فهرس الكتاب

فتح الباري لابن حجر - باب إذا أسلمت المشركة أو النصرانية تحت الذمي أو الحربي

(قَولُهُ بَابُ إِذَا أَسْلَمَتِ الْمُشْرِكَةُ أَوِ النَّصْرَانِيَّةُ تَحْتَ الذِّمِّيِّ أَوِ الْحَرْبِيِّ)
كَذَا اقْتَصَرَ عَلَى ذِكْرِ النَّصْرَانِيَّةِ وَهُوَ مِثَالٌ وَإِلَّا فَالْيَهُودِيَّةُ كَذَلِكَ فَلَوْ عَبَّرَ بِالْكِتَابِيَّةِ لَكَانَ أَشْمَلَ وَكَأَنَّهُ رَاعَى لَفْظَ الْأَثَرِ الْمَنْقُولِ فِي ذَلِكَ وَلَمْ يَجْزِمْ بِالْحُكْمِ لِإِشْكَالِهِ بَلْ أَوْرَدَ التَّرْجَمَةَ مَوْرِدَ السُّؤَالِ فَقَطْ وَقَدْ جَرَتْ عَادَتُهُ أَنَّ دَلِيلَ الْحُكْمِ إِذَا كَانَ مُحْتَمِلًا لَا يَجْزِمُ بِالْحُكْمِ وَالْمُرَادُ بِالتَّرْجَمَةِ بَيَانُ حُكْمِ إِسْلَامِ الْمَرْأَةِ قَبْلَ زَوْجِهَا هَلْ تَقَعُ الْفُرْقَةُ بَيْنَهُمَا بِمُجَرَّدِ إِسْلَامِهَا أَوْ يَثْبُتُ لَهَا الْخِيَارُ أَوْ يُوقَفُ فِي الْعِدَّةِ فَإِنْ أَسْلَمَ اسْتَمَرَّ النِّكَاحُ وَإِلَّا وَقَعَتِ الْفُرْقَةُ بَيْنَهُمَا وَفِيهِ خِلَافٌ مَشْهُورٌ وَتَفَاصِيلُ يَطُولُ شَرْحُهَا وَمَيْلُ الْبُخَارِيِّ إِلَى أَنَّ الْفُرْقَةَ تَقَعُ بِمُجَرَّدِ الْإِسْلَامِ كَمَا سَأُبَيِّنُهُ .

     قَوْلُهُ  وقَال عَبْدُ الْوَارِثِ عَنْ خَالِدٍ هُوَ الْحذاء عَن عِكْرِمَة عَن بن عَبَّاسٍ لَمْ يَقَعْ لِي مَوْصُولًا عَنْ عَبْدِ الْوَارِث لَكِن أخرج بن أَبِي شَيْبَةَ عَنْ عَبَّادِ بْنِ الْعَوَّامِ عَنْ خَالِدٍ الْحَذَّاءِ نَحْوَهُ .

     قَوْلُهُ  إِذَا أَسْلَمَتِ النَّصْرَانِيَّةُ قَبْلَ زَوْجِهَا بِسَاعَةٍ حَرُمَتْ عَلَيْهِ وَهُوَ عَامٌّ فِي الْمَدْخُولِ بِهَا وَغَيْرِهَا وَلَكِنْ .

     قَوْلُهُ  حَرُمَتْ عَلَيْهِ لَيْسَ بِصَرِيحٍ فِي الْمُرَادِ وَوَقَعَ فِي رِوَايَة بن أَبِي شَيْبَةَ فَهِيَ أَمْلَكُ بِنَفْسِهَا وَأَخْرَجَ الطَّحَاوِيُّ من طَرِيق أَيُّوب عَن عِكْرِمَة عَن بن عَبَّاسٍ فِي الْيَهُودِيَّةِ أَوِ النَّصْرَانِيَّةِ تَكُونُ تَحْتَ الْيَهُودِيِّ أَوِ النَّصْرَانِيِّ فَتُسْلِمُ فَقَالَ يُفَرِّقُ بَيْنَهُمَا الْإِسْلَام يَعْلُو وَلَا يُعْلَى عَلَيْهِ وَسَنَدُهُ صَحِيحٌ .

     قَوْلُهُ  وقَال دَاوُد هُوَ بن أَبِي الْفُرَاتِ وَاسْمُ أَبِي الْفُرَاتِ عَمْرُو بْنُ الْفُرَات وَإِبْرَاهِيم الصَّائِغ هُوَ بن مَيْمُون قَوْله سُئِلَ عَطاء هُوَ بن أَبِي رَبَاحٍ عَنِ امْرَأَةٍ مِنْ أَهْلِ الْعَهْدِ أَسْلَمَتْ ثُمَّ أَسْلَمَ زَوْجُهَا فِي الْعِدَّةِ أَهِيَ امْرَأَتُهُ قَالَ لَا إِلَّا أَنْ تَشَاءَ هِيَ بِنِكَاح جَدِيد وصداق وَصله بن أَبِي شَيْبَةَ مِنْ وَجْهٍ آخَرَ عَنْ عَطَاءٍ بِمَعْنَاهُ وَهُوَ ظَاهِرٌ فِي أَنَّ الْفُرْقَةَ تَقَعُ بِإِسْلَامِ أَحَدِ الزَّوْجَيْنِ وَلَا تَنْتَظِرُ انْقِضَاءَ الْعِدَّةِ .

     قَوْلُهُ  وقَال مُجَاهِدٌ إِذَا أَسْلَمَ فِي الْعِدَّةِ يَتَزَوَّجهَا وَصله الطَّبَرِيّ من طَرِيق بن أَبِي نَجِيحٍ عَنْهُ .

     قَوْلُهُ  وقَال اللَّهُ إِلَخْ هَذَا ظَاهِرٌ فِي اخْتِيَارِهِ الْقَوْلَ الْمَاضِيَ فَإِنَّهُ كَلَامُ الْبُخَارِيِّ وَهُوَ اسْتِدْلَالٌ مِنْهُ لِتَقْوِيَةِ قَوْلِ عَطَاءٍ الْمَذْكُورِ فِي هَذَا الْبَابِ وَهُوَ مُعَارِضٌ فِي الظَّاهِر لروايته عَن بن عَبَّاسٍ فِي الْبَابِ الَّذِي قَبْلَهُ وَهِيَ .

     قَوْلُهُ  لَمْ تُخْطَبْ حَتَّى تَحِيضَ وَتَطْهُرَ وَيُمْكِنُ الْجَمْعُ بَيْنَهُمَا لِأَنَّهُ كَمَا يَحْتَمِلُ أَنْ يُرِيدَ بِقَوْلِهِ لَمْ تُخْطَبْ حَتَّى تَحِيضَ وَتَطْهُرَ انْتِظَارَ إِسْلَامِ زَوْجِهَا مَا دَامَتْ فِي عِدَّتِهَا يَحْتَمِلُ أَيْضًا أَنَّ تَأْخِيرَ الْخِطْبَةِ إِنَّمَا هُوَ لِكَوْنِ الْمُعْتَدَّةِ لَا تُخْطَبُ مَا دَامَتْ فِي الْعِدَّةِ فَعَلَى هَذَا الثَّانِي لَا يَبْقَى بَيْنَ الْخَبَرَيْنِ تَعَارُضٌ وبظاهر قَول بن عَبَّاسٍ فِي هَذَا وَعَطَاءٍ قَالَ طَاوُسٌ وَالثَّوْرِيُّ وفقهاء الْكُوفَة وَوَافَقَهُمْ أَبُو ثَوْر وَاخْتَارَهُ بن الْمُنْذِرِ وَإِلَيْهِ جَنَحَ الْبُخَارِيُّ وَشَرَطَ أَهْلُ الْكُوفَةِ وَمَنْ وَافَقَهُمْ أَنْ يُعْرَضَ عَلَى زَوْجِهَا الْإِسْلَامَ فِي تِلْكَ الْمُدَّةِ فَيَمْتَنِعُ إِنْ كَانَا مَعًا فِي دَارِ الْإِسْلَامِ وَبِقَوْلِ مُجَاهِدٍ قَالَ قَتَادَةُ وَمَالِكٌ وَالشَّافِعِيُّ وَأَحْمَدُ وَإِسْحَاقُ وَأَبُو عُبَيْدٍ وَاحْتَجَّ الشَّافِعِيُّ بِقِصَّةِ أَبِي سُفْيَانَ لَمَّا أَسْلَمَ عَامَ الْفَتْحِ بِمَرِّ الظَّهْرَانِ فِي لَيْلَةِ دُخُولِ الْمُسْلِمِينَ مَكَّةَ فِي الْفَتْحِ كَمَا تَقَدَّمَ فِي الْمَغَازِي فَإِنَّهُ لَمَّا دَخَلَ مَكَّةَ أَخَذَتِ امْرَأَتُهُ هِنْدُ بنت عقبَة بِلِحْيَتِهِ وَأَنْكَرَتْ عَلَيْهِ إِسْلَامَهُ فَأَشَارَ عَلَيْهَا بِالْإِسْلَامِ فَأَسْلَمَتْ بَعْدُ وَلَمْ يُفَرَّقْ بَيْنَهُمَا وَلَا ذَكَرَ تَجْدِيدَ عَقْدٍ وَكَذَا وَقَعَ لِجَمَاعَةٍ مِنَ الصَّحَابَةِ أَسْلَمَتْ نِسَاؤُهُمْ قَبْلَهُمْ كَحَكِيمِ بْنِ حِزَامٍ وَعِكْرِمَةَ بْنِ أَبِي جَهْلٍ وَغَيْرِهِمَا وَلَمْ يُنْقَلْ أَنَّهُ جُدِّدَتْ عُقُودُ أَنْكِحَتِهِمْ وَذَلِكَ مَشْهُورٌ عِنْدَ أَهْلِ الْمَغَازِي لَا اخْتِلَافَ بَيْنَهُمْ فِي ذَلِكَ إِلَّا أَنَّهُ مَحْمُولٌ عِنْدَ الْأَكْثَرِ عَلَى أَنَّ إِسْلَامَ الرَّجُلِ وَقَعَ قَبْلَ انْقِضَاءِ عِدَّةِ الْمَرْأَةِ الَّتِي أَسْلَمَتْ قَبْلَهُ.
وَأَمَّا مَا أَخْرَجَ مَالِكٌ فِي الْمُوَطَّأِ عَنِ الزُّهْرِيِّ قَالَ لَمْ يَبْلُغْنَا أَنَّ امْرَأَةً هَاجَرَتْ وَزَوْجُهَا مُقِيمٌ بِدَارِ الْحَرْبِ إِلَّا فَرَّقَتْ هِجْرَتُهَا بَيْنَهَا وَبَيْنَ زَوْجِهَا فَهَذَا مُحْتَمِلٌ لِلْقَوْلَيْنِ لِأَنَّ الْفُرْقَةَ يَحْتَمِلُ أَنْ تَكُونَ قَاطِعَةً وَيَحْتَمِلُ أَنْ تَكُونَ مَوْقُوفَةً وَأَخْرَجَ حَمَّادُ بْنُ سَلَمَةَ وَعَبْدُ الرَّزَّاقِ فِي مُصَنَّفَيْهِمَا بِإِسْنَادٍ صَحِيحٍ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ يَزِيدَ الْخَطْمِيِّ أَنَّ نَصْرَانِيًّا أَسْلَمَتِ امْرَأَتُهُ فَخَيَّرَهَا عُمَرُ إِنْ شَاءَتْ فَارَقَتْهُ وَإِنْ شَاءَتْ أَقَامَتْ عَلَيْهِ .

     قَوْلُهُ  وقَال الْحَسَنُ وَقَتَادَةُ فِي مَجُوسِيَّيْنِ أَسْلَمَا هُمَا عَلَى نِكَاحِهِمَا فَإِذَا سَبَقَ أَحَدُهُمَا صَاحِبَهُ بِالْإِسْلَامِ لَا سَبِيلَ لَهُ عَلَيْهَا أَمَّا أَثَرُ الْحَسَنِ فَوَصَلَهُ بن أَبِي شَيْبَةَ بِسَنَدٍ صَحِيحٍ عَنْهُ بِلَفْظِ فَإِنْ أَسْلَمَ أَحَدُهُمَا قَبْلَ صَاحِبِهِ فَقَدِ انْقَطَعَ مَا بَيْنَهُمَا مِنَ النِّكَاحِ وَمِنْ وَجْهٍ آخَرَ صَحِيحٍ عَنْهُ بِلَفْظِ فَقَدْ بَانَتْ مِنْهُ.
وَأَمَّا أَثَرُ قَتَادَة فوصله بن أبي شبية أَيْضًا بِسَنَدٍ صَحِيحٍ عَنْهُ بِلَفْظِ فَإِذَا سَبَقَ أَحَدُهُمَا صَاحِبَهُ بِالْإِسْلَامِ فَلَا سَبِيلَ لَهُ عَلَيْهَا إِلَّا بِخِطْبَةٍ وَأَخْرَجَ أَيْضًا عَنْ عِكْرِمَةَ وَكِتَابُ عُمَرَ بْنِ عَبْدِ الْعَزِيزِ نَحْوُ ذَلِكَ .

     قَوْلُهُ  وقَال بن جُرَيْجٍ.

قُلْتُ لِعَطَاءٍ امْرَأَةٌ مِنَ الْمُشْرِكِينَ جَاءَتْ إِلَى الْمُسْلِمِينَ أَيُعَاوَضُ زَوْجُهَا مِنْهَا وَقَعَ فِي رِوَايَة بن عَسَاكِرَ أَيُعَاضُ بِغَيْرِ وَاوٍ وَقَولُهُ لِقَوْلِهِ تَعَالَى واتوهم مَا أَنْفقُوا قَالَ لَا إِنَّمَا كَانَ ذَلِكَ بَيْنَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَبَيْنَ أَهْلِ الْعَهْدِ وَصله عبد الرَّزَّاق عَن بن جُرَيْجٍ قَالَ.

قُلْتُ لِعَطَاءٍ أَرَأَيْتَ الْيَوْمَ امْرَأَةً مِنْ أَهْلِ الشِّرْكِ فَذَكَرَهُ سَوَاءً وَعَنْ مَعْمَرٍ عَنِ الزُّهْرِيِّ نَحْوَ قَوْلِ مُجَاهِدٍ الْآتِي وَزَادَ وَقَدِ انْقَطَعَ ذَلِكَ يَوْمَ الْفَتْحِ فَلَا يُعَاوَضُ زَوْجُهَا مِنْهَا بِشَيْءٍ .

     قَوْلُهُ  وقَال مُجَاهِدٌ هَذَا كُلُّهُ فِي صُلْحٍ بَيْنَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَبَيْنَ قُرَيْش وَصله بن أبي حَاتِم من طَرِيق بن أَبِي نَجِيحٍ عَنْ مُجَاهِدٍ فِي قَوْلِهِ تَعَالَى وَاسْأَلُوا مَا أَنْفَقْتُمْ وَلْيَسْأَلُوا مَا أَنْفقُوا قَالَ مَنْ ذَهَبَ مِنْ أَزْوَاجِ الْمُسْلِمِينَ إِلَى الْكُفَّارِ فَلْيُعْطِهِمُ الْكُفَّارُ صَدُقَاتِهِنَّ وَلْيُمْسِكُوهُنَّ وَمَنْ ذَهَبَ مِنْ أَزْوَاجِ الْكُفَّارِ إِلَى أَصْحَابِ مُحَمَّدٍ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَكَذَلِكَ هَذَا كُلُّهُ فِي صُلْحٍ كَانَ بَيْنَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَبَيْنَ قُرَيْشٍ وَقَدْ تَقَدَّمَ فِي أَوَاخِرِ الشُّرُوطِ مِنْ وَجْهٍ آخَرَ عَنِ الزُّهْرِيِّ قَالَ بَلَغْنَا أَنَّ الْكُفَّارَ لَمَّا أَبَوْا أَنْ يُقِرُّوا بِمَا أَنْفَقَ الْمُسْلِمُونَ عَلَى أَزْوَاجِهِمْ أَيْ أَبَوْا أَنْ يَعْمَلُوا بِالْحُكْمِ الْمَذْكُورِ فِي الْآيَةِ وَهُوَ أَنَّ الْمَرْأَةَ إِذَا جَاءَتْ مِنَ الْمُشْرِكِينَ إِلَى الْمُسْلِمِينَ مُسْلِمَةً لَمْ يَرُدَّهَا الْمُسْلِمُونَ إِلَى زَوْجِهَا الْمُشْرِكِ بَلْ يُعْطُونَهُ مَا أُنْفِقَ عَلَيْهَا مِنْ صَدَاقٍ وَنَحْوِهِ وَكَذَا بِعَكْسِهِ فَامْتَثَلَ الْمُسْلِمُونَ ذَلِكَ وَأَعْطَوْهُمْ وَأَبَى الْمُشْرِكُونَ أَنْ يَمْتَثِلُوا ذَلِكَ فَحَبَسُوا مَنْ جَاءَتْ إِلَيْهِمْ مُشْرِكَةً وَلَمْ يُعْطُوا زَوْجَهَا الْمُسْلِمَ مَا أَنْفَقَ عَلَيْهَا فَلِهَذَا نَزَلَتْ وَإِنْ فَاتَكُمْ شَيْءٌ مِنْ أَزْوَاجِكُمْ إِلَى الْكُفَّارِ فَعَاقَبْتُمْ قَالَ وَالْعَقِبُ مَا يُؤَدِّي الْمُسْلِمُونَ إِلَى مَنْ هَاجَرَتِ امْرَأَتُهُ مِنَ الْكُفَّارِ إِلَى الْكُفَّارِ وَأَخْرَجَ هَذَا الْأَثر للطبري مِنْ طَرِيقِ يُونُسَ عَنِ الزُّهْرِيِّ وَفِيهِ فَلَوْ ذَهَبَتِ امْرَأَةٌ مِنْ أَزْوَاجِ الْمُؤْمِنِينَ إِلَى الْمُشْرِكِينَ رَدَّ الْمُؤْمِنُونَ إِلَى زَوْجِهَا النَّفَقَةَ الَّتِي أَنْفَقَ عَلَيْهَا مِنَ الْعَقَبِ الَّذِي بِأَيْدِيهِمُ الَّذِي أُمِرُوا أَنْ يَرُدُّوهُ عَلَى الْمُشْرِكِينَ مِنْ نَفَقَاتِهِمُ الَّتِي أَنْفَقُوا عَلَى أَزْوَاجِهِمُ اللَّاتِي آمَنَّ وَهَاجَرْنَ ثُمَّ رَدُّوا إِلَى الْمُشْرِكِينَ فَضْلًا إِنْ كَانَ بَقِيَ لَهُمْ وَوَقَعَ فِي الْأَصْلِ فَأَمَرَ أَنْ يُعْطَى مَنْ ذَهَبَ لَهُ زَوْجٌ مِنَ الْمُسْلِمِينَ مَا أَنْفَقَ مِنْ صَدَاقِ نِسَاءِ الْكُفَّارِ اللَّاتِي هَاجَرْنَ وَمَعْنَاهُ أَنَّ الْعَقَبَ الْمَذْكُورَ فِي قَوْلِهِ فَعَاقَبْتُمْ أَيْ أَصَبْتُمْ مِنْ صَدَقَاتِ الْمُشْرِكَاتِ عِوَضَ مَا فَاتَ مِنْ صَدَقَاتِ الْمُسْلِمَاتِ وَهَذَا تَفْسِيرُ الزُّهْرِيِّ.

     وَقَالَ  مُجَاهِدٌ أَيْ أَصَبْتُمْ غَنِيمَةً فَأَعْطُوا مِنْهَا وَبِهِ صَرَّحَ جَمَاعَةٌ مِنَ التَّابِعِينَ كَمَا أَخْرَجَهُ الطَّبَرِيُّ لَكِنْ حَمَلَهُ عَلَى مَا إِذَا لَمْ يَحْصُلْ مِنَ الْجِهَةِ الْأَوْلَى شَيْءٌ وَهُوَ حَمْلٌ حَسَنٌ وَقَولُهُ فِي آخِرِ الْخَبَرِ الْمَذْكُورِ وَمَا يَعْلَمُ أَنَّ أَحَدًا مِنَ الْمُهَاجِرَاتِ ارْتَدَّتْ بَعْدَ إِيمَانِهَا وَهَذَا النَّفْيُ لَا يَرُدُّهُ ظَاهِرُ مَا دَلَّتْ عَلَيْهِ الْآيَةُ وَالْقِصَّةُ لِأَنَّ مَضْمُونَ الْقِصَّةِ أَنَّ بَعْضَ أَزْوَاجِ الْمُسْلِمِينَ ذَهَبَتْ إِلَى زَوْجِهَا الْكَافِرِ فَأَبَى أَنْ يُعْطِيَ زَوْجَهَا الْمُسْلِمَ مَا أَنْفَقَ عَلَيْهَا فَعَلَى تَقْدِيرِ أَنْ تَكُونَ مُسْلِمَةً فَالنَّفْيُ مَخْصُوصٌ بِالْمُهَاجِرَاتِ فَيَحْتَمِلُ كَوْنُ مَنْ وَقَعَ مِنْهَا ذَلِكَ مِنْ غَيْرِ الْمُهَاجِرَاتِ كَالْأَعْرَابِيَّاتِ مَثَلًا أَوِ الْحَصْرِ عَلَى عُمُومِهِ فَتَكُونُ نَزَلَتْ فِي الْمَرْأَةِ الْمُشْرِكَةِ إِذَا كَانَتْ تَحْتَ مُسْلِمٍ مَثَلًا فَهَرَبَتْ مِنْهُ إِلَى الْكُفَّارِ وَيُؤَيِّدُهُ رِوَايَةُ يُونُسَ الْمَاضِيَةُ وَأخرج بن أَبِي حَاتِمٍ مِنْ طَرِيقِ أَشْعَثَ عَنِ الْحَسَنِ فِي قَوْلِهِ تَعَالَى وَإِنْ فَاتَكُمْ شَيْءٌ مِنْ ازواجكم قَالَ نَزَلَتْ فِي أُمِّ الْحَكَمِ بِنْتِ أَبِي سُفْيَانَ ارْتَدَّتْ فَتَزَوَّجَهَا رَجُلٌ ثَقَفِيٌّ وَلَمْ تَرْتَدَّ امْرَأَةٌ مِنْ قُرَيْشٍ غَيْرُهَا ثُمَّ أَسْلَمَتْ مَعَ ثَقِيفٍ حِينَ أَسْلَمُوا فَإِنْ ثَبَتَ هَذَا اسْتُثْنِيَ مِنَ الْحَصْرِ الْمَذْكُورِ فِي حَدِيثِ الزُّهْرِيِّ لِأَنَّ أُمَّ الْحَكَمِ هِيَ أُخْتُ أُمِّ حَبِيبَةَ زَوْجِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَقَدْ تَقَدَّمَ فِي حَدِيث بن عَبَّاسٍ أَنَّهَا كَانَتْ تَحْتَ عِيَاضِ بْنِ غَنْمٍ وَظَاهِرُ سِيَاقِهِ أَنَّهَا كَانَتْ عِنْدَ نُزُولِ قَوْلِهِ تَعَالَى وَلَا تمسكوا بعصم الكوافر مُشْرِكَةً وَأَنَّ عِيَاضَ بْنَ غَنْمٍ فَارَقَهَا لِذَلِكَ فَتَزَوَّجَهَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عُثْمَانَ الثَّقَفِيُّ فَهَذَا أَصَحُّ مِنْ رِوَايَةِ الْحَسَنِ تَنْبِيهٌ اسْتَطْرَدَ الْبُخَارِيُّ مِنْ أَصْلِ تَرْجَمَةِ الْبَابِ إِلَى شَيْءٍ مِمَّا يَتَعَلَّقُ بِشَرْحِ آيَةِ الِامْتِحَانِ فَذَكَرَ أَثَرَ عَطَاءٍ فِيمَا يَتَعَلَّقُ بِالْمُعَاوَضَةِ الْمُشَارِ إِلَيْهَا فِي الْآيَةِ بِقَوْلِهِ تَعَالَى وَإِنْ فَاتَكُمْ شَيْءٌ من ازواجكم إِلَى الْكفَّار فعاقبتم ثُمَّ ذَكَرَ أَثَرَ مُجَاهِدٍ الْمُقَوِّيَ لِدَعْوَى عَطَاءٍ أَنَّ ذَلِكَ كَانَ خَاصًّا بِذَلِكَ الْعَهْدِ الَّذِي وَقَعَ بَيْنَ الْمُسْلِمِينَ وَبَيْنَ قُرَيْشٍ وَأَنَّ ذَلِكَ انْقَطَعَ يَوْمَ الْفَتْحِ وَكَأَنَّهُ أَشَارَ بِذَلِكَ إِلَى أَنَّ الَّذِي وَقَعَ فِي ذَلِكَ الْوَقْتِ مِنْ تَقْرِيرِ الْمُسْلِمَةِ تَحْتَ الْمُشْرِكِ لِانْتِظَارِ إِسْلَامِهِ مَا دَامَتْ فِي الْعِدَّةِ مَنْسُوخٌ لِمَا دَلَّتْ عَلَيْهِ هَذِهِ الْآثَارُ مِنِ اخْتِصَاصِ ذَلِكَ بِأُولَئِكَ وَأَنَّ الْحُكْمَ بَعْدَ ذَلِكَ فِيمَنْ أَسْلَمَتْ أَنْ لَا تُقَرَّ تَحْتَ زَوْجِهَا الْمُشْرِكِ أَصْلًا وَلَوْ أَسْلَمَ وَهِيَ فِي الْعِدَّةِ وَقَدْ وَرَدَ فِي أَصْلِ الْمَسْأَلَةِ حَدِيثَانِ مُتَعَارِضَانِ أَحَدُهُمَا أَخْرَجَهُ أَحْمَدُ مِنْ طَرِيقِ مُحَمَّدِ بْنِ إِسْحَاقَ قَالَ حَدَّثَنِي دَاوُدُ بن الْحصين عَن عِكْرِمَة عَن بن عَبَّاسٍ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ رَدَّ ابْنَتَهُ زَيْنَبَ عَلَى أَبِي الْعَاصِ وَكَانَ إِسْلَامُهَا قَبْلَ إِسْلَامِهِ بِسِتِّ سِنِينَ عَلَى النِّكَاحِ الْأَوَّلِ وَلَمْ يُحْدِثْ شَيْئًا وَأَخْرَجَهُ أَصْحَابُ السُّنَنِ إِلَّا النَّسَائِيَّ.

     وَقَالَ  التِّرْمِذِيُّ لَا بَأْسَ بِإِسْنَادِهِ وَصَحَّحَهُ الْحَاكِمُ وَوَقَعَ فِي رِوَايَةِ بَعْضِهِمْ بَعْدَ سَنَتَيْنِ وَفِي أُخْرَى بَعْدَ ثَلَاثٍ وَهُوَ اخْتِلَافٌ جُمِعَ بَيْنَهُ عَلَى أَنَّ الْمُرَادَ بِالسِّتِّ مَا بَيْنَ هِجْرَةِ زَيْنَبَ وَإِسْلَامِهِ وَهُوَ بَيِّنٌ فِي الْمَغَازِي فَإِنَّهُ أُسِرَ بِبَدْرٍ فَأَرْسَلَتْ زَيْنَبُ مِنْ مَكَّةَ فِي فَدَائِهِ فَأُطْلِقَ لَهَا بِغَيْرِ فَدَاءٍ وَشَرَطَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَيْهِ أَنْ يُرْسِلَ لَهُ زَيْنَبَ فَوَفَّى لَهُ بِذَلِكَ وَإِلَيْهِ الْإِشَارَةُ فِي الْحَدِيثِ الصَّحِيحِ بِقَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي حَقِّهِ حَدَّثَنِي فَصَدَقَنِي وَوَعَدَنِي فَوَفَّى لِي وَالْمُرَادُ بِالسَّنَتَيْنِ أَوِ الثَّلَاثِ مَا بَيْنَ نُزُولِ قَوْلِهِ تَعَالَى لَا هن حل لَهُم وَقُدُومِهِ مُسْلِمًا فَإِنَّ بَيْنَهُمَا سَنَتَيْنِ وَأَشْهُرًا الْحَدِيثُ الثَّانِي أخرجه التِّرْمِذِيّ وبن مَاجَهْ مِنْ رِوَايَةِ حَجَّاجِ بْنِ أَرْطَاةَ عَنْ عَمْرِو بْنِ شُعَيْبٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ جَدِّهِ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ رَدَّ ابْنَتَهُ زَيْنَبَ عَلَى أَبِي الْعَاصِ بْنِ الرَّبِيعِ بِمَهْرٍ جَدِيدٍ وَنِكَاحٍ جَدِيدٍ قَالَ التِّرْمِذِيُّ وَفِي إِسْنَادِهِ مَقَالٌ ثُمَّ أَخْرَجَ عَنْ يَزِيدَ بْنِ هَارُون أَنه حدث بِالْحَدِيثين عَن بن إِسْحَاقَ وَعَنْ حَجَّاجِ بْنِ أَرْطَاةَ ثُمَّ قَالَ يزِيد حَدِيث بن عَبَّاسٍ أَقْوَى إِسْنَادًا وَالْعَمَلُ عَلَى حَدِيثِ عَمْرِو بْنِ شُعَيْبٍ يُرِيدُ عَمَلَ أَهْلِ الْعِرَاقِ.

     وَقَالَ  التِّرْمِذِيّ فِي حَدِيث بن عَبَّاسٍ لَا يُعْرَفُ وَجْهُهُ وَأَشَارَ بِذَلِكَ إِلَى أَنَّ رَدَّهَا إِلَيْهِ بَعْدَ سِتِّ سِنِينَ أَوْ بَعْدَ سَنَتَيْنِ أَوْ ثَلَاثٍ مُشْكِلٌ لِاسْتِبْعَادِ أَنْ تَبْقَى فِي الْعِدَّةِ هَذِهِ الْمُدَّةِ وَلَمْ يَذْهَبْ أحد إِلَى جَوَاز تَقْرِير الْمَسْأَلَة تَحْتَ الْمُشْرِكِ إِذَا تَأَخَّرَ إِسْلَامُهُ عَنْ إِسْلَامِهَا حَتَّى انْقَضَتْ عِدَّتُهَا وَمِمَّنْ نَقَلَ الْإِجْمَاعَ فِي ذَلِك بن عَبْدِ الْبَرِّ وَأَشَارَ إِلَى أَنَّ بَعْضَ أَهْلِ الظَّاهِرِ قَالَ بِجَوَازِهِ وَرَدِّهِ بِالْإِجْمَاعِ الْمَذْكُورِ وَتُعُقِّبَ بِثُبُوتِ الْخِلَافِ فِيهِ قَدِيمًا وَهُوَ مَنْقُولٌ عَنْ عَليّ وَعَن إِبْرَاهِيم النَّخعِيّ أخرجه بن أَبِي شَيْبَةَ عَنْهُمَا بِطُرُقٍ قَوِيَّةٍ وَبِهِ أَفْتَى حَمَّادٌ شَيْخُ أَبِي حَنِيفَةَ وَأَجَابَ الْخَطَّابِيُّ عَنِ الْإِشْكَالِ بِأَنَّ بَقَاءَ الْعِدَّةِ فِي تِلْكَ الْمُدَّةِ مُمْكِنٌ وَإِنْ لَمْ تَجْرِ الْعَادَةُ غَالِبًا بِهِ وَلَا سِيَّمَا إِذَا كَانَتِ الْمُدَّةُ إِنَّمَا هيَ سنتَانِ وَأشهر فَإِن الْحيض قد يبطيء عَنْ ذَوَاتِ الْأَقْرَاءِ لِعَارِضِ عِلَّةٍ أَحْيَانًا وَبِحَاصِلِ هَذَا أَجَابَ الْبَيْهَقِيُّ وَهُوَ أَوْلَى مَا يَعْتَمِدُ فِي ذَلِكَ وَحَكَى التِّرْمِذِيُّ فِي الْعِلَلِ الْمُفْرَدِ عَن البُخَارِيّ أَن حَدِيث بن عَبَّاسٍ أَصَحُّ مِنْ حَدِيثِ عَمْرِو بْنِ شُعَيْبٍ وَعِلَّتُهُ تَدْلِيسُ حَجَّاجِ بْنِ أَرْطَاةَ وَلَهُ عِلَّةٌ أَشَدُّ مِنْ ذَلِكَ وَهِيَ مَا ذَكَرَهُ أَبُو عُبَيْدٍ فِي كِتَابِ النِّكَاحِ عَنْ يَحْيَى الْقَطَّانِ أَنَّ حَجَّاجًا لَمْ يَسْمَعْهُ مِنْ عَمْرِو بْنِ شُعَيْبٍ وَإِنَّمَا حَمَلَهُ عَنِ الْعَزْرَمِيِّ وَالْعَزْرَمِيُّ ضَعِيفٌ جِدًّا وَكَذَا قَالَ أَحْمَدُ بَعْدَ تَخْرِيجِهِ قَالَ وَالْعَزْرَمِيُّ لَا يُسَاوِي حَدِيثُهُ شَيْئًا قَالَ وَالصَّحِيحُ إنَّهُمَا أَقرَأ على النِّكَاح الأول وجنح بن عَبْدِ الْبَرِّ إِلَى تَرْجِيحِ حَدِيثِ مَا دَلَّ عَلَيْهِ حَدِيثُ عَمْرِو بْنِ شُعَيْبٍ وَأَنَّ حَدِيثَ بن عَبَّاسٍ لَا يُخَالِفُهُ قَالَ وَالْجَمْعُ بَيْنَ الْحَدِيثَيْنِ أَوْلَى مِنْ إِلْغَاءِ أَحَدِهِمَا فَحَمَلَ قَوْلَهُ فِي حَدِيث بن عَبَّاسٍ بِالنِّكَاحِ الْأَوَّلِ أَيْ بِشُرُوطِهِ وَأَنَّ مَعْنَى قَوْلِهِ لَمْ يُحْدِثْ شَيْئًا أَيْ لَمْ يَزِدْ عَلَى ذَلِكَ شَيْئًا قَالَ وَحَدِيثُ عَمْرِو بْنِ شُعَيْبٍ تُعَضِّدُهُ الْأُصُولُ وَقَدْ صَرَّحَ فِيهِ بِوُقُوعِ عَقْدٍ جَدِيدٍ وَمَهْرٍ جَدِيدٍ وَالْأَخْذُ بِالصَّرِيحِ أَوْلَى من الْأَخْذ بالمحتمل وَيُؤَيِّدهُ مَذْهَب بن عَبَّاس المحكي عَنْهُ فِي أَوَّلِ الْبَابِ فَإِنَّهُ مُوَافِقٌ لِمَا دَلَّ عَلَيْهِ حَدِيثُ عَمْرِو بْنِ شُعَيْبٍ فَإِنْ كَانَتِ الرِّوَايَةُ الْمُخَرَّجَةُ عَنْهُ فِي السُّنَنِ ثَابِتَةً فَلَعَلَّهُ كَانَ يَرَى تَخْصِيصَ مَا وَقَعَ فِي قِصَّةِ أَبِي الْعَاصِ بِذَلِكَ الْعَهْدِ كَمَا جَاءَ ذَلِكَ عَنْ أَتْبَاعِهِ كَعَطَاءٍ وَمُجَاهِدٍ وَلِهَذَا أَفْتَى بِخِلَافِ ظَاهِرِ مَا جَاءَ عَنْهُ فِي ذَلِكَ الْحَدِيثِ عَلَى أَنَّ الْخَطَّابِيَّ قَالَ فِي إِسْنَادِ حَدِيث بن عَبَّاسٍ هَذِهِ نُسْخَةٌ ضَعَّفَهَا عَلِيُّ بْنُ الْمَدِينِيِّ وَغَيْرُهُ مِنْ عُلَمَاءِ الْحَدِيثِ يُشِيرُ إِلَى أَنَّهُ مِنْ رِوَايَةِ دَاوُدَ بْنِ الْحُصَيْنِ عَنْ عِكْرِمَةَ قَالَ وَفِي حَدِيثِ عَمْرِو بْنِ شُعَيْبٍ زِيَادَةٌ لَيست فِي حَدِيث بن عَبَّاسٍ وَالْمُثْبِتُ مُقَدَّمٌ عَلَى النَّافِي غَيْرَ أَنَّ الْأَئِمَّة رجحوا إِسْنَاد حَدِيث بن عَبَّاس أه وَالْمُعْتَمد تَرْجِيح إِسْنَاد حَدِيث بن عَبَّاسٍ عَلَى حَدِيثِ عَمْرِو بْنِ شُعَيْبٍ لِمَا تقدم وَلَا مَكَان حمل حَدِيث بن عَبَّاسٍ عَلَى وَجْهٍ مُمْكِنٍ وَادَّعَى الطَّحَاوِيُّ أَنَّ حَدِيث بن عَبَّاسٍ مَنْسُوخٌ وَأَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ رَدَّ ابْنَتَهُ عَلَى أَبِي الْعَاصِ بَعْدَ رُجُوعِهِ مِنْ بَدْرٍ لَمَّا أُسِرَ فِيهَا ثُمَّ افْتَدَى وَأُطْلِقَ وَأَسْنَدَ ذَلِكَ عَنِ الزُّهْرِيِّ وَفِيهِ نَظَرٌ فَإِنْ ثَبَتَ عَنْهُ فَهُوَ مُؤَوَّلٌ لِأَنَّهَا كَانَتْ مُسْتَقِرَّةً عِنْدَهُ بِمَكَّةَ وَهِيَ الَّتِي أَرْسَلَتْ فِي افْتِدَائِهِ كَمَا هُوَ مَشْهُورٌ فِي الْمَغَازِي فَيَكُونُ مَعْنَى قَوْلِهِ رَدَّهَا أَقَرَّهَا وَكَانَ ذَلِكَ قَبْلَ التَّحْرِيمِ وَالثَّابِتُ أَنَّهُ لَمَّا أُطْلِقَ اشْتُرِطَ عَلَيْهِ أَنْ يُرْسِلَهَا فَفَعَلَ كَمَا تَقَدَّمَ وَإِنَّمَا رَدَّهَا عَلَيْهِ حَقِيقَةً بَعْدَ إِسْلَامِهِ ثُمَّ حَكَى الطَّحَاوِيُّ عَنْ بَعْضِ أَصْحَابِهِمْ أَنَّهُ جَمَعَ بَيْنَ الْحَدِيثَيْنِ بِطَرِيقٍ أُخْرَى وَهِيَ أَنَّ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عَمْرٍو كَانَ قَدِ اطَّلَعَ عَلَى تَحْرِيمِ نِكَاحِ الْكُفَّارِ بَعْدَ أَنْ كَانَ جَائِزًا فَلِذَلِكَ قَالَ رَدَّهَا عَلَيْهِ بِنِكَاحٍ جَدِيدٍ وَلَمْ يَطَّلِعِ بن عَبَّاسٍ عَلَى ذَلِكَ فَلِذَلِكَ قَالَ رَدَّهَا بِالنِّكَاحِ الْأَوَّلِ وَتُعُقِّبَ بِأَنَّهُ لَا يَظُنُّ بِالصَّحَابَةِ أَنْ يَجْزِمُوا بِحُكْمٍ بِنَاءً عَلَى أَنَّ الْبِنَاءَ بِشَيْءٍ قَدْ يَكُونُ الْأَمْرُ بِخِلَافِهِ وَكَيْفَ يُظَنُّ بِابْنِ عَبَّاسٍ أَنْ يَشْتَبِهَ عَلَيْهِ نُزُولُ آيَةِ الْمُمْتَحِنَةِ وَالْمَنْقُولُ مِنْ طُرُقٍ كَثِيرَةٍ عَنْهُ يَقْتَضِي إِطْلَاعَهُ عَلَى الْحُكْمِ الْمَذْكُورِ وَهُوَ تَحْرِيمُ اسْتِقْرَارِ الْمُسْلِمَةِ تَحْتَ الْكَافِرِ فَلَوْ قُدِّرَ اشْتِبَاهُهُ عَلَيْهِ فِي زَمَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَمْ يَجُزِ اسْتِمْرَارُ الِاشْتِبَاهِ عَلَيْهِ بَعْدَهُ حَتَّى يُحَدِّثَ بِهِ بَعْدَ دَهْرٍ طَوِيلٍ وَهُوَ يَوْمُ حَدَّثَ بِهِ يَكَادُ أَنْ يَكُونَ أَعْلَمَ أَهْلِ عَصْرِهِ وَأَحْسَنُ الْمَسَالِكِ فِي هَذَيْنِ الْحَدِيثَيْنِ تَرْجِيحُ حَدِيثِ بن عَبَّاسٍ كَمَا رَجَّحَهُ الْأَئِمَّةُ وَحَمْلُهُ عَلَى تَطَاوُلِ الْعِدَّةِ فِيمَا بَيْنَ نُزُولِ آيَةِ التَّحْرِيمِ وَإِسْلَامِ أَبِي الْعَاصِ وَلَا مَانِعَ مِنْ ذَلِكَ مِنْ حَيْثُ الْعَادَةُ فَضْلًا عَنْ مُطْلَقِ الْجَوَازِ وَأَغْرَبَ بن حَزْمٍ فَقَالَ مَا مُلَخَّصُهُ إِنَّ قَوْلَهُ رَدَّهَا إِلَيْهِ بَعْدَ كَذَا مُرَادُهُ جَمَعَ بَيْنَهُمَا وَإِلَّا فَإِسْلَامُ أَبِي الْعَاصِ كَانَ قَبْلَ الْحُدَيْبِيَةِ وَذَلِكَ قَبْلَ أَنْ يَنْزِلَ تَحْرِيمُ الْمُسْلِمَةِ عَلَى الْمُشْرِكِ هَكَذَا زَعَمَ وَهُوَ مُخَالِفٌ لِمَا أَطْبَقَ عَلَيْهِ أَهْلُ الْمَغَازِي أَنَّ إِسْلَامَهُ كَانَ فِي الْهُدْنَةِ بَعْدَ نُزُولِ آيَةِ التَّحْرِيمِ وَقَدْ سَلَكَ بَعْضُ الْمُتَأَخِّرِينَ فِيهِ مَسْلَكًا آخَرَ فَقَرَأْتُ فِي السِّيرَةِ النَّبَوِيَّةِ لِلْعِمَادِ بْنِ كَثِيرٍ بَعْدَ ذِكْرِ بَعْضِ مَا تَقَدَّمَ قَالَ.

     وَقَالَ  آخَرُونَ بَلِ الظَّاهِرُ انْقِضَاءُ عِدَّتِهَا وَضَعَّفَ رِوَايَةَ مَنْ قَالَ جَدَّدَ عَقْدَهَا وَإِنَّمَا يُسْتَفَادُ مِنْهُ أَنَّ الْمَرْأَةَ إِذَا أَسْلَمَتْ وَتَأَخَّرَ إِسْلَامُ زَوْجِهَا أَنَّ نِكَاحَهَا لَا يَنْفَسِخُ بِمُجَرَّدِ ذَلِكَ بَلْ تَتَخَيَّرُ بَيْنَ أَنْ تَتَزَوَّجَ غَيْرَهُ أَوْ تَتَرَبَّصَ إِلَى أَنْ يُسْلِمَ فيستمر عقده عَلَيْهَا وَحَاصِلُهُ أَنَّهَا زَوْجَتُهُ مَا لَمْ تَتَزَوَّجْ وَدَلِيلُ ذَلِكَ مَا وَقَعَ فِي حَدِيثِ الْبَابِ فِي عُمُومِ قَوْلِهِ فَإِنْ هَاجَرَ زَوْجُهَا قَبْلَ أَنْ تَنْكِحَ رُدَّتْ إِلَيْهِ وَاللَّهُ أَعْلَمُ ثُمَّ ذَكَرَ الْبُخَارِيُّ حَدِيثَ عَائِشَةَ فِي شَأْنِ الِامْتِحَانِ وَبَيَانِهِ لِشِدَّةِ تَعَلُّقِهِ بِأَصْلِ الْمَسْأَلَةِ



[ قــ :5002 ... غــ :5288] .

     قَوْلُهُ  وقَال إِبْرَاهِيم بن الْمُنْذر حَدثنِي بن وَهْبٍ ذَكَرَ أَبُو مَسْعُودٍ أَنَّهُ وَصَلَهُ عَنْ إِبْرَاهِيمَ بْنِ الْمُنْذِرِ وَقَدْ وَصَلَهُ أَيْضًا الذُّهْلِيُّ فِي الزُّهْرِيَّاتِ عَنْ إِبْرَاهِيمَ بْنِ الْمُنْذِرِ وَسَيَأْتِي اللَّفْظُ فِي الْبُخَارِيِّ كَرِوَايَةِ يُونُسَ فَإِنَّ مُسْلِمًا أَخْرَجَهُ عَنْ أَبِي الطَّاهِرِ بْنِ السَّرْحِ عَنِ بن وَهْبٍ كَذَلِكَ.
وَأَمَّا لَفْظُ رِوَايَةِ عَقِيلٍ فَتَقَدَّمَتْ فِي أَوَّلِ الشُّرُوطِ وَأَشَارَ الْإِسْمَاعِيلِيُّ إِلَى أَنَّ رِوَايَةَ عَقِيلٍ الْمَذْكُورَةَ فِي الْبَابِ لَا تُخَالِفُهَا .

     قَوْلُهُ  كَانَتِ الْمُؤْمِنَاتُ إِذَا هَاجَرْنَ أَيْ مِنْ مَكَّةَ إِلَى الْمَدِينَةِ قَبْلَ عَامِ الْفَتْحِ .

     قَوْلُهُ  يَمْتَحِنُهُنَّ بِقَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى أَيْ يَخْتَبِرُهُنَّ فِيمَا يَتَعَلَّقُ بِالْإِيمَانِ فِيمَا يَرْجِعُ إِلَى ظَاهِرِ الْحَالِ دُونَ الِاطِّلَاعِ عَلَى مَا فِي الْقُلُوبِ وَإِلَى ذَلِكَ الْإِشَارَةُ بِقَوْلِهِ تَعَالَى اللَّهُ أَعْلَمُ بِإِيمَانِهِنَّ .

     قَوْلُهُ  مُهَاجِرَاتٌ جَمْعُ مُهَاجِرَةٍ وَالْمُهَاجَرَةُ بِفَتْحِ الْجِيمِ الْمُغَاضَبَةُ قَالَ الْأَزْهَرِيُّ أَصْلُ الْهِجْرَةِ خُرُوجُ الْبَدْوِيِّ مِنَ الْبَادِيَةِ إِلَى الْقَرْيَةِ وَإِقَامَتُهُ بِهَا وَالْمُرَادُ بهَا هَا هُنَا خُرُوجُ النِّسْوَةِ مِنْ مَكَّةَ إِلَى الْمَدِينَةِ مُسْلِمَاتٍ .

     قَوْلُهُ  إِلَى آخِرِ الْآيَةِ يَحْتَمِلُ الْآيَةَ بِعَيْنِهَا واخرها وَالله عليم حَكِيم وَيَحْتَمِلُ أَنْ يُرِيدَ بِالْآيَةِ الْقِصَّةَ وَآخِرُهَا غَفُورٌ رَحِيم وَهَذَا هُوَ الْمُعْتَمَدُ فَقَدْ تَقَدَّمَ فِي أَوَائِلِ الشُّرُوط من طَرِيق عقيل وَحده عَن بن شِهَابٍ عَقِبَ حَدِيثِهِ عَنْ عُرْوَةَ عَنِ الْمِسْوَرِ وَمَرْوَانَ قَالَ عُرْوَةُ فَأَخْبَرَتْنِي عَائِشَةَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ يَمْتَحِنُهُنَّ بِهَذِهِ الْآيَة يَا أَيهَا الَّذين آمنُوا إِذا جَاءَكُم الْمُؤْمِنَات مهاجرات إِلَى غَفُور رَحِيم وَكَذَا وَقع فِي رِوَايَة بن أَخِي الزُّهْرِيِّ عَنِ الزُّهْرِيِّ فِي تَفْسِيرِ الْمُمْتَحِنَةِ .

     قَوْلُهُ  قَالَتْ عَائِشَةُ هُوَ مَوْصُولٌ بِالْإِسْنَادِ الْمَذْكُورِ .

     قَوْلُهُ  فَمَنْ أَقَرَّ بِهَذَا الشَّرْطِ مِنَ الْمُؤْمِنَاتِ فَقَدْ أَقَرَّ بِالْمِحْنَةِ يُشِيرُ إِلَى شَرْطِ الْإِيمَانِ وَأَوْضَحُ مِنْ هَذَا مَا أَخْرَجَهُ الطَّبَرِيُّ مِنْ طَرِيقِ الْعَوْفِيِّ عَنِ بن عَبَّاسٍ قَالَ كَانَ امْتِحَانُهُنَّ أَنْ يَشْهَدْنَ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَأَنَّ مُحَمَّدًا رَسُولُ اللَّهِ.
وَأَمَّا مَا أَخْرَجَهُ الطَّبَرِيُّ أَيْضًا وَالْبَزَّارُ من طَرِيق أبي نصر عَن بن عَبَّاسٍ كَانَ يَمْتَحِنُهُنَّ وَاللَّهِ مَا خَرَجْتُ مِنْ بُغْضِ زَوْجٍ وَاللَّهِ مَا خَرَجْتُ رَغْبَةً عَنْ أَرْضٍ إِلَى أَرْضٍ وَاللَّهِ مَا خَرَجْتُ الْتِمَاسَ دُنْيَا وَاللَّهِ مَا خَرَجْتُ إِلَّا حُبًّا لِلَّهِ وَلِرَسُولِهِ وَمن طَرِيق بن أَبِي نَجِيحٍ عَنْ مُجَاهِدٍ نَحْو هَذَا وَلَفْظُهُ فَاسْأَلُوهُنَّ عَمَّا جَاءَ بِهِنَّ فَإِنْ كَانَ مِنْ غَضَبٍ عَلَى أَزْوَاجِهِنَّ أَوْ سُخْطِهِ أَوْ غَيْرِهِ وَلَمْ يُؤْمِنَّ فَأَرْجِعُوهُنَّ إِلَى أَزْوَاجِهِنَّ وَمِنْ طَرِيقِ قَتَادَةَ كَانَتْ مِحْنَتُهُنَّ أَنْ يُسْتَحْلَفْنَ بِاللَّهِ مَا أَخْرَجَكُنَّ نُشُوزٌ وَمَا أَخْرَجَكُنَّ إِلَّا حُبُّ الْإِسْلَامِ وَأَهْلِهِ فَإِذَا قُلْنَ ذَلِكَ قُبِلَ مِنْهُنَّ فَكُلُّ ذَلِكَ لَا يُنَافِي رِوَايَةَ الْعَوْفِيِّ لِاشْتِمَالِهَا عَلَى زِيَادَةٍ لَمْ يَذْكُرْهَا .

     قَوْلُهُ  انْطَلِقْنَ فَقَدْ بَايَعْتُكُنَّ بَيَّنَتْهُ بَعْدَ ذَلِكَ بِقَوْلِهَا فِي آخِرِ الْحَدِيثِ فقد بايعتكن كلَاما أَي كلَاما بقوله وَوَقَعَ فِي رِوَايَةِ عَقِيلٍ الْمَذْكُورَةِ كَلَامًا يُكَلِّمُهَا بِهِ وَلَا يُبَايِعُ بِضَرْبِ الْيَدِ عَلَى الْيَدِ كَمَا كَانَ يُبَايِعُ الرِّجَالُ وَقَدْ أَوْضَحَتْ ذَلِكَ بِقَوْلِهَا مَا مَسَّتْ يَدُ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَدَ امْرَأَةٍ قَطُّ زَادَ فِي رِوَايَةِ عَقِيلٍ فِي الْمُبَايَعَةِ غَيْرَ أَنَّهُ بَايَعَهُنَّ بِالْكَلَامِ وَقَدْ تَقَدَّمَ فِي تَفْسِيرِ الْمُمْتَحِنَةِ وَفِي غير مَوضِع حَدِيث بن عَبَّاس وَفِيه حَتَّى أَتَى النِّسَاء فَقَالَ يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ إِذَا جَاءَكَ الْمُؤْمِنَاتُ يُبَايِعْنَكَ الْآيَةَ كُلَّهَا ثُمَّ قَالَ حِينَ فَرَغَ أَنْتُنَّ عَلَى ذَلِكَ فَقَالَتِ امْرَأَةٌ مِنْهُنَّ نَعَمْ وَقَدْ وَرَدَ مَا قَدْ يُخَالِفُ ذَلِكَ وَلَعَلَّهَا أَشَارَتْ إِلَى رَدِّهِ وَقَدْ تَقَدَّمَ بَيَانُ ذَلِكَ مُسْتَوْفًى فِي تَفْسِيرِ سُورَةِ الْمُمْتَحِنَةِ وَاخْتُلِفَ فِي اسْتِمْرَارِ حُكْمِ امْتِحَانِ مَنْ هَاجَرَ مِنَ الْمُؤْمِنَاتِ فَقِيلَ مَنْسُوخٌ بَلِ ادَّعَى بَعْضُهُمُ الْإِجْمَاعَ عَلَى نَسْخِهِ وَالله أعلم (