فهرس الكتاب

فتح الباري لابن حجر - باب التزويج على القرآن وبغير صداق

( قَولُهُ بَابُ التَّزْوِيجِ عَلَى الْقِرَانِ وَبِغَيْرِ صَدَاقٍ)
أَيْ عَلَى تَعْلِيمِ الْقُرْآنِ وَبِغَيْرِ صَدَاقٍ مَالِيٍّ عَيْنِيٍّ وَيَحْتَمِلُ غَيْرَ ذَلِكَ كَمَا سَيَأْتِي الْبَحْثُ فِيهِ قَوْله حَدثنَا سُفْيَان هُوَ بن عُيَيْنَةَ وَقَدْ ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ مِنْ رِوَايَةِ سُفْيَانَ الثَّوْريّ بعد هَذَا لَكِن بِاخْتِصَار وَأخرجه بن مَاجَهْ مِنْ رِوَايَتِهِ أَتَمَّ مِنْهُ وَالْإِسْمَاعِيلِيُّ أَتَمُّ من بن مَاجَهْ وَالطَّبَرَانِيُّ مَقْرُونًا بِرِوَايَةِ مَعْمَرٍ وَأَخْرَجَ رِوَايَةَ بن عُيَيْنَةَ أَيْضًا مُسْلِمٌ وَالنَّسَائِيُّ وَهَذَا الْحَدِيثُ مَدَارُهُ عَلَى أَبِي حَازِمٍ سَلَمَةَ بْنِ دِينَارٍ الْمَدَنِيِّ وَهُوَ مِنْ صِغَارِ التَّابِعِينَ حَدَّثَ بِهِ كِبَارَ الْأَئِمَّةِ عَنْهُ مِثْلُ مَالِكٍ وَقَدْ تَقَدَّمَتْ رِوَايَتُهُ فِي الْوَكَالَةِ وَقَبْلَ أَبْوَابٍ هُنَا وَيَأْتِي فِي التَّوْحِيدِ وَأَخْرَجَهُ أَيْضًا أَبُو دَاوُدَ وَالتِّرْمِذِيُّ وَالنَّسَائِيُّ وَالثَّوْرِيُّ كَمَا ذَكَرْتُهُ وَحَمَّادُ بْنُ زَيْدٍ وَرِوَايَتُهُ فِي فَضَائِلِ الْقُرْآنِ وَتَقَدَّمَتْ قَبْلَ أَبْوَابٍ هُنَا أَيْضًا وَأَخْرَجَهَا مُسْلِمٌ وَفُضَيْلُ بْنُ سُلَيْمَانَ وَمُحَمَّدُ بْنُ مُطَرِّفٍ أَبِي غَسَّانَ وَقَدْ تَقَدَّمَتْ رِوَايَتُهُمَا قَرِيبًا فِي النِّكَاحِ وَلَمْ يُخْرِجْهُمَا مُسْلِمٌ وَيَعْقُوبُ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ الْإِسْكَنْدَرانِيُّ وَعَبْدُ الْعَزِيزِ بْنُ أَبِي حَازِمٍ وَرِوَايَتُهُمَا فِي النِّكَاحِ أَيْضًا وَيَعْقُوبُ أَيْضًا فِي فَضَائِلِ الْقُرْآنِ وَعَبْدُ الْعَزِيزِ يَأْتِي فِي اللِّبَاسِ وَأَخْرَجَهَا مُسْلِمٌ وَعَبْدُ الْعَزِيزِ بْنُ مُحَمَّدٍ الدَّرَاوَرْدِيُّ وَزَائِدَةُ بْنُ قُدَامَةَ وَرِوَايَتُهُمَا عِنْدَ مُسْلِمٍ وَمَعْمَرٌ وَرِوَايَتُهُ عِنْدَ أَحْمَدَ وَالطَّبَرَانِيِّ وَهِشَامُ بْنُ سَعْدٍ وَرِوَايَتُهُ فِي صَحِيحِ أَبِي عَوَانَةَ وَالطَّبَرَانِيِّ وَمُبَشِّرُ بْنُ مُبَشِّرٍ وَرِوَايَتُهُ عِنْدَ الطَّبَرَانِيِّ وَعَبْدُ الْمَلِكِ بْنُ جُرَيْجٍ وَرِوَايَتُهُ عِنْدَ أَبِي الشَّيْخِ فِي كِتَابِ النِّكَاحِ وَقَدْ رَوَى طَرَفًا مِنْهُ سَعِيدُ بْنُ الْمُسَيَّبِ عَنْ سَهْلِ بْنِ سَعْدٍ أَخْرَجَهُ الطَّبَرَانِيُّ وَجَاءَتِ الْقِصَّةُ أَيْضًا مِنْ حَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ عِنْدَ أَبِي دَاوُدَ بِاخْتِصَارٍ وَالنَّسَائِيّ مطولا وبن مَسْعُود عِنْد الدَّارَقُطْنِيّ وَمن حَدِيث بن عَبَّاسٍ عِنْدَ أَبِي عُمَرَ بْنِ حَيْوَةَ فِي فَوَائِدِهِ وَضُمَيْرَةُ جَدُّ حُسَيْنِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ عِنْدَ الطَّبَرَانِيِّ وَجَاءَتْ مُخْتَصَرَةً مِنْ حَدِيثِ أَنَسٍ كَمَا تَقَدَّمَ قَبْلَ أَبْوَابٍ وَعِنْدَ التِّرْمِذِيِّ طَرَفٌ مِنْهُ آخَرُ وَمِنْ حَدِيثِ أَبِي أُمَامَةَ عِنْدَ تَمام فِي فَوَائده وَمن حَدِيث جَابر وبن عَبَّاسٍ عِنْدَ أَبِي الشَّيْخِ فِي كِتَابِ النِّكَاحِ وَسَأَذْكُرُ مَا فِي هَذِهِ الرِّوَايَاتِ مِنْ فَائِدَةٍ زَائِدَةٍ إِنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى



[ قــ :4871 ... غــ :5149] .

     قَوْلُهُ  عَنْ سَهْلِ بْنِ سَعْدٍ فِي رِوَايَةِ بن جُرَيْجٍ حَدَّثَنِي أَبُو حَازِمٍ أَنَّ سَهْلَ بْنَ سَعْدٍ أَخْبَرَهُ .

     قَوْلُهُ  إِنِّي لَفِي الْقَوْمِ عِنْدَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِذْ قَامَتِ امْرَأَةٌ فِي رِوَايَةِ فُضَيْلِ بْنِ سُلَيْمَانَ كُنَّا عِنْدَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ جُلُوسًا فَجَاءَتْهُ امْرَأَةٌ وَفِي رِوَايَةِ هِشَامِ بْنِ سَعْدٍ بَيْنَمَا نَحْنُ عِنْدَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَتَتْ إِلَيْهِ امْرَأَةٌ وَكَذَا فِي مُعْظَمِ الرِّوَايَاتِ أَنَّ امْرَأَةً جَاءَتْ إِلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَيُمْكِنُ رَدُّ رِوَايَةِ سُفْيَانَ إِلَيْهَا بِأَنْ يَكُونَ مَعْنَى قَوْلِهِ قَامَتْ وَقَفَتْ وَالْمُرَادُ أَنَّهَا جَاءَتْ إِلَى أَنْ وَقَفَتْ عِنْدَهُمْ لَا أَنَّهَا كَانَتْ جَالِسَةً فِي الْمَجْلِسِ فَقَامَتْ وَفِي رِوَايَةِ سُفْيَانَ الثَّوْرِيِّ عِنْدَ الْإِسْمَاعِيلِيِّ جَاءَتِ امْرَأَةٌ إِلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَهُوَ فِي الْمَسْجِدِ فَأَفَادَ تَعْيِينَ الْمَكَانِ الَّذِي وَقَعَتْ فِيهِ الْقِصَّةُ وَهَذِهِ الْمَرْأَةُ لَمْ أَقِفْ عَلَى اسْمِهَا وَوَقَعَ فِي الْأَحْكَامِ لِابْنِ الْقَصَّاعِ أَنَّهَا خَوْلَةُ بِنْتُ حَكِيمٍ أَوْ أُمُّ شَرِيكٍ وَهَذَا نَقْلٌ مِنِ اسْمِ الْوَاهِبَةِ الْوَارِدِ فِي قَوْلِهِ تَعَالَى وَامْرَأَةً مُؤْمِنَةً إِنْ وَهَبَتْ نَفْسَهَا للنَّبِي وَقَدْ تَقَدَّمَ بَيَانُ اسْمِهَا فِي تَفْسِيرِ الْأَحْزَابِ وَمَا يَدُلُّ عَلَى تَعَدُّدِ الْوَاهِبَةِ .

     قَوْلُهُ  فَقَالَتْ يَا رَسُولَ اللَّهِ إِنَّهَا قَدْ وَهَبَتْ نَفْسَهَا لَكَ كَذَا فِيهِ عَلَى طَرِيقِ الِالْتِفَاتِ وَكَذَا فِي رِوَايَةِ حَمَّادِ بْنِ زَيْدٍ لَكِنْ قَالَ إِنَّهَا قَدْ وَهَبَتْ نَفْسَهَا لِلَّهِ وَلِرَسُولِهِ وَكَانَ السِّيَاقُ يَقْتَضِي أَنْ تَقُولَ إِنِّي قَدْ وَهَبْتُ نَفْسِي لَكَ وَبِهَذَا اللَّفْظِ وَقَعَ فِي رِوَايَةِ مَالِكٍ وَكَذَا فِي رِوَايَةِ زَائِدَةَ عِنْدَ الطَّبَرَانِيِّ وَفِي رِوَايَةِ يَعْقُوبَ وَكَذَا الثَّوْرِيُّ عِنْدَ الْإِسْمَاعِيلِيِّ فَقَالَتْ يَا رَسُولَ اللَّهِ جِئْتُ أَهَبُ نَفْسِي لَكَ وَفِي رِوَايَةِ فُضَيْلِ بْنِ سُلَيْمَانَ فَجَاءَتْهُ امْرَأَةٌ تَعْرِضُ نَفْسَهَا عَلَيْهِ وَفِي كُلِّ هَذِهِ الرِّوَايَاتِ حَذْفُ مُضَافٍ تَقْدِيرُهُ أَمْرُ نَفْسِي أَوْ نَحْوُهُ وَإِلَّا فَالْحَقِيقَةُ غَيْرُ مُرَادَةٍ لِأَنَّ رَقَبَةَ الْحُرِّ لَا تُمْلَكُ فَكَأَنَّهَا قَالَتْ أَتَزَوَّجُكَ مِنْ غَيْرِ عِوَضٍ .

     قَوْلُهُ  فَرَ فِيهَا رَأْيَكَ كَذَا لِلْأَكْثَرِ بِرَاءٍ وَاحِدَةٍ مَفْتُوحَةٍ بَعْدَهَا فَاءُ التَّعْقِيبِ وَهِيَ فِعْلُ أَمْرٍ مِنَ الرَّأْيِ وَلِبَعْضِهِمْ بِهَمْزَةٍ سَاكِنَةٍ بَعْدَ الرَّاءِ وَكُلٌّ صَوَابٌ وَوَقَعَ بِإِثْبَاتِ الْهمزَة فِي حَدِيث بن مَسْعُودٍ أَيْضًا .

     قَوْلُهُ  فَلَمْ يُجِبْهَا شَيْئًا فِي رِوَايَةِ مَعْمَرٍ وَالثَّوْرِيِّ وَزَائِدَةَ فَصَمَتَ وَفِي رِوَايَةِ يَعْقُوب وبن أبي حَازِمٍ وَهِشَامِ بْنِ سَعْدٍ فَنَظَرَ إِلَيْهَا فَصَعَّدَ النَّظَرَ إِلَيْهَا وَصَوَّبَهُ وَهُوَ بِتَشْدِيدِ الْعَيْنِ مِنْ صَعَّدَ وَالْوَاوُ مِنْ صَوَّبَ وَالْمُرَادُ أَنَّهُ نَظَرَ أَعْلَاهَا وَأَسْفَلَهَا وَالتَّشْدِيدُ إِمَّا لِلْمُبَالَغَةِ فِي التَّأَمُّلِ وَإِمَّا لِلتَّكْرِيرِ وَبِالثَّانِي جَزَمَ الْقُرْطُبِيُّ فِي الْمُفْهِمِ قَالَ أَيْ نَظَرَ أَعْلَاهَا وَأَسْفَلَهَا مِرَارًا وَوَقَعَ فِي رِوَايَةِ فُضَيْلِ بْنِ سُلَيْمَانَ فَخَفَّضَ فِيهَا الْبَصَرَ وَرَفَّعَهُ وَهُمَا بِالتَّشْدِيدِ أَيْضًا وَوَقَعَ فِي رِوَايَةِ الْكُشْمِيهَنِيِّ مِنْ هَذَا الْوَجْهِ النَّظَرُ بَدَلَ الْبَصَرِ.

     وَقَالَ  فِي هَذِهِ الرِّوَايَةِ ثُمَّ طَأْطَأَ رَأْسَهُ وَهُوَ بِمَعْنَى قَوْلِهِ فَصَمَتَ.

     وَقَالَ  فِي رِوَايَةِ فُضَيْلِ بْنِ سُلَيْمَانَ فَلَمْ يَرُدَّهَا وَقَدْ قَدَّمْتُ ضَبْطَ هَذِهِ اللَّفْظَةِ فِي بَابِ إِذَا كَانَ الْوَلِيُّ هُوَ الْخَاطِبُ .

     قَوْلُهُ  ثُمَّ قَامَتْ فَقَالَتْ وَقَعَ هَذَا فِي رِوَايَةِ الْمُسْتَمْلِي وَالْكُشْمِيهَنِيِّ وَسِيَاقُ لَفْظِهَا كَالْأَوَّلِ وَعِنْدَهُمَا أَيْضًا ثُمَّ قَامَتِ الثَّالِثَةُ وَسِيَاقُهَا كَذَلِكَ وَفِي رِوَايَةِ مَعْمَرٍ وَالثَّوْرِيِّ مَعًا عِنْدَ الطَّبَرَانِيِّ فَصَمَتَ ثُمَّ عَرَضَتْ نَفْسَهَا عَلَيْهِ فَصَمَتَ فَلَقَدْ رَأَيْتُهَا قَائِمَةً مَلِيًّا تَعْرِضُ نَفْسَهَا عَلَيْهِ وَهُوَ صَامِتٌ وَفِي رِوَايَةِ مَالِكٍ فَقَامَتْ طَوِيلًا وَمِثْلُهُ لِلثَّوْرِيِّ عَنْهُ وَهُوَ نَعْتُ مَصْدَرٍ مَحْذُوفٍ أَيْ قِيَامًا طُويلًا أَوْ لِظَرْفٍ مَحْذُوفٍ أَيْ زَمَانًا طَوِيلًا وَفِي رِوَايَةِ مُبَشِّرٍ فَقَامَتْ حَتَّى رئينا لَهَا مِنْ طُولِ الْقِيَامِ زَادَ فِي رِوَايَةِ يَعْقُوب وبن أَبِي حَازِمٍ فَلَمَّا رَأَتِ الْمَرْأَةُ أَنَّهُ لَمْ يَقْضِ فِيهَا شَيْئًا جَلَسَتْ وَوَقَعَ فِي رِوَايَةِ حَمَّادِ بْنِ زَيْدٍ أَنَّهَا وَهَبَتْ نَفْسَهَا لِلَّهِ وَلِرَسُولِهِ فَقَالَ مَا لِي فِي النِّسَاءِ حَاجَةٌ وَيُجْمَعُ بَيْنَهَا وَبَيْنَ مَا تَقَدَّمَ أَنَّهُ قَالَ ذَلِكَ فِي آخِرِ الْحَالِ فَكَأَنَّهُ صَمَتَ أَوَّلًا لِتَفْهَمَ أَنَّهُ لَمْ يُرِدْهَا فَلَمَّا أَعَادَتِ الطَّلَبَ أَفْصَحَ لَهَا بِالْوَاقِعِ وَوَقَعَ فِي حَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ عِنْدَ النَّسَائِيِّ جَاءَتِ امْرَأَةٌ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَعَرَضَتْ نَفْسَهَا عَلَيْهِ فَقَالَ لَهَا اجْلِسِي فَجَلَسَتْ سَاعَةً ثُمَّ قَامَتْ فَقَالَ اجْلِسِي بَارَكَ اللَّهُ فِيكِ أَمَّا نَحْنُ فَلَا حَاجَةَ لَنَا فِيكِ فَيُؤْخَذُ مِنْهُ وُفُورُ أَدَبِ الْمَرْأَةِ مَعَ شِدَّةِ رَغْبَتِهَا لِأَنَّهَا لَمْ تُبَالِغْ فِي الْإِلْحَاحِ فِي الطَّلَبِ وَفَهِمَتْ مِنَ السُّكُوتِ عَدَمَ الرَّغْبَةِ لَكِنَّهَا لَمَّا لَمْ تَيْأَسْ مِنَ الرَّدِّ جَلَسَتْ تَنْتَظِرُ الْفَرَجَ وَسُكُوتُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِمَّا حَيَاءً مِنْ مُوَاجَهَتِهَا بِالرَّدِّ وَكَانَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ شَدِيدَ الْحَيَاءِ جِدًّا كَمَا تَقَدَّمَ فِي صِفَتِهِ أَنَّهُ كَانَ أَشَدَّ حَيَاءً مِنَ الْعَذْرَاءِ فِي خِدْرِهَا وَإِمَّا انْتِظَارًا لِلْوَحْيِ وَإِمَّا تَفَكُّرًا فِي جَوَابٍ يُنَاسِبُ الْمَقَامَ .

     قَوْلُهُ  فَقَامَ رَجُلٌ فِي رِوَايَةِ فُضَيْلِ بْنِ سُلَيْمَانَ مِنْ أَصْحَابِهِ وَلَمْ أَقِفْ عَلَى اسْمِهِ لَكِنْ وَقَعَ فِي رِوَايَةِ مَعْمَرٍ وَالثَّوْرِيِّ عِنْدَ الطَّبَرَانِيِّ فَقَامَ رَجُلٌ أَحْسَبُهُ مِنَ الْأَنْصَارِ وَفِي رِوَايَةِ زَائِدَةَ عِنْدَهُ فَقَالَ رَجُلٌ مِنَ الْأَنْصَارِ وَوَقَعَ فِي حَدِيث بن مَسْعُودٍ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَنْ يَنْكِحُ هَذِهِ فَقَامَ رَجُلٌ .

     قَوْلُهُ  فَقَالَ يَا رَسُولَ اللَّهِ أَنْكِحْنِيهَا فِي رِوَايَةِ مَالِكٍ زَوِّجْنِيهَا إِنْ لَمْ يَكُنْ لَكَ بِهَا حَاجَة وَنَحْوه ليعقوب وبن أَبِي حَازِمٍ وَمَعْمَرٍ وَالثَّوْرِيِّ وَزَائِدَةَ وَلَا يُعَارِضُ هَذَا قَوْلَهُ فِي حَدِيثِ حَمَّادِ بْنِ زَيْدٍ لَا حَاجَةَ لِي لِجَوَازِ أَنْ تَتَجَدَّدَ الرَّغْبَةُ فِيهَا بَعْدَ أَنْ لَمْ تَكُنْ .

     قَوْلُهُ  قَالَ هَلْ عِنْدَكَ مِنْ شَيْءٍ زَادَ فِي رِوَايَةِ مَالك تصدقها وَفِي حَدِيث بن مَسْعُودٍ أَلَكَ مَالٌ .

     قَوْلُهُ  قَالَ لَا فِي رِوَايَة يَعْقُوب وبن أَبِي حَازِمٍ قَالَ لَا وَاللَّهِ يَا رَسُولَ اللَّهِ زَادَ فِي رِوَايَةِ هِشَامِ بْنِ سَعْدٍ قَالَ فَلَا بُدَّ لَهَا مِنْ شَيْءٍ وَفِي رِوَايَةِ الثَّوْرِيِّ عِنْدَ الْإِسْمَاعِيلِيِّ عِنْدَكَ شَيْءٌ قَالَ لَا قَالَ إِنَّهُ لَا يَصْلُحُ وَوَقَعَ فِي حَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ عِنْدَ النَّسَائِيِّ بَعْدَ قَوْلِهِ لَا حَاجَةَ لِي وَلَكِنْ تُمْلِكِينِي أَمْرَكِ قَالَتْ نَعَمْ فَنَظَرَ فِي وُجُوهِ الْقَوْمِ فَدَعَا رَجُلًا فَقَالَ إِنِّي أُرِيدُ أَنْ أُزَوِّجَكِ هَذَا إِنْ رَضِيتِ قَالَتْ مَا رَضِيتَ لِي فَقَدْ رَضِيتُ وَهَذَا إِنْ كَانَتِ الْقِصَّةُ مُتَّحِدَةً يَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ وَقَعَ نَظَرُهُ فِي وُجُوهِ الْقَوْمِ بَعْدَ أَنْ سَأَلَهُ الرَّجُلُ أَنْ يُزَوِّجَهَا لَهُ فَاسْتَرْضَاهَا أَوَّلًا ثُمَّ تَكَلَّمَ مَعَهُ فِي الصَّدَاقِ وَإِنْ كَانَتِ الْقِصَّةُ مُتَعَدِّدَةً فَلَا إِشْكَالَ وَوَقَعَ فِي حَدِيث بن عَبَّاسٍ فِي فَوَائِدِ أَبِي عُمَرَ بْنِ حَيْوَةَ أَنَّ رَجُلًا قَالَ إِنَّ هَذِهِ امْرَأَةٌ رَضِيَتْ بِي فَزَوِّجْهَا مِنِّي قَالَ فَمَا مَهْرُهَا قَالَ مَا عِنْدِي شَيْءٌ قَالَ امْهُرْهَا مَا قَلَّ أَوْ كَثُرَ قَالَ وَالَّذِي بَعَثَكَ بِالْحَقِّ مَا أَمْلِكُ شَيْئًا وَهَذِهِ الْأَظْهَرُ فِيهَا التَّعَدُّدُ .

     قَوْلُهُ  قَالَ اذْهَبْ فَاطْلُبْ وَلَوْ خَاتَمًا مِنْ حَدِيدٍ فِي رِوَايَة يَعْقُوب وبن أبي حَازِم وبن جُرَيْجٍ اذْهَبْ إِلَى أَهْلِكَ فَانْظُرْ هَلْ تَجِدُ شَيْئًا فَذَهَبَ ثُمَّ رَجَعَ فَقَالَ لَا وَاللَّهِ يَا رَسُولَ اللَّهِ مَا وَجَدْتُ شَيْئًا قَالَ انْظُرْ وَلَوْ خَاتَمًا مِنْ حَدِيدٍ فَذَهَبَ ثُمَّ رَجَعَ فَقَالَ لَا وَاللَّهِ يَا رَسُولَ اللَّهِ وَلَا خَاتَمًا مِنْ حَدِيدٍ وَكَذَا وَقَعَ فِي رِوَايَةِ مَالِكٍ ثُمَّ ذَهَبَ يَطْلُبُ مَرَّتَيْنِ لَكِنْ بِاخْتِصَارٍ وَفِي رِوَايَةِ هِشَامِ بْنِ سَعْدٍ فَذَهَبَ فَالْتَمَسَ فَلَمْ يَجِدْ شَيْئًا فَرَجَعَ فَقَالَ لَمْ أَجِدْ شَيْئًا فَقَالَ لَهُ اذْهَبْ فَالْتَمِسْ.

     وَقَالَ  فِيهِ فَقَالَ وَلَا خَاتَمٌ مِنْ حَدِيدٍ لَمْ أَجِدْهُ ثُمَّ جَلَسَ وَوَقَعَ فِي خَاتَمٍ النَّصْبُ عَلَى الْمَفْعُولِيَّةِ لِالْتَمِسْ وَالرَّفْعُ عَلَى تَقْدِيرِ مَا حَصَلَ لِي وَلَا خَاتَمٌ وَلَوْ فِي قَوْلِهِ وَلَوْ خَاتَمًا تَقْلِيلِيَّةٌ قَالَ عِيَاضٌ وَوَهِمَ مَنْ زَعَمَ خِلَافَ ذَلِكَ وَوَقَعَ فِي حَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ قُمْ إِلَى النِّسَاءِ فَقَامَ إِلَيْهِنَّ فَلَمْ يَجِدْ عِنْدَهُنَّ شَيْئًا وَالْمُرَادُ بِالنِّسَاءِ أَهْلُ الرَّجُلِ كَمَا دَلَّتْ عَلَيْهِ رِوَايَةُ يَعْقُوبَ .

     قَوْلُهُ  قَالَ هَلْ مَعَكَ مِنَ الْقُرْآنِ شَيْءٌ كَذَا وَقَعَ فِي رِوَايَةِ سُفْيَانَ بْنِ عُيَيْنَةَ بِاخْتِصَارٍ ذِكْرُ الْإِزَارُ وَثَبَتَ ذِكْرُهُ فِي رِوَايَةِ مَالِكٍ وَجَمَاعَةٍ مِنْهُمْ مَنْ قَدَّمَ ذِكْرَهُ عَلَى الْأَمْرِ بِالْتِمَاسِ الشَّيْءِ أَوِ الْخَاتَمِ وَمِنْهُمْ مَنْ أَخَّرَهُ فَفِي رِوَايَةِ مَالِكٍ قَالَ هَلْ عِنْدَكَ مِنْ شَيْءٍ تُصْدِقُهَا إِيَّاهُ قَالَ مَا عِنْدِي إِلَّا إِزَارِي هَذَا فَقَالَ إِزَارُكَ إِنْ أَعْطَيْتَهَا جَلَسْتَ لَا إِزَارَ لَكَ فَالْتَمِسْ شَيْئًا وَيَجُوزُ فِي قَوْلِهِ إِزَارُكَ الرَّفْعُ عَلَى الِابْتِدَاءِ وَالْجُمْلَةُ الشَّرْطِيَّةُ الْخَبَرُ وَالْمَفْعُولُ الثَّانِي مَحْذُوفٌ تَقْدِيرُهُ إِيَّاهُ وَثَبَتَ كَذَلِكَ فِي رِوَايَةٍ وَيَجُوزُ النَّصْبُ عَلَى أَنَّهُ مَفْعُولٌ ثَانٍ لِأَعْطَيْتَهَا وَالْإِزَارُ يُذَكَّرُ وَيُؤَنَّثُ وَقَدْ جَاءَ هُنَا مُذَكَّرًا وَوَقَعَ فِي رِوَايَةِ يَعْقُوبَ وبن أبي حَازِم بعد قَوْله أذهب إِلَى أهلك إِلَى أَنْ قَالَ وَلَا خَاتَمًا مِنْ حَدِيدٍ وَلَكِن هَذَا إزَارِي قَالَ سهل أَي بن سَعْدٍ الرَّاوِي مَا لَهُ رِدَاءٌ فَلَهَا نِصْفُهُ قَالَ مَا تَصْنَعُ بِإِزَارِكَ إِنْ لَبِسَتْهُ الْحَدِيثَ وَوَقَعَ لِلْقُرْطُبِيِّ فِي هَذِهِ الرِّوَايَةِ وَهْمٌ فَإِنَّهُ ظَنَّ أَنَّ قَوْلَهُ فَلَهَا نِصْفُهُ مِنْ كَلَامِ سَهْلِ بْنِ سَعْدٍ فَشَرَحَهُ بِمَا نَصَّهُ وَقَوْلُ سَهْلٍ مَا لَهُ رِدَاءٌ فَلَهَا نِصْفُهُ ظَاهِرُهُ لَوْ كَانَ لَهُ رِدَاءٌ لَشَرِكَهَا النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِيهِ وَهَذَا بَعِيدٌ إِذْ لَيْسَ فِي كَلَامِ النَّبِيِّ وَلَا الرَّجُلِ مَا يَدُلُّ عَلَى شَيْءٍ مِنْ ذَلِكَ قَالَ وَيُمْكِنُ أَنْ يُقَالَ إِنَّ مُرَادَ سَهْلٍ أَنَّهُ لَوْ كَانَ عَلَيْهِ رِدَاءٌ مُضَافٌ إِلَى الْإِزَارِ لَكَانَ لِلْمَرْأَةِ نِصْفُ مَا عَلَيْهِ الَّذِي هُوَ إِمَّا الرِّدَاءُ وَإِمَّا الْإِزَارُ لِتَعْلِيلِهِ الْمَنْعَ بِقَوْلِهِ إِنْ لَبِسَتْهُ لَمْ يَكُنْ عَلَيْكَ مِنْهُ شَيْءٌ فَكَأَنَّهُ قَالَ لَوْ كَانَ عَلَيْكَ ثَوْبٌ تَنْفَرِدُ أَنْتَ بِلُبْسِهِ وَثَوْبٌ آخَرُ تَأْخُذُهُ هِيَ تَنْفَرِدُ بِلُبْسِهِ لَكَانَ لَهَا أَخْذُهُ فَإِمَّا إِذَا لَمْ يَكُنْ ذَلِكَ فَلَا انْتَهَى وَقَدْ أَخَذَ كَلَامَهَ هَذَا بَعْضُ الْمُتَأَخِّرِينَ فَذَكَرَهُ مُلَخَّصًا وَهُوَ كَلَامٌ صَحِيحٌ لَكِنَّهُ مَبْنِيٌّ عَلَى الْفَهْمِ الَّذِي دَخَلَهُ الْوَهْمُ وَالَّذِي قَالَ فَلَهَا نِصْفُهُ هُوَ الرَّجُلُ صَاحِبُ الْقِصَّةِ وَكَلَامُ سَهْلٍ إِنَّمَا هُوَ .

     قَوْلُهُ  مَا لَهُ رِدَاءٌ فَقَطْ وَهِيَ جُمْلَةٌ مُعْتَرَضَةٌ وَتَقْدِيرُ الْكَلَامِ وَلَكِنْ هَذَا إِزَارِي فَلَهَا نِصْفُهُ وَقَدْ جَاءَ ذَلِكَ صَرِيحًا فِي رِوَايَةِ أَبِي غَسَّانَ مُحَمَّدِ بْنِ مُطَرِّفٍ وَلَفْظُهُ وَلَكِنْ هَذَا إِزَارِي وَلَهَا نِصْفُهُ قَالَ سَهْلٌ وَمَا لَهُ رِدَاءٌ وَوَقَعَ فِي رِوَايَةِ الثَّوْرِيِّ عِنْدَ الْإِسْمَاعِيلِيِّ فَقَامَ رَجُلٌ عَلَيْهِ إِزَارٌ وَلَيْسَ عَلَيْهِ رِدَاءٌ وَمَعْنَى قَوْلِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِنْ لَبِسَتْهُ إِلَخْ أَيْ إِنْ لَبِسَتْهُ كَامِلًا وَإِلَّا فَمِنَ الْمَعْلُومِ مِنْ ضِيقِ حَالِهِمْ وَقِلَّةِ الثِّيَابِ عِنْدَهُمْ أَنَّهَا لَوْ لَبِسَتْهُ بَعْدَ أَنْ تَشُقَّهُ لَمْ يَسْتُرْهَا وَيَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ الْمُرَادُ بِالنَّفْيِ نَفْيَ الْكَمَالِ لِأَنَّ الْعَرَبَ قَدْ تَنْفِي جُمْلَةَ الشَّيْءِ إِذَا انْتَفَى كَمَالُهُ وَالْمَعْنَى لَوْ شَقَقْتَهُ بَيْنَكُمَا نِصْفَيْنِ لَمْ يَحْصُلْ كَمَالُ سِتْرِكَ بِالنِّصْفِ إِذَا لَبِسْتَهُ وَلَا هِيَ وَفِي رِوَايَةِ مَعْمَرٍ عِنْدَ الطَّبَرَانِيِّ مَا وَجَدْتُ وَاللَّهِ شَيْئًا غَيْرَ ثَوْبِي هَذَا أَشْقُقْهُ بَيْنِي وَبَيْنَهَا قَالَ مَا فِي ثَوْبِكَ فَضْلٌ عَنْكَ وَفِي رِوَايَةِ فُضَيْلِ بْنِ سُلَيْمَانَ وَلَكِنِّي أَشُقُّ بُرْدَتِي هَذِهِ فَأُعْطِيهَا النِّصْفَ وَآخُذُ النِّصْفَ وَفِي رِوَايَةِ الدَّرَاوَرْدِيِّ قَالَ مَا أَمْلِكُ إِلَّا إِزَارِي هَذَا قَالَ أَرَأَيْتَ إِنْ لَبِسَتْهُ فَأَيَّ شَيْءٍ تَلْبَسُ وَفِي رِوَايَةِ مُبَشِّرٍ هَذِهِ الشَّمْلَةُ الَّتِي عَلَيَّ لَيْسَ عِنْدِي غَيْرُهَا وَفِي رِوَايَةِ هِشَامِ بْنِ سَعْدٍ مَا عَلَيْهِ إِلَّا ثَوْبٌ وَاحَدٌ عَاقد طَرفَيْهِ على عُنُقه وَفِي حَدِيث بن عَبَّاسٍ وَجَابِرٍ وَاللَّهُ مَا لِي ثَوْبٌ إِلَّا هَذَا الَّذِي عَلَيَّ وَكُلُّ هَذَا مِمَّا يُرَجِّحُ الِاحْتِمَالَ الْأَوَّلَ وَاللَّهُ أَعْلَمُ وَوَقَعَ فِي رِوَايَةِ حَمَّادِ بْنِ زَيْدٍ فَقَالَ أَعْطِهَا ثَوْبًا قَالَ لَا أَجِدُ قَالَ أَعْطِهَا وَلَوْ خَاتَمًا مِنْ حَدِيدٍ فَاعْتَلَّ لَهُ وَمَعْنَى قَوْلِهِ فَاعْتَلَّ لَهُ أَيِ اعْتَذَرَ بِعَدَمِ وِجْدَانِهِ كَمَا دَلَّتْ عَلَيْهِ رِوَايَةُ غَيْرِهِ وَوَقَعَ فِي رِوَايَةِ أَبِي غَسَّانَ قَبْلَ قَوْلِهِ هَلْ مَعَكَ مِنَ الْقُرْآنِ شَيْءٌ فَجَلَسَ الرَّجُلُ حَتَّى إِذَا طَالَ مَجْلِسُهُ قَامَ فَرَآهُ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَدَعَاهُ أَو دعِي لَهُ وَفِي رِوَايَة الثَّوْريّ عندالاسماعيلي فَقَامَ طَوِيلًا ثُمَّ وَلَّى فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلِيَّ الرَّجُلِ وَفِي رِوَايَةِ عَبْدِ الْعَزِيزِ بْنِ أَبِي حَازِمٍ وَيَعْقُوبَ مِثْلُهُ لَكِنْ قَالَ فَرَآهُ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مُوَلِّيًا فَأَمَرَ بِهِ فَدَعَّى لَهُ فَلَمَّا جَاءَ قَالَ مَاذَا مَعَكَ مِنَ الْقُرْآنِ وَيَحْتَمِلُ أَن يكون هَذَا بَعْدَ قَوْلِهِ كَمَا فِي رِوَايَةِ مَالِكٍ هَلْ مَعَكَ مِنَ الْقُرْآنِ شَيْءٌ فَاسْتَفْهَمَهُ حِينَئِذٍ عَنْ كَمَّيِّتِهِ وَوَقَعَ الْأَمْرَانِ فِي رِوَايَةِ مَعْمَرٍ قَالَ فَهَلْ تَقْرَأُ مِنَ الْقُرْآنِ شَيْئًا قَالَ نَعَمْ قَالَ مَاذَا قَالَ سُورَةُ كَذَا وَعُرِفَ بِهَذَا الْمُرَادِ بِالْمَعِيَّةِ وَأَنَّ مَعْنَاهَا الْحِفْظُ عَنْ ظَهْرِ قَلْبِهِ وَقَدْ تَقَدَّمَ تَقْرِيرُ ذَلِكَ فِي فَضَائِلِ الْقُرْآنِ وَبَيَانُ مَنْ زَادَ فِيهِ أَتَقْرَؤُهُنَّ عَنْ ظَهْرِ قَلْبِكَ وَكَذَا وَقَعَ فِي رِوَايَةِ الثَّوْرِيِّ عِنْدَ الْإِسْمَاعِيلِيِّ قَالَ مَعِي سُورَةُ كَذَا وَمَعِي سُورَةُ كَذَا قَالَ عَنْ ظَهْرِ قَلْبِكَ قَالَ نَعَمْ .

     قَوْلُهُ  سُورَةُ كَذَا وَسُورَةُ كَذَا زَاد مَالك تَسْمِيَتهَا وَفِي رِوَايَة يَعْقُوب وبن أَبِي حَازِمٍ عَدَّهُنَّ وَفِي رِوَايَةِ أَبِي غَسَّانَ لِسُوَرٍ يُعَدِّدُهَا وَفِي رِوَايَةِ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيَّبِ عَنْ سَهْلِ بْنِ سَعْدٍ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ زَوَّجَ رَجُلًا امْرَأَةً عَلَى سُورَتَيْنِ مِنَ الْقُرْآنِ يُعَلِّمُهَا إِيَّاهُمَا وَوَقَعَ فِي حَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ مَا تَحْفَظُ مِنَ الْقُرْآنِ قَالَ سُورَةُ الْبَقَرَةِ أَوِ الَّتِي تَلِيهَا كَذَا فِي كِتَابَيْ أَبِي دَاوُدَ وَالنَّسَائِيِّ بِلَفْظِ أَوْ وَزَعَمَ بَعْضُ مَنْ لَقِينَاهُ أَنَّهُ عِنْدَ أَبِي دَاوُدَ بِالْوَاوِ وَعِنْدَ النَّسَائِيِّ بِلَفْظِ أَوْ وَوَقع فِي حَدِيث بن مَسْعُودٍ قَالَ نَعَمْ سُورَةُ الْبَقَرَةِ وَسُورَةُ الْمُفَصَّلِ وَفِي حَدِيثِ ضُمَيْرَةَ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ زَوَّجَ رَجُلًا عَلَى سُورَةِ الْبَقَرَةِ لَمْ يَكُنْ عِنْدَهُ شَيْءٌ وَفِي حَدِيثِ أَبِي أُمَامَةَ زَوَّجَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ رَجُلًا مِنْ أَصْحَابِهِ امْرَأَةً عَلَى سُورَةٍ مِنَ الْمُفَصَّلِ جَعَلَهَا مَهْرَهَا وَأَدْخَلَهَا عَلَيْهِ.

     وَقَالَ  عَلِّمْهَا وَفِي حَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ الْمَذْكُورِ فَعَلِّمْهَا عشْرين آيَة وَهِي امْرَأَتك وَفِي حَدِيث بن عَبَّاسٍ أُزَوِّجُهَا مِنْكَ عَلَى أَنْ تُعَلِّمَهَا أَرْبَعَ أَوْ خَمْسَ سُوَرٍ مِنْ كِتَابِ اللَّهِ وَفِي مُرْسَلِ أَبِي النُّعْمَانِ الْأَزْدِيِّ عِنْدَ سَعِيدِ بْنِ مَنْصُورٍ زَوَّجَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ امْرَأَةٌ عَلَى سُورَةٍ مِنَ الْقُرْآنِ وَفِي حَدِيث بن عَبَّاسٍ وَجَابِرٍ هَلْ تَقْرَأُ مِنَ الْقُرْآنِ شَيْئًا قَالَ نعم أَنا أعطيناك الْكَوْثَر قَالَ أَصْدِقْهَا إِيَّاهَا وَيُجْمَعُ بَيْنَ هَذِهِ الْأَلْفَاظِ بِأَنَّ بَعْضَ الرُّوَاةِ حَفِظَ مَا لَمْ يَحْفَظْ بَعْضٌ أَوْ أَنَّ الْقَصَصَ مُتَعَدِّدَةٌ .

     قَوْلُهُ  اذْهَبْ فَقَدْ أَنْكَحْتُكَهَا بِمَا مَعَكَ مِنَ الْقُرْآنِ فِي رِوَايَةِ زَائِدَةَ مِثْلُهُ لَكِنْ قَالَ فِي آخِرِهِ فَعَلِّمْهَا مِنَ الْقُرْآنِ وَفِي رِوَايَةِ مَالِكٍ قَالَ لَهُ قَدْ زَوَّجْتُكَهَا بِمَا مَعَكَ مِنَ الْقُرْآنِ وَمِثْلُهُ فِي رِوَايَةِ الدَّرَاوَرْدِيِّ عَنْ إِسْحَاقَ بْنِ رَاهَوَيْهِ وَكَذَا فِي رِوَايَةِ فُضَيْلِ بْنِ سُلَيْمَان ومبشر وَفِي رِوَايَة الثَّوْريّ عِنْد بن مَاجَهْ قَدْ زَوَّجْتُكَهَا عَلَى مَا مَعَكَ مِنَ الْقُرْآنِ وَمِثْلُهُ فِي رِوَايَةِ هِشَامِ بْنِ سَعْدٍ وَفِي رِوَايَةِ الثَّوْرِيِّ عِنْدَ الْإِسْمَاعِيلِيِّ أَنْكَحْتُكَهَا بِمَا مَعَكَ مِنَ الْقُرْآنِ وَفِي رِوَايَةِ الثَّوْرِيِّ وَمَعْمَرٍ عِنْدَ الطَّبَرَانِيِّ قَدْ مَلَّكْتُكَهَا بِمَا مَعَكَ مِنَ الْقُرْآن وَكَذَا فِي رِوَايَة يَعْقُوب وبن أبي حَازِم وبن جُرَيْجٍ وَحَمَّادِ بْنِ زَيْدٍ فِي إِحْدَى الرِّوَايَتَيْنِ عَنْهُ وَفِي رِوَايَةِ مَعْمَرٍ عِنْدَ أَحْمَدَ قَدْ أَمْلَكْتُكَهَا وَالْبَاقِي مِثْلُهُ.

     وَقَالَ  فِي أُخْرَى فَرَأَيْتُهُ يَمْضِي وَهِيَ تَتْبَعُهُ وَفِي رِوَايَةِ أَبِي غَسَّانَ امكناكها وَالْبَاقِي مثله وَفِي حَدِيث بن مَسْعُودٍ قَدْ أَنْكَحْتُكَهَا عَلَى أَنْ تُقْرِئَهَا وَتُعَلِّمَهَا وَإِذَا رَزَقَكَ اللَّهُ عَوَّضْتَهَا فَتَزَوَّجَهَا الرَّجُلُ عَلَى ذَلِكَ وَفِي هَذَا الْحَدِيثِ مِنَ الْفَوَائِدِ أَشْيَاءُ غَيْرُ مَا تَرْجَمَ بِهِ الْبُخَارِيُّ فِي كِتَابِ الْوَكَالَةِ وَفَضَائِلِ الْقُرْآنِ وَعِدَّةِ تَرَاجِمَ فِي كِتَابِ النِّكَاحِ وَقَدْ بَيَّنْتُ فِي كُلِّ وَاحِدٍ تَوْجِيهَ التَّرْجَمَةِ وَمُطَابَقَتَهَا لِلْحَدِيثِ وَوَجْهُ الِاسْتِنْبَاطِ مِنْهَا وَتَرْجَمَ عَلَيْهِ أَيْضًا فِي كِتَابِ اللِّبَاسِ وَالتَّوْحِيدِ كَمَا سَيَأْتِي تَقْرِيرُهُ وَفِيهِ أَيْضًا أَنْ لَا حَدَّ لأَقل الْمهْر قَالَ بن الْمُنْذِرِ فِيهِ رَدٌّ عَلَى مَنْ زَعَمَ أَنَّ أَقَلَّ الْمَهْرِ عَشَرَةُ دَرَاهِمَ وَكَذَا مَنْ قَالَ رُبْعُ دِينَارٍ قَالَ لِأَنَّ خَاتَمًا مِنْ حَدِيدٍ لَا يُسَاوِي ذَلِكَ.

     وَقَالَ  الْمَازِرِيُّ تَعَلَّقَ بِهِ مَنْ أَجَازَ النِّكَاحَ بِأَقَلَّ مِنْ رُبْعِ دِينَارٍ لِأَنَّهُ خَرَجَ مَخْرَجَ التَّعْلِيلِ وَلَكِنْ مَالِكٌ قَاسَهُ عَلَى الْقَطْعِ فِي السَّرِقَةِ قَالَ عِيَاضٌ تَفَرَّدَ بِهَذَا مَالِكٌ عَنِ الْحِجَازِيِّينَ لَكِنْ مُسْتَنَدُهُ الِالْتِفَاتُ إِلَى قَوْله تَعَالَى أَن تَبْتَغُوا بأموالكم وَبِقَوْلِهِ وَمن لم يسْتَطع مِنْكُم طولا فَإِنَّهُ يدل على أَن المُرَاد مَاله بَالٌ مِنَ الْمَالِ وَأَقَلُّهُ مَا اسْتُبِيحَ بِهِ قَطْعُ الْعُضْوِ الْمُحْتَرَمِ قَالَ وَأَجَازَهُ الْكَافَّةُ بِمَا تَرَاضَى عَلَيْهِ الزَّوْجَانِ أَوْ مِنَ الْعَقْدِ إِلَيْهِ بِمَا فِيهِ مَنْفَعَةٌ كَالسَّوْطِ وَالنَّعْلِ إِنْ كَانَتْ قِيمَتُهُ أَقَلَّ مِنْ دِرْهَمٍ وَبِهِ قَالَ يَحْيَى بن سعيد الْأنْصَارِيّ وَأَبُو الزِّنَاد وَرَبِيعَة وبن أَبِي ذِئْبٍ وَغَيْرُهُمْ مِنْ أَهْلِ الْمَدِينَةِ غَيْرَ مَالك وَمن تبعه وبن جُرَيْجٍ وَمُسْلِمُ بْنُ خَالِدٍ وَغَيْرُهُمَا مِنْ أَهْلِ مَكَّةَ وَالْأَوْزَاعِيُّ فِي أَهْلِ الشَّامِ وَاللَّيْثُ فِي أهل مصر وَالثَّوْري وبن أَبِي لَيْلَى وَغَيْرُهُمَا مِنَ الْعِرَاقِيِّينَ غَيْرَ أَبِي حَنِيفَةَ وَمَنْ تَبِعَهُ وَالشَّافِعِيُّ وَدَاوُدُ وَفُقَهَاءُ أَصْحَابِ الحَدِيث وبن وَهْبٍ مِنَ الْمَالِكِيَّةِ.

     وَقَالَ  أَبُو حَنِيفَةَ أَقَلُّهُ عشرَة وبن شُبْرُمَةَ أَقَلُّهُ خَمْسَةٌ وَمَالِكٌ أَقَلُّهُ ثَلَاثَةٌ أَوْ رُبْعُ دِينَارٍ بِنَاءً عَلَى اخْتِلَافِهِمْ فِي مِقْدَارِ مَا يَجِبُ فِيهِ الْقَطْعُ وَقَدْ قَالَ الدَّرَاوَرْدِيُّ لِمَالِكٍ لَمَّا سَمِعَهُ يَذْكُرُ هَذِهِ الْمَسْأَلَةَ تَعَرَّقْتَ يَا أَبَا عَبْدِ اللَّهِ أَيْ سَلَكْتَ سَبِيلَ أَهْلِ الْعِرَاقِ فِي قِيَاسِهِمْ مِقْدَارَ الصَّدَاقِ عَلَى مِقْدَارِ نِصَابِ السَّرِقَةِ.

     وَقَالَ  الْقُرْطُبِيُّ اسْتَدَلَّ مَنْ قَاسَهُ بِنِصَابِ السَّرِقَةِ بِأَنَّهُ عُضْوٌ آدَمِيٌّ مُحْتَرَمٌ فَلَا يُسْتَبَاحُ بِأَقَلَّ مِنْ كَذَا قِيَاسًا عَلَى يَدِ السَّارِقِ.
وَتَعَقَّبَهُ الْجُمْهُورُ بِأَنَّهُ قِيَاسٌ فِي مُقَابِلِ النَّصِّ فَلَا يَصِحُّ وَبِأَنَّ الْيَدَ تُقْطَعُ وَتَبِينُ وَلَا كَذَلِكَ الْفَرْجُ وَبِأَنَّ الْقَدْرَ الْمَسْرُوقَ يَجِبُ عَلَى السَّارِقِ رَدُّهُ مَعَ الْقَطْعِ وَلَا كَذَلِكَ الصَّدَاقُ وَقَدْ ضَعَّفَ جَمَاعَةٌ مِنَ الْمَالِكِيَّةِ أَيْضا هَذَا الْقِيَاسَ فَقَالَ أَبُو الْحَسَنِ اللَّخْمِيُّ قِيَاسُ قَدْرِ الصَّدَاقِ بِنِصَابِ السَّرِقَةِ لَيْسَ بِالْبَيِّنِ لِأَنَّ الْيَدَ إِنَّمَا قُطِعَتْ فِي رُبْعِ دِينَارٍ نَكَالًا لِلْمَعْصِيَةِ وَالنِّكَاحُ مُسْتَبَاحٌ بِوَجْهٍ جَائِزٍ وَنَحْوُهُ لِأَبِي عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الْفَخَّارِ مِنْهُمْ نَعَمْ .

     قَوْلُهُ  تَعَالَى وَمن لم يسْتَطع مِنْكُم طولا يَدُلُّ عَلَى أَنَّ صَدَاقَ الْحُرَّةِ لَا بُدَّ وَأَنْ يَكُونَ مَا يَنْطَلِقُ عَلَيْهِ اسْمُ مَالٍ لَهُ قَدْرٌ لِيَحْصُلَ الْفَرْقُ بَيْنَهُ وَبَيْنَ مَهْرِ الْأَمَةِ.
وَأَمَّا .

     قَوْلُهُ  تَعَالَى أَنْ تَبْتَغُوا بِأَمْوَالِكُمْ فَإِنَّهُ يَدُلُّ عَلَى اشْتِرَاطِ مَا يُسَمَّى مَالًا فِي الْجُمْلَةِ قَلَّ أَوْ كَثُرَ وَقَدْ حَدَّهُ بَعْضُ الْمَالِكِيَّةِ بِمَا تَجِبُ فِيهِ الزَّكَاةُ وَهُوَ أَقْوَى مِنْ قِيَاسِهِ عَلَى نِصَابِ السَّرِقَةِ وَأَقْوَى من ذَلِك رده إِلَى الْمُتَعَارف.

     وَقَالَ  بن الْعَرَبِيِّ وَزْنُ الْخَاتَمِ مِنَ الْحَدِيدِ لَا يُسَاوِي رُبْعَ دِينَارٍ وَهُوَ مِمَّا لَا جَوَابَ عَنْهُ وَلَا عُذْرَ فِيهِ لَكِنَّ الْمُحَقِّقِينَ مِنْ أَصْحَابِنَا نَظَرُوا إِلَى قَوْلِهِ تَعَالَى وَمَنْ لَمْ يَسْتَطِعْ مِنْكُم طولا فَمَنَعَ اللَّهُ الْقَادِرَ عَلَى الطَّوْلِ مِنْ نِكَاحِ الْأَمَةِ فَلَوْ كَانَ الطَّوْلُ دِرْهَمًا مَا تَعَذَّرَ عَلَى أَحَدٍ ثُمَّ تَعَقَّبَهُ بِأَنَّ ثَلَاثَةَ دَرَاهِمَ كَذَلِكَ يَعْنِي فَلَا حُجَّةَ فِيهِ لِلتَّحْدِيدِ وَلَا سِيَّمَا مَعَ الِاخْتِلَافِ فِي الْمُرَادِ بِالطَّوْلِ وَفِيهِ أَنَّ الْهِبَةَ فِي النِّكَاحِ خَاصَّةٌ بِالنَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِقَوْلِ الرَّجُلِ زَوِّجْنِيهَا وَلَمْ يَقُلْ هَبْهَا لِي وَلِقَوْلِهَا هِيَ وَهَبْتُ نَفْسِي لَكَ وَسَكَتَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى ذَلِكَ فَدَلَّ عَلَى جَوَازِهِ لَهُ خَاصَّةً مَعَ قَوْله تَعَالَى خَالِصَة لَك من دون الْمُؤمنِينَ وَفِيهِ جَوَازُ انْعِقَادِ نِكَاحِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِلَفْظِ الْهِبَةِ دُونَ غَيْرِهِ مِنَ الْأُمَّةِ عَلَى أَحَدِ الْوَجْهَيْنِ لِلشَّافِعِيَّةِ وَالْآخَرُ لَا بُدَّ مِنْ لَفْظِ النِّكَاحِ أَوِ التَّزْوِيجِ وَسَيَأْتِي الْبَحْثُ فِيهِ وَفِيهِ أَنَّ الْإِمَامَ يُزَوِّجُ مَنْ لَيْسَ لَهَا وَلِيٌّ خَاصٌّ لِمَنْ يَرَاهُ كُفُؤًا لَهَا وَلَكِنْ لَا بُدَّ مِنْ رِضَاهَا بِذَلِكَ.

     وَقَالَ  الدَّاوُدِيُّ لَيْسَ فِي الْخَبَرِ أَنَّهُ اسْتَأْذَنَهَا وَلَا أَنَّهَا وَكَلَّتْهُ وَإِنَّمَا هُوَ مِنْ قَوْلِهِ تَعَالَى النَّبِي أولي بِالْمُؤْمِنِينَ من أنفسهم يَعْنِي فَيَكُونُ خَاصًّا بِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ يُزَوِّجُ مَنْ شَاءَ مِنَ النِّسَاءِ بِغَيْر استئذانها لمن شَاءَ وبنحوه قَالَ بن أبي زيد وَأجَاب بن بَطَّالٍ بِأَنَّهَا لَمَّا قَالَتْ لَهُ وَهَبْتُ نَفْسِي لَكَ كَانَ كَالْإِذْنِ مِنْهَا فِي تَزْوِيجِهَا لِمَنْ أَرَادَ لِأَنَّهَا لَا تُمْلَكُ حَقِيقَةً فَيَصِيرُ الْمَعْنَى جَعَلْتُ لَكَ أَنْ تَتَصَرَّفَ فِي تَزْوِيجِي اه وَلَوْ رَاجَعَا حَدِيثَ أَبِي هُرَيْرَةَ لَمَا احْتَاجَا إِلَى هَذَا التَّكَلُّفِ فَإِنَّ فِيهِ كَمَا قَدَّمْتُهُ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ لِلْمَرْأَةِ إِنِّي أُرِيدُ أَنْ أُزَوِّجَكِ هَذَا إِنْ رَضِيتِ فَقَالَتْ مَا رَضِيتَ لِي فَقَدْ رَضِيتُ وَفِيهِ جَوَازُ تَأَمُّلِ مَحَاسِنِ الْمَرْأَةِ لِإِرَادَةِ تَزْوِيجِهَا وَإِنْ لَمْ تَتَقَدَّمِ الرَّغْبَةُ فِي تَزْوِيجِهَا وَلَا وَقَعَتْ خِطْبَتُهَا لِأَنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ صَعَّدَ فِيهَا النَّظَرَ وَصَوَّبَهُ وَفِي الصِّيغَةِ مَا يَدُلُّ عَلَى الْمُبَالَغَةِ فِي ذَلِكَ وَلَمْ يَتَقَدَّمْ مِنْهُ رَغْبَةٌ فِيهَا وَلَا خِطْبَةٌ ثُمَّ قَالَ لَا حَاجَةَ لِي فِي النِّسَاءِ وَلَوْ لَمْ يَقْصِدْ أَنَّهُ إِذَا رَأَى مِنْهَا مَا يُعْجِبُهُ أَنَّهُ يَقْبَلُهَا مَا كَانَ لِلْمُبَالَغَةِ فِي تَأَمُّلِهَا فَائِدَةٌ وَيُمْكِنُ الِانْفِصَالُ عَنْ ذَلِكَ بِدَعْوَى الْخُصُوصِيَّةِ لَهُ لِمَحَلِّ الْعِصْمَةِ وَالَّذِي تَحَرَّرَ عِنْدَنَا أَنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ لَا يَحْرُمُ عَلَيْهِ النَّظَرُ إِلَى الْمُؤْمِنَاتِ الْأَجْنَبِيَّاتِ بِخِلَافِ غَيْرِهِ وسلك بن الْعَرَبِيِّ فِي الْجَوَابِ مَسْلَكًا آخَرَ فَقَالَ يَحْتَمِلُ أَنَّ ذَلِكَ قَبْلَ الْحِجَابِ أَوْ بَعْدَهُ لَكِنْهَا كَانَتْ مُتَلَفِّفَةً وَسِيَاقُ الْحَدِيثِ يُبْعِدُ مَا قَالَ وَفِيهِ أَنَّ الْهِبَةَ لَا تَتِمُّ إِلَّا بِالْقَبُولِ لِأَنَّهَا لَمَّا قَالَتْ وَهَبْتُ نَفْسِي لَكَ وَلَمْ يَقُلْ قَبِلْتُ لَمْ يَتِمَّ مَقْصُودُهَا وَلَوْ قَبِلَهَا لَصَارَتْ زَوْجًا لَهُ وَلِذَلِكَ لَمْ يُنْكِرْ عَلَى الْقَائِلِ زَوِّجْنِيهَا وَفِيهِ جَوَازُ الْخِطْبَةِ عَلَى خِطْبَةِ مَنْ خَطَبَ إِذَا لَمْ يَقَعْ بَيْنَهُمَا رُكُونٌ وَلَا سِيَّمَا إِذَا لَاحَتْ مَخَايِلُ الرَّدِّ قَالَهُ أَبُو الْوَلِيدِ الْبَاجِيُّ.
وَتَعَقَّبَهُ عِيَاضٌ وَغَيْرُهُ بِأَنَّهُ لَمْ يَتَقَدَّمْ عَلَيْهَا خِطْبَةٌ لِأَحَدٍ وَلَا مَيْلٌ بَلْ هِيَ أَرَادَتْ أَنْ يَتَزَوَّجَهَا النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَعَرَضَتْ نَفْسَهَا مَجَّانًا مُبَالَغَةً مِنْهَا فِي تَحْصِيلِ مَقْصُودِهَا فَلَمْ يَقْبَلْ وَلَمَّا قَالَ لَيْسَ لِي حَاجَةٌ فِي النِّسَاءِ عَرَفَ الرَّجُلُ أَنَّهُ لَمْ يَقْبَلْهَا فَقَالَ زَوِّجْنِيهَا ثُمَّ بَالَغَ فِي الِاحْتِرَازِ فَقَالَ إِنْ لَمْ يَكُنْ لَكَ بِهَا حَاجَةٌ وَإِنَّمَا قَالَ ذَلِكَ بَعْدَ تَصْرِيحِهِ بِنَفْيِ الْحَاجَةِ لِاحْتِمَالِ أَنْ يَبْدُوَ لَهُ بَعْدَ ذَلِكَ مَا يَدْعُوهُ إِلَى إِجَابَتِهَا فَكَانَ ذَلِكَ دَالًّا عَلَى وُفُورِ فِطْنَةِ الصَّحَابِيِّ الْمَذْكُورِ وَحُسْنِ أَدَبِهِ.

قُلْتُ وَيَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ الْبَاجِيُّ أَشَارَ إِلَى أَنَّ الْحُكْمَ الَّذِي ذَكَرَهُ يُسْتَنْبَطُ مِنْ هَذِهِ الْقِصَّةِ لِأَنَّ الصَّحَابِيَّ لَوْ فَهِمَ أَنَّ لِلنَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِيهَا رَغْبَةٌ لَمْ يَطْلُبْهَا فَكَذَلِكَ مَنْ فَهِمَ أَنَّ لَهُ رَغْبَةً فِي تَزْوِيجِ امْرَأَةٍ لَا يَصْلُحُ لِغَيْرِهِ أَنْ يُزَاحِمَهُ فِيهَا حَتَّى يُظْهَرَ عَدَمُ رَغْبَتِهِ فِيهَا إِمَّا بِالتَّصْرِيحِ أَوْ مَا فِي حُكْمِهِ وَفِيهِ أَنَّ النِّكَاحَ لَا بُدَّ فِيهِ مِنَ الصَّدَاقِ لِقَوْلِهِ هَلْ عِنْدَكَ مِنْ شَيْءٍ تَصْدُقُهَا وَقَدْ أَجْمَعُوا عَلَى أَنَّهُ لَا يَجُوزُ لِأَحَدٍ أَنْ يَطَأَ فَرْجًا وُهِبَ لَهُ دُونَ الرَّقَبَةِ بِغَيْرِ صَدَاقٍ وَفِيهِ أَنَّ الْأَوْلَى أَنْ يَذْكُرَ الصَّدَاقَ فِي الْعَقْدِ لِأَنَّهُ أَقْطَعُ لِلنِّزَاعِ وَأَنْفَعُ لِلْمَرْأَةِ فَلَوْ عَقَدَ بِغَيْرِ ذِكْرِ صَدَاقٍ صَحَّ وَوَجَبَ لَهَا مَهْرُ الْمِثْلِ بِالدُّخُولِ عَلَى الصَّحِيحِ وَقِيلَ بِالْعَقْدِ وَوَجْهُ كَوْنِهِ أَنْفَعَ لَهَا أَنَّهُ يَثْبُتُ لَهَا نِصْفُ الْمُسَمَّى أَنْ لَوْ طُلِّقَتْ قَبْلَ الدُّخُولِ وَفِيهِ اسْتِحْبَابُ تَعْجِيلِ تَسْلِيمِ الْمَهْرِ وَفِيهِ جَوَازُ الْحَلِفِ بِغَيْرِ اسْتِحْلَافٍ لِلتَّأْكِيدِ لَكِنَّهُ يُكْرَهُ لِغَيْرِ ضَرُورَةٍ وَفِي قَوْلِهِ أَعْنَدَكَ شَيْءٌ فَقَالَ لَا دَلِيلَ عَلَى تَخْصِيصِ الْعُمُومِ بِالْقَرِينَةِ لِأَنَّ لَفْظَ شَيْءٍ يَشْمَلُ الْخَطِيرَ وَالتَّافَهَ وَهُوَ كَانَ لَا يَعْدَمُ شَيْئًا تَافِهًا كَالنَّوَاةِ وَنَحْوِهَا لَكِنَّهُ فَهِمَ أَنَّ الْمُرَادَ مَا لَهُ قِيمَةٌ فِي الْجُمْلَةِ فَلِذَلِكَ نَفَى أَنْ يَكُونَ عِنْدَهُ وَنَقَلَ عِيَاضٌ الْإِجْمَاعَ عَلَى أَنَّ مِثْلَ الشَّيْءِ الَّذِي لَا يُتَمَوَّلُ وَلَا لَهُ قِيمَةٌ لَا يَكُونُ صَدَاقًا وَلَا يَحِلُّ بِهِ النِّكَاحُ فَإِنْ ثَبَتَ نَقْلُهُ فَقَدْ خَرَقَ هَذَا الْإِجْمَاعَ أَبُو مُحَمَّدِ بْنُ حَزْمٍ فَقَالَ يَجُوزُ بِكُلِّ مَا يُسَمَّى شَيْئًا وَلَوْ كَانَ حَبَّةً مِنْ شَعِيرٍ وَيُؤَيِّدُ مَا ذَهَبَ إِلَيْهِ الْكَافَّةُ .

     قَوْلُهُ  صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْتَمِسْ وَلَوْ خَاتَمًا مِنْ حَدِيدٍ لِأَنَّهُ أَوْرَدَهُ مَوْرِدَ التَّقْلِيلِ بِالنِّسْبَةِ لِمَا فَوْقُهُ وَلَا شَكَّ أَنَّ الْخَاتَمَ مِنَ الْحَدِيدِ لَهُ قِيمَةٌ وَهُوَ أَعْلَى خَطَرًا مِنَ النَّوَاةِ وَحَبَّةِ الشَّعِيرِ وَمَسَاقُ الْخَبَرِ يَدُلُّ عَلَى أَنَّهُ لَا شَيْءَ دُونَهُ يَسْتَحِلُّ بِهِ الْبُضْعُ وَقَدْ وَرَدَتْ أَحَادِيثُ فِي أَقَلِّ الصَّدَاقِ لَا يَثْبُتُ مِنْهَا شَيْءٌ مِنْهَا عِنْد بن أَبِي شَيْبَةَ مِنْ طَرِيقِ أَبِي لَبِيبَةَ رَفَعَهُ مَنِ اسْتَحَلَّ بِدِرْهَمٍ فِي النِّكَاحِ فَقَدِ اسْتَحَلَّ وَمِنْهَا عِنْدَ أَبِي دَاوُدَ عَنْ جَابِرٍ رَفَعَهُ مَنْ أَعْطَى فِي صَدَاقِ امْرَأَةٍ سَوِيقًا أَوْ تَمْرًا فَقَدِ اسْتَحَلَّ وَعِنْدَ التِّرْمِذِيِّ مِنْ حَدِيثِ عَامِرِ بْنِ رَبِيعَةَ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَجَازَ نِكَاحَ امْرَأَةٍ عَلَى نَعْلَيْنِ وَعِنْدَ الدَّارَقُطْنِيِّ مِنْ حَدِيثِ أَبِي سَعِيدٍ فِي أَثْنَاءِ حَدِيثِ الْمَهْرِ وَلَوْ عَلَى سِوَاكٍ مِنْ أَرَاكٍ وَأَقْوَى شَيْءٍ وَرَدَ فِي ذَلِكَ حَدِيثُ جَابِرٍ عِنْدَ مُسْلِمٍ كُنَّا نَسْتَمْتِعُ بِالْقَبْضَةِ مِنَ التَّمْرِ وَالدَّقِيقِ عَلَى عَهْدِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حَتَّى نَهَى عَنْهَا عُمَرُ قَالَ الْبَيْهَقِيُّ إِنَّمَا نَهَى عُمَرُ عَنِ النِّكَاحِ إِلَى أَجْلٍ لَا عَنْ قَدْرِ الصَّدَاقِ وَهُوَ كَمَا قَالَ وَفِيهِ دَلِيلٌ لِلْجُمْهُورِ لِجَوَازِ النِّكَاحِ بِالْخَاتَمِ الْحَدِيدِ وَمَا هُوَ نَظِيرُ قِيمَتِهِ قَالَ بن الْعَرَبِيِّ مِنَ الْمَالِكِيَّةِ كَمَا تَقَدَّمَ لَا شَكَّ أَنَّ خَاتَمَ الْحَدِيدِ لَا يُسَاوِي رُبْعَ دِينَارٍ وَهَذَا لَا جَوَابَ عَنْهُ لِأَحَدٍ وَلَا عُذْرَ فِيهِ وَانْفَصَلَ بَعْضُ الْمَالِكِيَّةِ عَنْ هَذَا الْإِيرَادِ مَعَ قُوَّتِهِ بِأَجْوِبَةٍ مِنْهَا أَنَّ قَوْلَهُ وَلَوْ خَاتَمًا مِنْ حَدِيدٍ خُرِّجَ مَخْرَجَ الْمُبَالَغَةِ فِي طَلَبِ التَّيْسِيرِ عَلَيْهِ وَلَمْ يُرِدْ عَيْنَ الْخَاتَمِ الْحَدِيدِ وَلَا قَدْرَ قِيمَتِهِ حَقِيقَةً لِأَنَّهُ لَمَّا قَالَ لَا أَجِدُ شَيْئًا عُرِفَ أَنَّهُ فَهِمَ أَنَّ الْمُرَادَ بِالشَّيْءِ مَا لَهُ قِيمَةٌ فَقِيلَ لَهُ وَلَوْ أَقَلُّ مَا لَهُ قِيمَةٌ كَخَاتَمِ الْحَدِيدِ وَمِثْلُهُ تَصَدَّقُوا وَلَوْ بِظِلْفٍ مُحَرَّقٍ وَلَوْ بِفِرْسِنِ شَاةٍ مَعَ أَنَّ الظِّلْفَ وَالْفِرْسِنَ لَا يُنْتَفَعُ بِهِ وَلَا يُتَصَدَّقُ بِهِ وَمِنْهَا احْتِمَالُ أَنَّهُ طَلَبَ مِنْهُ مَا يُعَجِّلُ نَقْدَهُ قَبْلَ الدُّخُولِ لَا أَنَّ ذَلِكَ جَمِيعُ الصَّدَاقِ وَهَذَا جَوَاب بن الْقَصَّارِ وَهَذَا يَلْزَمُ مِنْهُ الرَّدُّ عَلَيْهِمْ حَيْثُ اسْتَحَبُّوا تَقْدِيمَ رُبْعِ دِينَارٍ أَوْ قِيمَتِهِ قَبْلَ الدُّخُولِ لَا أَقَلَّ وَمِنْهَا دَعْوَى اخْتِصَاصِ الرَّجُلِ الْمَذْكُورِ بِهَذَا الْقَدْرِ دُونَ غَيْرِهِ وَهَذَا جَوَابُ الْأَبْهَرِيِّ وَتُعَقَّبَ بِأَنَّ الْخُصُوصِيَّةِ تَحْتَاجُ إِلَى دَلِيلٍ خَاصٍّ وَمِنْهَا احْتِمَالُ أَنْ تَكُونَ قِيمَتُهُ إِذْ ذَاكَ ثَلَاثَةَ دَرَاهِمَ أَوْ رُبْعَ دِينَارٍ وَقَدْ وَقَعَ عِنْدَ الْحَاكِمِ وَالطَّبَرَانِيِّ مِنْ طَرِيقِ الثَّوْرِيِّ عَنْ أَبِي حَازِمٍ عَنْ سَهْلِ بْنِ سَعْدٍ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ زَوَّجَ رَجُلًا بِخَاتَمٍ مِنْ حَدِيدٍ فَصُّهُ فِضَّةٌ وَاسْتُدِلَّ بِهِ عَلَى جَوَازِ اتِّخَاذِ الْخَاتَمِ مِنَ الْحَدِيدِ وَسَيَأْتِي الْبَحْثُ فِيهِ فِي كِتَابِ اللِّبَاسِ إِنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى وَعَلَى وُجُوبِ تَعْجِيلِ الصَّدَاقِ قَبْلَ الدُّخُولِ إِذْ لَوْ سَاغَ تَأْخِيرُهُ لَسَأَلَهُ هَل يقدر عَلَى تَحْصِيلِ مَا يُمْهِرُهَا بَعْدَ أَنْ يَدْخُلَ عَلَيْهَا وَيَتَقَرَّرُ ذَلِكَ فِي ذِمَّتِهِ وَيُمْكِنُ الِانْفِصَالُ عَنْ ذَلِكَ بِأَنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَشَارَ بِالْأَوْلَى وَالْحَامِلُ عَلَى هَذَا التَّأْوِيلِ ثُبُوتُ جَوَازِ نِكَاحِ الْمُفَوِّضَةِ وَثُبُوتُ جَوَازِ النِّكَاحِ عَلَى مُسَمًّى فِي الذِّمَّةِ وَاللَّهُ أَعْلَمُ وَفِيهِ أَنَّ إِصْدَاقَ مَا يُتَمَوَّلُ يُخْرِجُهُ عَنْ يَدِ مَالِكِهِ حَتَّى أَنَّ مَنْ أَصْدَقَ جَارِيَةً مَثَلًا حَرُمَ عَلَيْهِ وَطْؤُهَا وَكَذَا اسْتِخْدَامُهَا بِغَيْرِ إِذْنِ مَنْ أَصْدَقَهَا وَأَنَّ صِحَّةَ الْمَبِيعِ تَتَوَقَّفُ عَلَى صِحَّةِ تَسْلِيمِهِ فَلَا يَصِحُّ مَا تَعَذَّرَ إِمَّا حِسًّا كَالطَّيْرِ فِي الْهَوَاءِ وَإِمَّا شَرْعًا كَالْمَرْهُونِ وَكَذَا الَّذِي لَوْ زَالَ إِزَارُهُ لَانْكَشَفَتْ عَوْرَتُهُ كَذَا قَالَ عِيَاضٌ وَفِيهِ نَظَرٌ وَاسْتُدِلَّ بِهِ عَلَى جَوَازِ جَعْلِ الْمَنْفَعَةِ صَدَاقًا وَلَوْ كَانَ تَعْلِيمَ الْقُرْآنِ قَالَ الْمَازِرِيُّ هَذَا يَنْبَنِي عَلَى أَنَّ الْبَاءَ لِلتَّعْوِيضِ كَقَوْلِكَ بِعْتُكَ ثَوْبِي بِدِينَارٍ وَهَذَا هُوَ الظَّاهِرُ وَإِلَّا لَوْ كَانَتْ بِمَعْنَى اللَّامِ عَلَى مَعْنَى تَكْرِيمِهِ لِكَوْنِهِ حَامِلًا لِلْقُرْآنِ لَصَارَتِ الْمَرْأَةُ بِمَعْنَى الْمَوْهُوبَةِ وَالْمَوْهُوبَةُ خَاصَّةٌ بِالنَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ اه وَانْفَصَلَ الْأَبْهَرِيُّ وَقَبِلَهُ الطَّحَاوِيُّ وَمَنْ تَبِعَهُمَا كَأَبِي مُحَمَّدِ بْنِ أَبِي زَيْدٍ عَنْ ذَلِكَ بِأَنَّ هَذَا خَاصٌّ بِذَلِكَ الرَّجُلِ لِكَوْنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ يَجُوزُ لَهُ نِكَاحُ الْوَاهِبَةِ فَكَذَلِكَ يَجُوزُ لَهُ أَنْ يُنْكِحَهَا لِمَنْ شَاءَ بِغَيْرِ صَدَاقٍ وَنَحْوُهُ لِلدَّاوُدِيِّ.

     وَقَالَ  إِنْكَاحُهَا إِيَّاهُ بِغَيْرِ صَدَاقٍ لِأَنَّهُ أَوْلَى بِالْمُؤْمِنِينَ مِنْ أَنْفُسِهِمْ وَقَوَّاهُ بَعْضُهُمْ بِأَنَّهُ لَمَّا قَالَ لَهُ مَلَّكْتُكَهَا لَمْ يُشَاوِرْهَا وَلَا اسْتَأْذَنَهَا وَهَذَا ضَعِيفٌ لِأَنَّهَا هيَ أَوَّلًا فَوَّضَتْ أَمْرَهَا إِلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَمَا تَقَدَّمَ فِي رِوَايَةِ الْبَابِ فَرَ فِيَّ رَأْيَكَ وَغَيْرِ ذَلِكَ مِنْ أَلْفَاظِ الْخَبَرِ الَّتِي ذَكَرْنَاهَا فَلِذَلِكَ لَمْ يَحْتَجْ إِلَى مُرَاجَعَتِهَا فِي تَقْدِيرِ الْمَهْرِ وَصَارَتْ كَمَنْ قَالَتْ لِوَلِيِّهَا زَوِّجْنِي بِمَا تَرَى مِنْ قَلِيلِ الصَّدَاقِ وَكَثِيرِهِ وَاحْتَجَّ لِهَذَا الْقَوْلِ بِمَا أَخْرَجَهُ سَعِيدُ بْنُ مَنْصُورٍ مِنْ مُرْسَلِ أَبِي النُّعْمَانِ الْأَزْدِيِّ قَالَ زوج رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ امْرَأَةٌ عَلَى سُورَةٍ مِنَ الْقُرْآنِ.

     وَقَالَ  لَا تَكُونُ لِأَحَدٍ بَعْدَكَ مَهْرًا وَهَذَا مَعَ إِرْسَالِهِ فِيهِ مَنْ لَا يُعْرَفُ وَأَخْرَجَ أَبُو دَاوُدَ مِنْ طَرِيقِ مَكْحُولٍ قَالَ لَيْسَ هَذَا لِأَحَدٍ بَعْدَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَأَخْرَجَ أَبُو عَوَانَةَ مِنْ طَرِيقِ اللَّيْثِ بْنِ سَعْدٍ نَحْوُهُ.

     وَقَالَ  عِيَاضٌ يَحْتَمِلُ .

     قَوْلُهُ  بِمَا مَعَكَ مِنَ الْقُرْآنِ وَجْهَيْنِ أَظْهَرُهُمَا أَنْ يُعَلِّمَهَا مَا مَعَهُ مِنَ الْقُرْآنِ أَوْ مِقْدَارًا مُعَيَّنًا مِنْهُ وَيَكُونُ ذَلِكَ صَدَاقَهَا وَقَدْ جَاءَ هَذَا التَّفْسِيرُ عَنْ مَالِكٍ وَيُؤَيِّدُهُ .

     قَوْلُهُ  فِي بَعْضِ طُرُقِهِ الصَّحِيحَةِ فَعَلَّمَهَا مِنَ الْقُرْآنِ كَمَا تَقَدَّمَ وَعَيَّنَ فِي حَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ مِقْدَارَ مَا يُعَلِّمُهَا وَهُوَ عِشْرُونَ آيَةً وَيَحْتَمِلُ أَنْ تَكُونَ الْبَاءُ بِمَعْنَى اللَّامِ أَيْ لِأَجَلِ مَا مَعَكَ مِنَ الْقُرْآنِ فَأَكْرَمَهُ بِأَنْ زَوَّجَهُ الْمَرْأَةَ بِلَا مَهْرٍ لِأَجْلِ كَوْنِهِ حَافِظًا لِلْقُرْآنِ أَوْ لِبَعْضِهِ وَنَظِيرُهُ قِصَّةُ أَبِي طَلْحَةَ مَعَ أُمِّ سَلِيمٍ وَذَلِكَ فِيمَا أَخْرَجَهُ النَّسَائِيُّ وَصَحَّحَهُ مِنْ طَرِيقِ جَعْفَرِ بْنِ سُلَيْمَانَ عَنْ ثَابِتٍ عَنْ أَنَسٍ قَالَ خَطَبَ أَبُو طَلْحَةَ أُمَّ سَلِيمٍ فَقَالَتْ وَاللَّهِ مَا مِثْلُكَ يُرَدُّ وَلَكِنَّكَ كَافِرٌ وَأَنَا مُسْلِمَةٌ وَلَا يَحِلُّ لِي أَنْ أَتَزَوَّجَكَ فَإِنْ تُسْلِمْ فَذَاكَ مَهْرِي وَلَا أَسْأَلُكَ غَيْرَهُ فَأَسْلَمَ فَكَانَ ذَلِكَ مَهْرَهَا وَأَخْرَجَ النَّسَائِيِّ مِنْ طَرِيقِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُبَيْدٍ اللَّهِ بْنِ أَبِي طَلْحَةَ عَنْ أَنَسٍ قَالَ تَزَوَّجَ أَبُو طَلْحَةَ أُمَّ سَلِيمٍ فَكَانَ صَدَاقُ مَا بَيْنَهُمَا الْإِسْلَامَ فَذَكَرَ الْقِصَّةَ.

     وَقَالَ  فِي آخِرِهِ فَكَانَ ذَلِكَ صَدَاقَ مَا بَيْنَهُمَا تَرْجَمَ عَلَيْهِ النَّسَائِيُّ التَّزْوِيجُ عَلَى الْإِسْلَامِ ثُمَّ تَرْجَمَ عَلَى حَدِيثِ سَهْلٍ التَّزْوِيجُ عَلَى سُورَةٍ مِنَ الْقُرْآنِ فَكَأَنَّهُ مَالَ إِلَى تَرْجِيحِ الِاحْتِمَالِ الثَّانِي وَيُؤَيِّدُ أَنَّ الْبَاءَ لِلتَّعْوِيضِ لَا لِلسَّبَبِيَّةِ مَا أخرجه بن أَبِي شَيْبَةَ وَالتِّرْمِذِيُّ مِنْ حَدِيثِ أَنَسٍ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ سَأَلَ رَجُلًا مِنْ أَصْحَابِهِ يَا فُلَانُ هَلْ تَزَوَّجْتَ قَالَ لَا وَلَيْسَ عِنْدِي مَا أَتَزَوَّجُ بِهِ قَالَ أَلَيْسَ مَعَك قل هُوَ الله أحد الْحَدِيثَ وَاسْتَدَلَّ الطَّحَاوِيُّ لِلْقَوْلِ الثَّانِي مِنْ طَرِيقِ النَّظَرِ بِأَنَّ النِّكَاحَ إِذَا وَقَعَ عَلَى مَجْهُولٍ كَانَ كَمَا لَمْ يُسَمِّ فَيَحْتَاجُ إِلَى الرُّجُوعِ إِلَى الْمَعْلُومِ قَالَ وَالْأَصْلُ الْمُجْمَعُ عَلَيْهِ لَوْ أَنَّ رَجُلًا اسْتَأْجَرَ رَجُلًا عَلَى أَنْ يُعَلِّمَهُ سُورَةً مِنَ الْقُرْآنِ بِدِرْهَمٍ لَمْ يَصِحَّ لِأَنَّ الْإِجَازَةَ لَا تَصِحُّ إِلَّا عَلَى عَمَلٍ مُعَيِّنٍ كَغَسْلِ الثَّوْبِ أَوْ وَقْتٍ مُعَيَّنٍ وَالتَّعْلِيمُ قَدْ لَا يُعْلَمُ مِقْدَارُ وَقْتِهِ فَقَدْ يَتَعَلَّمُ فِي زَمَانٍ يَسِيرٍ وَقَدْ يَحْتَاجُ إِلَى زَمَانٍ طَوِيلٍ وَلِهَذَا لَوْ بَاعَهُ دَارَهُ عَلَى أَنْ يُعَلِّمَهُ سُورَةً مِنَ الْقُرْآنِ لَمْ يَصِحَّ قَالَ فَإِذَا كَانَ التَّعْلِيمُ لَا تُمْلَكُ بِهِ الْأَعْيَانُ لَا تُمْلَكُ بِهِ الْمَنَافِعُ وَالْجَوَابُ عَمَّا ذَكَرَهُ أَنَّ الْمَشْرُوطَ تَعْلِيمُهُ مُعَيَّنٌ كَمَا تَقَدَّمَ فِي بَعْضِ طُرُقِهِ.
وَأَمَّا الِاحْتِجَاجُ بِالْجَهْلِ بِمُدَّةِ التَّعْلِيمِ فَيَحْتَمِلُ أَنْ يُقَالَ اغْتُفِرَ ذَلِكَ فِي بَابِ الزَّوْجَيْنِ لِأَنَّ الْأَصْلَ اسْتِمْرَارُ عِشْرَتِهِمَا وَلِأَنَّ مِقْدَارَ تَعْلِيمِ عِشْرِينَ آيَةً لَا تَخْتَلِفُ فِيهِ أَفْهَامُ النِّسَاءِ غَالِبًا خُصُوصًا مَعَ كَوْنِهَا عَرَبِيَّةً مِنْ أَهْلِ لِسَانِ الَّذِي يَتَزَوَّجُهَا كَمَا تَقَدَّمَ وَانْفَصَلَ بَعْضُهُمْ بِأَنَّهُ زَوَّجَهَا إِيَّاهُ لِأَجْلِ مَا مَعَهُ مِنَ الْقُرْآنِ الَّذِي حَفِظَهُ وَسَكَتَ عَنِ الْمَهْرِ فَيَكُونُ ثَابِتًا لَهَا فِي ذِمَّتِهِ إِذَا أيسر كَنِكَاح التَّفْوِيض وَأَن ثَبت حَدِيث بن عَبَّاسٍ الْمُتَقَدِّمُ حَيْثُ قَالَ فِيهِ فَإِذَا رَزَقَكَ اللَّهُ فَعَوِّضْهَا كَانَ فِيهِ تَقْوِيَةٌ لِهَذَا الْقَوْلِ لَكِنَّهُ غَيْرُ ثَابِتٍ.

     وَقَالَ  بَعْضُهُمْ يَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ زَوَّجَهُ لِأَجْلِ مَا حَفِظَهُ مِنَ الْقُرْآنِ وَأَصْدَقَ عَنْهُ كَمَا كَفَّرَ عَنِ الَّذِي وَقَعَ عَلَى امْرَأَتِهِ فِي رَمَضَانَ وَيَكُونُ ذِكْرُ الْقُرْآنِ وَتَعْلِيمُهُ عَلَى سَبِيلِ التَّحْرِيضِ عَلَى تَعَلُّمِ الْقُرْآنِ وَتَعْلِيمِهِ وَتَنْوِيهًا بِفَضْلِ أَهْلِهِ قَالُوا وَمِمَّا يَدُلُّ عَلَى أَنَّهُ لَمْ يَجْعَلِ التَّعْلِيمَ صَدَاقًا أَنَّهُ لَمْ يَقَعْ مَعْرِفَةُ الزَّوْجِ بِفَهْمِ الْمَرْأَةِ وَهَلْ فِيهَا قَابِلِيَّةُ التَّعْلِيمِ بِسُرْعَةٍ أَوْ بِبُطْءٍ وَنَحْوُ ذَلِكَ مِمَّا تَتَفَاوَتُ فِيهِ الْأَغْرَاضُ وَالْجَوَابُ عَنْ ذَلِكَ قَدْ تَقَدَّمَ فِي بَحْثِ الطَّحَاوِيِّ وَيُؤَيِّدُ قَوْلَ الْجُمْهُورِ .

     قَوْلُهُ  صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَوَّلًا هَلْ مَعَكَ شَيْءٌ تُصْدِقُهَا وَلَوْ قَصَدَ اسْتِكْشَافَ فَضْلِهِ لَسَأَلَهُ عَنْ نَسَبِهِ وَطَرِيقَتِهِ وَنَحْوِ ذَلِكَ فَإِنْ قِيلَ كَيْفَ يَصِحُّ جَعْلَ تَعْلِيمَهَا الْقُرْآنَ مَهْرًا وَقَدْ لَا تَتَعَلَّمُ أُجِيبُ كَمَا يَصح جعل تعليمها للكتابة مَهْرًا وَقَدْ لَا تَتَعَلَّمُ وَإِنَّمَا وَقَعَ الِاخْتِلَافُ عِنْدَ مَنْ أَجَازَ جَعْلَ الْمَنْفَعَةِ مَهْرًا هَلْ يشْتَرط أَن يعلم حذق المتعلم أَولا كَمَا تَقَدَّمَ وَفِيهِ جَوَازُ كَوْنِ الْإِجَارَةِ صَدَاقًا وَلَوْ كَانَتِ الْمَصْدُوقَةَ الْمُسْتَأْجَرَةَ فَتَقُومُ الْمَنْفَعَةُ مِنَ الْإِجَارَةِ مَقَامَ الصَّدَاقِ وَهُوَ قَوْلُ الشَّافِعِيِّ وَإِسْحَاقَ وَالْحَسَنِ بْنِ صَالِحٍ وَعِنْدَ الْمَالِكِيَّةِ فِيهِ خِلَافٌ وَمَنَعَهُ الْحَنَفِيَّةُ فِي الْحُرِّ وَأَجَازُوهُ فِي الْعَبْدِ إِلَّا فِي الْإِجَارَةِ فِي تَعْلِيمِ الْقُرْآنِ فَمَنَعُوهُ مُطْلَقًا بِنَاءً عَلَى أَصْلِهِمْ فِي أَنَّ أَخْذَ الْأُجْرَةِ عَلَى تَعْلِيمِ الْقُرْآنِ لَا يَجُوزُ وَقَدْ نَقَلَ عِيَاضٌ جَوَازَ الِاسْتِئْجَارِ لِتَعْلِيمِ الْقُرْآنِ عَنِ الْعلمَاء كَافَّة الا الْحَنَفِيَّة.

     وَقَالَ  بن الْعَرَبِيِّ مِنَ الْعُلَمَاءِ مَنْ قَالَ زَوَّجَهُ عَلَى أَنْ يُعَلِّمَهَا مِنَ الْقُرْآنِ فَكَأَنَّهَا كَانَتْ إِجَارَةً وَهَذَا كَرِهَهُ مَالِكٌ وَمَنَعَهُ أَبُو حَنِيفَةَ.

     وَقَالَ  بن الْقَاسِمِ يُفْسَخُ قَبْلَ الدُّخُولِ وَيَثْبُتُ بَعْدَهُ قَالَ وَالصَّحِيحُ جَوَازُهُ بِالتَّعْلِيمِ وَقَدْ رَوَى يَحْيَى بْنُ مُضَرَ عَنْ مَالِكٍ فِي هَذِهِ الْقِصَّةِ أَنَّ ذَلِكَ أُجْرَةٌ عَلَى تَعْلِيمِهَا وَبَذْلِكَ جَازَ أَخْذُ الْأُجْرَةِ عَلَى تَعْلِيمِ الْقُرْآنِ وَبِالْوَجْهَيْنِ قَالَ الشَّافِعِيُّ وَإِسْحَاقُ وَإِذَا جَازَ أَنْ يُؤْخَذَ عَنْهُ الْعِوَضُ جَازَ أَنْ يَكُونَ عِوَضًا وَقَدْ أَجَازَهُ مَالِكٌ مِنْ إِحْدَى الْجِهَتَيْنِ فَيَلْزَمُ أَنْ يُجِيزَهُ مِنَ الْجِهَةِ الْأُخْرَى.

     وَقَالَ  الْقُرْطُبِيُّ .

     قَوْلُهُ  عَلِّمْهَا نَصٌّ فِي الْأَمْرِ بِالتَّعْلِيمِ وَالسِّيَاقُ يَشْهَدُ بِأَنَّ ذَلِكَ لِأَجْلِ النِّكَاحِ فَلَا يُلْتَفَتُ لِقَوْلِ مَنْ قَالَ إِنَّ ذَلِكَ كَانَ إِكْرَامًا لِلرَّجُلِ فَإِنَّ الْحَدِيثَ يُصَرِّحُ بِخِلَافِهِ.

وَقَولُهُمْ أَنَّ الْبَاءَ بِمَعْنَى اللَّامِ لَيْسَ بِصَحِيحٍ لُغَةً وَلَا مَسَاقًا وَاسْتُدِلَّ بِهِ عَلَى أَنَّ مَنْ قَالَ زَوِّجْنِي فُلَانَةً فَقَالَ زَوَّجْتُكَهَا بِكَذَا كَفَى ذَلِكَ وَلَا يَحْتَاجُ إِلَى قَوْلِ الزَّوْجِ قَبِلْتُ قَالَهُ أَبُو بَكْرٍ الرَّازِيُّ مِنَ الْحَنَفِيَّةِ وَذَكَرَهُ الرَّافِعِيُّ مِنَ الشَّافِعِيَّةِ وَقَدِ اسْتَشْكَلَ مِنْ جِهَةِ طُولِ الْفَصْلِ بَيْنَ الِاسْتِيجَابِ وَالْإِيجَابِ وَفِرَاقِ الرَّجُلِ الْمَجْلِسِ لِالْتِمَاسِ مَا يَصْدُقُهَا إِيَّاهُ وَأَجَابَ الْمُهَلَّبُ بِأَنَّ بِسَاطَ الْقِصَّةِ أَغْنَى عَنْ ذَلِكَ وَكَذَا كُلُّ رَاغِبٍ فِي التَّزْوِيجِ إِذَا اسْتَوْجَبَ فَأُجِيبَ بِشَيْءٍ مُعَيَّنٍ وَسَكَتَ كَفَى إِذَا ظَهَرَ قَرِينَةُ الْقَبُولِ وَإِلَّا فَيُشْتَرَطُ مَعْرِفَةُ رِضَاهُ بِالْقَدْرِ الْمَذْكُورِ وَاسْتُدِلَّ بِهِ عَلَى جَوَازِ ثُبُوتِ الْعَقْدِ بِدُونِ لَفْظِ النِّكَاحِ وَالتَّزْوِيجِ وَخَالَفَ ذَلِك الشَّافِعِي وَمن الْمَالِكِيَّة بن دِينَارٍ وَغَيْرُهُ وَالْمَشْهُورُ عَنِ الْمَالِكِيَّةِ جَوَازُهُ بِكُلِّ لَفْظٍ دَلَّ عَلَى مَعْنَاهُ إِذَا قُرِنَ بِذِكْرِ الصَّدَاقِ أَوْ قَصْدِ النِّكَاحِ كَالتَّمْلِيكِ وَالْهِبَةِ وَالصَّدَقَةِ وَالْبَيْعِ وَلَا يَصِحُّ عِنْدَهُمْ بِلَفْظِ الْإِجَارَةِ وَلَا الْعَارِيَّةِ وَلَا الْوَصِيَّةِ وَاخْتُلِفَ عِنْدَهُمْ فِي الْإِحْلَالِ وَالْإِبَاحَةِ وَأَجَازَهُ الْحَنَفِيَّةُ بِكُلِّ لَفْظٍ يَقْتَضِي التَّأْبِيدَ مَعَ الْقَصْدِ وَمَوْضِعُ الدَّلِيلِ مِنْ هَذَا الْحَدِيثِ وُرُودُ قَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَلَّكْتُكَهَا لَكِنْ وَرَدَ أَيْضًا بِلَفْظِ زَوَّجْتُكَهَا قَالَ بن دَقِيقِ الْعِيدِ هَذِهِ لَفْظَةٌ وَاحِدَةٌ فِي قِصَّةٍ وَاحِدَةٍ وَاخْتُلِفَ فِيهَا مَعَ اتِّحَادِ مَخْرَجِ الْحَدِيثِ فَالظَّاهِرُ أَنَّ الْوَاقِعَ مِنَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَحَدُ الْأَلْفَاظِ الْمَذْكُورَةِ فَالصَّوَابُ فِي مِثْلِ هَذَا النَّظَرُ إِلَى التَّرْجِيحِ وَقَدْ نُقِلَ عَنِ الدَّارَقُطْنِيِّ أَنَّ الصَّوَابَ رِوَايَةُ مَنْ رَوَى زَوَّجْتُكَهَا وَأَنَّهُمْ أَكْثَرُ وَأَحْفَظُ قَالَ.

     وَقَالَ  بَعْضُ الْمُتَأَخِّرِينَ يَحْتَمِلُ صِحَّةُ اللَّفْظَيْنِ وَيَكُونُ قَالَ لَفْظَ التَّزْوِيجِ أَوَّلًا ثُمَّ قَالَ اذْهَبْ فَقَدْ مَلَّكْتُكَهَا بِالتَّزْوِيجِ السَّابِق قَالَ بن دَقِيقِ الْعِيدِ وَهَذَا بَعِيدٌ لِأَنَّ سِيَاقَ الْحَدِيثِ يَقْتَضِي تَعْيِينَ لَفْظَةِ قَبِلْتُ لَا تَعَدُّدَهَا وَأَنَّهَا هيَ الَّتِي انْعَقَدَ بِهَا النِّكَاحُ وَمَا ذَكَرَهُ يَقْتَضِي وُقُوعُ أَمْرٍ آخَرَ انْعَقَدَ بِهِ النِّكَاحُ وَالَّذِي قَالَهُ بَعِيدٌ جِدًّا وَأَيْضًا فَلِخَصْمِهِ أَنْ يَعْكِسَ وَيَدَّعِيَ أَنَّ الْعَقْدَ وَقَعَ بِلَفْظِ التَّمْلِيكِ ثُمَّ قَالَ زَوَّجْتُكَهَا بِالتَّمْلِيكِ السَّابِقِ قَالَ ثُمَّ إِنَّهُ لَمْ يَتَعَرَّضْ لِرِوَايَةِ أَمْكَنَّاكَهَا مَعَ ثُبُوتِهَا وَكُلُّ هَذَا يَقْتَضِي تَعَيُّنَ الْمَصِيرِ إِلَى التَّرْجِيحِ اه وَأَشَارَ بِالْمُتَأَخِّرِ إِلَى النَّوَوِيِّ فَإِنَّهُ كَذَلِكَ قَالَ فِي شرح مُسلم وَقد قَالَ بن التِّينِ لَا يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَقَدَ بِلَفْظِ التَّمْلِيكِ وَالتَّزْوِيجِ مَعًا فِي وَقْتٍ وَاحِدٍ فَلَيْسَ أَحَدُ اللَّفْظَيْنِ بِأَوْلَى مِنَ الْآخَرِ فَسَقَطَ الِاحْتِجَاجُ بِهِ هَذَا عَلَى تَقْدِيرِ تَسَاوِي الرِّوَايَتَيْنِ فَكَيْفَ مَعَ التَّرْجِيحِ قَالَ وَمَنْ زَعَمَ أَنَّ مَعْمَرًا وَهِمَ فِيهِ وَرُدَّ عَلَيْهِ أَنَّ الْبُخَارِيَّ أَخْرَجَهُ فِي غَيْرِ مَوْضِعٍ مِنْ رِوَايَةِ غَيْرِ مَعْمَرٍ مِثْلَ مَعْمَرٍ اه وَزعم بن الْجَوْزِيِّ فِي التَّحْقِيقِ أَنَّ رِوَايَةَ أَبِي غَسَّانَ أَنْكَحْتُكَهَا وَرِوَايَةَ الْبَاقِينَ زَوَّجْتُكَهَا إِلَّا ثَلَاثَةَ أَنْفُسٍ وهم معمر وَيَعْقُوب وبن أَبِي حَازِمٍ قَالَ وَمَعْمَرٌ كَثِيرُ الْغَلَطِ وَالْآخَرَانِ لَمْ يَكُونَا حَافِظَيْنِ اه وَقَدْ غَلِطَ فِي رِوَايَةِ أَبِي غَسَّانَ فَإِنَّهَا بِلَفْظِ أَمْكَنَّاكَهَا فِي جَمِيعِ نُسَخِ الْبُخَارِيِّ نَعَمْ وَقَعَتْ بِلَفْظِ زَوَّجْتُكَهَا عِنْدَ الْإِسْمَاعِيلِيُّ مِنْ طَرِيقِ حُسَيْنِ بْنِ مُحَمَّدٍ عَنْ أَبِي غَسَّانَ وَالْبُخَارِيِّ أَخْرَجَهُ عَنْ سَعِيدِ بْنِ أَبِي مَرْيَمَ عَنْ أَبِي غَسَّانَ بِلَفْظِ أَمْكَنَّاكَهَا وَقَدْ أَخْرَجَهُ أَبُو نُعَيْمٍ فِي الْمُسْتَخْرَجِ مِنْ طَرِيقِ يَحْيَى بْنِ عُثْمَانَ بْنِ صَالِحٍ عَنْ سَعِيدٍ شَيْخِ الْبُخَارِيِّ فِيهِ بِلَفْظِ أَنْكَحْتُكَهَا فَهَذِهِ ثَلَاثَةُ أَلْفَاظٍ عَنْ أَبِي غَسَّانَ وَرِوَايَةُ أَنْكَحْتُكَهَا فِي الْبُخَارِيِّ لِابْنِ عُيَيْنَةَ كَمَا حَرَّرْتُهُ وَمَا ذَكَرَهُ مِنَ الطَّعْنِ فِي الثَّلَاثَةِ مَرْدُودٌ وَلَا سِيَّمَا عَبْدَ الْعَزِيزِ فَإِنَّ رِوَايَتَهُ تَتَرَجَّحُ بِكُونِ الْحَدِيثُ عَنْ أَبِيهِ وَآلُ الْمَرْءِ أَعْرَفُ بحَديثه من غَيرهم نعم الَّذِي تحررمما قَدَّمْتُهُ أَنَّ الَّذِينَ رَوَوْهُ بِلَفْظِ التَّزْوِيجِ أَكْثَرُ عَدَدًا مِمَّنْ رَوَاهُ بِغَيْرِ لَفْظِ التَّزْوِيجِ وَلَا سِيَّمَا وَفِيهِمْ مِنَ الْحُفَّاظِ مِثْلُ مَالِكٍ وَرِوَايَةُ سُفْيَانَ بْنِ عُيَيْنَةَ أَنْكَحْتُكَهَا مُسَاوِيَةٌ لِرِوَايَتِهِمْ وَمِثْلُهَا رِوَايَة زَائِدَة وعد بن الْجَوْزِيِّ فِيمَنْ رَوَاهُ بِلَفْظِ التَّزْوِيجِ حَمَّادِ بْنِ زَيْدٍ وَرِوَايَتُهُ بِهَذَا اللَّفْظِ فِي فَضَائِلِ الْقُرْآنِ.
وَأَمَّا فِي النِّكَاحِ فَبِلَفْظِ مَلَّكْتُكَهَا وَقَدْ تَبِعَ الْحَافِظ صَلَاح الدّين العلائي بن الْجَوْزِيِّ فَقَالَ فِي تَرْجِيحِ رِوَايَةِ التَّزْوِيجِ وَلَا سِيَّمَا وَفِيهِمْ مَالِكٌ وَحَمَّادُ بْنُ زَيْدٍ اه وَقَدْ تَحَرَّرَ أَنَّهُ اخْتُلِفَ عَلَى حَمَّادٍ فِيهَا كَمَا اخْتُلِفَ عَلَى الثَّوْرِيِّ فَظَهَرَ أَنَّ رِوَايَةَ التَّمْلِيكِ وَقَعَتْ فِي إِحْدَى الرِّوَايَتَيْنِ عَنِ الثَّوْرِيِّ وَفِي رِوَايَةِ عَبْدِ الْعَزِيزِ بْنِ أَبِي حَازِمٍ وَيَعْقُوبَ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ وَحَمَّادِ بْنِ زَيْدٍ وَفِي رِوَايَةِ مَعْمَرٍ مَلَّكْتُكَهَا وَهِيَ بِمَعْنَاهَا وَانْفَرَدَ أَبُو غَسَّانَ بِرِوَايَةِ أَمْكَنَّاكَهَا وَأَخْلَقُ بِهَا أَنْ تَكُونَ تَصْحِيفًا مِنْ مَلَّكْنَاكَهَا فَرِوَايَةُ التَّزْوِيجِ أَوِ الْإِنْكَاحِ أَرْجَحُ وَعَلَى تَقْدِيرِ أَنَّ تَسَاوِيَ الرِّوَايَاتِ يَقِفُ الِاسْتِدْلَالُ بِهَا لِكُلٍّ مِنَ الْفَرِيقَيْنِ وَقَدْ قَالَ الْبَغَوِيُّ فِي شَرْحِ السُّنَّةِ لَا حُجَّةَ فِي هَذَا الْحَدِيثِ لِمَنْ أَجَازَ انْعِقَادَ النِّكَاحِ بِلَفْظِ التَّمْلِيكِ لِأَنَّ الْعَقْدَ كَانَ وَاحِدًا فَلَمْ يَكُنِ اللَّفْظُ إِلَّا وَاحِدًا وَاخْتَلَفَ الرُّوَاةُ فِي اللَّفْظِ الْوَاقِعِ وَالَّذِي يَظْهَرُ أَنَّهُ كَانَ بِلَفْظِ التَّزْوِيجِ عَلَى وَفْقِ قَوْلِ الْخَاطِبِ زَوِّجْنِيهَا إِذْ هُوَ الْغَالِبُ فِي أَمْرِ الْعُقُودِ إِذْ قَلَّمَا يَخْتَلِفُ فِيهِ لَفْظُ الْمُتَعَاقِدَيْنِ وَمِنْ رَوَى بِلَفْظٍ غَيْرَ لَفْظِ التَّزْوِيجِ لَمْ يَقْصِدْ مُرَاعَاةَ اللَّفْظِ الَّذِي انْعَقَدَ بِهِ الْعَقْدُ وَإِنَّمَا أَرَادَ الْخَبَرَ عَنْ جَرَيَانِ الْعَقْدِ عَلَى تَعْلِيمِ الْقُرْآنِ وَقِيلَ إِنَّ بَعْضَهَمْ رَوَاهُ بِلَفْظِ الْإِمْكَانِ وَقَدِ اتَّفَقُوا عَلَى أَنَّ هَذَا الْعَقْدَ بِهَذَا اللَّفْظِ لَا يَصِحُّ كَذَا قَالَ وَمَا ذُكِرَ كَافٍ فِي دَفْعِ احْتِجَاجِ الْمُخَالِفِ بِانْعِقَادِ النِّكَاحِ بِالتَّمْلِيكِ وَنَحْوِهِ.

     وَقَالَ  الْعَلَائِيُّ مِنَ الْمَعْلُومِ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَمْ يَقُلْ هَذِهِ الْأَلْفَاظَ كُلَّهَا تِلْكَ السَّاعَةَ فَلَمْ يَبْقَ إِلَّا أَنْ يَكُونَ قَالَ لَفْظَةً مِنْهَا وَعَبَّرَ عَنْهُ بَقِيَّةُ الرُّوَاةِ بِالْمَعْنَى فَمَنْ قَالَ بِأَنَّ النِّكَاحَ يَنْعَقِدُ بِلَفْظِ التَّمْلِيكِ ثُمَّ احْتَجَّ بِمَجِيئِهِ فِي هَذَا الْحَدِيثِ إِذَا عُورِضَ بِبَقِيَّةِ الْأَلْفَاظِ لَمْ يَنْتَهِضِ احْتِجَاجُهُ فَإِنْ جَزَمَ بِأَنَّهُ هُوَ الَّذِي تَلَفَّظَ بِهِ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَمَنْ قَالَ غَيْرَهُ ذَكَرَهُ بِالْمَعْنَى قَلَبَهُ عَلَيْهِ مُخَالِفُهُ وَادَّعَى ضِدَّ دَعْوَاهُ فَلَمْ يَبْقَ إِلَّا التَّرْجِيحُ بِأَمْرٍ خَارِجِيٍّ وَلَكِنَّ الْقَلْبَ إِلَى تَرْجِيحِ رِوَايَةِ التَّزْوِيجِ أَمْيَلُ لِكَوْنِهَا رِوَايَةَ الْأَكْثَرِينَ وَلِقَرِينَةِ قَوْلِ الرَّجُلِ الْخَاطِبِ زَوِّجْنِيهَا يَا رَسُولَ اللَّهِ.

قُلْتُ وَقَدْ تَقَدَّمَ النَّقْلُ عَنِ الدَّارَقُطْنِيِّ أَنَّهُ رَجَّحَ رِوَايَة من قَالَ زوجتكها وَبَالغ بن التِّينِ فَقَالَ أَجْمَعَ أَهْلُ الْحَدِيثِ عَلَى أَنَّ الصَّحِيحَ رِوَايَةُ زَوَّجْتُكَهَا وَأَنَّ رِوَايَةَ مَلَّكْتُكَهَا وَهْمٌ وَتَعَلَّقَ بَعْضُ الْمُتَأَخِّرِينَ بِأَنَّ الَّذِينَ اخْتَلَفُوا فِي هَذِهِ اللَّفْظَةِ أَئِمَّةٌ فَلَوْلَا أَنَّ هَذِهِ الْأَلْفَاظَ عِنْدَهُمْ مُتَرَادِفَةٌ مَا عَبَّرُوا بِهَا فَدَلَّ عَلَى أَن كل لَفْظٌ مِنْهَا يَقُومُ مَقَامَ الْآخَرِ عِنْدَ ذَلِكَ الْإِمَامِ وَهَذَا لَا يَكْفِي فِي الِاحْتِجَاجِ بِجَوَازِ انْعِقَادِ النِّكَاحِ بِكُلِّ لَفْظَةٍ مِنْهَا إِلَّا أَنَّ ذَلِكَ لَا يَدْفَعُ مُطَالَبَتَهُمْ بِدَلِيلِ الْحَصْرِ فِي اللَّفْظَيْنِ مَعَ الِاتِّفَاقِ عَلَى إِيقَاعِ الطَّلَاقِ بِالْكِنَايَاتِ بِشَرْطِهَا وَلَا حَصْرَ فِي الصَّرِيحِ وَقَدْ ذَهَبَ جُمْهُورُ الْعُلَمَاءِ إِلَى أَنَّ النِّكَاحَ يَنْعَقِدُ بِكُلِّ لَفْظٍ يَدُلُّ عَلَيْهِ وَهُوَ قَوْلُ الْحَنَفِيَّةِ وَالْمَالِكِيَّةِ وَإِحْدَى الرِّوَايَتَيْنِ عَنْ أَحْمَدَ وَاخْتَلَفَ التَّرْجِيحُ فِي مَذْهَبِهِ فَأَكْثَرُ نُصُوصِهِ تَدُلُّ عَلَى مُوَافَقَةِ الْجُمْهُورِ وَاخْتَارَ بن حَامِدٍ وَأَتْبَاعُهُ الرِّوَايَةَ الْأُخْرَى الْمُوَافِقَةَ لِلشَّافِعِيَّةِ وَاسْتَدَلَّ بن عَقِيلٍ مِنْهُمْ لِصِحَّةِ الرِّوَايَةِ الْأُولَى بِحَدِيثِ أَعْتَقَ صَفِيَّةَ وَجَعَلَ عِتْقَهَا صَدَاقَهَا فَإِنَّ أَحْمَدَ نَصَّ عَلَى أَنَّ مَنْ قَالَ عَتَقْتُ أَمَتِي وَجَعَلْتُ عِتْقَهَا صَدَاقَهَا أَنَّهُ يَنْعَقِدُ نِكَاحُهَا بِذَلِكَ وَاشْتَرَطَ مَنْ ذَهَبَ إِلَى الرِّوَايَةِ الْأُخْرَى بِأَنَّهُ لَا بُدَّ أَنْ يَقُولَ فِي مِثْلِ هَذِهِ الصُّورَةِ تَزَوَّجْتُهَا وَهِيَ زِيَادَةٌ عَلَى مَا فِي الْخَبَرِ وَعَلَى نَصِّ أَحْمَدَ وَأُصُولُهُ تَشْهَدُ بِأَنَّ الْعُقُودَ تَنْعَقِدُ بِمَا يَدُلُّ عَلَى مَقْصُودِهَا مِنْ قَوْلٍ أَو فعل وَفِيه أَن من رغب فِي تَزْوِيجَ مَنْ هُوَ أَعْلَى قَدْرًا مِنْهُ لَا لَوْمَ عَلَيْهِ لِأَنَّهُ بِصَدَدِ أَنْ يُجَابَ إِلَّا إِنْ كَانَ مِمَّا تَقْطَعُ الْعَادَةُ بِرَدِّهِ كَالسُّوقِيِّ يَخْطُبُ مِنَ السُّلْطَانِ بِنْتَهُ أَوْ أُخْتَهُ وَأَنَّ مَنْ رَغِبَتْ فِي تَزْوِيجِ مَنْ هُوَ أَعْلَى مِنْهَا لَا عَارَ عَلَيْهَا أَصْلًا وَلَا سِيَّمَا إِنْ كَانَ هُنَاكَ غَرَضٌ صَحِيحٌ أَوْ قَصْدٌ صَالِحٌ إِمَّا لِفَضْلٍ دِينِيٍّ فِي الْمَخْطُوبِ أَوْ لِهَوًى فِيهِ يَخْشَى مِنَ السُّكُوتِ عَنْهُ الْوُقُوعُ فِي مَحْذُورٍ وَاسْتُدِلَّ بِهِ عَلَى صِحَّةِ قَوْلِ مَنْ جَعَلَ عِتْقَ الْأَمَةِ عِوَضًا عَنْ بُضْعِهَا كَذَا ذَكَرَهُ الْخَطَّابِيُّ وَلَفْظُهُ إِنَّ مَنْ أَعْتَقَ أَمَةً كَانَ لَهُ أَنْ يَتَزَوَّجَهَا وَيَجْعَلَ عِتْقَهَا عِوَضًا عَنْ بُضْعِهَا وَفِي أَخْذِهِ مِنْ هَذَا الْحَدِيثِ بُعْدٌ وَقَدْ تَقَدَّمَ الْبَحْثُ فِيهِ مُفَصَّلًا قَبْلَ هَذَا وَفِيهِ أَنَّ سُكُوتَ مَنْ عُقِدَ عَلَيْهَا وَهِيَ سَاكِتَةٌ لَازِمٌ إِذَا لَمْ يَمْنَعْ مِنْ كَلَامِهَا خَوْفٌ أَوْ حَيَاءٌ أَوْ غَيْرُهُمَا وَفِيهِ جَوَازُ نِكَاحِ الْمَرْأَةِ دُونَ أَنْ تُسْأَلَ هَلْ لَهَا وَلِيٌّ خَاصٌّ أَوْ لَا وَدُونَ أَنْ تُسْأَلَ هَلْ هِيَ فِي عِصْمَةِ رَجُلٍ أَوْ فِي عِدَّتِهِ قَالَ الْخَطَّابِيُّ ذَهَبَ إِلَى ذَلِكَ جَمَاعَةٌ حَمْلًا عَلَى ظَاهِرِ الْحَالِ وَلَكِنَّ الْحُكَّامَ يَحْتَاطُونَ فِي ذَلِكَ وَيَسْأَلُونَهَا.

قُلْتُ وَفِي أَخْذِ هَذَا الْحُكْمِ مِنْ هَذِهِ الْقِصَّةِ نَظَرٌ لِاحْتِمَالِ أَنْ يَكُونَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ اطَّلَعَ عَلَى جَلِيَّةِ أَمْرِهَا أَوْ أَخْبَرَهُ بِذَلِكَ مَنْ حَضَرَ مَجْلِسَهُ مِمَّنْ يَعْرِفُهَا وَمَعَ هَذَا الِاحْتِمَالِ لَا يَنْتَهِضُ الِاسْتِدْلَالُ بِهِ وَقَدْ نَصَّ الشَّافِعِيُّ عَلَى أَنَّهُ لَيْسَ لِلْحَاكِمِ أَنْ يُزَوِّجَ امْرَأَةً حَتَّى يَشْهَدَ عَدْلَانِ أَنَّهَا لَيْسَ لَهَا وَلِيٌّ خَاصٌّ وَلَا أَنَّهَا فِي عِصْمَةِ رَجُلٍ وَلَا فِي عِدَّتِهِ لَكِنِ اخْتَلَفَ أَصْحَابُهُ هَلْ هَذَا عَلَى سَبِيلِ الِاشْتِرَاطِ أَوْ الِاحْتِيَاطِ وَالثَّانِي الْمُصَحَّحُ عِنْدَهُمْ وَفِيهِ أَنَّهُ لَا يُشْتَرَطُ فِي صِحَّةِ الْعَقْدِ تَقَدُّمُ الْخِطْبَةِ إِذْ لَمْ يَقَعْ فِي شَيْءٍ مِنْ طُرُقِ هَذَا الْحَدِيثِ وُقُوعَ حَمْدٍ وَلَا تَشَهُّدٍ وَلَا غَيْرِهِمَا مِنْ أَرْكَانِ الْخُطْبَةِ وَخَالَفَ فِي ذَلِكَ الظَّاهِرِيَّةُ فَجَعَلُوهَا وَاجِبَةً وَوَافَقَهُمْ مِنَ الشَّافِعِيَّةِ أَبُو عَوَانَةَ فَتَرْجَمَ فِي صَحِيحِهِ بَابُ وُجُوبِ الْخُطْبَةِ عِنْدَ الْعَقْدِ وَفِيهِ أَنَّ الْكَفَاءَةَ فِي الْحُرِّيَّةِ وَفِي الدِّينِ وَفِي النَّسَبِ لَا فِي الْمَالِ لِأَنَّ الرَّجُلَ كَانَ لَا شَيْءَ لَهُ وَقَدْ رضيت بِهِ كَذَا قَالَه بن بَطَّالٍ وَمَا أَدْرِي مِنْ أَيْنَ لَهُ أَنَّ الْمَرْأَةَ كَانَتْ ذَاتَ مَالٍ وَفِيهِ أَنَّ طَالِبَ الْحَاجَةِ لَا يَنْبَغِي لَهُ أَنْ يُلِحَّ فِي طَلَبِهَا بَلْ يَطْلُبُهَا بِرِفْقٍ وَتَأَنٍّ وَيَدْخُلُ فِي ذَلِكَ طَالِبُ الدُّنْيَا وَالدِّينِ مِنْ مُسْتَفْتٍ وَسَائِلٍ وَبَاحِثٍ عَنْ عِلْمٍ وَفِيهِ أَنَّ الْفَقِيرَ يَجُوزُ لَهُ نِكَاحُ مَنْ عَلِمَتْ بِحَالِهِ وَرَضِيَتْ بِهِ إِذَا كَانَ وَاجِدًا لِلْمَهْرِ وَكَانَ عَاجِزًا عَنْ غَيْرِهِ مِنَ الْحُقُوقِ لِأَنَّ الْمُرَاجَعَةَ وَقَعَتْ فِي وِجْدَانِ الْمَهْرِ وَفَقْدِهِ لَا فِي قَدْرٍ زَائِدٍ قَالَه الباحي وَتُعُقِّبَ بِاحْتِمَالِ أَنْ يَكُونَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ اطَّلَعَ مِنْ حَالِ الرَّجُلِ عَلَى أَنَّهُ يَقْدِرُ عَلَى اكْتِسَابِ قُوتِهِ وَقُوتِ امْرَأَتِهِ وَلَا سِيَّمَا مَعَ مَا كَانَ عَلَيْهِ أَهْلُ ذَلِكَ الْعَصْرِ مِنْ قِلَّةِ الشَّيْءِ وَالْقَنَاعَةِ بِالْيَسِيرِ وَاسْتُدِلَّ بِهِ عَلَى صِحَّةِ النِّكَاحِ بِغَيْرِ شُهُودٍ وَرُدَّ بِأَنَّ ذَلِكَ وَقَعَ بِحَضْرَةِ جَمَاعَةٍ مِنَ الصَّحَابَةِ كَمَا تَقَدَّمَ ظَاهِرًا فِي أَوَّلِ الْحَدِيثِ.

     وَقَالَ  بن حَبِيبٍ هُوَ مَنْسُوخٌ بِحَدِيثِ لَا نِكَاحَ إِلَّا بولِي وشاهدي عدل وَتعقب وَاسْتُدِلَّ بِهِ عَلَى صِحَّةِ النِّكَاحِ بِغَيْرِ وَلِيٍّ وَتُعُقِّبَ بِاحْتِمَالِ أَنَّهُ لَمْ يَكُنْ لَهَا وَلِيٌّ خَاصٌّ وَالْإِمَامُ وَلِيُّ مَنْ لَا وَلِيَّ لَهُ وَاسْتدلَّ بِهِ على جَوَاز استمتاع الرجل لثورة امْرَأَتِهِ وَمَا يَشْتَرِي بِصَدَاقِهَا لِقَوْلِهِ إِنْ لَبِسَتْهُ مَعَ أَنَّ النِّصْفَ لَهَا وَلَمْ يَمْنَعْهُ مَعَ ذَلِكَ مِنَ الِاسْتِمْتَاعِ بِنِصْفِهِ الَّذِي وَجَبَ لَهَا بَلْ جَوَّزَ لَهُ لُبْسَهُ كُلِّهِ وَإِنَّمَا وَقَعَ الْمَنْعُ لِكَوْنِهِ لَمْ يَكُنْ لَهُ ثَوْبٌ آخَرُ قَالَهُ أَبُو مُحَمَّدِ بْنُ أَبِي زَيْدٍ.
وَتَعَقَّبَهُ عِيَاضٌ وَغَيْرُهُ بِأَنَّ السِّيَاقَ يُرْشِدُ إِلَى أَنَّ الْمُرَادَ تَعَذُّرُ الِاكْتِفَاءِ بِنِصْفِ الْإِزَارِ لَا فِي إِبَاحَةِ لُبْسِهِ كُلِّهِ وَمَا الْمَانِعُ أَنْ يَكُونَ الْمُرَادُ أَنَّ كُلًّا مِنْهُمَا يَلْبَسُهُ مُهَايَأَةً لِثُبُوتِ حَقِّهِ فِيهِ لَكِنْ لَمَّا لَمْ يَكُنْ لِلرَّجُلِ مَا يَسْتَتِرُ بِهِ إِذَا جَاءَتْ نَوْبَتُهَا فِي لُبْسِهِ قَالَ لَهُ إِنْ لَبِسَتْهُ جَلَسْتَ وَلَا إِزَارَ لَكَ وَفِيهِ نَظَرُ الْإِمَامِ فِي مَصَالِحِ رَعِيَّتِهِ وَإِرْشَادُهُ إِلَى مَا يُصْلِحُهُمْ وَفِي الْحَدِيثِ أَيْضًا الْمُرَاوَضَةُ فِي الصَّدَاقِ وَخِطْبَةُ الْمَرْءِ لِنَفْسِهِ وَأَنَّهُ لَا يَجِبُ إِعْفَافُ الْمُسْلِمِ بِالنِّكَاحِ كَوُجُوبِ إِطْعَامِهِ الطَّعَام وَالشرَاب قَالَ بن التِّينِ بَعْدَ أَنْ ذَكَرَ فَوَائِدَ الْحَدِيثِ فَهَذِهِ إِحْدَى وَعِشْرُونَ فَائِدَةً بَوَّبَ الْبُخَارِيُّ عَلَى أَكْثَرِهَا.

قُلْتُ وَقَدْ فَصَلْتُ مَا تَرْجَمَ بِهِ الْبُخَارِيُّ مِنْ غَيْرِهِ وَمَنْ تَأَمَّلَ مَا جَمَعْتُهُ هُنَا عَلِمَ أَنَّهُ يَزِيدُ عَلَى مَا ذَكَرَهُ مِقْدَارَ مَا ذَكَرَ أَوْ أَكْثَرَ وَوَقَعَ التَّنْصِيصُ عَلَى أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ زَوَّجَ رَجُلًا امْرَأَةً بِخَاتَمٍ مِنْ حَدِيدٍ وَهَذَا هُوَ النُّكْتَةُ فِي ذِكْرِ الْخَاتَمِ دُونَ غَيْرِهِ مِنَ الْعُرُوضِ أَخْرَجَهُ الْبَغَوِيُّ فِي مُعْجَمِ الصَّحَابَةِ مِنْ طَرِيقِ الْقَعْنَبِيِّ عَنْ حُسَيْنِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ ضُمَيْرَةَ عَنْ أَبِيهِ عَنْ جَدِّهِ أَنَّ رَجُلًا قَالَ يَا رَسُولَ اللَّهِ أَنْكِحْنِي فُلَانَةَ قَالَ مَا تُصْدِقُهَا قَالَ مَا مَعِي شَيْءٌ قَالَ لِمَنْ هَذَا الْخَاتَمُ قَالَ لِي قَالَ فَأَعْطِهَا إِيَّاهُ فَأَنْكَحَهُ وَهَذَا وَإِنْ كَانَ ضَعِيفَ السَّنَدِ لَكِنَّهُ يَدْخُلُ فِي مِثْلِ هَذِهِ الْأُمَّهَاتِ