فهرس الكتاب

فتح الباري لابن حجر - باب قول الله تعالى: {ولا تنكحوا المشركات حتى يؤمن، ولأمة مؤمنة خير من مشركة ولو أعجبتكم} [البقرة: 221]

( قَولُهُ بَابُ قَوْلِ اللَّهِ سُبْحَانَهُ وَلَا تَنْكِحُوا المشركات)
كَذَا لِلْأَكْثَرِ وَسَاقَ فِي رِوَايَةِ كَرِيمَةَ إِلَى قَوْله وَلَو اعجبتكم وَلَمْ يَبُتَّ الْبُخَارِيُّ حُكْمَ الْمَسْأَلَةِ لِقِيَامِ الِاحْتِمَالِ عِنْدَهُ فِي تَأْوِيلِهَا فَالْأَكْثَرُ أَنَّهَا عَلَى الْعُمُومِ وَإِنَّهَا خصت بِآيَةِ الْمَائِدَةِ وَعَنْ بَعْضِ السَّلَفِ أَنَّ الْمُرَادَ بالمشركات هُنَا عَبدة الْأَوْثَان وَالْمَجُوس حَكَاهُ بن الْمُنْذِرِ وَغَيْرُهُ ثُمَّ أَوْرَدَ الْمُصَنِّفُ فِيهِ قَوْلَ بن عُمَرَ فِي نِكَاحِ النَّصْرَانِيَّةِ وَقَوْلَهُ



[ قــ :5000 ... غــ :5285] لَا أَعْلَمُ مِنَ الْإِشْرَاكِ شَيْئًا أَكْثَرُ مِنْ أَنْ تَقُولَ الْمَرْأَةُ رَبُّهَا عِيسَى وَهَذَا مَصِيرٌ مِنْهُ إِلَى اسْتِمْرَارِ حُكْمِ عُمُومِ آيَةِ الْبَقَرَةِ فَكَأَنَّهُ يَرَى أَنَّ آيَةَ الْمَائِدَةِ مَنْسُوخَةٌ وَبِهِ جَزَمَ إِبْرَاهِيمُ الْحَرْبِيُّ وَرَدَّهُ النَّحَّاسُ فَحَمَلَهُ عَلَى التَّوَرُّعِ كَمَا سَيَأْتِي وَذَهَبَ الْجُمْهُورُ إِلَى أَنَّ عُمُومَ آيَةِ الْبَقَرَةِ خُصَّ بِآيَةِ الْمَائِدَةِ وَهِيَ .

     قَوْلُهُ  وَالْمُحْصَنَاتُ من الَّذين أُوتُوا الْكتاب من قبلكُمْ فَبَقِيَ سَائِرُ الْمُشْرِكَاتِ عَلَى أَصْلِ التَّحْرِيمِ وَعَنِ الشَّافِعِيِّ قَوْلٌ آخَرُ أَنَّ عُمُومَ آيَةِ الْبَقَرَةِ أُرِيد بِهِ خُصُوص آيَة الْمَائِدَة وَأطلق بن عَبَّاسٍ أَنَّ آيَةَ الْبَقَرَةِ مَنْسُوخَةٌ بِآيَةِ الْمَائِدَةِ وَقد قيل أَن بن عمر شَذَّ بذلك فَقَالَ بن الْمُنْذِرِ لَا يُحْفَظُ عَنْ أَحَدٍ مِنَ الْأَوَائِلِ أَنه حرم ذَلِك اه لَكِن أخرج بن أَبِي شَيْبَةَ بِسَنَدٍ حَسَنٍ أَنَّ عَطَاءً كَرِهَ نِكَاحَ الْيَهُودِيَّاتِ وَالنَّصْرَانِيَّاتِ.

     وَقَالَ  كَانَ ذَلِكَ وَالْمُسْلِمَاتُ قَلِيلٌ وَهَذَا ظَاهِرٌ فِي أَنَّهُ خَصَّ الْإِبَاحَةَ بِحَالٍ دُونَ حَالٍ.

     وَقَالَ  أَبُو عُبَيْدٍ الْمُسْلِمُونَ الْيَوْمَ عَلَى الرُّخْصَةِ وَرُوِيَ عَنْ عُمَرَ أَنَّهُ كَانَ يَأْمُرُ بِالتَّنَزُّهِ عَنْهُنَّ مِنْ غَيْرِ أَنْ يحرمهن وَزعم بن الْمُرَابِطِ تَبَعًا لِلنَّحَّاسِ وَغَيْرِهِ أَنَّ هَذَا مُرَادُ بن عُمَرَ أَيْضًا لَكِنَّهُ خِلَافُ ظَاهِرِ السِّيَاقِ لَكِنَّ الَّذِي احْتج بِهِ بن عُمَرَ يَقْتَضِي تَخْصِيصَ الْمَنْعِ بِمَنْ يُشْرِكُ مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ لَا مَنْ يُوَحِّدُ وَلَهُ أَنْ يَحْمِلَ آيَةَ الْحِلِّ عَلَى مَنْ لَمْ يُبَدِّلْ دِينَهُ مِنْهُمْ وَقَدْ فَصَّلَ كَثِيرٌ مِنَ الْعُلَمَاءِ كَالشَّافِعِيَّةِ بَيْنَ مَنْ دَخَلَ آبَاؤُهَا فِي ذَلِكَ الدِّينِ قَبْلَ التَّحْرِيفِ أَوِ النَّسْخِ أَوْ بَعْدَ ذَلِك وَهُوَ من جنس مَذْهَب بن عُمَرَ بَلْ يُمْكِنُ أَنْ يُحْمَلَ عَلَيْهِ وَتَقَدَّمَ بحث فِي ذَلِك فِي الْكَلَامِ عَلَى حَدِيثِ هِرَقْلَ فِي كِتَابِ الْإِيمَانِ فَذَهَبَ الْجُمْهُورُ إِلَى تَحْرِيمِ النِّسَاءِ الْمَجُوسِيَّاتِ وَجَاءَ عَن حُذَيْفَة أَنه تسرى بمجوسية أخرجه بن أَبِي شَيْبَةَ وَأَوْرَدَهُ أَيْضًا عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيَّبِ وَطَائِفَةٍ وَبِهِ قَالَ أَبُو ثَوْرٍ.

     وَقَالَ  بن بَطَّالٍ هُوَ مَحْجُوجٌ بِالْجَمَاعَةِ وَالتَّنْزِيلِ وَأُجِيبَ بِأَنَّهُ لَا إِجْمَاعَ مَعَ ثُبُوتِ الْخِلَافِ عَنْ بَعْضِ الصَّحَابَةِ وَالتَّابِعِينَ.
وَأَمَّا التَّنْزِيلُ فَظَاهِرُهُ أَنَّ الْمَجُوسَ لَيْسُوا أَهْلَ كِتَابٍ لِقَوْلِهِ تَعَالَى أَنْ تَقُولُوا إِنَّمَا أُنْزِلَ الْكِتَابُ عَلَى طَائِفَتَيْنِ مِنْ قَبْلِنَا لَكِنْ لَمَّا أَخَذَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْجِزْيَةَ مِنَ الْمَجُوسِ دَلَّ عَلَى أَنَّهُمْ أهل كتاب فَكَانَ الْقيَاس أَن تجْرِي عَلَيْهِمْ بَقِيَّةُ أَحْكَامِ الْكِتَابِيِّينَ لَكِنْ أُجِيبَ عَنْ أَخْذِ الْجِزْيَةِ مِنَ الْمَجُوسِ أَنَّهُمُ اتَّبَعُوا فِيهِمُ الْخَيْر وَلَمْ يَرِدْ مِثْلُ ذَلِكَ فِي النِّكَاحِ وَالذَّبَائِحِ وَسَيَأْتِي تَعَرُّضٌ لِذَلِكَ فِي كِتَابِ الذَّبَائِحِ إِنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى