبَبُهَا بِأَنْ حِيلَ بَيْنَ الشَّيَاطِينِ وَبَيْنَ اسْتِرَاقِ السَّمْعِ كَمَا قَالَ تَعَالَى فِي هَذِهِ السُّورَةِ وَأَنَّا لَمَسْنَا السَّمَاءَ فَوَجَدْنَاهَا مُلِئَتْ حَرَسًا شَدِيدًا وَشُهُبًا وَأَنَّا كُنَّا نَقْعُدُ مِنْهَا مَقَاعِدَ لِلسَّمْعِ فَمَنْ يَسْتَمِعِ الْآنَ يجد لَهُ شهابا رصدا وَقَوله تَعَالَى أَنهم عَن السّمع لمعزولون وَقَدْ جَاءَتْ أَشْعَارُ الْعَرَبِ بِاسْتِغْرَابِ رَمْيِهَا وَإِنْكَارِهِ إِذْ لَمْ يَعْهَدُوهُ قَبْلَ الْمَبْعَثِ وَكَانَ ذَلِكَ أَحَدُ دَلَائِلِ نُبُوَّتِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَيُؤَيِّدهُ مَا ذُكِرَ فِي الْحَدِيثِ مِنْ إِنْكَارِ الشَّيَاطِينِ قَالَ.

     وَقَالَ  بَعْضُهُمْ لَمْ تَزَلِ الشُّهُبُ يُرْمَى بِهَا مُذْ كَانَتِ الدُّنْيَا وَاحْتَجُّوا بِمَا جَاءَ فِي أَشْعَارِ الْعَرَبِ مِنْ ذَلِكَ قَالَ وَهَذَا مَرْوِيّ عَن بن عَبَّاس وَالزهْرِيّ وَرفع فِيهِ بن عَبَّاسٍ حَدِيثًا عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.

     وَقَالَ  الزُّهْرِيُّ لِمَنِ اعْتَرَضَ عَلَيْهِ بِقَوْلِهِ فَمَنْ يَسْتَمِعِ الْآنَ يَجِدْ لَهُ شِهَابًا رَصَدًا قَالَ غُلِّظَ أَمْرُهَا وَشُدِّدَ انْتَهَى وَهَذَا الْحَدِيثُ الَّذِي أَشَارَ إِلَيْهِ أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ مِنْ طَرِيقِ الزُّهْرِيّ عَن عبيد الله عَن بن عَبَّاسٍ عَنْ رِجَالٍ مِنْ الْأَنْصَارِ قَالُوا كُنَّا عِنْدَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِذْ رُمِيَ بِنَجْمٍ فَاسْتَنَارَ فَقَالَ مَا كُنْتُمْ تَقُولُونَ لِهَذَا إِذَا رُمِيَ بِهِ فِي الْجَاهِلِيَّةِ الْحَدِيثَ وَأَخْرَجَهُ عَبْدُ الرَّزَّاقِ عَنْ مَعْمَرٍ قَالَ سُئِلَ الزُّهْرِيُّ عَنِ النُّجُومِ أَكَانَ يُرْمَى بِهَا فِي الْجَاهِلِيَّةِ قَالَ نَعَمْ وَلَكِنَّهُ إِذْ جَاءَ الْإِسْلَامُ غلظ وشدد وَهَذَا جمع حسن وَيحْتَمل أَنْ يَكُونَ الْمُرَادُ بِقَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِذَا رُمِيَ بِهَا فِي الْجَاهِلِيَّةِ أَيْ جَاهِلِيَّةِ الْمُخَاطَبِينَ وَلَا يَلْزَمُ أَنْ يَكُونَ ذَلِكَ قَبْلَ الْمَبْعَثِ فَإِنَّ الْمُخَاطَبَ بِذَلِكَ الْأَنْصَارُ وَكَانُوا قَبْلَ إِسْلَامِهِمْ فِي جَاهِلِيَّةٍ فَإِنَّهُمْ لَمْ يُسْلِمُوا إِلَّا بعد المبعث بِثَلَاث عَشْرَةَ سَنَةً.

     وَقَالَ  السُّهَيْلِيُّ لَمْ يَزَلِ الْقَذْفُ بِالنُّجُومِ قَدِيمًا وَهُوَ مَوْجُودٌ فِي أَشْعَارِ قُدَمَاءِ الْجَاهِلِيَّةِ كَأَوْسِ بْنِ حَجَرٍ وَبِشْرِ بْنِ أَبِي حَازِمٍ وَغَيْرِهِمَا.

     وَقَالَ  الْقُرْطُبِيُّ يُجْمَعُ بِأَنَّهَا لَمْ تَكُنْ يُرْمَى بِهَا قَبْلَ الْمَبْعَثِ رَمْيًا يَقْطَعُ الشَّيَاطِينَ عَنِ اسْتِرَاقِ السَّمْعِ وَلَكِنْ كَانَتْ تُرْمَى تَارَةً وَلَا تُرْمَى أُخْرَى وَتُرْمَى مِنْ جَانِبٍ وَلَا تُرْمَى مِنْ جَمِيعِ الْجَوَانِبِ وَلَعَلَّ الْإِشَارَةَ إِلَى ذَلِكَ بِقَوْلِهِ تَعَالَى وَيُقْذَفُونَ مِنْ كُلِّ جَانب دحورا انْتَهَى ثُمَّ وَجَدْتُ عَنْ وَهْبِ بْنِ مُنَبِّهٍ مَا يَرْفَعُ الْإِشْكَالَ وَيَجْمَعُ بَيْنَ مُخْتَلَفِ الْأَخْبَارِ قَالَ كَانَ إِبْلِيسُ يَصْعَدُ إِلَى السَّمَاوَاتِ كُلِّهِنَّ يَتَقَلَّبُ فِيهِنَّ كَيْفَ شَاءَ لَا يُمْنَعُ مُنْذُ أُخْرِجَ آدَمُ إِلَى أَنْ رُفِعَ عِيسَى فَحُجِبَ حِينَئِذٍ مِنْ أَرْبَعِ سَمَاوَاتٍ فَلَمَّا بُعِثَ نَبِيُّنَا حُجِبَ مِنَ الثَّلَاثِ فَصَارَ يَسْتَرِقُ السَّمْعَ هُوَ وَجُنُودُهُ وَيُقْذَفُونَ بِالْكَوَاكِبِ وَيُؤَيِّدُهُ مَا رَوَى الطَّبَرِيُّ من طَرِيق الْعَوْفِيّ عَن بن عَبَّاسٍ قَالَ لَمْ تَكُنِ السَّمَاءُ تُحْرَسُ فِي الْفَتْرَةِ بَيْنَ عِيسَى وَمُحَمَّدٍ فَلَمَّا بُعِثَ مُحَمَّدٌ حُرِسَتْ حَرَسًا شَدِيدًا وَرُجِمَتِ الشَّيَاطِينُ فَأَنْكَرُوا ذَلِكَ وَمِنْ طَرِيقِ السُّدِّيِّ قَالَ إِنَّ السَّمَاءَ لَمْ تَكُنْ تُحْرَسُ إِلَّا أَنْ يَكُونَ فِي الْأَرْضِ نَبِيٌّ أَوْ دِينٌ ظَاهِرٌ وَكَانَتِ الشَّيَاطِينُ قَدِ اتَّخَذَتْ مَقَاعِدَ يَسْمَعُونَ فِيهَا مَا يَحْدُثُ فَلَمَّا بُعِثَ مُحَمَّدٌ رُجِمُوا.

     وَقَالَ  الزين بن الْمُنِيرِ ظَاهِرُ الْخَبَرِ أَنَّ الشُّهُبَ لَمْ تَكُنْ يُرْمَى بِهَا وَلَيْسَ كَذَلِكَ لِمَا دَلَّ عَلَيْهِ حَدِيثُ مُسْلِمٍ.
وَأَمَّا .

     قَوْلُهُ  تَعَالَى فَمَنْ يَسْتَمِعِ الْآن يجد لَهُ شهابا رصدا فَمَعْنَاهُ أَنَّ الشُّهُبَ كَانَتْ تُرْمَى فَتُصِيبُ تَارَةً وَلَا تُصِيبُ أُخْرَى وَبَعْدَ الْبَعْثَةِ أَصَابَتْهُمْ إِصَابَةً مُسْتَمِرَّةً فَوَصَفُوهَا لِذَلِكَ بِالرَّصَدِ لِأَنَّ الَّذِي يَرْصُدُ الشَّيْءَ لَا يُخْطِئُهُ فَيَكُونُ الْمُتَجَدِّدُ دَوَامَ الْإِصَابَةِ لَا أَصْلَهَا.
وَأَمَّا قَوْلُ السُّهَيْلِيِّ لَوْلَا أَنَّ الشِّهَابَ قَدْ يُخْطِئُ الشَّيْطَانَ لَمْ يَتَعَرَّضْ لَهُ مَرَّةً أُخْرَى فَجَوَابُهُ أَنَّهُ يَجُوزُ أَنْ يَقَعَ التَّعَرُّضُ مَعَ تَحَقُّقِ الْإِصَابَةِ لِرَجَاءِ اخْتِطَافِ الْكَلِمَةِ وَإِلْقَائِهَا قَبْلَ إِصَابَةِ الشِّهَابِ ثُمَّ لَا يُبَالِي الْمُخْتَطِفُ بِالْإِصَابَةِ لِمَا طُبِعَ عَلَيْهِ مِنَ الشَّرِّ كَمَا تقدم وَأخرج الْعقيلِيّ وبن مَنْدَهْ وَغَيْرُهُمَا وَذَكَرَهُ أَبُو عُمَرَ بِغَيْرِ سَنَدٍ مِنْ طَرِيقِ لَهَبِ بِفَتْحَتَيْنِ وَيُقَالُ بِالتَّصْغِيرِ بْنِ مَالِكٍ اللَّيْثِيِّ قَالَ ذَكَرْتُ عِنْدَ النَّبِيِّ صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم لكهانة فَقُلْتُ نَحْنُ أَوَّلُ مَنْ عَرَفَ حِرَاسَةَ السَّمَاءِ وَرَجْمَ الشَّيَاطِينِ وَمَنْعَهُمْ مِنَ اسْتِرَاقِ السَّمْعِ عِنْدَ قَذْفِ النُّجُومِ وَذَلِكَ أَنَّا اجْتَمَعْنَا عِنْدَ كَاهِنٍ لَنَا يُقَالُ لَهُ خُطْرُ بْنُ مَالِكٍ وَكَانَ شَيْخًا كَبِيرًا قَدْ أَتَتْ عَلَيْهِ مِائَتَانِ وَسِتَّةً وَثَمَانُونَ سَنَةً فَقُلْنَا يَا خُطْرُ هَلْ عِنْدَكَ عِلْمٌ مِنْ هَذِهِ النُّجُومِ الَّتِي يُرْمَى بِهَا فَإِنَّا فَزِعْنَا مِنْهَا وَخِفْنَا سُوءَ عَاقِبَتِهَا الْحَدِيثَ وَفِيهِ فَانْقَضَّ نَجْمٌ عَظِيمٌ مِنَ السَّمَاءِ فَصَرَخَ الْكَاهِنُ رَافِعًا صَوْتَهُ أَصَابَهُ أَصَابَهُ خَامَرَهُ عَذَابَهُ أَحْرَقَهُ شِهَابُهُ الْأَبْيَاتِ وَفِي الْخَبَرِ أَنَّهُ قَالَ أَيْضًا قَدْ مُنِعَ السَّمْعَ عُتَاةُ الْجَانِ بِثَاقِبٍ يُتْلِفُ ذِي سُلْطَانٍ مِنْ أَجْلِ مَبْعُوثٍ عَظِيمِ الشَّانِ وَفِيهِ أَنَّهُ قَالَ أَرَى لِقَوْمِي مَا أَرَى لِنَفْسِي أَنْ يَتْبَعُوا خَيْرَ نَبِيِّ الْإِنْسِ الْحَدِيثَ بِطُولِهِ قَالَ أَبُو عُمَرَ سَنَدُهُ ضَعِيفٌ جِدًّا وَلَوْلَا فِيهِ حُكْمٌ لَمَا ذَكَرْتُهُ لِكَوْنِهِ عَلَمًا مِنْ أَعْلَامِ النُّبُوَّةِ وَالْأُصُولِ فَإِنْ قِيلَ إِذَا كَانَ الرَّمْيُ بِهَا غُلِّظَ وَشُدِّدَ بِسَبَبِ نُزُولِ الْوَحْيِ فَهَلَّا انْقَطَعَ بِانْقِطَاعِ الْوَحْيِ بِمَوْتِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَنَحْنُ نُشَاهِدُهَا الْآنَ يُرْمَى بِهَا فَالْجَوَابُ يُؤْخَذُ مِنْ حَدِيثِ الزُّهْرِيِّ الْمُتَقَدِّمِ فَفِيهِ عِنْدَ مُسْلِمٍ قَالُوا كُنَّا نَقُولُ وُلِدَ اللَّيْلَةَ رَجُلٌ عَظِيمٌ وَمَاتَ رَجُلٌ عَظِيمٌ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَإِنَّهَا لَا تُرْمَى لِمَوْتِ أَحَدٍ وَلَا لِحَيَاتِهِ وَلَكِنْ رَبُّنَا إِذَا قَضَى أَمْرًا أَخْبَرَ أَهْلُ السَّمَاوَاتِ بَعْضُهُمْ بَعْضًا حَتَّى يَبْلُغَ الْخَبَرُ السَّمَاءَ الدُّنْيَا فَيَخْطَفُ الْجِنُّ السَّمْعَ فَيَقْذِفُونَ بِهِ إِلَى أَوْلِيَائِهِمْ فَيُؤْخَذُ مِنْ ذَلِكَ أَنَّ سَبَبَ التَّغْلِيظِ وَالْحِفْظِ لَمْ يَنْقَطِعْ لِمَا يَتَجَدَّدُ مِنَ الْحَوَادِثِ الَّتِي تُلْقَى بِأَمْرِهِ إِلَى الْمَلَائِكَةِ فَإِنَّ الشَّيَاطِينَ مَعَ شِدَّةِ التَّغْلِيظِ عَلَيْهِمْ فِي ذَلِكَ بَعْدَ الْمَبْعَثِ لَمْ يَنْقَطِعْ طَمَعُهُمْ فِي اسْتِرَاقِ السَّمْعِ فِي زَمَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَكَيْفَ بِمَا بَعْدَهُ وَقَدْ قَالَ عُمَرُ لِغَيْلَانَ بْنِ سَلَمَةَ لَمَّا طَلَّقَ نِسَاءَهُ إِنِّي أَحْسِبُ أَنَّ الشَّيَاطِينَ فِيمَا تَسْتَرِقُ السَّمْعَ سَمِعَتْ بِأَنَّكَ سَتَمُوتُ فَأَلْقَتْ إِلَيْكَ ذَلِكَ الْحَدِيثَ أَخْرَجَهُ عَبْدُ الرَّزَّاقِ وَغَيْرُهُ فَهَذَا ظَاهِرٌ فِي أَنَّ اسْتِرَاقَهُمُ السَّمْعَ اسْتَمَرَّ بَعْدَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَكَانُوا يَقْصِدُونَ اسْتِمَاعَ الشَّيْءِ مِمَّا يَحْدُثُ فَلَا يَصِلُونَ إِلَى ذَلِكَ إِلَّا إِنِ اخْتَطَفَ أَحَدُهُمْ بِخِفَّةِ حَرَكَتِهِ خَطْفَةً فَيَتْبَعُهُ الشِّهَابُ فَإِنْ أَصَابَهُ قَبْلَ أَنْ يُلْقِيَهَا لِأَصْحَابِهِ فَاتَتْ وَإِلَّا سَمِعُوهَا وَتَدَاوَلُوهَا وَهَذَا يَرُدُّ عَلَى قَوْلِ السُّهيْلي الْمُقَدَّمِ ذِكْرُهُ .

     قَوْلُهُ  قَالَ مَا حَالَ بَيْنَكُمْ وَبَيْنَ خَبَرِ السَّمَاءِ إِلَّا مَا حَدَثَ الَّذِي قَالَ لَهُمْ ذَلِكَ هُوَ إِبْلِيسُ كَمَا تَقَدَّمَ فِي رِوَايَةِ أَبِي إِسْحَاقَ الْمُتَقَدِّمَةِ قَرِيبًا .

     قَوْلُهُ  فَاضْرِبُوا مَشَارِقَ الْأَرْضِ وَمَغَارِبَهَا أَيْ سِيرُوا فِيهَا كُلِّهَا وَمِنْهُ .

     قَوْلُهُ  تَعَالَى وَآخَرُونَ يَضْرِبُونَ فِي الأَرْض يَبْتَغُونَ من فضل الله وَفِي رِوَايَة نَافِع بن جُبَير عَن بن عَبَّاسٍ عِنْدَ أَحْمَدَ فَشَكَوْا ذَلِكَ إِلَى إِبْلِيسَ فَبَثَّ جُنُودَهُ فَإِذَا هُمْ بِالنَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُصَلِّي بِرَحْبَةٍ فِي نَخْلَةٍ .

     قَوْلُهُ  فَانْطَلَقَ الَّذِينَ تَوَجَّهُوا قِيلَ كَانَ هَؤُلَاءِ الْمَذْكُورُونَ مِنَ الْجِنِّ عَلَى دِينِ الْيَهُودِ وَلِهَذَا قَالُوا انْزِلْ من بعد مُوسَى وَأخرج بن مَرْدَوَيْهِ مِنْ طَرِيقِ عُمَرَ بْنِ قَيْسٍ عَنْ سعيد بن جُبَير عَن بن عَبَّاسٍ أَنَّهُمْ كَانُوا تِسْعَةً وَمِنْ طَرِيقِ النَّضْرِ بن عَرَبِيّ عَن عِكْرِمَة عَن بن عَبَّاسٍ كَانُوا سَبْعَةً مِنْ أَهْلِ نَصِيبِينَ وَعِنْدَ بن أَبِي حَاتِمٍ مِنْ طَرِيقِ مُجَاهِدٍ نَحْوَهُ لَكِنْ قَالَ كَانُوا أَرْبَعَةً مِنْ نَصِيبِينَ وَثَلَاثَةً مِنْ حَرَّانَ وَهُمْ حِسًّا وَنَسَا وَشَاصِرٌ وَمَاضِرٌ وَالْأَدْرَسُ وَوَرْدَانُ وَالْأَحْقَبُ وَنَقَلَ السُّهَيْلِيُّ فِي التَّعْرِيفِ أَنَّ بن دُرَيْدٍ ذَكَرَ مِنْهُمْ خَمْسَةً شَاصِرَ وَمَاضِرَ وَمُنَشَّى وَنَاشِي وَالْأَحْقَبَ قَالَ وَذَكَرَ يَحْيَى بْنُ سَلَّامٍ وَغَيْرُهُ قِصَّةَ عَمْرِو بْنِ جَابِرٍ وَقِصَّةَ سُرَّقٍ وَقِصَّةَ زَوْبَعَةَ قَالَ فَإِنْ كَانُوا سَبْعَةً فَالْأَحْقَبُ لقب أحدهم لَا اسْمه واستدرك عَلَيْهِ بن عَسْكَرٍ مَا تَقَدَّمَ عَنْ مُجَاهِدٍ قَالَ فَإِذَا ضُمَّ إِلَيْهِمْ عَمْرٌو وَزَوْبَعَةُ وَسُرَّقٌ وَكَانَ الْأَحْقَبُ لَقَبًا كَانُوا تِسْعَةً.

قُلْتُ هُوَ مُطَابِقٌ لِرِوَايَةِ عمر بن قيس الْمَذْكُورَة وَقد روى بن مَرْدَوَيْهِ أَيْضًا مِنْ طَرِيقِ الْحَكَمِ بْنِ أَبَانٍ عَنْ عِكْرِمَةَ عَن بن عَبَّاسٍ كَانُوا اثْنَيْ عَشَرَ أَلْفًا مِنْ جَزِيرَةِ الْمَوْصِلِ فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِابْنِ مَسْعُودٍ أَنْظِرْنِي حَتَّى آتِيكَ وَخَطَّ عَلَيْهِ خَطًّا الْحَدِيثَ وَالْجَمْعُ بَيْنَ الرِّوَايَتَيْنِ تَعَدُّدُ الْقِصَّةِ فَإِن الَّذين جاؤوا أَوَّلًا كَانَ سَبَبُ مَجِيئِهِمْ مَا ذُكِرَ فِي الْحَدِيثِ مِنْ إِرْسَالِ الشُّهُبِ وَسَبَبُ مَجِيءِ الَّذِينَ فِي قصَّة بن مَسْعُود أَنهم جاؤوا لِقَصْدِ الْإِسْلَامِ وَسَمَاعِ الْقُرْآنِ وَالسُّؤَالِ عَنْ أَحْكَامِ الدِّينِ وَقَدْ بَيَّنْتُ ذَلِكَ فِي أَوَائِلِ الْمَبْعَثِ فِي الْكَلَامِ عَلَى حَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ وَهُوَ مِنْ أَقْوَى الْأَدِلَّةِ عَلَى تَعَدُّدِ الْقِصَّةِ فَإِنَّ أَبَا هُرَيْرَةَ إِنَّمَا أَسْلَمَ بَعْدَ الْهِجْرَةِ وَالْقِصَّةُ الْأُولَى كَانَتْ عَقِبَ الْمَبْعَثِ وَلَعَلَّ مَنْ ذُكِرَ فِي الْقِصَصِ الْمُفَرَّقَةِ كَانُوا مِمَّنْ وَفَدَ بَعْدُ لِأَنَّهُ لَيْسَ فِي كُلِّ قِصَّةٍ مِنْهَا إِلَّا أَنَّهُ كَانَ مِمَّنْ وَفَدَ وَقَدْ ثَبَتَ تَعَدُّدُ وُفُودِهِمْ وَتَقَدَّمَ فِي بَدْءِ الْخَلْقِ كَثِيرٌ مِمَّا يَتَعَلَّقُ بِأَحْكَامِ الْجِنِّ وَاللَّهُ الْمُسْتَعَانُ .

     قَوْلُهُ  نَحْوَ تِهَامَةَ بِكَسْرِ الْمُثَنَّاةِ اسْمٌ لِكُلِّ مَكَانٍ غَيْرِ عَالٍ مِنْ بِلَادِ الْحِجَازِ سُمِّيَتْ بِذَلِكَ لِشِدَّةِ حَرِّهَا اشْتِقَاقًا مِنَ التَّهَمِ بِفَتْحَتَيْنِ وَهُوَ شِدَّةُ الْحَرِّ وَسُكُونِ الرِّيحِ وَقِيلَ مِنْ تَهِمَ الشَّيْءُ إِذَا تَغَيَّرَ قِيلَ لَهَا ذَلِكَ لِتَغَيُّرِ هَوَائِهَا قَالَ الْبَكْرِيُّ حَدُّهَا مِنْ جِهَةِ الشَّرْقِ ذَاتُ عِرْقٍ وَمِنْ قِبَلِ الْحِجَازِ السَّرْجُ بِفَتْحِ الْمُهْمَلَةِ وَسُكُونِ الرَّاءِ بَعْدَهَا جِيمٌ قَرْيَةٌ مِنْ عَمَلِ الْفَرْعِ بَيْنَهَا وَبَيْنَ الْمَدِينَةِ اثْنَانِ وَسَبْعُونَ مِيلًا .

     قَوْلُهُ  إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي رِوَايَةِ أَبِي إِسْحَاقَ فَانْطَلَقُوا فَإِذَا رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ .

     قَوْلُهُ  وَهُوَ عَامِدٌ كَذَا هُنَا وَتَقَدَّمَ فِي صِفَةِ الصَّلَاةِ بِلَفْظِ عَامِدِينَ وَنُصِبَ عَلَى الْحَالِ مِنْ فِعْلِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَمَنْ كَانَ مَعَهُ أَوْ ذُكِرَ بِلَفْظِ الْجَمْعِ تَعْظِيمًا لَهُ وَهُوَ أَظْهَرُ لِمُنَاسَبَةِ الرِّوَايَةِ الَّتِي هُنَا .

     قَوْلُهُ  بِنَخْلَةَ بِفَتْحِ النُّونِ وَسُكُونِ الْمُعْجَمَةِ مَوْضِعٌ بَيْنَ مَكَّةَ وَالطَّائِفِ قَالَ الْبَكْرِيُّ عَلَى لَيْلَةٍ مِنْ مَكَّةَ وَهِيَ الَّتِي يُنْسَبُ إِلَيْهَا بَطْنُ نَخْلٍ وَوَقَعَ فِي رِوَايَةِ مُسْلِمٍ بِنَخْلٍ بِلَا هَاءٍ وَالصَّوَابُ إِثْبَاتُهَا .

     قَوْلُهُ  يُصَلِّي بِأَصْحَابِهِ صَلَاةَ الْفجْر لم يخْتَلف على بن عَبَّاسٍ فِي ذَلِكَ وَوَقَعَ فِي رِوَايَةِ عَبْدِ الرَّزَّاق عَن بن عُيَيْنَةَ عَنْ عَمْرِو بْنِ دِينَارٍ قَالَ قَالَ الزبير أَو بن الزُّبَيْرِ كَانَ ذَلِكَ بِنَخْلَةَ وَالنَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسلم يقْرَأ فِي الْعشَاء وَأخرجه بن أبي شيبَة عَن بن عُيَيْنَةَ عَنْ عَمْرٍو عَنْ عِكْرِمَةَ قَالَ قَالَ الزُّبَيْرُ فَذَكَرَهُ وَزَادَ فَقَرَأَ كَادُوا يَكُونُونَ عَلَيْهِ لبدا وَكَذَا أخرجه بن أَبِي حَاتِمٍ وَهَذَا مُنْقَطِعٌ وَالْأَوَّلُ أَصَحُّ .

     قَوْلُهُ  تَسَمَّعُوا لَهُ أَيْ قَصَدُوا لِسَمَاعِ الْقُرْآنِ وَأَصْغَوْا إِلَيْهِ قَوْله فَهُنَا لَك هُوَ ظَرْفُ مَكَانٍ وَالْعَامِلُ فِيهِ قَالُوا وَفِي رِوَايَةٍ فَقَالُوا وَالْعَامِلُ فِيهِ رَجَعُوا .

     قَوْلُهُ  رَجَعُوا إِلَى قَوْمِهِمْ فَقَالُوا يَا قَوْمَنَا إِنَّا سَمِعْنَا قُرْآنًا عَجَبًا قَالَ الْمَاوَرْدِيُّ ظَاهِرُ هَذَا أَنَّهُمْ آمَنُوا عِنْدَ سَمَاعِ الْقُرْآنِ قَالَ وَالْإِيمَانُ يَقَعُ بِأَحَدِ أَمْرَيْنِ إِمَّا بِأَنْ يَعْلَمَ حَقِيقَةَ الْإِعْجَازِ وَشُرُوطَ الْمُعْجِزَةِ فَيَقَعَ لَهُ الْعِلْمُ بِصِدْقِ الرَّسُولِ أَوْ يَكُونَ عِنْدَهُ عِلْمٌ مِنَ الْكُتُبِ الْأُولَى فِيهَا دَلَائِلُ عَلَى أَنَّهُ النَّبِيُّ الْمُبَشَّرُ بِهِ وَكِلَا الْأَمْرَيْنِ فِي الْجِنِّ مُحْتَمَلٌ وَاللَّهُ أَعْلَمُ .

     قَوْلُهُ  وَأَنْزَلَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ عَلَى نَبِيِّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قُلْ أُوحِيَ إِلَيَّ أَنَّهُ اسْتَمَعَ نَفَرٌ مِنَ الْجِنّ زَاد التِّرْمِذِيّ قَالَ بن عَبَّاسٍ وَقَوْلُ الْجِنِّ لِقَوْمِهِمْ لَمَّا قَامَ عَبْدُ الله يَدعُوهُ كَادُوا يكونُونَ عَلَيْهِ لبدا قَالَ لَمَّا رَأَوْهُ يُصَلِّي وَأَصْحَابَهُ يُصَلُّونَ بِصَلَاتِهِ يَسْجُدُونَ بِسُجُودِهِ قَالَ فَتَعَجَّبُوا مِنْ طَوَاعِيَةِ أَصْحَابِهِ لَهُ قَالُوا لِقَوْمِهِمْ ذَلِكَ .

     قَوْلُهُ  وَإِنَّمَا أُوحِيَ إِلَيْهِ قَول الْجِنّ هَذَا كَلَام بن عَبَّاسٍ كَأَنَّهُ تَقَرَّرَ فِيهِ مَا ذَهَبَ إِلَيْهِ أَوَّلًا أَنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَمْ يَجْتَمِعْ بِهِمْ وَإِنَّمَا أَوْحَى اللَّهُ إِلَيْهِ بِأَنَّهُمُ اسْتَمَعُوا وَمِثْلُهُ .

     قَوْلُهُ  تَعَالَى وَإِذْ صَرَفْنَا إِلَيْكَ نَفَرًا مِنَ الْجِنِّ يَسْتَمِعُونَ الْقُرْآنَ فَلَمَّا حَضَرُوهُ قَالُوا أَنْصتُوا الْآيَةَ وَلَكِنْ لَا يَلْزَمُ مِنْ عَدَمِ ذِكْرِ اجْتِمَاعِهِ بِهِمْ حِينَ اسْتَمَعُوا أَنْ لَا يَكُونَ اجْتَمَعَ بِهِمْ بَعْدَ ذَلِكَ كَمَا تَقَدَّمَ تَقْرِيرُهُ وَفِي الْحَدِيثِ إِثْبَاتُ وُجُودِ الشَّيَاطِينِ وَالْجِنِّ وَأَنَّهُمَا لِمُسَمًّى وَاحِدٍ وَإِنَّمَا صَارَا صِنْفَيْنِ بِاعْتِبَارِ الْكُفْرِ وَالْإِيمَانِ فَلَا يُقَالُ لِمَنْ آمَنَ مِنْهُمْ إِنَّهُ شَيْطَانٌ وَفِيهِ أَنَّ الصَّلَاةَ فِي الْجَمَاعَةِ شُرِعَتْ قَبْلَ الْهِجْرَةِ وَفِيهِ مَشْرُوعِيَّتُهَا فِي السَّفَرِ وَالْجَهْرُ بِالْقِرَاءَةِ فِي صَلَاةِ الصُّبْحِ وَأَنَّ الِاعْتِبَارَ بِمَا قَضَى اللَّهُ لِلْعَبْدِ مِنْ حُسْنِ الْخَاتِمَةِ لَا بِمَا يظْهر مِنْهُ مِنَ الشَّرِّ وَلَوْ بَلَغَ مَا بَلَغَ لِأَنَّ هَؤُلَاءِ الَّذِينَ بَادَرُوا إِلَى الْإِيمَانِ بِمُجَرَّدِ اسْتِمَاعِ الْقُرْآنِ لَوْ لَمْ يَكُونُوا عِنْدَ إِبْلِيسَ فِي أَعْلَى مَقَامَاتِ الشَّرِّ مَا اخْتَارَهُمْ لِلتَّوَجُّهِ إِلَى الْجِهَةِ الَّتِي ظَهَرَ لَهُ أَنَّ الْحَدَثَ الْحَادِثَ مِنْ جِهَتِهَا وَمَعَ ذَلِكَ فَغَلَبَ عَلَيْهِمْ مَا قُضِي لَهُمْ مِنَ السَّعَادَةِ بِحُسْنِ الْخَاتِمَةِ وَنَحْوُ ذَلِكَ قِصَّةُ سَحَرَةِ فِرْعَوْنَ وَسَيَأْتِي مَزِيدٌ لِذَلِكَ فِي كِتَابِ الْقَدَرِ إِنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى



( .

     قَوْلُهُ  سُورَةُ الْمُدَّثِّرِ بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ)

سَقَطَتِ الْبَسْمَلَةُ لِغَيْرِ أَبِي ذَرٍّ قَرَأَ أُبَيُّ بْنُ كَعْبٍ بِإِثْبَاتِ الْمُثَنَّاةِ الْمَفْتُوحَةِ بِغَيْرِ إِدْغَامٍ كَمَا تَقَدَّمَ فِي الْمُتَزَمِّلِ وَقَرَأَ عِكْرِمَةُ فِيهِمَا بِتَخَفِيفِ الزَّايِ وَالدَّالِ اسْمُ فَاعِلٍ .

     قَوْلُهُ  قَالَ بن عَبَّاس عسير شَدِيد وَصله بن أبي حَاتِم من طَرِيق عِكْرِمَة عَن بن عَبَّاسٍ بِهِ .

     قَوْلُهُ  قَسْوَرَةُ رِكْزُ النَّاسِ وَأَصْوَاتُهُمْ وَصَلَهُ سُفْيَانُ بْنُ عُيَيْنَةَ فِي تَفْسِيرِهِ عَنْ عَمْرِو بْنِ دِينَارٍ عَنْ عَطَاءٍ عَنِ بن عَبَّاسٍ فِي قَوْلِهِ تَعَالَى فَرَّتْ مِنْ قَسْوَرَةٍ قَالَ هُوَ رِكْزُ النَّاسِ قَالَ سُفْيَانُ يَعْنِي حِسَّهُمْ وَأَصْوَاتَهُمْ .

     قَوْلُهُ  وَكُلُّ شَدِيدٍ قَسْوَرَةٌ زَادَ النَّسَفِيُّ وَقَسْوَرٌ وَسَيَأْتِي الْقَوْلُ فِيهِ مَبْسُوطًا .

     قَوْلُهُ  وقَال أَبُو هُرَيْرَة القسورة قسور الْأسد الركز الصَّوْتُ سَقَطَ .

     قَوْلُهُ  الرِّكْزُ الصَّوْتُ لِغَيْرِ أَبِي ذَرٍّ وَقَدْ وَصَلَهُ عَبْدُ بْنُ حُمَيْدٍ مِنْ طَرِيقِ هِشَامِ بْنِ سَعْدٍ عَنْ زَيْدِ بْنِ أَسْلَمَ قَالَ كَانَ أَبُو هُرَيْرَةَ إِذَا قَرَأَ كَأَنَّهُمْ حمر مستنفرة فرت من قسورة قَالَ الْأَسَدُ وَهَذَا مُنْقَطِعٌ بَيْنَ زَيْدٍ وَأَبِي هُرَيْرَةَ وَقَدْ أَخْرَجَهُ مِنْ وَجْهَيْنِ آخَرَيْنِ عَنْ زيد بن أسلم عَن بن سِيلَانَ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ وَهُوَ مُتَّصِلٌ وَمِنْ هَذَا الْوَجْه أخرجه الْبَزَّار وَجَاء عَن بن عَبَّاس أَنه بالحبشية أخرجه بن جَرِيرٍ مِنْ طَرِيقِ يُوسُفَ بْنِ مِهْرَانَ عَنْهُ قَالَ الْقَسْوَرَةُ الْأَسَدُ بِالْعَرَبِيَّةِ وَبِالْفَارِسِيَّةِ شير وَبِالْحَبَشِيَّةِ قَسْوَرَةٌ وَأَخْرَجَ الْفَرَّاءُ مِنْ طَرِيقِ عِكْرِمَةَ أَنَّهُ قِيلَ لَهُ الْقَسْوَرَةُ بِالْحَبَشِيَّةِ الْأَسَدُ فَقَالَ الْقَسْوَرَةُ الرُّمَاة والأسد بالحبشية عَنْبَسَة وَأخرجه بن أبي حَاتِم عَن بن عَبَّاسٍ وَتَفْسِيرُهُ بِالرُّمَاةِ أَخْرَجَهُ سَعِيدُ بْنُ مَنْصُورٍ وبن أَبِي حَاتِمٍ وَالْحَاكِمُ مِنْ حَدِيثِ أَبِي مُوسَى الْأَشْعَرِيّ ولسعيد من طَرِيق بن أَبِي حَمْزَةَ.

قُلْتُ لِابْنِ عَبَّاسٍ الْقَسْوَرَةُ الْأَسَدُ قَالَ مَا أَعْلَمُهُ بِلُغَةِ أَحَدٍ مِنَ الْعَرَبِ هُمْ عَصَبُ الرِّجَالِ .

     قَوْلُهُ  مُسْتَنْفِرَةٌ نَافِرَةٌ مَذْعُورَةٌ قَالَ أَبُو عُبَيْدَةَ فِي قَوْلِهِ تَعَالَى كَأَنَّهُمْ حمر مستنفرة أَيْ مَذْعُورَةٌ وَمُسْتَنْفِرَةٌ نَافِرَةٌ يُرِيدُ أَنَّ لَهَا مَعْنَيَيْنِ وَهُمَا عَلَى الْقِرَاءَتَيْنِ فَقَدْ قَرَأَهَا الْجُمْهُورُ بِفَتْحِ الْفَاءِ وَقَرَأَهَا عَاصِمٌ وَالْأَعْمَشُ بِكَسْرِهَا .

     قَوْلُهُ 



[ قــ :4656 ... غــ :49] حَدثنِي يحيى هُوَ بن مُوسَى الْبَلْخِي أَو بن جَعْفَرٍ .

     قَوْلُهُ  عَنْ عَلِيِّ بْنِ الْمُبَارَكِ هُوَ الْهُنَائِيُّ بِضَمٍّ ثُمَّ نُونٍ خَفِيفَةٍ وَمَدٍّ بَصْرِيٌّ ثِقَةٌ مَشْهُورٌ مَا بَيْنَهُ وَبَيْنَ عَبْدِ اللَّهِ بن الْمُبَارك الْمَشْهُور قرَابَة .

     قَوْلُهُ