فهرس الكتاب

فتح الباري لابن حجر - باب الخلع وكيف الطلاق فيه

( قَولُهُ بَابُ الْخُلْعِ)
بِضَمِّ الْمُعْجَمَةِ وَسُكُونِ اللَّامِ وَهُوَ فِي اللُّغَةِ فِرَاقُ الزَّوْجَةِ عَلَى مَالٍ مَأْخُوذٌ مِنْ خَلَعَ الثَّوْبَ لِأَنَّ الْمَرْأَةَ لِبَاسُ الرَّجُلِ مَعْنًى وَضُمَّ مَصْدَرُهُ تَفْرِقَةً بَيْنَ الْحِسِّيِّ وَالْمَعْنَوِيِّ وَذَكَرَ أَبُو بَكْرِ بْنُ دُرَيْدٍ فِي أَمَالِيهِ أَنه أَوَّلَ خُلْعٍ كَانَ فِي الدُّنْيَا أَنَّ عَامِرَ بْنَ الظَّرِبِ بِفَتْحِ الْمُعْجَمَةِ وَكَسْرِ الرَّاءِ ثُمَّ مُوَحدَة زوج ابْنَته من بن أَخِيهِ عَامِرِ بْنِ الْحَارِثِ بْنِ الظَّرِبِ فَلَمَّا دَخَلَتْ عَلَيْهِ نَفَرَتْ مِنْهُ فَشَكَا إِلى أَبِيهَا فَقَالَ لَا أَجْمَعُ عَلَيْكَ فِرَاقَ أَهْلِكَ وَمَالِكَ وَقَدْ خَلَعْتُهَا مِنْكَ بِمَا أَعْطَيْتَهَا قَالَ فَزَعَمَ الْعُلَمَاءُ أَنَّ هَذَا كَانَ أَوَّلَ خُلْعٍ فِي الْعَرَبِ اه.
وَأَمَّا أَوَّلُ خُلْعٍ فِي الْإِسْلَامِ فَسَيَأْتِي ذِكْرُهُ بَعْدَ قَلِيلٍ وَيُسَمَّى أَيْضًا فِدْيَةً وَافْتِدَاءً وَأَجْمَعَ الْعُلَمَاءُ عَلَى مَشْرُوعِيَّتِهِ إِلَّا بَكْرَ بْنَ عَبْدِ اللَّهِ الْمُزَنِيَّ التَّابِعِيَّ الْمَشْهُورَ فَإِنَّهُ قَالَ لَا يَحِلُّ لِلرَّجُلِ أَنْ يَأْخُذَ مِنِ امْرَأَتِهِ فِي مُقَابِلِ فِرَاقِهَا شَيْئًا لِقَوْلِهِ تَعَالَى فَلَا تَأْخُذُوا مِنْهُ شَيْئا فَأَوْرَدُوا عَلَيْهِ فَلَا جُنَاحَ عَلَيْهِمَا فِيمَا افْتَدَتْ بِهِ فَادّعى نسخهَا بِآيَة النِّسَاء أخرجه بن أَبِي شَيْبَةَ وَغَيْرُهُ عَنْهُ وَتُعُقِّبَ مَعَ شُذُوذِهِ بِقَوْلِهِ تَعَالَى فِي النِّسَاءِ أَيْضًا فَإِنْ طِبْنَ لكم عَن شَيْء مِنْهُ نفسا فكلوه وَبِقَوْلِهِ فِيهَا فَلَا جنَاح عَلَيْهِمَا أَن يصالحا الْآيَةَ وَبِالْحَدِيثِ وَكَأَنَّهُ لَمْ يَثْبُتْ عِنْدَهُ أَوْ لَمْ يَبْلُغْهُ وَانْعَقَدَ الْإِجْمَاعُ بَعْدَهُ عَلَى اعْتِبَارِهِ وَأَنَّ آيَةَ النِّسَاءِ مَخْصُوصَةٌ بِآيَةِ الْبَقَرَةِ وَبِآيَتَيِ النِّسَاءِ الْآخِرَتَيْنِ وَضَابِطُهُ شَرْعًا فِرَاقُ الرَّجُلِ زَوْجَتَهُ بِبَذْلٍ قَابِلٍ لِلْعِوَضِ يَحْصُلُ لِجِهَةِ الزَّوْجِ وَهُوَ مَكْرُوهٌ إِلَّا فِي حَالِ مَخَافَةِ أَنْ لَا يُقِيمَا أَوْ وَاحِدٌ مِنْهُمَا مَا أُمِرَ بِهِ وَقَدْ يَنْشَأُ ذَلِكَ عَنْ كَرَاهَةِ الْعِشْرَةِ إِمَّا لِسُوءِ خُلُقٍ أَوْ خَلْقٍ وَكَذَا تُرْفَعُ الْكَرَاهَةُ إِذَا احْتَاجَا إِلَيْهِ خَشْيَةَ حِنْثٍ يَئُولُ إِلَى الْبَيْنُونَةِ الْكُبْرَى .

     قَوْلُهُ  وَكَيْفُ الطَّلَاقُ فِيهِ أَيْ هَلْ يَقَعُ الطَّلَاقُ بِمُجَرَّدِهِ أَوْ لَا يَقَعُ حَتَّى يَذْكُرَ الطَّلَاقَ إِمَّا بِاللَّفْظِ وَإِمَّا بِالنِّيَّةِ وَلِلْعُلَمَاءِ فِيمَا إِذَا وَقَعَ الْخُلْعُ مُجَرَّدًا عَنِ الطَّلَاقِ لَفْظًا وَنِيَّةً ثَلَاثَةُ آرَاءٍ وَهِيَ أَقْوَالٌ لِلشَّافِعِيِّ أَحَدُهَا مَا نَصَّ عَلَيْهِ فِي أَكْثَرِ كُتُبِهِ الْجَدِيدَةِ أَنَّ الْخُلْعَ طَلَاقٌ وَهُوَ قَوْلُ الْجُمْهُورِ فَإِذَا وَقَعَ بِلَفْظِ الْخُلْعِ وَمَا تُصُرِّفَ مِنْهُ نَقَصَ الْعَدَدُ وَكَذَا إِنْ وَقَعَ بِغَيْرِ لَفْظِهِ مَقْرُونًا بِنِيَّتِهِ وَقَدْ نَصَّ الشَّافِعِيُّ فِي الْإِمْلَاءِ عَلَى أَنَّهُ مِنْ صَرَائِحِ الطَّلَاقِ وَحُجَّةُ الْجُمْهُورِ أَنَّهُ لَفْظٌ لَا يَمْلِكُهُ إِلَّا الزَّوْجُ فَكَانَ طَلَاقًا وَلَوْ كَانَ فَسْخًا لَمَا جَازَ عَلَى غَيْرِ الصَّدَاقِ كَالْإِقَالَةِ لَكِنَّ الْجُمْهُورَ عَلَى جَوَازِهِ بِمَا قَلَّ وَكَثُرَ فَدَلَّ عَلَى أَنَّهُ طَلَاقٌ وَالثَّانِي وَهُوَ قَوْلُ الشَّافِعِيِّ فِي الْقَدِيمِ ذَكَرَهُ فِي أَحْكَامِ الْقُرْآنِ مِنَ الْجَدِيدِ أَنَّهُ فسخ وَلَيْسَ بِطَلَاق وَصَحَّ ذَلِك عَن بن عَبَّاس أخرجه عبد الرَّزَّاق وَعَن بن الزبير وروى عَن عُثْمَان وَعلي وَعِكْرِمَة وَطَاوُس وَهُوَ مَشْهُور مَذْهَب أَحْمد وسأذكر فِي الْكَلَام على شرح حَدِيث الْبَاب مَا يُقَوِّيهِ وَقَدِ اسْتَشْكَلَهُ إِسْمَاعِيلُ الْقَاضِي بِالِاتِّفَاقِ عَلَى أَنَّ مَنْ جَعَلَ أَمْرَ الْمَرْأَةِ بِيَدِهَا وَنَوَى الطَّلَاقَ فَطَلَّقَتْ نَفْسَهَا طَلُقَتْ وَتُعُقِّبَ بِأَنَّ مَحَلَّ الْخِلَافِ مَا إِذَا لَمْ يَقَعْ لَفْظُ طَلَاقٍ وَلَا نِيَّةٌ وَإِنَّمَا وَقَعَ لَفْظُ الْخُلْعِ صَرِيحًا أَوْ مَا قَامَ مَقَامَهُ مِنَ الْأَلْفَاظِ مَعَ النِّيَّةِ فَإِنَّهُ لَا يَكُونُ فَسْخًا تَقَعُ بِهِ الْفُرْقَةُ وَلَا يَقَعُ بِهِ طَلَاقٌ وَاخْتَلَفَ الشَّافِعِيَّةُ فِيمَا إِذَا نَوَى بِالْخُلْعِ الطَّلَاقَ وَفَرَّعْنَا عَلَى أَنَّهُ فَسْخٌ هَلْ يَقَعُ الطَّلَاقُ أَوْ لَا وَرَجَّحَ الْإِمَامُ عَدَمَ الْوُقُوعِ وَاحْتَجَّ بِأَنَّهُ صَرِيحٌ فِي بَابِهِ وَجَدَ نَفَاذًا فِي مَحَلِّهِ فَلَا يَنْصَرِفُ بِالنِّيَّةِ إِلَى غَيْرِهِ وَصَرَّحَ أَبُو حَامِدٍ وَالْأَكْثَرُ بِوُقُوعِ الطَّلَاقِ وَنَقَلَهُ الْخُوَارِزْمِيُّ عَنْ نَصِّ الْقَدِيمِ قَالَ هُوَ فَسْخٌ لَا يُنْقِصُ عَدَدَ الطَّلَاقِ إِلَّا أَنْ يَنْوِيَا بِهِ الطَّلَاقَ وَيَخْدِشُ فِيمَا اخْتَارَهُ الْإِمَامُ أَنَّ الطَّحَاوِيَّ نَقَلَ الْإِجْمَاعَ عَلَى أَنَّهُ إِذَا نَوَى بِالْخُلْعِ الطَّلَاقَ وَقَعَ الطَّلَاقُ وَأَنَّ مَحَلَّ الْخِلَافِ فِيمَا إِذَا لَمْ يُصَرِّحْ بِالطَّلَاقِ وَلَمْ يَنْوِهِ وَالثَّالِثُ إِذَا لَمْ يَنْوِ الطَّلَاقَ لَا يَقَعُ بِهِ فُرْقَةٌ أَصْلًا وَنَصَّ عَلَيْهِ فِي الْأُمِّ وَقَوَّاهُ السُّبْكِيُّ مِنَ الْمُتَأَخِّرِينَ وَذَكَرَ مُحَمَّدُ بْنُ نَصْرٍ الْمَرْوَزِيُّ فِي كِتَابِ اخْتِلَافِ الْعُلَمَاءِ أَنَّهُ آخِرُ قَوْلَيِ الشَّافِعِيِّ .

     قَوْلُهُ  وَقَولُهُ عَزَّ وَجَلَّ وَلَا يَحِلُّ لَكُمْ أَنْ تَأْخُذُوا مِمَّا آتَيْتُمُوهُنَّ شَيْئًا إِلَّا أَنْ يَخَافَا أَنْ لَا يُقِيمَا حُدُودَ اللَّهِ زَادَ غَيْرُ أَبِي ذَرٍّ إِلَى قَوْلِهِ الظَّالِمُونَ وَعِنْدَ النَّسَفِيِّ بَعْدَ قَوْلِهِ يَخَافَا الْآيَةَ وَبِذِكْرِ ذَلِكَ يَتَبَيَّنُ تَمَامُ الْمُرَادِ وَهُوَ بِقَوْلِهِ فَلَا جنَاح عَلَيْهِمَا فِيمَا افتدت بِهِ وَتمسك بِالشّرطِ من قَوْله فَإِن خِفْتُمْ مَنْ مَنَعَ الْخُلْعَ إِلَّا إِذَا حَصَلَ الشِّقَاقُ مِنَ الزَّوْجَيْنِ مَعًا وَسَأَذْكُرُ فِي الْكَلَامِ عَلَى أَثَرِ طَاوُسٍ بَيَانَ ذَلِكَ .

     قَوْلُهُ  وَأَجَازَ عُمَرُ الْخُلْعَ دُونَ السُّلْطَانِ أَيْ بِغَيْرِ إِذْنِهِ وَصَلَهُ بن أَبِي شَيْبَةَ مِنْ طَرِيقِ خَيْثَمَةَ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ قَالَ أَتَى بِشْرُ بْنُ مَرْوَانَ فِي خُلْعٍ كَانَ بَيْنَ رَجُلٍ وَامْرَأَةٍ فَلَمْ يُجِزْهُ فَقَالَ لَهُ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ شِهَابِ الْخَوْلَانِيُّ قَدْ أَتَى عُمَرُ فِي خُلْعٍ فَأَجَازَهُ وَأَشَارَ الْمُصَنِّفُ إِلَى خِلَافٍ فِي ذَلِكَ أَخْرَجَهُ سَعِيدُ بْنُ مَنْصُورٍ حَدَّثَنَا هُشَيْمٌ أَنْبَأَنَا يُونُسُ عَنِ الْحَسَنِ الْبَصْرِيِّ قَالَ لَا يَجُوزُ الْخُلْعُ دُونَ السُّلْطَانِ.

     وَقَالَ  حَمَّادُ بْنُ زَيْدٍ عَنْ يَحْيَى بْنِ عَتِيقٍ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ سِيرِينَ كَانُوا يَقُولُونَ فَذَكَرَ مِثْلَهُ وَاخْتَارَهُ أَبُو عُبَيْدٍ وَاسْتَدَلَّ بقوله تَعَالَى فَإِن خِفْتُمْ أَن لَا يُقِيمَا حُدُود الله وَبِقَوْلِهِ تَعَالَى وَإِنْ خِفْتُمْ شِقَاقَ بَيْنِهِمَا فَابْعَثُوا حكما من أَهله وَحكما من أَهلهَا قَالَ فَجَعَلَ الْخَوْفَ لِغَيْرِ الزَّوْجَيْنِ وَلَمْ يَقُلْ فَإِنْ خَافَا وَقَوَّى ذَلِكَ بِقِرَاءَةِ حَمْزَةَ فِي آيَة الْبَاب الا أَن يخافا بِضَمِّ أَوَّلِهِ عَلَى الْبِنَاءِ لِلْمَجْهُولِ قَالَ وَالْمُرَادُ الْوُلَاةُ وَرَدَّهُ النَّحَّاسُ بِأَنَّهُ قَوْلٌ لَا يُسَاعِدُهُ الْإِعْرَابُ وَلَا اللَّفْظُ وَلَا الْمَعْنَى وَالطَّحَاوِيُّ بِأَنَّهُ شَاذٌّ مُخَالِفٌ لِمَا عَلَيْهِ الْجَمُّ الْغَفِيرُ وَمِنْ حَيْثُ النَّظَرُ أَنَّ الطَّلَاقَ جَائِزٌ دُونَ الْحَاكِمِ فَكَذَلِكَ الْخُلْعُ ثُمَّ الَّذِي ذَهَبَ إِلَيْهِ مَبْنِيٌّ عَلَى أَنَّ وُجُودَ الشِّقَاقِ شَرْطٌ فِي الْخُلْعِ وَالْجُمْهُورُ عَلَى خِلَافِهِ وَأَجَابُوا عَنِ الْآيَةِ بِأَنَّهَا جَرَتْ عَلَى حُكْمِ الْغَالِبِ وَقَدْ أَنْكَرَ قَتَادَةُ هَذَا عَلَى الْحَسَنِ فَأَخْرَجَ سَعِيدُ بْنُ أَبِي عَرُوبَةَ فِي كِتَابِ النِّكَاحِ عَن قَتَادَة عَن الْحَسَنِ فَذَكَرَهُ قَالَ قَتَادَةُ مَا أَخَذَ الْحَسَنُ هَذَا إِلَّا عَنْ زِيَادٍ يَعْنِي حَيْثُ كَانَ أَمِيرَ الْعِرَاقِ لِمُعَاوِيَةَ.

قُلْتُ وَزِيَادٌ لَيْسَ أَهْلًا أَنْ يُقْتَدَى بِهِ .

     قَوْلُهُ  وَأَجَازَ عُثْمَانُ الْخُلْعَ دُونَ عِقَاصِ رَأْسِهَا الْعِقَاصُ بِكَسْرِ الْمُهْمَلَةِ وَتَخْفِيفِ الْقَافِ وَآخِرُهُ صَادٌ مُهْمَلَةٌ جَمْعُ عِقْصَةٍ وَهُوَ مَا يُرْبَطُ بِهِ شَعْرُ الرَّأْسِ بَعْدَ جَمْعِهِ وَأَثَرُ عُثْمَانَ هَذَا رَوَيْنَاهُ مَوْصُولًا فِي أَمَالِي أَبِي الْقَاسِمِ بْنِ بَشْرَانِ مِنْ طَرِيقِ شَرِيكٍ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ عُقَيْلٍ عَنْ الرُّبَيِّعِ بِنْتِ مُعَوِّذٍ قَالَتِ اخْتَلَعْتُ مِنْ زَوْجِي بِمَا دُونَ عِقَاصِ رَأْسِي فَأَجَازَ ذَلِكَ عُثْمَانُ وَأَخْرَجَهُ الْبَيْهَقِيُّ مِنْ طَرِيقِ رَوْحِ بْنِ الْقَاسِم عَن بن عَقِيلٍ مُطَوَّلًا.

     وَقَالَ  فِي آخِرِهِ فَدَفَعْتُ إِلَيْهِ كُلَّ شَيْءٍ حَتَّى أَجَفْتُ الْبَابَ بَيْنِي وَبَيْنَهُ وَهَذَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّ مَعْنَى دُونَ سِوَى أَيْ أَجَازَ لِلرَّجُلِ أَنْ يَأْخُذَ مِنَ الْمَرْأَةِ فِي الْخُلْعِ مَا سِوَى عِقَاصِ رَأْسِهَا.

     وَقَالَ  سَعِيدُ بْنُ مَنْصُورٍ حَدَّثَنَا هِشَامٌ عَنْ مُغِيرَةَ عَنْ إِبْرَاهِيمَ كَانَ يُقَالُ الْخُلْعُ مَا دُونَ عقَاص رَأسهَا وَعَن سُفْيَان عَن بن أَبِي نَجِيحٍ عَنْ مُجَاهِدٍ يَأْخُذُ مِنَ الْمُخْتَلِعَةِ حَتَّى عقاصها وَمن طَرِيق قبيصَة بن ذويب إِذَا خَلَعَهَا جَازَ أَنْ يَأْخُذَ مِنْهَا أَكْثَرَ مِمَّا أَعْطَاهَا ثُمَّ تَلَا فَلَا جُنَاحَ عَلَيْهِمَا فِيمَا افتدت بِهِ وَسَنَدُهُ صَحِيحٌ وَوَجَدْتُ أَثَرَ عُثْمَانَ بِلَفْظٍ آخَرَ أخرجه بن سَعْدٍ فِي تَرْجَمَةِ الرُّبَيِّعِ بِنْتِ مُعَوِّذٍ مِنْ طَبَقَاتِ النِّسَاءِ قَالَ أَنْبَأَنَا يَحْيَى بْنُ عَبَّادٍ حَدَّثَنَا فُلَيْحُ بْنُ سُلَيْمَانَ حَدَّثَنِي عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ عُقَيْلٍ عَنْ الرّبيع بنت معوذ قَالَت كَانَ بيني وَبَين بن عَمِّي كَلَامٌ وَكَانَ زَوْجَهَا قَالَتْ فَقُلْتُ لَهُ لَكَ كُلُّ شَيْءٍ وَفَارِقْنِي قَالَ قَدْ فَعَلْتُ فَأَخَذَ وَاللَّهِ كُلَّ شَيْءٍ حَتَّى فِرَاشِي فَجِئْتُ عُثْمَانَ وَهُوَ مَحْصُورٌ فَقَالَ الشَّرْطُ أَمْلَكُ خُذْ كل شَيْء حَتَّى عقَاص رَأسهَا قَالَ بن بَطَّالٍ ذَهَبَ الْجُمْهُورُ إِلَى أَنَّهُ يَجُوزُ لِلرَّجُلِ أَنْ يَأْخُذَ فِي الْخُلْعِ أَكْثَرَ مِمَّا أَعْطَاهُ.

     وَقَالَ  مَالِكٌ لَمْ أَرَ أَحَدًا مِمَّنْ يُقْتَدَى بِهِ يَمْنَعُ ذَلِكَ لَكِنَّهُ لَيْسَ مِنْ مَكَارِمِ الْأَخْلَاقِ وَسَيَأْتِي ذِكْرُ حُجَّةِ الْقَائِلِينَ بِعَدَمِ الزِّيَادَةِ فِي الْكَلَامِ عَلَى حَدِيثِ الْبَابِ .

     قَوْلُهُ  وقَال طَاوُسٌ إِلَّا أَنْ يَخَافَا أَلَّا يُقِيمَا حُدُودَ اللَّهِ فِيمَا افْتَرَضَ لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا عَلَى صَاحِبِهِ فِي الْعِشْرَةِ وَالصُّحْبَةِ وَلَمْ يَقُلْ قَوْلَ السُّفَهَاءِ لَا يَحِلُّ حَتَّى تَقُولَ لَا أَغْتَسِلُ لَكَ مِنْ جَنَابَةٍ هَذَا التَّعْلِيقُ اخْتَصَرَهُ الْبُخَارِيُّ مِنْ أَثَرٍ وَصَلَهُ عَبْدُ الرَّزَّاقِ قَالَ أَنْبَأَنَا بن جريج أَخْبرنِي بن طَاوُسٍ وَقُلْتُ لَهُ مَا كَانَ أَبُوكَ يَقُولُ فِي الْفِدَاءِ قَالَ كَانَ يَقُولُ مَا قَالَ الله تَعَالَى إِلَّا أَنْ يَخَافَا أَنْ لَا يُقِيمَا حُدُودَ الله وَلَمْ يَكُنْ يَقُولُ قَوْلَ السُّفَهَاءِ لَا يَحِلُّ حَتَّى تَقُولَ لَا أَغْتَسِلُ لَكَ مِنْ جَنَابَةٍ وَلَكِنَّهُ يَقُولُ إِلَّا أَنْ يَخَافَا أَنْ لَا يُقِيمَا حُدُودَ اللَّهِ فِيمَا افْتَرَضَ لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا عَلَى صَاحِبِهِ فِي الْعِشْرَةِ وَالصُّحْبَةِ قَالَ بن التِّينِ ظَاهِرُ سِيَاقِ الْبُخَارِيِّ أَنَّ قَوْلَهُ وَلَمْ يَقُلْ إِلَخْ مِنْ كَلَامِهِ وَلَكِنْ قَدْ نُقِلَ الْكَلَام الْمَذْكُور عَن بن جُرَيْجٍ قَالَ وَلَا يَبْعُدُ أَنْ يَكُونَ ظَهَرَ لَهُ مَا ظَهَرَ لِابْنِ جُرَيْجٍ.

قُلْتُ وَكَأَنَّهُ لَمْ يَقِفْ عَلَى الْأَثَرِ مَوْصُولًا فَتَكَلَّفَ مَا قَالَ وَالَّذِي قَالَ وَلم يقل هُوَ بن طَاوُسٍ وَالْمَحْكِيُّ عَنْهُ النَّفْيُ هُوَ أَبُوهُ طَاوُسٌ وَأَشَارَ بن طَاوُسٍ بِذَلِكَ إِلَى مَا جَاءَ عَنْ غَيْرِ طَاوُسٍ وَأَنَّ الْفِدَاءَ لَا يَجُوزُ حَتَّى تَعْصِيَ الْمَرْأَةُ الرَّجُلَ فِيمَا يَرُومُهُ مِنْهَا حَتَّى تَقُولَ لَا أَغْتَسِلُ لَكَ مِنْ جَنَابَةٍ وَهُوَ مَنْقُولٌ عَنِ الشَّعْبِيِّ وَغَيْرِهِ أَخْرَجَ سَعِيدُ بْنُ مَنْصُورٍ عَنْ هُشَيْمٍ أَنْبَأَنَا إِسْمَاعِيلُ بْنُ أَبِي خَالِدٍ عَنِ الشَّعْبِيِّ أَنَّ امْرَأَةً قَالَتْ لِزَوْجِهَا لَا أُطِيعُ لَكَ أَمْرًا وَلَا أَبَرُّ لَكَ قَسَمًا وَلَا أَغْتَسِلُ لَكَ مِنْ جَنَابَةٍ قَالَ إِذَا كَرِهَتْهُ فليأخذ مِنْهَا وليخل عَنْهَا وَأخرج بن أَبِي شَيْبَةَ عَنْ وَكِيعٍ عَنْ يَزِيدَ بْنِ إِبْرَاهِيمَ عَنِ الْحَسَنِ فِي قَوْلِهِ إِلَّا أَنْ يخافا أَن لَا يُقِيمَا حُدُود الله قَالَ ذَلِكَ فِي الْخُلْعِ إِذَا قَالَتْ لَا أَغْتَسِلُ لَكَ مِنْ جَنَابَةٍ وَمِنْ طَرِيقِ حُمَيْدِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ قَالَ يَطِيبُ الْخُلْعُ إِذَا قَالَتْ لَا أَغْتَسِلُ لَكَ مِنْ جَنَابَةٍ نَحْوُهُ وَمِنْ طَرِيقِ عَلِيٍّ نَحْوُهُ وَلَكِنْ بِسَنَدٍ وَاهٍ وَالظَّاهِرُ أَنَّ الْمَنْقُولَ فِي ذَلِكَ عَنِ الْحَسَنِ وَغَيْرِهِ مَا هُوَ إِلَّا عَلَى سَبِيلِ الْمِثَالِ وَلَا يَتَعَيَّنُ شَرْطًا فِي جَوَازِ الْخُلْعِ وَاللَّهُ أَعْلَمُ وَقَدْ جَاءَ عَنْ غَيْرِ طَاوُسٍ نَحْوُ قَوْله فروى بن أَبِي شَيْبَةَ مِنْ طَرِيقِ الْقَاسِمِ أَنَّهُ سُئِلَ عَن قَوْله تَعَالَى إِلَّا أَنْ يَخَافَا أَنْ لَا يُقِيمَا حُدُودَ الله قَالَ فِيمَا افْتَرَضَ عَلَيْهِمَا فِي الْعِشْرَةِ وَالصُّحْبَةِ وَمِنْ طَرِيقِ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ عَنْ أَبِيهِ أَنَّهُ كَانَ يَقُولُ لَا يَحِلُّ لَهُ الْفِدَاءُ حَتَّى يَكُونَ الْفَسَادُ مِنْ قِبَلِهَا وَلَمْ يَكُنْ يَقُولُ لَا يَحِلُّ لَهُ حَتَّى تَقُولَ لَا أَبَرُّ لَكَ قَسَمًا وَلَا أَغْتَسِلُ لَكَ مِنْ جَنَابَةٍ



[ قــ :4990 ... غــ :5273] .

     قَوْلُهُ  حَدَّثَنِي أَزْهَرُ بْنُ جَمِيلٍ هُوَ بَصْرِيٌّ يُكَنَّى أَبَا مُحَمَّدٍ مَاتَ سَنَةَ إِحْدَى وَخَمْسِينَ وَمِائَتَيْنِ وَلَمْ يُخْرِجْ عَنْهُ الْبُخَارِيُّ فِي الْجَامِعِ غَيْرَ هَذَا الْمَوْضِعِ وَقَدْ أَخْرَجَهُ النَّسَائِيُّ أَيْضًا عَنْهُ وَذَكَرَ الْبُخَارِيُّ أَنَّهُ لَمْ يُتَابَعْ على ذكر بن عَبَّاسٍ فِيهِ كَمَا سَيَأْتِي لَكِنْ جَاءَ الْحَدِيثُ مَوْصُولًا مِنْ طَرِيقٍ أُخْرَى كَمَا ذَكَرَهُ فِي الْبَاب أَيْضا قَوْله حَدثنَا خَالِد هُوَ بن مِهْرَانَ الْحَذَّاءُ .

     قَوْلُهُ  أَنَّ امْرَأَةَ ثَابِتِ بْنِ قيس أَي بن شَمَّاسٍ بِمُعْجَمَةٍ ثُمَّ مُهْمَلَةٍ خَطِيبُ الْأَنْصَارُ تَقَدَّمَ ذِكْرُهُ فِي الْمَنَاقِبِ وَأَبْهَمَ فِي هَذِهِ الطَّرِيقِ اسْمَ الْمَرْأَةِ وَفِي الطُّرُقِ الَّتِي بَعْدَهَا وَسُمِّيَتْ فِي آخِرِ الْبَابِ فِي طَرِيقِ حَمَّادِ بْنِ زَيْدٍ عَنْ أَيُّوبَ عَنْ عِكْرِمَةَ مُرْسَلًا جَمِيلَةَ وَوَقَعَ فِي الرِّوَايَةِ الثَّانِيَةِ أَنَّ أُخْتَ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أُبَيٍّ يَعْنِي كَبِيرَ الْخَزْرَجِ وَرَأْسَ النِّفَاقِ الَّذِي تَقَدَّمَ خَبَرُهُ فِي تَفْسِيرِ سُورَةِ بَرَاءَةٍ وَفِي تَفْسِيرِ سُورَةِ الْمُنَافِقِينَ فَظَاهِرُهُ أَنَّهَا جَمِيلَةُ بِنْتُ أُبَيٍّ وَيُؤَيِّدُهُ أَنَّ فِي رِوَايَةِ قَتَادَة عَن عِكْرِمَة عَن بن عَبَّاسٍ أَنَّ جَمِيلَةَ بِنْتَ سَلُولَ جَاءَتْ الْحَدِيثَ أخرجه بن مَاجَهْ وَالْبَيْهَقِيُّ وَسَلُولُ امْرَأَةٌ اخْتُلِفَ فِيهَا هَلْ هِيَ أُمُّ أُبَيٍّ أَوِ امْرَأَتُهُ وَوَقَعَ فِي رِوَايَةِ النَّسَائِيِّ وَالطَّبَرَانِيِّ مِنْ حَدِيثِ الرُّبَيِّعِ بِنْتِ مُعَوِّذٍ أَنَّ ثَابِتَ بْنَ قَيْسِ بْنِ شَمَّاسٍ ضَرَبَ امْرَأَتَهُ فَكَسَرَ يَدَهَا وَهِيَ جَمِيلَةُ بِنْتُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أُبَيٍّ فَأَتَى أَخُوهَا يَشْتَكِي إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْحَدِيثَ وَبِذَلِك جزم بن سَعْدٍ فِي الطَّبَقَاتِ فَقَالَ جَمِيلَةُ بِنْتُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أُبَيٍّ أَسْلَمَتْ وَبَايَعَتْ وَكَانَتْ تَحْتَ حَنْظَلَةَ بْنِ أَبِي عَامِرٍ غَسِيلِ الْمَلَائِكَةِ فَقُتِلَ عَنْهَا بِأُحُدٍ وَهِيَ حَامِلٌ فَوَلَدَتْ لَهُ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ حَنْظَلَةَ فَخَلَفَ عَلَيْهَا ثَابِتُ بْنُ قَيْسٍ فَوَلَدَتْ لَهُ ابْنَهُ مُحَمَّدًا ثُمَّ اخْتَلَعَتْ مِنْهُ فَتَزَوَّجَهَا مَالِكُ بْنُ الدُّخْشُمِ ثُمَّ خُبَيْبُ بْنُ أَسَافٍ وَوَقَعَ فِي رِوَايَةِ حَجَّاجِ بْنِ مُحَمَّد عَن بن جُرَيْجٍ أَخْبَرَنِي أَبُو الزُّبَيْرِ أَنَّ ثَابِتَ بْنَ قَيْسِ بْنِ شَمَّاسٍ كَانَتْ عِنْدَهُ زَيْنَبُ بِنْتُ عبد الله بن أبي بن سَلُولَ وَكَانَ أَصْدَقَهَا حَدِيقَةً فَكَرِهَتْهُ الْحَدِيثَ أَخْرَجَهُ الدَّارَقُطْنِيُّ وَالْبَيْهَقِيُّ وَسَنَدُهُ قَوِيٌّ مَعَ إِرْسَالِهِ وَلَا تَنَافِيَ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الَّذِي قَبْلَهُ لِاحْتِمَالِ أَنْ يَكُونَ لَهَا اسْمَانِ أَوْ أَحَدُهُمَا لَقَبٌ وَإِنْ لَمْ يُؤْخَذْ بِهَذَا الْجَمْعِ فَالْمَوْصُولُ أَصَحُّ وَقَدِ اعْتُضِدَ بِقَوْلِ أَهْلِ النَّسَبِ أَنَّ اسْمَهَا جَمِيلَةُ وَبِهِ جَزَمَ الدِّمْيَاطِيُّ وَذَكَرَ أَنَّهَا كَانَتْ أُخْتَ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي شَقِيقَةَ أُمِّهِمَا خَوْلَةَ بِنْتِ الْمُنْذِرِ بْنِ حَرَامٍ قَالَ الدِّمْيَاطِيُّ وَالَّذِي وَقَعَ فِي الْبُخَارِيِّ مِنْ أَنَّهَا بِنْتُ أُبَيٍّ وَهْمٌ.

قُلْتُ وَلَا يَلِيقُ إِطْلَاقُ كَوْنِهِ وَهْمًا فَإِنَّ الَّذِي وَقَعَ فِيهِ أُخْتُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أُبَيٍّ وَهِيَ أُخْتُ عَبْدِ اللَّهِ بِلَا شَكٍّ لَكِنْ نُسِبَ أَخُوهَا فِي هَذِهِ الرِّوَايَةِ إِلَى جَدِّهِ أُبَيٍّ كَمَا نُسِبَتْ هِيَ فِي رِوَايَةِ قَتَادَةَ إِلَى جَدَّتِهَا سَلُولَ فَبِهَذَا يُجْمَعُ بَيْنَ الْمُخْتَلَفِ مِنْ ذَلِكَ وَأما بن الْأَثِيرِ وَتَبِعَهُ النَّوَوِيُّ فَجَزَمَا بِأَنَّ قَوْلَ مَنْ قَالَ إِنَّهَا بِنْتُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أُبَيٍّ وَهْمٌ وَأَنَّ الصَّوَابَ أَنَّهَا أُخْتُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أُبَيٍّ وَلَيْسَ كَمَا قَالَا بَلِ الْجَمْعُ أَوْلَى وَجَمَعَ بَعْضُهُمْ بِاتِّحَادِ اسْمِ الْمَرْأَةِ وَعَمَّتِهَا وَأَنَّ ثَابِتًا خَالَعُ الثِّنْتَيْنِ وَاحِدَةً بَعْدَ أُخْرَى وَلَا يَخْفَى بُعْدُهُ وَلَا سِيَّمَا مَعَ اتِّحَادِ الْمَخْرَجِ وَقَدْ كَثُرَتْ نِسْبَةُ الشَّخْصِ إِلَى جَدِّهِ إِذَا كَانَ مَشْهُورًا وَالْأَصْلُ عَدَمُ التَّعَدُّدِ حَتَّى يَثْبُتَ صَرِيحًا وَجَاءَ فِي اسْمِ امْرَأَةِ ثَابِتِ بْنِ قَيْسٍ قَوْلَانِ آخَرَانِ أَحَدُهُمَا أَنَّهَا مَرْيَمُ المغالية أخرجه النَّسَائِيّ وبن مَاجَهْ مِنْ طَرِيقِ مُحَمَّدِ بْنِ إِسْحَاقَ حَدَّثَنِي عُبَادَةَ بْنِ الْوَلِيدِ بْنِ عُبَادَةَ بْنِ الصَّامِتِ عَنِ الرُّبَيِّعِ بِنْتِ مُعَوِّذٍ قَالَتِ اخْتَلَعْتُ مِنْ زَوْجِي فَذَكَرَتْ قِصَّةً فِيهَا وَإِنَّمَا تَبِعَ عُثْمَانُ فِي ذَلِكَ قَضَاءَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي مَرْيَمَ الْمَغَالِيَّةِ وَكَانَتْ تَحْتَ ثَابِتِ بْنِ قَيْسٍ فَاخْتَلَعَتْ مِنْهُ وَإِسْنَادُهُ جَيِّدٌ قَالَ الْبَيْهَقِيُّ اضْطَرَبَ الْحَدِيثُ فِي تَسْمِيَةِ امْرَأَةِ ثَابِتٍ وَيُمْكِنُ أَنْ يَكُونَ الْخُلْعُ تَعَدَّدَ مِنْ ثَابِتٍ انْتَهَى وَتَسْمِيَتُهَا مَرْيَمَ يُمْكِنُ رَدُّهُ لِلْأَوَّلِ لِأَنَّ الْمَغَالِيَّةَ وَهِيَ بِفَتْحِ الْمِيمِ وَتَخْفِيفِ الْغَيْنِ الْمُعْجَمَةِ نِسْبَةٌ إِلَى مَغَالَةَ وَهِيَ امْرَأَةٌ مِنَ الْخَزْرَجِ وَلَدَتْ لِعَمْرِو بْنِ مَالِكِ بْنِ النَّجَّارِ وَلَدُهَ عَدِيًّا فَبَنُو عَدِيِّ بْنِ النَّجَّارِ يُعْرَفُونَ كُلُّهُمْ بِبَنِي مَغَالَةَ وَمِنْهُمْ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ أُبَيِّ وَحَسَّانُ بْنُ ثَابِتٍ وَجَمَاعَةٌ مِنَ الْخَزْرَجِ فَإِذَا كَانَ آلُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أُبَيٍّ مِنْ بَنِي مَغَالَةَ فَيَكُونُ الْوَهْمُ وَقَعَ فِي اسْمِهَا أَوْ يَكُونُ مَرْيَمُ اسْمًا ثَالِثًا أَوْ بَعْضُهَا لَقَبٌ لَهَا وَالْقَوْلُ الثَّانِي فِي اسْمِهَا أَنَّهَا حَبِيبَةُ بِنْتُ سَهْلٍ أَخْرَجَهُ مَالِكٌ فِي الْمُوَطَّأِ عَنْ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ الْأَنْصَارِيِّ عَنْ عَمْرَةَ بِنْتِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ عَنْ حَبِيبَةَ بِنْتِ سَهْلٍ أَنَّهَا كَانَتْ تَحْتَ ثَابِتِ بْنِ قَيْسِ بْنِ شَمَّاسٍ وَإِنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ خَرَجَ إِلَى الصُّبْحِ فَوَجَدَ حَبِيبَةَ عِنْدَ بَابِهِ فِي الْغَلَسِ قَالَ مَنْ هَذِهِ قَالَتْ أَنَا حَبِيبَةُ بِنْتُ سَهْلٍ قَالَ مَا شَأْنُكِ قَالَتْ لَا أَنَا وَلَا ثَابِتُ بْنُ قَيْسٍ لِزَوْجِهَا الْحَدِيثَ وَأَخْرَجَهُ أَصْحَابُ السُّنَنِ الثَّلَاثَةُ وَصَححهُ بن خُزَيْمَة وبن حِبَّانَ مِنْ هَذَا الْوَجْهِ وَأَخْرَجَهُ أَبُو دَاوُدَ مِنْ طَرِيقِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي بَكْرِ بْنِ عَمْرِو بْنِ حَزْمٍ عَنْ عَمْرَةَ عَنْ عَائِشَةَ أَنَّ حَبِيبَةَ بِنْتَ سَهْلٍ كَانَتْ عِنْدَ ثَابِتٍ قَالَ بن عَبْدِ الْبَرِّ اخْتُلِفَ فِي امْرَأَةِ ثَابِتِ بْنِ قَيْسٍ فَذَكَرَ الْبَصْرِيُّونَ أَنَّهَا جَمِيلَةُ بِنْتُ أُبَيٍّ وَذَكَرَ الْمَدَنِيُّونَ أَنَّهَا حَبِيبَةُ بِنْتُ سَهْلٍ.

قُلْتُ وَالَّذِي يَظْهَرُ أَنَّهُمَا قِصَّتَانِ وَقَعَتَا لِامْرَأَتَيْنِ لِشُهْرَةِ الْخَبَرَيْنِ وَصِحَّةِ الطَّرِيقِينَ وَاخْتِلَافُ السِّيَاقَيْنِ بِخِلَافِ مَا وَقَعَ مِنَ الِاخْتِلَافِ فِي تَسْمِيَةِ جَمِيلَةَ وَنَسَبِهَا فَإِنَّ سِيَاقَ قِصَّتِهَا مُتَقَارِبٌ فَأَمْكَنَ رَدُّ الِاخْتِلَافِ فِيهِ إِلَى الْوِفَاقِ وَسَأُبَيِّنُ اخْتِلَافَ الْقِصَّتَيْنِ عِنْدَ سِيَاقِ أَلْفَاظِ قِصَّةِ جَمِيلَةَ وَقَدْ أَخْرَجَ الْبَزَّارُ مِنْ حَدِيثِ عُمَرَ قَالَ أَوَّلُ مُخْتَلِعَةٍ فِي الْإِسْلَامِ حَبِيبَةُ بِنْتُ سَهْلٍ كَانَتْ تَحْتَ ثَابِتِ بْنِ قَيْسٍ الْحَدِيثَ وَهَذَا عَلَى تَقْدِيرِ التَّعَدُّدِ يَقْتَضِي أَنَّ ثَابِتًا تَزَوَّجَ حَبِيبَةَ قَبْلَ جَمِيلَةَ وَلَوْ لَمْ يَكُنْ فِي ثُبُوتِ مَا ذَكَرَهُ الْبَصْرِيُّونَ إِلَّا كَوْنَ مُحَمَّدِ بْنِ ثَابِتِ بْنِ قَيْسٍ مِنْ جَمِيلَةَ لَكَانَ دَلِيلًا عَلَى صِحَّةِ تَزَوُّجِ ثَابِتٍ بِجَمِيلَةَ تَنْبِيهٌ وَقَعَ لِابْنِ الْجَوْزِيِّ فِي تَنْقِيحِهِ أَنَّهَا سَهْلَةُ بِنْتُ حَبِيبٍ فَمَا أَظُنُّهُ إِلَّا مَقْلُوبًا وَالصَّوَابُ حَبِيبَةُ بِنْتُ سَهْلٍ وَقد ترْجم لَهَا بن سَعْدٍ فِي الطَّبَقَاتِ فَقَالَ بِنْتُ سَهْلِ بْنِ ثَعْلَبَةَ بْنِ الْحَارِثِ وَسَاقَ نَسَبَهَا إِلَى مَالِكِ بْنِ النَّجَّارِ وَأَخْرَجَ حَدِيثَهَا عَنْ حَمَّادِ بْنِ زَيْدٍ عَنْ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ قَالَ كَانَتْ حَبِيبَةُ بِنْتُ سَهْلٍ تَحْتَ ثَابِتِ بْنِ قَيْسٍ وَكَانَ فِي خُلُقِهِ شِدَّةٌ فَذَكَرَ نَحْوَ حَدِيثِ مَالِكٍ وَزَادَ فِي آخِرِهِ وَقَدْ كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ هَمَّ أَنْ يَتَزَوَّجَهَا ثُمَّ كَرِهَ ذَلِكَ لِغَيْرَةِ الْأَنْصَارِ وَكَرِهَ أَن يسوءهم فِي نِسَائِهِم قَوْله أَنْت النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَتْ يَا رَسُولَ اللَّهِ ثَابِتُ بْنُ قَيْسٍ فِي رِوَايَةِ إِبْرَاهِيمَ بْنِ طَهْمَانَ عَنْ أَيُّوبَ وَهِيَ الَّتِي عُلِّقَتْ هُنَا وَوَصَلَهَا الْإِسْمَاعِيلِيُّ جَاءَتِ امْرَأَةُ ثَابِتِ بْنِ قَيْسِ بْنِ شَمَّاسٍ الْأَنْصَارِيِّ وَفِي رِوَايَةِ سَعِيدٍ عَنْ قَتَادَةَ عَنْ عِكْرِمَةَ فِي هَذِهِ الْقِصَّةِ فَقَالَتْ بِأَبِي وَأُمِّي أَخْرَجَهَا الْبَيْهَقِيُّ .

     قَوْلُهُ  مَا أَعْتُبُ عَلَيْهِ بِضَمِّ الْمُثَنَّاةِ مِنْ فَوْقُ وَيَجُوزُ كَسْرُهَا مِنَ الْعِتَابِ يُقَالُ عَتَبْتُ عَلَى فُلَانٍ أَعْتُبُ عَتْبًا وَالِاسْمُ الْمَعْتَبَةُ وَالْعِتَابُ هُوَ الْخِطَابُ بِالْإِدْلَالِ وَفِي رِوَايَةٍ بِكَسْرِ الْعَيْنِ بَعْدَهَا تَحْتَانِيَّةٌ سَاكِنَةٌ مِنَ الْعَيْبِ وَهِيَ أَلْيَقُ بِالْمُرَادِ .

     قَوْلُهُ  فِي خُلُقٍ وَلَا دِينٍ بِضَمِّ الْخَاءِ الْمُعْجَمَةِ وَاللَّامِ وَيَجُوزُ إِسْكَانُهَا أَيْ لَا أُرِيدُ مُفَارَقَتَهُ لِسُوءِ خُلُقِهِ وَلَا لِنُقْصَانِ دِينِهِ زَادَ فِي رِوَايَةِ أَيُّوبَ الْمَذْكُورَةِ وَلَكِنِّي لَا أُطِيقُهُ كَذَا فِيهِ لَمْ يَذْكُرْ مُمَيِّزَ عَدَمِ الطَّاقَةِ وَبَيَّنَهُ الْإِسْمَاعِيلِيُّ فِي رِوَايَتِهِ ثُمَّ الْبَيْهَقِيُّ بِلَفْظِ لَا أُطِيقُهُ بُغْضًا وَهَذَا ظَاهِرُهُ أَنَّهُ لَمْ يَصْنَعْ بِهَا شَيْئًا يَقْتَضِي الشَّكْوَى مِنْهُ بِسَبَبِهِ لَكِنْ تَقَدَّمَ مِنْ رِوَايَةِ النَّسَائِيِّ أَنَّهُ كَسَرَ يَدَهَا فَيُحْمَلُ عَلَى أَنَّهَا أَرَادَت أَنه سيء الْخُلُقِ لَكِنَّهَا مَا تَعِيبُهُ بِذَلِكَ بَلْ بِشَيْءٍ آخَرَ وَكَذَا وَقَعَ فِي قِصَّةِ حَبِيبَةَ بِنْتِ سَهْلٍ عِنْدَ أَبِي دَاوُدَ أَنَّهُ ضَرَبَهَا فَكَسَرَ بَعْضَهَا لَكِنْ لَمْ تَشْكُهُ وَاحِدَةً مِنْهُمَا بِسَبَبِ ذَلِكَ بَلْ وَقَعَ التَّصْرِيحُ بِسَبَبٍ آخَرَ وَهُوَ أَنَّهُ كَانَ دَمِيمَ الْخِلْقَةِ فَفِي حَدِيثِ عَمْرِو بْنِ شُعَيْبٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ جَدِّهِ عِنْدَ بن مَاجَهْ كَانَتْ حَبِيبَةُ بِنْتُ سَهْلٍ عِنْدَ ثَابِتِ بْنِ قَيْسٍ وَكَانَ رَجُلًا دَمِيمًا فَقَالَتْ وَاللَّهِ لَوْلَا مَخَافَةُ اللَّهِ إِذَا دَخَلَ عَلَيَّ لَبَصَقْتُ فِي وَجْهِهِ وَأَخْرَجَ عَبْدُ الرَّزَّاقِ عَنْ مَعْمَرٍ قَالَ بَلَغَنِي أَنَّهَا قَالَتْ يَا رَسُولَ اللَّهِ بِي مِنَ الْجَمَالِ مَا تَرَى وَثَابِتٌ رَجُلٌ دَمِيمٌ وَفِي رِوَايَةِ مُعْتَمِرِ بْنِ سُلَيْمَانَ عَنْ فُضَيْلٍ عَنْ أَبِي جَرِيرٍ عَنْ عِكْرِمَةَ عَنِ بن عَبَّاسٍ أَوَّلُ خُلْعٍ كَانَ فِي الْإِسْلَامِ امْرَأَةُ ثَابِتِ بْنِ قَيْسٍ أَتَتِ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَتْ يَا رَسُولَ اللَّهِ لَا يَجْتَمِعُ رَأْسِي وَرَأْسُ ثَابِتٍ أَبَدًا إِنِّي رَفَعْتُ جَانِبَ الْخِبَاءِ فَرَأَيْتُهُ أَقْبَلَ فِي عِدَّةٍ فَإِذَا هُوَ أَشَدُّهُمْ سَوَادًا وَأَقْصَرُهُمْ قَامَةً وَأَقْبَحُهُمْ وَجْهًا فَقَالَ أَتَرُدِّينَ عَلَيْهِ حَدِيقَتَهُ قَالَتْ نَعَمْ وَإِنْ شَاءَ زِدْتُهُ فَفَرَّقَ بَيْنَهُمَا .

     قَوْلُهُ  وَلَكِنِّي أَكْرَهُ الْكُفْرَ فِي الْإِسْلَامِ أَيْ أَكْرَهُ إِنْ أَقَمْتُ عِنْدَهُ أَنْ أَقَعَ فِيمَا يَقْتَضِي الْكُفْرَ وَانْتَفَى أَنَّهَا أَرَادَتْ أَنْ يَحْمِلَهَا عَلَى الْكُفْرِ وَيَأْمُرَهَا بِهِ نِفَاقًا بِقَوْلِهَا لَا أَعْتُبُ عَلَيْهِ فِي دَيْنٍ فَتَعَيَّنَ الْحَمْلُ عَلَى مَا قُلْنَاهُ وَرِوَايَةُ جَرِيرِ بْنِ حَازِمٍ فِي أَوَاخِرِ الْبَابِ تُؤَيِّدُ ذَلِكَ حَيْثُ جَاءَ فِيهَا إِلَّا أَنِّي أَخَافُ الْكُفْرَ وَكَأَنَّهَا أَشَارَتْ إِلَى أَنَّهَا قَدْ تَحْمِلُهَا شِدَّةُ كَرَاهَتِهَا لَهُ عَلَى إِظْهَارِ الْكُفْرِ لِيَنْفَسِخَ نِكَاحُهَا مِنْهُ وَهِيَ كَانَتْ تَعْرِفُ أَنَّ ذَلِكَ حَرَامٌ لَكِنْ خَشِيَتْ أَنْ تَحْمِلَهَا شِدَّةُ الْبُغْضِ عَلَى الْوُقُوعِ فِيهِ وَيُحْتَمَلُ أَنْ تُرِيدَ بِالْكُفْرِ كُفْرَانُ الْعَشِيرِ إِذْ هُوَ تَقْصِيرُ الْمَرْأَةِ فِي حَقِّ الزَّوْجِ.

     وَقَالَ  الطِّيبِيُّ الْمَعْنَى أَخَافُ عَلَى نَفْسِي فِي الْإِسْلَامِ مَا يُنَافِي حُكْمَهُ مِنْ نُشُوزٍ وَفَرْكٍ وَغَيْرِهِ مِمَّا يُتَوَقَّعُ مِنَ الشَّابَّةِ الْجَمِيلَةِ الْمُبْغِضَةِ لِزَوْجِهَا إِذَا كَانَ بِالضِّدِّ مِنْهَا فَأَطْلَقَتْ عَلَى مَا يُنَافِي مُقْتَضَى الْإِسْلَامِ الْكُفْرَ وَيُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ فِي كَلَامِهَا إِضْمَارٌ أَيْ إِكْرَاهُ لَوَازِمِ الْكُفْرِ مِنَ الْمُعَادَاةِ وَالشِّقَاقِ وَالْخُصُومَةِ وَوَقَعَ فِي رِوَايَةِ إِبْرَاهِيمَ بْنِ طَهْمَانَ وَلَكِنِّي لَا أُطِيقُهُ وَفِي رِوَايَةِ الْمُسْتَمْلِي وَلَكِنْ وَقَدْ تَقَدَّمَ مَا فِيهِ .

     قَوْلُهُ  أَتَرُدِّينَ فِي رِوَايَةِ إِبْرَاهِيمَ بْنِ طَهْمَانَ فَتَرُدِّينَ وَالْفَاءُ عَاطِفَةٌ عَلَى مُقَدَّرٍ مَحْذُوفٍ وَفِي رِوَايَةِ جَرِيرِ بْنِ حَازِمٍ تَرُدِّينَ وَهِيَ اسْتِفْهَامٌ مَحْذُوفُ الْأَدَاةِ كَمَا دَلَّتْ عَلَيْهِ الرِّوَايَةُ الْأُخْرَى .

     قَوْلُهُ  حَدِيقَتَهُ أَيْ بُسْتَانَهُ وَوَقَعَ فِي حَدِيثِ عُمَرَ أَنَّهُ كَانَ أَصْدَقَهَا الْحَدِيقَةَ الْمَذْكُورَةَ وَلَفْظُهُ وَكَانَ تَزَوَّجَهَا عَلَى حَدِيقَةِ نَخْلٍ .

     قَوْلُهُ  قَالَتْ نَعَمْ زَادَ فِي حَدِيثِ عُمَرَ فَقَالَ ثَابِتٌ أَيَطِيبُ ذَلِكَ يَا رَسُولَ اللَّهِ قَالَ نَعَمْ .

     قَوْلُهُ  اقْبَلِ الْحَدِيقَةَ وَطَلِّقْهَا تَطْلِيقَةً هُوَ أَمْرُ إِرْشَادٍ وَإِصْلَاحٍ لَا إِيجَابٍ وَوَقَعَ فِي رِوَايَةِ جَرِيرِ بْنِ حَازِمٍ فَرُدَّتْ عَلَيْهِ وَأَمَرَهُ بِفِرَاقِهَا وَاسْتُدِلَّ بِهَذَا السِّيَاقِ عَلَى أَنَّ الْخُلْعَ لَيْسَ بِطَلَاقٍ وَفِيهِ نَظَرٌ فَلَيْسَ فِي الْحَدِيثِ مَا يُثْبِتُ ذَلِكَ وَلَا مَا يَنْفِيهِ فَإِنَّ قَوْلَهُ طَلِّقْهَا إِلَخْ يَحْتَمِلُ أَنْ يُرَادَ طَلِّقْهَا عَلَى ذَلِكَ فَيَكُونُ طَلَاقًا صَرِيحًا عَلَى عِوَضٍ وَلَيْسَ الْبَحْثُ فِيهِ إِنَّمَا الِاخْتِلَافُ فِيمَا إِذَا وَقَعَ لَفْظُ الْخُلْعِ أَوْ مَا كَانَ فِي حُكْمِهِ مِنْ غَيْرِ تَعَرُّضٍ لِطَلَاقٍ بِصَرَاحَةٍ وَلَا كِنَايَةٍ هَلْ يَكُونُ الْخُلْعُ طَلَاقًا وَفَسْخًا وَكَذَلِكَ لَيْسَ فِيهِ التَّصْرِيحِ بِأَنَّ الْخُلْعَ وَقَعَ قَبْلَ الطَّلَاقِ أَوْ بِالْعَكْسِ نَعَمْ فِي رِوَايَةِ خَالِدٍ الْمُرْسَلَةِ ثَانِيَةَ أَحَادِيثِ الْبَابِ فَرَدَّتْهَا وَأَمَرَهُ فَطَلَّقَهَا وَلَيْسَ صَرِيحًا فِي تَقْدِيمِ الْعَطِيَّةِ عَلَى الْأَمْرِ بِالطَّلَاقِ بَلْ يَحْتَمِلُ أَيْضًا أَنْ يَكُونَ الْمُرَادُ إِنْ أَعْطَتْكَ طَلِّقْهَا وَلَيْسَ فِيهِ أَيْضًا التَّصْرِيحُ بِوُقُوعِ صِيغَةِ الْخُلْعِ وَوَقَعَ فِي مُرْسَلِ أَبِي الزُّبَيْرِ عِنْدَ الدَّارَقُطْنِيِّ فَأَخَذَهَا لَهُ وَخَلَّى سَبِيلَهَا وَفِي حَدِيثِ حَبِيبَةَ بِنْتِ سَهْلٍ فَأَخَذَهَا مِنْهَا وَجَلَسَتْ فِي أَهْلِهَا لَكِنْ مُعْظَمُ الرِّوَايَات فِي الْبَاب تَسْمِيَته خُلْعًا فَفِي رِوَايَةِ عَمْرِو بْنِ مُسْلِمٍ عَنْ عِكْرِمَة عَن بن عَبَّاسٍ أَنَّهَا اخْتَلَعَتْ مِنْ زَوْجِهَا أَخْرَجَهُ أَبُو دَاوُدَ وَالتِّرْمِذِيُّ .

     قَوْلُهُ  قَالَ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ هُوَ الْبُخَارِيُّ .

     قَوْلُهُ  لَا يُتَابَعُ فِيهِ عَنِ بن عَبَّاسٍ أَيْ لَا يُتَابَعُ أَزْهَرُ بْنُ جَمِيلٍ عَن ذكر بن عَبَّاسٍ فِي هَذَا الْحَدِيثِ بَلْ أَرْسَلَهُ غَيْرُهُ وَمُرَادُهُ بِذَلِكَ خُصُوصُ طَرِيقِ خَالِدٍ الْحَذَّاءِ عَنْ عِكْرِمَة وَلِهَذَا عقبَة بِرِوَايَة خَالِد وَهُوَ بن عَبْدِ اللَّهِ الطَّحَّانُ عَنْ خَالِدٍ وَهُوَ الْحَذَّاءُ عَنْ عِكْرِمَةَ مُرْسَلًا ثُمَّ بِرِوَايَةِ إِبْرَاهِيمَ بْنِ طَهْمَانَ عَنْ خَالِدٍ الْحَذَّاءِ مُرْسَلًا وَعَنْ أَيُّوبَ مَوْصُولًا وَرِوَايَةُ إِبْرَاهِيمَ بْنِ طَهْمَانَ عَنْ أَيُّوبَ الموصولة وَصلهَا الْإِسْمَاعِيلِيّ





[ قــ :499 ... غــ :576] .

     قَوْلُهُ  حَدَّثَنَا قُرَادٌ بِضَمِّ الْقَافِ وَتَخْفِيفِ الرَّاءِ وَآخِرُهُ دَالٌ مُهْمَلَةٌ وَهُوَ لَقَبٌ وَاسْمُهُ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ غَزْوَانَ بِفَتْحِ الْمُعْجَمَةِ وَسُكُونِ الزَّايِ وَأَبُو نُوحٍ كُنْيَتُهُ وَهُوَ مِنْ كِبَارِ الْحُفَّاظِ وَثَّقُوهُ وَلَكِنْ خَطَّئُوهُ فِي حَدِيثٍ وَاحِدٍ حَدَّثَ بِهِ عَنِ اللَّيْثِ خُولِفَ فِيهِ وَلَيْسَ لَهُ فِي الْبُخَارِيِّ سِوَى هَذَا الْمَوْضِعِ وَوَقَعَ عِنْدَهُ فِي آخِرِهِ فَرُدَّتْ عَلَيْهِ وَأَمَرَهُ فَفَارَقَهَا كَذَا فِيهِ فَرَدَّتْ عَلَيْهِ بِحَذْفِ الْمَفْعُولِ وَالْمُرَادُ الْحَدِيقَةُ الَّتِي وَقَعَ ذِكْرُهَا وَوَقَعَ عِنْدَ الْإِسْمَاعِيلِيِّ مِنْ هَذَا الْوَجْه فَأمره أَن يَأْخُذ أَعْطَاهَا ويخلي سَبِيلهَا .

     قَوْلُهُ  فِي هَذِهِ الرِّوَايَةِ لَا أُطِيقُهُ تَقَدَّمَ بَيَانُهُ وَهُوَ فِي جَمِيعِ النُّسَخِ بِالْقَافِ وَذَكَرَ الْكِرْمَانِيُّ أَنَّ فِي بَعْضِهَا أُطِيعُهُ بِالْعَيْنِ الْمُهْمَلَةِ وَهُوَ تَصْحِيفٌ ثُمَّ أَشَارَ الْبُخَارِيُّ إِلَى أَنَّهُ اخْتُلِفَ عَلَى أَيُّوبَ أَيْضًا فِي وَصْلِ الْخَبَرِ وَإِرْسَالِهِ فَاتَّفَقَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ طَهْمَانَ وَجَرِيرُ بْنُ حَازِمٍ عَلَى وَصْلِهِ وَخَالَفَهُمَا حَمَّادُ بْنُ زَيْدٍ فَقَالَ عَنْ أَيُّوبَ عَنْ عِكْرِمَةَ مُرْسَلًا وَيُؤْخَذُ مِنْ إِخْرَاجِ الْبُخَارِيِّ هَذَا الْحَدِيثَ فِي الصَّحِيحِ فَوَائِدُ مِنْهَا أَنَّ الْأَكْثَرَ إِذَا وَصَلُوا وَأَرْسَلَ الْأَقَلُّ قُدِّمَ الْوَاصِلُ وَلَوْ كَانَ الَّذِي أَرْسَلَ أَحْفَظَ وَلَا يَلْزَمُ مِنْهُ أَنَّهُ تُقَدَّمُ رِوَايَةُ الْوَاصِلِ عَلَى الْمُرْسِلِ دَائِمًا وَمِنْهَا أَنَّ الرَّاوِيَ إِذَا لَمْ يَكُنْ فِي الدَّرَجَةِ الْعُلْيَا مِنَ الضَّبْطِ وَوَافَقَهُ مَنْ هُوَ مِثْلُهُ اعْتَضَدَ وَقَاوَمَتِ الرِّوَايَتَانِ رِوَايَةَ الضَّابِطِ الْمُتْقِنِ وَمِنْهَا أَنَّ أَحَادِيثَ الصَّحِيحِ مُتَفَاوِتَةُ الْمَرْتَبَةِ إِلَى صَحِيحٍ وَأَصَحَّ وَفِي الْحَدِيثِ مِنَ الْفَوَائِدِ غَيْرِ مَا تَقَدَّمَ أَنَّ الشِّقَاقَ إِذَا حَصَلَ مِنْ قِبَلِ الْمَرْأَةِ فَقَطْ جَازَ الْخُلْعُ وَالْفِدْيَةُ وَلَا يَتَقَيَّدُ ذَلِكَ بِوُجُودِهِ مِنْهُمَا جَمِيعًا وَأَنَّ ذَلِكَ يُشْرَعُ إِذَا كَرِهَتِ الْمَرْأَةُ عِشْرَةَ الرَّجُلِ وَلَوْ لَمْ يَكْرَهْهَا وَلَمْ يَرَ مِنْهَا مَا يَقْتَضِي فِرَاقَهَا.

     وَقَالَ  أَبُو قِلَابَةَ وَمُحَمَّدُ بْنُ سِيرِينَ لَا يَجُوزُ لَهُ أَخْذَ الْفِدْيَةِ مِنْهَا إِلَّا أَنْ يَرَى عَلَى بَطنهَا رجلا أخرجه بن أَبِي شَيْبَةَ وَكَأَنَّهُمَا لَمْ يَبْلُغْهُمَا الْحَدِيثُ وَاسْتَدَلَّ بن سِيرِينَ بِظَاهِرِ قَوْلِهِ تَعَالَى إِلَّا أَنْ يَأْتِينَ بِفَاحِشَة مبينَة وَتُعُقِّبَ بِأَنَّ آيَةَ الْبَقَرَةِ فَسَّرَتِ الْمُرَادَ بِذَلِكَ مَعَ مَا دَلَّ عَلَيْهِ الْحَدِيثُ ثُمَّ ظَهَرَ لي لما قَالَه بن سِيرِينَ تَوْجِيهٌ وَهُوَ تَخْصِيصُهُ بِمَا إِذَا كَانَ ذَلِكَ مِنْ قِبَلِ الرَّجُلِ بِأَنْ يَكْرَهَهَا وَهِيَ لَا تَكْرَهُهُ فَيُضَاجِرُهَا لِتَفْتَدِيَ مِنْهُ فَوَقَعَ النَّهْيُ عَنْ ذَلِكَ إِلَّا أَنْ يَرَاهَا عَلَى فَاحِشَةٍ وَلَا يَجِدُ بَيِّنَةً وَلَا يُحِبُّ أَنْ يَفْضَحَهَا فَيَجُوزُ حِينَئِذٍ أَنْ يَفْتَدِيَ مِنْهَا وَيَأْخُذَ مِنْهَا مَا تَرَاضَيَا عَلَيْهِ وَيُطَلِّقَهَا فَلَيْسَ فِي ذَلِكَ مُخَالَفَةٌ لِلْحَدِيثِ لِأَنَّ الْحَدِيثَ وَرَدَ فِيمَا إِذَا كَانَت الْكَرَاهَة من قبلهَا وَاخْتَارَ بن الْمُنْذِرِ أَنَّهُ لَا يَجُوزُ حَتَّى يَقَعَ الشِّقَاقُ بَيْنَهُمَا جَمِيعًا وَإِنْ وَقَعَ مِنْ أَحَدِهِمَا لَا يَنْدَفِعُ الْإِثْمُ وَهُوَ قَوِيٌّ مُوَافِقٌ لِظَاهِرِ الْآيَتَيْنِ وَلَا يُخَالِفُ مَا وَرَدَ فِيهِ وَبِهِ قَالَ طَاوُسٌ وَالشَّعْبِيُّ وَجَمَاعَةٌ مِنَ التَّابِعِينَ وَأَجَابَ الطَّبَرِيُّ وَغَيْرُهُ عَنْ ظَاهِرِ الْآيَةِ بِأَنَّ الْمَرْأَةَ إِذَا لَمْ تَقُمْ بِحُقُوقِ الزَّوْجِ الَّتِي أُمِرَتْ بِهَا كَانَ ذَلِكَ مُنَفِّرًا لِلزَّوْجِ عَنْهَا غَالِبًا وَمُقْتَضِيًا لِبُغْضِهِ لَهَا فَنَسَبَتِ الْمَخَافَةَ إِلَيْهِمَا لِذَلِكَ وَعَنِ الْحَدِيثِ بِأَنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَمْ يَسْتَفْسِرْ ثَابِتًا هَلْ أَنْتَ كَارِهُهَا كَمَا كَرِهَتْكَ أَمْ لَا وَفِيهِ أَنَّ الْمَرْأَةَ إِذَا سَأَلَتْ زَوْجَهَا الطَّلَاقَ عَلَى مَالٍ فَطَلَّقَهَا وَقَعَ الطَّلَاقُ فَإِنْ لَمْ يَقَعِ الطَّلَاقُ صَرِيحًا وَلَا نَوَيَاهُ فَفِيهِ الْخِلَافُ الْمُتَقَدِّمُ مِنْ قَبْلُ وَاسْتُدِلَّ لِمَنْ قَالَ بِأَنَّهُ فَسْخٌ بِمَا وَقَعَ فِي بَعْضِ طُرُقِ حَدِيثِ الْبَابِ مِنَ الزِّيَادَةِ فَفِي رِوَايَةِ عَمْرِو بْنِ مُسْلِمٍ عَنْ عِكْرِمَةَ عَنِ بن عَبَّاسٍ عِنْدَ أَبِي دَاوُدَ وَالتِّرْمِذِيِّ فِي قِصَّةِ امْرَأَةِ ثَابِتِ بْنِ قَيْسٍ فَأَمَرَهَا أَنْ تَعْتَدَّ بِحَيْضَة وَعند أبي دَاوُد وَالنَّسَائِيّ وبن مَاجَهْ مِنْ حَدِيثِ الرُّبَيِّعِ بِنْتِ مُعَوِّذٍ أَنَّ عُثْمَانَ أَمَرَهَا أَنْ تَعْتَدَّ بِحَيْضَةٍ قَالَ وَتَبِعَ عُثْمَانُ فِي ذَلِكَ قَضَاءَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي امْرَأَةِ ثَابِتِ بْنِ قَيْسٍ وَفِي رِوَايَةٍ لِلنَّسَائِيِّ وَالطَّبَرِيِّ مِنْ حَدِيثِ الرّبيع بنت معوذ أَن ثَابت بن قيس ضَرَبَ امْرَأَتَهُ فَذَكَرَ نَحْوَ حَدِيثِ الْبَابِ.

     وَقَالَ  فِي آخِرِهِ خُذِ الَّذِي لَهَا وَخَلِّ سَبِيلَهَا قَالَ نَعَمْ فَأَمَرَهَا أَنْ تَتَرَبَّصَ حَيْضَةً وَتَلْحَقَ بِأَهْلِهَا قَالَ الْخَطَّابِيُّ فِي هَذَا أَقْوَى دَلِيلٍ لِمَنْ قَالَ إِنَّ الْخُلْعَ فَسْخٌ وَلَيْسَ بِطَلَاقٍ إِذْ لَو كَانَ طَلَاقًا لَمْ تَكْتَفِ بِحَيْضَةٍ لِلْعِدَّةِ اه وَقَدْ قَالَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ إِنَّ الْخُلْعَ فَسْخٌ.

     وَقَالَ  فِي رِوَايَةٍ وَإِنَّهَا لَا تَحِلُّ لِغَيْرِ زَوْجِهَا حَتَّى يمْضِي ثَلَاثَةَ أَقْرَاءٍ فَلَمْ يَكُنْ عِنْدَهُ بَيْنَ كَوْنِهِ فَسْخًا وَبَيْنَ النَّقْصِ مِنَ الْعِدَّةِ تَلَازُمٌ وَاسْتُدِلَّ بِهِ عَلَى أَنَّ الْفِدْيَةَ لَا تَكُونُ إِلَّا بِمَا أَعْطَى الرَّجُلُ الْمَرْأَةَ عَيْنًا أَوْ قَدْرَهَا لِقَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَتَرُدِّينَ عَلَيْهِ حَدِيقَتَهُ وَقَدْ وَقَعَ فِي رِوَايَةِ سَعِيدٍ عَنْ قَتَادَة عَن عِكْرِمَة عَن بن عَبَّاس فِي آخر حَدِيث الْبَاب عِنْد بن مَاجَهْ وَالْبَيْهَقِيُّ فَأَمَرَهُ أَنْ يَأْخُذَ مِنْهَا وَلَا يَزْدَادُ وَفِي رِوَايَةِ عَبْدِ الْوَهَّابِ بْنِ عَطَاءٍ عَنْ سَعِيدٍ قَالَ أَيُّوبُ لَا أَحْفَظُ وَلَا تَزْدَدْ وَرَوَاهُ بن جريج عَن عَطاء مُرْسلا فَفِي رِوَايَة بن الْمُبَارَكِ وَعَبْدِ الْوَهَّابِ عَنْهُ أَمَّا الزِّيَادَةُ فَلَا زَاد بن الْمُبَارَكِ عَنْ مَالِكٍ وَفِي رِوَايَةِ الثَّوْرِيِّ وَكَرِهَ أَنْ يَأْخُذَ مِنْهَا أَكْثَرَ مِمَّا أَعْطَى ذَكَرَ ذَلِكَ كُلَّهُ الْبَيْهَقِيُّ قَالَ وَوَصَلَهُ الْوَلِيدُ بْنُ مُسلم عَن بن جريج بِذكر بن عَبَّاسٍ فِيهِ أَخْرَجَهُ أَبُو الشَّيْخُ قَالَ وَهُوَ غَيْرُ مَحْفُوظٍ يَعْنِي الصَّوَابُ إِرْسَالُهُ وَفِي مُرْسَلِ أَبِي الزُّبَيْرِ عِنْدَ الدَّارَقُطْنِيِّ وَالْبَيْهَقِيِّ أَتَرُدِّينَ عَلَيْهِ حَدِيقَتَهُ الَّتِي أَعْطَاكِ قَالَتْ نَعَمْ وَزِيَادَةً قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَمَّا الزِّيَادَةُ فَلَا وَلَكِنْ حَدِيقَتَهُ قَالَتْ نَعَمْ فَأَخَذَ مَالَهُ وَخَلَّى سَبِيلَهَا وَرِجَالُ إِسْنَادِهِ ثِقَاتٌ وَقَدْ وَقَعَ فِي بَعْضِ طُرُقِهِ سَمِعَهُ أَبُو الزُّبَيْرُ مِنْ غَيْرِ وَاحِدٍ فَإِنْ كَانَ فِيهِمْ صَحَابِيٌّ فَهُوَ صَحِيحٌ وَإِلَّا فَيُعْتَضَدُ بِمَا سَبَقَ لَكِنْ لَيْسَ فِيهِ دَلَالَةٌ عَلَى الشَّرْطِ فَقَدْ يَكُونُ ذَلِكَ وَقَعَ عَلَى سَبِيلِ الْإِشَارَةِ رِفْقًا بِهَا وَأَخْرَجَ عَبْدُ الرَّزَّاقِ عَنْ عَلِيٍّ لَا يَأْخُذُ مِنْهَا فَوْقَ مَا أَعْطَاهَا وَعَنْ طَاوُسٍ وَعَطَاءٍ وَالزُّهْرِيِّ مِثْلُهُ وَهُوَ قَوْلُ أَبِي حَنِيفَةَ وَأَحْمَدَ وَإِسْحَاقَ وَأَخْرَجَ إِسْمَاعِيلُ بْنُ إِسْحَاقَ عَنْ مَيْمُونِ بْنِ مِهْرَانَ مَنْ أَخَذَ أَكْثَرَ مِمَّا أَعْطَى لَمْ يُسَرِّحْ بِإِحْسَانٍ وَمُقَابِلُ هَذَا مَا أَخْرَجَ عَبْدُ الرَّزَّاقِ بِسَنَدٍ صَحِيحٍ عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيَّبِ قَالَ مَا أُحِبُّ أَنْ يَأْخُذَ مِنْهَا مَا أَعْطَاهَا لِيَدَعْ لَهَا شَيْئًا.

     وَقَالَ  مَالِكٌ لَمْ أَزَلْ أَسْمَعُ أَنَّ الْفِدْيَةَ تَجُوزُ بِالصَّدَاقِ وَبِأَكْثَرَ مِنْهُ لِقَوْلِهِ تَعَالَى فَلَا جُنَاحَ عَلَيْهِمَا فِيمَا افْتَدَتْ بِهِ وَلِحَدِيثِ حَبِيبَةَ بِنْتِ سَهْلٍ فَإِذَا كَانَ النُّشُوزُ من قبلهَا حل للزَّوْج اأخذ مِنْهَا بِرِضَاهَا وَإِنْ كَانَ مِنْ قِبَلِهِ لَمْ يَحِلَّ لَهُ وَيَرُدُّ عَلَيْهَا إِنْ أَخَذَ وَتَمْضِي الْفُرْقَةُ.

     وَقَالَ  الشَّافِعِيُّ إِذَا كَانَتْ غَيْرَ مُؤَدِّيَةٍ لِحَقِّهِ كَارِهَةً لَهُ حَلَّ لَهُ أَنْ يَأْخُذَ فَإِنَّهُ يَجُوزُ أَنْ يَأْخُذَ مِنْهَا مَا طَابَتْ بِهِ نَفْسًا بِغَيْرِ سَبَبٍ فَبِالسَّبَبِ أَوْلَى.

     وَقَالَ  إِسْمَاعِيلُ الْقَاضِي ادَّعَى بَعْضُهُمْ أَنَّ الْمُرَادَ بِقَوْلِهِ تَعَالَى فِيمَا افتدت بِهِ أَيْ بِالصَّدَاقِ وَهُوَ مَرْدُودٌ لِأَنَّهُ لَمْ يُقَيَّدْ فِي الْآيَةِ بِذَلِكَ وَفِيهِ أَنَّ الْخُلْعَ جَائِزٌ فِي الْحَيْضِ لِأَنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَمْ يَسْتَفْصِلْهَا أَحَائِضٌ هِيَ أَمْ لَا لَكِنْ يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ تَرَكَ ذَلِكَ لِسَبْقِ الْعِلْمِ بِهِ أَوْ كَانَ قَبْلَ تَقْرِيرِهِ فَلَا دَلَالَةَ فِيهِ لِمَنْ يَخُصُّهُ مِنْ مَنْعِ طَلَاقِ الْحَائِضِ وَهَذَا كُلُّهُ تَفْرِيعٌ عَلَى أَنَّ الْخُلْعَ طَلَاقٌ وَفِيهِ أَنَّ الْأَخْبَارَ الْوَارِدَةَ فِي تَرْهِيبِ الْمَرْأَةِ مِنْ طَلَبِ طَلَاقِ زَوْجِهَا مَحْمُولَةٌ عَلَى مَا إِذَا لَمْ يَكُنْ بِسَبَبٍ يَقْتَضِي ذَلِكَ لِحَدِيثِ ثَوْبَانَ أَيُّمَا امْرَأَةٍ سَأَلَتْ زَوْجَهَا الطَّلَاقَ فَحَرَامٌ عَلَيْهَا رَائِحَةُ الْجَنَّةِ رَوَاهُ أَصْحَاب السّنَن وَصَححهُ بن خُزَيْمَة وبن حِبَّانَ وَيَدُلُّ عَلَى تَخْصِيصِهِ .

     قَوْلُهُ  فِي بَعْضِ طُرُقِهِ مِنْ غَيْرِ مَا بَأْسٍ وَلِحَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ الْمُنْتَزِعَاتُ وَالْمُخْتَلِعَاتُ هُنَّ الْمُنَافِقَاتُ أَخْرَجَهُ أَحْمَدُ وَالنَّسَائِيُّ وَفِي صِحَّتِهِ نَظَرٌ لِأَنَّ الْحَسَنَ عِنْدَ الْأَكْثَرِ لَمْ يَسْمَعْ مِنْ أَبِي هُرَيْرَةَ لَكِنْ وَقَعَ فِي رِوَايَةِ النَّسَائِيِّ قَالَ الْحَسَنُ لَمْ أَسْمَعْ مِنْ أَبِي هُرَيْرَةَ غَيْرَ هَذَا الْحَدِيثِ وَقَدْ تَأَوَّلَهُ بَعْضُهُمْ عَلَى أَنَّهُ أَرَادَ لَمْ يَسْمَعْ هَذَا إِلَّا مِنْ حَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ وَهُوَ تَكَلُّفٌ وَمَا الْمَانِعُ أَنْ يَكُونَ سَمِعَ هَذَا مِنْهُ فَقَطْ وَصَارَ يُرْسِلُ عَنْهُ غَيْرَ ذَلِكَ فَتَكُونُ قِصَّتُهُ فِي ذَلِكَ كَقِصَّتِهِ مَعَ سَمُرَةَ فِي حَدِيثِ الْعَقِيقَةِ كَمَا يَأْتِي فِي بَابِهِ إِنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى وَقَدْ أَخْرَجَهُ سَعِيدُ بْنُ مَنْصُورٍ مِنْ وَجْهٍ آخَرَ عَنْ الْحَسَنِ مُرْسَلًا لَمْ يَذْكُرْ فِيهِ أَبَا هُرَيْرَةَ وَفِيهِ أَنَّ الصَّحَابِيَّ إِذَا أَفْتَى بِخِلَافِ مَا رَوَى أَنَّ الْمُعْتَبَرَ مَا رَوَاهُ لَا مَا رَآهُ لِأَن بن عَبَّاسٍ رَوَى قِصَّةَ امْرَأَةِ ثَابِتِ بْنِ قَيْسٍ الدَّالَّةَ عَلَى أَنَّ الْخُلْعَ طَلَاقٌ وَكَانَ يُفْتِي بِأَن الْخلْع لَيْسَ بِطَلَاق لَكِن ادّعى بن عبد الْبر شذوذ ذَلِك عَن بن عَبَّاسٍ إِذْ لَا يُعْرَفُ لَهُ أَحَدٌ نَقَلَ عَنهُ أَنه فسخ وَلَيْسَ بِطَلَاق الا طَاوس وَفِيهِ نَظَرٌ لِأَنَّ طَاوُسًا ثِقَةٌ حَافِظٌ فَقِيهٌ فَلَا يَضُرُّهُ تَفَرُّدُهُ وَقَدْ تَلَقَّى الْعُلَمَاءُ ذَلِكَ بِالْقَبُولِ وَلَا أَعْلَمُ مَنْ ذَكَرَ الِاخْتِلَافَ فِي الْمَسْأَلَة الا وَجزم أَن بن عَبَّاسٍ كَانَ يَرَاهُ فَسْخًا نَعَمْ أَخْرَجَ إِسْمَاعِيلُ القَاضِي بِسَنَد صَحِيح عَن بن أَبِي نَجِيحٍ أَنَّ طَاوُسًا لَمَّا قَالَ إِنَّ الْخُلْعَ لَيْسَ بِطَلَاقٍ أَنْكَرَهُ عَلَيْهِ أَهْلُ مَكَّةَ فَاعْتَذر.

     وَقَالَ  إِنَّمَا قَالَه بن عَبَّاسٍ قَالَ إِسْمَاعِيلُ لَا نَعْلَمُ أَحَدًا قَالَهُ غَيْرَهُ اه وَلَكِنَّ الشَّأْنَ فِي كَوْنِ قِصَّةِ ثَابِتٍ صَرِيحَةً فِي كَوْنِ الْخُلْعِ طَلَاقًا تَكْمِيلٌ نقل بن عَبْدِ الْبَرِّ عَنْ مَالِكٍ أَنَّ الْمُخْتَلِعَةَ هِيَ الَّتِي اخْتَلَعَتْ مِنْ جَمِيعِ مَالِهَا وَأَنَّ الْمُفْتَدِيَةَ الَّتِي افْتَدَتْ بِبَعْضِ مَالِهَا وَأَنَّ الْمُبَارِئَةَ الَّتِي بارأت زَوجهَا قبل الدُّخُول قَالَ بن عَبْدِ الْبَرِّ وَقَدْ يُسْتَعْمَلُ بَعْضُ ذَلِكَ مَوْضِعَ بعض