فهرس الكتاب

فتح الباري لابن حجر - باب قول المريض: " إني وجع، أو وا رأساه، أو اشتد بي الوجع

( قَولُهُ بَابُ مَا رُخِّصَ لِلْمَرِيضِ أَنْ يَقُولَ إِنِّي وَجِعٌ أَوْ وَارَأْسَاهُ أَوِ اشْتَدَّ بِي الْوَجَعُ)
وَقَوْلُ أَيُّوبَ عَلَيْهِ السَّلَامُ مَسَّنِيَ الضُّرُّ وَأَنت أرْحم الرَّاحِمِينَ أَمَّا .

     قَوْلُهُ  إِنِّي وَجِعٌ فَتَرْجَمَ بِهِ فِي كِتَابِ الْأَدَبِ الْمُفْرَدِ وَأَوْرَدَهُ فِيهِ مِنْ طَرِيقِ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ عَنْ أَبِيهِ قَالَ دَخَلْتُ أَنَا وَعَبْدُ اللَّهِ بْنُ الزُّبَيْرِ عَلَى أَسْمَاءَ يَعْنِي بِنْتَ أَبِي بَكْرٍ وَهِيَ أُمُّهُمَا وَأَسْمَاءُ وَجِعَةٌ فَقَالَ لَهَا عَبْدُ اللَّهِ كَيْفَ تَجِدِينَكِ قَالَتْ وَجِعْتُ الْحَدِيثَ وَأَصْرَحُ مِنْهُ مَا رَوَى صَالِحُ بْنُ كَيْسَانَ عَنْ حُمَيْدِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَوْفٍ عَنْ أَبِيهِ قَالَ دَخَلْتُ عَلَى أَبِي بَكْرٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ فِي مَرَضِهِ الَّذِي تُوُفِّيَ فِيهِ فَسَلَّمْتُ عَلَيْهِ وَسَأَلْتُهُ كَيْفَ أَصْبَحْتَ فَاسْتَوَى جَالِسًا فَقُلْتُ أَصْبَحْتَ بِحَمْدِ اللَّهِ بَارِئًا قَالَ أَمَا إِنِّي عَلَى مَا تَرَى وَجِعٌ فَذَكَرَ الْقِصَّةَ أَخْرَجَهُ الطَّبَرَانِيُّ.
وَأَمَّا .

     قَوْلُهُ  وَارَأْسَاهُ فَصَرِيحٌ فِي حَدِيثِ عَائِشَةَ الْمَذْكُورِ فِي الْبَابِ.
وَأَمَّا .

     قَوْلُهُ  اشْتَدَّ بِي الْوَجَعُ فَهُوَ فِي حَدِيثِ سَعْدٍ الَّذِي فِي آخِرِ الْبَابِ.
وَأَمَّا قَوْلُ أَيُّوبَ عَلَيْهِ السَّلَامُ فَاعْتَرَضَ بن التِّينِ ذَكَرَهُ فِي التَّرْجَمَةِ فَقَالَ هَذَا لَا يُنَاسِبُ التَّبْوِيبَ لِأَنَّ أَيُّوبَ إِنَّمَا قَالَهُ دَاعِيًا وَلَمْ يَذْكُرْهُ لِلْمَخْلُوقِينَ.

قُلْتُ لَعَلَّ الْبُخَارِيَّ أَشَارَ إِلَى أَنَّ مُطْلَقَ الشَّكْوَى لَا يُمْنَعُ رَدًّا عَلَى مَنْ زَعَمَ مِنَ الصُّوفِيَّةِ أَنَّ الدُّعَاءَ بِكَشْفِ الْبَلَاءِ يَقْدَحُ فِي الرِّضَا وَالتَّسْلِيمِ فَنَبَّهَ عَلَى أَنَّ الطَّلَبَ مِنَ اللَّهِ لَيْسَ مَمْنُوعًا بَلْ فِيهِ زِيَادَةُ عِبَادَةٍ لِمَا ثَبَتَ مِثْلُ ذَلِكَ عَنِ الْمَعْصُومِ وَأَثْنَى اللَّهُ عَلَيْهِ بِذَلِكَ وَأَثْبَتَ لَهُ اسْمَ الصَّبْرِ مَعَ ذَلِكَ وَقَدْ رُوِّينَا فِي قِصَّةِ أَيُّوبَ فِي فَوَائِدِ مَيْمُونَةَ وَصَححهُ بن حِبَّانَ وَالْحَاكِمُ مِنْ طَرِيقِ الزُّهْرِيِّ عَنْ أَنَسٍ رَفَعَهُ أَنَّ أَيُّوبَ لَمَّا طَالَ بَلَاؤُهُ رَفَضَهُ الْقَرِيبُ وَالْبَعِيدُ غَيْرَ رَجُلَيْنِ مِنْ إِخْوَانِهِ فَقَالَ أَحَدُهُمَا لِصَاحِبِهِ لَقَدْ أَذْنَبَ أَيُّوبُ ذَنْبًا مَا أَذْنَبَهُ أَحَدٌ مِنَ الْعَالَمِينَ فَبَلَغَ ذَلِكَ أَيُّوبَ يَعْنِي فَجَزِعَ مِنْ قَوْلِهِ وَدَعَا رَبَّهُ فَكَشَفَ مَا بِهِ وَعند بن أَبِي حَاتِمٍ مِنْ طَرِيقِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُبَيْدِ بْنِ نُمَيْرٍ مَوْقُوفًا عَلَيْهِ نَحْوُهُ.

     وَقَالَ  فِيهِ فَجَزِعَ مِنْ قَوْلِهِمَا جَزَعًا شَدِيدًا ثُمَّ قَالَ بِعِزَّتِكَ لَا أَرْفَعُ رَأْسِي حَتَّى تَكْشِفَ عَنِّي وَسَجَدَ فَمَا رَفَعَ رَأْسَهُ حَتَّى كَشَفَ عَنْهُ فَكَأَنَّ مُرَادَ الْبُخَارِيِّ أَنَّ الَّذِي يَجُوزُ مِنْ شَكْوَى الْمَرِيضِ مَا كَانَ عَلَى طَرِيقِ الطَّلَبِ مِنَ اللَّهِ أَوْ عَلَى غَيْرِ طَرِيقِ التَّسَخُّطِ لِلْقَدْرِ وَالتَّضَجُّرِ وَاللَّهُ أَعْلَمُ قَالَ الْقُرْطُبِيُّ اخْتَلَفَ النَّاسُ فِي هَذَا الْبَابِ وَالتَّحْقِيقُ أَنَّ الْأَلَمَ لَا يَقْدِرُ أَحَدٌ عَلَى رَفْعِهِ وَالنُّفُوسُ مَجْبُولَةٌ عَلَى وِجْدَانِ ذَلِكَ فَلَا يُسْتَطَاعُ تَغْيِيرُهَا عَمَّا جُبِلَتْ عَلَيْهِ وَإِنَّمَا كُلِّفَ الْعَبْدُ أَنْ لَا يَقَعَ مِنْهُ فِي حَالِ الْمُصِيبَةِ مَا لَهُ سَبِيلٌ إِلَى تَرْكِهِ كَالْمُبَالَغَةِ فِي التَّأَوُّهِ وَالْجَزَعِ الزَّائِدِ كَأَنَّ مَنْ فَعَلَ ذَلِكَ خَرَجَ عَنْ مَعَانِي أَهْلِ الصَّبْرِ.
وَأَمَّا مُجَرَّدُ التَّشَكِّي فَلَيْسَ مَذْمُومًا حَتَّى يَحْصُلَ التَّسَخُّطُ لِلْمَقْدُورِ وَقَدِ اتَّفَقُوا عَلَى كَرَاهَةِ شَكْوَى الْعَبْدِ رَبَّهُ وَشَكْوَاهُ إِنَّمَا هُوَ ذِكْرُهُ لِلنَّاسِ عَلَى سَبِيلِ التَّضَجُّرِ وَالله أعلم وروى أَحْمَدُ فِي الزُّهْدِ عَنْ طَاوُسٍ أَنَّهُ قَالَ أَنِين الْمَرِيض شكوى وَجزم أَبُو الطّيب وبن الصَّبَّاغِ وَجَمَاعَةٌ مِنَ الشَّافِعِيَّةِ أَنَّ أَنِينَ الْمَرِيضِ وَتَأَوُّهَهُ مَكْرُوهٌ.
وَتَعَقَّبَهُ النَّوَوِيُّ فَقَالَ هَذَا ضَعِيفٌ أَوْ بَاطِلٌ فَإِنَّ الْمَكْرُوهَ مَا ثَبَتَ فِيهِ نَهْيٌ مَقْصُودٌ وَهَذَا لَمْ يَثْبُتْ فِيهِ ذَلِكَ ثُمَّ احْتَجَّ بِحَدِيثِ عَائِشَةَ فِي الْبَابِ ثُمَّ قَالَ فَلَعَلَّهُمْ أَرَادُوا بِالْكَرَاهَةِ خِلَافَ الْأَوْلَى فَإِنَّهُ لَا شَكَّ أَنَّ اشْتِغَالَهُ بِالذِّكْرِ أَوْلَى اه وَلَعَلَّهُمْ أَخَذُوهُ بِالْمَعْنَى مِنْ كَوْنِ كَثْرَةِ الشَّكْوَى تَدُلُّ عَلَى ضَعْفِ الْيَقِينِ وَتُشْعِرُ بِالتَّسَخُّطِ لِلْقَضَاءِ وَتُورِثُ شَمَاتَةَ الْأَعْدَاءِ.
وَأَمَّا إِخْبَارُ الْمَرِيضِ صَدِيقَهُ أَوْ طَبِيبَهُ عَنْ حَالِهِ فَلَا بَأْسَ بِهِ اتِّفَاقًا ثُمَّ ذَكَرَ فِي الْبَابِ أَرْبَعَةَ أَحَادِيثَ الْأَوَّلُ حَدِيثُ كَعْبِ بْنِ عُجْرَةَ فِي حَلْقِ الْمُحْرِمِ رَأْسَهُ إِذَا آذَاهُ الْقَمْلُ وَقَدْ تَقَدَّمَ شَرْحُهُ مُسْتَوْفًى فِي كِتَابِ الْحَجِّ وَقَولُهُ



[ قــ :5365 ... غــ :5665] أَيُؤْذِيكَ هَوَامُّ رَأْسِكَ هُوَ مَوْضِعُ التَّرْجَمَةِ لِنِسْبَةِ الْأَذَى لِلْهَوَامِّ وَهِيَ بِتَشْدِيدِ الْمِيمِ اسْمٌ لِلْحَشَرَاتِ لِأَنَّهَا تَهُمُّ أَنْ تَدُبَّ وَإِذَا أُضِيفَتْ إِلَى الرَّأْسِ اخْتَصَّتْ بِالْقَمْلِ الثَّانِي حَدِيثُ عَائِشَةَ





[ قــ :5366 ... غــ :5666] .

     قَوْلُهُ  حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ يَحْيَى أَبُو زَكَرِيَّا هُوَ النَّيْسَابُورِيُّ الْإِمَامُ الْمَشْهُورُ وَلَيْسَ لَهُ فِي الْبُخَارِيِّ سِوَى مَوَاضِعَ يَسِيرَةٍ فِي الزَّكَاةِ وَالْوَكَالَةِ وَالتَّفْسِيرِ وَالْأَحْلَامِ وَأَكْثَرَ عَنْهُ مُسْلِمٌ وَيُقَالُ إِنَّهُ تَفَرَّدَ بِهَذَا الْإِسْنَادِ وَإِنَّ أَحْمَدَ كَانَ يَتَمَنَّى لَوْ أَمْكَنَهُ الْخُرُوجُ إِلَى نَيْسَابُورَ لِيَسْمَعَ مِنْهُ هَذَا الْحَدِيثَ وَلَكِن أَخْرَجَهُ أَبُو نُعَيْمٍ فِي الْمُسْتَخْرَجِ مِنْ وَجْهَيْنِ آخَرَيْنِ عَنْ سُلَيْمَانَ بْنِ بِلَالٍ .

     قَوْلُهُ  وَارَأْسَاهُ هُوَ تَفَجُّعٌ عَلَى الرَّأْسِ لِشِدَّةِ مَا وَقَعَ بِهِ مِنَ أَلْمِ الصُّدَاعِ وَعِنْدَ أَحْمَدَ وَالنَّسَائِيِّ وبن مَاجَهْ مِنْ طَرِيقِ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُتْبَةَ عَنْ عَائِشَةَ رَجَعَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنَ جِنَازَةٍ مِنَ الْبَقِيعِ فَوَجَدَنِي وَأَنَا أَجِدُ صُدَاعًا فِي رَأْسِي وَأَنَا أَقُولُ وَارَأْسَاهُ .

     قَوْلُهُ  ذَاكِ لَوْ كَانَ وَأَنَا حَيٌّ ذَاكِ بِكَسْرِ الْكَافِ إِشَارَةٌ إِلَى مَا يَسْتَلْزِمُ الْمَرَضُ مِنَ الْمَوْتِ أَيْ لَوْ مُتَّ وَأَنَا حَيٌّ وَيُرْشِدُ إِلَيْهِ جَوَابُ عَائِشَةَ وَقَدْ وَقَعَ مُصَرَّحًا بِهِ فِي رِوَايَةِ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُتْبَةَ وَلَفْظُهُ ثُمَّ قَالَ مَا ضَرَّكَ لَوْ مُتَ قَبْلِي فَكَفَّنْتُكَ ثُمَّ صَلَّيْتُ عَلَيْكَ وَدَفَنْتُكَ وَقَوْلُهَا وَاثُكْلَيَاهُ بِضَمِّ الْمُثَلَّثَةِ وَسُكُونِ الْكَافِ وَفَتْحِ اللَّامِ وَبِكَسْرِهَا مَعَ التَّحْتَانِيَّةِ الْخَفِيفَةِ وَبَعْدَ الْأَلِفِ هَاءٌ لِلنُّدْبَةِ وَأَصْلُ الثَّكَلِ فَقْدُ الْوَلَدِ أَوْ مَنْ يَعِزُّ عَلَى الْفَاقِدِ وَلَيْسَتْ حَقِيقَتُهُ هُنَا مُرَادَةً بَلْ هُوَ كَلَامٌ كَانَ يَجْرِي عَلَى أَلْسِنَتِهِمْ عِنْدَ حُصُولِ الْمُصِيبَةِ أَوْ تَوَقُّعِهَا وَقَوْلُهَا وَاللَّهِ إِنِّي لَأَظُنُّكَ تُحِبُّ مَوْتِي كَأَنَّهَا أَخَذَتْ ذَلِكَ مِنْ قَوْلِهِ لَهَا لَوْ مُتِّ قَبْلِي وَقَوْلُهَا وَلَوْ كَانَ ذَلِكَ فِي رِوَايَةِ الْكُشْمِيهَنِيِّ ذَاكَ بِغَيْرِ لَامٍ أَيْ مَوْتُهَا لَظَلَلْتُ آخِرَ يَوْمِكِ مُعَرِّسًا بِفَتْحِ الْعَيْنِ وَالْمُهْمَلَةِ وَتَشْدِيدِ الرَّاءِ الْمَكْسُورَةِ وَسُكُونِ الْعَيْنِ وَالتَّخْفِيفِ يُقَالُ أَعْرَسَ وَعَرَّسَ إِذَا بَنَى عَلَى زَوْجَتِهِ ثُمَّ اسْتُعْمِلَ فِي كُلِّ جِمَاعٍ وَالْأَوَّلُ أَشْهَرُ فَإِنَّ التَّعْرِيسَ النُّزُولُ بِلَيْلٍ وَوَقَعَ فِي رِوَايَةِ عُبَيْدِ اللَّهِ لَكَأَنِّي بِكَ وَاللَّهِ لَوْ قَدْ فَعَلْتُ ذَلِكَ لَقَدْ رَجَعْتُ إِلَى بَيْتِي فَأَعْرَسْتُ بِبَعْضِ نِسَائِكِ قَالَتْ فَتَبَسَّمَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَقَوْلها بَلِ أَنَا وَارَأْسَاهُ هِيَ كَلِمَةُ إِضْرَابٍ وَالْمَعْنَى دَعِي ذِكْرَ مَا تَجِدِينَهُ مِنْ وَجَعِ رَأْسِكِ وَاشْتَغِلِي بِي وَزَادَ فِي رِوَايَةِ عُبَيْدِ اللَّهِ ثُمَّ بُدِئَ فِي وَجَعِهِ الَّذِي مَاتَ فِيهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ .

     قَوْلُهُ  لَقَدْ هَمَمْتُ أَوْ أَرَدْتُ شَكٌّ مِنَ الرَّاوِي وَوَقَعَ فِي رِوَايَةِ أَبِي نُعَيْمٍ أَوْ وَدِدْتُ بَدَلَ أَرَدْتُ .

     قَوْلُهُ  أَنْ أُرْسِلَ إِلَى أَبِي بَكْرٍ وَابْنِهِ كَذَا لِلْأَكْثَرِ بِالْوَاوِ وَأَلِفِ الْوَصْلِ وَالْمُوَحَّدَةِ وَالنُّونِ وَوَقَعَ فِي رِوَايَةِ مُسْلِمٍ أَوِ ابْنِهِ بِلَفْظِ أَو الَّتِي للشَّكّ وأو لِلتَّخْيِيرِ وَفِي أُخْرَى أَوِ آتِيهِ بِهَمْزَةٍ مَمْدُودَةٍ بَعْدَهَا مُثَنَّاةٌ مَكْسُورَةٌ ثُمَّ تَحْتَانِيَّةٌ سَاكِنَةٌ مِنَ الْإِتْيَانِ بِمَعْنَى الْمَجِيءِ وَالصَّوَابُ الْأَوَّلُ وَنَقَلَ عِيَاضٌ عَنْ بَعْضِ الْمُحَدِّثِينَ تَصْوِيبَهَا وَخَطَأَهُ.

     وَقَالَ  وَيُوَضِّحُ الصَّوَاب قَوْلهَا فِي الْحَدِيثِ الْآخَرِ عِنْدَ مُسْلِمٍ ادْعِي لِي أَبَاكِ وَأَخَاكِ وَأَيْضًا فَإِنَّ مَجِيئَهُ إِلَى أَبِي بَكْرٍ كَانَ مُتَعَسِّرًا لِأَنَّهُ عَجَزَ عَنْ حُضُورِ الصَّلَاةِ مَعَ قُرْبِ مَكَانِهَا مِنْ بَيْتِهِ.

قُلْتُ فِي هَذَا التَّعْلِيلِ نَظَرٌ لِأَنَّ سِيَاقَ الْحَدِيثِ يُشْعِرُ بِأَنَّ ذَلِكَ كَانَ فِي ابْتِدَاءِ مَرَضِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَقَدِ اسْتَمَرَّ يُصَلِّي بِهِمْ وَهُوَ مَرِيضٌ وَيَدُورُ عَلَى نِسَائِهِ حَتَّى عَجَزَ عَنْ ذَلِكَ وَانْقَطَعَ فِي بَيْتِ عَائِشَةَ وَيَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ .

     قَوْلُهُ  صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَقَدْ هَمَمْتُ إِلَخْ وَقَعَ بَعْدَ الْمُفَاوَضَةِ الَّتِي وَقَعَتْ بَيْنَهُ وَبَيْنَ عَائِشَةَ بِمُدَّةٍ وَإِنْ كَانَ ظَاهِرُ الْحَدِيثِ بِخِلَافِهِ وَيُؤَيِّدُ أَيْضًا مَا فِي الْأَصْلِ أَنَّ الْمَقَامَ كَانَ مَقَامُ اسْتِمَالَةِ قَلْبِ عَائِشَةَ فَكَأَنَّهُ يَقُولُ كَمَا أَنَّ الْأَمْرَ يُفَوَّضُ لِأَبِيكِ فَإِنَّ ذَلِكَ يَقَعُ بِحُضُورِ أَخِيكِ هَذَا إِنْ كَانَ الْمُرَادُ بِالْعَهْدِ الْعَهْدَ بِالْخِلَافَةِ وَهُوَ ظَاهِرُ السِّيَاقِ كَمَا سَيَأْتِي تَقْرِيرُهُ فِي كِتَابِ الْأَحْكَامِ إِنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى وَإِنْ كَانَ لِغَيْرِ ذَلِكَ فَلَعَلَّهُ أَرَادَ إِحْضَارَ بَعْضِ مَحَارِمِهَا حَتَّى لَوِ احْتَاجَ إِلَى قَضَاءِ حَاجَةٍ أَوِ الْإِرْسَالَ إِلَى أَحَدٍ لَوَجَدَ مَنْ يُبَادِرُ لِذَلِكَ .

     قَوْلُهُ  فَأَعْهَدُ أَيْ أُوصِي .

     قَوْلُهُ  أَنْ يَقُولَ الْقَائِلُونَ أَيْ لِئَلَّا يَقُولَ أَوْ كَرَاهَةُ أَنْ يَقُولَ .

     قَوْلُهُ  أَوْ يَتَمَنَّى الْمُتَمَنُّونَ بِضَمِّ النُّونِ جَمْعُ مُتَمَنِّي بِكَسْرِهَا وَأَصْلُ الْجَمْعِ الْمُتَمَنِّيُونَ فَاسْتُثْقِلَتِ الضَّمَّةُ عَلَى الْيَاءِ فَحُذِفَتْ فَاجْتَمَعَتْ كَسْرَةُ النُّونِ بَعْدَهَا الْوَاوُ فَضُمَّتِ النُّونُ وَفِي الْحَدِيثِ مَا طُبِعَتْ عَلَيْهِ الْمَرْأَةُ مِنَ الْغَيْرَةِ وَفِيهِ مُدَاعَبَةُ الرَّجُلِ أَهْلَهُ وَالْإِفْضَاءُ إِلَيْهِمْ بِمَا يَسْتُرُهُ عَنْ غَيْرِهِمْ وَفِيهِ أَنَّ ذِكْرَ الْوَجَعِ لَيْسَ بِشِكَايَةٍ فَكَمْ مِنْ سَاكِتٍ وَهُوَ سَاخِطٌ وَكَمْ مِنْ شَاكٍّ وَهُوَ رَاضٍ فَالْمُعَوَّلُ فِي ذَلِكَ عَلَى عَمَلِ الْقَلْبِ لَا على نطق اللِّسَان وَالله أعلم الحَدِيث الثَّالِث حَدِيث بن مَسْعُودٍ وَقَدْ تَقَدَّمَ شَرْحُهُ قَرِيبًا وَقَولُهُ





[ قــ :5367 ... غــ :5667] فِي هَذِهِ الرِّوَايَةِ فَمَسِسْتُهُ وَقَعَ فِي رِوَايَةِ الْمُسْتَمْلِي فَسَمِعْتُهُ وَهُوَ تَحْرِيفٌ وَوُجِّهَتْ بِأَنَّ هُنَاكَ حَذْفًا وَالتَّقْدِير فَسمِعت أنينه الحَدِيث الرَّابِع حَدِيثُ عَامِرِ بْنِ سَعْدٍ عَنْ أَبِيهِ وَهُوَ سَعْدُ بْنُ أَبِي وَقَّاصٍ





[ قــ :5368 ... غــ :5668] .

     قَوْلُهُ  مِنْ وَجَعٍ اشْتَدَّ بِي تَقَدَّمَ شَرْحُهُ مُسْتَوْفًى فِي كِتَابِ الْوَصَايَا وَقَولُهُ زَمَنُ حَجَّةِ الْوَدَاعِ مُوَافِقٌ لِرِوَايَةِ مَالك عَن الزُّهْرِيّ وَتقدم أَن بن عُيَيْنَةَ قَالَ فِي رِوَايَتِهِ أَنَّ ذَلِكَ فِي زمن الْفَتْح وَالْأول أرجح وَالله أعلم