فهرس الكتاب

فتح الباري لابن حجر - باب الحلواء والعسل

( قَولُهُ بَابُ الْحَلْوَى وَالْعَسَلِ)
كَذَا لِأَبِي ذَرٍّ مَقْصُور وَلغيره مَمْدُود وهما لُغَتَانِ قَالَ بن وَلَّادٍ هِيَ عِنْدَ الْأَصْمَعِيِّ بِالْقَصْرِ تُكْتَبُ بِالْيَاءِ وَعِنْدَ الْفَرَّاءِ بِالْمَدِّ تُكْتَبُ بِالْأَلِفِ وَقِيلَ تُمَدُّ وَتُقْصَرُ.

     وَقَالَ  اللَّيْثُ الْأَكْثَرُ عَلَى الْمَدِّ وَهُوَ كُلُّ حُلْوٍ يُؤْكَلُ.

     وَقَالَ  الْخَطَّابِيُّ اسْمُ الْحَلْوَى لَا يَقَعُ إِلَّا عَلَى مَا دَخَلَتْهُ الصَّنْعَةُ وَفِي الْمُخَصَّصِ لِابْنِ سِيدَهْ هِيَ مَا عُولِجَ مِنَ الطَّعَامِ بِحَلَاوَةٍ وَقَدْ تُطْلَقُ عَلَى الْفَاكِهَةِ



[ قــ :5138 ... غــ :5431] .

     قَوْلُهُ  يُحِبُّ الْحَلْوَى وَالْعَسَلَ كَذَا فِي الرِّوَايَةِ لِلْجَمِيعِ بِالْقَصْرِ وَقَدْ تَقَدَّمَ فِي أَبْوَابِ الطَّلَاقِ بِالْوَجْهَيْنِ وَهُوَ طَرَفٌ مِنْ حَدِيثٍ تَقَدَّمَ فِي قصَّة التَّخْيِير قَالَ بن بَطَّالٍ الْحَلْوَى وَالْعَسَلُ مِنْ جُمْلَةِ الطَّيِّبَاتِ الْمَذْكُورَةِ فِي قَوْله تَعَالَى كلوا من الطَّيِّبَات وَفِيهِ تَقْوِيَةٌ لِقَوْلِ مَنْ قَالَ الْمُرَادُ بِهِ الْمُسْتَلَذُّ مِنَ الْمُبَاحَاتِ وَدَخَلَ فِي مَعْنَى هَذَا الْحَدِيثِ كُلُّ مَا يُشَابِهُ الْحَلْوَى وَالْعَسَلَ مِنْ أَنْوَاعِ الْمَآكِلِ اللَّذِيذَةِ كَمَا تَقَدَّمَ تَقْرِيرُهُ فِي أول كتاب الْأَطْعِمَة.

     وَقَالَ  الْخطابِيّ وَتَبعهُ بن التِّينِ لَمْ يَكُنْ حُبُّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَهَا عَلَى مَعْنَى كَثْرَةِ التَّشَهِّي لَهَا وَشِدَّةِ نِزَاعِ النَّفْسِ إِلَيْهَا وَإِنَّمَا كَانَ يَنَالُ مِنْهَا إِذَا أُحْضِرَتْ إِلَيْهِ نَيْلًا صَالِحًا فَيُعْلَمُ بِذَلِكَ أَنَّهَا تُعْجِبُهُ وَيُؤْخَذُ مِنْهُ جَوَازُ اتِّخَاذِ الْأَطْعِمَةِ مِنْ أَنْوَاعٍ شَتَّى وَكَانَ بَعْضُ أَهْلِ الْوَرَعِ يَكْرَهُ ذَلِكَ وَلَا يُرَخِّصُ أَنْ يَأْكُلَ مِنَ الْحَلَاوَةِ إِلَّا مَا كَانَ حُلْوُهُ بِطَبْعِهِ كالتمر وَالْعَسَل وهذاالحديث يَرُدُّ عَلَيْهِ وَإِنَّمَا تَوَرَّعَ عَنْ ذَلِكَ مِنَ السَّلَفِ مَنْ آثَرَ تَأْخِيرَ تَنَاوُلِ الطَّيِّبَاتِ إِلَى الْآخِرَةِ مَعَ الْقُدْرَةِ عَلَى ذَلِكَ فِي الدُّنْيَا تَوَاضُعًا لَا شُحًّا وَوَقَعَ فِي كِتَابِ فِقْهِ اللُّغَةِ لِلثَّعَالِبِيِّ أَنَّ حَلْوَى النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الَّتِي كَانَ يُحِبُّهَا هيَ الْمَجِيعُ بِالْجِيمِ وَزْنَ عَظِيمٍ وَهُوَ ثَمَرٌ يُعْجَنُ بِلَبَنٍ وَسَيَأْتِي فِي بَابِ الْجَمْعِ بَيْنَ لَوْنَيْنِ ذِكْرُ مَنْ رَوَى حَدِيثَ أَنَّهُ كَانَ يُحِبُّ الزُّبْدَ وَالتَّمْرَ وَفِيهِ رَدٌّ عَلَى مَنْ زَعَمَ أَنَّ الْمُرَادَ بِالْحَلْوَى أَنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ يَشْرَبُ كُلَّ يَوْمٍ قَدَحَ عَسَلٍ يُمْزَجُ بِالْمَاءِ.
وَأَمَّا الْحَلْوَى الْمَصْنُوعَةُ فَمَا كَانَ يَعْرِفُهَا وَقِيلَ الْمُرَادُ بِالْحَلْوَى الْفَالُوذَجُ لَا الْمَعْقُودَةُ عَلَى النَّارِ وَاللَّهُ أَعْلَمُ





[ قــ :5139 ... غــ :543] .

     قَوْلُهُ  حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ شَيْبَةَ هُوَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ عَبْدِ الْمَلِكِ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ شَيْبَةَ الْحِزَامِيُّ بِالْمُهْمَلَةِ وَالزَّايِ الْمَدَنِيُّ نَسَبَهُ إِلَى جَدِّ أَبِيهِ وَغَلِطَ بَعْضُهُمْ فَقَالَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ وَلَفظ أبي زِيَادَةٌ عَلَى سَبِيلِ الْغَلَطِ الْمَحْضِ وَمَا لِعَبْدِ الرَّحْمَنِ فِي الْبُخَارِيِّ سِوَى مَوْضِعَيْنِ هَذَا أَحَدُهُمَا قَوْله بن أَبِي الْفُدَيْكِ هُوَ مُحَمَّدُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ وَأَكْثَرُ مَا يَرِدُ بِغَيْرِ أَلْفٍ وَلَامٍ .

     قَوْلُهُ  كُنْتُ أَلْزَمُ تَقَدَّمَ هَذَا الْحَدِيثُ فِي الْمَنَاقِبِ مِنْ وَجه آخر عَن بن أَبِي ذِئْبٍ وَأَوَّلُهُ يَقُولُ النَّاسُ أَكْثَرَ أَبُو هُرَيْرَةَ الْحَدِيثَ .

     قَوْلُهُ  لِشِبَعِ بَطْنِي فِي رِوَايَةِ الْكُشْمِيهَنِيِّ بِشِبَعِ بِالْمُوَحَّدَةِ وَالْمَعْنَى مُخْتَلِفٌ فَإِنَّ الَّذِي بِالْبَاءِ يُشْعِرُ بِالْمُعَاوَضَةِ لَكِنَّ رِوَايَةَ اللَّامِ لَا تَنْفِيهَا .

     قَوْلُهُ  وَلَا أَلْبَسُ الْحَرِيرَ كَذَا هُنَا لِلْجَمِيعِ وَتَقَدَّمَ فِي الْمَنَاقِبِ بِلَفْظِ الْحَبِيرِ بِالْمُوَحَّدَةِ بَدَلَ الرَّاءِ الْأُولَى وَتَقَدَّمَ أَنَّهُ لِلْكُشْمِيهَنِيِّ بِرَاءَيْنِ.

     وَقَالَ  عِيَاضٌ هُوَ بِالْمُوَحَّدَةِ فِي رِوَايَةِ الْقَابِسِيِّ وَالْأَصِيلِيِّ وَعَبْدُوسٍ وَكَذَا لِأَبِي ذَرٍّ عَنِ الْحَمَوِيِّ وَكَذَا هُوَ لِلنَّسَفِيِّ وَلِلْبَاقِينَ بِرَاءَيْنِ كَالَّذِي هُنَا وَرَجَّحَ عِيَاضٌ الرِّوَايَةَ بِالْمُوَحَّدَةِ.

     وَقَالَ  هُوَ الثَّوْبُ الْمُحَبَّرُ وَهُوَ الْمُزَيَّنُ الْمُلَوَّنُ مَأْخُوذٌ مِنَ التَّحْبِيرِ وَهُوَ التَّحْسِينُ وَقِيلَ الْحَبِيرُ ثَوْبُ وَشْيٍ مُخَطَّطٌ وَقِيلَ هُوَ الْجَدِيدُ وَإِنَّمَا كَانَتْ رِوَايَةُ الْحَرِيرِ مَرْجُوحَةً لِأَنَّ السِّيَاقَ يُشْعِرُ بِأَنَّ أَبَا هُرَيْرَةَ كَانَ يَفْعَلُ ذَلِكَ بَعْدَ أَنْ كَانَ لَا يَفْعَلُهُ وَهُوَ كَانَ لَا يَلْبَسُ الْحَرِيرَ لَا أَوَّلًا وَلَا آخِرًا بِخِلَافِ أَكْلِهِ الْخَمِيرَ وَلُبْسِهِ الْحَبِيرَ فَإِنَّهُ صَارَ يَفْعَلُهُ بَعْدَ أَنْ كَانَ لَا يَجِدُهُ .

     قَوْلُهُ  وَلَا يَخْدِمُنِي فُلَانٌ وَفُلَانَةٌ يَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ أَبُو هُرَيْرَةَ هُوَ الَّذِي كَنَّى وَقَصَدَ الْإِبْهَامَ لِإِرَادَةِ التَّعْظِيمِ وَالتَّهْوِيلِ وَيُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ سَمَّى مُعَيَّنًا وَكَنَّى عَنْهُ الرَّاوِي وَقد أخرج بن سعد من طَرِيق أَيُّوب عَن بن سِيرِينَ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ وَلَقَدْ رَأَيْتُنِي وَإِنِّي لَأَجِيرٌ لِابْنِ عَفَّانَ وَبِنْتِ غَزْوَانَ بِطَعَامِ بعل وَعُقْبَةِ رِجْلِي أَسُوقُ بِهِمْ إِذَا ارْتَحَلُوا وَأَخْدُمُهُمْ إِذَا نَزَلُوا فَقَالَتْ لِي يَوْمًا لَتَرِدَنَّ حَافِيًا وَلَتَرْكَبَنَّ قَائِمًا فَزَوَّجَنِيهَا اللَّهُ تَعَالَى فَقُلْتُ لَهَا اتردن حَافِيَةً وَلَتَرْكَبِنَّ قَائِمَةً وَسَنَدُهُ صَحِيحٌ وَهُوَ فِي آخِرِ حَدِيثٍ أَخْرَجَهُ الْبُخَارِيُّ وَالتِّرْمِذِيُّ بِدُونِ هَذِهِ الزِّيَادَة وَأخرج بن سعد أَيْضا وبن مَاجَهْ مِنْ طَرِيقِ سَلِيمِ بْنِ حَيَّانَ سَمِعْتُ أَبِي يَقُولُ سَمِعْتُ أَبَا هُرَيْرَةَ يَقُولُ نَشَأْتُ يَتِيما وَهَاجَرت مِسْكينا وَكنت أَجِيرًا لِبُسْرَةَ بِنْتِ غَزْوَانَ الْحَدِيثَ .

     قَوْلُهُ  وَأَسْتَقْرِئُ الرَّجُلَ الْآيَةَ وَهِيَ مَعِي تَقَدَّمَ شَرْحُ قِصَّتِهِ فِي ذَلِكَ مَعَ عُمَرَ فِي أَوَائِلِ الْأَطْعِمَةِ وَقِصَّتُهُ فِي ذَلِكَ مَعَ جَعْفَرٍ فِي كِتَابِ الْمَنَاقِبِ .

     قَوْلُهُ  وَخَيْرُ النَّاسِ لِلْمَسَاكِينِ جَعْفَرٌ تَقَدَّمَ شَرْحُهُ فِي الْمَنَاقِبِ وَوَقَعَ فِي رِوَايَةِ الْإِسْمَاعِيلِيِّ مِنَ الزِّيَادَةِ فِي هَذَا الْحَدِيثِ مِنْ طَرِيقِ إِبْرَاهِيمَ الْمَخْزُومِيِّ عَنْ سَعِيدٍ الْمَقْبُرِيِّ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ وَكَانَ جَعْفَرٌ يُحِبُّ الْمَسَاكِينَ وَيَجْلِسُ إِلَيْهِمْ وَيُحَدِّثُهُمْ وَيُحَدِّثُونَهُ وَكَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُكَنِّيهِ أَبَا الْمَسَاكِينِ.

قُلْتُ وَإِبْرَاهِيمُ المَخْزُومِي هُوَ بن الْفضل وَيُقَال بن إِسْحَاقَ الْمَخْزُومِيُّ مَدَّنِيٌّ ضَعِيفٌ لَيْسَ مِنْ شَرْطِ هَذَا الْكِتَابِ وَقَدْ أَوْرَدْتُ هَذِهِ الزِّيَادَةَ فِي الْمَنَاقِبِ عَنِ التِّرْمِذِيِّ وَهِيَ مِنْ رِوَايَةِ إِبْرَاهِيمَ أَيْضا وَأَشَارَ إِلَى ضعف إِبْرَاهِيم قَالَ بن الْمُنِيرِ مُنَاسَبَةُ حَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ لِلتَّرْجَمَةِ أَنَّ الْحَلْوَى تُطْلَقُ عَلَى الشَّيْءِ الْحُلْوِ وَلَمَّا كَانَتِ الْعُكَّةُ يَكُونُ فِيهَا غَالِبًا الْعَسَلُ وَرُبَّمَا جَاءَ مُصَرَّحًا بِهِ فِي بَعْضِ طُرُقِهِ نَاسَبَ التَّبْوِيبَ.

قُلْتُ إِذَا كَانَ وَرَدَ فِي بَعْضِ طُرُقِهِ الْعَسَلُ طَابَقَ التَّرْجَمَةَ لِأَنَّهَا مُشْتَمِلَةٌ عَلَى ذِكْرِ الْحَلْوَى وَالْعَسَلِ مَعًا فَيُؤْخَذُ مِنَ الْحَدِيثِ أَحَدُ رُكْنَيِ التَّرْجَمَةِ وَلَا يُشْتَرَطُ أَنْ يَشْتَمِلَ كُلُّ حَدِيثٍ فِي الْبَابِ عَلَى جَمِيعِ مَا تَضَمَّنَتْهُ التَّرْجَمَةُ بَلْ يَكْفِي التَّوْزِيعُ وَإِطْلَاقُ الْحَلْوَى عَلَى كُلِّ شَيْءٍ حُلْوٍ خِلَافُ الْعُرْفِ وَقَدْ جَزَمَ الْخَطَّابِيُّ بِخِلَافِهِ كَمَا تَقَدَّمَ فَهُوَ الْمُعْتَمَدُ .

     قَوْلُهُ  فنشتفها قَيده عِيَاض بالشين الْمُعْجَمَة وَالْفَاء وَرجح بن التِّينِ أَنَّهُ بِالْقَافِ لِأَنَّ مَعْنَى الَّذِي بِالْفَاءِ أَنْ يَشْرَبَ مَا فِي الْإِنَاءِ كَمَا تَقَدَّمَ وَالْمُرَادُ هُنَا أَنَّهُمْ لَعِقُوا مَا فِي الْعُكَّةِ بعد أَن قطعوها ليتمكنوا من ذَلِك