فهرس الكتاب

فتح الباري لابن حجر - باب: هل يستخرج السحر؟

( قَولُهُ بَابُ هَلْ يُسْتَخْرَجُ السِّحْرُ)
كَذَا أَوْرَدَ التَّرْجَمَةَ بِالِاسْتِفْهَامِ إِشَارَةً إِلَى الِاخْتِلَافِ وَصَدَّرَ بِمَا نَقَلَهُ عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيَّبِ مِنَ الْجَوَازِ إِشَارَةً إِلَى تَرْجِيحِهِ .

     قَوْلُهُ  وقَال قَتَادَةُ.

قُلْتُ لِسَعِيدِ بْنِ الْمُسَيَّبِ إِلَخْ وَصَلَهُ أَبُو بَكْرٍ الْأَثْرَمُ فِي كِتَابِ السُّنَنِ مِنْ طَرِيقِ أَبَانَ الْعَطَّارِ عَنْ قَتَادَةَ وَمِثْلُهُ مِنْ طَرِيقِ هِشَامٍ الدَّسْتُوَائِيِّ عَنْ قَتَادَةَ بِلَفْظِ يَلْتَمِسُ مَنْ يُدَاوِيهِ فَقَالَ إِنَّمَا نَهَى اللَّهُ عَمَّا يَضُرُّ وَلَمْ يَنْهَ عَمَّا يَنْفَعُ وَأَخْرَجَهُ الطَّبَرِيُّ فِي التَّهْذِيبِ مِنْ طَرِيقِ يَزِيدَ بْنِ زُرَيْعٍ عَنْ قَتَادَةَ عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيَّبِ أَنَّهُ كَانَ لَا يَرَى بَأْسًا إِذَا كَانَ بِالرَّجُلِ سِحْرٌ أَنْ يَمْشِيَ إِلَى مَنْ يُطْلِقُ عَنْهُ فَقَالَ هُوَ صَلَاحٌ قَالَ قَتَادَةُ وَكَانَ الْحَسَنُ يَكْرَهُ ذَلِكَ يَقُولُ لَا يَعْلَمُ ذَلِكَ إِلَّا سَاحِرٌ قَالَ فَقَالَ سَعِيدُ بْنُ الْمُسَيَّبِ إِنَّمَا نَهَى اللَّهُ عَمَّا يَضُرُّ وَلَمْ يَنْهَ عَمَّا يَنْفَعُ وَقَدْ أَخْرَجَ أَبُو دَاوُدَ فِي الْمَرَاسِيلِ عَنِ الْحَسَنِ رَفَعَهُ النُّشْرَةُ مِنْ عَمَلِ الشَّيْطَانِ وَوَصَلَهُ أَحْمَدُ وَأَبُو دَاوُدَ بِسَنَدٍ حَسَنٍ عَنْ جَابِرٍ قَالَ بن الْجَوْزِيِّ النُّشْرَةُ حَلُّ السِّحْرِ عَنِ الْمَسْحُورِ وَلَا يَكَادُ يَقْدِرُ عَلَيْهِ إِلَّا مَنْ يَعْرِفُ السِّحْرَ وَقَدْ سُئِلَ أَحْمَدُ عَمَّنْ يُطْلِقُ السِّحْرَ عَنِ الْمَسْحُورِ فَقَالَ لَا بَأْسَ بِهِ وَهَذَا هُوَ الْمُعْتَمَدُ وَيُجَابُ عَنِ الْحَدِيثِ وَالْأَثَرِ بِأَنَّ قَوْلَهُ النُّشْرَةُ مِنْ عَمَلِ الشَّيْطَانِ إِشَارَةٌ إِلَى أَصْلِهَا وَيَخْتَلِفُ الْحُكْمُ بِالْقَصْدِ فَمَنْ قَصَدَ بِهَا خَيْرًا كَانَ خَيْرًا وَإِلَّا فَهُوَ شَرٌّ ثُمَّ الْحَصْرُ الْمَنْقُولُ عَنِ الْحَسَنِ لَيْسَ عَلَى ظَاهِرِهِ لِأَنَّهُ قَدْ يَنْحَلُّ بِالرُّقَى وَالْأَدْعِيَةِ وَالتَّعْوِيذِ وَلَكِنْ يُحْتَمَلُ أَنْ تَكُونَ النُّشْرَةُ نَوْعَيْنِ .

     قَوْلُهُ  بِهِ طِبٌّ بِكَسْرِ الطَّاءِ أَيْ سُحِرٌ وَقَدْ تَقَدَّمَ تَوْجِيهُهُ .

     قَوْلُهُ  أَوْ يُؤْخَذُ بِفَتْحِ الْوَاوِ مَهْمُوزٌ وَتَشْدِيدِ الْخَاءِ الْمُعْجَمَةِ وَبَعْدَهَا مُعْجَمَةٌ أَيْ يُحْبَسُ عَنِ امْرَأَتِهِ وَلَا يَصِلُ إِلَى جِمَاعِهَا وَالْأُخْذَةُ بِضَمِّ الْهَمْزَةِ هِيَ الْكَلَامُ الَّذِي يَقُولُهُ السَّاحِرُ وَقِيلَ خرزة يُرْقَى عَلَيْهَا أَوْ هِيَ الرُّقْيَةُ نَفْسُهَا .

     قَوْلُهُ  أَوْ يُحَلُّ عَنْهُ بِضَمِّ أَوَّلِهِ وَفَتْحِ الْمُهْمَلَةِ .

     قَوْلُهُ  أَوْ يُنَشَّرُ بِتَشْدِيدِ الْمُعْجَمَةِ مِنَ النُّشْرَةِ بِالضَّمِّ وَهِيَ ضَرْبٌ مِنَ الْعِلَاجِ يُعَالَجُ بِهِ مَنْ يُظَنُّ أَنَّ بِهِ سِحْرًا أَوْ مَسًّا مِنَ الْجِنِّ قِيلَ لَهَا ذَلِكَ لِأَنَّهُ يُكْشَفُ بِهَا عَنْهُ مَا خَالَطَهُ مِنَ الدَّاءِ وَيُوَافِقُ قَوْلَ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيَّبِ مَا تَقَدَّمَ فِي بَابِ الرُّقْيَةِ فِي حَدِيثِ جَابِرٍ عِنْدَ مُسْلِمٍ مَرْفُوعًا مَنِ اسْتَطَاعَ أَنْ يَنْفَعَ أَخَاهُ فَلْيَفْعَلْ وَيُؤَيِّدُ مَشْرُوعِيَّةَ النُّشْرَةِ مَا تَقَدَّمَ فِي حَدِيثِ الْعَيْنُ حَقٌّ فِي قِصَّةِ اغْتِسَالِ الْعَائِنِ وَقَدْ أَخْرَجَ عَبْدُ الرَّزَّاقِ مِنْ طَرِيقِ الشَّعْبِيِّ قَالَ لَا بَأْسَ بِالنُّشْرَةِ الْعَرَبِيَّةِ الَّتِي إِذَا وُطِئَتْ لَا تَضُرُّهُ وَهِيَ أَنْ يَخْرُجَ الْإِنْسَانُ فِي مَوْضِعِ عِضَاهُ فَيَأْخُذُ عَنْ يَمِينِهِ وَعَنْ شِمَالِهِ مِنْ كُلٍّ ثُمَّ يَدُقُّهُ وَيَقْرَأُ فِيهِ ثُمَّ يغْتَسل بِهِ وَذكر بن بَطَّالٍ أَنَّ فِي كُتُبِ وَهْبِ بْنِ مُنَبِّهٍ أَنْ يَأْخُذَ سَبْعَ وَرَقَاتٍ مِنْ سِدْرٍ أَخْضَرَ فَيَدُقُّهُ بَيْنَ حَجَرَيْنِ ثُمَّ يَضْرِبُهُ بِالْمَاءِ وَيَقْرَأُ فِيهِ آيَةَ الْكُرْسِيِّ وَالْقَوَافِلَ ثُمَّ يَحْسُوُ مِنْهُ ثَلَاثَ حَسَوَاتٍ ثُمَّ يَغْتَسِلُ بِهِ فَإِنَّهُ يُذْهِبُ عَنْهُ كُلَّ مَا بِهِ وَهُوَ جَيِّدٌ لِلرَّجُلِ إِذَا حُبِسَ عَنْ أَهْلِهِ وَمِمَّنْ صَرَّحَ بِجَوَازِ النُّشْرَةِ الْمُزَنِيُّ صَاحِبُ الشَّافِعِيِّ وَأَبُو جَعْفَرٍ الطَّبَرِيُّ وَغَيْرُهُمَا ثُمَّ وَقَفْتُ عَلَى صِفَةِ النُّشْرَةِ فِي كتاب الطِّبِّ النَّبَوِيِّ لِجَعْفَرٍ الْمُسْتَغْفِرِيِّ قَالَ وَجَدْتُ فِي خَطِّ نَصُوحِ بْنِ وَاصِلٍ عَلَى ظَهْرِ جُزْءٍ مِنْ تَفْسِيرِ قُتَيْبَةَ بْنِ أَحْمَدَ الْبُخَارِيِّ قَالَ قَالَ قَتَادَةُ لِسَعِيدِ بْنِ الْمُسَيَّبِ رَجُلٌ بِهِ طِبٌّ أُخِذَ عَنِ امْرَأَتِهِ أَيَحِلُّ لَهُ أَنْ ينشر قَالَ لَا بَأْس إِنَّمَا يُرِيدُ بِهِ الْإِصْلَاحَ فَأَمَّا مَا يَنْفَعُ فَلَمْ يَنْهَ عَنْهُ قَالَ نَصُوحٌ فَسَأَلَنِي حَمَّادُ بْنُ شَاكِرٍ مَا الْحَلُّ وَمَا النُّشْرَةُ فَلَمْ أَعْرِفْهُمَا فَقَالَ هُوَ الرَّجُلُ إِذَا لَمْ يَقْدِرْ عَلَى مُجَامَعَةِ أَهْلِهِ وَأَطَاقَ مَا سِوَاهَا فَإِنَّ الْمُبْتَلَى بِذَلِكَ يَأْخُذُ حُزْمَةَ قُضْبَانٍ وَفَأْسًا ذَا قِطَارَيْنِ وَيَضَعُهُ فِي وَسَطِ تِلْكَ الْحُزْمَةِ ثُمَّ يُؤَجِّجُ نَارًا فِي تِلْكَ الْحُزْمَةِ حَتَّى إِذَا مَا حَمِيَ الْفَأْسُ اسْتَخْرَجَهُ مِنَ النَّارِ وَبَالَ عَلَى حَرِّهِ فَإِنَّهُ يَبْرَأُ بِإِذْنِ اللَّهِ تَعَالَى.
وَأَمَّا النُّشْرَةُ فَإِنَّهُ يَجْمَعُ أَيَّامَ الرَّبِيعِ مَا قَدَرَ عَلَيْهِ مِنْ وَرْدِ الْمُفَارَةِ وَوَرْدِ الْبَسَاتِينِ ثُمَّ يُلْقِيهَا فِي إِنَاءٍ نَظِيفٍ وَيَجْعَلُ فِيهِمَا مَاءً عَذْبًا ثُمَّ يَغْلِي ذَلِكَ الْوَرْدُ فِي الْمَاءِ غَلْيًا يَسِيرًا ثُمَّ يُمْهِلُ حَتَّى إِذَا فَتَرَ الْمَاءُ أَفَاضَهُ عَلَيْهِ فَإِنَّهُ يَبْرَأُ بِإِذْنِ اللَّهِ تَعَالَى قَالَ حَاشِدٌ تَعَلَّمْتُ هَاتَيْنِ الْفَائِدَتَيْنِ بِالشَّامِ.

قُلْتُ وَحَاشِدٌ هَذَا مِنْ رُوَاةِ الصَّحِيحِ عَنِ الْبُخَارِيِّ وَقَدْ أَغْفَلَ الْمُسْتَغْفِرِيُّ أَنَّ أَثَرَ قَتَادَةَ هَذَا عَلَّقَهُ الْبُخَارِيُّ فِي صَحِيحِهِ وَأَنَّهُ وَصَلَهُ الطَّبَرِيُّ فِي تَفْسِيرِهِ وَلَوِ اطَّلَعَ عَلَى ذَلِكَ مَا اكْتَفَى بِعَزْوِهِ إِلَى تَفْسِيرِ قُتَيْبَةَ بْنِ أَحْمَدَ بِغَيْرِ إِسْنَادٍ وَأَغْفَلَ أَيْضًا أَثَرَ الشَّعْبِيِّ فِي صِفَتِهِ وَهُوَ أَعْلَى مَا اتَّصَلَ بِنَا مِنْ ذَلِكَ ثُمَّ ذَكَرَ حَدِيثَ عَائِشَةَ فِي قِصَّةِ سِحْرِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَقَدْ سَبَقَ شَرْحُهُ مُسْتَوْفًى قَرِيبًا وَقَولُهُ فِيهِ قَالَ سُفْيَانُ وَهَذَا أَشَدُّ مَا يَكُونُ مِنَ السحر سُفْيَان هُوَ بن عُيَيْنَةَ وَهُوَ مَوْصُولٌ بِالسَّنَدِ الْمَذْكُورِ وَلَمْ أَقِفْ عَلَى كَلَامِ سُفْيَانَ هَذَا فِي مُسْنَدِ الْحُمَيْدِيِّ وَلَا بن أَبِي عُمَرَ وَلَا غَيْرِهِمَا وَاللَّهُ أَعْلَمُ .

     قَوْلُهُ  فِي جُفِّ طَلْعَةِ ذَكَرٍ تَحْتَ رَعُوفَةٍ فِي رِوَايَةِ الْكُشْمِيهَنِيِّ رَاعُوفَةٍ بِزِيَادَةِ أَلِفٍ بَعْدَ الرَّاءِ وَهُوَ كَذَلِك لأكْثر الروَاة وَعكس بن التِّينِ وَزَعَمَ أَنَّ رَاعُوفَةً لِلْأَصِيلِيِّ فَقَطْ وَهُوَ الْمَشْهُورُ فِي اللُّغَةِ وَفِي لُغَةٍ أُخْرَى أُرْعُوفَةٌ وَوَقَعَ كَذَلِكَ فِي مُرْسَلِ عُمَرَ بْنِ الْحَكَمِ وَوَقَعَ فِي رِوَايَةِ مَعْمَرٍ عَنْ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ عِنْدَ أَحْمَدَ تَحْتَ رَعُوثَةٍ بِمُثَلَّثَةٍ بَدَلَ الْفَاءِ وَهِيَ لُغَةٌ أُخْرَى مَعْرُوفَةٌ وَوَقَعَ فِي النِّهَايَةِ لِابْنِ الْأَثِيرِ أَنَّ فِي رِوَايَةٍ أُخْرَى زَعُوبَةٍ بِزَايٍ وَمُوَحَّدَةٍ.

     وَقَالَ  هِيَ بِمَعْنَى رَاعُوفَةٍ اه وَالرَّاعُوفَةُ حَجَرٌ يُوضَعُ عَلَى رَأْسِ الْبِئْرِ لَا يُسْتَطَاعُ قَلْعُهُ يَقُومُ عَلَيْهِ الْمُسْتَقِي وَقَدْ يَكُونُ فِي أَسْفَلِ الْبِئْرِ قَالَ أَبُو عُبَيْدٍ هِيَ صَخْرَةٌ تُنْزَلُ فِي أَسْفَلِ الْبِئْرِ إِذَا حُفِرَتْ يَجْلِسُ عَلَيْهَا الَّذِي يُنَظِّفُ الْبِئْرَ وَهُوَ حَجَرٌ يُوجَدُ صُلْبًا لَا يُسْتَطَاعُ نَزْعُهُ فَيُتْرَكُ وَاخْتُلِفَ فِي اشْتِقَاقِهَا فَقِيلَ لِتَقَدُّمِهَا وَبُرُوزِهَا يُقَالُ جَاءَ فُلَانٌ يُرْعِفُ الْخَيْلَ أَيْ يَتَقَدَّمُهَا وَذَكَرَ الْأَزْهَرِيُّ فِي تَهْذِيبِهِ عَنْ شَمِرٍ قَالَ رَاعُوفَةُ الْبِئْر النَّظَافَة وَهِي مِثْلُ عَيْنٍ عَلَى قَدْرِ حَجَرِ الْعَقْرَبِ فِي أَعْلَى الرَّكِيَّةِ فَيُجَاوِزُ فِي الْحَفْرِ خَمْسَ قِيَمٍ وَأَكْثَرَ فَرُبَّمَا وَجَدُوا مَاءً كَثِيرًا قَالَ شَمِرٌ فَمَنْ ذَهَبَ بِالرَّاعُوفَةِ إِلَى النَّظَافَةِ فَكَأَنَّهُ أَخَذَهُ مِنْ رُعَافِ الْأَنْفِ وَمَنْ ذَهَبَ بِالرَّاعُوفَةِ إِلَى الْحَجَرِ الَّذِي يَتَقَدَّمُ طَيَّ الْبِئْرِ فَهُوَ مِنْ رَعَفَ الرَّجُلُ إِذَا سَبَقَ.

قُلْتُ وَتَنْزِيلُ الرَّاعُوفَةِ عَلَى الْأَخِيرِ وَاضِحٌ بِخِلَافِ الْأَوَّلِ وَاللَّهُ أَعْلَمُ



[ قــ :5456 ... غــ :5765] .

     قَوْلُهُ  فَأَتَى النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْبِئْرَ حَتَّى اسْتَخْرَجَهُ إِلَى أَنْ قَالَ فَاسْتَخْرَجَ كَذَا وَقع فِي رِوَايَة بن عُيَيْنَةَ وَفِي رِوَايَةِ عِيسَى بْنِ يُونُسَ.

قُلْتُ يَا رَسُولَ اللَّهِ أَفَلَا اسْتَخْرَجْتَهُ وَفِي رِوَايَةِ وُهَيْبٍ.

قُلْتُ يَا رَسُولَ اللَّهِ فَأَخْرِجْهُ لِلنَّاسِ وَفِي رِوَايَة بن نُمَيْرٍ أَفَلَا أَخْرَجْتَهُ قَالَ لَا وَكَذَا فِي رِوَايَةِ أَبِي أُسَامَةَ الَّتِي بَعْدَ هَذَا الْبَابِ قَالَ بن بَطَّالٍ ذَكَرَ الْمُهَلَّبُ أَنَّ الرُّوَاةَ اخْتَلَفُوا عَلَى هِشَام فِي إِخْرَاج السحر الْمَذْكُور فأثبته سُفْيَانُ وَجَعَلَ سُؤَالَ عَائِشَةَ عَنِ النُّشْرَةِ وَنَفَاهُ عِيسَى بْنُ يُونُسَ وَجَعَلَ سُؤَالَهَا عَنِ الِاسْتِخْرَاجِ وَلَمْ يَذْكُرِ الْجَوَابَ وَصَرَّحَ بِهِ أَبُو أُسَامَةَ قَالَ وَالنَّظَرُ يَقْتَضِي تَرْجِيحَ رِوَايَةِ سُفْيَانَ لِتَقَدُّمِهِ فِي الضَّبْط وَيُؤَيِّدهُ أَن النشرة لم تقع فِي رِوَايَةِ أَبِي أُسَامَةَ وَالزِّيَادَةُ مِنْ سُفْيَانَ مَقْبُولَةٌ لِأَنَّهُ أَثْبَتُهُمْ وَلَا سِيَّمَا أَنَّهُ كَرَّرَ اسْتِخْرَاجَ السِّحْرِ فِي رِوَايَتِهِ مَرَّتَيْنِ فَيَبْعُدُ مِنَ الْوَهْمِ وَزَادَ ذِكْرَ النُّشْرَةِ وَجَعَلَ جَوَابَهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْهَا بِلَا بَدَلًا عَنِ الِاسْتِخْرَاجِ قَالَ وَيَحْتَمَلُ وَجْهًا آخَرَ فَذَكَرَ مَا مُحَصِّلُهُ أَنَّ الِاسْتِخْرَاجَ الْمَنْفِيَّ فِي رِوَايَةِ أَبِي أُسَامَةَ غَيْرُ الِاسْتِخْرَاجِ الْمُثْبَتِ فِي رِوَايَةِ سُفْيَانَ فَالْمُثْبَتُ هُوَ اسْتِخْرَاجُ الْجُفِّ وَالْمَنْفِيُّ اسْتِخْرَاجُ مَا حَوَاهُ قَالَ وَكَأَنَّ السِّرَّ فِي ذَلِكَ أَنْ لَا يَرَاهُ النَّاسُ فَيَتَعَلَّمُهُ مَنْ أَرَادَ اسْتِعْمَالَ السِّحْرِ.

قُلْتُ وَقَعَ فِي رِوَايَةِ عَمْرَةَ فَاسْتَخْرَجَ جُفَّ طَلْعَةٍ مِنْ تَحْتِ رَاعُوفَةٍ وَفِي حَدِيثِ زَيْدِ بْنِ أَرْقَمَ فَأَخْرَجُوهُ فَرَمَوْا بِهِ وَفِي مُرْسَلِ عُمَرَ بْنِ الْحَكَمِ أَنَّ الَّذِي اسْتَخْرَجَ السِّحْرَ قَيْسُ بْنُ مُحَصِّنٍ وكُلُّ هَذَا لَا يُخَالِفُ الْحَمْلَ الْمَذْكُورَ لَكِنْ فِي آخِرِ رِوَايَةِ عَمْرَةَ وَفِي حَدِيثِ بن عَبَّاسٍ أَنَّهُمْ وَجَدُوا وَتَرًا فِيهِ عُقَدٌ وَأَنَّهَا انْحَلَّتْ عِنْدَ قِرَاءَةِ الْمُعَوِّذَتَيْنِ فَفِيهِ إِشْعَارٌ بِاسْتِكْشَافِ مَا كَانَ دَاخِلَ الْجُفِّ فَلَوْ كَانَ ثَابِتًا لَقُدِحَ فِي الْجَمْعِ الْمَذْكُورِ لَكِنْ لَا يَخْلُو إِسْنَاد كل مِنْهُمَا من ضعف تَنْبِيهٌ وَقَعَ فِي رِوَايَةِ أَبِي أُسَامَةَ مُخَالَفَةٌ فِي لَفْظَةٍ أُخْرَى فَرِوَايَةُ الْبُخَارِيِّ عَنْ عُبَيْدِ بْنِ إِسْمَاعِيلَ عَنْهُ أَفَلَا أَخْرَجْتَهُ وَهَكَذَا أَخْرَجَهُ أَحْمَدُ عَنْ أَبِي أُسَامَةَ وَوَقَعَ عِنْدَ مُسْلِمٌ عَنْ أَبِي كُرَيْبٍ عَنْ أَبِي أُسَامَةَ أَفَلَا أَحْرَقْتَهُ بِحَاءٍ مُهْمَلَةٍ وَقَافٍ.

     وَقَالَ  النَّوَوِيُّ كِلَا الرِّوَايَتَيْنِ صَحِيحٌ كَأَنَّهَا طَلَبَتْ أَنَّهُ يُخْرِجُهُ ثُمَّ يُحَرِّقُهُ.

قُلْتُ لَكِنْ لَمْ يَقَعَا مَعًا فِي رِوَايَةٍ وَاحِدَةٍ وَإِنَّمَا وَقَعَتِ اللَّفْظَةُ مَكَانَ اللَّفْظَةِ وَانْفَرَدَ أَبُو كُرَيْبٍ بِالرِّوَايَةِ الَّتِي بِالْمُهْمَلَةِ وَالْقَافِ فَالْجَارِي عَلَى الْقَوَاعِدِ أَنَّ رِوَايَتَهُ شَاذَّةٌ وَأَغْرَبَ الْقُرْطُبِيُّ فَجَعَلَ الضَّمِيرَ فِي أَحْرَقْتُهُ لِلَبِيدِ بْنِ أَعْصَمَ قَالَ وَاسْتَفْهَمَتْهُ عَائِشَةُ عَنْ ذَلِكَ عُقُوبَةً لَهُ عَلَى مَا صَنَعَ مِنَ السِّحْرِ فَأَجَابَهَا بِالِامْتِنَاعِ وَنَبَّهَ عَلَى سَبَبِهِ وَهُوَ خَوْفُ وُقُوعِ شَرٍّ بَيْنَهُمْ وَبَيْنَ الْيَهُودِ لِأَجْلِ الْعَهْدِ فَلَوْ قَتَلَهُ لَثَارَتْ فِتْنَةٌ كَذَا قَالَ وَلَا أَدْرِي مَا وَجْهُ تَعَيُّنِ قَتْلِهِ بِالْإِحْرَاقِ وَإِنْ لَوْ سُلِّمَ أَنَّ الرِّوَايَةَ ثَابِتَةٌ وَأَنَّ الضَّمِيرَ لَهُ .

     قَوْلُهُ  قَالَتْ فَقُلْتُ أَفَلَا أَيْ تَنَشَّرْتُ وَقَعَ فِي رِوَايَةِ الْحُمَيْدِيِّ فَقُلْتُ يَا رَسُولَ اللَّهِ فَهَلَّا قَالَ سُفْيَانُ بِمَعْنَى تَنَشَّرْتُ فَبَيَّنَ الَّذِي فَسَّرَ الْمُرَادَ بِقَوْلِهَا أَفَلَا كَأَنَّهُ لَمْ يَسْتَحْضِرِ اللَّفْظَة فَذكره بِالْمَعْنَى وَظَاهر هَذَا اللَّفْظَة أَنَّهُ مِنَ النُّشْرَةِ وَكَذَا وَقَعَ فِي رِوَايَةِ مَعْمَرٍ عَنْ هِشَامٍ عِنْدَ أَحْمَدَ فَقَالَتْ عَائِشَةُ لَوْ أَنَّكَ تَعْنِي تُنَشَّرُ وَهُوَ مُقْتَضَى صَنِيعِ الْمُصَنِّفِ حَيْثُ ذَكَرَ النُّشْرَةَ فِي التَّرْجَمَةِ وَيُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ مِنَ النَّشْرِ بِمَعْنَى الْإِخْرَاجِ فَيُوَافِقُ رِوَايَة من رَوَاهُ بِلَفْظ فَهَلا أخرجته وَيكون لَفْظِ هَذِهِ الرِّوَايَةِ هَلَّا اسْتَخْرَجْتَ وَحُذِفَ الْمَفْعُولُ لِلْعِلْمِ بِهِ وَيَكُونُ الْمُرَادُ بِالْمَخْرَجِ مَا حَوَاهُ الْجُفُّ لَا الْجُفُّ نَفْسُهُ فَيَتَأَيَّدُ الْجَمْعُ الْمُقَدَّمُ ذكره تَكْمِيل قَالَ بن الْقَيِّمِ مِنْ أَنْفَعِ الْأَدْوِيَةِ وَأَقْوَى مَا يُوجَدُ مِنَ النُّشْرَةِ مُقَاوَمَةُ السِّحْرِ الَّذِي هُوَ مِنْ تَأْثِيرَاتِ الْأَرْوَاحِ الْخَبِيثَةِ بِالْأَدْوِيَةِ الْإِلَهِيَّةِ مِنَ الذِّكْرِ وَالدُّعَاءِ وَالْقِرَاءَةِ فَالْقَلْبُ إِذَا كَانَ مُمْتَلِئًا مِنَ اللَّهِ مَعْمُورًا بِذِكْرِهِ وَلَهُ وِرْدٌ مِنَ الذِّكْرِ وَالدُّعَاءِ وَالتَّوَجُّهِ لَا يُخِلُّ بِهِ كَانَ ذَلِكَ مِنْ أَعْظَمِ الْأَسْبَابِ الْمَانِعَةِ مِنْ إِصَابَةِ السِّحْرِ لَهُ قَالَ وَسُلْطَانُ تَأْثِيرِ السِّحْرِ هُوَ فِي الْقُلُوبِ الضَّعِيفَةِ وَلِهَذَا غَالِبُ مَا يُؤَثِّرُ فِي النِّسَاءِ وَالصِّبْيَانِ وَالْجُهَّالِ لِأَنَّ الْأَرْوَاحَ الْخَبِيثَةَ إِنَّمَا تَنْشَطُ عَلَى أَرْوَاحٍ تَلْقَاهَا مُسْتَعِدَّةً لِمَا يُنَاسِبُهَا انْتَهَى مُلَخَّصًا وَيُعَكِّرُ عَلَيْهِ حَدِيثُ الْبَابِ وَجَوَازُ السِّحْرِ عَلَى النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَعَ عَظِيمِ مَقَامِهِ وَصِدْقِ تَوَجُّهِهِ وَمُلَازَمَةِ وِرْدِهِ وَلَكِنْ يُمْكِنُ الِانْفِصَالُ عَنْ ذَلِكَ بِأَنَّ الَّذِي ذَكَرَهُ مَحْمُولٌ عَلَى الْغَالِبِ وَأَنَّ مَا وَقَعَ بِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِبَيَانِ تَجْوِيزِ ذَلِك وَالله أعلم