فهرس الكتاب

فتح الباري لابن حجر - باب القراء من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم

( قَولُهُ بَابُ الْقُرَّاءِ مِنْ أَصْحَابِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ)
أَيِ الَّذِينَ اشْتُهِرُوا بِحِفْظِ الْقُرْآنِ وَالتَّصَدِّي لِتَعْلِيمِهِ وَهَذَا اللَّفْظُ كَانَ فِي عُرْفِ السَّلَفِ أَيْضًا لِمَنْ تَفَقَّهَ فِي الْقُرْآنِ وَذَكَرَ فِيهِ سِتَّةَ أَحَادِيثَ الْأَوَّلُ عَنْ عَمْرو هُوَ بن مُرَّةَ وَقَدْ نَسَبَهُ الْمُصَنِّفُ فِي الْمَنَاقِبِ مِنْ هَذَا الْوَجْهِ وَذُهْلٌ الْكِرْمَانِيُّ فَقَالَ هُوَ عَمْرُو بْنُ عَبْدِ اللَّهِ أَبُو إِسْحَاقَ السَّبَيْعِيُّ وَلَيْسَ كَمَا قَالَ



[ قــ :4733 ... غــ :4999] .

     قَوْلُهُ  عَنْ مَسْرُوقٍ جَاءَ عَنْ إِبْرَاهِيمَ وَهُوَ النَّخَعِيُّ فِيهِ شَيْخٌ آخَرُ أَخْرَجَهُ الْحَاكِمُ مِنْ طَرِيقِ أَبِي سَعِيدٍ الْمُؤَدِّبِ عَنِ الْأَعْمَشُ عَنْ إِبْرَاهِيمَ عَنْ عَلْقَمَةَ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ وَهُوَ مَقْلُوبٌ فَإِنَّ الْمَحْفُوظَ فِي هَذَا عَنِ الْأَعْمَشِ عَنْ أَبِي وَائِلٍ عَنْ مَسْرُوقٍ كَمَا تَقَدَّمَ فِي الْمَنَاقِبِ وَيَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ إِبْرَاهِيمُ حَمَلَهُ عَنْ شَيْخَيْنِ وَالْأَعْمَشُ حَمَلَهُ عَنْ شَيْخَيْنِ .

     قَوْلُهُ  خُذُوا الْقُرْآنَ مِنْ أَرْبَعَةٍ أَيْ تعلموه مِنْهُم وَالْأَرْبَعَةُ الْمَذْكُورُونَ اثْنَانِ مِنَ الْمُهَاجِرِينَ وَهُمَا الْمُبْدَأُ بهما وَاثْنَانِ من الْأَنْصَار وَسَالم هُوَ بن معقل مولى أبي حُذَيْفَة ومعاذ هُوَ بن جَبَلٍ وَقَدْ تَقَدَّمَ هَذَا الْحَدِيثُ فِي مَنَاقِبِ سَالِمٍ مَوْلَى أَبِي حُذَيْفَةَ مِنْ هَذَا الْوَجْهِ وَفِي أَوَّلِهِ ذِكْرُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ عِنْدَ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو فَقَالَ ذَاكَ رجل لَا أَزَال أحبه بعد مَا سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ خُذُوا الْقُرْآنَ مِنْ أَرْبَعَةٍ فَبَدَأَ بِهِ فَذَكَرَ حَدِيثَ الْبَابِ وَيُسْتَفَادُ مِنْهُ مَحَبَّةُ مَنْ يَكُونُ مَاهِرًا فِي الْقُرْآنِ وَأَنَّ الْبُدَاءَةَ بِالرَّجُلِ فِي الذِّكْرِ عَلَى غَيْرِهِ فِي أَمْرٍ اشْتَرَكَ فِيهِ مَعَ غَيْرِهِ يَدُلُّ عَلَى تَقَدُّمِهِ فِيهِ وَتَقَدَّمَ بَقِيَّةُ شَرْحِهِ هُنَاكَ.

     وَقَالَ  الْكِرْمَانِيُّ يَحْتَمِلُ أَنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَرَادَ الْإِعْلَامَ بِمَا يَكُونُ بَعْدَهُ أَيْ أَنَّ هَؤُلَاءِ الْأَرْبَعَةَ يَبْقَوْنَ حَتَّى يَنْفَرِدُوا بِذَلِكَ وَتُعُقِّبَ بِأَنَّهُمْ لَمْ يَنْفَرِدُوا بَلِ الَّذِينَ مَهَرُوا فِي تَجْوِيدِ الْقُرْآنِ بَعْدَ الْعَصْرِ النَّبَوِيِّ أَضْعَافُ الْمَذْكُورِينَ وَقَدْ قُتِلَ سَالِمٌ مَوْلَى أَبِي حُذَيْفَةَ بَعْدَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي وَقْعَةِ الْيَمَامَةِ وَمَاتَ معَاذ فِي خلَافَة عمر وَمَات أبي وبن مَسْعُودٍ فِي خِلَافَةِ عُثْمَانَ وَقَدْ تَأَخَّرَ زَيْدُ بْنُ ثَابِتٍ وَانْتَهَتْ إِلَيْهِ الرِّيَاسَةُ فِي الْقِرَاءَةِ وَعَاشَ بَعْدَهُمْ زَمَانًا طَوِيلًا فَالظَّاهِرُ أَنَّهُ أَمَرَ بِالْأَخْذِ عَنْهُمْ فِي الْوَقْتِ الَّذِي صَدَرَ فِيهِ ذَلِكَ الْقَوْلُ وَلَا يَلْزَمُ مِنْ ذَلِكَ أَنْ لَا يَكُونَ أَحَدٌ فِي ذَلِكَ الْوَقْتِ شَارَكَهُمْ فِي حِفْظِ الْقُرْآنِ بَلْ كَانَ الَّذِينَ يَحْفَظُونَ مِثْلَ الَّذِينَ حَفِظُوهُ وَأَزْيَدُ مِنْهُمْ جَمَاعَةٌ مِنَ الصَّحَابَةِ وَقَدْ تَقَدَّمَ فِي غَزْوَةِ بِئْرِ مَعُونَةَ أَنَّ الَّذِينَ قُتِلُوا بِهَا مِنَ الصَّحَابَةِ كَانَ يُقَالُ لَهُمُ الْقُرَّاءُ وَكَانُوا سَبْعِينَ رَجُلًا الْحَدِيثُ الثَّانِي





[ قــ :4734 ... غــ :5000] قَوْله حَدثنَا عمر بن حَفْص حدثناابي كَذَا لِلْأَكْثَرِ وَحَكَى الْجَيَّانِيُّ أَنَّهُ وَقَعَ فِي رِوَايَةِ الْأَصِيلِيِّ عَنْ الْجُرْجَانِيِّ حَدَّثَنَا حَفْصُ بْنُ عُمَرَ حَدَّثَنَا أَبِي وَهُوَ خَطَأٌ مَقْلُوبٌ وَلَيْسَ لِحَفْصِ بْنِ عُمَرَ أَبٌ يَرْوِي عَنْهُ فِي الصَّحِيحِ وَإِنَّمَا هُوَ عُمَرُ بْنُ حَفْصِ بْنِ غِيَاثٍ بِالْغَيْنِ الْمُعْجَمَةِ وَالتَّحْتَانِيَّةِ وَالْمُثَلَّثَةِ وَكَانَ أَبُوهُ قَاضِيَ الْكُوفَةِ وَقَدْ أَخْرَجَ أَبُو نُعَيْمٍ الْحَدِيثَ الْمَذْكُورَ فِي الْمُسْتَخْرَجِ مِنْ طَرِيقِ سَهْلِ بْنِ بَحْرٍ عَنْ عُمَرَ بْنِ حَفْصِ بْنِ غِيَاثٍ وَنَسَبَهُ ثُمَّ قَالَ أَخْرَجَهُ الْبُخَارِيُّ عَنْ عُمَرَ بْنِ حَفْصٍ .

     قَوْلُهُ  حَدَّثَنَا شَقِيقُ بْنُ سَلَمَةَ فِي رِوَايَةِ مُسْلِمٍ وَالنَّسَائِيِّ جَمِيعًا عَنْ إِسْحَاقَ عَنْ عَبْدَةَ عَنِ الْأَعْمَشِ عَنْ أَبِي وَائِلٍ وَهُوَ شَقِيقٌ الْمَذْكُورُ وَجَاءَ عَنِ الْأَعْمَشِ فِيهِ شَيْخٌ آخَرُ أَخْرَجَهُ النَّسَائِيُّ عَنِ الْحَسَنِ بْنِ إِسْمَاعِيلَ عَنْ عَبْدَةَ بْنِ سُلَيْمَانَ عَنْهُ عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ عَنْ هُبَيْرَةَ بْنِ يَرِيمَ عَنِ بن مَسْعُودٍ فَإِنْ كَانَ مَحْفُوظًا احْتَمَلَ أَنْ يَكُونَ للأعمش فِيهِ طَرِيقَانِ وَإِلَّا فإسحاق وَهُوَ بن رَاهْوَيْهِ أَتْقَنُ مِنَ الْحَسَنِ بْنِ إِسْمَاعِيلَ مَعَ أَنَّ الْمَحْفُوظَ عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ فِيهِ مَا أخرجه أَحْمد وبن أَبِي دَاوُدَ مِنْ طَرِيقِ الثَّوْرِيِّ وَإِسْرَائِيلَ وَغَيْرِهِمَا عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ عَنْ خُمَيْرٍ بِالْخَاءِ الْمُعْجَمَةِ مصغر عَن بن مَسْعُودٍ فَحَصَلَ الشُّذُوذُ فِي رِوَايَةِ الْحَسَنِ بْنِ إِسْمَاعِيلَ فِي مَوْضِعَيْنِ .

     قَوْلُهُ  خَطَبَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مَسْعُودٍ فَقَالَ وَاللَّهِ لَقَدْ أَخَذْتُ مِنْ فِيِّ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِضْعًا وَسَبْعِينَ سُورَةً زَادَ عَاصِمٌ عَنْ بَدْرٍ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ وَأَخَذْتُ بَقِيَّةَ الْقُرْآنِ عَنْ أَصْحَابِهِ وَعِنْدَ إِسْحَاقَ بْنِ رَاهْوَيْهِ فِي رِوَايَتِهِ الْمَذْكُورَةِ فِي أَوَّلِهِ وَمَنْ يَغْلُلْ يَأْتِ بِمَا غَلَّ يَوْمَ الْقِيَامَةِ ثُمَّ قَالَ عَلَى قِرَاءَةِ مَنْ تَأْمُرُونَنِي أَنْ أَقْرَأَ وَقَدْ قَرَأْتُ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَذَكَرَ الْحَدِيثَ وَفِي رِوَايَةِ النَّسَائِيّ وَأبي عوَانَة وبن أبي دَاوُد من طَرِيق بن شهَاب عَن الْأَعْمَش عنأبي وَائِلٍ قَالَ خَطَبَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مَسْعُودٍ عَلَى الْمِنْبَرِ فَقَالَ وَمَنْ يَغْلُلْ يَأْتِ بِمَا غَلَّ يَوْمَ الْقِيَامَةِ غُلُّوا مَصَاحِفَكُمْ وَكَيْفَ تَأْمُرُونَنِي أَنْ أَقْرَأَ عَلَى قِرَاءَةِ زَيْدِ بْنِ ثَابِتٍ وَقَدْ قَرَأْتُ مِنْ فِيِّ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِثْلُهُ وَفِي رِوَايَةِ خُمَيْرِ بْنِ مَالِكٍ الْمَذْكُورَةِ بَيَان السَّبَب فِي قَول بن مَسْعُودٍ هَذَا وَلَفْظُهُ لَمَّا أُمِرَ بِالْمَصَاحِفِ أَنْ تُغَيَّرَ سَاءَ ذَلِكَ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ مَسْعُودٍ فَقَالَ مَنِ اسْتَطَاعَ.

     وَقَالَ  فِي آخِرِهِ أَفَأَتْرُكُ مَا أَخَذْتُ مِنْ فِيِّ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَفِي رِوَايَةٍ لَهُ فَقَالَ إِنِّي غَالٌّ مُصْحَفِيِّ فَمَنِ اسْتَطَاعَ أَنْ يَغُلَّ مُصْحَفَهُ فَلْيَفْعَلْ وَعِنْدَ الْحَاكِمِ مِنْ طَرِيقِ أَبِي مَيْسَرَةَ قَالَ رُحْتُ فَإِذَا أَنَا بِالْأَشْعَرِيِّ وَحُذَيْفَةَ وبن مَسْعُود فَقَالَ بن مَسْعُودٍ وَاللَّهِ لَا أَدْفَعُهُ يَعْنِي مُصْحَفَهُ أَقْرَأَنِي رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَذَكَرَهُ .

     قَوْلُهُ  وَاللَّهِ لَقَدْ عَلِمَ أَصْحَابِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنِّي مِنْ أَعْلَمِهِمْ بِكِتَابِ اللَّهِ وَقَعَ فِي رِوَايَةِ عَبْدَةَ وَأَبِي شِهَابٍ جَمِيعًا عَنِ الْأَعْمَشِ أَنِّي أَعْلَمُهُمْ بِكِتَابِ اللَّهِ بِحَذْفِ مِنْ وَزَادَ وَلَوْ أَعْلَمُ أَنَّ أَحَدًا أَعْلَمُ مِنِّي لَرَحَلْتُ إِلَيْهِ وَهَذَا لَا يَنْفِي إِثْبَاتَ مِنْ فَإِنَّهُ نَفَى الْأَغْلَبِيَّةَ وَلَمْ يَنْفِ الْمُسَاوَاةَ وَسَيَأْتِي مَزِيدٌ لِذَلِكَ فِي الْحَدِيثِ الرَّابِعِ .

     قَوْلُهُ  وَمَا أَنَا بِخَيْرِهِمْ يُسْتَفَادُ مِنْهُ أَنَّ الزِّيَادَةَ فِي صِفَةٍ مِنْ صِفَاتِ الْفَضْلِ لَا تَقْتَضِي الْأَفْضَلِيَّةَ الْمُطْلَقَةَ فَالْأَعْلَمِيَّةُ بِكِتَابِ اللَّهِ لَا تَسْتَلْزِمُ الْأَعْلَمِيَّةَ الْمُطْلَقَةَ بَلْ يَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ غَيْرُهُ أَعْلَمُ مِنْهُ بِعُلُومٍ أُخْرَى فَلِهَذَا قَالَ وَمَا أَنَا بِخَيْرِهِمْ وَسَيَأْتِي فِي هَذَا بَحْثٌ فِي بَابِ خَيْرُكُمْ مَنْ تَعَلَّمَ الْقُرْآنَ وَعَلَّمَهُ إِنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى .

     قَوْلُهُ  قَالَ شَقِيقٌ أَيْ بِالْإِسْنَادِ الْمَذْكُورِ فَجَلَسْتُ فِي الْحَلَقِ بِفَتْحِ الْمُهْمَلَةِ وَاللَّامِ فَمَا سَمِعْتُ رَادًّا يَقُولُ غَيْرَ ذَلِكَ يَعْنِي لَمْ يَسْمَعْ مَنْ يُخَالف بن مَسْعُودٍ يَقُولُ غَيْرَ ذَلِكَ أَوِ الْمُرَادُ مَنْ يَرُدُّ قَوْلَهُ ذَلِكَ وَوَقَعَ فِي رِوَايَةِ مُسْلِمٍ قَالَ شَقِيقٌ فَجَلَسْتُ فِي حَلَقِ أَصْحَابِ مُحَمَّدٍ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَمَا سَمِعْتُ أَحَدًا يَرُدُّ ذَلِكَ وَلَا يَعِيبُهُ وَفِي رِوَايَةِ أَبِي شِهَابٍ فَلَمَّا نَزَلَ عَنِ الْمِنْبَرِ جَلَسْتُ فِي الْحَلَقِ فَمَا أَحَدٌ يُنْكِرُ مَا قَالَ وَهَذَا يُخَصِّصُ عُمُومَ قَوْلِهِ أَصْحَابِ مُحَمَّدٍ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِمَنْ كَانَ مِنْهُمْ بِالْكُوفَةِ وَلَا يُعَارض ذَلِك مَا أخرجه بن أَبِي دَاوُدَ مِنْ طَرِيقِ الزُّهْرِيِّ عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُتْبَةَ بْنِ مَسْعُودٍ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ فَذَكَرَ نَحْوَ حَدِيثِ الْبَابِ وَفِيهِ قَالَ الزُّهْرِيُّ فَبَلَغَنِي أَن ذَلِك كرهه من قَول بن مَسْعُودٍ رِجَالٌ مِنْ أَصْحَابِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِأَنَّهُ مَحْمُولٌ عَلَى أَنَّ الَّذِينَ كَرِهُوا ذَلِكَ مِنْ غَيْرِ الصَّحَابَةِ الَّذِينَ شَاهَدَهُمْ شَقِيقُ بِالْكُوفَةِ وَيَحْتَمِلُ اخْتِلَافَ الْجِهَةِ فَالَّذِي نَفَى شَقِيقٌ أَنَّ أَحَدًا رَدَّهُ أَوْ عَابَهُ وصف بن مَسْعُودٍ بِأَنَّهُ أَعْلَمُهُمْ بِالْقُرْآنِ وَالَّذِي أَثْبَتَهُ الزُّهْرِيُّ مَا يَتَعَلَّقُ بِأَمْرِهِ بِغَلِّ الْمَصَاحِفِ وَكَأَنَّ مُرَادَ بن مَسْعُودٍ بِغَلِّ الْمَصَاحِفِ كَتْمُهَا وَإِخْفَاؤُهَا لِئَلَّا تَخْرُجُ فتعدم وَكَأن بن مَسْعُودٍ رَأَى خِلَافَ مَا رَأَى عُثْمَانُ وَمَنْ وَافَقَهُ فِي الِاقْتِصَارِ عَلَى قِرَاءَةٍ وَاحِدَةٍ وَإِلْغَاءِ مَا عَدَا ذَلِكَ أَوْ كَانَ لَا يُنْكِرُ الِاقْتِصَارَ لِمَا فِي عَدَمِهِ مِنَ الِاخْتِلَافِ بَلْ كَانَ يُرِيدُ أَنْ تَكُونَ قِرَاءَتَهُ هِيَ الَّتِي يُعَوَّلُ عَلَيْهَا دُونَ غَيْرِهَا لِمَا لَهُ مِنَ الْمَزِيَّةِ فِي ذَلِكَ مِمَّا لَيْسَ لِغَيْرِهِ كَمَا يُؤْخَذُ ذَلِكَ مِنْ ظَاهِرِ كَلَامِهِ فَلَمَّا فَاتَهُ ذَلِكَ وَرَأَى أَنَّ الِاقْتِصَارَ عَلَى قِرَاءَةِ زَيْدٍ تَرْجِيحٌ بِغَيْرِ مُرَجِّحٍ عِنْدَهُ اخْتَارَ اسْتِمْرَارَ الْقِرَاءَةِ على مَا كَانَت عَلَيْهِ على أَن بن أبي دَاوُد ترْجم بَاب رَضِي بن مَسْعُودٍ بَعْدَ ذَلِكَ بِمَا صَنَعَ عُثْمَانُ لَكِنْ لَمْ يُورِدْ مَا يُصَرِّحُ بِمُطَابَقَةِ مَا تَرْجَمَ بِهِ الْحَدِيثُ الْثَالِثُ





[ قــ :4735 ... غــ :5001] .

     قَوْلُهُ  كُنَّا بِحِمْصَ فَقَرَأَ بن مَسْعُودٍ سُورَةَ يُوسُفَ هَذَا ظَاهِرُهُ أَنَّ عَلْقَمَةَ حَضَرَ الْقِصَّةَ وَكَذَا أَخْرَجَهُ الْإِسْمَاعِيلِيُّ عَنْ أَبِي خَلِيفَةَ عَنِ مُحَمَّدِ بْنِ كَثِيرٍ شَيْخِ الْبُخَارِيِّ فِيهِ وَأَخْرَجَهُ أَبُو نُعَيْمٍ مِنْ طَرِيقِ يُوسُفَ الْقَاضِي عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ كَثِيرٍ فَقَالَ فِيهِ عَنْ عَلْقَمَةَ قَالَ كَانَ عَبْدُ اللَّهِ بِحِمْصَ وَقَدْ أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ مِنْ طَرِيقِ جَرِيرٍ عَنِ الْأَعْمَشَ وَلَفْظُهُ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ قَالَ كُنْتُ بِحِمْصَ فَقَرَأْتُ فَذَكَرَ الْحَدِيثَ وَهَذَا يَقْتَضِي أَنَّ عَلْقَمَةَ لَمْ يَحْضُرِ الْقِصَّةَ وَإِنَّمَا نقلهَا عَن بن مَسْعُودٍ وَكَذَا أَخْرَجَهُ أَبُو عَوَانَةَ مِنْ طُرُقٍ عَنْ الْأَعْمَشِ وَلَفْظُهُ كُنْتُ جَالِسًا بِحِمْصَ وَعِنْدَ أَحْمَدَ عَنْ أَبِي مُعَاوِيَةَ عَنِ الْأَعْمَشِ قَالَ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ أَنَّهُ قَرَأَ سُورَةَ يُوسُفَ وَرِوَايَةُ أَبِي مُعَاوِيَةَ عِنْدَ مُسْلِمٍ لَكِنْ أَحَالَ بِهَا .

     قَوْلُهُ  فَقَالَ رَجُلٌ مَا هَكَذَا أُنْزِلَتْ لَمْ أَقِفْ عَلَى اسْمِهِ وَقَدْ قِيلَ إِنَّهُ نَهِيكُ بْنُ سِنَانٍ الَّذِي تَقَدَّمَتْ لَهُ مَعَ بن مَسْعُودٍ فِي الْقُرْآنِ قِصَّةٌ غَيْرُ هَذِهِ لَكِنْ لَمْ أَرَ ذَلِكَ صَرِيحًا وَفِي رِوَايَةِ مُسْلِمٍ فَقَالَ لِيَ بَعْضُ الْقَوْمِ اقْرَأْ عَلَيْنَا فَقَرَأْتُ عَلَيْهِمْ سُورَةَ يُوسُفَ فَقَالَ رَجُلٌ مِنَ الْقَوْمِ مَا هَكَذَا أُنْزِلَتْ فَإِنْ كَانَ السَّائِلُ هُوَ الْقَائِلُ وَإِلَّا فَفِيهِ مُبْهَمٌ آخَرُ .

     قَوْلُهُ  فَقَالَ قَرَأْتُ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي رِوَايَةِ مُسْلِمٍ فَقُلْتُ وَيْحَكَ وَاللَّهِ لَقَدْ أَقْرَأَنِيهَا رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ .

     قَوْلُهُ  وَوَجَدَ مِنْهُ رِيحَ الْخَمْرِ هِيَ جُمْلَةٌ حَالِيَّةٌ وَوَقَعَ فِي رِوَايَةِ مُسْلِمٍ فَبَيْنَمَا أَنَا أُكَلِّمُهُ إِذْ وَجَدْتُ مِنْهُ رِيحَ الْخَمْرِ .

     قَوْلُهُ  فَضَرَبَهُ الْحَدَّ فِي رِوَايَةِ مُسْلِمٍ فَقُلْتُ لَا تَبْرَحْ حَتَّى أَجْلِدَكَ قَالَ فَجَلَدْتُهُ الْحَدَّ قَالَ النَّوَوِيّ هَذَا مَحْمُول على أَن بن مَسْعُود كَانَت لَهُ وِلَايَةُ إِقَامَةِ الْحُدُودِ نِيَابَةً عَنِ الْإِمَامِ إِمَّا عُمُومًا وَإِمَّا خُصُوصًا وَعَلَى أَنَّ الرَّجُلَ اعْتَرَفَ بِشُرْبِهَا بِلَا عُذْرٍ وَإِلَّا فَلَا يَجِبُ الْحَدُّ بِمُجَرَّدِ رِيحِهَا وَعَلَى أَنَّ التَّكْذِيبَ كَانَ بِإِنْكَارِ بَعْضِهِ جَاهِلًا إِذْ لَوْ كَذَّبَ بِهِ حَقِيقَةً لَكَفَرَ فَقَدْ أَجْمَعُوا عَلَى أَنَّ مَنْ جَحَدَ حَرْفًا مُجْمَعًا عَلَيْهِ مِنَ الْقُرْآنِ كَفَرَ اه وَالِاحْتِمَالُ الْأَوَّلُ جَيِّدٌ وَيُحْتَمَلُ أَيْضًا أَنْ يَكُونَ .

     قَوْلُهُ  فَضَرَبَهُ الْحَدَّ أَيْ رَفَعَهُ إِلَى الْأَمِيرِ فَضَرَبَهُ فَأَسْنَدَ الضَّرْبَ إِلَى نَفْسِهِ مَجَازًا لِكَوْنِهِ كَانَ سَبَبًا فِيهِ.

     وَقَالَ  الْقُرْطُبِيُّ إِنَّمَا أَقَامَ عَلَيْهِ الْحَدَّ لِأَنَّهُ جَعَلَ لَهُ ذَلِكَ مَنْ لَهُ الْوِلَايَةُ أَوْ لِأَنَّهُ رَأَى أَنَّهُ قَامَ عَنِ الْإِمَامِ بِوَاجِبٍ أَوْ لِأَنَّهُ كَانَ ذَلِكَ فِي زَمَانِ وِلَايَتِهِ الْكُوفَةَ فَإِنَّهُ وَلِيَهَا فِي زَمَنِ عُمَرَ وَصَدْرًا مِنْ خِلَافَةِ عُثْمَانَ انْتَهَى وَالِاحْتِمَالُ الثَّانِي مُوَجَّهٌ وَفِي الْأَخِيرِ غَفْلَةٌ عَمَّا فِي أَوَّلِ الْخَبَرِ أَنَّ ذَلِكَ كَانَ بحمص وَلم يلها بن مَسْعُودٍ وَإِنَّمَا دَخَلَهَا غَازِيًا وَكَانَ ذَلِكَ فِي خِلَافَةِ عُمَرَ.
وَأَمَّا الْجَوَابُ الثَّانِي عَنِ الرَّائِحَةِ فَيردهُ النَّقْل عَن بن مَسْعُودٍ أَنَّهُ كَانَ يَرَى وُجُوبَ الْحَدِّ بِمُجَرَّدِ وُجُودِ الرَّائِحَةِ وَقَدْ وَقَعَ مِثْلُ ذَلِكَ لِعُثْمَانَ فِي قِصَّةِ الْوَلِيدِ بْنِ عُقْبَةَ وَوَقَعَ عِنْدَ الْإِسْمَاعِيلِيِّ إِثْرَ هَذَا الْحَدِيثِ النَّقْلَ عَنْ عَلِيٍّ أَنه أنكر على بن مَسْعُود جلده الرجل بالرائحة وَحدهَا إِذْ لَمْ يُقِرَّ وَلَمْ يُشْهَدْ عَلَيْهِ.

     وَقَالَ  الْقُرْطُبِيُّ فِي الْحَدِيثِ حُجَّةٌ عَلَى مَنْ يَمْنَعُ وُجُوبَ الْحَدِّ بِالرَّائِحَةِ كَالْحَنَفِيَّةِ وَقَدْ قَالَ بِهِ مَالِكٌ وَأَصْحَابُهُ وَجَمَاعَةٌ مِنْ أَهْلِ الْحِجَازِ.

قُلْتُ وَالْمَسْأَلَةُ خِلَافِيَّةٌ شَهِيرَةٌ وَلِلْمَانِعِ أَنْ يَقُولَ إِذَا احْتُمِلَ أَنْ يَكُونَ أَقَرَّ سَقَطَ الِاسْتِدْلَالُ بِذَلِكَ وَلَمَّا حَكَى الْمُوَفَّقُ فِي الْمُغْنِي الْخِلَافَ فِي وُجُوبِ الْحَدِّ بِمُجَرَّدِ الرَّائِحَةِ اخْتَارَ أَنْ لَا يُحَدَّ بِالرَّائِحَةِ وَحْدَهَا بَلْ لَا بُدَّ مَعَهَا مِنْ قَرِينَةٍ كَأَنْ يُوجَدَ سَكْرَانَ أَوْ يَتَقَيَّأَهَا وَنَحْوُهُ أَنْ يُوجَدَ جَمَاعَةٌ شُهِرُوا بِالْفِسْقِ وَيُوجَدُ مَعَهُمْ خَمْرٌ وَيُوجَدُ مِنْ أَحَدِهِمْ رَائِحَةُ الْخَمْرِ وَحَكَى بن الْمُنْذِرِ عَنْ بَعْضِ السَّلَفِ أَنَّ الَّذِي يَجِبُ عَلَيْهِ الْحَدُّ بِمُجَرَّدِ الرَّائِحَةِ مَنْ يَكُونُ مَشْهُورًا بِإِدْمَانِ شُرْبِ الْخَمْرِ وَقِيلَ بِنَحْوِ هَذَا التَّفْصِيلِ فِيمَنْ شَكَّ وَهُوَ فِي الصَّلَاةِ هَلْ خَرَجَ مِنْهُ ريح أَولا فَإِنْ قَارَنَ ذَلِكَ وُجُودَ رَائِحَةٍ دَلَّ ذَلِكَ عَلَى وُجُودِ الْحَدَثِ فَيَتَوَضَّأُ وَإِنْ كَانَ فِي الصَّلَاةِ فَلْيَنْصَرِفْ وَيُحْمَلُ مَا وَرَدَ مِنْ تَرْكِ الْوُضُوءِ مَعَ الشَّكِّ عَلَى مَا إِذَا تَجَرَّدَ الظَّنُّ عَنِ الْقَرِينَةِ وَسَيَكُونُ لَنَا عَوْدَةٌ إِلَى هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ فِي كِتَابِ الْحُدُودِ إِنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى.
وَأَمَّا الْجَوَابُ عَنِ الثَّالِثِ فَجَيِّدٌ أَيْضا لَكِن يحْتَمل أَن يكون بن مَسْعُودٍ كَانَ لَا يَرَى بِمُؤَاخَذَةِ السَّكْرَانِ بِمَا يَصْدُرُ مِنْهُ مِنَ الْكَلَامِ فِي حَالِ سُكْرِهِ.

     وَقَالَ  الْقُرْطُبِيُّ يَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ الرَّجُلُ كَذَّبَ بن مَسْعُودٍ وَلَمْ يُكَذِّبْ بِالْقُرْآنِ وَهُوَ الَّذِي يَظْهَرُ مِنْ قَوْلِهِ مَا هَكَذَا أُنْزِلَتْ فَإِنَّ ظَاهِرَهُ أَنَّهُ أَثْبَتَ إِنْزَالَهَا وَنَفَى الْكَيْفِيَّةَ الَّتِي أَوْرَدَهَا بن مَسْعُودٍ.

     وَقَالَ  الرَّجُلُ ذَلِكَ إِمَّا جَهْلًا مِنْهُ أَوْ قِلَّةَ حِفْظٍ أَوْ عَدَمَ تَثَبُّتٍ بَعَثَهُ عَلَيْهِ السُّكْرُ وَسَيَأْتِي مَزِيدُ بَحْثٍ فِي ذَلِكَ فِي كِتَابِ الطَّلَاقِ إِنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى الْحَدِيثُ الْرَّابِعُ .

     قَوْلُهُ  حَدَّثَنَا مُسْلِمٌ هُوَ أَبُو الضُّحَى الْكُوفِيُّ وَقَعَ كَذَلِكَ فِي رِوَايَةِ أَبِي حَمْزَةَ عَنِ الْأَعْمَشِ عِنْدَ الْإِسْمَاعِيلِيِّ وَفِي طَبَقَةِ مُسْلِمٍ هَذَا رَجُلَانِ مِنْ أَهْلِ الْكُوفَةِ يُقَالُ لِكُلٍّ مِنْهُمَا مُسْلِمٌ أَحَدُهُمَا يُقَالُ لَهُ الْأَعْوَرُ وَالْآخَرُ يُقَالُ لَهُ الْبُطَيْنُ فَالْأَوَّلُ هُوَ مُسْلِمُ بْنُ كَيْسَانَ وَالثَّانِي مُسْلِمُ بْنُ عِمْرَانَ وَلَمْ أَرَ لِوَاحِدٍ مِنْهُمَا رِوَايَةً عَنْ مَسْرُوقٍ فَإِذَا أُطْلِقَ مُسْلِمٌ عَنْ مَسْرُوقٍ عُرِفَ أَنَّهُ هُوَ أَبُو الضُّحَى وَلَوِ اشْتَرَكُوا فِي أَنَّ الْأَعْمَشَ رَوَى عَنِ الثَّلَاثَةِ





[ قــ :4736 ... غــ :500] .

     قَوْلُهُ  قَالَ عَبْدُ اللَّهِ فِي رِوَايَةِ قُطْبَةَ عَنِ الْأَعْمَشِ عِنْدَ مُسْلِمٍ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ .

     قَوْلُهُ  وَاللَّهِ فِي رِوَايَة جرير عَن الْأَعْمَش عِنْد بن أَبِي دَاوُدَ قَالَ عَبْدُ اللَّهِ لَمَّا صُنِعَ بِالْمَصَاحِفِ مَا صُنِعَ وَاللَّهِ إِلَخْ .

     قَوْلُهُ  فِيمَنْ أُنْزِلَتْ فِي رِوَايَةِ الْكُشْمِيهَنِيِّ فِيمَا أُنْزِلَتْ وَمِثْلُهُ فِي رِوَايَةِ قُطْبَةَ وَجَرِيرٍ .

     قَوْلُهُ  وَلَوْ أَعْلَمُ أَحَدًا أَعْلَمَ مِنِّي بِكِتَابِ اللَّهِ تَبْلُغُهُ الْإِبِلُ فِي رِوَايَةِ الْكُشْمِيهَنِيِّ تُبَلِّغُنِيهِ وَهِيَ رِوَايَةُ جَرِيرٍ .

     قَوْلُهُ  لَرَكِبْتُ إِلَيْهِ تَقَدَّمَ فِي الْحَدِيثِ الثَّانِي بِلَفْظِ لَرَحَلْتُ إِلَيْهِ وَلِأَبِي عُبَيْدَةَ مِنْ طَرِيقِ بن سِيرِين نبئت أَن بن مَسْعُودٍ قَالَ لَوْ أَعْلَمُ أَحَدًا تُبَلِّغُنِيهِ الْإِبِلُ أَحْدَثَ عَهْدًا بِالْعَرْضَةِ الْأَخِيرَةِ مِنِّي لَأَتَيْتُهُ أَوْ قَالَ لَتَكَلَّفْتُ أَنْ آتِيَهُ وَكَأَنَّهُ احْتَرَزَ بِقَوْلِهِ تُبَلِّغُنِيهِ الْإِبِلُ عَمَّنْ لَا يَصِلُ إِلَيْهِ عَلَى الرَّوَاحِلِ إِمَّا لِكَوْنِهِ كَانَ لَا يَرْكَبُ الْبَحْرَ فَقَيَّدَ بِالْبَرِّ أَوْ لِأَنَّهُ كَانَ جَازِمًا بِأَنَّهُ لَا أَحَدَ يَفُوقُهُ فِي ذَلِكَ مِنَ الْبَشَرِ فَاحْتَرَزَ عَنْ سُكَّانِ السَّمَاءِ وَفِي الْحَدِيثِ جَوَازُ ذِكْرِ الْإِنْسَانِ نَفْسَهُ بِمَا فِيهِ مِنَ الْفَضِيلَةِ بِقَدْرِ الْحَاجَةِ وَيُحْمَلُ مَا وَرَدَ مِنْ ذَمِّ ذَلِكَ عَلَى مَنْ وَقَعَ ذَلِكَ مِنْهُ فَخْرًا أَوْ إِعْجَابًا الْحَدِيثُ الْخَامِسُ حَدِيثُ أَنَسٍ ذَكَرَهُ مِنْ وَجْهَيْنِ





[ قــ :4737 ... غــ :5003] .

     قَوْلُهُ  سَأَلْتُ أَنَسَ بْنَ مَالِكٍ مَنْ جَمَعَ الْقُرْآنَ عَلَى عَهْدِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ أَرْبَعَةٌ كُلُّهُمْ مِنَ الْأَنْصَارِ فِي رِوَايَةِ الطَّبَرِيُّ مِنْ طَرِيقِ سَعِيدِ بْنِ أَبِي عَرُوبَةَ عَنْ قَتَادَةَ فِي أَوَّلِ الْحَدِيثِ افْتَخَرَ الْحَيَّانِ الْأَوْسُ وَالْخَزْرَجُ فَقَالَ الْأَوْسُ مِنَّا أَرْبَعَةٌ مَنِ اهْتَزَّ لَهُ الْعَرْشُ سَعْدُ بْنُ مُعَاذٍ وَمَنْ عَدَلَتْ شَهَادَتُهُ شَهَادَةَ رَجُلَيْنِ خُزَيْمَةُ بْنُ ثَابِتٍ وَمَنْ غَسَّلَتْهُ الْمَلَائِكَةُ حَنْظَلَةُ بْنُ أَبِي عَامِرٍ وَمَنْ حَمَتْهُ الدَّبْرُ عَاصِمُ بْنُ ثَابِتٍ فَقَالَ الْخَزْرَجُ مِنَّا أَرْبَعَةٌ جَمَعُوا الْقُرْآنَ لَمْ يَجْمَعْهُ غَيْرُهُمْ فَذَكَرَهُمْ .

     قَوْلُهُ  وَأَبُو زَيْدٍ تَقَدَّمَ فِي مَنَاقِبَ زَيْدِ بْنِ ثَابِتٍ مِنْ طَرِيقِ شُعْبَةَ عَنْ قَتَادَةَ.

قُلْتُ لِأَنَسٍ مَنْ أَبُو زَيْدٍ قَالَ أَحَدُ عُمُومَتِي وَتَقَدَّمَ بَيَانُ الِاخْتِلَافِ فِي اسْمِ أَبِي زَيْدٍ هُنَاكَ وَجَوَّزْتُ هُنَاكَ أَنْ لَا يَكُونَ لِقَوْلِ أَنَسٍ أَرْبَعَةٌ مَفْهُومٌ لَكِنَّ رِوَايَةَ سَعِيدٍ الَّتِي ذَكَرْتُهَا الْآنَ مِنْ عِنْدِ الطَّبَرِيِّ صَرِيحَةٌ فِي الْحَصْرِ وَسَعِيدٌ ثَبْتٌ فِي قَتَادَةَ وَيُحْتَمَلُ مَعَ ذَلِكَ أَنَّ مُرَادَ أَنَسٍ لَمْ يَجْمَعْهُ غَيْرُهُمْ أَيْ مِنَ الْأَوْسِ بِقَرِينَةِ الْمُفَاخَرَةِ الْمَذْكُورَةِ وَلَمْ يُرِدْ نَفْيَ ذَلِكَ عَنِ الْمُهَاجِرِينَ ثُمَّ فِي رِوَايَةِ سَعِيدٍ أَنَّ ذَلِكَ مِنْ قَوْلِ الْخَزْرَجِ وَلَمْ يُفْصِحْ بِاسْمِ قَائِلِ ذَلِكَ لَكِنْ لَمَّا أَوْرَدَهُ أَنَسٌ وَلَمْ يَتَعَقَّبْهُ كَانَ كَأَنَّهُ قَائِلٌ بِهِ وَلَا سِيَّمَا وَهُوَ مِنَ الْخَزْرَجِ وَقَدْ أَجَابَ الْقَاضِي أَبُو بَكْرٍ الْبَاقِلَّانِيُّ وَغَيْرُهُ عَنْ حَدِيثِ أَنَسٍ هَذَا بِأَجْوِبَةٍ أَحَدُهَا أَنَّهُ لَا مَفْهُومَ لَهُ فَلَا يَلْزَمُ أَنْ لَا يَكُونَ غَيْرُهُمْ جَمَعَهُ ثَانِيهَا الْمُرَادُ لَمْ يَجْمَعْهُ عَلَى جَمِيعِ الْوُجُوه والقراآت الَّتِي نَزَلَ بِهَا إِلَّا أُولَئِكَ ثَالِثُهَا لَمْ يَجْمَعْ مَا نُسِخَ مِنْهُ بَعْدَ تِلَاوَتِهِ وَمَا لَمْ يُنْسَخْ إِلَّا أُولَئِكَ وَهُوَ قَرِيبٌ مِنَ الثَّانِي رَابِعُهَا أَنَّ الْمُرَادَ بِجَمْعِهِ تَلَقِّيهِ مِنْ فِيِّ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَا بِوَاسِطَةٍ بِخِلَافِ غَيْرِهِمْ فَيَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ تَلَقَّى بَعْضَهُ بِالْوَاسِطَةِ خَامِسُهَا أَنَّهُمْ تَصَدَّوْا لِإِلْقَائِهِ وَتَعْلِيمِهِ فَاشْتُهِرُوا بِهِ وَخَفِيَ حَالُ غَيْرِهِمْ عَمَّنْ عُرِفَ حَالُهُمْ فَحَصَرَ ذَلِكَ فِيهِمْ بِحَسَبِ عِلْمِهِ وَلَيْسَ الْأَمْرُ فِي نَفْسِ الْأَمْرِ كَذَلِكَ أَوْ يَكُونُ السَّبَبُ فِي خَفَائِهِمْ أَنَّهُمْ خَافُوا غَائِلَةَ الرِّيَاءِ وَالْعُجْبِ وَأَمِنَ ذَلِكَ مَنْ أَظْهَرَهُ سَادِسُهَا المُرَاد الْمُرَادُ بِالْجَمْعِ الْكِتَابَةُ فَلَا يَنْفِي أَنْ يَكُونَ غَيْرُهُمْ جَمَعَهُ حِفْظًا عَنْ ظَهْرِ قَلْبٍ.
وَأَمَّا هَؤُلَاءِ فَجَمَعُوهُ كِتَابَةً وَحَفِظُوهُ عَنْ ظَهْرِ قَلْبٍ سَابِعُهَا الْمُرَادُ أَنَّ أَحَدًا لَمْ يُفْصِحْ بِأَنَّهُ جَمَعَهُ بِمَعْنَى أَكْمَلَ حِفْظَهُ فِي عَهْدِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِلَّا أُولَئِكَ بِخِلَافِ غَيْرِهِمْ فَلَمْ يُفْصِحْ بِذَلِكَ لِأَنَّ أَحَدًا مِنْهُمْ لَمْ يُكْمِلْهُ إِلَّا عِنْدَ وَفَاةِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حِينَ نَزَلَتْ آخِرُ آيَةٍ مِنْهُ فَلَعَلَّ هَذِهِ الْآيَةَ الْأَخِيرَةَ وَمَا أَشْبَهَهَا مَا حَضَرَهَا إِلَّا أُولَئِكَ الْأَرْبَعَةَ مِمَّنْ جَمَعَ جَمِيعَ الْقُرْآنِ قَبْلَهَا وَإِنْ كَانَ قَدْ حَضَرَهَا مَنْ لَمْ يَجْمَعْ غَيْرَهَا الْجَمْعَ الْبَيِّنَ ثَامِنُهَا أَنَّ الْمُرَادَ بِجَمْعِهِ السَّمْعُ وَالطَّاعَةُ لَهُ وَالْعَمَلُ بِمُوجَبِهِ وَقَدْ أَخْرَجَ أَحْمَدُ فِي الزُّهْدِ مِنْ طَرِيقِ أَبِي الزَّاهِرِيَّةِ أَنَّ رَجُلًا أَتَى أَبَا الدَّرْدَاءِ فَقَالَ إِنَّ ابْنِي جَمَعَ الْقُرْآنَ فَقَالَ اللَّهُمَّ غَفْرًا إِنَّمَا جَمَعَ الْقُرْآنَ مَنْ سَمِعَ لَهُ وَأَطَاعَ وَفِي غَالِبِ هَذِهِ الِاحْتِمَالَاتِ تَكَلُّفٌ وَلَا سِيَّمَا الْأَخِيرُ وَقَدْ أَوْمَأْتُ قَبْلَ هَذَا إِلَى احْتِمَالٍ آخَرَ وَهُوَ أَنَّ الْمُرَادَ إِثْبَاتُ ذَلِكَ لِلْخَزْرَجِ دُونَ الْأَوْسِ فَقَطْ فَلَا يَنْفِي ذَلِكَ عَنْ غَيْرِ الْقَبِيلَتَيْنِ مِنَ الْمُهَاجِرِينَ وَمَنْ جَاءَ بَعْدَهُمْ وَيُحْتَمَلُ أَنْ يُقَالَ إِنَّمَا اقْتَصَرَ عَلَيْهِمْ أَنَسٌ لِتَعَلُّقِ غَرَضِهِ بِهِمْ وَلَا يَخْفَى بُعْدُهُ وَالَّذِي يَظْهَرُ مِنْ كَثِيرٍ مِنَ الْأَحَادِيثِ أَنَّ أَبَا بَكْرٍ كَانَ يَحْفَظُ الْقُرْآنَ فِي حَيَاةِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَدْ تَقَدَّمَ فِي الْمَبْعَثِ أَنَّهُ بَنَى مَسْجِدًا بِفِنَاءِ دَارِهِ فَكَانَ يَقْرَأُ فِيهِ الْقُرْآنَ وَهُوَ مَحْمُولٌ عَلَى مَا كَانَ نَزَلَ مِنْهُ إِذْ ذَاكَ وَهَذَا مِمَّا لَا يُرْتَابُ فِيهِ مَعَ شِدَّةِ حِرْصِ أَبِي بَكْرٍ عَلَى تَلَقِّي الْقُرْآنِ مِنَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَفَرَاغِ بَالِهِ لَهُ وَهُمَا بِمَكَّةَ وَكَثْرَةِ مُلَازَمَةِ كُلٍّ مِنْهُمَا لِلْآخَرِ حَتَّى قَالَتْ عَائِشَةُ كَمَا تَقَدَّمَ فِي الْهِجْرَةِ أَنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ يَأْتِيهِمْ بُكْرَةً وَعَشِيَّةً وَقَدْ صَحَّحَ مُسْلِمٌ حَدِيثَ يَؤُمُّ الْقَوْمَ أَقْرَؤُهُمْ لِكِتَابِ اللَّهِ وَتَقَدَّمَتِ الْإِشَارَةُ إِلَيْهِ وَتَقَدَّمَ أَنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَمَرَ أَبَا بَكْرٍ أَنْ يَؤُمَّ فِي مَكَانِهِ لَمَّا مَرِضَ فَيَدُلُّ عَلَى أَنَّهُ كَانَ أَقْرَأَهُمْ وَتَقَدَّمَ عَنْ عَلِيٍّ أَنَّهُ جَمَعَ الْقُرْآنَ عَلَى تَرْتِيبِ النُّزُولِ عَقِبَ مَوْتِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَأَخْرَجَ النَّسَائِيُّ بِإِسْنَادٍ صَحِيحٍ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ قَالَ جَمَعْتُ الْقُرْآنَ فَقَرَأْتُ بِهِ كُلَّ لَيْلَةٍ فَبَلَغَ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ اقْرَأْهُ فِي شَهْرٍ الْحَدِيثَ وَأَصْلُهُ فِي الصَّحِيحِ وَتَقَدَّمَ فِي الحَدِيث الَّذِي مضى ذكر بن مَسْعُودٍ وَسَالِمٍ مَوْلَى أَبِي حُذَيْفَةَ وَكُلُّ هَؤُلَاءِ مِنَ الْمُهَاجِرِينَ وَقَدْ ذَكَرَ أَبُو عُبَيْدٍ الْقُرَّاءَ مِنْ أَصْحَابِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَعَدَّ مِنَ الْمُهَاجِرِينَ الْخُلَفَاءَ الْأَرْبَعَةَ وَطَلْحَةَ وَسَعْدًا وبن مَسْعُودٍ وَحُذَيْفَةَ وَسَالِمًا وَأَبَا هُرَيْرَةَ وَعَبْدَ اللَّهِ بْنَ السَّائِبِ وَالْعَبَادِلَةَ وَمِنَ النِّسَاءِ عَائِشَةَ وَحَفْصَةَ وَأُمَّ سَلَمَةَ وَلَكِنَّ بَعْضَ هَؤُلَاءِ إِنَّمَا أَكْمَلَهُ بَعْدَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَلَا يَرُدُّ عَلَى الْحَصْرِ الْمَذْكُورِ فِي حَدِيثِ أَنَسٍ وعد بن أَبِي دَاوُدَ فِي كِتَابِ الشَّرِيعَةِ مِنَ الْمُهَاجِرِينَ أَيْضًا تَمِيمَ بْنَ أَوْسٍ الدَّارِيَّ وَعُقْبَةَ بْنَ عَامِرٍ وَمِنَ الْأَنْصَارِ عُبَادَةَ بْنَ الصَّامِتِ وَمُعَاذًا الَّذِي يُكَنَّى أَبَا حَلِيمَةَ وَمُجْمِّعَ بْنَ حَارِثَةَ وَفَضَالَةَ بْنَ عُبَيْدٍ وَمَسْلَمَةَ بْنَ مَخْلَدٍ وَغَيْرَهُمْ وَصَرَّحَ بِأَنَّ بَعْضَهُمْ إِنَّمَا جَمَعَهُ بَعْدَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَمِمَّنْ جَمَعَهُ أَيْضًا أَبُو مُوسَى الْأَشْعَرِيُّ ذَكَرَهُ أَبُو عَمْرٍو الدَّانِيُّ وَعَدَّ بَعْضُ الْمُتَأَخِّرِينَ مِنَ الْقُرَّاءِ عَمْرَو بْنَ الْعَاصِ وَسَعْدَ بْنَ عَبَّادٍ وَأُمَّ وَرَقَةَ .

     قَوْلُهُ  تَابَعَهُ الْفَضْلُ بْنُ مُوسَى عَنْ حُسَيْنِ بْنِ وَاقِدٍ عَنْ ثُمَامَةَ عَنْ أَنَسٍ هَذَا التَّعْلِيقُ وَصَلَهُ إِسْحَاقُ بْنُ رَاهْوَيْهِ فِي مُسْنَدِهِ عَنْ الْفَضْلِ بْنِ مُوسَى بِهِ ثُمَّ أَخْرَجَهُ الْمُصَنِّفُ مِنْ طَرِيقِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الْمُثَنَّى حَدَّثَنِي ثَابِتٌ الْبُنَانِيُّ وَثُمَامَةُ عَنْ أَنَسٍ قَالَ مَاتَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَلَمْ يَجْمَعِ الْقُرْآنَ غَيْرُ أَرْبَعَةٍ فَذَكَرَ الْحَدِيثَ فَخَالَفَ رِوَايَةَ قَتَادَةَ مِنْ وَجْهَيْنِ أَحَدُهُمَا التَّصْرِيحُ بِصِيغَةِ الْحَصْرِ فِي الْأَرْبَعَةِ ثَانِيهِمَا ذِكْرُ أَبِي الدَّرْدَاءِ بَدَلَ أُبَيِّ بْنِ كَعْبٍ فَأَمَّا الْأَوَّلُ فَقَدْ تَقَدَّمَ الْجَوَابُ عَنْهُ مِنْ عِدَّةِ أَوْجُهٍ وَقَدِ اسْتَنْكَرَهُ جَمَاعَةٌ مِنَ الْأَئِمَّةِ قَالَ الْمَازَرِيُّ لَا يَلْزَمُ مِنْ قَوْلِ أَنَسٍ لَمْ يَجْمَعْهُ غَيْرُهُمْ أَنْ يَكُونَ الْوَاقِعُ فِي نَفْسِ الْأَمْرِ كَذَلِكَ لِأَنَّ التَّقْدِير أَنه لَا يَعْلَمُ أَنَّ سِوَاهُمْ جَمَعَهُ وَإِلَّا فَكَيْفَ الْإِحَاطَةُ بِذَلِكَ مَعَ كَثْرَةِ الصَّحَابَةِ وَتَفَرُّقِهِمْ فِي الْبِلَادِ وَهَذَا لَا يَتِمُّ إِلَّا إِنْ كَانَ لَقِيَ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ عَلَى انْفِرَادِهِ وَأَخْبَرَهُ عَنْ نَفْسِهِ أَنَّهُ لَمْ يَكْمُلْ لَهُ جَمْعُ الْقُرْآنَ فِي عَهْدِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَهَذَا فِي غَايَةِ الْبُعْدِ فِي الْعَادَةِ وَإِذَا كَانَ الْمَرْجِعُ إِلَى مَا فِي عِلْمِهِ لَمْ يَلْزَمْ أَنْ يَكُونَ الْوَاقِعُ كَذَلِكَ قَالَ وَقَدْ تَمَسَّكَ بِقَوْلِ أَنَسٍ هَذَا جَمَاعَةٌ مِنَ الْمَلَاحِدَةِ وَلَا مُتَمَسَّكَ لَهُمْ فِيهِ فَإِنَّا لَا نُسَلِّمُ حَمْلَهُ عَلَى ظَاهِرِهِ سَلَّمْنَاهُ وَلَكِنْ مِنْ أَيْنَ لَهُمْ أَنَّ الْوَاقِعَ فِي نَفْسِ الْأَمْرِ كَذَلِكَ سَلَّمْنَاهُ لَكِنْ لَا يَلْزَمُ مِنْ كَوْنِ كُلِّ وَاحِدٍ مِنَ الْجَمِّ الْغَفِيرِ لَمْ يَحْفَظْهُ كُلَّهُ أَنْ لَا يَكُونَ حَفِظَ مَجْمُوعَهُ الْجَمُّ الْغَفِيرُ وَلَيْسَ مِنْ شَرْطِ التَّوَاتُرِ أَنْ يَحْفَظَ كُلُّ فَرْدٍ جَمِيعَهُ بَلْ إِذَا حَفِظَ الْكُلُّ الْكُلَّ وَلَوْ عَلَى التَّوْزِيعِ كَفَى وَاسْتَدَلَّ الْقُرْطُبِيُّ عَلَى ذَلِكَ بِبَعْضِ مَا تَقَدَّمَ مِنْ أَنَّهُ قُتِلَ يَوْمَ الْيَمَامَةِ سَبْعُونَ مِنَ الْقُرَّاءِ وَقُتِلَ فِي عَهْدِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِبِئْرِ مَعُونَةَ مِثْلُ هَذَا الْعَدَدِ قَالَ وَإِنَّمَا خَصَّ أَنَسٌ الْأَرْبَعَةَ بِالذِّكْرِ لِشِدَّةِ تَعَلُّقِهِ بِهِمْ دُونَ غَيْرِهِمْ أَوْ لِكَوْنِهِمْ كَانُوا فِي ذِهْنِهِ دُونَ غَيْرِهِمْ.
وَأَمَّا الْوَجْهُ الثَّانِي مِنَ الْمُخَالَفَةِ فَقَالَ الْإِسْمَاعِيلِيُّ هَذَانِ الْحَدِيثَانِ مُخْتَلِفَانِ وَلَا يَجُوزَانِ فِي الصَّحِيح مَعَ تباينهما بل الصَّحِيحُ أَحَدُهُمَا وَجَزَمَ الْبَيْهَقِيُّ بِأَنَّ ذِكْرَ أَبِي الدَّرْدَاءِ وَهْمٌ وَالصَّوَابُ أُبَيُّ بْنُ كَعْبٍ.

     وَقَالَ  الدَّاوُدِيُّ لَا أَرَى ذِكْرَ أَبِي الدَّرْدَاءِ مَحْفُوظًا.

قُلْتُ وَقَدْ أَشَارَ الْبُخَارِيُّ إِلَى عَدَمِ التَّرْجِيحِ بِاسْتِوَاءِ الطَّرَفَيْنِ فَطَرِيقُ قَتَادَةَ عَلَى شَرْطِهِ وَقَدْ وَافَقَهُ عَلَيْهَا ثُمَامَةُ فِي إِحْدَى الرِّوَايَتَيْنِ عَنْهُ وَطَرِيقُ ثَابِتٍ أَيْضًا عَلَى شَرْطِهِ وَقَدْ وَافَقَهُ عَلَيْهَا أَيْضًا ثُمَامَةُ فِي الرِّوَايَةِ الْأُخْرَى لَكِنَّ مَخْرَجَ الرِّوَايَةِ عَنْ ثَابِتٍ وَثُمَامَةُ بِمُوَافَقَتِهِ وَقَدْ وَقَعَ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الْمُثَنَّى وَفِيهِ مَقَالٌ وَإِنْ كَانَ عِنْدَ الْبُخَارِيِّ مَقْبُولًا لَكِنْ لَا تُعَادِلُ رِوَايَتُهُ رِوَايَةَ قَتَادَةَ وَيُرَجِّحُ رِوَايَةَ قَتَادَةَ حَدِيثُ عُمَرَ فِي ذِكْرِ أُبَيِّ بْنِ كَعْبٍ وَهُوَ خَاتِمَةُ أَحَادِيثِ الْبَابِ وَلَعَلَّ الْبُخَارِيَّ أَشَارَ بِإِخْرَاجِهِ إِلَى ذَلِكَ لِتَصْرِيحِ عُمَرَ بترجيحه فِي الْقِرَاءَةِ عَلَى غَيْرِهِ وَيُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ أَنَسٌ حَدَّثَ بِهَذَا الْحَدِيثِ فِي وَقْتَيْنِ فَذَكَرَهُ مَرَّةً أُبَيَّ بْنَ كَعْبٍ وَمَرَّةً بَدَّلَهُ أَبَا الدَّرْدَاءِ وَقد روى بن أَبِي دَاوُدَ مِنْ طَرِيقِ مُحَمَّدِ بْنِ كَعْبٍ الْقُرَظِيِّ قَالَ جَمَعَ الْقُرْآنَ عَلَى عَهْدِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ خَمْسَةٌ مِنَ الْأَنْصَارِ مُعَاذُ بْنُ جَبَلٍ وَعُبَادَةُ بْنُ الصَّامِتِ وَأُبَيُّ بْنُ كَعْبٍ وَأَبُو الدَّرْدَاءِ وَأَبُو أَيُّوبَ الْأَنْصَارِيُّ وَإِسْنَادُهُ حَسَنٌ مَعَ إِرْسَالِهِ وَهُوَ شَاهِدٌ جَيِّدٌ لِحَدِيثِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الْمُثَنَّى فِي ذِكْرِ أَبِي الدَّرْدَاءِ وَإِنْ خَالَفَهُ فِي الْعَدَدِ وَالْمَعْدُودِ وَمِنْ طَرِيقِ الشَّعْبِيِّ قَالَ جَمَعَ الْقُرْآنَ فِي عَهْدِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ سِتَّةٌ مِنْهُمْ أَبُو الدَّرْدَاءِ وَمُعَاذٌ وَأَبُو زَيْدٍ وَزَيْدُ بْنُ ثَابِتٍ وَهَؤُلَاءِ الْأَرْبَعَةُ هُمُ الَّذِينَ ذُكِرُوا فِي رِوَايَةِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الْمُثَنَّى وَإِسْنَادُهُ صَحِيحٌ مَعَ إِرْسَالِهِ فَلِلَّهِ دَرُّ الْبُخَارِيِّ مَا أَكْثَرَ اطِّلَاعَهُ وَقَدْ تَبَيَّنَ بِهَذِهِ الرِّوَايَةِ الْمُرْسَلَةِ قُوَّةُ رِوَايَةِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الْمُثَنَّى وَأَنَّ لِرِوَايَتِهِ أَصْلًا وَاللَّهُ أَعْلَمُ.

     وَقَالَ  الْكِرْمَانِيُّ لَعَلَّ السَّامِعَ كَانَ يَعْتَقِدُ أَنَّ هَؤُلَاءِ الْأَرْبَعَةَ لَمْ يَجْمَعُوا وَكَانَ أَبُو الدَّرْدَاءِ مِمَّنْ جَمَعَ فَقَالَ أَنَسٌ ذَلِكَ رَدًّا عَلَيْهِ وَأَتَى بِصِيغَةِ الْحَصْرِ ادِّعَاءً وَمُبَالَغَةً وَلَا يَلْزَمُ مِنْهُ النَّفْيُ عَنْ غَيْرِهِمْ بِطَرِيقِ الْحَقِيقَةِ وَاللَّهُ أَعْلَمُ





[ قــ :4738 ... غــ :5004] .

     قَوْلُهُ  وَأَبُو زَيْدٍ قَالَ وَنَحْنُ وَرِثْنَاهُ الْقَائِلُ ذَلِكَ هُوَ أَنَسٌ وَقَدْ تَقَدَّمَ فِي مَنَاقِبِ زَيْدِ بْنِ ثَابِتٍ قَالَ قَتَادَةُ.

قُلْتُ وَمَنْ أَبُو زَيْدٍ قَالَ أَحَدُ عُمُومَتِي وَتَقَدَّمَ فِي غَزْوَةِ بَدْرٍ مِنْ وَجْهٍ آخَرَ عَنْ قَتَادَةَ عَنْ أَنَسٍ قَالَ مَاتَ أَبُو زَيْدٍ وَكَانَ بَدْرِيًّا وَلَمْ يَتْرُكْ عَقِبًا.

     وَقَالَ  أَنَسٌ نَحْنُ وَرِثْنَاهُ وَقَولُهُ أَحَدُ عُمُومَتِي يَرُدُّ قَوْلَ مَنْ سَمَّى أَبَا زَيْدٍ الْمَذْكُورَ سَعْدَ بْنَ عُبَيْدِ بْنِ النُّعْمَانِ أَحَدَ بَنِي عَمْرِو بْنِ عَوْفٍ لِأَنَّ أَنَسًا خَزْرَجِيٌّ وَسَعْدُ بْنُ عُبَيْدٍ أَوْسِيٌّ وَإِذَا كَانَ كَذَلِكَ احْتَمَلَ أَنْ يَكُونَ سَعْدُ بْنُ عُبَيْدٍ مِمَّنْ جَمَعَ وَلَمْ يَطَّلِعْ أَنَسٌ عَلَى ذَلِكَ وَقَدْ قَالَ أَبُو أَحْمَدَ الْعَسْكَرِيُّ لَمْ يَجْمَعْهُ مِنَ الْأَوْسِ غَيْرَهُ.

     وَقَالَ  مُحَمَّدُ بن حبيب فِي المحبر سَعْدُ بْنُ عُبَيْدٍ وَنَسَبَهُ كَانَ أَحَدَ مَنْ جَمَعَ الْقُرْآنَ فِي عَهْدِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَوَقَعَ فِي رِوَايَةِ الشَّعْبِيِّ الَّتِي أَشَرْتُ إِلَيْهَا الْمُغَايَرَةُ بَيْنَ سَعْدِ بْنِ عُبَيْدٍ وَبَيْنَ أَبِي زَيْدٍ فَإِنَّهُ ذَكَرَهُمَا جَمِيعًا فَدَلَّ عَلَى أَنَّهُ غَيْرُ الْمُرَادِ فِي حَدِيثِ أَنَسٍ وَقد ذكر بن أَبِي دَاوُدَ فِيمَنْ جَمَعَ الْقُرْآنَ قَيْسَ بْنَ أَبِي صَعْصَعَةَ وَهُوَ خَزْرَجِيٌّ وَتَقَدَّمَ أَنَّهُ يُكَنَّى أَبَا زَيْدٍ وَسَعْدُ بْنُ الْمُنْذِرِ بْنِ أَوْسِ بْنِ زُهَيْرٍ وَهُوَ خَزْرَجِيٌّ أَيْضًا لَكِنْ لَمْ أَرَ التَّصْرِيحَ بِأَنَّهُ يُكَنَّى أَبَا زَيْدٍ ثُمَّ وَجَدْتُ عِنْدَ أَبِي دَاوُدَ مَا يَرْفَعُ الْإِشْكَالَ مِنْ أَصْلِهِ فَإِنَّهُ رَوَى بِإِسْنَادٍ عَلَى شَرْطِ الْبُخَارِيِّ إِلَى ثُمَامَةَ عَنْ أَنَسٍ أَنَّ أَبَا زَيْدٍ الَّذِي جَمَعَ الْقُرْآنَ اسْمُهُ قَيْسُ بْنُ السَّكَنِ قَالَ وَكَانَ رَجُلًا مِنَّا مِنْ بَنِي عَدِيِّ بْنِ النَّجَّارِ أَحَدُ عُمُومَتِي وَمَاتَ وَلَمْ يدع عقبا وَنحن ورثناه قَالَ بن أَبِي دَاوُدَ حَدَّثَنَا أَنَسُ بْنُ خَالِدٍ الْأَنْصَارِيُّ قَالَ هُوَ قَيْسُ بْنُ السَّكَنِ مِنْ زَعْوَرَاءَ من بني عدي بن النجار قَالَ بن أَبِي دَاوُدَ مَاتَ قَرِيبًا مِنْ وَفَاةِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَذَهَبَ عِلْمُهُ وَلَمْ يُؤْخَذ عَنهُ وَكَانَ عقبيا بَدْرِيًّا .

     قَوْلُهُ 





[ قــ :4739 ... غــ :5005] يَحْيَى هُوَ الْقَطَّانُ وَسُفْيَانُ هُوَ الثَّوْرِيُّ .

     قَوْلُهُ  عَنْ حَبِيبِ بْنِ أَبِي ثَابِتٍ عِنْدَ الْإِسْمَاعِيلِيِّ حَدَّثَنَا حَبِيبٌ .

     قَوْلُهُ  أُبَيٌّ أَقْرَؤُنَا كَذَا لِلْأَكْثَرِ وَبِهِ جَزَمَ الْمِزِّيُّ فِي الْأَطْرَافِ فَقَالَ لَيْسَ فِي رِوَايَةِ صَدَقَةَ ذِكْرُ عَلِيٍّ.

قُلْتُ وَقَدْ ثَبَتَ فِي رِوَايَةِ النَّسَفِيِّ عَنِ الْبُخَارِيِّ فَأَوَّلُ الْحَدِيثِ عِنْدَهُ عَلِيٌّ أَقْضَانَا وَأُبَيٌّ أَقْرَؤُنَا وَقَدْ أَلْحَقَ الدِّمْيَاطِيٌّ فِي نُسْخَتِهِ فِي حَدِيثِ الْبَابِ ذِكْرَ عَلِيٍّ وَلَيْسَ بِجَيِّدٍ لِأَنَّهُ سَاقِطٌ مِنْ رِوَايَةِ الْفَرَبْرِيِّ الَّتِي عَلَيْهَا مَدَارُ رِوَايَتِهِ وَقَدْ تَقَدَّمَ فِي تَفْسِيرِ الْبَقَرَةِ عَنْ عَمْرِو بْنِ عَلِيٍّ عَنْ يَحْيَى الْقَطَّانِ بِسَنَدِهِ هَذَا وَفِيهِ ذِكْرُ عَلِيٍّ عِنْدَ الْجَمِيعِ .

     قَوْلُهُ  مِنْ لَحْنِ أُبَيٍّ أَيْ مِنْ قِرَاءَتِهِ وَلَحْنُ الْقَوْلِ فَحْوَاهُ وَمَعْنَاهُ الْمُرَادُ بِهِ هُنَا الْقَوْلُ وَكَانَ أُبَيُّ بْنُ كَعْبٍ لَا يَرْجِعُ عَمَّا حَفِظَهُ مِنَ الْقُرْآنِ الَّذِي تَلَقَّاهُ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَلَوْ أَخْبَرَهُ غَيْرُهُ أَنَّ تِلَاوَتَهُ نُسِخَتْ لِأَنَّهُ إِذَا سَمِعَ ذَلِكَ مِنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حَصَلَ عِنْدَهُ الْقَطْعُ بِهِ فَلَا يَزُولُ عَنْهُ بِإِخْبَارِ غَيْرِهِ أَنَّ تِلَاوَتَهُ نُسِخَتْ وَقَدِ اسْتَدَلَّ عَلَيْهِ عُمَرُ بِالْآيَةِ الدَّالَّةِ عَلَى النَّسْخِ وَهُوَ مِنْ أَوْضَحَ الِاسْتِدْلَالِ فِي ذَلِكَ وَقَدْ تَقَدَّمَ بَقِيَّةُ شَرْحِهِ فِي التَّفْسِير