فهرس الكتاب

فتح الباري لابن حجر - باب التيمم للوجه والكفين

( .

     قَوْلُهُ  إِنَّمَا كَانَ يَكْفِيكَ)

فِيهِ دَلِيلٌ عَلَى أَنَّ الْوَاجِبَ فِي التَّيَمُّمِ هِيَ الصِّفَةُ الْمَشْرُوحَةُ فِي هَذَا الْحَدِيثِ وَالزِّيَادَةُ عَلَى ذَلِكَ لَوْ ثَبَتَتْ بِالْأَمْرِ دَلَّتْ عَلَى النَّسْخِ وَلَزِمَ قَبُولُهَا لَكِنْ إِنَّمَا وَرَدَتْ بِالْفِعْلِ فَتُحْمَلُ عَلَى الْأَكْمَلِ وَهَذَا هُوَ الْأَظْهَرُ مِنْ حَيْثُ الدَّلِيلُ كَمَا سَيَأْتِي .

     قَوْلُهُ  وَضَرَبَ بِكَفَّيْهِ الْأَرْضَ فِي رِوَايَةِ غَيْرِ أَبِي ذَرٍّ فَضَرَبَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَكَذَا لِلْبَيْهَقِيِّ مِنْ طَرِيقِ آدَمَ .

     قَوْلُهُ  وَنَفَخَ فِيهِمَا وَفِي رِوَايَةِ حَجَّاجٍ الْآتِيَةِ ثُمَّ أَدْنَاهُمَا مِنْ فِيهِ وَهِيَ كِنَايَةٌ عَنِ النَّفْخِ وَفِيهَا إِشَارَةٌ إِلَى أَنَّهُ كَانَ نَفْخًا خَفِيفًا وَفِي رِوَايَةِ سُلَيْمَانَ بْنِ حَرْبٍ تَفَلَ فِيهِمَا وَالتَّفْلُ قَالَ أَهْلُ اللُّغَةِ هُوَ دُونَ الْبَزْقِ وَالنَّفْثُ دُونَهُ وَسِيَاقُ هَؤُلَاءِ يَدُلُّ عَلَى أَنَّ التَّعْلِيمَ وَقَعَ بِالْفِعْلِ وَلِمُسْلِمٍ مِنْ طَرِيقِ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ وَلِلْإِسْمَاعِيلِيِّ مِنْ طَرِيقِ يَزِيدَ بْنِ هَارُونَ وَغَيْرِهِ كُلُّهُمْ عَنْ شُعْبَةَ أَنَّ التَّعْلِيمَ وَقَعَ بِالْقَوْلِ وَلَفْظُهُمْ إِنَّمَا كَانَ يَكْفِيكَ أَنْ تَضْرِبَ بِيَدَيْكَ الْأَرْضَ زَادَ يَحْيَى ثُمَّ تَنْفُخُ ثُمَّ تَمْسَحُ بِهِمَا وَجْهَكَ وَكَفَّيْكَ وَاسْتُدِلَّ بِالنَّفْخِ عَلَى اسْتِحْبَابِ تَخْفِيفِ التُّرَابِ كَمَا تَقَدَّمَ وَعَلَى سُقُوطِ اسْتِحْبَابِ التَّكْرَارِ فِي التَّيَمُّمِ لِأَنَّ التَّكْرَارَ يَسْتَلْزِمُ عَدَمَ التَّخْفِيفِ وَعَلَى أَنَّ مَنْ غَسَلَ رَأْسَهُ بَدَلَ الْمَسْحِ فِي الْوُضُوءِ أَجْزَأَهُ أَخْذًا مِنْ كَوْنِ عَمَّارٍ تَمَرَّغَ فِي التُّرَابِ لِلتَّيَمُّمِ وَأَجْزَأَهُ ذَلِكَ وَمِنْ هُنَا يُؤْخَذُ جَوَازُ الزِّيَادَةِ عَلَى الضَّرْبَتَيْنِ فِي التَّيَمُّمِ وَسُقُوطُ إِيجَابِ التَّرْتِيب فِي التَّيَمُّم عَن الْجَنَابَة قَولُهُ بَابُ التَّيَمُّمِ لِلْوَجْهِ وَالْكَفَّيْنِ أَيْ هُوَ الْوَاجِبُ الْمُجْزِئُ وَأَتَى بِذَلِكَ بِصِيغَةِ الْجَزْمِ مَعَ شُهْرَةِ الْخِلَافِ فِيهِ لِقُوَّةِ دَلِيلِهِ فَإِنَّ الْأَحَادِيثَ الْوَارِدَةَ فِي صِفَةِ التَّيَمُّمِ لَمْ يَصِحَّ مِنْهَا سِوَى حَدِيثِ أَبِي جُهَيْمٍ وَعَمَّارٍ وَمَا عَدَاهُمَا فَضَعِيفٌ أَوْ مُخْتَلَفٌ فِي رَفْعِهِ وَوَقْفِهِ وَالرَّاجِحُ عَدَمُ رَفْعِهِ فَأَمَّا حَدِيثُ أَبِي جُهَيْمٍ فَوَرَدَ بِذِكْرِ الْيَدَيْنِ مُجْمَلًا.
وَأَمَّا حَدِيثُ عَمَّارٍ فَوَرَدَ بِذِكْرِ الْكَفَّيْنِ فِي الصَّحِيحَيْنِ وَبِذِكْرِ الْمِرْفَقَيْنِ فِي السُّنَنِ وَفِي رِوَايَةٍ إِلَى نِصْفِ الذِّرَاعِ وَفِي رِوَايَةٍ إِلَى الْآبَاطِ فَأَمَّا رِوَايَةُ الْمَرْفِقَيْنِ وَكَذَا نِصْفُ الذِّرَاعِ فَفِيهِمَا مَقَالٌ.
وَأَمَّا رِوَايَةُ الْآبَاطِ فَقَالَ الشَّافِعِيُّ وَغَيْرُهُ إِنْ كَانَ ذَلِكَ وَقَعَ بِأَمْرِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَكُلُّ تَيَمُّمٍ صَحَّ لِلنَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بَعْدَهُ فَهُوَ نَاسِخٌ لَهُ وَإِنْ كَانَ وَقَعَ بِغَيْرِ أَمْرِهِ فَالْحُجَّةُ فِيمَا أَمَرَ بِهِ وَمِمَّا يُقَوِّي رِوَايَةَ الصَّحِيحَيْنِ فِي الِاقْتِصَارِ عَلَى الْوَجْهِ وَالْكَفَّيْنِ كَوْنُ عَمَّارٍ كَانَ يُفْتِي بَعْدَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِذَلِكَ وَرَاوِي الْحَدِيثِ أَعْرَفُ بِالْمُرَادِ بِهِ مِنْ غَيْرِهِ وَلَا سِيَّمَا الصَّحَابِيَّ الْمُجْتَهِدَ وَسَيَأْتِي الْكَلَامُ عَلَى مَسْأَلَةِ الِاقْتِصَارِ عَلَى ضَرْبَةٍ وَاحِدَةٍ فِي بَابِهِ إِنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى



[ قــ :336 ... غــ :339] .

     قَوْلُهُ  حَدَّثَنَا حجاج هُوَ بن مِنْهَالٍ وَقَدْ رَوَى النَّسَائِيُّ هَذَا الْحَدِيثَ مِنْ طَرِيقِ حَجَّاجِ بْنِ مُحَمَّدٍ عَنْ شُعْبَةَ بِغَيْرِ هَذَا السِّيَاقِ وَلَمْ يَسْمَعِ الْبُخَارِيُّ مِنْ حَجَّاجِ بْنِ مُحَمَّدٍ وَتَابَعَهُ عَلَى هَذَا السِّيَاقِ عَنْ حَجَّاجِ بْنِ مِنْهَالٍ عَلِيُّ بْنُ عَبْدِ الْعَزِيزِ الْبَغَوِيّ أخرجه بن الْمُنْذِرِ وَالطَّبَرَانِيُّ عَنْهُ وَخَالَفَهُمَا مُحَمَّدُ بْنُ خُزَيْمَةَ الْبَصْرِيُّ عَنْهُ فَقَالَ عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ أَبْزَى عَنْ أَبِيهِ أَخْرَجَهُ الطَّحَاوِيُّ عَنْهُ وَأَشَارَ إِلَى أَنَّهُ وَهِمَ فِيهِ.

قُلْتُ سَقَطَتْ مِنْ رِوَايَته لَفظه بن وَلَا بُدَّ مِنْهَا لِأَنَّ أَبْزَى وَالِدُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ لَا رِوَايَةَ لَهُ فِي هَذَا الْحَدِيثِ وَاللَّهُ أَعْلَمُ .

     قَوْلُهُ  عَنِ الْحَكَمِ فِي رِوَايَةِ كَرِيمَة والأصيلي أَخْبرنِي الحكم وَهِي رِوَايَة بن الْمُنْذر أَيْضا قَوْله عَن بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ فِي رِوَايَةِ أَبِي ذَرٍّ وَأَبِي الْوَقْتِ عَنْ سَعِيدِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ .

     قَوْلُهُ  بِهَذَا أَشَارَ إِلَى سِيَاقِ الْمَتْنِ الَّذِي قَبْلَهُ مِنْ رِوَايَةِ آدَمَ عَنْ شُعْبَةَ وَهُوَ كَذَلِكَ إِلَّا أَنَّهُ لَيْسَ فِي رِوَايَةِ حَجَّاجٍ قِصَّةُ عمر قَوْله.

     وَقَالَ  النَّضر هُوَ بن شُمَيْلٍ وَهَذَا التَّعْلِيقُ مَوْصُولٌ عِنْدَ مُسْلِمٍ عَنْ إِسْحَاقَ بْنِ مَنْصُورٍ عَنِ النَّضْرِ وَأَخْرَجَهُ أَبُو نُعَيْمٍ فِي الْمُسْتَخْرَجِ مِنْ طَرِيقِ إِسْحَاقَ بْنِ رَاهَوَيْهِ عَنْهُ وَأَفَادَ النَّضْرُ فِي هَذِهِ الرِّوَايَةِ أَنَّ الْحَكَمَ سَمِعَهُ مِنْ شَيْخِ شَيْخِهِ سَعِيدِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ وَالظَّاهِرُ أَنَّهُ سَمِعَهُ مِنْ ذَرٍّ عَنْ سَعِيدٍ ثُمَّ لَقِيَ سَعِيدًا فَأَخَذَهُ عَنْهُ وَكَأَنَّ سَمَاعَهُ لَهُ مِنْ ذَرٍّ كَانَ أَتْقَنَ وَلِهَذَا أَكْثَرُ مَا يَجِيءُ فِي الرِّوَايَاتِ بِإِثْبَاتِهِ وَأَفَادَتْ رِوَايَةُ سُلَيْمَانَ بْنِ حَرْبٍ أَنَّ عُمَرَ أَيْضًا كَانَ قَدْ أَجْنَبَ فَلِهَذَا خَالَفَ اجْتِهَاده اجْتِهَاد عمار





[ قــ :338 ... غــ :341] .

     قَوْلُهُ  فِي رِوَايَةِ مُحَمَّدِ بْنِ كَثِيرٍ يَكْفِيكَ الْوَجْهُ وَالْكَفَّانِ كَذَا فِي رِوَايَةِ الْأَصِيلِيِّ وَغَيْرِهِ بِالرَّفْعِ فِيهِمَا عَلَى الْفَاعِلِيَّةِ وَهُوَ وَاضِحٌ وَفِي رِوَايَةِ أَبِي ذَرٍّ وَكَرِيمَةَ يَكْفِيكَ الْوَجْهَ وَالْكَفَّيْنِ بِالنَّصْبِ فِيهِمَا عَلَى الْمَفْعُولِيَّةِ إِمَّا بِإِضْمَارِ أَعْنِي أَوِ التَّقْدِيرُ يَكْفِيكَ أَنْ تَمْسَحَ الْوَجْهَ وَالْكَفَّيْنِ أَوْ بِالرَّفْعِ فِي الْوَجْهِ عَلَى الْفَاعِلِيَّةِ وَبِالنَّصْبِ فِي الْكَفَّيْنِ عَلَى أَنَّهُ مَفْعُولٌ مَعَهُ وَقِيلَ أَنه روى بِالْجَرِّ فيهمَا وَوَجهه بن مَالِكٍ بِأَنَّ الْأَصْلَ يَكْفِيكَ مَسْحُ الْوَجْهِ وَالْكَفَّيْنِ فَحَذَفَ الْمُضَافَ وَبَقِيَ الْمَجْرُورُ بِهِ عَلَى مَا كَانَ وَيُسْتَفَادُ مِنْ هَذَا اللَّفْظِ أَنَّ مَا زَادَ عَلَى الْكَفَّيْنِ لَيْسَ بِفَرْضٍ كَمَا تَقَدَّمَ واليه ذهب أَحْمد وَإِسْحَاق وبن جرير وبن الْمُنْذر وبن خُزَيْمَة وَنَقله بن الْجَهْمِ وَغَيْرُهُ عَنْ مَالِكٍ وَنَقَلَهُ الْخَطَّابِيُّ عَنْ أَصْحَابِ الْحَدِيثِ.

     وَقَالَ  النَّوَوِيُّ رَوَاهُ أَبُو ثَوْرٍ وَغَيْرُهُ عَنِ الشَّافِعِيِّ فِي الْقَدِيمِ وَأَنْكَرَ ذَلِكَ الْمَاوَرْدِيُّ وَغَيْرُهُ قَالَ وَهُوَ إِنْكَارٌ مَرْدُودٌ لِأَنَّ أَبَا ثَوْرٍ إِمَامٌ ثِقَةٌ قَالَ وَهَذَا الْقَوْلُ وَإِنْ كَانَ مَرْجُوحًا فَهُوَ الْقَوِيُّ فِي الدَّلِيلِ انْتَهَى كَلَامُهُ فِي شَرْحِ الْمُهَذَّبِ.

     وَقَالَ  فِي شَرْحِ مُسْلِمٍ فِي الْجَوَابِ عَنْ هَذَا الْحَدِيثِ إِنَّ الْمُرَادَ بِهِ بَيَانُ صُورَةِ الضَّرْبِ لِلتَّعْلِيمِ وَلَيْسَ الْمُرَادُ بِهِ بَيَانَ جَمِيعِ مَا يَحْصُلُ بِهِ التَّيَمُّمُ وَتُعُقِّبَ بِأَنَّ سِيَاقَ الْقِصَّةِ يَدُلُّ عَلَى أَنَّ الْمُرَادَ بِهِ بَيَانُ جَمِيعِ ذَلِكَ لِأَنَّ ذَلِكَ هُوَ الظَّاهِرُ مِنْ قَوْلِهِ إِنَّمَا يَكْفِيكَ.
وَأَمَّا مَا اسْتُدِلَّ بِهِ مِنِ اشْتِرَاطِ بُلُوغِ الْمَسْحِ إِلَى الْمَرْفِقَيْنِ مِنْ أَنَّ ذَلِكَ مُشْتَرَطٌ فِي الْوُضُوءِ فَجَوَابُهُ أَنَّهُ قِيَاسٌ فِي مُقَابَلَةِ النَّصِّ فَهُوَ فَاسِدُ الِاعْتِبَارِ وَقَدْ عَارَضَهُ مَنْ لَمْ يَشْتَرِطْ ذَلِكَ بِقِيَاسٍ آخَرَ وَهُوَ الْإِطْلَاقُ فِي آيَةِ السَّرِقَةِ وَلَا حَاجَةَ لِذَلِكَ مَعَ وُجُودِ هَذَا النَّصِّ