فهرس الكتاب

فتح الباري لابن حجر - باب لا يخطب على خطبة أخيه حتى ينكح أو يدع

( قَولُهُ بَابُ لَا يَخْطُبُ عَلَى خِطْبَةِ أَخِيهِ حَتَّى يَنْكِحَ أَوْ يَدَعَ)
كَذَا أَوْرَدَهُ بِلَفْظِ أَوْ يَدَعَ وَذَكَرَهُ فِي الْبَابِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ بِلَفْظِ أَوْ يَتْرُكَ وَأَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ مِنْ حَدِيثِ عُقْبَةَ بْنِ عَامِرٍ بِلَفْظِ حَتَّى يَذَرَ وَقَدْ أَخْرَجَهُ أَبُو الشَّيْخُ فِي كِتَابِ النِّكَاحِ مِنْ طَرِيقِ عَبْدِ الْوَارِثِ عَنْ هِشَامِ بْنِ حَسَّانَ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ سِيرِينَ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ بِلَفْظِ حَتَّى يَنْكِحَ أَوْ يَدَعَ وَإِسْنَادُهُ صَحِيحٌ



[ قــ :4865 ... غــ :5142] .

     قَوْلُهُ  نَهَى النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنْ يَبِيعَ بَعْضُكُمْ عَلَى بَيْعِ بَعْضٍ تَقَدَّمَ شَرْحُهُ فِي الْبُيُوعِ وَالْبَحْثُ فِي اخْتِصَاصِ ذَلِكَ بِالْمُسْلِمِ وَهَذَا اللَّفْظُ لَا يُعَارِضُ ذَلِكَ مِنْ جِهَةِ أَنَّ الْمُخَاطَبِينَ هُمُ الْمُسْلِمُونَ .

     قَوْلُهُ  وَلَا يَخْطُبْ بِالْجَزْمِ عَلَى النَّهْيِ أَيْ.

     وَقَالَ  لَا يَخْطُبُ وَيَجُوزُ الرَّفْعُ عَلَى أَنَّهُ نَفْيٌ وَسِيَاقُ ذَلِكَ بِصِيغَةِ الْخَبَرِ أَبْلَغُ فِي الْمَنْعِ وَيَجُوزُ النَّصْبُ عَطْفًا عَلَى قَوْلِهِ يَبِيعَ عَلَى أَنَّ لَا فِي قَوْلِهِ وَلَا يَخْطُبْ زَائِدَةٌ وَيُؤَيِّدُ الرَّفْعَ .

     قَوْلُهُ  فِي رِوَايَةِ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ عَنِ نَافِعٍ عِنْدَ مُسْلِمٍ وَلَا يَبِيعَ الرَّجُلُ عَلَى بَيْعِ أَخِيهِ وَلَا يَخْطُبَ بِرَفْعِ الْعَيْنِ مِنْ يَبِيعُ وَالْبَاءِ مِنْ يَخْطُبُ وَإِثْبَاتِ التَّحْتَانِيَّةِ فِي يَبِيعُ .

     قَوْلُهُ  أَوْ يَأْذَنَ لَهُ الْخَاطِبُ أَيْ حَتَّى يَأْذَنَ الْأَوَّلُ لِلثَّانِي .

     قَوْلُهُ  فِي حَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ





[ قــ :4866 ... غــ :5143] اللَّيْثُ عَنْ جَعْفَرِ بْنِ رَبِيعَةَ لِلَّيْثٍ فِيهِ إِسْنَادٌ آخَرُ أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ مِنْ طَرِيقِهِ عَنْ يَزِيدَ بْنِ أَبِي حَبِيبٍ عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ شِمَاسَةَ عَنْ عُقْبَةَ بْنِ عَامِرٍ فِي قِصَّةِ الْخِطْبَةِ فَقَطْ وَسَأَذْكُرُ لَفْظَهُ .

     قَوْلُهُ  قَالَ قَالَ أَبُو هُرَيْرَةُ يَأْثُرُ بِفَتْحِ أَوَّلِهِ وَضَمِّ الْمُثَلَّثَةِ تَقُولُ أَثَرْتُ الْحَدِيثَ آثُرُهُ بِالْمَدِّ أَثْرًا بِفَتْحِ أَوَّلِهِ ثُمَّ سُكُونٍ إِذَا ذَكَرْتَهُ عَنْ غَيْرِكَ وَوَقَعَ عِنْدَ النَّسَائِيِّ مِنْ طَرِيقِ مُحَمَّدِ بْنِ يَحْيَى بْنِ حِبَّانَ عَنِ الْأَعْرَجِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ فَذَكَرَهُ مُخْتَصَرًا .

     قَوْلُهُ  إِيَّاكُمْ وَالظَّنَّ إِلَخْ يَأْتِي مِنْ وَجْهٍ آخَرَ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ فِي كِتَابِ الْأَدَبِ مَعَ شَرْحِهِ وَقَدْ أَخْرَجَهُ الْبَيْهَقِيُّ مِنْ طَرِيقِ أَحْمَدَ بْنِ إِبْرَاهِيمَ بْنِ مِلْحَانَ عَنْ يَحْيَى بْنِ بُكَيْرٍ شَيْخِ الْبُخَارِيِّ فِيهِ فَزَادَ فِي الْمَتْنِ زِيَادَاتٍ ذَكَرَهَا الْبُخَارِيُّ مُفَرَّقَةً لَكِنْ مِنْ غَيْرِ هَذَا الْوَجْهِ قَالَ الْجُمْهُورُ هَذَا النَّهْيُ لِلتَّحْرِيمِ.

     وَقَالَ  الْخَطَّابِيُّ هَذَا النَّهْيُ لِلتَّأْدِيبِ وَلَيْسَ بِنَهْيِ تَحْرِيمٍ يُبْطِلُ الْعَقْدَ عِنْد أَكثر الْفُقَهَاءِ كَذَا قَالَ وَلَا مُلَازَمَةَ بَيْنَ كَوْنِهِ لِلتَّحْرِيمِ وَبَيْنَ الْبُطْلَانِ عِنْدَ الْجُمْهُورِ بَلْ هُوَ عِنْدَهُمْ لِلتَّحْرِيمِ وَلَا يُبْطِلُ الْعَقْدَ بَلْ حَكَى النَّوَوِيُّ أَنَّ النَّهْيَ فِيهِ لِلتَّحْرِيمِ بِالْإِجْمَاعِ وَلَكِنِ اخْتَلَفُوا فِي شُرُوطِهِ فَقَالَ الشَّافِعِيَّةُ وَالْحَنَابِلَةُ مَحِلُّ التَّحْرِيمِ مَا إِذَا صَرَّحَتِ الْمَخْطُوبَةُ أَوْ وَلِيُّهَا الَّذِي أَذِنَتْ لَهُ حَيْثُ يَكُونُ إِذْنُهَا مُعْتَبَرًا بِالْإِجَابَةِ فَلَوْ وَقَعَ التَّصْرِيحُ بِالرَّدِّ فَلَا تَحْرِيمَ فَلَوْ لَمْ يَعْلَمِ الثَّانِي بِالْحَالِ فَيَجُوزُ الْهُجُومُ عَلَى الْخِطْبَةِ لِأَنَّ الْأَصْلَ الْإِبَاحَةُ وَعِنْدَ الْحَنَابِلَةِ فِي ذَلِكَ رِوَايَتَانِ وَإِنْ وَقَعَتِ الْإِجَابَةُ بِالتَّعْرِيضِ كَقَوْلِهَا لَا رَغْبَةَ عَنْكَ فَقَوْلَانِ عِنْدَ الشَّافِعِيَّةِ الْأَصَحُّ وَهُوَ قَوْلُ الْمَالِكِيَّةِ وَالْحَنَفِيَّةِ لَا يَحْرُمُ أَيْضًا وَإِذَا لَمْ تَرُدَّ وَلَمْ تَقْبَلْ فَيَجُوزُ وَالْحُجَّةُ فِيهِ قَوْلُ فَاطِمَةَ خَطَبَنِي مُعَاوِيَةُ وَأَبُو جَهْمٍ فَلَمْ يُنْكِرِ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ذَلِكَ عَلَيْهِمَا بَلْ خَطَبَهَا لِأُسَامَةَ وَأَشَارَ النَّوَوِيُّ وَغَيْرُهُ إِلَى أَنَّهُ لَا حُجَّةَ فِيهِ لِاحْتِمَالِ أَنْ يَكُونَا خَطَبَا مَعًا أَوْ لَمْ يَعْلَمِ الثَّانِي بِخِطْبَةِ الْأَوَّلِ وَالنَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَشَارَ بِأُسَامَةَ وَلَمْ يَخْطُبْ وَعَلَى تَقْدِيرِ أَنْ يَكُونَ خَطَبَ فَكَأَنَّهُ لَمَّا ذَكَرَ لَهَا مَا فِي مُعَاوِيَةَ وَأَبِي جَهْمٍ ظَهَرَ مِنْهَا الرَّغْبَةُ عَنْهُمَا فَخَطَبَهَا لِأُسَامَةَ وَحَكَى التِّرْمِذِيُّ عَنِ الشَّافِعِيِّ أَنَّ مَعْنَى حَدِيثِ الْبَابِ إِذَا خَطَبَ الرَّجُلُ الْمَرْأَةَ فَرَضِيَتْ بِهِ وَرَكَنَتْ إِلَيْهِ فَلَيْسَ لِأَحَدٍ أَنْ يَخْطُبَ عَلَى خِطْبَتِهِ فَإِذَا لَمْ يَعْلَمْ بِرِضَاهَا وَلَا رُكُونِهَا فَلَا بَأْسَ أَن يخطبها وَالْحُجَّةُ فِيهِ قِصَّةُ فَاطِمَةَ بِنْتِ قَيْسٍ فَإِنَّهَا لَمْ تُخْبِرْهُ بِرِضَاهَا بِوَاحِدٍ مِنْهُمَا وَلَوْ أَخْبَرَتْهُ بِذَلِكَ لَمْ يُشِرْ عَلَيْهَا بِغَيْرِ مَنِ اخْتَارَتْ فَلَوْ لَمْ تُوجَدْ مِنْهَا إِجَابَةٌ وَلَا رَدٌّ فَقَطَعَ بَعْضُ الشَّافِعِيَّةِ بِالْجَوَازِ وَمِنْهُمْ مَنْ أَجْرَى الْقَوْلَيْنِ وَنَصَّ الشَّافِعِيُّ فِي الْبِكْرِ عَلَى أَنَّ سُكُوتَهَا رِضًا بِالْخَاطِبِ وَعَنْ بَعْضِ الْمَالِكِيَّةِ لَا تُمْنَعُ الْخِطْبَةِ إِلَّا عَلَى خِطْبَةِ مَنْ وَقَعَ بَيْنَهُمَا التَّرَاضِي عَلَى الصَّدَاقِ وَإِذَا وُجِدَتْ شُرُوطُ التَّحْرِيمِ وَوَقَعَ الْعَقْدُ لِلثَّانِي فَقَالَ الْجُمْهُورُ يَصِحُّ مَعَ ارْتِكَابِ التَّحْرِيمِ.

     وَقَالَ  دَاوُدُ يُفْسَخُ النِّكَاحُ قَبْلَ الدُّخُولِ وَبَعْدَهُ وَعِنْدَ الْمَالِكِيَّةِ خِلَافٌ كَالْقَوْلَيْنِ.

     وَقَالَ  بَعْضُهُمْ يُفْسَخُ قَبْلَهُ لَا بَعْدَهُ وَحُجَّةُ الْجُمْهُورِ أَنَّ الْمَنْهِيِّ عَنْهُ الْخِطْبَةُ وَالْخِطْبَةُ لَيْسَتْ شَرْطًا فِي صِحَّةِ النِّكَاحِ فَلَا يُفْسَخُ النِّكَاحُ بِوُقُوعِهَا غَيْرَ صَحِيحَةٍ وَحَكَى الطَّبَرِيُّ أَنَّ بَعْضَ الْعُلَمَاءِ قَالَ أَنَّ هَذَا النَّهْيُ مَنْسُوخٌ بِقِصَّةِ فَاطِمَةَ بِنْتِ قَيْسٍ ثُمَّ رَدَّهُ وَغَلَّطَهُ بِأَنَّهَا جَاءَتْ مُسْتَشِيرَةً فَأُشِيرَ عَلَيْهَا بِمَا هُوَ الْأَوْلَى وَلَمْ يَكُنْ هُنَاكَ خِطْبَةٌ عَلَى خِطْبَةٍ كَمَا تَقَدَّمَ ثُمَّ إِنَّ دَعْوَى النَّسْخِ فِي مِثْلِ هَذَا غَلَطٌ لِأَنَّ الشَّارِعَ أَشَارَ إِلَى عِلَّةِ النَّهْيِ فِي حَدِيثِ عُقْبَةَ بْنِ عَامِرٍ بِالْأُخُوَّةِ وَهِيَ صِفَةٌ لَازِمَةٌ وَعِلَّةٌ مَطْلُوبَةٌ لِلدَّوَامِ فَلَا يَصِحُّ أَنْ يَلْحَقَهَا النَّسْخُ وَاللَّهُ أَعْلَمُ وَاسْتُدِلَّ بِهِ عَلَى أَنَّ الْخَاطِبَ الْأَوَّلَ إِذَا أَذِنَ لِلْخَاطِبِ الثَّانِي فِي التَّزْوِيجِ ارْتَفَعَ التَّحْرِيمُ وَلَكِنْ هَلْ يَخْتَصُّ ذَلِكَ بِالْمَأْذُونِ لَهُ أَوْ يَتَعَدَّى لِغَيْرِهِ لِأَنَّ مُجَرَّدَ الْإِذْنِ الصَّادِرِ مِنَ الْخَاطِبِ الْأَوَّلِ دَالٌّ عَلَى إِعْرَاضِهِ عَنْ تَزْوِيجِ تِلْكَ الْمَرْأَة وباعراضه يجوز لِغَيْرِهِ أَنْ يَخْطُبَهَا الظَّاهِرُ الثَّانِي فَيَكُونُ الْجَوَازُ لِلْمَأْذُونِ لَهُ بِالتَّنْصِيصِ وَلِغَيْرِ الْمَأْذُونِ لَهُ بِالْإِلْحَاقِ وَيُؤَيِّدُهُ .

     قَوْلُهُ  فِي الْحَدِيثِ الثَّانِي مِنَ الْبَابِ أَوْ يَتْرُكَ وَصَرَّحَ الرُّويَانِيُّ مِنَ الشَّافِعِيَّةِ بِأَنَّ مَحِلَّ التَّحْرِيمِ إِذَا كَانَتِ الْخِطْبَةُ مِنَ الْأَوَّلِ جَائِزَةً فَإِنْ كَانَتْ مَمْنُوعَةً كَخِطْبَةِ الْمُعْتَدَّةِ لَمْ يَضُرَّ الثَّانِيَ بَعْدَ انْقِضَاءِ الْعِدَّةِ أَنْ يَخْطُبَهَا وَهُوَ وَاضِحٌ لِأَنَّ الْأَوَّلَ لَمْ يَثْبُتْ لَهُ بِذَلِكَ حَقٌّ وَاسْتُدِلَّ بِقَوْلِهِ عَلَى خِطْبَةِ أَخِيهِ أَنَّ مَحِلَّ التَّحْرِيمِ إِذَا كَانَ الْخَاطِبُ مُسْلِمًا فَلَوْ خَطَبَ الذِّمِّيُّ ذِمِّيَّةً فَأَرَادَ الْمُسْلِمُ أَنْ يَخْطُبَهَا جَازَ لَهُ ذَلِكَ مُطْلَقًا وَهُوَ قَوْلُ الْأَوْزَاعِيّ وَوَافَقَهُ من الشَّافِعِيَّة بن الْمُنْذر وبن جُوَيْرِيَةَ وَالْخَطَّابِيُّ وَيُؤَيِّدُهُ .

     قَوْلُهُ  فِي أَوَّلِ حَدِيثِ عُقْبَةَ بْنِ عَامِرٍ عِنْدِ مُسْلِمٍ الْمُؤْمِنُ أَخُو الْمُؤْمِنِ فَلَا يَحِلُّ لِلْمُؤْمِنِ أَنْ يَبْتَاعَ عَلَى بَيْعِ أَخِيهِ وَلَا يَخْطُبُ عَلَى خِطْبَتِهِ حَتَّى يَذَرَ.

     وَقَالَ  الْخَطَّابِيُّ قَطَعَ اللَّهُ الْأُخُوَّةُ بَيْنَ الْكَافِر وَالْمُسلم فَيخْتَص النَّهْي بِالْمُسلمِ.

     وَقَالَ  بن الْمُنْذِرِ الْأَصْلُ فِي هَذَا الْإِبَاحَةِ حَتَّى يَرِدَ الْمَنْعُ وَقَدْ وَرَدَ الْمَنْعُ مُقَيَّدًا بِالْمُسْلِمِ فَبَقِيَ مَا عَدَا ذَلِكَ عَلَى أَصْلِ الْإِبَاحَةِ وَذَهَبَ الْجُمْهُورُ إِلَى إِلْحَاقِ الذِّمِّيِّ بِالْمُسْلِمِ فِي ذَلِكَ وَأَنَّ التَّعْبِيرَ بِأَخِيهِ خُرِّجَ عَلَى الْغَالِبِ فَلَا مَفْهُومَ لَهُ وَهُوَ كَقَوْلِهِ تَعَالَى وَلَا تَقْتُلُوا أولاكم وَكَقَوْلِه وربائبكم اللَّاتِي فِي حجوركم وَنَحْوِ ذَلِكَ وَبَنَاهُ بَعْضُهُمْ عَلَى أَنَّ هَذَا الْمنْهِي عَنهُ هَل هُوَ م حُقُوقِ الْعَقْدِ وَاحْتِرَامِهِ أَوْ مِنْ حُقُوقِ الْمُتَعَاقِدَيْنِ فَعَلَى الْأَوَّلِ فَالرَّاجِحُ مَا قَالَ الْخَطَّابِيُّ وَعَلَى الثَّانِي فَالرَّاجِحُ مَا قَالَ غَيْرُهُ وَقَرِيبٌ مِنْ هَذَا الْبِنَاءِ اخْتِلَافُهُمْ فِي ثُبُوتِ الشُّفْعَةِ لِلْكَافِرِ فَمَنْ جَعَلَهَا مِنْ حُقُوقِ الْمِلْكِ أَثْبَتَهَا لَهُ وَمَنْ جَعَلَهَا مِنْ حُقُوقِ الْمَالِكِ مَنَعَ وَقَرِيبٌ من هَذَا الْبَحْث مَا نقل عَن بن الْقَاسِمِ صَاحِبِ مَالِكٍ أَنَّ الْخَاطِبَ الْأَوَّلَ إِذَا كَانَ فَاسِقًا جَازَ لِلْعَفِيفِ أَنْ يَخْطُبَ عَلَى خطبَته وَرجحه بن الْعَرَبِيِّ مِنْهُمْ وَهُوَ مُتَّجِهٌ فِيمَا إِذَا كَانَتِ الْمَخْطُوبَةُ عَفِيفَةً فَيَكُونُ الْفَاسِقُ غَيْرَ كُفْءٍ لَهَا فَتَكُونُ خِطْبَتُهُ كَلَا خِطْبَةٍ وَلَمْ يَعْتَبِرِ الْجُمْهُورُ ذَلِكَ إِذَا صَدَرَتْ مِنْهَا عَلَامَةُ الْقَبُولِ وَقَدْ أَطْلَقَ بَعْضُهُمُ الْإِجْمَاعَ عَلَى خِلَافِ هَذَا الْقَوْلِ وَيَلْتَحِقُ بِهَذَا مَا حَكَاهُ بَعْضُهُمْ مِنَ الْجَوَازِ إِذَا لَمْ يَكُنِ الْخَاطِبُ الْأَوَّلُ أَهْلًا فِي الْعَادَةِ لَخِطْبَةِ تِلْكَ الْمَرْأَةِ كَمَا لَوْ خَطَبَ سُوقِيٌّ بِنْتَ مَلِكٍ وَهَذَا يَرْجِعُ إِلَى التَّكَافُؤِ وَاسْتُدِلَّ بِهِ عَلَى تَحْرِيمِ خِطْبَةِ الْمَرْأَةِ عَلَى خِطْبَةِ امْرَأَةٍ أُخْرَى إِلْحَاقًا لِحُكْمِ النِّسَاءِ بِحُكْمِ الرِّجَال وَصورته أَن ترغب أمرة فِي رَجُلٍ وَتَدْعُوهُ إِلَى تَزْوِيجِهَا فَيُجِيبُهَا كَمَا تَقَدَّمَ فَتَجِيءُ امْرَأَةٌ أُخْرَى فَتَدْعُوهُ وَتُرَغِّبُهُ فِي نَفْسِهَا وَتُزَهِّدُهُ فِي الَّتِي قَبْلَهَا وَقَدْ صَرَّحُوا بِاسْتِحْبَابِ خِطْبَةِ أَهْلِ الْفَضْلِ مِنَ الرِّجَالِ وَلَا يَخْفَى أَنَّ مَحِلَّ هَذَا إِذَا كَانَ الْمَخْطُوبُ عَزَمَ أَنْ لَا يَتَزَوَّجَ إِلَّا بِوَاحِدَةٍ فَأَمَّا إِذَا جَمَعَ بَيْنَهُمَا فَلَا تَحْرِيمَ وَسَيَأْتِي بَعْدَ سِتَّةِ أَبْوَابٍ فِي بَابُ الشُّرُوطِ الَّتِي لَا تَحِلُّ فِي النِّكَاح مَزِيدُ بَحْثٍ فِي هَذَا .

     قَوْلُهُ  حَتَّى يَنْكِحَ أَيْ حَتَّى يَتَزَوَّجَ الْخَاطِبُ الْأَوَّلُ فَيَحْصُلُ الْيَأْسُ الْمَحْضُ وَقَولُهُ أَوْ يَتْرُكَ أَيِ الْخَاطِبُ الْأَوَّلُ التَّزْوِيجَ فَيَجُوزُ حِينَئِذٍ لِلثَّانِي الْخِطْبَةُ فَالْغَايَتَانِ مُخْتَلِفَتَانِ الْأُولَى تَرْجِعُ إِلَى الْيَأْسِ وَالثَّانِيَةُ تَرْجِعُ إِلَى الرَّجَاءِ وَنَظِيرُ الْأُولَى .

     قَوْلُهُ  تَعَالَى حَتَّى يَلِجَ الْجَمَلُ فِي سَمِّ الْخياط