فهرس الكتاب

فتح الباري لابن حجر - بَابُ وَقَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى: {كُلُوا مِنْ طَيِّبَاتِ مَا رَزَقْنَاكُمْ}

( بِسم الله الرَّحْمَن الرَّحِيم كتاب الْأَطْعِمَة وَقَوْلُ اللَّهِ تَعَالَى كُلُوا مِنْ طَيِّبَاتِ مَا رزقناكم الْآيَةَ)
وَقَولُهُ أَنْفِقُوا مِنْ طَيِّبَاتِ مَا كَسَبْتُمْ وَقَوله كلوا من الطَّيِّبَات وَاعْمَلُوا صَالحا كَذَا فِي أَكْثَرِ الرِّوَايَاتِ فِي الْآيَةِ الثَّانِيَةِ أَنْفِقُوا عَلَى وَفْقِ التِّلَاوَةِ وَوَقَعَ فِي رِوَايَةِ النَّسَفِيِّ كُلُوا بَدَلَ أَنْفِقُوا وَهَكَذَا فِي بَعْضِ الرِّوَايَاتِ عَنْ أَبِي الْوَقْتِ وَفِي قَلِيلٍ مِنْ غَيرهَا وَعَلَيْهَا شرح بن بَطَّالٍ وَأَنْكَرَهَا وَتَبِعَهُ مَنْ بَعْدَهُ حَتَّى زَعَمَ عِيَاضٌ أَنَّهَا كَذَلِكَ لِلْجَمِيعِ وَلَمْ أَرَهَا فِي رِوَايَةِ أَبِي ذَرٍّ إِلَّا عَلَى وَفْقِ التِّلَاوَةِ كَمَا ذَكَرْتُ وَكَذَا فِي نُسْخَةٍ مُعْتَمَدَةٍ مِنْ رِوَايَةِ كَرِيمَةَ وَيُؤَيِّدُ ذَلِكَ أَنَّ الْمُصَنِّفَ تَرْجَمَ بِهَذِهِ الْآيَةِ وَحْدَهَا فِي كِتَابِ الْبُيُوعِ فَقَالَ بَابُ قَوْلِهِ أَنْفِقُوا مِنْ طَيِّبَاتِ مَا كَسَبْتُمْ كَذَا وَقَعَ عَلَى وَفْقِ التِّلَاوَةِ لِلْجَمِيعِ إِلَّا النَّسَفِيّ وَعَلِيهِ شرح بن بَطَّالٍ أَيْضًا وَفِي بَعْضِ النُّسَخِ مِنْ رِوَايَةِ أَبِي الْوَقْتِ وَزَعَمَ عِيَاضٌ أَنَّهُ وَقَعَ لِلْجَمِيعِ كُلُوا إِلَّا أَبَا ذَرٍّ عَنِ الْمُسْتَمْلِي فَقَالَ أَنْفِقُوا وَتَقَدَّمَ هُنَاكَ التَّنْبِيهُ عَلَى أَنَّهُ وَقَعَ عَلَى الصَّوَابِ فِي كِتَابِ الزَّكَاةِ حَيْثُ تَرْجَمَ بَابُ صَدَقَةِ الْكَسْبِ وَالتِّجَارَةِ لِقَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَنْفِقُوا مِنْ طَيِّبَاتِ مَا كَسَبْتُمْ وَلَا اخْتِلَافَ بَيْنَ الرُّوَاةِ فِي ذَلِكَ وَيَحْسُنُ التَّمَسُّكُ بِهِ فِي أَنَّ التَّغْيِيرَ فِيمَا عَدَاهُ مِنَ النُّسَّاخِ وَالطَّيِّبَاتُ جَمْعُ طَيِّبَةٍ وَهِيَ تُطْلَقُ عَلَى الْمُسْتَلَذِّ مِمَّا لَا ضَرَرَ فِيهِ وَعَلَى النَّظِيفِ وَعَلَى مَا لَا أَذَى فِيهِ وَعَلَى الْحَلَالِ فَمِنَ الْأَوَّلِ .

     قَوْلُهُ  تَعَالَى يَسْأَلُونَكَ مَاذَا أحل لَهُم قل أحل لكم الطَّيِّبَات وَهَذَا هُوَ الرَّاجِحُ فِي تَفْسِيرِهَا إِذْ لَوْ كَانَ الْمُرَادُ الْحَلَالَ لَمْ يَزِدِ الْجَوَابُ عَلَى السُّؤَال وَمن الثَّانِي فَتَيَمَّمُوا صَعِيدا طيبا وَمِنَ الثَّالِثِ هَذَا يَوْمٌ طَيِّبٌ وَهَذِهِ لَيْلَةٌ طَيِّبَةٌ وَمِنَ الرَّابِعِ الْآيَةُ الثَّانِيَةُ فِي التَّرْجَمَةِ فَقَدْ تَقَدَّمَ فِي تَفْسِيرِهَا فِي الزَّكَاةِ أَنَّ الْمُرَادَ بِالتِّجَارَةِ الْحَلَالُ وَجَاءَ أَيْضًا مَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّ الْمُرَادَ بِهَا الْجَيِّدُ لِاقْتِرَانِهَا بِالنَّهْيِ عَنِ الْإِنْفَاقِ مِنَ الْخَبِيثِ وَالْمُرَادُ بِهِ الرَّدِيءُ كَذَلِك فسره بن عَبَّاسٍ وَوَرَدَ فِيهِ حَدِيثٌ مَرْفُوعٌ ذَكَرَهُ فِي بَابِ تَعْلِيقِ الْقِنْوِ فِي الْمَسْجِدِ مِنْ أَوَائِلِ الصَّلَاةِ مِنْ حَدِيثِ عَوْفِ بْنِ مَالِكٍ وَأَوْضَحُ مِنْهُ فِيمَا يَتَعَلَّقُ بِهَذِهِ التَّرْجَمَةِ مَا أَخْرَجَهُ التِّرْمِذِيُّ مِنْ حَدِيثِ الْبَرَاءِ قَالَ كُنَّا أَصْحَابَ نَخْلٍ فَكَانَ الرَّجُلُ يَأْتِي بِالْقِنْوِ فَيُعَلِّقُهُ فِي الْمَسْجِدِ وَكَانَ بَعْضُ مَنْ لَا يَرْغَبُ فِي الْخَيْرِ يَأْتِي بِالْقِنْوِ مِنَ الْحَشَفِ وَالشِّيصِ فَيُعَلِّقُهُ فَنَزَلَتْ هَذِهِ الْآيَةُ وَلَا تَيَمَّمُوا الْخَبِيثَ مِنْهُ تنفقون فَكُنَّا بعد ذَلِك يَجِيء الرجل بِصَالح مَا عِنْده وَلأبي دَاوُد من حَدِيث سهل بن حنيف فَكَانَ النَّاس يتيممون شرار ثمارهم ثمَّ يخرجونها فِي الصَّدَقَةِ فَنَزَلَتْ هَذِهِ الْآيَةُ وَلَيْسَ بَيْنَ تَفْسِيرِ الطَّيِّبِ فِي هَذِهِ الْآيَةِ بِالْحَلَالِ وَبِمَا يستلذ مُنَافَاة ونظيرها قَوْله تَعَالَى يحل لَهُم الطَّيِّبَات وَيحرم عَلَيْهِم الْخَبَائِث وَقَدْ جَعَلَهَا الشَّافِعِيُّ أَصْلًا فِي تَحْرِيمِ مَا تَسْتَخْبِثُهُ الْعَرَبُ مِمَّا لَمْ يَرِدْ فِيهِ نَصٌّ بِشَرْطٍ سَيَأْتِي بَيَانُهُ وَكَأَنَّ الْمُصَنِّفَ حَيْثُ أَوْرَدَ هَذِهِ الْآيَاتِ لَمَّحَ بِالْحَدِيثِ الَّذِي أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّ اللَّهَ طَيِّبٌ لَا يَقْبَلُ إِلَّا طَيِّبًا وَإِنَّ اللَّهَ أَمَرَ الْمُؤْمِنِينَ بِمَا أَمَرَ بِهِ الْمُرْسلين فَقَالَ يَا أَيهَا الرُّسُل كلوا من الطَّيِّبَات وَاعْمَلُوا صَالحا.

     وَقَالَ  يَا أَيهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُلُوا مِنْ طَيِّبَاتِ مَا رَزَقْنَاكُمْ الْحَدِيثَ وَهُوَ مِنْ رِوَايَةِ فُضَيْلِ بْنِ مَرْزُوقٍ وَقَدْ قَالَ التِّرْمِذِيُّ إِنَّهُ تَفَرَّدَ بِهِ وَهُوَ مِمَّنِ انْفَرَدَ مُسْلِمٌ بِالِاحْتِجَاجِ بِهِ دُونَ البُخَارِيّ وَقد وَثَّقَهُ بن مَعِينٍ.

     وَقَالَ  أَبُو حَاتِمٍ يَهِمُ كَثِيرًا وَلَا يحْتَج بِهِ وَضَعفه النَّسَائِيّ.

     وَقَالَ  بن حبَان كَانَ يخطىء عَلَى الثِّقَاتِ.

     وَقَالَ  الْحَاكِمُ عِيبَ عَلَى مُسْلِمٍ إِخْرَاجُهُ فَكَأَنَّ الْحَدِيثَ لَمَّا لَمْ يَكُنْ عَلَى شَرْطِ الْبُخَارِيِّ اقْتَصَرَ عَلَى إِيرَادِهِ فِي التَّرْجَمَةِ قَالَ بن بَطَّالٍ لَمْ يَخْتَلِفْ أَهْلُ التَّأْوِيلِ فِي قَوْلِهِ تَعَالَى يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تُحَرِّمُوا طَيِّبَاتِ مَا أَحَلَّ اللَّهُ لَكُمْ وَأَنَّهَا نَزَلَتْ فِيمَنْ حَرَّمَ عَلَى نَفْسِهِ لَذِيذَ الطَّعَامِ وَاللَّذَّاتِ الْمُبَاحَةَ ثُمَّ ذَكَرَ الْمُصَنِّفُ ثَلَاثَةَ أَحَادِيثَ تَتَعَلَّقُ بِالْجُوعِ وَالشِّبَعِ الْأَوَّلُ حَدِيثُ أَبِي مُوسَى



[ قــ :5081 ... غــ :5373] .

     قَوْلُهُ  أَطْعِمُوا الْجَائِعَ وَعُودُوا الْمَرِيضَ الْحَدِيثَ تَقَدَّمَ فِي الْوَلِيمَةِ مِنْ كِتَابِ النِّكَاحِ بِلَفْظِ أَجِيبُوا الدَّاعِيَ بَدَلَ أَطْعِمُوا الْجَائِعَ وَمَخْرَجُهُمَا وَاحِدٌ وَكَأَنَّ بَعْضَ الرُّوَاةِ حَفِظَ مَا لَمْ يَحْفَظِ الْآخَرُ قَالَ الْكِرْمَانِيُّ الْأَمْرُ هُنَا لِلنَّدَبِ وَقَدْ يَكُونُ وَاجِبًا فِي بَعْضِ الْأَحْوَالِ اه وَيُؤْخَذُ مِنَ الْأَمْرِ بِإِطْعَامِ الْجَائِعِ جَوَازُ الشِّبَعِ لِأَنَّهُ مَا دَامَ قَبْلَ الشِّبَعِ فَصِفَةُ الْجُوعِ قَائِمَةٌ بِهِ وَالْأَمْرُ بِإِطْعَامِهِ مُسْتَمِرٌّ .

     قَوْلُهُ  وَفُكُّوا الْعَانِيَ أَيْ خَلِّصُوا الْأَسِيرَ مِنْ فَكَكْتُ الشَّيْءَ فَانْفَكَّ .

     قَوْلُهُ  قَالَ سُفْيَانُ وَالْعَانِي الْأَسِيرُ تَقَدَّمَ بَيَانُ مَنْ أَدْرَجَهُ فِي النِّكَاحِ وَقِيلَ لِلْأَسِيرِ عَانٍ مَنْ عَنَا يَعْنُو إِذَا خَضَعَ الْحَدِيثُ الثَّانِي حَدِيثُ أَبِي هُرَيْرَةَ





[ قــ :508 ... غــ :5374] .

     قَوْلُهُ  مَا شَبِعَ آلُ مُحَمَّدٍ مِنْ طَعَامٍ ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ حَتَّى قُبِضَ فِي رِوَايَةِ مُسْلِمٍ مِنْ طَرِيقِ يَزِيدَ بْنِ كَيْسَانَ عَنْ أَبِي حَازِمٍ بِلَفْظِ مَا شَبِعَ مُحَمَّدٌ وَأَهْلُهُ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ تِبَاعًا أَيْ مُتَوَالِيَةً وَسَيَأْتِي بَعْدَ هَذَا مِنْ حَدِيثِ عَائِشَةَ التَّقْيِيدُ أَيْضًا بِثَلَاثٍ لَكِنَّ فِيهِ مِنْ خُبْزِ الْبُرِّ وَعِنْدَ مُسْلِمٍ ثَلَاثَ لَيَالٍ وَيُؤْخَذُ مِنْهَا أَنَّ الْمُرَادَ بِالْأَيَّامِ هُنَا بِلَيَاليِهَا كَمَا أَنَّ الْمُرَادَ بِاللَّيَالِي هُنَاكَ بِأَيَّامِهَا وَأَنَّ الشِّبَعَ الْمَنْفِيَّ بِقَيْدِ التَّوَالِي لَا مُطْلَقًا وَلِمُسْلِمٍ وَالتِّرْمِذِيِّ مِنْ طَرِيقِ الْأَسْوَدِ عَنْ عَائِشَةَ مَا شَبِعَ مِنْ خُبْزِ شَعِيرٍ يَوْمَيْنِ مُتَتَابِعَيْنِ وَيُؤْخَذُ مَقْصُودُهُ مِنْ جَوَازِ الشِّبَعِ فِي الْجُمْلَةِ مِنَ الْمَفْهُومِ وَالَّذِي يَظْهَرُ أَنَّ سَبَبَ عَدَمِ شِبَعِهِمْ غَالِبًا كَانَ بِسَبَبِ قِلَّةِ الشَّيْءِ عِنْدَهُمْ عَلَى أَنَّهُمْ كَانُوا قَدْ يَجِدُونَ وَلَكِنْ يُؤْثِرُونَ عَلَى أَنْفُسِهِمْ وَسَيَأْتِي بَعْدَ هَذَا وَفِي الرِّقَاقِ أَيْضًا مِنْ وَجْهٍ آخَرَ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ خَرَجَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْ الدُّنْيَا وَلَمْ يَشْبَعْ مِنْ خُبْزِ الشَّعِيرِ وَيَأْتِي بَسْطُ الْقَوْلِ فِي شَرْحُهُ فِي كِتَابِ الرِّقَاقِ إِنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى الْحَدِيثُ الثَّالِثُ





[ قــ :5083 ... غــ :5375] .

     قَوْلُهُ  وَعَنْ أَبِي حَازِمٍ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ أَصَابَنِي جَهْدٌ شَدِيدٌ هُوَ مَوْصُولٌ بِالْإِسْنَادِ الَّذِي قَبْلَهُ وَذَكَرَ مُحَدِّثُ الدِّيَارِ الْحَلَبِيَّةِ بُرْهَانُ الدِّينِ أَنَّ شَيْخَنَا الشَّيْخَ سِرَاجَ الدِّينِ الْبُلْقِينِيَّ اسْتَشْكَلَ هَذَا التَّرْكِيبَ.

     وَقَالَ  .

     قَوْلُهُ  وَعَنْ أَبِي حَازِمٍ لَا يَصِحُّ عَطْفُهُ عَلَى قَوْلِهِ عَنْ أَبِيهِ لِأَنَّهُ يَلْزَمُ مِنْهُ إِسْقَاطُ فُضَيْلٍ فَيَكُونُ مُنْقَطِعًا إِذْ يَصِيرُ التَّقْدِيرُ عَنْ أَبِيهِ وَعَنْ أَبِي حَازِمٍ قَالَ وَلَا يَصِحُّ عَطْفُهُ عَلَى قَوْلِهِ وَعَنْ أَبِي حَازِمٍ لِأَنَّ الْمُحَدِّثَ الَّذِي لَمْ يُعَيَّنْ هُوَ مُحَمَّدُ بْنُ فُضَيْلٍ فَيَلْزَمُ الِانْقِطَاعُ أَيْضًا قَالَ وَكَانَ اللَّائِقُ أَنْ يَقُولَ وَبِهِ إِلَى أَبِي حَازِمٍ انْتَهَى وَكَأَنَّهُ تَلَقَّفَهُ مِنْ شَيْخِنَا فِي مَجْلِسٍ بِسَمَاعِهِ لِلْبُخَارِيِّ وَإِلَّا فَلَمْ يُسْمَعْ بِأَنَّ الشَّيْخَ شَرَحَ هَذَا الْمَوْضِعَ وَالْأَوَّلُ مُسَلَّمٌ وَالثَّانِي مَرْدُودٌ لِأَنَّهُ لَا مَانِعَ مِنْ عَطْفِ الرَّاوِي لِحَدِيثٍ عَلَى الرَّاوِي بِعَيْنِهِ لِحَدِيثٍ آخَرَ فَكَأَنَّ يُوسُفَ قَالَ حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ فُضَيْلٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ أَبِي حَازِمٍ بِكَذَا وَعَنْ أَبِي حَازِمٍ بِكَذَا وَاللَّائِقُ الَّذِي ذَكَرَهُ صَحِيحٌ لَكِنَّهُ لَا يَتَعَيَّنُ بَلْ لَوْ قَالَ وَبِهِ إِلَى أَبِيهِ عَنْ أَبِي حَازِمٍ لَصَحَّ أَوْ حَذَفَ قَوْلَهُ عَنْ أَبِيهِ فَقَالَ وَبِهِ عَنْ أَبِي حَازِمٍ لَصَحَّ وَحدثنَا تكون بِهِ مقدرَة والمقدر فِي حُكْمِ الْمَلْفُوظِ وَأَوْضَحُ مِنْهُ أَنَّ قَوْلَهُ وَعَنْ أَبِي حَازِمٍ مَعْطُوفٌ عَلَى قَوْلِهِ حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ فُضَيْلٍ إِلَخْ فَحَذَفَ مَا بَيْنَهُمَا لِلْعِلْمِ بِهِ وَزَعَمَ بَعْضُ الشُّرَّاحِ أَنَّ هَذَا مُتَعَلق وَلَيْسَ كَمَا قَالَ فَقَدْ أَخْرَجَهُ أَبُو يَعْلَى عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ بْنِ أَبَانٍ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ فُضَيْلٍ بِسَنَدٍ الْبُخَارِيِّ فِيهِ فَظَهَرَ أَنَّهُ مَعْطُوفٌ عَلَى السَّنَدِ الْمَذْكُورِ كَمَا قُلْتُهُ أَوَّلًا وَلِلَّهِ الْحَمْدُ .

     قَوْلُهُ  أَصَابَنِي جَهْدٌ شَدِيدٌ أَيْ مِنَ الْجُوعِ وَالْجَهْدُ تَقَدَّمَ أَنَّهُ بِالضَّمِّ وَبِالْفَتْحِ بِمَعْنًى وَالْمُرَادُ بِهِ الْمَشَقَّةُ وَهُوَ فِي كُلِّ شَيْءٍ بِحَسَبِهِ .

     قَوْلُهُ  فَاسْتَقْرَأْتُهُ آيَةً أَيْ سَأَلْتُهُ أَنْ يَقْرَأَ عَلَيَّ آيَةً مِنَ الْقُرْآنِ مُعَيَّنَةً عَلَى طَرِيقِ الِاسْتِفَادَةِ وَفِي غَالِبِ النُّسَخِ فَاسْتَقْرَيْتُهُ بِغَيْرِ هَمْزَةٍ وَهُوَ جَائِزٌ عَلَى التَّسْهِيلِ وَإِنْ كَانَ أَصْلُهُ الْهَمْزَةَ .

     قَوْلُهُ  فَدَخَلَ دَارَهُ وَفَتَحَهَا عَلَيَّ أَيْ قَرَأَهَا عَلَيَّ وَأَفْهَمَنِي إِيَّاهَا وَوَقَعَ فِي تَرْجَمَةِ أَبِي هُرَيْرَةَ فِي الْحِلْيَةِ لِأَبِي نُعَيْمٍ مِنْ وَجْهٍ آخَرَ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّ الْآيَةَ الْمَذْكُورَةَ مِنْ سُورَةِ آلِ عِمْرَانَ وَفِيهِ فَقُلْتُ لَهُ أَقْرِئْنِي وَأَنَا لَا أُرِيدُ الْقِرَاءَةَ وَإِنَّمَا أُرِيدُ الْإِطْعَامَ وَكَأَنَّهُ سَهَّلَ الْهَمْزَةَ فَلَمْ يَفْطِنْ عُمَرُ لِمُرَادِهِ .

     قَوْلُهُ  فَخَرَرْتُ لِوَجْهِي مِنَ الْجَهْدِ أَيِ الَّذِي أَشَارَ إِلَيْهِ أَوَّلًا وَهُوَ شِدَّةُ الْجُوعِ وَوَقَعَ فِي الرِّوَايَةِ الَّتِي فِي الْحِلْيَةِ أَنَّهُ كَانَ يَوْمَئِذٍ صَائِمًا وَأَنَّهُ لَمْ يَجِدْ مَا يُفْطِرُ عَلَيْهِ .

     قَوْلُهُ  فَأَمَرَ لِي بِعُسٍّ بِضَمِّ الْعَيْنِ الْمُهْمَلَةِ بَعْدَهَا مُهْمَلَةٌ هُوَ الْقَدَحُ الْكَبِيرِ .

     قَوْلُهُ  حَتَّى اسْتَوَى بَطْنِي أَيِ اسْتَقَامَ مِنِ امْتِلَائِهِ مِنَ اللَّبَنِ .

     قَوْلُهُ  كَالْقِدْحِ بِكَسْرِ الْقَافِ وَسُكُونِ الدَّالِ بَعْدَهَا حَاءٌ مُهْمَلَةٌ هُوَ السَّهْمُ الَّذِي لَا رِيشَ لَهُ وَسَيَأْتِي لِأَبِي هُرَيْرَةَ قِصَّةٌ فِي شُرْبِ اللَّبَنِ مُطَوَّلَةٌ فِي كِتَابِ الرِّقَاقِ وَفِيهَا أَنَّهُ قَالَ اشْرَبْ فَقَالَ لَا أَجِدُ لَهُ مَسَاغًا وَيُسْتَفَادُ مِنْهُ جَوَازُ الشِّبَعِ وَلَوْ حُمِلَ الْمُرَادُ بِنَفْيِ الْمَسَاغِ عَلَى مَا جَرَتْ بِهِ عَادَتُهُ لَا أَنَّهُ أَرَادَ أَنَّهُ زَادَ عَلَى الشِّبَعِ وَاللَّهُ أَعْلَمُ تَنْبِيهٌ ذَكَرَ لِي مُحَدِّثُ الدِّيَارِ الْحَلَبِيَّةِ بُرْهَانُ الدِّينِ أَنَّ شَيْخَنَا سِرَاجَ الدِّينِ الْبُلْقِينِيَّ قَالَ لَيْسَ فِي هَذِهِ الْأَحَادِيثِ الثَّلَاثَةِ مَا يَدُلُّ عَلَى الْأَطْعِمَةِ الْمُتَرْجَمِ عَلَيْهَا الْمَتْلُوِّ فِيهَا الْآيَاتُ الْمَذْكُورَةُ.

قُلْتُ وَهُوَ ظَاهِرٌ إِذَا كَانَ الْمُرَادُ مُجَرَّدَ ذِكْرِ أَنْوَاعِ الْأَطْعِمَةِ أَمَّا إِذَا كَانَ الْمُرَادُ بِهَا ذَلِكَ وَمَا يَتَعَلَّقُ بِهِ مِنْ أَحْوَالِهَا وَصِفَاتِهَا فَالْمُنَاسَبَةُ ظَاهِرَةٌ لِأَنَّ مِنْ جُمْلَةِ أَحْوَالِهَا النَّاشِئَةِ عَنْهَا الشِّبَعَ وَالْجُوعَ وَمِنْ جُمْلَةِ صِفَاتِهَا الْحِلُّ وَالْحُرْمَةُ وَالْمُسْتَلَذُّ وَالْمُسْتَخْبَثُ وَمِمَّا يَنْشَأُ عَنْهَا الْإِطْعَامُ وَتَرْكُهُ وَكُلُّ ذَلِكَ ظَاهِرٌ مِنَ الْأَحَادِيثِ الثَّلَاثَةِ.
وَأَمَّا الْآيَاتُ فَإِنَّهَا تَضَمَّنَتِ الْإِذْنَ فِي تَنَاوُلِ الطَّيِّبَاتِ فَكَأَنَّهُ أَشَارَ بِالْأَحَادِيثِ إِلَى أَنَّ ذَلِكَ لَا يَخْتَصُّ بِنَوْعٍ مِنَ الْحَلَالِ وَلَا الْمُسْتَلَذِّ وَلَا بِحَالَةِ الشِّبَعِ وَلَا بِسَدِّ الرَّمَقِ بَلْ يَتَنَاوَلُ ذَلِكَ بِحَسَبِ الْوِجْدَانِ وَبِحَسَبِ الْحَاجَةِ وَاللَّهُ أَعْلَمُ .

     قَوْلُهُ  تَوَلَّى ذَلِكَ أَيْ بَاشَرَهُ مِنْ إِشْبَاعِي وَدَفْعِ الْجُوعِ عَنِّي رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَحَكَى الْكِرْمَانِيُّ أَنَّ فِي رِوَايَةِ تَوَلَّى اللَّهُ ذَلِكَ قَالَ وَمن عَلَى هَذَا مَفْعُولٌ وَعَلَى الْأَوَّلِ فَاعِلٌ انْتَهَى وَيَكُونُ تَوَلَّى عَلَى الثَّانِي بِمَعْنَى وَلَّى .

     قَوْلُهُ  وَلَأَنَا أَقْرَأُ لَهَا مِنْكَ فِيهِ إِشْعَارٌ بِأَنَّ عُمَرَ لَمَّا قَرَأَهَا عَلَيْهِ تَوَقَّفَ فِيهَا أَوْ فِي شَيْءٍ مِنْهَا حَتَّى سَاغَ لِأَبِي هُرَيْرَةَ مَا قَالَ وَلِذَلِكَ أَقَرَّهُ عُمَرُ عَلَى قَوْلِهِ .

     قَوْلُهُ  أَدْخَلْتُكَ أَيِ الدَّارَ وَأَطْعَمْتُكَ .

     قَوْلُهُ  حُمْرُ النَّعَمِ أَيِ الْإِبِلِ وَلِلْحُمْرِ مِنْهَا فَضْلٌ عَلَى غَيْرِهَا مِنْ أَنْوَاعِهَا وَقَدْ تَقَدَّمَ فِي الْمَنَاقِبِ الْبَحْثُ فِي تَخْصِيصِهَا بِالذِّكْرِ وَالْمُرَادِ بِهِ وَتَقَدَّمَ مِنْ وَجْهٍ آخَرَ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ كُنْتُ أَسْتَقْرِئُ الرَّجُلَ الْآيَةَ وَهِيَ مَعِي كَيْ يَنْقَلِبَ معي فيطعمني قَالَ بن بَطَّالٍ فِيهِ أَنَّهُ كَانَ مِنْ عَادَتِهِمْ إِذَا اسْتَقْرَأَ أَحَدُهُمْ صَاحِبَهُ الْقُرْآنَ أَنْ يَحْمِلَهُ إِلَى مَنْزِلِهِ وَيُطْعِمَهُ مَا تَيَسَّرَ وَيُحْمَلُ مَا وَقَعَ مِنْ عُمَرَ عَلَى أَنَّهُ كَانَ لَهُ شُغْلٌ عَاقَهُ عَنْ ذَلِكَ أَوْ لَمْ يَكُنْ عِنْدَهُ مَا يُطْعِمُهُ حِينَئِذٍ انْتَهَى وَيُبْعِدُ الْأَخِيرُ تَأَسُّفَ عُمَرَ عَلَى فَوْتِ ذَلِكَ وَذَكَرَ لِي مُحَدِّثُ الدِّيَارِ الْحَلَبِيَّةِ أَنَّ شَيْخَنَا سِرَاجَ الدِّينِ الْبُلْقِينِيَّ اسْتَبْعَدَ قَوْلَ أَبِي هُرَيْرَةَ لِعُمَرَ لَأَنَا أَقْرَأُ لَهَا مِنْكَ يَا عُمَرُ مِنْ وَجْهَيْنِ أَحَدُهُمَا مَهَابَةُ عُمَرَ وَالثَّانِي عَدَمُ اطِّلَاعِ أَبِي هُرَيْرَةَ عَلَى أَنَّ عُمَرَ لَمْ يَكُنْ يَقْرَؤُهَا مِثْلَهُ.

قُلْتُ عَجِبْتُ مِنْ هَذَا الِاعْتِرَاضِ فَإِنَّهُ يَتَضَمَّنُ الطَّعْنَ عَلَى بَعْضِ رُوَاةِ الْحَدِيثِ الْمَذْكُورِ بِالْغَلَطِ مَعَ وُضُوحِ تَوْجِيهِهِ أَمَّا الْأَوَّلُ فَإِنَّ أَبَا هُرَيْرَةَ خَاطَبَ عُمَرَ بِذَلِكَ فِي حَيَاةِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَفِي حَالَةٍ كَانَ عُمَرُ فِيهَا فِي صُورَةِ الْخَجْلَانِ مِنْهُ فَجَسَرَ عَلَيْهِ وَأما الثَّانِي فَيَعْكِسُ وَيُقَالُ وَمَا كَانَ أَبُو هُرَيْرَةَ لِيَقُولَ ذَلِكَ إِلَّا بَعْدَ اطِّلَاعِهِ فَلَعَلَّهُ سَمِعَهَا مِنْ لَفْظِ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حِينَ أُنْزِلَتْ وَمَا سَمِعَهَا عُمَرُ مَثَلًا إِلَّا بِوَاسِطَة (