فهرس الكتاب

فتح الباري لابن حجر - باب وجوب النفقة على الأهل والعيال

( قَولُهُ بَابُ وُجُوبِ النَّفَقَةِ عَلَى الْأَهْلِ وَالْعِيَالِ)
الظَّاهِرُ أَنَّ الْمُرَادَ بِالْأَهْلِ فِي التَّرْجَمَةِ الزَّوْجَةُ وَعَطْفُ الْعِيَالِ عَلَيْهَا مِنَ الْعَامِّ بَعْدَ الْخَاصِّ أَو المزاد بِالْأَهْلِ الزَّوْجَةُ وَالْأَقَارِبُ وَالْمُرَادُ بِالْعِيَالِ الزَّوْجَةُ وَالْخَدَمُ فَتَكُونُ الزَّوْجَةُ ذُكِرَتْ مَرَّتَيْنِ تَأْكِيدًا لِحَقِّهَا وَوُجُوبُ نَفَقَةِ الزَّوْجَةِ تَقَدَّمَ دَلِيلُهُ أَوَّلَ النَّفَقَاتِ وَمِنَ السُّنَّةِ حَدِيثُ جَابِرٍ عِنْدَ مُسْلِمٍ وَلَهُنَّ عَلَيْكُمْ رِزْقُهُنَّ وَكِسْوَتُهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ وَمِنْ جِهَةِ الْمَعْنَى أَنَّهَا مَحْبُوسَةٌ عَنِ التَّكَسُّبِ لِحَقِّ الزَّوْجِ وَانْعَقَدَ الْإِجْمَاعُ عَلَى الْوُجُوبِ لَكِنِ اخْتَلَفُوا فِي تَقْدِيرِهَا فَذَهَبَ الْجُمْهُورُ إِلَى أَنَّهَا بِالْكِفَايَةِ وَالشَّافِعِيُّ وَطَائِفَةٌ كَمَا قَالَ بن الْمُنْذِرِ إِلَى أَنَّهَا بِالْأَمْدَادِ وَوَافَقَ الْجُمْهُورَ مِنَ الشَّافِعِيَّة أَصْحَاب الحَدِيث كَابْن خُزَيْمَة وبن الْمُنْذِرِ وَمِنْ غَيْرِهِمْ أَبُو الْفَضْلِ بْنُ عَبْدَانَ.

     وَقَالَ  الرُّويَانِيُّ فِي الْحِلْيَةِ هُوَ الْقِيَاسُ.

     وَقَالَ  النَّوَوِيُّ فِي شَرْحِ مُسْلِمٍ مَا سَيَأْتِي فِي بَاب إِذا لم ينْفق الرجل فللمرأة أَن تَأْخُذَ بَعْدَ سَبْعَةِ أَبْوَابٍ وَتَمَسَّكَ بَعْضُ الشَّافِعِيَّةِ بِأَنَّهَا لَوْ قُدِّرَتْ بِالْحَاجَةِ لَسَقَطَتْ نَفَقَةُ الْمَرِيضَةِ وَالْغَنِيَّةِ فِي بَعْضِ الْأَيَّامِ فَوَجَبَ إِلْحَاقُهَا بِمَا يُشْبِهُ الدَّوَامِ وَهُوَ الْكَفَّارَةُ لِاشْتِرَاكِهِمَا فِي الِاسْتِقْرَارِ فِي الذِّمَّةِ وَيُقَوِّيهِ .

     قَوْلُهُ  تَعَالَى مِنْ أَوْسَطِ مَا تطْعمُونَ أهليكم فَاعْتَبِرُوا الْكَفَّارَةَ بِهَا وَالْأَمْدَادُ مُعْتَبَرَةٌ فِي الْكَفَّارَةِ وَيَخْدِشُ فِي هَذَا الدَّلِيلِ أَنَّهُمْ صَحَّحُوا الِاعْتِيَاضَ عَنْهُ وَبِأَنَّهَا لَوْ أَكَلَتْ مَعَهُ عَلَى الْعَادَةِ سَقَطَتْ بِخِلَافِ الْكَفَّارَةِ فِيهِمَا وَالرَّاجِحُ مِنْ حَيْثُ الدَّلِيلُ أَنَّ الْوَاجِبَ الْكِفَايَةُ وَلَا سِيَّمَا وَقَدْ نَقَلَ بَعْضُ الْأَئِمَّةِ الْإِجْمَاعَ الْفِعْلِيَّ فِي زَمَنِ الصَّحَابَةِ وَالتَّابِعِينَ عَلَى ذَلِكَ وَلَا يُحْفَظُ عَنْ أَحَدٍ مِنْهُمْ خِلَافُهُ



[ قــ :5063 ... غــ :5355] .

     قَوْلُهُ  أَفْضَلُ الصَّدَقَةِ مَا تُرِكَ غِنًى تَقَدَّمَ شَرْحُهُ فِي أَوَّلِ الزَّكَاةِ وَبَيَانُ اخْتِلَافِ أَلْفَاظِهِ وَكَذَا .

     قَوْلُهُ  وَالْيَدُ الْعُلْيَا وَقَولُهُ وَابْدَأْ بِمَنْ تَعُولُ أَيْ بِمَنْ يَجِبُ عَلَيْكَ نَفَقَتُهُ يُقَالُ عَالَ الرَّجُلُ أَهْلَهُ إِذَا مَانَهُمْ أَيْ قَامَ بِمَا يَحْتَاجُونَ إِلَيْهِ مِنْ قُوتٍ وَكِسْوَةٍ وَهُوَ أَمْرٌ بِتَقْدِيمِ مَا يَجِبُ على مَا لَا يجب.

     وَقَالَ  بن الْمُنْذِرِ اخْتُلِفَ فِي نَفَقَةِ مَنْ بَلَغَ مِنَ الْأَوْلَادِ وَلَا مَالَ لَهُ وَلَا كَسْبَ فَأَوْجَبَتْ طَائِفَةٌ النَّفَقَةَ لِجَمِيعِ الْأَوْلَادِ أَطْفَالًا كَانُوا أَوْ بَالِغِينَ إِنَاثًا وَذُكْرَانًا إِذَا لَمْ يَكُنْ لَهُمْ أَمْوَالٌ يَسْتَغْنُونَ بِهَا وَذَهَبَ الْجُمْهُورُ إِلَى أَنَّ الْوَاجِبَ أَنْ يُنْفِقَ عَلَيْهِمْ حَتَّى يَبْلُغَ الذَّكَرُ أَوْ تَتَزَوَّجَ الْأُنْثَى ثُمَّ لَا نَفَقَةَ عَلَى الْأَبِ إِلَّا إِنْ كَانُوا زَمْنَى فَإِنْ كَانَتْ لَهُمْ أَمْوَالٌ فَلَا وُجُوبَ عَلَى الْأَبِ وَأَلْحَقَ الشَّافِعِيُّ وَلَدَ الْوَلَدِ وَإِنْ سَفَلَ بِالْوَلَدِ فِي ذَلِكَ وَقَولُهُ تَقُولُ الْمَرْأَةُ وَقع فِي رِوَايَةِ النَّسَائِيِّ مِنْ طَرِيقِ مُحَمَّدِ بْنِ عَجْلَانَ عَنْ زَيْدٍ بْنِ أَسْلَمَ عَنْ أَبِي صَالِحٍ بِهِ فَقِيلَ مَنْ أَعُولُ يَا رَسُولَ اللَّهِ قَالَ امْرَأَتَكَ الْحَدِيثَ وَهُوَ وَهْمٌ وَالصَّوَابُ مَا أَخْرَجَهُ هُوَ من وَجه آخر عَن بن عَجْلَانَ بِهِ وَفِيهِ فَسُئِلَ أَبُو هُرَيْرَةُ مَنْ تَعُولُ يَا أَبَا هُرَيْرَةَ وَقَدْ تَمَسَّكَ بِهَذَا بَعْضُ الشُّرَّاحِ وَغَفَلَ عَنِ الرِّوَايَةِ الْأُخْرَى وَرَجَّحَ مَا فَهِمَهُ بِمَا أَخْرَجَهُ الدَّارَقُطْنِيُّ مِنْ طَرِيقِ عَاصِمٌ عَنْ أَبِي صَالِحٍ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ الْمَرْأَةُ تَقُولُ لِزَوْجِهَا أَطْعِمْنِي وَلَا حُجَّةَ فِيهِ لِأَنَّ فِي حِفْظِ عَاصِمٍ شَيْئًا وَالصَّوَابُ التَّفْصِيلُ وَكَذَا وَقَعَ لِلْإِسْمَاعِيلِيِّ مِنْ طَرِيقِ أَبِي مُعَاوِيَةَ عَنِ الْأَعْمَشِ بِسَنَدِ حَدِيثِ الْبَابِ قَالَ أَبُو هُرَيْرَةَ تَقُولُ امْرَأَتُكَ إِلَخْ وَهُوَ مَعْنَى قَوْلِهِ فِي آخِرِ حَدِيثِ الْبَابِ لَا هَذَا مِنْ كيس أبي هُرَيْرَة وَوَقع فِي رِوَايَةِ الْإِسْمَاعِيلِيِّ الْمَذْكُورَةِ قَالُوا يَا أَبَا هُرَيْرَةَ شَيْءٌ تَقُولُ مِنْ رَأْيكِ أَوْ مِنْ قَوْلُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ هَذَا مِنْ كِيسِي وَقَولُهُ مِنْ كِيسِي هُوَ بِكَسْرِ الْكَافِ لِلْأَكْثَرِ أَيْ مِنْ حَاصِلِهِ إِشَارَةٌ إِلَى أَنَّهُ مِنَ اسْتِنْبَاطِهِ مِمَّا فَهِمَهُ مِنَ الْحَدِيثِ الْمَرْفُوعِ مَعَ الْوَاقِعِ وَوَقَعَ فِي رِوَايَةِ الْأَصِيلِيِّ بِفَتْحِ الْكَافِ أَيْ مِنْ فِطْنَتِهِ .

     قَوْلُهُ  تَقُولُ الْمَرْأَةُ إِمَّا أَنْ تُطْعِمَنِي فِي رِوَايَةِ النَّسَائِيِّ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ الْعَزِيزِ عَنْ حَفْصِ بْنِ غِيَاثٍ بِسَنَدِ حَدِيثِ الْبَابِ إِمَّا أَنْ تُنْفِقَ عَلَيَّ .

     قَوْلُهُ  وَيَقُولُ الْعَبْدُ اطعمني واستعملني فِي رِوَايَة الْإِسْمَاعِيلِيّ وَبقول خَادِمُكَ أَطْعِمْنِي وَإِلَّا فَبِعْنِي .

     قَوْلُهُ  وَيَقُولُ الِابْنُ أَطْعِمْنِي إِلَى مَنْ تَدَعُنِي فِي رِوَايَةِ النَّسَائِيِّ وَالْإِسْمَاعِيلِيِّ تَكِلُنِي وَهُوَ بِمَعْنَاهُ وَاسْتُدِلَّ بِهِ عَلَى أَنَّ مَنْ كَانَ مِنَ الْأَوْلَادِ لَهُ مَالٌ أَوْ حِرْفَةٌ لَا تَجِبُ نَفَقَتُهُ عَلَى الْأَبِ لِأَنَّ الَّذِي يَقُولُ إِلَى مِنْ تَدَعُنِي إِنَّمَا هُوَ مَنْ لَا يَرْجِعُ إِلَى شَيْءٍ سِوَى نَفَقَةِ الْأَبِ وَمَنْ لَهُ حِرْفَةٌ أَوْ مَالٌ لَا يَحْتَاجُ إِلَى قَوْلِ ذَلِكَ وَاسْتَدَلَّ بِقَوْلِهِ إِمَّا أَنْ تُطْعِمَنِي وَإِمَّا أَنْ تُطَلِّقَنِي مَنْ قَالَ يُفَرَّقُ بَيْنَ الرَّجُلِ وَامْرَأَتِهِ إِذَا أَعْسَرَ بِالنَّفَقَةِ وَاخْتَارَتْ فِرَاقَهُ وَهُوَ قَوْلُ جُمْهُورِ الْعُلَمَاءِ.

     وَقَالَ  الْكُوفِيُّونَ يَلْزَمُهَا الصَّبْرُ وَتَتَعَلَّقُ النَّفَقَةُ بِذِمَّتِهِ وَاسْتَدَلَّ الْجُمْهُورُ بِقَوْلِهِ تَعَالَى وَلَا تُمْسِكُوهُنَّ ضِرَارًا لتعتدوا وَأَجَابَ الْمُخَالِفُ بِأَنَّهُ لَوْ كَانَ الْفِرَاقُ وَاجِبًا لَمَا جَازَ الْإِبْقَاءُ إِذَا رَضِيَتْ وَرُدَّ عَلَيْهِ بِأَنَّ الْإِجْمَاعَ دَلَّ عَلَى جَوَازِ الْإِبْقَاءِ إِذَا رَضِيَتْ فَبَقِيَ مَا عَدَاهُ عَلَى عُمُومِ النَّهْيِ وَطَعَنَ بَعْضُهُمْ فِي الِاسْتِدْلَالِ بِالْآيَةِ الْمَذْكُورَةِ بِأَنَّ بن عَبَّاسٍ وَجَمَاعَةً مِنَ التَّابِعِينَ قَالُوا نَزَلَتْ فِيمَنْ كَانَ يُطَلِّقُ فَإِذَا كَادَتِ الْعِدَّةُ تَنْقَضِي رَاجَعَ وَالْجَوَابُ أَنَّ مِنْ قَاعِدَتِهِمْ أَنَّ الْعِبْرَةَ بِعُمُومِ اللَّفْظِ حَتَّى تَمَسَّكُوا بِحَدِيثِ جَابِرِ بْنِ سَمُرَةَ اسْكُنُوا فِي الصَّلَاةِ اتْرُكْ رَفْعَ الْيَدَيْنِ عِنْدَ الرُّكُوعِ مَعَ أَنَّهُ إِنَّمَا وَرَدَ فِي الْإِشَارَةِ بِالْأَيْدِي فِي التَّشَهُّدِ بِالسَّلَامِ عَلَى فُلَانٍ وَفُلَانٍ وَهُنَا تَمَسَّكُوا بِالسَّبَبِ وَاسْتُدِلَّ لِلْجُمْهُورِ أَيْضًا بِالْقِيَاسِ عَلَى الرَّقِيقِ وَالْحَيَوَانِ فَإِنَّ مَنْ أَعْسَرَ بِالْإِنْفَاقِ عَلَيْهِ أُجْبِرَ عَلَى بَيْعِهِ اتِّفَاقًا وَاللَّهُ أَعْلَمُ