فهرس الكتاب

فتح الباري لابن حجر - باب التيمم

( قَولُهُ بَابُ إِذَا رَأَتِ الْمُسْتَحَاضَةُ الطُّهْرَ)
أَيْ تَمَيَّزَ لَهَا دَمُ الْعِرْقِ مِنْ دَمِ الْحَيْضِ فَسُمِّيَ زَمَنُ الِاسْتِحَاضَةِ طُهْرًا لِأَنَّهُ كَذَلِكَ بِالنِّسْبَةِ إِلَى زَمَنِ الْحَيْضِ وَيُحْتَمَلُ أَنْ يُرِيدَ بِهِ انْقِطَاعَ الدَّمِ وَالْأَوَّلُ أَوْفَقُ لِلسِّيَاقِ .

     قَوْلُهُ  قَالَ بن عَبَّاسٍ تَغْتَسِلُ وَتُصَلِّي وَلَوْ سَاعَةً قَالَ الدَّاوُدِيُّ مَعْنَاهُ إِذَا رَأَتِ الطُّهْرَ سَاعَةً ثُمَّ عَاوَدَهَا دَمٌ فَإِنَّهَا تَغْتَسِلُ وَتُصَلِّي وَالتَّعْلِيقُ الْمَذْكُورُ وَصَلَهُ بن أَبِي شَيْبَةَ وَالدَّارِمِيُّ مِنْ طَرِيقِ أَنَسِ بْنِ سِيرِين عَن بن عَبَّاسٍ أَنَّهُ سَأَلَهُ عَنِ الْمُسْتَحَاضَةِ فَقَالَ أَمَّا مَا رَأَتِ الدَّمَ الْبَحْرَانِيَّ فَلَا تُصَلِّي وَإِذَا رَأَتِ الطُّهْرَ وَلَوْ سَاعَةً فَلْتَغْتَسِلْ وَتُصَلِّي وَهَذَا مُوَافِقٌ لِلِاحْتِمَالِ الْمَذْكُورِ أَوَّلًا لِأَنَّ الدَّمَ الْبَحْرَانِيَّ هُوَ دَمُ الْحَيْضِ .

     قَوْلُهُ  وَيَأْتِيهَا زَوْجُهَا هَذَا أثر آخر عَن بن عَبَّاسٍ أَيْضًا وَصَلَهُ عَبْدُ الرَّزَّاقِ وَغَيْرُهُ مِنْ طَرِيقِ عِكْرِمَةَ عَنْهُ قَالَ الْمُسْتَحَاضَةُ لَا بَأْسَ أَنْ يَأْتِيَهَا زَوْجُهَا وَلِأَبِي دَاوُدَ مِنْ وَجْهٍ آخَرَ عَنْ عِكْرِمَةَ قَالَ كَانَتْ أُمُّ حَبِيبَةَ تُسْتَحَاضُ وَكَانَ زَوْجُهَا يَغْشَاهَا وَهُوَ حَدِيثٌ صَحِيحٌ إِنْ كَانَ عِكْرِمَةُ سَمِعَهُ مِنْهَا .

     قَوْلُهُ  إِذَا صَلَّتْ شَرْطٌ مَحْذُوفُ الْجَزَاءِ أَوْ جَزَاؤُهُ مُقَدَّمٌ وَقَولُهُ الصَّلَاةُ أَعْظَمُ أَيْ مِنَ الْجِمَاعِ وَالظَّاهِرُ أَنَّ هَذَا بَحْثٌ مِنَ الْبُخَارِيِّ أَرَادَ بِهِ بَيَانَ الْمُلَازَمَةِ أَيْ إِذَا جَازَتِ الصَّلَاةُ فَجَوَازُ الْوَطْءِ أَوْلَى لِأَنَّ أَمْرَ الصَّلَاةِ أَعْظَمُ مِنْ أَمْرِ الْجِمَاعِ وَلِهَذَا عَقَّبَهُ بِحَدِيثِ عَائِشَةَ الْمُخْتَصَرِ مِنْ قِصَّةِ فَاطِمَةَ بِنْتِ أَبِي حُبَيْشٍ الْمُصَرَّحِ بِأَمْرِ الْمُسْتَحَاضَةِ بِالصَّلَاةِ وَقَدْ تَقَدَّمَتْ مَبَاحِثُهُ فِي بَاب الاستحاضه وَزُهَيْر الْمَذْكُور هُنَا هُوَ بن مُعَاوِيَةَ وَقَدْ أَخْرَجَهُ أَبُو نُعَيْمٍ فِي الْمُسْتَخْرَجِ مِنْ طَرِيقِهِ تَامًّا وَأَشَارَ الْبُخَارِيُّ بِمَا ذَكَرَ إِلَى الرَّدِّ عَلَى مَنْ مَنَعَ وَطْءَ الْمُسْتَحَاضَةِ وَقد نَقله بن الْمُنْذِرِ عَنْ إِبْرَاهِيمَ النَّخَعِيِّ وَالْحَكَمِ وَالزُّهْرِيِّ وَغَيْرِهِمْ وَمَا اسْتَدَلَّ بِهِ عَلَى الْجَوَازِ ظَاهِرٌ فِيهِ وَذَكَرَ بَعْضُ الشُّرَّاحِ أَنَّ قَوْلَهُ الصَّلَاةُ أَعْظَمُ من بَقِيَّة كَلَام بن عَبَّاس وَعَزاهُ إِلَى تَخْرِيج بن أَبِي شَيْبَةَ وَلَيْسَ هُوَ فِيهِ نَعَمْ رَوَى عَبْدُ الرَّزَّاقِ وَالدَّارِمِيُّ مِنْ طَرِيقِ سَالِمٍ الْأَفْطَسِ أَنَّهُ سَأَلَ سَعِيدَ بْنَ جُبَيْرٍ عَنِ الْمُسْتَحَاضَةِ أتجامع قَالَ الصَّلَاة أعظم من الْجِمَاع قَولُهُ بَابُ الصَّلَاةِ عَلَى النُّفَسَاءِ وَسُنَّتِهَا أَيْ سُنَّةِ الصَّلَاةِ عَلَيْهَا



[ قــ :329 ... غــ :332] .

     قَوْلُهُ  حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ أَبِي سُرَيْجٍ تَقَدَّمَ أَنَّهُ بِالْمُهْمَلَةِ وَالْجِيمِ وَاسْمُهُ الصَّباح وَقيل أَن أَحْمد هُوَ بن عُمَرَ بْنِ أَبِي سُرَيْجٍ فَكَأَنَّهُ نُسِبَ إِلَى جَدِّهِ .

     قَوْلُهُ  أَنَّ امْرَأَةً هِيَ أُمُّ كَعْبٍ سَمَّاهَا مُسْلِمٌ فِي رِوَايَتِهِ مِنْ طَرِيقِ عَبْدِ الْوَارِثِ عَنْ حُسَيْنٍ الْمُعَلِّمِ وَذَكَرَ أَبُو نُعَيْمٍ فِي الصَّحَابَةِ أَنَّهَا أَنْصَارِيَّةٌ .

     قَوْلُهُ  مَاتَتْ فِي بَطْنٍ أَيْ بِسَبَبِ بَطْنٍ يَعْنِي الْحَمْلَ وَهُوَ نَظِيرُ قَوْلِهِ عُذِّبَتِ امْرَأَةٌ فِي هِرَّةٍ قَالَ بن التَّيْمِيِّ قِيلَ وَهِمَ الْبُخَارِيُّ فِي هَذِهِ التَّرْجَمَةِ فَظَنَّ أَنَّ قَوْلَهُ مَاتَتْ فِي بَطْنٍ مَاتَتْ فِي الْوِلَادَةِ قَالَ وَمَعْنَى مَاتَتْ فِي بَطْنٍ مَاتَتْ مَبْطُونَةً.

قُلْتُ بَلِ الْمُوَهِّمُ لَهُ هُوَ الْوَاهِمُ فَإِنَّ عِنْدَ الْمُصَنِّفِ فِي هَذَا الْحَدِيثِ مِنْ كِتَابِ الْجَنَائِزِ مَاتَتْ فِي نِفَاسِهَا وَكَذَا لِمُسْلِمٍ .

     قَوْلُهُ  فَقَامَ وَسَطَهَا بِفَتْحِ السِّينِ فِي روايتنا وَكَذَا ضَبطه بن التِّينِ وَضَبَطَهُ غَيْرُهُ بِالسُّكُونِ وَلِلْكُشْمِيهَنِيِّ فَقَامَ عِنْدَ وَسَطِهَا وَسَيَأْتِي الْكَلَامُ عَلَى ذَلِكَ فِي كِتَابِ الْجَنَائِزِ إِنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى قَالَ بن بَطَّالٍ يُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ الْبُخَارِيُّ قَصَدَ بِهَذِهِ التَّرْجَمَةِ أَنَّ النُّفَسَاءَ وَإِنْ كَانَتْ لَا تُصَلِّي لَهَا حكم غَيرهَا من النِّسَاء أَيْ فِي طَهَارَةِ الْعَيْنِ لِصَلَاةِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَيْهَا قَالَ وَفِيهِ رَدٌّ على من زعم أَن بن آدَمَ يَنْجُسُ بِالْمَوْتِ لِأَنَّ النُّفَسَاءَ جَمَعَتِ الْمَوْتَ وَحَمْلَ النَّجَاسَةِ بِالدَّمِ اللَّازِمِ لَهَا فَلَمَّا لَمْ يَضُرَّهَا ذَلِكَ كَانَ الْمَيِّتُ الَّذِي لَا يَسِيلُ مِنْهُ نَجَاسَة أولى وَتعقبه بن الْمُنِيرِ بِأَنَّ هَذَا أَجْنَبِيٌّ عَنْ مَقْصُودِ الْبُخَارِيِّ قَالَ وَإِنَّمَا قَصَدَ أَنَّهَا وَإِنْ وَرَدَ أَنَّهَا مِنَ الشُّهَدَاءِ فَهِيَ مِمَّنْ يُصَلَّى عَلَيْهَا كَغَيْرِ الشُّهَدَاء وَتعقبه بن رَشِيدٍ بِأَنَّهُ أَيْضًا أَجْنَبِيٌّ عَنْ أَبْوَابِ الْحَيْضِ قَالَ وَإِنَّمَا أَرَادَ الْبُخَارِيُّ أَنْ يَسْتَدِلَّ بِلَازِمٍ مِنْ لَوَازِمِ الصَّلَاةِ لِأَنَّ الصَّلَاةَ اقْتَضَتْ أَنَّ الْمُسْتَقْبِلَ فِيهَا يَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ مَحْكُومًا بِطَهَارَتِهِ فَلَمَّا صَلَّى عَلَيْهَا أَيْ إِلَيْهَا لَزِمَ مِنْ ذَلِكَ الْقَوْلُ بِطَهَارَةِ عَيْنِهَا وَحُكْمُ النُّفَسَاءِ وَالْحَائِضِ وَاحِدٌ قَالَ وَيَدُلُّ عَلَى أَنَّ هَذَا مَقْصُودُهُ إِدْخَالُ حَدِيثِ مَيْمُونَةَ فِي الْبَابِ كَمَا فِي رِوَايَةِ الْأَصِيلِيِّ وَغَيْرِهِ وَوَقَعَ فِي رِوَايَةِ أَبِي ذَرٍّ قَبْلَ حَدِيثِ مَيْمُونَةَ



( ! ! بَابٌ غَيْرُ مُتَرْجَمٍ وَكَذَا فِي نُسْخَةِ الْأَصِيلِيِّ وَعَادَتُهُ فِي مِثْلِ ذَلِكَ أَنَّهُ بِمَعْنَى الْفَصْلِ مِنَ الْبَابِ الَّذِي قَبْلَهُ وَمُنَاسَبَتُهُ لَهُ)
أَنَّ عَيْنَ الْحَائِضِ وَالنُّفَسَاءِ طَاهِرَةٌ لَأَنَّ ثَوْبَهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ يُصِيْبُهَا إِذَا سَجَدَ وَهِيَ حَائِضٌ وَلَا يَضُرُّهُ ذَلِكَ



[ قــ :330 ... غــ :333] .

     قَوْلُهُ  حَدَّثَنَا الْحَسَنُ بْنُ مُدْرِكٍ هُوَ الطَّحَّانُ الْبَصْرِيُّ أَحَدَ الْحُفَّاظِ وَهُوَ مِنْ صِغَارِ شُيُوخِ الْبُخَارِيِّ بَلِ الْبُخَارِيُّ أَقْدَمُ مِنْهُ وَقَدْ شَارَكَهُ فِي شَيْخِهِ يَحْيَى بْنُ حَمَّادٍ الْمَذْكُورُ هُنَا وَكَأَنَّ هَذَا الْحَدِيثَ فَاتَهُ فَاعْتَمَدَ فِيهِ عَلَى الْحَسَنِ الْمَذْكُورِ لِأَنَّهُ كَانَ عَارِفًا بِحَدِيثِ يَحْيَى بْنِ حَمَّادٍ .

     قَوْلُهُ  مِنْ كِتَابِهِ إِشَارَةٌ إِلَى أَنَّ أَبَا عَوَانَةَ حَدَّثَ بِهِ مِنْ كِتَابِهِ لَا مِنْ حِفْظِهِ وَكَانَ إِذَا حَدَّثَ مِنْ كِتَابِهِ أَتْقَنَ مِمَّا إِذَا حَدَّثَ مِنْ حِفْظِهِ حَتَّى قَالَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ مَهْدِيٍّ كِتَابُ أَبِي عَوَانَةَ أَثْبَتُ مِنْ حِفْظِ هُشَيْمٍ .

     قَوْلُهُ  كَانَتْ تَكُونُ أَيْ تَحْصُلُ أَوْ تَسْتَقِرُّ وَيُحْتَمَلُ أَنَّ قَوْلَهُ تَكُونُ لَا تُصَلِّي خَبَرٌ لِكَانَتْ وَقَولُهُ حَائِضًا حَالٌ نَحْوُ وَجَاءُوا أباهم عشَاء يَبْكُونَ قَالَهُ الْكِرْمَانِيُّ .

     قَوْلُهُ  بِحِذَاءِ بِكَسْرِ الْحَاءِ الْمُهْمَلَةِ بَعْدَهَا ذَالٌ مُعْجَمَةٌ وَمَدَّةٌ أَيْ بِجَنْبِ مَسْجِدٍ وَالْمُرَادُ بِالْمَسْجِدِ مَكَانُ سُجُودِهِ وَالْخُمْرَةُ بِضَمِّ الْخَاءِ الْمُعْجَمَةِ وَسُكُونِ الْمِيمِ قَالَ الطَّبَرِيُّ هُوَ مُصَلًّى صَغِيرٌ يُعْمَلُ مِنْ سَعَفِ النَّخْلِ سُمِّيَتْ بِذَلِكَ لِسَتْرِهَا الْوَجْهَ وَالْكَفَّيْنِ مِنْ حَرِّ الْأَرْضِ وَبَرْدِهَا فَإِنْ كَانَتْ كَبِيرَةً سُمِّيَتْ حَصِيرًا وَكَذَا قَالَ الْأَزْهَرِيُّ فِي تَهْذِيبِهِ وَصَاحِبُهُ أَبُو عُبَيْدٍ الْهَرَوِيُّ وَجَمَاعَةٌ بَعْدَهُمْ وَزَادَ فِي النِّهَايَةِ وَلَا تَكُونُ خُمْرَةً إِلَّا فِي هَذَا الْمِقْدَارِ قَالَ وَسُمِّيَتْ خُمْرَةً لِأَنَّ خُيُوطَهَا مَسْتُورَةٌ بِسَعَفِهَا.

     وَقَالَ  الْخَطَّابِيُّ هِيَ السَّجَّادَةُ يَسْجُدُ عَلَيْهَا الْمُصَلِّي ثُمَّ ذَكَرَ حَدِيث بن عَبَّاسٍ فِي الْفَأْرَةِ الَّتِي جَرَّتِ الْفَتِيلَةَ حَتَّى أَلْقَتْهَا عَلَى الْخُمْرَةِ الَّتِي كَانَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَاعِدًا عَلَيْهَا الْحَدِيثَ قَالَ فَفِي هَذَا تَصْرِيحٌ بِإِطْلَاقِ الْخُمْرَةِ عَلَى مَا زَادَ عَلَى قَدْرِ الْوَجْهِ قَالَ وَسُمِّيَتْ خُمْرَةً لِأَنَّهَا تُغَطِّي الْوَجْهَ وَسَتَأْتِي الْإِشَارَةُ إِلَى حُكْمِ الصَّلَاةِ عَلَيْهَا فِي كِتَابِ الصَّلَاةِ إِنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى خَاتِمَةٌ اشْتَمَلَ كِتَابُ الْحَيْضِ مِنَ الْأَحَادِيثِ الْمَرْفُوعَةِ عَلَى سَبْعَةٍ وَأَرْبَعِينَ حَدِيثًا الْمُكَرَّرُ مِنْهَا فِيهِ وَفِيمَا مَضَى اثْنَانِ وَعِشْرُونَ حَدِيثًا الْمَوْصُولُ مِنْهَا عَشَرَةُ أَحَادِيثَ وَالْبَقِيَّةُ تَعْلِيقٌ وَمُتَابَعَةٌ وَالْخَالِصُ خَمْسَةٌ وَعِشْرُونَ حَدِيثًا مِنْهَا وَاحِدٌ مُعَلَّقٌ وَهُوَ حَدِيثُ كَانَ يَذْكُرُ اللَّهَ عَلَى كُلِّ أَحْيَانِهِ وَالْبَقِيَّةُ مَوْصُولَةٌ وَقَدْ وَافَقَهُ مُسْلِمٌ عَلَى تَخْرِيجِهَا سِوَى حَدِيثِ عَائِشَةَ كَانَتْ إِحْدَانَا تَحِيضُ ثُمَّ تَقْتَرِصُ الدَّمَ وَحَدِيثِهَا فِي اعْتِكَافِ الْمُسْتَحَاضَةِ وَحَدِيثِهَا مَا كَانَ لِإِحْدَانَا إِلَّا ثَوْبٌ وَاحِدٌ وَحَدِيثِ أُمِّ عَطِيَّة كُنَّا لَا نعد الصُّفْرَة وَحَدِيث بن عُمَرَ رَخَّصَ لِلْحَائِضِ أَنْ تَنْفِرَ وَفِيهِ مِنَ الْآثَارِ الْمَوْقُوفَةِ عَلَى الصَّحَابَةِ وَالتَّابِعِينَ خَمْسَةَ عَشَرَ أثرا كلهَا معلقَة وَالله أعلم



( قَولُهُ بَابُ التَّيَمُّمِ الْبَسْمَلَةُ قَبْلَهُ)
لِكَرِيمَةَ وَبَعْدَهُ لِأَبِي ذَرٍّ وَقَدْ تَقَدَّمَ تَوْجِيهُ ذَلِكَ وَالتَّيَمُّمُ فِي اللُّغَةِ الْقَصْدُ قَالَ امْرُؤُ الْقَيْسِ تَيَمَّمْتُهَا مِنْ أَذْرِعَاتٍ وَأَهْلُهَا بِيَثْرِبَ أَدْنَى دَارِهَا نَظَرٌ عَالِي أَيْ قَصَدْتُهَا وَفِي الشَّرْعِ الْقَصْدُ إِلَى الصَّعِيدِ لِمَسْحِ الْوَجْهِ وَالْيَدَيْنِ بِنِيَّةِ اسْتِبَاحَةِ الصَّلَاةِ وَنَحْوهَا.

     وَقَالَ  بن السّكيت قَوْله فَتَيَمَّمُوا صَعِيدا أَيِ اقْصِدُوا الصَّعِيدَ ثُمَّ كَثُرَ اسْتِعْمَالُهُمْ حَتَّى صَارَ التَّيَمُّمُ مَسْحَ الْوَجْهِ وَالْيَدَيْنِ بِالتُّرَابِ اه فَعَلَى هَذَا هُوَ مَجَازٌ لُغَوِيٌّ وَعَلَى الْأَوَّلِ هُوَ حَقِيقَةٌ شَرْعِيَّةٌ وَاخْتُلِفَ فِي التَّيَمُّمِ هُوَ عَزِيمَةٌ أَوْ رُخْصَةٌ وَفَصَّلَ بَعْضُهُمْ فَقَالَ هُوَ لِعَدَمِ الْمَاءِ عَزِيمَةٌ وَلِلْعُذْرِ رُخْصَةٌ .

     قَوْلُهُ  قَوْلُ اللَّهِ فِي رِوَايَةِ الْأَصِيلِيِّ وَقَوْلُ اللَّهِ بِزِيَادَةِ وَاوٍ وَالْجُمْلَةُ اسْتِئْنَافِيَّةٌ .

     قَوْلُهُ  فَلَمْ تَجِدُوا مَاء كَذَا لِلْأَكْثَرِ وَلِلنَّسَفِيِّ وَعَبْدُوسٍ وَالْمُسْتَمْلِي وَالْحَمَوِيِّ فَإِنْ لَمْ تَجِدُوا قَالَ أَبُو ذَرٍّ كَذَا فِي روايتنا والتلاوه فَلم تَجدوا قَالَ صَاحِبُ الْمَشَارِقِ هَذَا هُوَ الصَّوَابُ.

قُلْتُ ظَهَرَ لِي أَنَّ الْبُخَارِيَّ أَرَادَ أَنْ يُبَيِّنَ أَنَّ الْمُرَادَ بِالْآيَةِ الْمُبْهَمَةِ فِي قَوْلِ عَائِشَةَ فِي حَدِيثِ الْبَابِ فَأَنْزَلَ اللَّهُ آيَةَ التَّيَمُّمِ أَنَّهَا آيَةُ الْمَائِدَةِ وَقَدْ وَقَعَ التَّصْرِيحُ بِذَلِكَ فِي رِوَايَةِ حَمَّادِ بْنِ سَلَمَةَ عَنْ هِشَامٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ عَائِشَةَ فِي قِصَّتِهَا الْمَذْكُورَةِ قَالَ فَأَنْزَلَ اللَّهُ آيَةَ التَّيَمُّمِ فَإِنْ لَمْ تَجِدُوا مَاءً فَتَيَمَّمُوا الْحَدِيثَ فَكَأَنَّ الْبُخَارِيَّ أَشَارَ إِلَى هَذِهِ الرِّوَايَةِ الْمَخْصُوصَةِ وَاحْتَمَلَ أَنْ تَكُونَ قِرَاءةً شَاذَّةً لِحَمَّادِ بْنِ سَلَمَةَ أَوْ غَيْرِهِ أَوْ وَهْمًا مِنْهُ وَقَدْ ظَهَرَ أَنَّهَا عَنَتْ آيَةَ الْمَائِدَةِ وَأَنَّ آيَةَ النِّسَاءِ قَدْ تَرْجَمَ لَهَا الْمُصَنِّفُ فِي التَّفْسِيرِ وَأَوْرَدَ حَدِيثَ عَائِشَةَ أَيْضًا وَلَمْ يُرِدْ خُصُوصَ نُزُولِهَا فِي قِصَّتِهَا بَلِ اللَّفْظُ الَّذِي عَلَى شَرْطِهِ مُحْتَمِلٌ لِلْأَمْرَيْنِ وَالْعُمْدَةُ عَلَى رِوَايَةِ حَمَّادِ بْنِ سَلَمَةَ فِي ذَلِكَ فَإِنَّهَا عَيَّنَتْ فَفِيهَا زِيَادَةٌ عَلَى غَيْرِهَا وَاللَّهُ أَعْلَمُ .

     قَوْلُهُ  وَأَيْدِيكُمْ إِلَى هُنَا فِي رِوَايَةِ أَبِي ذَرٍّ زَادَ فِي رِوَايَةِ الشَّبُّوِيِّ وَكَرِيمَةَ مِنْهُ وَهِيَ تُعَيِّنُ آيَةَ الْمَائِدَةِ دُونَ آيَةِ النِّسَاءِ وَإِلَى ذَلِكَ نَحَا الْبُخَارِيُّ فَأَخْرَجَ حَدِيثَ الْبَابِ فِي تَفْسِيرِ سُورَةِ الْمَائِدَةِ وَأَيَّدَ ذَلِكَ بِرِوَايَةِ عَمْرِو بْنِ الْحَارِثِ عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ الْقَاسِمِ فِي هَذَا الْحَدِيثِ وَلَفْظُهُ فَنَزَلَتْ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا قُمْتُمْ إِلَى الصَّلَاة إِلَى قَوْلِهِ تَشْكُرُونَ .

     قَوْلُهُ  عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ الْقَاسِمِ أَيِ بن مُحَمَّدِ بْنِ أَبِي بَكْرٍ الصِّدِّيقِ وَرِجَالُهُ سِوَى شَيْخِ الْبُخَارِيِّ مَدَنِيُّونَ .

     قَوْلُهُ  فِي بَعْضِ أَسْفَارِهِ قَالَ بن عَبْدِ الْبَرِّ فِي التَّمْهِيدِ يُقَالُ إِنَّهُ كَانَ فِي غَزَاةِ بَنِي الْمُصْطَلِقِ وَجَزَمَ بِذَلِكَ فِي الاستذكار وَسَبقه إِلَى ذَلِك بن سعد وبن حِبَّانَ وَغَزَاةُ بَنِي الْمُصْطَلِقِ هِيَ غَزْوَةُ الْمُرَيْسِيعِ وَفِيهَا وَقَعَتْ قِصَّةُ الْإِفْكِ لِعَائِشَةَ وَكَانَ ابْتِدَاءُ ذَلِكَ بِسَبَبِ وُقُوعِ عِقْدِهَا أَيْضًا فَإِنْ كَانَ مَا جَزَمُوا بِهِ ثَابِتًا حُمِلَ عَلَى أَنَّهُ سَقَطَ مِنْهَا فِي تِلْكَ السَّفْرَةِ مَرَّتَيْنِ لِاخْتِلَافِ الْقِصَّتَيْنِ كَمَا هُوَ مُبَيَّنٌ فِي سِيَاقِهِمَا وَاسْتَبْعَدَ بَعْضُ شُيُوخِنَا ذَلِكَ قَالَ لِأَنَّ الْمُرَيْسِيعَ مِنْ نَاحِيَةِ مَكَّةَ بَيْنَ قُدَيْدٍ وَالسَّاحِلِ وَهَذِهِ الْقِصَّةُ كَانَتْ مِنْ نَاحِيَةِ خَيْبَرَ لِقَوْلِهَا فِي الْحَدِيثِ حَتَّى إِذَا كُنَّا بِالْبَيْدَاءِ أَوْ بِذَاتِ الْجَيْشِ وَهُمَا بَيْنَ الْمَدِينَةِ وَخَيْبَرَ كَمَا جَزَمَ بِهِ النَّوَوِيُّ.

قُلْتُ وَمَا جَزَمَ بِهِ مُخَالِفٌ لِمَا جزم بِهِ بن التِّينِ فَإِنَّهُ قَالَ الْبَيْدَاءُ هِيَ ذُو الْحُلَيْفَةِ بِالْقُرْبِ مِنَ الْمَدِينَةِ مِنْ طَرِيقِ مَكَّةَ قَالَ وَذَاتُ الْجَيْشِ وَرَاءَ ذِي الْحُلَيْفَةِ.

     وَقَالَ  أَبُو عُبَيْدٍ الْبَكْرِيُّ فِي مُعْجَمِهِ الْبَيْدَاءُ أَدْنَى إِلَى مَكَّةَ مِنْ ذِي الْحُلَيْفَةِ ثُمَّ سَاقَ حَدِيثَ عَائِشَة هَذَا ثمَّ سَاق حَدِيث بن عُمَرَ قَالَ بَيْدَاؤُكُمْ هَذِهِ الَّتِي تَكْذِبُونَ فِيهَا مَا أَهَلَّ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِلَّا مِنْ عِنْدِ الْمَسْجِدِ الْحَدِيثَ قَالَ وَالْبَيْدَاءُ هُوَ الشَّرَفُ الَّذِي قُدَّامَ ذِي الْحُلَيْفَةِ فِي طَرِيقِ مَكَّةَ.

     وَقَالَ  أَيْضًا ذَاتُ الْجَيْشِ مِنْ الْمَدِينَةِ عَلَى بَرِيدٍ قَالَ وَبَيْنَهَا وَبَيْنَ الْعَقِيقِ سَبْعَةُ أَمْيَالٍ وَالْعَقِيقُ مِنْ طَرِيقِ مَكَّةَ لَا مِنْ طَرِيقِ خَيْبَرَ فَاسْتَقَامَ مَا قَالَ بن التِّينِ وَيُؤَيِّدُهُ مَا رَوَاهُ الْحُمَيْدِيُّ فِي مُسْنَدِهِ عَنْ سُفْيَانَ قَالَ حَدَّثَنَا هِشَامُ بْنُ عُرْوَةَ عَنْ أَبِيهِ فِي هَذَا الْحَدِيثِ فَقَالَ فِيهِ إِنَّ الْقِلَادَةَ سَقَطَتْ لَيْلَةَ الْأَبْوَاءِ اه وَالْأَبْوَاءُ بَيْنَ مَكَّةَ وَالْمَدِينَةِ وَفِي رِوَايَةِ عَلِيِّ بْنِ مُسْهِرٍ فِي هَذَا الْحَدِيثِ عَنْ هِشَامٍ قَالَ وَكَانَ ذَلِكَ الْمَكَانُ يُقَالُ لَهُ الصُّلْصُلُ رَوَاهُ جَعْفَر الْفرْيَابِيّ فِي كتاب الطَّهَارَة لَهُ وبن عَبْدِ الْبَرِّ مِنْ طَرِيقِهِ وَالصُّلْصُلُ بِمُهْمَلَتَيْنِ مَضْمُومَتَيْنِ وَلَامَيْنِ الْأُولَى سَاكِنَةٌ بَيْنَ الصَّادَيْنِ قَالَ الْبَكْرِيُّ هُوَ جَبَلٌ عِنْدَ ذِي الْحُلَيْفَةِ كَذَا ذَكَرَهُ فِي حَرْفِ الصَّادِ الْمُهْمَلَةِ وَوَهِمَ مُغَلْطَايْ فِي فَهْمِ كَلَامِهِ فَزَعَمَ أَنَّهُ ضَبَطَهُ بِالضَّادِ الْمُعْجَمَةِ وَقَلَّدَهُ فِي ذَلِكَ بَعْضُ الشُّرَّاحِ وَتَصَرَّفَ فِيهِ فَزَادَهُ وَهْمًا عَلَى وَهْمٍ وَعُرِفَ مِنْ تَضَافُرِ هَذِه الرِّوَايَات تصويب مَا قَالَه بن التِّينِ وَاعْتَمَدَ بَعْضُهُمْ فِي تَعَدُّدِ السَّفَرِ عَلَى رِوَايَةٍ لِلطَّبَرَانِيِّ صَرِيحَةٍ فِي ذَلِكَ كَمَا سَيَأْتِي وَاللَّهُ أَعْلَمُ .

     قَوْلُهُ  عِقْدٌ بِكَسْرِ الْمُهْمَلَةِ كُلُّ مَا يُعْقَدُ وَيُعَلَّقُ فِي الْعُنُقِ وَيُسَمَّى قِلَادَةً كَمَا سَيَأْتِي وَفِي التَّفْسِيرِ مِنْ رِوَايَةِ عَمْرِو بْنِ الْحَارِثِ سَقَطَتْ قِلَادَةٌ لِي بِالْبَيْدَاءِ وَنَحْنُ دَاخِلُونَ الْمَدِينَةَ فَأَنَاخَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَنَزَلَ وَهَذَا مُشْعِرٌ بِأَنَّ ذَلِكَ كَانَ عِنْدَ قُرْبِهِمْ مِنَ الْمَدِينَةِ .

     قَوْلُهُ  عَلَى الْتِمَاسِهِ أَيْ لِأَجْلِ طَلَبِهِ وَسَيَأْتِي أَنَّ الْمَبْعُوثَ فِي طَلَبِهِ أُسَيْدُ بْنُ حُضَيْرٍ وَغَيْرُهُ .

     قَوْلُهُ  وَلَيْسُوا عَلَى مَاءٍ وَلَيْسَ مَعَهُمْ مَاءٌ كَذَا لِلْأَكْثَرِ فِي الْمَوْضِعَيْنِ وَسَقَطَتِ الْجُمْلَةُ الثَّانِيَةُ فِي الْمَوْضِعِ الْأَوَّلِ مِنْ رِوَايَةِ أَبِي ذَرٍّ وَاسْتُدِلَّ بِذَلِكَ على جَوَاز الاقامه فِي الْمَكَان الَّذِي لاماء فِيهِ وَكَذَا سلوك الطَّرِيق الَّتِي لاماء فِيهَا وَفِيهِ نَظَرٌ لِأَنَّ الْمَدِينَةَ كَانَتْ قَرِيبَةً مِنْهُمْ وَهُمْ عَلَى قَصْدِ دُخُولِهَا وَيُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَمْ يَعْلَمْ بِعَدَمِ الْمَاءِ مَعَ الرَّكْبِ وَإِنْ كَانَ قَدْ عَلِمَ بِأَنَّ الْمَكَانَ لَا مَاءَ فِيهِ وَيُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ .

     قَوْلُهُ  لَيْسَ مَعَهُمْ مَاءٌ أَيْ لِلْوُضُوءِ.
وَأَمَّا مَا يَحْتَاجُونَ إِلَيْهِ لِلشُّرْبِ فَيُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ مَعَهُمْ وَالْأَوَّلُ مُحْتَمَلٌ لِجَوَازِ إِرْسَالِ الْمَطَرِ أَوْ نَبْعِ الْمَاءِ مِنْ بَيْنِ أَصَابِعِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَمَا وَقَعَ فِي مَوَاطِنَ أُخْرَى وَفِيهِ اعْتِنَاءُ الْإِمَامِ بِحِفْظِ حُقُوق الْمُسلمين وَأَن قلت فقد نقل بن بَطَّالٍ أَنَّهُ رُوِيَ أَنَّ ثَمَنَ الْعِقْدِ الْمَذْكُورِ كَانَ اثْنَيْ عَشَرَ دِرْهَمًا وَيَلْتَحِقُ بِتَحْصِيلِ الضَّائِعِ الْإِقَامَةُ لِلُحُوقِ الْمُنْقَطِعِ وَدَفْنُ الْمَيِّتِ وَنَحْوُ ذَلِكَ مِنْ مَصَالِحِ الرَّعِيَّةِ وَفِيهِ إِشَارَةٌ إِلَى تَرْكِ إِضَاعَةِ الْمَالِ .

     قَوْلُهُ  فَأَتَى النَّاسُ إِلَى أَبِي بَكْرٍ فِيهِ شَكْوَى الْمَرْأَةِ إِلَى أَبِيهَا وَإِنْ كَانَ لَهَا زَوْجٌ وَكَأَنَّهُمْ إِنَّمَا شَكَوْا إِلَى أَبِي بَكْرٍ لِكَوْنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ نَائِمًا وَكَانُوا لَا يُوقِظُونَهُ وَفِيهِ نِسْبَةُ الْفِعْلِ إِلَى مَنْ كَانَ سَبَبًا فِيهِ لِقَوْلِهِمْ صَنَعَتْ وَأَقَامَتْ وَفِيهِ جَوَازُ دُخُولِ الرَّجُلِ عَلَى ابْنتِهِ وَإِنْ كَانَ زَوْجُهَا عِنْدَهَا إِذَا عَلِمَ رِضَاهُ بِذَلِكَ وَلَمْ يَكُنْ حَالَةَ مُبَاشَرَةٍ .

     قَوْلُهُ  فَعَاتَبَنِي أَبُو بَكْرٍ.

     وَقَالَ  مَا شَاءَ اللَّهُ أَنْ يَقُولَ فِي رِوَايَةِ عَمْرِو بْنِ الْحَارِثِ فَقَالَ حَبَسْتِ النَّاسَ فِي قِلَادَةٍ أَيْ بِسَبَبِهَا وَسَيَأْتِي مِنَ الطَّبَرَانِيِّ أَنَّ مِنْ جُمْلَةِ مَا عَاتَبَهَا بِهِ .

     قَوْلُهُ  فِي كُلِّ مَرَّةٍ تَكُونِينَ عَنَاءً وَالنُّكْتَةُ فِي قَوْلِ عَائِشَةَ فَعَاتَبَنِي أَبُو بَكْرٍ وَلَمْ تَقُلْ أَبِي لِأَنَّ قَضِيَّةَ الْأُبُوَّةِ الْحُنُوُّ وَمَا وَقَعَ مِنَ الْعِتَابِ بِالْقَوْلِ والتأديب بِالْفِعْلِ مُغَايِرٌ لِذَلِكَ فِي الظَّاهِرِ فَلِذَلِكَ أَنْزَلَتْهُ مَنْزِلَةَ الْأَجْنَبِيِّ فَلَمْ تَقُلْ أَبِي .

     قَوْلُهُ  يَطْعُنُنِي هُوَ بِضَمِّ الْعَيْنِ وَكَذَا فِي جَمِيعِ مَا هُوَ حِسِّيٌّ.
وَأَمَّا الْمَعْنَوِيُّ فَيُقَالُ يَطْعَنُ بِالْفَتْحِ هَذَا هُوَ الْمَشْهُورُ فِيهِمَا وَحُكِيَ فِيهِمَا الْفَتْحُ مَعًا فِي الْمَطَالِعِ وَغَيْرِهَا وَالضَّمُّ فِيهِمَا حَكَاهُ صَاحِبُ الْجَامِعِ وَفِيهِ تَأْدِيبُ الرَّجُلِ ابْنتَهُ وَلَوْ كَانَتْ مُزَوَّجَةً كَبِيرَةً خَارِجَةً عَنْ بَيْتِهِ وَيَلْحَقُ بِذَلِكَ تَأْدِيبُ مَنْ لَهُ تَأْدِيبُهُ وَلَوْ لَمْ يَأْذَنْ لَهُ الْإِمَامُ .

     قَوْلُهُ  فَلَا يَمْنَعُنِي مِنَ التَّحَرُّكِ فِيهِ اسْتِحْبَابُ الصَّبْرِ لِمَنْ نَالَهُ مَا يُوجِبُ الْحَرَكَةَ أَوْ يَحْصُلُ بِهِ تَشْوِيشٌ لِنَائِمٍ وَكَذَا لِمُصَلٍّ أَوْ قَارِئٍ أَوْ مُشْتَغِلٍ بِعِلْمٍ أَوْ ذِكْرٍ .

     قَوْلُهُ  فَقَامَ حِينَ أَصْبَحَ كَذَا أَوْرَدَهُ هُنَا وَأَوْرَدَهُ فِي فَضْلِ أَبِي بَكْرٍ عَنْ قُتَيْبَةَ عَنْ مَالِكٍ بِلَفْظِ فَنَامَ حَتَّى أَصْبَحَ وَهِيَ رِوَايَةُ مُسْلِمٍ وَرَوَاهُ الْمُوَطَّأُ وَالْمَعْنَى فِيهِمَا مُتَقَارِبٌ لِأَنَّ كُلًّا مِنْهُمَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّ قِيَامَهُ مِنْ نَوْمِهِ كَانَ عِنْدَ الصُّبْحِ.

     وَقَالَ  بَعْضُهُمْ لَيْسَ الْمُرَادُ بِقَوْلِهِ حَتَّى أَصْبَحَ بَيَانَ غَايَةِ النَّوْمِ إِلَى الصَّبَاحِ بَلْ بَيَانُ غَايَةِ فَقْدِ الْمَاءِ إِلَى الصَّبَاحِ لِأَنَّهُ قَيَّدَ قَوْلَهُ حَتَّى أَصْبَحَ بِقَوْلِهِ عَلَى غَيْرِ مَاءٍ أَيْ آلَ أَمْرُهُ إِلَى أَنْ أَصْبَحَ عَلَى غَيْرِ مَاءٍ.
وَأَمَّا رِوَايَةُ عَمْرِو بْنِ الْحَارِثِ فَلَفْظُهَا ثُمَّ إِنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ اسْتَيْقَظَ وَحَضَرَتِ الصُّبْحُ فَإِنْ أُعْرِبَتِ الْوَاوُ حَالِيَّةً كَانَ دَلِيلًا عَلَى أَنَّ الِاسْتِيقَاظَ وَقَعَ حَالَ وُجُودِ الصَّبَاحِ وَهُوَ الظَّاهِرُ وَاسْتُدِلَّ بِهِ عَلَى الرُّخْصَةِ فِي تَرْكِ التَّهَجُّدِ فِي السَّفَرِ إِنْ ثَبَتَ أَنَّ التَّهَجُّدَ كَانَ وَاجِبًا عَلَيْهِ وَعَلَى أَنَّ طَلَبَ الْمَاءِ لَا يَجِبُ إِلَّا بَعْدَ دُخُولِ الْوَقْتِ لِقَوْلِهِ فِي رِوَايَةِ عَمْرِو بْنِ الْحَارِثِ بَعْدَ قَوْلِهِ وَحَضَرَتِ الصُّبْحُ فَالْتَمَسَ الْمَاءَ فَلَمْ يُوجَدْ وَعَلَى أَنَّ الْوُضُوءَ كَانَ وَاجِبًا عَلَيْهِمْ قبل نزُول آيَة الْوضُوء وَلِهَذَا اسْتَعْظَمُوا نُزُولَهُمْ عَلَى غَيْرِ مَاءٍ وَوَقَعَ مِنْ أَبِي بَكْرٍ فِي حَقِّ عَائِشَةَ مَا وَقَعَ قَالَ بن عَبْدِ الْبَرِّ مَعْلُومٌ عِنْدَ جَمِيعِ أَهْلِ الْمَغَازِي أَنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَمْ يُصَلِّ مُنْذُ افْتُرِضَتِ الصَّلَاةُ عَلَيْهِ إِلَّا بِوُضُوءٍ وَلَا يَدْفَعُ ذَلِكَ إِلَّا جَاهِلٌ أَوْ مُعَانِدٌ قَالَ وَفِي قَوْلِهِ فِي هَذَا الْحَدِيثِ آيَةُ التَّيَمُّمِ إِشَارَةٌ إِلَى أَنَّ الَّذِي طَرَأَ إِلَيْهِمْ مِنَ الْعِلْمِ حِينَئِذٍ حُكْمُ التَّيَمُّمِ لَا حُكْمُ الْوُضُوءِ قَالَ وَالْحِكْمَةُ فِي نُزُولِ آيَةِ الْوُضُوءِ مَعَ تَقَدُّمِ الْعَمَلِ بِهِ لِيَكُونَ فَرْضُهُ مَتْلُوًّا بِالتَّنْزِيلِ.

     وَقَالَ  غَيْرُهُ يُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ أَوَّلُ آيَةِ الْوُضُوءِ نَزَلَ قَدِيمًا فَعَلِمُوا بِهِ الْوُضُوءَ ثُمَّ نَزَلَ بَقِيَّتُهَا وَهُوَ ذِكْرُ التَّيَمُّمِ فِي هَذِهِ الْقِصَّةِ وَإِطْلَاقُ آيَةِ التَّيَمُّمِ عَلَى هَذَا مِنْ تَسْمِيَةِ الْكُلِّ بِاسْمِ الْبَعْضِ لَكِنَّ رِوَايَةَ عَمْرِو بْنِ الْحَارِثِ الَّتِي قَدَّمْنَا أَنَّ الْمُصَنِّفَ أَخْرَجَهَا فِي التَّفْسِيرِ تَدُلُّ عَلَى أَنَّ الْآيَةَ نَزَلَتْ جَمِيعًا فِي هَذِهِ الْقِصَّةِ فَالظَّاهِرُ مَا قَالَهُ بن عَبْدِ الْبَرِّ .

     قَوْلُهُ  فَأَنْزَلَ اللَّهُ آيَةَ التَّيَمُّمِ قَالَ بن الْعَرَبِيِّ هَذِهِ مُعْضِلَةٌ مَا وَجَدْتُ لِدَائِهَا مِنْ دَوَاءٍ لِأَنَّا لَا نَعْلَمُ أَيَّ الْآيَتَيْنِ عَنَتْ عَائِشَة قَالَ بن بَطَّالٍ هِيَ آيَةُ النِّسَاءِ أَوْ آيَةُ الْمَائِدَةِ.

     وَقَالَ  الْقُرْطُبِيُّ هِيَ آيَةُ النِّسَاءِ وَوَجَّهَهُ بِأَنَّ آيَةَ الْمَائِدَةِ تُسَمَّى آيَةَ الْوُضُوءِ وَآيَةُ النِّسَاءِ لَا ذِكْرَ فِيهَا لِلْوُضُوءِ فَيُتَّجَهُ تَخْصِيصُهَا بِآيَةِ التَّيَمُّمِ وَأَوْرَدَ الْوَاحِدِيُّ فِي أَسْبَابِ النُّزُولِ هَذَا الْحَدِيثَ عِنْدَ ذِكْرِ آيَةِ النِّسَاءِ أَيْضًا وَخَفِيَ عَلَى الْجَمِيعِ مَا ظَهَرَ لِلْبُخَارِيِّ مِنْ أَنَّ الْمُرَادَ بِهَا آيَةُ الْمَائِدَةِ بِغَيْرِ تَرَدُّدٍ لِرِوَايَةِ عَمْرِو بْنِ الْحَارِثِ إِذْ صَرَّحَ فِيهَا بِقَوْلِهِ فَنَزَلَتْ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا قُمْتُمْ إِلَى الصَّلَاة الْآيَةَ .

     قَوْلُهُ  فَتَيَمَّمُوا يُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ خَبَرًا عَنْ فِعْلِ الصَّحَابَةِ أَيْ فَتَيَمَّمَ النَّاسُ بَعْدَ نُزُولِ الْآيَةِ وَيُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ حِكَايَةً لِبَعْضِ الْآيَةِ وَهُوَ الْأَمْرُ فِي قَوْلِهِ فَتَيَمَّمُوا صَعِيدًا طيبا بَيَانًا لِقَوْلِهِ آيَةُ التَّيَمُّمِ أَوْ بَدَلًا وَاسْتُدِلَّ بِالْآيَةِ عَلَى وُجُوبِ النِّيَّةِ فِي التَّيَمُّمِ لِأَنَّ مَعْنَى فَتَيَمَّمُوا اقْصِدُوا كَمَا تَقَدَّمَ وَهُوَ قَوْلُ فُقَهَاءِ الْأَمْصَارِ إِلَّا الْأَوْزَاعِيَّ وَعَلَى أَنَّهُ يَجِبُ نَقْلُ التُّرَابِ وَلَا يَكْفِي هُبُوبُ الرِّيحِ بِهِ بِخِلَافِ الْوُضُوءِ كَمَا لَوْ أَصَابَهُ مَطَرٌ فَنَوَى الْوُضُوءَ بِهِ فَإِنَّهُ يُجْزِئُ وَالْأَظْهَرُ الْإِجْزَاءُ لِمَنْ قَصَدَ التُّرَابَ مِنَ الرِّيحِ الْهَابَّةِ بِخِلَافِ مَنْ لَمْ يَقْصِدْ وَهُوَ اخْتِيَارُ الشَّيْخِ أَبِي حَامِدٍ وعَلى تعين الصَّعِيدِ الطَّيِّبِ لِلتَّيَمُّمِ لَكِنِ اخْتَلَفَ الْعُلَمَاءُ فِي الْمُرَادِ بِالصَّعِيدِ الطَّيِّبِ كَمَا سَيَأْتِي فِي بَابِهِ قَرِيبًا وَعَلَى أَنَّهُ يَجِبُ التَّيَمُّمُ لِكُلِّ فَرِيضَةٍ وَسَنَذْكُرُ تَوْجِيهَهُ وَمَا يُرَدُّ عَلَيْهِ بَعْدَ أَرْبَعَةِ أَبْوَابٍ تَنْبِيهٌ لَمْ يَقَعْ فِي شَيْءٍ مِنْ طُرُقِ حَدِيثِ عَائِشَةَ هَذَا كَيْفِيَّةُ التَّيَمُّمِ وَقَدْ رَوَى عَمَّارُ بْنُ يَاسِرٍ قِصَّتَهَا هَذِهِ فَبَيَّنَ ذَلِكَ لَكِنِ اخْتَلَفَ الرُّوَاةُ عَلَى عَمَّارٍ فِي الْكَيْفِيَّةِ كَمَا سَنَذْكُرُهُ وَنُبَيِّنُ الْأَصَحَّ مِنْهُ فِي بَابِ التَّيَمُّمِ لِلْوَجْهِ وَالْكَفَّيْنِ .

     قَوْلُهُ  فَقَالَ أُسَيْدٌ هُوَ بِالتَّصْغِيرِ بن الْحضير بِمُهْملَة ثمَّ مُعْجمَة مُصَغرًا أَيْضًا وَهُوَ مِنْ كِبَارِ الْأَنْصَارِ وَسَيَأْتِي ذِكْرُهُ فِي الْمَنَاقِبِ وَإِنَّمَا قَالَ مَا قَالَ دُونَ غَيْرِهِ لِأَنَّهُ كَانَ رَأْسَ مَنْ بُعِثَ فِي طَلَبِ الْعِقْدِ الَّذِي ضَاعَ .

     قَوْلُهُ  مَا هِيَ بِأَوَّلِ بَرَكَتِكُمْ أَيْ بَلْ هِيَ مَسْبُوقَةٌ بِغَيْرِهَا مِنَ الْبَرَكَاتِ وَالْمُرَادُ بِآلِ أَبِي بَكْرٍ نَفْسُهُ وَأَهْلُهُ وَأَتْبَاعُهُ وَفِيهِ دَلِيلٌ عَلَى فَضْلِ عَائِشَةَ وَأَبِيهَا وَتَكْرَارِ الْبَرَكَةِ مِنْهُمَا وَفِي رِوَايَةِ عَمْرِو بْنِ الْحَارِثِ لَقَدْ بَارَكَ اللَّهُ لِلنَّاسِ فِيكُمْ وَفِي تَفْسِير إِسْحَاق البستي من طَرِيق بن أَبِي مُلَيْكَةَ عَنْهَا أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ لَهَا مَا كَانَ أَعْظَمَ بَرَكَةَ قِلَادَتِكِ وَفِي رِوَايَةِ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ الْآتِيَةِ فِي الْبَابِ الَّذِي يَلِيهِ فَوَاللَّهِ مَا نَزَلَ بِكِ مِنْ أَمْرٍ تَكْرَهِينَهُ إِلَّا جَعَلَ اللَّهُ لِلْمُسْلِمِينَ فِيهِ خَيْرًا وَفِي النِّكَاحِ مِنْ هَذَا الْوَجْهِ إِلَّا جَعَلَ اللَّهُ لَكِ مِنْهُ مَخْرَجًا وَجَعَلَ لِلْمُسْلِمِينَ فِيهِ بَرَكَةً وَهَذَا يُشْعِرُ بِأَنَّ هَذِهِ الْقِصَّةَ كَانَتْ بَعْدَ قِصَّةِ الْإِفْكِ فَيَقْوَى قَوْلُ مَنْ ذَهَبَ إِلَى تَعَدُّدِ ضَيَاعِ الْعِقْدِ وَمِمَّنْ جَزَمَ بِذَلِكَ مُحَمَّدُ بْنُ حَبِيبٍ الْإِخْبَارِيُّ فَقَالَ سَقَطَ عِقْدُ عَائِشَةَ فِي غَزْوَةِ ذَاتِ الرِّقَاعِ وَفِي غَزْوَةِ بَنِي الْمُصْطَلِقِ وَقَدِ اخْتَلَفَ أَهْلُ الْمَغَازِي فِي أَيِّ هَاتَيْنِ الْغَزَاتَيْنِ كَانَتْ أَوَّلًا.

     وَقَالَ  الدَّاوُدِيُّ كَانَتْ قِصَّةُ التَّيَمُّمِ فِي غَزَاةِ الْفَتْحِ ثُمَّ تَرَدَّدَ فِي ذَلِكَ وَقد روى بن أَبِي شَيْبَةَ مِنْ حَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ لَمَّا نَزَلَتْ آيَةُ التَّيَمُّمِ لَمْ أَدْرِ كَيْفَ أَصْنَعُ الْحَدِيثَ فَهَذَا يَدُلُّ عَلَى تَأَخُّرِهَا عَنْ غَزْوَةِ بَنِي الْمُصْطَلِقِ لِأَنَّ إِسْلَامَ أَبِي هُرَيْرَةَ كَانَ فِي السَّنَةِ السَّابِعَةِ وَهِيَ بَعْدَهَا بِلَا خِلَافٍ وَسَيَأْتِي فِي الْمَغَازِي أَنَّ الْبُخَارِيَّ يَرَى أَنَّ غَزْوَةَ ذَاتِ الرِّقَاعِ كَانَتْ بَعْدَ قُدُومِ أَبِي مُوسَى وَقُدُومُهُ كَانَ وَقْتَ إِسْلَامِ أَبِي هُرَيْرَةَ وَمِمَّا يَدُلُّ عَلَى تَأَخُّرِ الْقِصَّةِ أَيْضًا عَنْ قِصَّةِ الْإِفْكِ مَا رَوَاهُ الطَّبَرَانِيُّ مِنْ طَرِيقِ عَبَّادِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الزُّبَيْرِ عَنْ عَائِشَةَ قَالَتْ لَمَّا كَانَ مِنْ أَمْرِ عِقْدِي مَا كَانَ.

     وَقَالَ  أَهْلُ الْإِفْكِ مَا قَالُوا خَرَجْتُ مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي غَزْوَةٍ أُخْرَى فَسَقَطَ أَيْضًا عِقْدِي حَتَّى حَبَسَ النَّاسَ عَلَى الْتِمَاسِهِ فَقَالَ لِي أَبُو بَكْرٍ يَا بُنَيَّةُ فِي كُلِّ سَفْرَةٍ تَكُونِينَ عَنَاءً وَبَلَاءً عَلَى النَّاسِ فَأَنْزَلَ الله عز وَجل الرُّخْصَة فِي التَّيَمُّم فَقَالَ أَبُو بَكْرٍ إِنَّكِ لَمُبَارَكَةٌ ثَلَاثًا وَفِي إِسْنَادِهِ مُحَمَّدُ بْنُ حُمَيْدٍ الرَّازِيُّ وَفِيهِ مَقَالٌ وَفِي سِيَاقِهِ مِنَ الْفَوَائِدِ بَيَانُ عِتَابِ أَبِي بَكْرٍ الَّذِي أُبْهِمَ فِي حَدِيثِ الْبَابِ وَالتَّصْرِيحُ بِأَنَّ ضَيَاعَ الْعِقْدِ كَانَ مَرَّتَيْنِ فِي غَزْوَتَيْنِ وَاللَّهُ أَعْلَمُ .

     قَوْلُهُ  فَبَعَثْنَا أَيْ أَثَرْنَا الْبَعِيرَ الَّذِي كُنْتِ عَلَيْهِ أَيْ حَالَةَ السَّفَرِ .

     قَوْلُهُ  فَأَصَبْنَا الْعِقْدَ تَحْتَهُ ظَاهِرٌ فِي أَنَّ الَّذِينَ تَوَجَّهُوا فِي طَلَبِهِ أَوَّلًا لَمْ يَجِدُوهُ وَفِي رِوَايَةِ عُرْوَةَ فِي الْبَابِ الَّذِي يَلِيهِ فَبَعَثَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ رَجُلًا فَوَجَدَهَا أَيِ الْقِلَادَةَ وَلِلْمُصَنِّفِ فِي فَضْلِ عَائِشَةَ مِنْ هَذَا الْوَجْهِ وَكَذَا لِمُسْلِمٍ فَبَعَثَ نَاسًا مِنْ أَصْحَابِهِ فِي طَلَبِهَا وَلِأَبِي دَاوُدَ فَبَعَثَ أُسَيْدَ بْنَ حُضَيْرٍ وَنَاسًا مَعَهُ وَطَرِيقُ الْجَمْعِ بَيْنَ هَذِهِ الرِّوَايَاتِ أَنَّ أُسَيْدًا كَانَ رَأْسَ مَنْ بُعِثَ لِذَلِكَ فَلِذَلِكَ سُمِّيَ فِي بَعْضِ الرِّوَايَاتِ دُونَ غَيْرِهِ وَكَذَا أَسْنَدَ الْفِعْلَ إِلَى وَاحِدٍ مُبْهَمٍ وَهُوَ الْمُرَادُ بِهِ وَكَأَنَّهُمْ لَمْ يَجِدُوا الْعِقْدَ أَوَّلًا فَلَمَّا رَجَعُوا وَنَزَلَتْ آيَةُ التَّيَمُّمِ وَأَرَادُوا الرَّحِيلَ وَأَثَارُوا الْبَعِيرَ وَجَدَهُ أُسَيْدُ بْنُ حُضَيْرٍ فَعَلَى هَذَا فَ.

     قَوْلُهُ  فِي رِوَايَةِ عُرْوَةَ الْآتِيَةِ فَوَجَدَهَا أَيْ بَعْدَ جَمِيعِ مَا تَقَدَّمَ مِنَ التَّفْتِيشِ وَغَيْرِهِ.

     وَقَالَ  النَّوَوِيُّ يُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ فَاعِلُ وَجَدَهَا النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَقَدْ بَالَغَ الدَّاوُدِيُّ فِي تَوْهِيمِ رِوَايَةِ عُرْوَةَ وَنُقِلَ عَنْ إِسْمَاعِيلَ الْقَاضِي أَنَّهُ حَمَلَ الْوَهْمَ فِيهَا عَلَى عَبْدِ اللَّهِ بْنِ نُمَيْرٍ وَقَدْ بَانَ بِمَا ذَكَرْنَا مِنَ الْجَمْعِ بَيْنَ الرِّوَايَتَيْنِ أَنْ لَا تَخَالُفَ بَيْنَهُمَا وَلَا وَهْمَ وَفِي الْحَدِيثَيْنِ اخْتِلَافٌ آخَرُ وَهُوَ قَوْلُ عَائِشَةَ انْقَطَعَ عِقْدٌ لِي .

     وَقَالَتْ  فِي رِوَايَةِ عَمْرِو بْنِ الْحَارِثِ سَقَطَتْ قِلَادَةٌ لِي وَفِي رِوَايَةِ عُرْوَةَ الْآتِيَةِ عَنْهَا أَنَّهَا اسْتَعَارَتْ قِلَادَةً مِنْ أَسْمَاءَ يَعْنِي أُخْتَهَا فَهَلَكَتْ أَيْ ضَاعَتْ وَالْجَمْعُ بَيْنَهُمَا أَنَّ إِضَافَةَ الْقِلَادَةِ إِلَى عَائِشَةَ لِكَوْنِهَا فِي يَدِهَا وَتَصَرُّفِهَا وَإِلَى أَسْمَاءَ لِكَوْنِهَا مِلْكَهَا لِتَصْرِيحِ عَائِشَةَ فِي رِوَايَةِ عُرْوَةَ بِأَنَّهَا اسْتَعَارَتْهَا مِنْهَا وَهَذَا كُلُّهُ بِنَاءٌ عَلَى اتِّحَادِ الْقِصَّةِ وَقَدْ جَنَحَ الْبُخَارِيُّ فِي التَّفْسِيرِ إِلَى تَعَدُّدِهَا حَيْثُ أَوْرَدَ حَدِيثَ الْبَابِ فِي تَفْسِيرِ الْمَائِدَةِ وَحَدِيثَ عُرْوَةَ فِي تَفْسِيرِ النِّسَاءِ فَكَانَ نُزُولُ آيَةِ الْمَائِدَةِ بِسَبَبِ عِقْدِ عَائِشَةَ وَآيَةِ النِّسَاءِ بِسَبَبِ قِلَادَةِ أَسْمَاءَ وَمَا تَقَدَّمَ مِنِ اتِّحَادِ الْقِصَّةِ أَظْهَرُ وَاللَّهُ أَعْلَمُ فَائِدَةٌ وَقَعَ فِي رِوَايَةِ عَمَّارٍ عِنْدَ أَبِي دَاوُدَ وَغَيْرِهِ فِي هَذِهِ الْقِصَّةِ أَنَّ الْعِقْدَ الْمَذْكُورَ كَانَ مِنْ جَزْعِ ظِفَارٍ وَكَذَا وَقَعَ فِي قِصَّةِ الْإِفْكِ كَمَا سَيَأْتِي فِي مَوْضِعِهِ إِنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى وَالْجَزْعُ بِفَتْحِ الْجِيمِ وَسُكُونِ الزَّايِ خَرَزٌ يَمَنِيٌّ وَظِفَارٌ مَدِينَةٌ تَقَدَّمَ ذِكْرُهَا فِي بَابِ الطِّيبِ لِلْمَرْأَةِ عِنْدَ غُسْلِهَا مِنَ الْمَحِيضِ وَفِي هَذَا الْحَدِيثِ مِنَ الْفَوَائِدِ غَيْرِ مَا تَقَدَّمَ جَوَازُ السَّفَرِ بِالنِّسَاءِ وَاتِّخَاذِهِنَّ الْحُلِيَّ تَجَمُّلًا لِأَزْوَاجِهِنَّ وَجَوَازُ السَّفَرِ بِالْعَارِيَةِ وَهُوَ مَحْمُولٌ عَلَى رِضَا صَاحبهَا

[ قــ :33 ... غــ :335] .

     قَوْلُهُ  حَدَّثَنِي سَعِيدُ بْنُ النَّضْرِ قَالَ أَخْبَرَنَا هُشَيْمٌ إِنَّمَا لَمْ يَجْمَعِ الْبُخَارِيُّ بَيْنَ شَيْخَيْهِ فِي هَذَا الْحَدِيثِ مَعَ كَوْنِهِمَا حَدَّثَاهُ بِهِ عَنْ هُشَيْمٍ لِأَنَّهُ سَمِعَهُ مِنْهُمَا مُتَفَرِّقَيْنِ وَكَأَنَّهُ سَمِعَهُ مِنْ مُحَمَّدِ بْنِ سِنَانٍ مَعَ غَيْرِهِ فَلِهَذَا جَمَعَ فَقَالَ حَدَّثَنَا وَسَمِعَهُ مِنْ سَعِيدٍ وَحْدَهُ فَلِهَذَا أَفْرَدَ فَقَالَ حَدَّثَنِي وَكَأَنَّ مُحَمَّدًا سَمِعَهُ مِنْ لَفْظِ هُشَيْمٍ فَلِهَذَا قَالَ حَدَّثَنَا وَكَأَنَّ سَعِيدًا قَرَأَهُ أَوْ سَمِعَهُ يَقْرَأُ عَلَى هُشَيْمٍ فَلِهَذَا قَالَ أَخْبَرَنَا وَمُرَاعَاةُ هَذَا كُلِّهِ عَلَى سَبِيلِ الِاصْطِلَاحِ ثُمَّ إِنَّ سِيَاقَ الْمَتْنِ لَفْظُ سَعِيدٍ وَقَدْ ظَهَرَ بِالِاسْتِقْرَاءِ مِنْ صَنِيعِ الْبُخَارِيِّ أَنَّهُ إِذَا أَوْرَدَ الْحَدِيثَ عَنْ غَيْرِ وَاحِدٍ فَإِنَّ اللَّفْظَ يَكُونُ لِلْأَخِيرِ وَاللَّهُ أَعْلَمُ .

     قَوْلُهُ  أَخْبَرَنَا سَيَّارٌ بِمُهْمَلَةٍ بَعْدَهَا تَحْتَانِيَّةٌ مُشَدَّدَةٌ وَآخِرُهُ رَاءٌ هُوَ أَبُو الْحَكَمِ الْعَنْزِيُّ الْوَاسِطِيُّ الْبَصْرِيُّ وَاسْمُ أَبِيهِ وَرْدَانُ عَلَى الْأَشْهَرِ وَيُكَنَّى أَبَا سَيَّارٍ اتَّفَقُوا عَلَى تَوْثِيقِ سَيَّارٍ وَأَخْرَجَ لَهُ الْأَئِمَّةُ السِّتَّةُ وَغَيْرُهُمْ وَقَدْ أَدْرَكَ بَعْضَ الصَّحَابَةِ لَكِنْ لَمْ يَلْقَ أَحَدًا مِنْهُمْ فَهُوَ مِنْ كِبَارِ أَتْبَاعِ التَّابِعِينَ وَلَهُمْ شَيْخٌ آخَرُ يُقَالُ لَهُ سَيَّارٌ لَكِنَّهُ تَابِعِيٌّ شَامِيٌّ أَخْرَجَ لَهُ التِّرْمِذِيّ وَذكره بن حِبَّانَ فِي الثِّقَاتِ وَإِنَّمَا ذَكَرْتُهُ لِأَنَّهُ رَوَى مَعْنَى حَدِيثِ الْبَابِ عَنْ أَبِي أُمَامَةَ وَلَمْ يُنْسَبْ فِي الرِّوَايَةِ كَمَا لَمْ يُنْسَبْ سَيَّارٌ فِي حَدِيثِ الْبَابِ فَرُبَّمَا ظَنَّهُمَا بَعْضُ مَنْ لَا تَمْيِيزَ لَهُ وَاحِدًا فَيَظُنُّ أَنَّ فِي الْإِسْنَادِ اخْتِلَافًا وَلَيْسَ كَذَلِكَ .

     قَوْلُهُ  حَدَّثَنَا يَزِيدُ الْفَقِير هُوَ بن صُهَيْبٍ يُكَنَّى أَبَا عُثْمَانَ تَابِعِيُّ مَشْهُورٌ قِيلَ لَهُ الْفَقِيرُ لِأَنَّهُ كَانَ يَشْكُوُ فَقَارِ ظَهْرِهِ وَلَمْ يَكُنْ فَقِيرًا مِنَ الْمَالِ قَالَ صَاحِبُ الْمُحْكَمِ رَجُلٌ فَقِيرٌ مَكْسُورُ فَقَارِ الظَّهْرِ وَيُقَالُ لَهُ فَقِّيرٌ بِالتَّشْدِيدِ أَيْضًا فَائِدَةٌ مَدَارُ حَدِيثِ جَابِرٍ هَذَا عَلَى هُشَيْمٍ بِهَذَا الْإِسْنَادِ وَلَهُ شَوَاهِد من حَدِيث بن عَبَّاسٍ وَأَبِي مُوسَى وَأَبِي ذَرٍّ مِنْ رِوَايَةِ عَمْرِو بْنِ شُعَيْبٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ جَدِّهِ رَوَاهَا كُلَّهَا أَحْمَدُ بِأَسَانِيدَ حِسَانٍ .

     قَوْلُهُ  أُعْطِيتُ خَمْسًا بَيَّنَ فِي رِوَايَةِ عَمْرِو بْنِ شُعَيْبٍ أَنَّ ذَلِكَ كَانَ فِي غَزْوَةِ تَبُوكَ وَهِيَ آخِرُ غَزَوَاتِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ .

     قَوْلُهُ  لَمْ يُعْطَهُنَّ أَحَدٌ قَبْلِي زَادَ فِي الصَّلَاةِ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ سِنَانٍ مِنَ الْأَنْبِيَاء وَفِي حَدِيث بن عَبَّاسٍ لَا أَقُولُهُنَّ فَخْرًا وَمَفْهُومُهُ أَنَّهُ لَمْ يَخْتَصَّ بِغَيْرِ الْخَمْسِ الْمَذْكُورَةِ لَكِنْ رَوَى مُسْلِمٌ مِنْ حَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ مَرْفُوعًا فُضِّلْتُ عَلَى الْأَنْبِيَاءِ بِسِتٍّ فَذَكَرَ أَرْبَعًا مِنْ هَذِهِ الْخَمْسِ وَزَاد اثْنَتَيْنِ كَمَا سَيَأْتِي بَعْدُ وَطَرِيقُ الْجَمْعِ أَنْ يُقَالَ لَعَلَّهُ اطَّلَعَ أَوَّلًا عَلَى بَعْضِ مَا اخْتُصَّ بِهِ ثُمَّ اطَّلَعَ عَلَى الْبَاقِي وَمَنْ لَا يَرَى مَفْهُومَ الْعَدَدِ حُجَّةً يَدْفَعُ هَذَا الْإِشْكَالَ مِنْ أَصْلِهِ وَظَاهِرُ الْحَدِيثِ يَقْتَضِي أَنَّ كُلَّ وَاحِدَةٍ مِنَ الْخَمْسِ الْمَذْكُورَاتِ لَمْ تَكُنْ لِأَحَدٍ قَبْلَهُ وَهُوَ كَذَلِكَ وَلَا يُعْتَرَضُ بِأَنَّ نُوحًا عَلَيْهِ السَّلَامَ كَانَ مَبْعُوثًا إِلَى أَهْلِ الْأَرْضِ بَعْدَ الطُّوفَانِ لِأَنَّهُ لَمْ يَبْقَ إِلَّا مَنْ كَانَ مُؤْمِنًا مَعَهُ وَقَدْ كَانَ مُرْسَلًا إِلَيْهِمْ لِأَنَّ هَذَا الْعُمُومَ لَمْ يَكُنْ فِي أَصْلِ بَعْثَتِهِ وَإِنَّمَا اتَّفَقَ بِالْحَادِثِ الَّذِي وَقَعَ وَهُوَ انْحِصَارُ الْخَلْقِ فِي الْمَوْجُودِينَ بَعْدَ هَلَاكِ سَائِرِ النَّاسِ.
وَأَمَّا نَبِيُّنَا صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَعُمُومُ رِسَالَتِهِ مِنْ أَصْلِ الْبَعْثَةِ فَثَبَتَ اخْتِصَاصُهُ بِذَلِكَ.
وَأَمَّا قَوْلُ أَهْلِ الْمَوْقِفِ لِنُوحٍ كَمَا صَحَّ فِي حَدِيثِ الشَّفَاعَةِ أَنْتَ أَوَّلُ رَسُولٍ إِلَى أَهْلِ الْأَرْضِ فَلَيْسَ الْمُرَادُ بِهِ عُمُومَ بَعْثَتِهِ بَلْ إِثْبَاتُ أَوَّلِيَّةِ إِرْسَالِهِ وَعَلَى تَقْدِيرِ أَنْ يَكُونَ مُرَادًا فَهُوَ مَخْصُوصٌ بِتَنْصِيصِهِ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى فِي عِدَّةِ آيَاتٍ عَلَى أَنَّ إِرْسَالَ نُوحٍ كَانَ إِلَى قَوْمِهِ وَلَمْ يَذْكُرْ أَنَّهُ أُرْسِلَ إِلَى غَيْرِهِمْ وَاسْتَدَلَّ بَعْضُهُمْ لِعُمُومِ بَعْثَتِهِ بِكَوْنِهِ دَعَا عَلَى جَمِيعِ مَنْ فِي الْأَرْضِ فَأُهْلِكُوا بِالْغَرَقِ إِلَّا أَهْلَ السَّفِينَةِ وَلَوْ لَمْ يَكُنْ مَبْعُوثًا إِلَيْهِمْ لَمَا أُهْلِكُوا لِقَوْلِهِ تَعَالَى وَمَا كُنَّا مُعَذِّبِينَ حَتَّى نَبْعَثَ رَسُولا وَقَدْ ثَبَتَ أَنَّهُ أَوَّلُ الرُّسُلِ وَأُجِيبَ بِجَوَازِ أَنْ يَكُونَ غَيْرُهُ أُرْسِلَ إِلَيْهِمْ فِي أَثْنَاءِ مُدَّةِ نُوحٍ وَعَلِمَ نُوحٌ بِأَنَّهُمْ لَمْ يُؤْمِنُوا فَدَعَا عَلَى مَنْ لَمْ يُؤْمِنْ مِنْ قَوْمِهِ وَمِنْ غَيْرِهِمْ فَأُجِيبَ وَهَذَا جَوَابٌ حَسَنٌ لَكِنْ لَمْ يُنْقَلْ أَنَّهُ نُبِّئَ فِي زَمَنِ نُوحٍ غَيْرُهُ وَيُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ مَعْنَى الْخُصُوصِيَّةِ لِنَبِيِّنَا صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي ذَلِكَ بَقَاءَ شَرِيعَتِهِ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ وَنُوحٌ وَغَيْرُهُ بِصَدَدِ أَنْ يُبْعَثَ نَبِيٌّ فِي زَمَانِهِ أَوْ بَعْدَهُ فَيَنْسَخَ بَعْضَ شَرِيعَتِهِ وَيُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ دُعَاؤُهُ قَوْمَهُ إِلَى التَّوْحِيدِ بَلَغَ بَقِيَّةَ النَّاسِ فَتَمَادَوْا عَلَى الشِّرْكِ فَاسْتَحَقُّوا الْعِقَابَ وَإِلَى هَذَا نَحَا بن عَطِيَّةَ فِي تَفْسِيرِ سُورَةِ هُودٍ قَالَ وَغَيْرُ مُمْكِنٍ أَنْ تَكُونَ نُبُوَّتُهُ لَمْ تَبْلُغِ الْقَرِيبَ والبعيد لطول مدَّته وَوَجهه بن دَقِيقِ الْعِيدِ بِأَنَّ تَوْحِيدَ اللَّهِ تَعَالَى يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ عَامًّا فِي حَقِّ بَعْضِ الْأَنْبِيَاءِ وَإِنْ كَانَ الْتِزَامُ فُرُوعِ شَرِيعَتِهِ لَيْسَ عَامًّا لِأَنَّ مِنْهُمْ مَنْ قَاتَلَ غَيْرَ قَوْمِهِ عَلَى الشِّرْكِ وَلَوْ لَمْ يَكُنِ التَّوْحِيدُ لَازِمًا لَهُمْ لَمْ يُقَاتِلْهُمْ وَيُحْتَمَلُ أَنَّهُ لَمْ يَكُنْ فِي الْأَرْضِ عِنْدَ إِرْسَالِ نُوحٍ إِلَّا قَوْمُ نُوحٍ فَبَعْثَتُهُ خَاصَّةٌ لِكَوْنِهَا إِلَى قَوْمِهِ فَقَطْ وَهِيَ عَامَّةٌ فِي الصُّورَةِ لِعَدَمِ وُجُودِ غَيْرِهِمْ لَكِنْ لَوِ اتَّفَقَ وُجُودُ غَيْرِهِمْ لَمْ يَكُنْ مَبْعُوثًا إِلَيْهِمْ وَغَفَلَ الدَّاوُدِيُّ الشَّارِحُ غَفْلَةً عَظِيمَةً فَقَالَ .

     قَوْلُهُ  لَمْ يُعْطَهُنَّ أَحَدٌ يَعْنِي لَمْ تُجْمَعْ لِأَحَدٍ قَبْلَهُ لِأَنَّ نُوحًا بُعِثَ إِلَى كَافَّةِ النَّاسِ.
وَأَمَّا الْأَرْبَعُ فَلَمْ يُعْطَ أَحَدٌ وَاحِدَةً مِنْهُنَّ وَكَأَنَّهُ نَظَرَ فِي أَوَّلِ الْحَدِيثِ وَغَفَلَ عَنْ آخِرِهِ لِأَنَّهُ نَصَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى خُصُوصِيَّتِهِ بِهَذِهِ أَيْضًا لِقَوْلِهِ وَكَانَ النَّبِيُّ يُبْعَثُ إِلَى قَوْمِهِ خَاصَّةً وَفِي رِوَايَةِ مُسْلِمٍ وَكَانَ كُلُّ نَبِيٍّ إِلَخْ .

     قَوْلُهُ  نُصِرْتُ بِالرُّعْبِ زَادَ أَبُو أُمَامَةَ يُقْذَفُ فِي قُلُوبِ أَعْدَائِي أَخْرَجَهُ أَحْمَدُ .

     قَوْلُهُ  مَسِيرَةَ شَهْرٍ مَفْهُومُهُ أَنَّهُ لَمْ يُوجَدْ لِغَيْرِهِ النَّصْرُ بِالرُّعْبِ فِي هَذِهِ الْمُدَّةِ وَلَا فِي أَكْثَرَ مِنْهَا أَمَّا مَا دُونَهَا فَلَا لَكِنَّ لَفْظَ رِوَايَةِ عَمْرِو بْنِ شُعَيْبٍ وَنُصِرْتُ عَلَى الْعَدُوِّ بِالرُّعْبِ وَلَوْ كَانَ بَيْنِي وَبَيْنَهُمْ مَسِيرَةُ شَهْرٍ فَالظَّاهِرُ اخْتِصَاصُهُ بِهِ مُطْلَقًا وَإِنَّمَا جَعَلَ الْغَايَةَ شَهْرًا لِأَنَّهُ لَمْ يَكُنْ بَيْنَ بَلَدِهِ وَبَيْنَ أَحَدٍ مِنْ أَعْدَائِهِ أَكْثَرُ مِنْهُ وَهَذِهِ الْخُصُوصِيَّةُ حَاصِلَةٌ لَهُ عَلَى الْإِطْلَاقِ حَتَّى لَوْ كَانَ وَحْدَهُ بِغَيْرِ عَسْكَرٍ وَهَلْ هِيَ حَاصِلَةٌ لِأُمَّتِهِ مِنْ بَعْدِهِ فِيهِ احْتِمَالٌ .

     قَوْلُهُ  وَجُعِلَتْ لِيَ الْأَرْضُ مَسْجِدًا أَيْ مَوْضِعَ سُجُودٍ لَا يَخْتَصُّ السُّجُودُ مِنْهَا بِمَوْضِعٍ دُونَ غَيْرِهِ وَيُمْكِنُ أَنْ يَكُونَ مَجَازًا عَنِ الْمَكَانِ الْمَبْنِيِّ لِلصَّلَاةِ وَهُوَ مِنْ مَجَازِ التَّشْبِيهِ لِأَنَّهُ لَمَّا جَازَتِ الصَّلَاةُ فِي جَمِيعِهَا كَانَت كالمسجد فِي ذَلِك قَالَ بن التِّين قِيلَ الْمُرَادُ جُعِلَتْ لِيَ الْأَرْضُ مَسْجِدًا وَطَهُورًا وَجُعِلَتْ لِغَيْرِي مَسْجِدًا وَلَمْ تُجْعَلْ لَهُ طَهُورًا لِأَنَّ عِيسَى كَانَ يَسِيحُ فِي الْأَرْضِ وَيُصَلِّي حَيْثُ أَدْرَكَتْهُ الصَّلَاةُ كَذَا قَالَ وَسَبَقَهُ إِلَى ذَلِكَ الدَّاوُدِيُّ وَقِيلَ إِنَّمَا أُبِيحَتْ لَهُمْ فِي مَوْضِعٍ يَتَيَقَّنُونَ طَهَارَتَهُ بِخِلَافِ هَذِهِ الْأُمَّةِ فَأُبِيحَ لَهَا فِي جَمِيعِ الْأَرْضِ إِلَّا فِيمَا تَيَقَّنُوا نَجَاسَتَهُ وَالْأَظْهَرُ مَا قَالَهُ الْخَطَّابِيُّ وَهُوَ أَنَّ مَنْ قَبْلَهُ إِنَّمَا أُبِيحَتْ لَهُمُ الصَّلَوَاتُ فِي أَمَاكِنَ مَخْصُوصَةٍ كَالْبِيَعِ وَالصَّوَامِعِ وَيُؤَيِّدُهُ رِوَايَةُ عَمْرِو بْنِ شُعَيْبٍ بِلَفْظِ وَكَانَ مَنْ قَبْلِي إِنَّمَا كَانُوا يُصَلُّونَ فِي كَنَائِسِهِمْ وَهَذَا نَصٌّ فِي مَوْضِعِ النِّزَاعِ فَثَبَتَتِ الْخُصُوصِيَّةُ وَيُؤَيِّدُهُ مَا أَخْرَجَهُ الْبَزَّار من حَدِيث بن عَبَّاسٍ نَحْوَ حَدِيثِ الْبَابِ وَفِيهِ وَلَمْ يَكُنْ مِنَ الْأَنْبِيَاءِ أَحَدٌ يُصَلِّي حَتَّى يَبْلُغَ مِحْرَابَهُ قَوْله وطهروا اسْتُدِلَّ بِهِ عَلَى أَنَّ الطَّهُورَ هُوَ الْمُطَهِّرُ لِغَيْرِهِ لِأَنَّ الطَّهُورَ لَوْ كَانَ الْمُرَادُ بِهِ الطَّاهِرَ لَمْ تَثْبُتِ الْخُصُوصِيَّةُ وَالْحَدِيثُ إِنَّمَا سِيقَ لإثباتها وَقد روى بن الْمُنْذر وبن الْجَارُودِ بِإِسْنَادٍ صَحِيحٍ عَنْ أَنَسٍ مَرْفُوعًا جُعِلَتْ لِيَ كُلُّ أَرْضٍ طَيِّبَةٍ مَسْجِدًا وَطَهُورًا وَمَعْنَى طَيِّبَةٍ طَاهِرَةٌ فَلَوْ كَانَ مَعْنَى طَهُورًا طَاهِرًا لَلَزِمَ تَحْصِيلُ الْحَاصِلِ وَاسْتُدِلَّ بِهِ عَلَى أَنَّ التَّيَمُّمَ يَرْفَعُ الْحَدَثَ كَالْمَاءِ لِاشْتِرَاكِهِمَا فِي هَذَا الْوَصْف وَفِيه نظر وَعَلَى أَنَّ التَّيَمُّمَ جَائِزٌ بِجَمِيعِ أَجْزَاءِ الْأَرْضِ وَقَدْ أَكَّدَ فِي رِوَايَةِ أَبِي أُمَامَةَ بِقَوْلِهِ وَجُعِلَتْ لِيَ الْأَرْضُ كُلُّهَا وَلِأُمَّتِي مَسْجِدًا وَطَهُورًا وَسَيَأْتِي الْبَحْثُ فِي ذَلِكَ .

     قَوْلُهُ  فَأَيُّمَا رَجُلٍ أَي مُبْتَدأ فِيهِ معنى الشَّرْط وَمَا زَائِدَةٌ لِلتَّأْكِيدِ وَهَذِهِ صِيغَةُ عُمُومٍ يَدْخُلُ تَحْتَهَا مَنْ لَمْ يَجِدْ مَاءً وَلَا تُرَابًا وَوَجَدَ شَيْئًا مِنْ أَجْزَاءِ الْأَرْضِ فَإِنَّهُ يَتَيَمَّمُ بِهِ وَلَا يُقَالُ هُوَ خَاصٌّ بِالصَّلَاةِ لِأَنَّا نَقُولُ لَفْظُ حَدِيثِ جَابِرٍ مُخْتَصَرٌ وَفِي رِوَايَةِ أَبِي أُمَامَةَ عِنْدَ الْبَيْهَقِيِّ فَأَيُّمَا رَجُلٍ مِنْ أُمَّتِي أَتَى الصَّلَاةَ فَلَمْ يَجِدْ مَاءً وَجَدَ الْأَرْضَ طَهُورًا وَمَسْجِدًا وَعِنْدَ أَحْمَدَ فَعِنْدَهُ طَهُورُهُ وَمَسْجِدُهُ وَفِي رِوَايَةِ عَمْرِو بْنِ شُعَيْبٍ فَأَيْنَمَا أَدْرَكَتْنِي الصَّلَاةُ تَمَسَّحْتُ وَصَلَّيْتُ وَاحْتَجَّ مَنْ خَصَّ التَّيَمُّمَ بِالتُّرَابِ بِحَدِيثِ حُذَيْفَةَ عِنْدَ مُسْلِمٍ بِلَفْظِ وَجُعِلَتْ لَنَا الْأَرْضُ كُلُّهَا مَسْجِدًا وَجُعِلَتْ تُرْبَتُهَا لَنَا طَهُورًا إِذَا لَمْ نَجِدِ الْمَاءَ وَهَذَا خَاصٌّ فَيَنْبَغِي أَنْ يُحْمَلَ الْعَامٌّ عَلَيْهِ فَتَخْتَصٌّ الطَّهُورِيَّةُ بِالتُّرَابِ وَدَلَّ الِافْتِرَاقُ فِي اللَّفْظِ حَيْثُ حَصَلَ التَّأْكِيدُ فِي جَعْلِهَا مَسْجِدًا دُونَ الْآخَرِ عَلَى افْتِرَاقِ الْحُكْمِ وَإِلَّا لَعُطِفَ أَحَدُهُمَا عَلَى الْآخَرِ نَسَقًا كَمَا فِي حَدِيثِ الْبَابِ وَمَنَعَ بَعْضُهُمُ الِاسْتِدْلَالَ بِلَفْظِ التُّرْبَةِ عَلَى خُصُوصِيَّةِ التَّيَمُّمِ بِالتُّرَابِ بِأَنْ قَالَ تُرْبَةُ كُلِّ مَكَانٍ مَا فِيهِ مِنْ تُرَابٍ أَوْ غَيْرِهِ وَأُجِيبَ بِأَنَّهُ وَرَدَ فِي الحَدِيث الْمَذْكُور بِلَفْظ التُّرَاب أخرجه بن خُزَيْمَةَ وَغَيْرُهُ وَفِي حَدِيثِ عَلِيٍّ وَجُعِلَ التُّرَابُ لِيَ طَهُورًا أَخْرَجَهُ أَحْمَدُ وَالْبَيْهَقِيُّ بِإِسْنَادٍ حَسَنٍ وَيُقَوِّي الْقَوْلَ بِأَنَّهُ خَاصٌّ بِالتُّرَابِ أَنَّ الْحَدِيثَ سِيقَ لِإِظْهَارِ التَّشْرِيفِ وَالتَّخْصِيصِ فَلَوْ كَانَ جَائِزًا بِغَيْرِ التُّرَابِ لَمَا اقْتُصِرَ عَلَيْهِ .

     قَوْلُهُ  فَلْيُصَلِّ عُرِفَ مِمَّا تَقَدَّمَ أَنَّ الْمُرَادَ فَلْيُصَلِّ بَعْدَ أَنْ يَتَيَمَّمَ .

     قَوْلُهُ  وَأُحِلَّتْ لِيَ الْغَنَائِمُ وَلِلْكُشْمِيهَنِيِّ الْمَغَانِمُ وَهِيَ رِوَايَةُ مُسْلِمٍ قَالَ الْخَطَّابِيُّ كَانَ مَنْ تَقَدَّمَ عَلَى ضَرْبَيْنِ مِنْهُمْ مَنْ لَمْ يُؤْذَنْ لَهُ فِي الْجِهَادِ فَلَمْ تَكُنْ لَهُمْ مَغَانِمُ وَمِنْهُمْ مَنْ أُذِنَ لَهُ فِيهِ لَكِنْ كَانُوا إِذَا غَنِمُوا شَيْئًا لَمْ يَحِلَّ لَهُمْ أَنْ يَأْكُلُوهُ وَجَاءَتْ نَارٌ فَأَحْرَقَتْهُ وَقِيلَ الْمُرَادُ أَنَّهُ خُصَّ بِالتَّصَرُّفِ فِي الْغَنِيمَةِ يَصْرِفُهَا كَيْفَ يَشَاءُ وَالْأَوَّلُ أَصْوَبُ وَهُوَ أَنَّ مَنْ مَضَى لَمْ تَحِلَّ لَهُمُ الْغَنَائِمُ أَصْلًا وَسَيَأْتِي بَسْطُ ذَلِكَ فِي الْجِهَادِ .

     قَوْلُهُ  وَأُعْطِيتُ الشَّفَاعَةَ قَالَ بن دَقِيقِ الْعِيدِ الْأَقْرَبُ أَنَّ اللَّامَ فِيهَا لِلْعَهْدِ وَالْمُرَادُ الشَّفَاعَةُ الْعُظْمَى فِي إِرَاحَةِ النَّاسِ مِنْ هَوْلِ الْمَوْقِفِ وَلَا خِلَافَ فِي وُقُوعِهَا وَكَذَا جَزَمَ النَّوَوِيُّ وَغَيْرُهُ وَقِيلَ الشَّفَاعَةُ الَّتِي اخْتُصَّ بِهَا أَنَّهُ لَا يُرَدُّ فِيمَا يَسْأَلُ وَقِيلَ الشَّفَاعَةُ لِخُرُوجِ مَنْ فِي قَلْبِهِ مِثْقَالُ ذَرَّةٍ مِنْ إِيمَانٍ لِأَنَّ شَفَاعَةَ غَيْرِهِ تَقَعُ فِيمَنْ فِي قَلْبِهِ أَكْثَرُ مِنْ ذَلِكَ قَالَهُ عِيَاضٌ وَالَّذِي يَظْهَرُ لِي أَنَّ هَذِهِ مُرَادَةٌ مَعَ الْأُولَى لِأَنَّهُ يَتْبَعُهَا بِهَا كَمَا سَيَأْتِي وَاضِحًا فِي حَدِيثِ الشَّفَاعَةِ إِنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى فِي كِتَابِ الرِّقَاقِ.

     وَقَالَ  الْبَيْهَقِيُّ فِي الْبَعْثِ يُحْتَمَلُ أَنَّ الشَّفَاعَةَ الَّتِي يُخْتَصُّ بِهَا أَنَّهُ يَشْفَعُ لِأَهْلِ الصَّغَائِرِ وَالْكَبَائِرِ وَغَيْرُهُ إِنَّمَا يَشْفَعُ لِأَهْلِ الصَّغَائِرِ دُونَ الْكَبَائِرِ وَنَقَلَ عِيَاضٌ أَنَّ الشَّفَاعَةَ الْمُخْتَصَّةَ بِهِ شَفَاعَةٌ لَا ترد وَقد وَقع فِي حَدِيث بن عَبَّاسٍ وَأُعْطِيتُ الشَّفَاعَةَ فَأَخَّرْتُهَا لِأُمَّتِي فَهِيَ لِمَنْ لَا يُشْرِكُ بِاللَّهِ شَيْئًا وَفِي حَدِيثِ عَمْرِو بْنِ شُعَيْبٍ فَهِيَ لَكُمْ وَلِمَنْ شَهِدَ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ فَالظَّاهِرُ أَنَّ الْمُرَادَ بِالشَّفَاعَةِ الْمُخْتَصَّةِ فِي هَذَا الْحَدِيثِ إِخْرَاجُ مَنْ لَيْسَ لَهُ عَمَلٌ صَالِحٌ إِلَّا التَّوْحِيدَ وَهُوَ مُخْتَصٌّ أَيْضًا بِالشَّفَاعَةِ الْأُولَى لَكِنْ جَاءَ التَّنْوِيهُ بِذِكْرِ هَذِهِ لِأَنَّهَا غَايَةُ الْمَطْلُوبِ مِنْ تِلْكَ لِاقْتِضَائِهَا الرَّاحَةَ الْمُسْتَمِرَّةَ وَاللَّهُ أَعْلَمُ وَقَدْ ثَبَتَتْ هَذِهِ الشَّفَاعَةُ فِي رِوَايَةِ الْحَسَنِ عَنْ أَنَسٍ كَمَا سَيَأْتِي فِي كِتَابِ التَّوْحِيدِ ثُمَّ أَرْجِعُ إِلَى رَبِّي فِي الرَّابِعَةِ فَأَقُولُ يَا رَبِّ ائْذَنْ لِي فِيمَنْ قَالَ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ فَيَقُولُ وَعِزَّتِي وَجَلَالِي لَأُخْرِجَنَّ مِنْهَا مَنْ قَالَ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَلَا يُعَكِّرُ عَلَى ذَلِكَ مَا وَقَعَ عِنْدَ مُسْلِمٍ قَبْلَ قَوْلِهِ وَعِزَّتِي فَيَقُولُ لَيْسَ ذَلِكَ لَكَ وَعِزَّتِي إِلَخْ لِأَنَّ الْمُرَادَ أَنَّهُ لَا يُبَاشِرُ الْإِخْرَاجَ كَمَا فِي الْمَرَّاتِ الْمَاضِيَةِ بَلْ كَانَتْ شَفَاعَتُهُ سَبَبًا فِي ذَلِكَ فِي الْجُمْلَةِ وَاللَّهُ أَعْلَمُ وَقَدْ تَقَدَّمَ الْكَلَامُ عَلَى قَوْلِهِ وَكَانَ النَّبِيُّ يُبْعَثُ إِلَى قَوْمِهِ خَاصَّةً فِي أَوَائِلِ الْبَابِ.
وَأَمَّا .

     قَوْلُهُ  وَبُعِثْتُ إِلَى النَّاسِ عَامَّةٍ فَوَقَعَ فِي رِوَايَةِ مُسْلِمٍ وَبُعِثْتُ إِلَى كُلِّ أَحْمَرَ وَأَسْوَدَ فَقِيلَ الْمُرَادُ بِالْأَحْمَرِ الْعَجَمُ وَبِالْأَسْوَدِ الْعَرَبُ وَقِيلَ الْأَحْمَرُ الْإِنْسُ وَالْأَسْوَدُ الْجِنُّ وَعَلَى الْأَوَّلِ التَّنْصِيصُ عَلَى الْإِنْسِ مِنْ بَابِ التَّنْبِيهِ بِالْأَدْنَى عَلَى الْأَعْلَى لِأَنَّهُ مُرْسَلٌ إِلَى الْجَمِيعِ وَأَصْرَحُ الرِّوَايَاتِ فِي ذَلِكَ وَأَشْمَلُهَا رِوَايَةُ أَبِي هُرَيْرَةَ عِنْدَ مُسْلِمٍ وَأُرْسِلْتُ إِلَى الْخَلْقِ كَافَّةً تَكْمِيلٌ أَوَّلُ حَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ هَذَا فُضِّلْتُ عَلَى الْأَنْبِيَاءِ بِسِتٍّ فَذَكَرَ الْخَمْسَ الْمَذْكُورَةَ فِي حَدِيثِ جَابِرٍ إِلَّا الشَّفَاعَةَ وَزَادَ خَصْلَتَيْنِ وَهُمَا وَأُعْطِيتُ جَوَامِعَ الْكَلِمِ وَخُتِمَ بِيَ النَّبِيُّونَ فَتَحْصُلُ مِنْهُ وَمِنْ حَدِيثِ جَابِرٍ سَبْعَ خِصَالٍ وَلِمُسْلِمٍ أَيْضًا مِنْ حَدِيثِ حُذَيْفَةَ فُضِّلْنَا عَلَى النَّاسِ بِثَلَاثِ خِصَالٍ جُعِلَتْ صُفُوفُنَا كَصُفُوفِ الْمَلَائِكَةِ وَذَكَرَ خَصْلَةَ الْأَرْضِ كَمَا تَقَدَّمَ قَالَ وَذَكَرَ خَصْلَةً أُخْرَى وَهَذِه الْخصْلَة المبهمة بَينهَا بن خُزَيْمَةَ وَالنَّسَائِيُّ وَهِيَ وَأُعْطِيتُ هَذِهِ الْآيَاتِ مِنْ آخِرِ سُورَةِ الْبَقَرَةِ مِنْ كَنْزٍ تَحْتَ الْعَرْشِ يُشِيرُ إِلَى مَا حَطَّهُ اللَّهُ عَنْ أُمَّتِهِ مِنَ الْإِصْرِ وَتَحْمِيلِ مَا لَا طَاقَةَ لَهُمْ بِهِ وَرَفْعِ الْخَطَأِ وَالنِّسْيَانِ فَصَارَتِ الْخِصَالُ تِسْعًا وَلِأَحْمَدَ مِنْ حَدِيثِ عَلِيٍّ أُعْطِيتُ أَرْبَعًا لَمْ يُعْطَهُنَّ أَحَدٌ مِنْ أَنْبِيَاءِ اللَّهِ أُعْطِيتُ مَفَاتِيحَ الْأَرْضِ وَسُمِّيتُ أَحْمَدَ وَجُعِلَتْ أُمَّتِي خَيْرَ الْأُمَمِ وَذَكَرَ خَصْلَةَ التُّرَابِ فَصَارَتِ الْخِصَالُ اثْنَتَيْ عَشْرَةَ خَصْلَةً وَعِنْدَ الْبَزَّارِ مِنْ وَجْهٍ آخَرَ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَفَعَهُ فُضِّلْتُ عَلَى الْأَنْبِيَاءِ بِسِتٍّ غُفِرَ لِي مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِي وَمَا تَأَخَّرَ وَجُعِلَتْ أُمَّتِي خَيْرَ الْأُمَمِ وَأُعْطِيتُ الْكَوْثَرَ وَإِنَّ صَاحِبَكُمْ لَصَاحِبُ لِوَاءِ الْحَمْدِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ تَحْتَهُ آدم فَمن دونه وَذكر اثْنَتَيْنِ مِمَّا تقدم وَله من حَدِيث بن عَبَّاسٍ رَفَعَهُ فُضِّلْتُ عَلَى الْأَنْبِيَاءِ بِخَصْلَتَيْنِ كَانَ شَيْطَانِي كَافِرًا فَأَعَانَنِي اللَّهُ عَلَيْهِ فَأَسْلَمَ قَالَ وَنَسِيتُ الْأُخْرَى.

قُلْتُ فَيَنْتَظِمُ بِهَذَا سَبْعَ عَشْرَةَ خَصْلَةً وَيُمْكِنُ أَنْ يُوجَدَ أَكْثَرُ مِنْ ذَلِكَ لِمَنْ أَمْعَنَ التَّتَبُّعَ وَقَدْ تَقَدَّمَ طَرِيقُ الْجَمْعِ بَيْنَ هَذِهِ الرِّوَايَاتِ وَأَنَّهُ لَا تَعَارُضَ فِيهَا وَقد ذكر أَبُو سعيد النَّيْسَابُورِي