فهرس الكتاب

فتح الباري لابن حجر - باب إذا لم يجد ماء ولا ترابا

( فِي كِتَابِ شَرَفِ الْمُصْطَفَى أَنَّ عَدَدَ الَّذِي اخْتُصَّ بِهِ نَبِيُّنَا صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنِ الْأَنْبِيَاءِ سِتُّونَ خَصْلَةً)
وَفِي حَدِيثِ الْبَابِ مِنَ الْفَوَائِدِ غَيْرِ مَا تَقَدَّمَ مَشْرُوعِيَّةُ تَعْدِيدِ نِعَمِ اللَّهِ وَإِلْقَاءِ الْعِلْمِ قَبْلَ السُّؤَالِ وَأَنَّ الْأَصْلَ فِي الْأَرْضِ الطَّهَارَةُ وَأَنَّ صِحَّةَ الصَّلَاةِ لَا تَخْتَصُّ بِالْمَسْجِدِ الْمَبْنِيِّ لِذَلِكَ.
وَأَمَّا حَدِيثُ لَا صَلَاةَ لِجَارِ الْمَسْجِدِ إِلَّا فِي الْمَسْجِدِ فضعيف أَخْرَجَهُ الدَّارَقُطْنِيُّ مِنْ حَدِيثِ جَابِرٍ وَاسْتَدَلَّ بِهِ صَاحِبُ الْمَبْسُوطِ مِنَ الْحَنَفِيَّةِ عَلَى إِظْهَارِ كَرَامَةِ الْآدَمِيِّ.

     وَقَالَ  لِأَنَّ الْآدَمِيَّ خُلِقَ مِنْ مَاءٍ وَتُرَابٍ وَقَدْ ثَبَتَ أَنَّ كُلًّا مِنْهُمَا طَهُورٌ فَفِي ذَلِكَ بَيَانُ كَرَامَتِهِ وَاللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ بِالصَّوَابِ قَولُهُ بَابُ إِذَا لَمْ يَجِدْ مَاءً وَلَا تُرَابا قَالَ بن رَشِيدٍ كَأَنَّ الْمُصَنِّفَ نَزَّلَ فَقْدَ شَرْعِيَّةِ التَّيَمُّمِ مَنْزِلَةَ فَقْدِ التُّرَابِ بَعْدَ شَرْعِيَّةِ التَّيَمُّمِ فَكَأَنَّهُ يَقُولُ حُكْمُهُمْ فِي عَدَمِ الْمُطَهِّرِ الَّذِي هُوَ الْمَاءُ خَاصَّةً كَحُكْمِنَا فِي عَدَمِ الْمُطَهِّرَيْنِ الْمَاءِ وَالتُّرَابِ وَبِهَذَا تَظْهَرُ مُنَاسَبَةُ الْحَدِيثِ لِلتَّرْجَمَةِ لِأَنَّ الْحَدِيثَ لَيْسَ فِيهِ أَنَّهُمْ فَقَدُوا التُّرَابَ وَإِنَّمَا فِيهِ أَنَّهُمْ فَقَدُوا الْمَاءَ فَقَطْ فَفِيهِ دَلِيلٌ عَلَى وُجُوبِ الصَّلَاةِ لِفَاقِدِ الطَّهُورَيْنِ وَوَجْهُهُ أَنَّهُمْ صَلَّوْا مُعْتَقِدِينَ وُجُوبَ ذَلِكَ وَلَوْ كَانَتِ الصَّلَاةُ حِينَئِذٍ مَمْنُوعَةً لَأَنْكَرَ عَلَيْهِمُ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَبِهَذَا قَالَ الشَّافِعِيُّ وَأَحْمَدُ وَجُمْهُورُ الْمُحَدِّثِينَ وَأَكْثَرُ أَصْحَابِ مَالِكٍ لَكِنِ اخْتَلَفُوا فِي وُجُوبِ الْإِعَادَةِ فَالْمَنْصُوصُ عَنِ الشَّافِعِيِّ وُجُوبُهَا وَصَحَّحَهُ أَكْثَرُ أَصْحَابِهِ وَاحْتَجُّوا بِأَنَّهُ عُذْرٌ نَادِرٌ فَلَمْ يُسْقِطِ الْإِعَادَةَ وَالْمَشْهُورُ عَنْ أَحْمَدَ وَبِهِ قَالَ الْمُزنِيّ وَسَحْنُون وبن الْمُنْذِرِ لَا تَجِبُ وَاحْتَجُّوا بِحَدِيثِ الْبَابِ لِأَنَّهَا لَوْ كَانَتْ وَاجِبَةً لَبَيَّنَهَا لَهُمُ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِذْ لَا يَجُوزُ تَأْخِيرُ الْبَيَانِ عَنْ وَقْتِ الْحَاجَةِ وَتُعُقِّبَ بِأَنَّ الْإِعَادَةَ لَا تجب على الْفَوْر فَلَمْ يَتَأَخَّرِ الْبَيَانُ عَنْ وَقْتِ الْحَاجَةِ وَعَلَى هَذَا فَلَا بُدَّ مِنْ دَلِيلٍ عَلَى وُجُوبِ الْإِعَادَةِ.

     وَقَالَ  مَالِكٌ وَأَبُو حَنِيفَةَ فِي الْمَشْهُورِ عَنْهُمَا لَا يُصَلِّي لَكِنْ قَالَ أَبُو حَنِيفَةَ وَأَصْحَابُهُ يَجِبُ عَلَيْهِ الْقَضَاءُ وَبِهِ قَالَ الثَّوْرِيُّ وَالْأَوْزَاعِيُّ.

     وَقَالَ  مَالِكٌ فِيمَا حَكَاهُ عَنْهُ الْمَدَنِيُّونَ لَا يَجِبُ عَلَيْهِ الْقَضَاءُ وَهَذِهِ الْأَقْوَالُ الْأَرْبَعَةُ هِيَ الْمَشْهُورَةُ فِي الْمَسْأَلَةِ وَحَكَى النَّوَوِيُّ فِي شَرْحِ الْمُهَذَّبِ عَنِ الْقَدِيمِ تُسْتَحَبُّ الصَّلَاةُ وَتَجِبُ الْإِعَادَةُ وَبِهَذَا تَصِيرُ الْأَقْوَالُ خَمْسَةً وَاللَّهُ أَعْلَمُ



[ قــ :333 ... غــ :336] .

     قَوْلُهُ  حَدَّثَنَا زَكَرِيَّا بْنُ يَحْيَى هَكَذَا وَقَعَ فِي جَمِيعِ الرِّوَايَاتِ غَيْرَ مَنْسُوبٍ وَكَذَا فِي قِصَّةِ سَعْدِ بْنِ مُعَاذٍ فَإِنَّهُ أَوْرَدَهَا فِي الصَّلَاةِ وَالْهِجْرَةِ وَالْمَغَازِي بِهَذَا الْإِسْنَادِ عَنْهُ وَلَمْ يَنْسُبْهُ وَأَعَادَهُ فِي التَّفْسِيرِ تَامًّا وَمِثْلُهُ فِي الصَّلَاة حَدِيث مر أَبَا بَكْرٍ أَنْ يُصَلِّيَ بِالنَّاسِ وَكَذَا سَبَقَ فِي بَابِ خُرُوجِ النِّسَاءِ إِلَى الْبَرَازِ لَكِنْ مِنْ رِوَايَتِهِ عَنْ أَبِي أُسَامَةَ لَا عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ نُمَيْرٍ وَأَعَادَهُ فِي التَّفْسِيرِ تَامًّا وَمِثْلُهُ فِي التَّفْسِيرِ حَدِيثُ عَائِشَةَ كُنْتُ أَغَارُ عَلَى اللَّاتِي وَهَبْنَ أَنْفُسَهُنَّ وَفِي صِفَةِ إِبْلِيسَ حَدِيثُ لَمَّا كَانَ يَوْمُ أُحُدٍ انْهَزَمَ الْمُشْرِكُونَ الْحَدِيثَ وَجَزَمَ الْكَلَابَاذِيُّ بِأَنَّهُ اللُّؤْلُؤيُّ الْبَلْخِيُّ وَقَالَ بن عَدِيٍّ هُوَ زَكَرِيَّا بْنُ يَحْيَى بْنِ زَكَرِيَّا بْنِ أَبِي زَائِدَةَ وَإِلَى هَذَا مَالَ الدَّارَقُطْنِيُّ لِأَنَّهُ كُوفِيٌّ وَكَذَا الشَّيْخَانِ الْمَذْكُورَانِ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ نُمَيْرٍ وَأَبُو أُسَامَةَ وَقَدْ رَوَى الْبُخَارِيُّ فِي الْعِيدَيْنِ عَنْ زَكَرِيَّا بْنِ يَحْيَى عَنِ الْمُحَارِبِيِّ لَكِنْ قَالَ حَدَّثَنَا زَكَرِيَّا بْنُ يَحْيَى أَبُو السُّكَيْنِ فَيُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ هُوَ الْمُهْمَلَ فِي الْمَوَاضِعِ الْأُخْرَى لِأَنَّهُ كُوفِيٌّ وَشَيْخُهُ كُوفِيٌّ أَيْضًا وَقَدْ ذَكَرَ الْمِزِّيُّ فِي التَّهْذِيبِ أَنَّهُ روى عَن بن نُمَيْرٍ وَأَبِي أُسَامَةَ أَيْضًا وَجَزَمَ صَاحِبُ الزَّهْرَةِ بِأَنَّ الْبُخَارِيَّ رَوَى عَنْ أَبِي السُّكَيْنِ أَرْبَعَةَ أَحَادِيثَ وَهُوَ مَصِيرٌ مِنْهُ إِلَى أَنَّهُ الْمُرَادَ كَمَا جَوَّزْنَاهُ وَإِلَى ذَلِكَ مَالَ أَبُو الْوَلِيدِ الْبَاجِيُّ فِي رِجَالِ الْبُخَارِيِّ وَاللَّهُ أَعْلَمُ .

     قَوْلُهُ  وَلَيْسَ مَعَهُمْ مَاءٌ فَصَلَّوْا زَادَ الْحَسَنُ بْنُ سُفْيَانَ فِي مُسْنَدِهِ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ نُمَيْرٍ عَنْ أَبِيهِ فَصَلَّوْا بِغَيْرِ وُضُوءٍ أَخْرَجَهُ الْإِسْمَاعِيلِيُّ وَأَبُو نُعَيْمٍ مِنْ طَرِيقِهِ وَكَذَا أَخْرَجَهُ الْجَوْزَقِيُّ مِنْ وَجْهٍ آخَرَ عَنِ بن نُمَيْرٍ وَكَذَا لِلْمُصَنِّفِ فِي فَضْلِ عَائِشَةَ مِنْ طَرِيقِ أَبِي أُسَامَةَ وَفِي التَّفْسِيرِ مِنْ طَرِيقِ عَبْدَةَ بْنِ سُلَيْمَانَ كِلَاهُمَا عَنْ هِشَامٍ وَكَذَا لمُسلم من طَرِيق أبي أُسَامَة وَأغْرب بن الْمُنْذِرِ فَادَّعَى أَنَّ عَبْدَةَ تَفَرَّدَ بِهَذِهِ الزِّيَادَةِ وَقَدْ تَقَدَّمَتْ مَبَاحِثُ الْحَدِيثِ وَطَرِيقُ الْجَمْعِ بَيْنَ رِوَايَةِ عُرْوَةَ وَالْقَاسِمِ فِي الْبَابِ الَّذِي قَبْلَهُ