فهرس الكتاب

فتح الباري لابن حجر - باب خيار الأمة تحت العبد

( قَولُهُ بَابُ خِيَارِ الْأَمَةِ تَحْتَ الْعَبْدِ)
يَعْنِي إِذَا عَتَقَتْ وَهَذَا مَصِيرٌ مِنَ الْبُخَارِيِّ إِلَى تَرْجِيحِ قَوْلِ مَنْ قَالَ إِنَّ زَوْجَ بَرِيرَةَ كَانَ عَبْدًا وَقَدْ تَرْجَمَ فِي أَوَائِلِ النِّكَاحِ بِحَدِيثِ عَائِشَةَ فِي قِصَّةِ بَرِيرَةَ بَابُ الْحُرَّةِ تَحْتَ الْعَبْدِ وَهُوَ جَزْمٌ مِنْهُ أَيْضًا بِأَنَّهُ كَانَ عَبْدًا وَيَأْتِي بَيَانُ ذَلِكَ فِي الْبَابِ الَّذِي يَلِيهِ وَاعْترض عَلَيْهِ هُنَاكَ بن الْمُنِيرِ بِأَنَّهُ لَيْسَ فِي حَدِيثِ الْبَابِ أَنَّ زَوْجَهَا كَانَ عَبْدًا وَإِثْبَاتُ الْخِيَارِ لَهَا لَا يَدُلُّ لِأَنَّ الْمُخَالِفَ يَدَّعِي أَنْ لَا فَرْقَ فِي ذَلِكَ بَيْنَ الْحُرِّ وَالْعَبْدِ وَالْجَوَابُ أَنَّ الْبُخَارِيَّ جَرَى عَلَى عَادَتِهِ مِنَ الْإِشَارَةِ إِلَى مَا فِي بَعْضِ طُرُقِ الْحَدِيثِ الَّذِي يُورِدُهُ وَلَا شَكَّ أَنَّ قِصَّةَ بَرِيرَةَ لَمْ تَتَعَدَّدْ وَقَدْ رَجَحَ عِنْدَهُ أَنَّ زَوْجَهَا كَانَ عَبْدًا فَلِذَلِكَ جَزَمَ بِهِ وَاقْتَضَتِ التَّرْجَمَةُ بِطَرِيقِ الْمَفْهُومِ أَنَّ الْأَمَةَ إِذَا كَانَتْ تَحْتَ حُرٍّ فَعُتِقَتْ لَمْ يَكُنْ لَهَا خِيَارٌ وَقَدِ اخْتَلَفَ الْعُلَمَاءُ فِي ذَلِكَ فَذَهَبَ الْجُمْهُورُ إِلَى ذَلِكَ وَذَهَبَ الْكُوفِيُّونَ إِلَى إِثْبَاتِ الْخِيَارِ لِمَنْ عَتَقَتْ سَوَاءٌ كَانَتْ تَحْتَ حُرٍّ أَمْ عَبْدٍ وَتَمَسَّكُوا بِحَدِيثِ الْأَسْوَدِ بْنِ يَزِيدَ عَنْ عَائِشَةَ أَنَّ زَوْجَ بَرِيرَةَ كَانَ حُرًّا وَقَدِ اخْتُلِفَ فِيهِ عَلَى راوية هَلْ هُوَ مِنْ قَوْلِ الْأَسْوَدِ أَوْ رَوَاهُ عَنْ عَائِشَةَ أَوْ هُوَ قَوْلُ غَيْرِهِ كَمَا سَأُبَيِّنُهُ قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ أَبِي طَالِبٍ أَحَدُ حُفَّاظِ الْحَدِيثِ وَهُوَ مِنْ أَقْرَانِ مُسْلِمٍ فِيمَا أَخْرَجَهُ الْبَيْهَقِيُّ عَنْهُ خَالَفَ الْأَسْوَدُ النَّاسَ فِي زَوْجِ بَرِيرَةَ.

     وَقَالَ  الْإِمَامُ أَحْمَدُ إِنَّمَا يَصِحُّ أَنَّهُ كَانَ حُرًّا عَنِ الْأَسْوَدِ وَحْدَهُ وَمَا جَاءَ عَنْ غَيْرِهِ فَلَيْسَ بِذَاكَ وَصَحَّ عَنِ بن عَبَّاسٍ وَغَيْرِهِ أَنَّهُ كَانَ عَبْدًا وَرَوَاهُ عُلَمَاءُ الْمَدِينَةِ وَإِذَا رَوَى عُلَمَاءُ الْمَدِينَةِ شَيْئًا وَعَمِلُوا بِهِ فَهُوَ أَصَحُّ شَيْءٍ وَإِذَا عُتِقَتِ الْأَمَةُ تَحْتَ الْحُرِّ فَعَقْدُهَا الْمُتَّفَقُ عَلَى صِحَّتِهِ لَا يُفْسَخُ بِأَمْرٍ مُخْتَلَفٍ فِيهِ اه وَسَيَأْتِي مَزِيدٌ لِهَذَا بَعْدَ بَابَيْنِ وَحَاوَلَ بَعْضُ الْحَنَفِيَّةِ تَرْجِيحَ رِوَايَةِ مَنْ قَالَ كَانَ حُرًّا عَلَى رِوَايَةِ مَنْ قَالَ كَانَ عَبْدًا فَقَالَ الرِّقُّ تَعْقُبُهُ الْحُرِّيَّةُ بِلَا عَكْسٍ وَهُوَ كَمَا قَالَ لَكِنَّ مَحِلَّ طَرِيقِ الْجَمْعِ إِذَا تَسَاوَتِ الرِّوَايَاتُ فِي الْقُوَّةِ أَمَّا مَعَ التَّفَرُّدِ فِي مُقَابَلَةِ الِاجْتِمَاعِ فَتَكُونُ الرِّوَايَةُ الْمُنْفَرِدَةُ شَاذَّةً وَالشَّاذُّ مَرْدُودٌ وَلِهَذَا لَمْ يَعْتَبِرِ الْجُمْهُورُ طَرِيقَ الْجَمْعِ بَيْنَ الرِّوَايَتَيْنِ مَعَ قَوْلِهِمْ إِنَّهُ لَا يُصَارُ إِلَى التَّرْجِيحِ مَعَ إِمْكَانِ الْجَمْعِ وَالَّذِي يَتَحَصَّلُ مِنْ كَلَامِ مُحَقِّقِيهِمْ وَقَدْ أَكْثَرَ مِنْهُ الشَّافِعِيُّ وَمَنْ تَبِعَهُ أَنَّ مَحِلَّ الْجَمْعِ إِذَا لَمْ يَظْهَرِ الْغَلَطُ فِي إِحْدَى الرِّوَايَتَيْنِ وَمِنْهُمْ مَنْ شَرَطَ التَّسَاوِيَ فِي الْقُوَّة قَالَ بن بَطَّالٍ أَجْمَعَ الْعُلَمَاءُ أَنَّ الْأَمَةَ إِذَا عُتِقَتْ تَحْتَ عَبْدٍ فَإِنَّ لَهَا الْخِيَارَ وَالْمَعْنَى فِيهِ ظَاهِرٌ لِأَنَّ الْعَبْدَ غَيْرُ مُكَافِئٍ لِلْحُرَّةِ فِي أَكْثَرِ الْأَحْكَامِ فَإِذَا عَتَقَتْ ثَبَتَ لَهَا الْخِيَارُ مِنَ الْبَقَاءِ فِي عِصْمَتِهِ أَوِ الْمُفَارَقَةِ لِأَنَّهَا فِي وَقْتِ الْعَقْدِ عَلَيْهَا لَمْ تَكُنْ مِنْ أَهْلِ الِاخْتِيَارِ وَاحْتَجَّ مَنْ قَالَ إِنَّ لَهَا الْخِيَارَ وَلَوْ كَانَتْ تَحْتَ حُرٍّ بِأَنَّهَا عِنْدَ التَّزْوِيجِ لَمْ يَكُنْ لَهَا رَأْيٌ لِاتِّفَاقِهِمْ عَلَى أَنَّ لِمَوْلَاهَا أَنْ يُزَوِّجَهَا بِغَيْرِ رِضَاهَا فَإِذَا عَتَقَتْ تَجَدَّدَ لَهَا حَالٌ لَمْ يَكُنْ قَبْلَ ذَلِكَ وَعَارَضَهُمُ الْآخَرُونَ بِأَنَّ ذَلِكَ لَوْ كَانَ مُؤَثِّرًا لَثَبَتَ الْخِيَارُ لِلْبِكْرِ إِذَا زَوَّجَهَا أَبُوهَا ثُمَّ بَلَغَتْ رَشِيدَةً وَلَيْسَ كَذَلِكَ فَكَذَلِكَ الْأَمَةُ تَحْتَ الْحُرِّ فَإِنَّهُ لَمْ يَحْدُثْ لَهَا بِالْعِتْقِ حَال ترتقع بِهِ عَن الْحُرِّ فَكَانَتْ كَالْكِتَابِيَّةِ تُسْلِمُ تَحْتَ الْمُسْلِمِ وَاخْتُلِفَ فِي الَّتِي تَخْتَارُ الْفِرَاقَ هَلْ يَكُونُ ذَلِكَ طَلَاقًا أَوْ فَسْخًا فَقَالَ مَالِكٌ وَالْأَوْزَاعِيُّ وَاللَّيْثُ تَكُونُ طَلْقَةً بَائِنَةً وَثَبَتَ مِثْلُهُ عَنِ الْحَسَنِ وبن سِيرِين أخرجه بن أَبِي شَيْبَةَ.

     وَقَالَ  الْبَاقُونَ يَكُونُ فَسْخًا لَا طَلَاقا



[ قــ :4995 ... غــ :5280] قَوْله عَن بن عَبَّاسٍ قَالَ رَأَيْتُهُ عَبْدًا يَعْنِي زَوْجَ بَرِيرَةَ هَكَذَا أَوْرَدَهُ مُخْتَصَرًا مِنْ هَذَا الْوَجْهِ وَهُوَ لَفْظُ شُعْبَةَ وَكَذَا أَخْرَجَهُ الْإِسْمَاعِيلِيُّ مِنْ طَرِيقِ مِرْبَعٍ عَنْ أَبِي الْوَلِيدِ شَيْخِ الْبُخَارِيِّ فِيهِ عَنْ شُعْبَةَ وَحْدَهُ وَزَادَ الْإِسْمَاعِيلِيُّ مِنْ طَرِيقِ عَبْدِ الصَّمَدِ عَنْ شُعْبَةَ رَأَيْتُهُ يَبْكِي وَفِي رِوَايَةٍ لَهُ لَقَدْ رَأَيْتُهُ يَتْبَعُهَا.
وَأَمَّا لَفْظُ هَمَّامٍ فَأَخْرَجَهُ أَبُو دَاوُدَ مِنْ طَرِيقِ عَفَّانَ عَنْهُ بِلَفْظِ أَنَّ زَوْجَ بَرِيرَةَ كَانَ عَبْدًا أَسْوَدَ يُسَمَّى مُغِيثًا فَخَيَّرَهَا النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَأَمَرَهَا أَنْ تَعْتَدَّ وَسَاقَهُ أَحْمَدُ عَنْ عَفَّانَ عَنْ هَمَّامٍ مُطَوَّلًا وَفِيهِ أَنَّهَا تَعْتَدُّ عِدَّةَ الْحُرَّةِ ثُمَّ أَوْرَدَ الْبُخَارِيُّ الْحَدِيثَ مِنْ وَجْهَيْنِ عَنْ أَيُّوبَ عَنْ عِكْرِمَةَ عَنِ بن عَبَّاسٍ قَالَ فِي أَحَدِهِمَا ذَاكَ مُغِيثٌ عَبْدُ بَنِي فُلَانٍ يَعْنِي زَوْجَ بَرِيرَةَ وَفِي الْأُخْرَى كَانَ زَوْجُ بَرِيرَةَ عَبْدًا أَسْوَدَ يُقَالُ لَهُ مُغِيثٌ وَهَكَذَا جَاءَ مِنْ غَيْرِ وَجْهٍ أَنَّ اسْمَهُ مُغِيثٌ وَضُبِطَ فِي الْبُخَارِيِّ بِضَمِّ أَوَّلِهِ وَكَسْرِ الْمُعْجَمَةِ ثُمَّ تَحْتَانِيَّةٍ سَاكِنَةٍ ثُمَّ مُثَلَّثَةٍ وَوَقَعَ عِنْدَ الْعَسْكَرِيِّ بِفَتْحِ الْمُهْمَلَةِ وَتَشْدِيدِ التَّحْتَانِيَّةِ وَآخره مُوَحدَة وَالْأول أثبت وَبِه جزم بن مَاكُولَا وَغَيْرُهُ وَوَقَعَ عِنْدَ الْمُسْتَغْفِرِيِّ فِي الصَّحَابَةِ مِنْ طَرِيقِ مُحَمَّدِ بْنِ عَجْلَانَ عَنْ يَحْيَى بْنِ عُرْوَةَ عَنْ عُرْوَةَ عَنْ عَائِشَةَ فِي قِصَّةِ بَرِيرَةَ أَنَّ اسْمَ زَوْجِ بَرِيرَةَ مَقْسِمٌ وَمَا أَظُنُّهُ إِلَّا تَصْحِيفًا





[ قــ :4997 ... غــ :58] .

     قَوْلُهُ  عَبْدًا لِبَنِي فُلَانٍ عِنْدَ التِّرْمِذِيِّ مِنْ طَرِيقِ سَعِيدِ بْنِ أَبِي عَرُوبَةَ عَنْ أَيُّوبَ كَانَ عَبْدًا أَسْوَدَ لِبَنِيَّ الْمُغِيرَةِ وَفِي رِوَايَةِ هُشَيْمٍ عَنْ سَعِيدِ بْنِ مَنْصُورٍ وَكَانَ عَبْدًا لِآلِ الْمُغِيرَةِ مِنْ بَنِي مَخْزُومٍ وَوَقَعَ فِي الْمَعْرِفَةِ لِابْنِ مَنْدَهْ مُغِيثٌ مَوْلَى أَحْمَدَ بْنِ جَحْشٍ ثُمَّ سَاقَ الْحَدِيثَ مِنْ طَرِيقِ سَعِيدِ بْنِ أَبِي عَرُوبَةَ مِثْلَ مَا وَقَعَ فِي التِّرْمِذِيِّ لَكِنْ عِنْدَ أبي دَاوُد بِسَنَد فِيهِ بن إِسْحَاقَ وَهِيَ عِنْدَ مُغِيثٍ عَبْدٍ لِآلِ أَبِي أَحْمد.

     وَقَالَ  بن عَبْدِ الْبَرِّ مَوْلَى بَنِي مُطِيعٍ وَالْأَوَّلُ أَثْبَتُ لِصِحَّةِ إِسْنَادِهِ وَيَبْعُدُ الْجَمْعُ لِأَنَّ بَنِي الْمُغِيرَةِ من آل مَخْزُوم كَمَا فِي رِوَايَةِ هُشَيْمٍ وَبَنِي جَحْشٍ مِنْ أَسَدِ بْنِ خُزَيْمَةَ وَبَنِي مُطِيعٍ مِنْ آلِ عَدِيِّ بْنِ كَعْبٍ وَيُمْكِنُ أَنْ يُدَّعَى أَنَّهُ كَانَ مُشْتَركا بَينهم على بعده أَو انْتقل