فهرس الكتاب

فتح الباري لابن حجر - باب لحوم الخيل

قَوْله بَاب لُحُوم الْخَيل)
قَالَ بن الْمُنِيرِ لَمْ يَذْكُرِ الْحُكْمَ لِتَعَارُضِ الْأَدِلَّةِ كَذَا قَالَ وَدَلِيلُ الْجَوَازِ ظَاهِرُ الْقُوَّةِ كَمَا سَيَأْتِي



[ قــ :5224 ... غــ :5519] قَوْله سُفْيَان هُوَ بن عُيَيْنَة وَهِشَام هُوَ بن عُرْوَةَ وَفَاطِمَةُ هِيَ بِنْتُ الْمُنْذِرِ بْنِ الزُّبَيْرِ وَهِيَ ابْنَةُ عَمِّ هِشَامٍ الْمَذْكُورِ وَزَوْجَتُهُ وَقَدْ تَقَدَّمَ ذَلِكَ صَرِيحًا فِي بَابِ النَّحْرِ وَالذَّبْحِ وَقَدِ اخْتُلِفَ فِي سَنَدِهِ عَلَى هِشَامٍ فَقَالَ أَيُّوبَ مِنْ رِوَايَةِ عَبْدِ الْوَهَّابِ الثَّقَفِيِّ عَنْهُ عَن أَبِيه عَن أَسمَاء وَكَذَا قَالَ بن ثَوْبَانَ مِنْ رِوَايَةِ عُتْبَةَ بْنِ حَمَّادٍ عَنْهُ عَنْ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ.

     وَقَالَ  الْمُغِيرَةُ بْنُ مُسْلِمٍ عَنْ هِشَامٍ عَنْ أَبِيهِ عَنِ الزُّبَيْرِ بْنِ الْعَوَّامِ أَخْرَجَهُ الْبَزَّارُ وَذَكَرَ الدَّارَقُطْنِيُّ الِاخْتِلَافَ ثمَّ رجح رِوَايَة بن عُيَيْنَةَ وَمَنْ وَافَقَهُ .

     قَوْلُهُ  نَحَرْنَا فَرَسًا عَلَى عَهْدِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَأَكَلْنَاهُ زَادَ عَبْدَةُ بْنُ سُلَيْمَانَ عَنْ هِشَامٍ وَنَحْنُ بِالْمَدِينَةِ وَقَدْ تَقَدَّمَ ذَلِكَ قَبْلَ بَابَيْنِ وَفِي رِوَايَةٍ لِلدَّارَقُطْنِيِّ فَأَكَلْنَاهُ نَحْنُ وَأَهْلُ بَيْتِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَتَقَدَّمَ الِاخْتِلَاف فِي قَوْلهَا نحرنا وذبحنا وَاخْتَلَفَ الشَّارِحُونَ فِي تَوْجِيهِهِ فَقِيلَ يُحْمَلُ النَّحْرُ عَلَى الذَّبْحِ مَجَازًا وَقِيلَ وَقَعَ ذَلِكَ مَرَّتَيْنِ وَإِلَيْهِ جَنَحَ النَّوَوِيُّ وَفِيهِ نَظَرٌ لِأَنَّ الْأَصْلَ عَدَمُ التَّعَدُّدِ وَالْمَخْرَجُ مُتَّحِدٌ وَالِاخْتِلَافُ فِيهِ عَلَى هِشَامٍ فَبَعْضُ الرُّوَاةِ قَالَ عَنْهُ نَحَرْنَا وَبَعْضُهُمْ قَالَ ذَبَحْنَا وَالْمُسْتَفَادُ مِنْ ذَلِكَ جَوَازُ الْأَمْرَيْنِ عِنْدَهُمْ وَقِيَامُ أَحَدِهِمَا فِي التَّذْكِيَةِ مَقَامَ الْآخَرِ وَإِلَّا لَمَا سَاغَ لَهُمُ الْإِتْيَانُ بِهَذَا مَوْضِعَ هَذَا.
وَأَمَّا الَّذِي وَقَعَ بِعَيْنِهِ فَلَا يَتَحَرَّرُ لِوُقُوعِ التَّسَاوِي بَيْنَ الرُّوَاةِ الْمُخْتَلِفِينَ فِي ذَلِكَ وَيُسْتَفَادُ مِنْ قَوْلِهَا وَنَحْنُ بِالْمَدِينَةِ أَنَّ ذَلِكَ بَعْدَ فَرْضِ الْجِهَادِ فَيَرُدُّ عَلَى مَنِ اسْتَنَدَ إِلَى مَنْعِ أَكْلِهَا بِعِلَّةِ أَنَّهَا مِنْ آلَاتِ الْجِهَادِ وَمِنْ قَوْلِهَا نَحْنُ وَأَهْلُ بَيْتِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الرَّدُّ عَلَى مَنْ زَعَمَ أَنَّهُ لَيْسَ فِيهِ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ اطَّلَعَ عَلَى ذَلِكَ مَعَ أَنَّ ذَلِكَ لَوْ لَمْ يُرَدْ لَمْ يُظَنَّ بِآلِ أَبِي بَكْرٍ أَنَّهُمْ يُقْدِمُونَ عَلَى فِعْلِ شَيْءٍ فِي زَمَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِلَّا وَعِنْدَهُمُ الْعِلْمُ بِجَوَازِهِ لِشِدَّةِ اخْتِلَاطِهِمْ بِالنَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَعَدَمِ مُفَارَقَتِهِمْ لَهُ هَذَا مَعَ تَوَفُّرِ دَاعِيَةِ الصَّحَابَةِ إِلَى سُؤَالِهِ عَنِ الْأَحْكَامِ وَمِنْ ثَمَّ كَانَ الرَّاجِحُ أَنَّ الصَّحَابِيَّ إِذَا قَالَ كُنَّا نَفْعَلُ كَذَا عَلَى عَهْدِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ لَهُ حُكْمُ الرَّفْعِ لِأَنَّ الظَّاهِرَ اطِّلَاعُ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى ذَلِكَ وَتَقْرِيرُهُ وَإِذَا كَانَ ذَلِكَ فِي مُطْلَقِ الصَّحَابِيِّ فَكَيْفَ بِآلِ أَبِي بَكْرٍ الصِّدِّيقِ الْحَدِيثُ الثَّانِي





[ قــ :55 ... غــ :550] قَوْله حَمَّاد هُوَ بن زيد وَعَمْرو هُوَ بن دِينَار وَمُحَمّد بن عَليّ أَي بن الْحُسَيْنِ بْنِ عَلِيٍّ وَهُوَ الْبَاقِرُ أَبُو جَعْفَرٍ كَذَا أَدْخَلَ حَمَّادُ بْنُ زَيْدٍ بَيْنَ عَمْرِو بْنِ دِينَارٍ وَبَيْنَ جَابِرٍ فِي هَذَا الْحَدِيثِ مُحَمَّدَ بْنَ عَلِيٍّ وَلَمَّا أَخْرَجَهُ النَّسَائِيُّ قَالَ لَا أَعْلَمُ أَحَدًا وَافَقَ حَمَّادًا عَلَى ذَلِكَ وَأَخْرَجَهُ مِنْ طَرِيقِ حُسَيْنِ بْنِ وَاقِدٍ وَأَخْرَجَهُ هُوَ وَالتِّرْمِذِيُّ مِنْ رِوَايَةِ سُفْيَانَ بْنِ عُيَيْنَةَ كِلَاهُمَا عَنْ عَمْرِو بْنِ دِينَارٍ عَنْ جَابِرٍ لَيْسَ فِيهِ مُحَمَّدُ بْنُ عَلِيٍّ وَمَالَ التِّرْمِذِيُّ أَيْضا إِلَى تَرْجِيح رِوَايَة بن عُيَيْنَة.

     وَقَالَ  سَمِعت مُحَمَّدًا يَقُول بن عُيَيْنَةَ أَحْفَظُ مِنْ حَمَّادٍ.

قُلْتُ لَكِنِ اقْتَصَرَ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ عَلَى تَخْرِيجِ طَرِيقِ حَمَّادِ بْنِ زيد وَقد وَافقه بن جُرَيْجٍ عَنْ عَمْرٍو عَلَى إِدْخَالِ الْوَاسِطَةِ بَيْنَ عَمْرٍو وَجَابِرٍ لَكِنَّهُ لَمْ يُسَمِّهِ أَخْرَجَهُ أَبُو دَاوُد من طَرِيق بن جُرَيْجٍ وَلَهُ طَرِيقٌ أُخْرَى عَنْ جَابِرٍ أَخْرَجَهَا مُسلم من طَرِيق بن جُرَيْجٍ وَأَبُو دَاوُدَ مِنْ طَرِيقِ حَمَّادٍ وَالنَّسَائِيُّ مِنْ طَرِيقِ حُسَيْنِ بْنِ وَاقِدٍ كُلُّهُمْ عَنْ أَبِي الزُّبَيْرِ عَنْهُ وَأَخْرَجَهُ النَّسَائِيُّ صَحِيحًا عَنْ عَطَاءٍ عَنْ جَابِرٍ أَيْضًا وَأَغْرَبَ الْبَيْهَقِيُّ فَجَزَمَ بِأَنَّ عَمْرَو بْنَ دِينَارٍ لَمْ يَسْمَعْهُ مِنْ جَابِرٍ وَاسْتَغْرَبَ بَعْضُ الْفُقَهَاءِ دَعْوَى التِّرْمِذِيِّ أَنَّ رِوَايَة بن عُيَيْنَةَ أَصَحُّ مَعَ إِشَارَةِ الْبَيْهَقِيِّ إِلَى أَنَّهَا مُنْقَطِعَةٌ وَهُوَ ذُهُولٌ فَإِنَّ كَلَامَ التِّرْمِذِيِّ مَحْمُولٌ عَلَى أَنَّهُ صَحَّ عِنْدَهُ اتِّصَالُهُ وَلَا يَلْزَمُ مِنْ دَعْوَى الْبَيْهَقِيِّ انْقِطَاعَهُ كَوْنُ التِّرْمِذِيِّ يَقُولُ بِذَلِكَ وَالْحَقُّ أَنَّهُ إِنْ وُجِدَتْ رِوَايَةٌ فِيهَا تَصْرِيحُ عَمْرٍو بِالسَّمَاعِ مِنْ جَابِرٍ فَتَكُونُ رِوَايَةُ حَمَّادٍ مِنَ الْمَزِيدِ فِي مُتَّصِلِ الْأَسَانِيدِ وَإِلَّا فَرِوَايَةُ حَمَّادِ بْنِ زَيْدٍ هِيَ الْمُتَّصِلَةُ وَعَلَى تَقْدِيرِ وُجُودِ التَّعَارُضِ مِنْ كُلِّ جِهَةٍ فَلِلْحَدِيثِ طُرُقٌ أُخْرَى عَنْ جَابِرٍ غَيْرُ هَذِهِ فَهُوَ صَحِيحٌ عَلَى كُلِّ حَالٍ .

     قَوْلُهُ  يَوْمَ خَيْبَرَ عَنْ لُحُومِ الْحُمُرِ زَادَ مُسْلِمٌ فِي رِوَايَتِهِ الْأَهْلِيَّةِ .

     قَوْلُهُ  وَرَخَّصَ فِي لُحُومِ الْخَيْلِ فِي رِوَايَةِ مُسْلِمٍ وَأَذِنَ بدل رخص وَله فِي رِوَايَة بن جُرَيْجٍ أَكَلْنَا زَمَنَ خَيْبَرَ الْخَيْلَ وَحُمُرَ الْوَحْشِ وَنَهَانَا النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنِ الْحمار الأهلي وَفِي حَدِيث بن عَبَّاسٍ عِنْدَ الدَّارَقُطْنِيِّ أَمَرَ قَالَ الطَّحَاوِيُّ وَذَهَبَ أَبُو حَنِيفَةَ إِلَى كَرَاهَةِ أَكْلِ الْخَيْلِ وَخَالَفَهُ صَاحِبَاهُ وَغَيْرُهُمَا وَاحْتَجُّوا بِالْأَخْبَارِ الْمُتَوَاتِرَةِ فِي حِلِّهَا وَلَوْ كَانَ ذَلِكَ مَأْخُوذًا مِنْ طَرِيقِ النَّظَرِ لَمَا كَانَ بَيْنَ الْخَيْلِ وَالْحُمُرِ الْأَهْلِيَّةِ فَرْقٌ وَلَكِنَّ الْآثَارَ إِذَا صَحَّتْ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَوْلَى أَنْ يُقَالَ بِهَا مِمَّا يُوجِبُهُ النَّظَرُ وَلَا سِيَّمَا وَقَدْ أَخْبَرَ جَابِرٌ أَنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَبَاحَ لَهُمْ لُحُومَ الْخَيْلِ فِي الْوَقْتِ الَّذِي مَنَعَهُمْ فِيهِ مِنْ لُحُومِ الْحُمُرِ فَدَلَّ ذَلِكَ عَلَى اخْتِلَافِ حُكْمِهِمَا.

قُلْتُ وَقَدْ نَقَلَ الْحِلَّ بَعْضُ التَّابِعِينَ عَنِ الصَّحَابَةِ مِنْ غَيْرِ اسْتِثْنَاءِ أحد فَأخْرج بن أَبِي شَيْبَةَ بِإِسْنَادٍ صَحِيحٍ عَلَى شَرْطِ الشَّيْخَيْنِ عَنْ عَطَاءٍ قَالَ لَمْ يَزَلْ سَلَفُكَ يَأْكُلُونَهُ قَالَ بن جُرَيْجٍ.

قُلْتُ لَهُ أَصْحَابِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ نَعَمْ.
وَأَمَّا مَا نقل فِي ذَلِك عَن بن عَبَّاس من كراهتها فَأخْرجهُ بن أَبِي شَيْبَةَ وَعَبْدُ الرَّزَّاقِ بِسَنَدَيْنِ ضَعِيفَيْنِ وَيَدُلُّ عَلَى ضَعْفِ ذَلِكَ عَنْهُ مَا سَيَأْتِي فِي الْبَابِ الَّذِي بَعْدَهُ صَحِيحًا عَنْهُ أَنَّهُ اسْتَدَلَّ لِإِبَاحَةِ الْحُمُرِ الْأَهْلِيَّةِ بِقَوْلِهِ تَعَالَى قُلْ لَا أجد فِيمَا أوحى إِلَى محرما فَإِنَّ هَذَا إِنْ صَلُحَ مُسْتَمْسَكًا لِحِلِّ الْحُمُرِ صَلُحَ لِلْخَيْلِ وَلَا فَرْقَ وَسَيَأْتِي فِيهِ أَيْضًا أَنَّهُ تَوَقَّفَ فِي سَبَبِ الْمَنْعِ مِنْ أَكْلِ الْحُمُرِ هَلْ كَانَ تَحْرِيمًا مُؤَبَّدًا أَوْ بِسَبَبِ كَوْنِهَا كَانَتْ حَمُولَةَ النَّاسِ وَهَذَا يَأْتِي مِثْلُهُ فِي الْخَيْلِ أَيْضًا فَيَبْعُدُ أَنْ يَثْبُتَ عَنْهُ الْقَوْلُ بِتَحْرِيمِ الْخَيْلِ وَالْقَوْلُ بِالتَّوَقُّفِ فِي الْحُمُرِ الْأَهْلِيَّةِ بل أخرج الدَّارَقُطْنِيّ بِسَنَد قوي عَن بن عَبَّاسٍ مَرْفُوعًا مِثْلَ حَدِيثِ جَابِرٍ وَلَفْظُهُ نَهَى رَسُولُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْ لُحُومِ الْحُمُرِ الْأَهْلِيَّةِ وَأَمَرَ بِلُحُومِ الْخَيْلِ وَصَحَّ الْقَوْلُ بِالْكَرَاهَةِ عَنِ الْحَكَمِ بْنِ عُيَيْنَةَ وَمَالِكٍ وَبَعْضِ الْحَنَفِيَّةِ وَعَنْ بَعْضِ الْمَالِكِيَّةِ وَالْحَنَفِيَّةِ التَّحْرِيمُ.

     وَقَالَ  الْفَاكِهِيُّ الْمَشْهُورُ عِنْدَ الْمَالِكِيَّةِ الْكَرَاهَةُ وَالصَّحِيحُ عِنْدَ الْمُحَقِّقِينَ مِنْهُمُ التَّحْرِيمُ.

     وَقَالَ  أَبُو حَنِيفَةَ فِي الْجَامِعِ الصَّغِيرِ أَكْرَهُ لَحْمَ الْخَيْلِ فَحَمَلَهُ أَبُو بَكْرٍ الرَّازِيُّ عَلَى التَّنْزِيهِ.

     وَقَالَ  لَمْ يُطْلِقْ أَبُو حَنِيفَةَ فِيهِ التَّحْرِيمَ وَلَيْسَ هُوَ عِنْدَهُ كَالْحِمَارِ الْأَهْلِيِّ وَصَحَّحَ عَنْهُ أَصْحَابُ الْمُحِيطِ وَالْهِدَايَةِ وَالذَّخِيرَةِ التَّحْرِيمَ وَهُوَ قَوْلُ أَكْثَرِهِمْ وَعَنْ بَعْضِهِمْ يَأْثَم أكله وَلَا يُسمى حَرَامًا وروى بن الْقَاسِم وبن وَهْبٍ عَنْ مَالِكٍ الْمَنْعَ وَأَنَّهُ احْتَجَّ بِالْآيَةِ الْآتِي ذِكْرُهَا وَأَخْرَجَ مُحَمَّدُ بْنُ الْحَسَنِ فِي الْآثَارِ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ بِسَنَدٍ لَهُ عَنِ بن عَبَّاسٍ نَحْوَ ذَلِكَ.

     وَقَالَ  الْقُرْطُبِيُّ فِي شَرْحِ مُسلم مَذْهَب مَالك الْكَرَاهَة وَاسْتدلَّ لَهُ بن بطال بِالْآيَةِ.

     وَقَالَ  بن الْمُنِيرِ الشَّبَهُ الْخِلْقِيُّ بَيْنَهَا وَبَيْنَ الْبِغَالِ وَالْحَمِيرِ مِمَّا يُؤَكِّدُ الْقَوْلَ بِالْمَنْعِ فَمِنْ ذَلِكَ هَيْئَتُهَا وَزُهُومَةُ لَحْمِهَا وَغِلَظُهُ وَصِفَةُ أَرْوَاثِهَا وَأَنَّهَا لَا تَجْتَرُّ قَالَ وَإِذَا تَأَكَّدَ الشَّبَهُ الْخِلْقِيُّ الْتَحَقَ بِنَفْيِ الْفَارِقِ وَبَعُدَ الشَّبَهُ بِالْأَنْعَامِ الْمُتَّفَقِ عَلَى أَكْلِهَا اه وَقَدْ تَقَدَّمَ مِنْ كَلَامِ الطَّحَاوِيِّ مَا يُؤْخَذُ مِنْهُ الْجَوَابُ عَنْ هَذَا.

     وَقَالَ  الشَّيْخُ أَبُو مُحَمَّدِ بْنِ أَبِي جَمْرَةَ الدَّلِيلُ فِي الْجَوَازِ مُطْلَقًا وَاضِحٌ لَكِنْ سَبَبُ كَرَاهَةِ مَالِكٍ لِأَكْلِهَا لِكَوْنِهَا تُسْتَعْمَلُ غَالِبًا فِي الْجِهَادِ فَلَوِ انْتَفَتِ الْكَرَاهَةُ لَكَثُرَ اسْتِعْمَالُهُ وَلَوْ كَثُرَ لَأَدَّى إِلَى قلتهَا فَيُفْضِي إِلَى فَنَائِهَا فَيَئُولُ إِلَى النَّقْصِ مِنْ إِرْهَابِ الْعَدُوِّ الَّذِي وَقَعَ الْأَمْرُ بِهِ فِي قَوْله تَعَالَى وَمن رِبَاط الْخَيل.

قُلْتُ فَعَلَى هَذَا فَالْكَرَاهَةُ لِسَبَبٍ خَارِجٍ وَلَيْسَ الْبَحْثُ فِيهِ فَإِنَّ الْحَيَوَانَ الْمُتَّفَقَ عَلَى إِبَاحَتِهِ لَوْ حَدَثَ أَمْرٌ يَقْتَضِي أَنْ لَوْ ذُبِحَ لَأَفْضَى إِلَى ارْتِكَابِ مَحْذُورٍ لَامْتَنَعَ وَلَا يَلْزَمُ مِنْ ذَلِكَ الْقَوْلُ بِتَحْرِيمِهِ وَكَذَا .

     قَوْلُهُ  إِنَّ وُقُوعَ أَكْلِهَا فِي الزَّمَنِ النَّبَوِيِّ كَانَ نَادِرًا فَإِذَا قِيلَ بِالْكَرَاهَةِ قَلَّ اسْتِعْمَالُهُ فَيُوَافِقُ مَا وَقَعَ قَبْلَ انْتَهَى وَهَذَا لَا يَنْهَضُ دَلِيلًا لِلْكَرَاهَةِ بَلْ غَايَتُهُ أَنْ يَكُونَ خِلَافَ الْأَوْلَى وَلَا يَلْزَمُ مِنْ كَوْنِ أَصْلِ الْحَيَوَانِ حَلَّ أَكْلُهُ فَنَاؤُهُ بِالْأَكْلِ.
وَأَمَّا قَوْلُ بَعْضِ الْمَانِعِينَ لَوْ كَانَتْ حَلَالًا لَجَازَتِ الْأُضْحِيَّةُ بهَا فمنتض بِحَيَوَانِ الْبَرِّ فَإِنَّهُ مَأْكُولٌ وَلَمْ تُشْرَعِ الْأُضْحِيَّةُ بِهِ وَلَعَلَّ السَّبَبَ فِي كَوْنِ الْخَيْلِ لَا تُشْرَعُ الْأُضْحِيَّةُ بِهَا اسْتِبْقَاؤُهَا لِأَنَّهُ لَوْ شُرِعَ فِيهَا جَمِيعُ مَا جَازَ فِي غَيْرِهَا لَفَاتَتِ الْمَنْفَعَةُ بِهَا فِي أَهَمِّ الْأَشْيَاءِ مِنْهَا وَهُوَ الْجِهَادُ وَذَكَرَ الطَّحَاوِيُّ وَأَبُو بَكْرٍ الرَّازِيُّ وَأَبُو مُحَمَّدِ بْنُ حَزْمٍ مِنْ طَرِيقِ عِكْرِمَةَ بْنِ عَمَّارٍ عَنْ يَحْيَى بْنِ أَبِي كَثِيرٍ عَنْ أَبِي سَلَمَةَ عَنْ جَابِرٍ قَالَ نَهَى رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْ لُحُومِ الْحُمُرِ وَالْخَيْلِ وَالْبِغَالِ قَالَ الطَّحَاوِيُّ وَأَهْلُ الْحَدِيثِ يُضَعِّفُونَ عِكْرِمَةَ بْنَ عَمَّارٍ.

قُلْتُ لَا سِيَّمَا فِي يَحْيَى بْنِ أَبِي كَثِيرٍ فَإِنَّ عِكْرِمَةَ وَإِنْ كَانَ مُخْتَلَفًا فِي تَوْثِيقِهِ فَقَدْ أَخْرَجَ لَهُ مُسْلِمٌ لَكِنْ إِنَّمَا أَخْرَجَ لَهُ مِنْ غَيْرِ رِوَايَتِهِ عَنْ يَحْيَى بْنِ أَبِي كَثِيرٍ وَقَدْ قَالَ يَحْيَى بْنُ سَعِيدٍ الْقَطَّانُ أَحَادِيثُهُ عَنْ يَحْيَى بْنِ أَبِي كَثِيرٍ ضَعِيفَةٌ.

     وَقَالَ  الْبُخَارِيُّ حَدِيثُهُ عَنْ يَحْيَى مُضْطَرِبٌ.

     وَقَالَ  النَّسَائِيُّ لَيْسَ بِهِ بَأْسٌ إِلَّا فِي يَحْيَى.

     وَقَالَ  أَحْمَدُ حَدِيثُهُ عَنْ غَيْرِ إِيَاسِ بْنِ سَلَمَةَ مُضْطَرِبٌ وَهَذَا أَشَدُّ مِمَّا قَبْلَهُ وَدَخَلَ فِي عُمُومِهِ يَحْيَى بْنُ أَبِي كَثِيرٍ أَيْضًا وَعَلَى تَقْدِيرِ صِحَّةِ هَذِهِ الطَّرِيقِ فَقَدِ اخْتُلِفَ عَنْ عِكْرِمَةَ فِيهَا فَإِنَّ الْحَدِيثَ عِنْدَ أَحْمَدَ وَالتِّرْمِذِيِّ مِنْ طَرِيقِهِ لَيْسَ فِيهِ لِلْخَيْلِ ذِكْرٌ وَعَلَى تَقْدِيرِ أَنْ يَكُونَ الَّذِي زَادَهُ حَفِظَهُ فَالرِّوَايَاتُ الْمُتَنَوِّعَةُ عَنْ جَابِرٍ الْمُفَصِّلَةُ بَيْنَ لُحُومِ الْخَيْلِ وَالْحُمُرِ فِي الْحُكْمِ أَظْهَرُ اتِّصَالًا وَأَتْقَنُ رِجَالًا وَأَكْثَرُ عَدَدًا وَأَعَلَّ بَعْضُ الْحَنَفِيَّةِ حَدِيثَ جَابِرٍ بِمَا نَقله عَن بن إِسْحَاقَ أَنَّهُ لَمْ يَشْهَدْ خَيْبَرَ وَلَيْسَ بِعِلَّةٍ لِأَنَّ غَايَتَهُ أَنْ يَكُونَ مُرْسَلُ صَحَابِيٍّ وَمِنْ حُجَجِ مَنْ مَنَعَ أَكْلَ الْخَيْلِ حَدِيثُ خَالِدِ بْنِ الْوَلِيدِ الْمُخَرَّجُ فِي السُّنَنِ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نَهَى يَوْمَ خَيْبَرَ عَنْ لُحُومِ الْخَيْلِ وَتُعُقِّبَ بِأَنَّهُ شَاذٌّ مُنْكَرٌ لِأَنَّ فِي سِيَاقِهِ أَنَّهُ شَهِدَ خَيْبَرَ وَهُوَ خَطَأٌ فَإِنَّهُ لَمْ يُسْلِمْ إِلَّا بَعْدَهَا عَلَى الصَّحِيحِ وَالَّذِي جَزَمَ بِهِ الْأَكْثَرُ أَنَّ إِسْلَامَهُ كَانَ سَنَةَ الْفَتْحِ وَالْعُمْدَةُ فِي ذَلِكَ عَلَى مَا قَالَ مُصْعَبٌ الزُّبَيْرِيُّ وَهُوَ أَعْلَمُ النَّاسِ بِقُرَيْشٍ قَالَ كَتَبَ الْوَلِيدُ بْنُ الْوَلِيدِ إِلَى خَالِدٍ حِينَ فَرَّ مِنْ مَكَّةَ فِي عُمْرَةِ الْقَضِيَّةِ حَتَّى لَا يَرَى النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِمَكَّةَ فَذَكَرَ الْقِصَّةَ فِي سَبَبِ إِسْلَامِ خَالِدٍ وَكَانَتْ عُمْرَةُ الْقَضِيَّةِ بَعْدَ خَيْبَرَ جَزْمًا وَأُعِلَّ أَيْضًا بِأَنَّ فِي السَّنَدِ رَاوِيًا مَجْهُولًا لَكِنْ قَدْ أَخْرَجَ الطَّبَرِيُّ مِنْ طَرِيقِ يَحْيَى بْنِ أَبِي كَثِيرٍ عَنْ رَجُلٍ مِنْ أَهْلِ حِمْصٍ قَالَ كُنَّا مَعَ خَالِدٍ فَذَكَرَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حَرَّمَ لُحُومَ الْحُمُرِ الْأَهْلِيَّةِ وَخَيْلَهَا وَبِغَالَهَا وَأُعِلَّ بِتَدْلِيسِ يَحْيَى وَإِبْهَامِ الرَّجُلِ وَادَّعَى أَبُو دَاوُدَ أَنَّ حَدِيثَ خَالِدِ بْنِ الْوَلِيدِ مَنْسُوخٌ وَلَمْ يُبَيِّنْ نَاسِخَهُ وَكَذَا قَالَ النَّسَائِيُّ الْأَحَادِيثُ فِي الْإِبَاحَةِ أَصَحُّ وَهَذَا إِنْ صَحَّ كَانَ مَنْسُوخًا وَكَأَنَّهُ لَمَّا تَعَارَضَ عِنْدَهُ الْخَبَرَانِ وَرَأَى فِي حَدِيثِ خَالِدٍ نَهَى وَفِي حَدِيثِ جَابِرٍ أَذِنَ حَمَلَ الْإِذْنَ عَلَى نَسْخِ التَّحْرِيمِ وَفِيهِ نَظَرٌ لِأَنَّهُ لَا يَلْزَمُ مِنْ كَوْنِ النَّهْيِ سَابِقًا عَلَى الْإِذْنِ أَنْ يَكُونَ إِسْلَامَ خَالِدٍ سَابِقًا عَلَى فَتْحِ خَيْبَرَ وَالْأَكْثَرُ عَلَى خِلَافِهِ وَالنَّسْخُ لَا يَثْبُتُ بِالِاحْتِمَالِ وَقَدْ قَرَّرَ الْحَازِمِيُّ النَّسْخَ بَعْدَ أَنْ ذَكَرَ حَدِيثَ خَالِدٍ.

     وَقَالَ  هُوَ شَامِيُّ الْمَخْرَجِ جَاءَ مِنْ غَيْرِ وَجْهٍ بِمَا ورد فِي حَدِيث جَابر من رخص وَأذن لِأَنَّهُ مِنْ ذَلِكَ يَظْهَرُ أَنَّ الْمَنْعَ كَانَ سَابِقًا وَالْإِذْنَ مُتَأَخِّرًا فَيَتَعَيَّنُ الْمَصِيرُ إِلَيْهِ قَالَ وَلَوْ لَمْ تَرِدْ هَذِهِ اللَّفْظَةُ لَكَانَتْ دَعْوَى النَّسْخِ مَرْدُودَةً لِعَدَمِ مَعْرِفَةِ التَّارِيخِ اه وَلَيْسَ فِي لَفْظِ رَخَّصَ وَأَذِنَ مَا يَتَعَيَّنُ مَعَهُ الْمَصِيرُ إِلَى النَّسْخِ بَلِ الَّذِي يَظْهَرُ أَنَّ الْحُكْمَ فِي الْخَيْلِ وَالْبِغَالِ وَالْحَمِيرِ كَانَ عَلَى الْبَرَاءَةِ الْأَصْلِيَّةِ فَلَمَّا نَهَاهُمُ الشَّارِعُ يَوْمَ خَيْبَرٍ عَنِ الْحُمُرِ وَالْبِغَالِ خُشِيَ أَنْ يَظُنُّوا أَنَّ الْخَيْلَ كَذَلِكَ لِشَبَهِهَا بِهَا فَأَذِنَ فِي أَكْلِهَا دُونَ الْحَمِيرِ وَالْبِغَالِ وَالرَّاجِحُ أَنَّ الْأَشْيَاءَ قَبْلَ بَيَانِ حُكْمِهَا فِي الشَّرْعِ لَا تُوصَفُ لَا بِحِلٍّ وَلَا حُرْمَةٍ فَلَا يَثْبُتُ النَّسْخُ فِي هَذَا وَنَقَلَ الْحَازِمِيُّ أَيْضًا تَقْرِيرَ النَّسْخِ بِطَرِيقٍ أُخْرَى فَقَالَ إِنَّ النَّهْيَ عَنْ أَكْلِ الْخَيْلِ وَالْحَمِيرِ كَانَ عَامًّا مِنْ أَجْلِ أَخْذِهِمْ لَهَا قَبْلَ الْقِسْمَةِ وَالتَّخْمِيسِ وَلِذَلِكَ أَمَرَ بِإِكْفَاءِ الْقُدُورِ ثُمَّ بَيَّنَ بِنِدَائِهِ بِأَنَّ لُحُومَ الْحُمُرِ رِجْسٌ أَن تَحْرِيمهَا لِذَاتِهَا وَأَنَّ النَّهْيَ عَنِ الْخَيْلِ إِنَّمَا كَانَ بِسَبَبِ تَرْكِ الْقِسْمَةِ خَاصَّةً وَيُعَكِّرُ عَلَيْهِ أَنَّ الْأَمْرَ بِإِكْفَاءِ الْقُدُورِ إِنَّمَا كَانَ بِطَبْخِهِمْ فِيهَا الْحُمُرَ كَمَا هُوَ مُصَرَّحٌ بِهِ فِي الصَّحِيحِ لَا الْخَيْلَ فَلَا يَتِمُّ مُرَادُهُ وَالْحَقُّ أَنَّ حَدِيثَ خَالِدٍ وَلَوْ سَلِمَ أَنَّهُ ثَابِتٌ لَا يَنْهَضُ مُعَارِضًا لِحَدِيثِ جَابِرٍ الدَّالِّ عَلَى الْجَوَازِ وَقَدْ وَافَقَهُ حَدِيثُ أَسْمَاءَ وَقَدْ ضَعَّفَ حَدِيثَ خَالِدٍ أَحْمَدُ وَالْبُخَارِيُّ وَمُوسَى بْنُ هَارُونَ وَالدَّارَقُطْنِيُّ والخطابي وبن عَبْدِ الْبَرِّ وَعَبْدُ الْحَقِّ وَآخَرُونَ وَجَمَعَ بَعْضُهُمْ بَيْنَ حَدِيثِ جَابِرٍ وَخَالِدٍ بِأَنَّ حَدِيثَ جَابِرٍ دَالٌّ عَلَى الْجَوَازِ فِي الْجُمْلَةِ وَحَدِيثَ خَالِدٍ دَالٌّ عَلَى الْمَنْعِ فِي حَالَةٍ دُونَ حَالَةٍ لِأَنَّ الْخَيْلَ فِي خَيْبَرَ كَانَتْ عَزِيزَةً وَكَانُوا مُحْتَاجِينَ إِلَيْهَا لِلْجِهَادِ فَلَا يُعَارِضُ النَّهْيَ الْمَذْكُورَ وَلَا يَلْزَمُ وَصْفُ أَكْلِ الْخَيْلِ بِالْكَرَاهَةِ الْمُطْلَقَةِ فَضْلًا عَنِ التَّحْرِيمِ وَقَدْ وَقَعَ عِنْدَ الدَّارَقُطْنِيِّ فِي حَدِيثِ أَسْمَاءَ كَانَتْ لَنَا فَرَسٌ عَلَى عَهْدِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَأَرَادَتْ أَنْ تَمُوتَ فَذَبَحْنَاهَا فَأَكَلْنَاهَا وَأَجَابَ عَنْ حَدِيثِ أَسْمَاءَ بِأَنَّهَا وَاقِعَةُ عَيْنٍ فَلَعَلَّ تِلْكَ الْفَرَسَ كَانَتْ كَبِرَتْ بِحَيْثُ صَارَتْ لَا يُنْتَفَعُ بِهَا فِي الْجِهَادِ فَيَكُونُ النَّهْيُ عَنِ الْخَيْلِ لِمَعْنًى خَارِجٍ لَا لِذَاتِهَا وَهُوَ جَمْعٌ جَيِّدٌ وَزَعَمَ بَعْضُهُمْ أَنَّ حَدِيثَ جَابِرٍ فِي الْبَابِ دَالٌّ عَلَى التَّحْرِيمِ لِقَوْلِهِ رَخَّصَ لِأَنَّ الرُّخْصَةَ اسْتِبَاحَةُ الْمَخْطُورِ مَعَ قِيَامِ الْمَانِعِ فَدَلَّ عَلَى أَنَّهُ رَخَّصَ لَهُمْ فِيهَا بِسَبَبِ الْمَخْمَصَةِ الَّتِي أَصَابَتْهُمْ بِخَيْبَرَ فَلَا يَدُلُّ ذَلِكَ عَلَى الْحِلِّ الْمُطْلَقِ وَأُجِيبَ بِأَنَّ أَكْثَرَ الرِّوَايَاتِ جَاءَ بِلَفْظِ الْإِذْنِ وَبَعْضُهَا بِالْأَمْرِ فَدَلَّ عَلَى أَنَّ الْمُرَادَ بِقَوْلِهِ رَخَّصَ أَذِنَ لَا خُصُوصُ الرُّخْصَةِ بِاصْطِلَاحِ مَنْ تَأَخَّرَ عَنْ عَهْدِ الصَّحَابَةِ وَنُوقِضَ أَيْضًا بِأَنَّ الْإِذْنَ فِي أَكْلِ الْخَيْلِ لَوْ كَانَ رُخْصَةً لِأَجْلِ الْمَخْمَصَةِ لَكَانَتِ الْحُمُرُ الْأَهْلِيَّةِ أَوْلَى بِذَلِكَ لِكَثْرَتِهَا وَعِزَّةِ الْخَيْلِ حِينَئِذٍ وَلِأَنَّ الْخَيْلَ يُنْتَفَعُ بِهَا فِيمَا يُنْتَفَعُ بِالْحَمِيرِ مِنَ الْحَمْلِ وَغَيْرِهِ وَالْحَمِيرُ لَا يُنْتَفَعُ بِهَا فِيمَا يُنْتَفَعُ بِالْخَيْلِ مِنَ الْقِتَالِ عَلَيْهَا وَالْوَاقِعُ كَمَا سَيَأْتِي صَرِيحًا فِي الْبَابِ الَّذِي يَلِيهِ أَنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَمَرَ بِإِرَاقَةِ الْقُدُورِ الَّتِي طُبِخَتْ فِيهَا الْحُمُرُ مَعَ مَا كَانَ بِهِمْ مِنَ الْحَاجَةِ فَدَلَّ ذَلِكَ عَلَى أَنَّ الْإِذْنَ فِي أَكْلِ الْخَيْلِ إِنَّمَا كَانَ لِلْإِبَاحَةِ الْعَامَّةِ لَا لِخُصُوصِ الضَّرُورَةِ.
وَأَمَّا مَا نُقِلَ عَنِ بن عَبَّاسٍ وَمَالِكٍ وَغَيْرِهِمَا مِنْ الِاحْتِجَاجِ لِلْمَنْعِ بِقَوْلِهِ تَعَالَى وَالْخَيْل وَالْبِغَال وَالْحمير لتركبوها وزينة فَقَدْ تَمَسَّكَ بِهَا أَكْثَرُ الْقَائِلِينَ بِالتَّحْرِيمِ وَقَرَّرُوا ذَلِكَ بِأَوْجُهٍ أَحَدُهَا أَنَّ اللَّامَ لِلتَّعْلِيلِ فَدَلَّ عَلَى أَنَّهَا لَمْ تُخْلَقْ لِغَيْرِ ذَلِكَ لِأَنَّ الْعِلَّةَ الْمَنْصُوصَةَ تُفِيدُ الْحَصْرَ فَإِبَاحَةُ أَكْلِهَا تَقْتَضِي خِلَافَ ظَاهِرِ الْآيَةِ ثَانِيهَا عَطْفُ الْبِغَالِ وَالْحَمِيرِ فَدَلَّ عَلَى اشْتِرَاكِهَا مَعَهَا فِي حُكْمِ التَّحْرِيمِ فَيَحْتَاجُ مَنْ أَفْرَدَ حُكْمَهَا عَنْ حُكْمِ مَا عُطِفَتْ عَلَيْهِ إِلَى دَلِيلٍ ثَالِثُهَا أَنَّ الْآيَةَ سيقت مَسَاقَ الِامْتِنَانِ فَلَوْ كَانَتْ يُنْتَفَعُ بِهَا فِي الْأَكْلِ لَكَانَ الِامْتِنَانُ بِهِ أَعْظَمَ لِأَنَّهُ يَتَعَلَّقُ بِهِ بَقَاءُ الْبِنْيَةِ بِغَيْرِ وَاسِطَةٍ وَالْحَكِيمُ لَا يَمْتَنُّ بِأَدْنَى النِّعَمِ وَيَتْرُكُ أَعْلَاهَا وَلَا سِيَّمَا وَقَدْ وَقَعَ الِامْتِنَانُ بِالْأَكْلِ فِي الْمَذْكُورَاتِ قَبْلَهَا رَابِعُهَا لَوْ أُبِيحَ أَكْلُهَا لَفَاتَتِ الْمَنْفَعَةُ بِهَا فِيمَا وَقَعَ بِهِ الِامْتِنَانُ مِنَ الرُّكُوبِ وَالزِّينَةِ هَذَا مُلَخَّصُ مَا تَمَسَّكُوا بِهِ مِنْ هَذِهِ الْآيَةِ وَالْجَوَابُ عَلَى سَبِيلِ الْإِجْمَالِ أَنَّ آيَةَ النَّحْلِ مَكِّيَّةٌ اتِّفَاقًا وَالْإِذْنُ فِي أَكْلِ الْخَيْلِ كَانَ بعدالهجرة مِنْ مَكَّةَ بِأَكْثَرَ مِنْ سِتِّ سِنِينَ فَلَوْ فَهِمَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنَ الْآيَةِ الْمَنْعَ لَمَا أَذِنَ فِي الْأَكْلِ وَأَيْضًا فَآيَةُ النَّحْلِ لَيْسَتْ نَصًّا فِي مَنْعِ الْأَكْلِ وَالْحَدِيثُ صَرِيحٌ فِي جَوَازِهِ وَأَيْضًا عَلَى سَبِيلِ التَّنَزُّلِ فَإِنَّمَا يَدُلُّ مَا ذُكِرَ عَلَى تَرْكِ الْأَكْلِ وَالتَّرْكُ أَعَمُّ مِنْ أَنْ يَكُونَ لِلتَّحْرِيمِ أَوْ لِلتَّنْزِيهِ أَوْ خِلَافِ الْأَوْلَى وَإِذَا لَمْ يَتَعَيَّنْ وَاحِدٌ مِنْهَا بَقِيَ التَّمَسُّكُ بِالْأَدِلَّةِ الْمُصَرِّحَةِ بِالْجَوَازِ وعَلى سَبِيل التَّفْصِيل أما أَو لَا فَلَوْ سَلَّمْنَا أَنَّ اللَّامَ لِلتَّعْلِيلِ لَمْ نُسَلِّمْ إِفَادَةَ الْحَصْرِ فِي الرُّكُوبِ وَالزِّينَةِ فَإِنَّهُ يُنْتَفَعُ بِالْخَيْلِ فِي غَيْرِهِمَا وَفِي غَيْرِ الْأَكْلِ اتِّفَاقًا وَإِنَّمَا ذُكِرَ الرُّكُوبُ وَالزِّينَةُ لِكَوْنِهِمَا أَغْلَبَ مَا تُطْلَبُ لَهُ الْخَيْلُ وَنَظِيرُهُ حَدِيثُ الْبَقَرَةِ الْمَذْكُورُ فِي الصَّحِيحَيْنِ حِينَ خَاطَبَتْ رَاكِبَهَا فَقَالَتْ إِنَّا لَمْ نُخْلَقْ لِهَذَا إِنَّمَا خُلِقْنَا لِلْحَرْثِ فَإِنَّهُ مَعَ كَوْنِهِ أَصَرْحَ فِي الْحَصْرِ لَمْ يُقْصَدْ بِهِ الْأَغْلَب وَإِلَّا فَهِيَ تُؤْكَلُ وَيُنْتَفَعُ بِهَا فِي أَشْيَاءَ غَيْرِ الْحَرْثِ اتِّفَاقًا وَأَيْضًا فَلَوْ سَلِمَ الِاسْتِدْلَالُ لَلَزِمَ مَنْعُ حَمْلِ الْأَثْقَالِ عَلَى الْخَيْلِ وَالْبِغَالِ وَالْحَمِيرِ وَلَا قَائِلَ بِهِ.
وَأَمَّا ثَانِيًا فَدَلَالَةُ الْعَطْفِ إِنَّمَا هيَ دَلَالَةُ اقْتِرَانٍ وَهِيَ ضَعِيفَةٌ.
وَأَمَّا ثَالِثًا فَالِامْتِنَانُ إِنَّمَا قُصِدَ بِهِ غَالِبًا مَا كَانَ يَقَعُ بِهِ انْتِفَاعُهُمْ بِالْخَيْلِ فَخُوطِبُوا بِمَا أَلِفُوا وَعَرَفُوا وَلَمْ يَكُونُوا يَعْرِفُونَ أَكْلَ الْخَيْلِ لِعِزَّتِهَا فِي بِلَادِهِمْ بِخِلَافِ الْأَنْعَامِ فَإِنَّ أَكْثَرَ انْتِفَاعِهِمْ بِهَا كَانَ لِحَمْلِ الْأَثْقَالِ وَلِلْأَكْلِ فَاقْتُصِرَ فِي كُلٍّ مِنَ الصِّنْفَيْنِ عَلَى الِامْتِنَانِ بِأَغْلَبِ مَا يُنْتَفَعُ بِهِ فَلَوْ لَزِمَ مِنْ ذَلِكَ الْحَصْرُ فِي هَذَا الشِّقِّ لَلَزِمَ مِثْلُهُ فِي الشِّقِّ الْآخَرِ.
وَأَمَّا رَابِعًا فَلَوْ لَزِمَ مِنَ الْإِذْنِ فِي أَكْلِهَا أَنْ تَفْنَى لَلَزِمَ مِثْلُهُ فِي الْبَقَرِ وَغَيْرِهَا مِمَّا أُبِيحَ أَكْلُهُ وَوَقَعَ الِامْتِنَانُ بِمَنْفَعَةٍ لَهُ أُخْرَى وَاللَّهُ أَعْلَمُ