فهرس الكتاب

فتح الباري لابن حجر - باب قص الشارب

( قَولُهُ بَابُ قَصِّ الشَّارِبِ)
هَذِهِ التَّرْجَمَةُ وَمَا بَعْدَهَا إِلَى آخِرِ كِتَابِ اللِّبَاسِ لَهَا تَعَلُّقٌ بِاللِّبَاسِ مِنْ جِهَةِ الِاشْتِرَاكِ فِي الزِّينَةِ فَذَكَرَ أَوَّلًا التَّرَاجِمَ الْمُتَعَلِّقَةَ بِالشُّعُورِ وَمَا شَاكَلَهَا وَثَانِيًا الْمُتَعَلِّقَةَ بِالتَّطَيُّبِ وَثَالِثًا الْمُتَعَلِّقَةَ بِتَحْسِينِ الصُّورَةِ وَرَابِعًا الْمُتَعَلِّقَةَ بِالتَّصَاوِيرِ لِأَنَّهَا قَدْ تَكُونُ فِي الثِّيَابِ وَخَتَمَ بِمَا يَتَعَلَّقُ بِالِارْتِدَافِ وَتَعَلُّقُهُ بِهِ خَفِيٌّ وَتَعَلُّقُهُ بِكِتَابِ الْأَدَبِ الَّذِي يَلِيهِ ظَاهِرٌ وَاللَّهُ أَعْلَمُ وَأَصْلُ الْقَصِّ تَتَبُّعُ الْأَثَرِ وَقَيَّدَهُ بن سِيدَهْ فِي الْمُحْكَمِ بِاللَّيْلِ وَالْقَصُّ أَيْضًا إِيرَادُ الْخَبَرِ تَامًّا عَلَى مَنْ لَمْ يَحْضُرْهُ وَيُطْلَقُ أَيْضًا عَلَى قَطْعِ شَيْءٍ مِنْ شَيْءٍ بِآلَةٍ مَخْصُوصَة وَالْمرَاد بِهِ هُنَا قطع الشَّعْرُ النَّابِتُ عَلَى الشَّفَةِ الْعُلْيَا مِنْ غَيْرِ اسْتِئْصَالٍ وَكَذَا قَصُّ الظُّفْرِ أَخْذُ أَعْلَاهُ مِنْ غير استئصال قَوْله وَكَانَ بن عُمَرَ كَذَا لِأَبِي ذَرٍّ وَالنَّسَفِيِّ وَهُوَ الْمُعْتَمَدُ وَوَقَعَ لِلْبَاقِينَ وَكَانَ عُمَرُ.

قُلْتُ وَهُوَ خَطَأٌ فَإِنَّ الْمَعْرُوفَ عَنْ عُمَرَ أَنَّهُ كَانَ يُوَفِّرُ شَارِبَهُ .

     قَوْلُهُ  يُحْفِي شَارِبَهُ بِالْحَاءِ الْمُهْمَلَةِ وَالْفَاءِ ثُلَاثِيًّا وَرُبَاعِيًّا مِنَ الْإِحْفَاءِ أَوِ الْحَفْوِ وَالْمُرَادُ الْإِزَالَةُ .

     قَوْلُهُ  حَتَّى يَرَى بَيَاضَ الْجِلْدِ وَصَلَهُ أَبُو بَكْرٍ الْأَثْرَمُ مِنْ طَرِيقِ عُمَرَ بْنِ أَبِي سَلَمَةَ عَنْ أَبِيه قَالَ رَأَيْت بن عُمَرَ يُحْفِي شَارِبَهُ حَتَّى لَا يَتْرُكَ مِنْهُ شَيْئًا وَأَخْرَجَ الطَّبَرِيُّ مِنْ طَرِيقِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي عُثْمَانَ رَأَيْت بن عُمَرَ يَأْخُذُ مِنْ شَارِبِهِ أَعْلَاهُ وَأَسْفَلَهُ وَهَذَا يرد تَأْوِيل من تَأَول فِي أثر بن عُمَرَ أَنَّ الْمُرَادَ بِهِ إِزَالَةُ مَا عَلَى طَرَفِ الشَّفَةِ فَقَطْ .

     قَوْلُهُ  وَيَأْخُذُ هَذَيْنِ يَعْنِي بَيْنَ الشَّارِبِ وَاللِّحْيَةِ كَذَا وَقَعَ فِي التَّفْسِيرِ فِي الْأَصْلِ وَقَدْ ذَكَرَهُ رَزِينٌ فِي جَامِعِهِ من طَرِيق نَافِع عَن بن عُمَرَ جَازِمًا بِالتَّفْسِيرِ الْمَذْكُورِ وَأَخْرَجَ الْبَيْهَقِيُّ نَحْوَهُ وَقَولُهُ بَيْنَ كَذَا لِلْجَمِيعِ إِلَّا أَنَّ عِيَاضًا ذَكَرَ أَنَّ مُحَمَّدَ بْنَ أَبِي صُفْرَةَ رَوَاهُ بِلَفْظِ مِنْ الَّتِي لِلتَّبْعِيضِ وَالْأَوَّلُ هُوَ الْمُعْتَمَدُ



[ قــ :5573 ... غــ :5888] .

     قَوْلُهُ  حَدَّثَنَا الْمَكِّيُّ بْنُ إِبْرَاهِيمَ عَنْ حَنْظَلَةَ عَنْ نَافِعٍ قَالَ أَصْحَابُنَا عَنِ الْمَكِّيِّ عَنِ بن عُمَرَ كَذَا لِلْجَمِيعِ وَالْمَعْنَى أَنَّ شَيْخَهُ مَكِّيَّ بْنَ إِبْرَاهِيمَ حَدَّثَهُ بِهِ عَنْ حَنْظَلَةَ وَهُوَ بن أَبِي سُفْيَانَ الْجُمَحِيُّ عَنْ نَافِعٍ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مُرْسَلًا لَمْ يَذْكُرِ بن عُمَرَ فِي السَّنَدِ وَحَدَّثَ بِهِ غَيْرُ الْبُخَارِيِّ عَن مكي مَوْصُولا بِذكر بن عُمَرَ فِيهِ وَهُوَ الْمُرَادُ بِقَوْلِ الْبُخَارِيِّ قَالَ أَصْحَابُنَا هَذَا هُوَ الْمُعْتَمَدُ وَبِهَذَا جَزَمَ شَيْخُنَا بن الْمُلَقِّنِ رَحِمَهُ اللَّهُ لَكِنْ قَالَ ظَهَرَ لِي أَنَّهُ مَوْقُوفٌ عَلَى نَافِعٍ فِي هَذِهِ الطَّرِيقِ وَتَلَقَّى ذَلِكَ مِنَ الْحُمَيْدِيِّ فَإِنَّهُ جَزَمَ بِذَلِكَ فِي الْجَمْعِ وَهُوَ مُحْتَمَلٌ.
وَأَمَّا الْكِرْمَانِيُّ فَزَعَمَ أَنَّ الرِّوَايَةَ الثَّانِيَةَ مُنْقَطِعَةٌ لَمْ يَذْكُرْ فِيهَا بَين مكي وبن عُمَرَ أَحَدًا فَقَالَ الْمَعْنَى أَنَّ الْبُخَارِيَّ قَالَ رَوَى أَصْحَابُنَا الْحَدِيثَ مُنْقَطِعًا فَقَالُوا حَدَّثَنَا مَكِّيٌّ عَن بن عُمَرَ فَطَرَحُوا ذِكْرَ الرَّاوِي الَّذِي بَيْنَهُمَا كَذَا قَالَ وَهُوَ وَإِنْ كَانَ ظَاهِرَ مَا أَوْرَدَ الْبُخَارِيُّ لَكِنْ تَبَيَّنَ مِنْ كَلَامِ الْأَئِمَّةِ أَنَّهُ مَوْصُول بَين مكي وبن عُمَرَ.

     وَقَالَ  الزَّرْكَشِيُّ هَذَا الْمَوْضِعُ مِمَّا يَجِبُ أَنْ يَعْتَنِيَ بِهِ النَّاظِرُ وَهُوَ مَاذَا الَّذِي أَرَادَ بِقَوْلِهِ قَالَ أَصْحَابُنَا عَنِ الْمَكِّيِّ عَنِ بن عُمَرَ فَيُحْتَمَلُ أَنَّهُ رَوَاهُ مَرَّةً عَنْ شَيْخِهِ مَكِّيٍّ عَنْ نَافِعٍ مُرْسَلًا وَمَرَّةً عَنْ أَصْحَابِهِ عَن مكي مَرْفُوعا عَن بن عُمَرَ وَيُحْتَمَلُ أَنَّ بَعْضَهُمْ نَسَبَ الرَّاوِيَ عَنِ بن عُمَرَ إِلَى أَنَّهُ الْمَكِّيُّ اه وَهَذَا الثَّانِي هُوَ الَّذِي جَزَمَ بِهِ الْكِرْمَانِيُّ وَهُوَ مَرْدُودٌ ثُمَّ قَالَ الزَّرْكَشِيُّ وَيَشْهَدُ لِلْأَوَّلِ أَنَّ الْبُخَارِيَّ رُبَّمَا رَوَى عَنِ الْمَكِّيِّ بِالْوَاسِطَةِ كَمَا تَقَدَّمَ فِي الْبُيُوعِ وَوَقَعَ لَهُ فِي كِتَابِهِ نَظَائِرُ لِذَلِكَ مِنْهَا مَا سَيَأْتِي قَرِيبًا فِي بَابِ الْجَعْدِ حَيْثُ قَالَ حَدَّثَنَا مَالِكُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ فَذَكَرَ حَدِيثًا ثُمَّ قَالَ فِي آخِرِهِ قَالَ بَعْضُ أَصْحَابِي عَنْ مَالِكِ بْنِ إِسْمَاعِيلَ فَذَكَرَ زِيَادَةً فِي الْمَتْنِ وَنَظِيرُهُ فِي الِاسْتِئْذَانِ فِي بَابِ قَوْلِهِ قُومُوا إِلَى سَيِّدِكُمْ.

قُلْتُ وَهُوَ .

     قَوْلُهُ  حَدَّثَنَا أَبُو الْوَلِيدِ حَدَّثَنَا شُعْبَةُ فَذَكَرَ حَدِيثًا.

     وَقَالَ  فِي آخِرِهِ أَفْهَمَنِي بَعْضُ أَصْحَابِي عَنْ أَبِي الْوَلِيدِ فَذَكَرَ كَلِمَةً فِي الْمَتْنِ وَقَرِيبٌ مِنْهُ مَا سَبَقَ فِي الْمَنَاقِبِ فِي ذِكْرِ أُسَامَةَ بْنِ زَيْدٍ حَيْثُ قَالَ حَدَّثَنَا سُلَيْمَانُ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ فَذَكَرَ حَدِيثًا.

     وَقَالَ  فِي آخِرِهِ حَدَّثَنِي بَعْضُ أَصْحَابِنَا عَنْ سُلَيْمَانَ فَذَكَرَ زِيَادَةً فِي الْمَتْنِ أَيْضًا.

قُلْتُ وَالْفَرْقُ بَيْنَ هَذِهِ الْمَوَاضِعِ وَبَيْنَ حَدِيثِ الْبَابِ أَنَّ الِاخْتِلَافَ فِي الْبَابِ وَقَعَ فِي الْوَصْلِ وَالْإِرْسَالِ وَالِاخْتِلَافَ فِي غَيْرِهِ وَقَعَ بِالزِّيَادَةِ فِي الْمَتْنِ لَكِنِ اشْتَرَكَ الْجَمِيعُ فِي مُطْلَقِ الِاخْتِلَافِ وَاللَّهُ أَعْلَمُ وَقَدْ أَوْرَدَ الْبُخَارِيُّ الْحَدِيثَ الْمَذْكُورَ فِي الْبَابِ الَّذِي يَلِيهِ مِنْ طَرِيقِ إِسْحَاقَ بْنِ سُلَيْمَانَ عَنْ حَنْظَلَةَ مَوْصُولًا مَرْفُوعًا لَكِنَّهُ نَزَلَ فِيهِ دَرَجَةً وَطَرِيقُ مَكِّيٍّ وَقَعَتْ لنا فِي مُسْند بن عُمَرَ لِأَبِي أُمَيَّةَ الطَّرَسُوسِيِّ قَالَ حَدَّثَنَا مَكِّيُّ بْنُ إِبْرَاهِيمَ فَذَكَرَهُ مَوْصُولًا مَرْفُوعًا وَزَادَ فِيهِ بَعْدَ قَوْلِهِ قَصُّ الشَّارِبِ وَالظُّفْرِ وَحَلْقُ الْعَانَةِ وَكَذَا أَخْرَجَهُ الْبَيْهَقِيُّ فِي الشُّعَبِ مِنْ وَجْهٍ آخَرَ عَنْ مَكِّيٍّ.

قُلْتُ وَهَذَا الْحَدِيثُ أَغْفَلَهُ الْمِزِّيُّ فِي الْأَطْرَافِ فَلَمْ يَذْكُرْهُ فِي تَرْجَمَةِ حَنْظَلَة عَن نَافِع عَن بن عُمَرَ لَا مِنْ طَرِيقِ مَكِّيٍّ وَلَا مِنْ طَرِيقِ إِسْحَاقَ بْنِ سُلَيْمَانَ ثُمَّ بَعْدَ أَنْ كَتَبَ هَذَا ذَكَرَ لِي مُحَدِّثُ حَلَبَ الشَّيْخُ بُرْهَانُ الدِّينِ الْحَلَبِيُّ أَنَّ شَيْخَنَا الْبُلْقِينِيَّ قَالَ لَهُ الْقَائِلُ قَالَ أَصْحَابُنَا هُوَ الْبُخَارِيُّ وَالْمُرَادُ بِالْمَكِّيِّ حَنْظَلَةُ بْنُ أَبِي سُفْيَانَ الْجُمَحِيُّ فَإِنَّهُ مَكِّيٌّ قَالَ وَالسَّنَدَانِ مُتَّصِلَانِ وَمَوْضِعُ الِاخْتِلَافِ بَيَانُ أَنَّ مَكِّيَّ بْنَ إِبْرَاهِيمَ لَمَّا حَدَّثَ بِهِ الْبُخَارِيَّ سَمَّى حَنْظَلَةَ.
وَأَمَّا أَصْحَابُ الْبُخَارِيِّ فَلَمَّا رَوَوْهُ لَهُ عَنْ حَنْظَلَةَ لَمْ يُسَمُّوهُ بَلْ قَالُوا عَنِ الْمَكِّيِّ قَالَ فَالسَّنَدُ الْأَوَّلُ مَكِّيٌّ عَن حَنْظَلَة عَن نَافِع عَن بن عُمَرَ وَالثَّانِي أَصْحَابُنَا عَنِ الْمَكِّيِّ عَنْ نَافِعٍ عَن بن عُمَرَ ثُمَّ قَالَ وَفِي فَهْمِ ذَلِكَ صُعُوبَةٌ وَكَأَنَّهُ كَانَ يَتَبَجَّحُ بِذَلِكَ وَلَقَدْ صَدَقَ فِيمَا ذَكَرَ مِنَ الصُّعُوبَةِ وَمُقْتَضَاهُ أَنْ يَكُونَ عِنْدَ الْبُخَارِيِّ جَمَاعَةٌ لَقُوا حَنْظَلَةَ وَلَيْسَ كَذَلِكَ فَإِنَّ الَّذِي سَمِعَ مِنْ حَنْظَلَةَ هَذَا الْحَدِيثَ لَا يُحَدِّثُ الْبُخَارِيُّ عَنْهُ إِلَّا بِوَاسِطَةٍ وَهُوَ إِسْحَاقُ بْنُ سُلَيْمَانَ الرَّازِيُّ وَكَانَتْ وَفَاتُهُ قَبْلَ طَلَبِ البُخَارِيّ الحَدِيث قَالَ بن سَعْدٍ مَاتَ سَنَةَ تِسْعٍ وَتِسْعِينَ وَمِائَةٍ.

     وَقَالَ  بن نَافِع وبن حِبَّانَ مَاتَ سَنَةَ مِائَتَيْنِ وَقَدْ أَفْصَحَ أَبُو مَسْعُودٍ فِي الْأَطْرَافِ بِالْمُرَادِ فَقَالَ فِي تَرْجَمَةِ حَنْظَلَة عَن نَافِع عَن بن عُمَرَ حَدِيثُ مِنَ الْفِطْرَةِ حَلْقُ الْعَانَةِ وَتَقْلِيمُ الْأَظَافِرِ وَقَصُّ الشَّارِبِ خَ فِي اللِّبَاسِ عَنْ أَحْمَدَ بْنِ أَبِي رَجَاءٍ عَنْ إِسْحَاقَ بْنِ سُلَيْمَان عَن حَنْظَلَة عَن نَافِع عَن بن عُمَرَ وَعَنْ مَكِّيِّ بْنِ إِبْرَاهِيمَ عَنْ حَنْظَلَةَ عَنْ نَافِعٍ قَالَ.

     وَقَالَ  أَصْحَابُنَا عَنْ مَكِّيٍّ عَن حَنْظَلَة عَن نَافِع عَن بن عُمَرَ فَصَرَّحَ بِأَنَّ مُرَادَ الْبُخَارِيِّ بِقَوْلِهِ عَنِ الْمَكِّيِّ الْمَكِّيُّ بْنُ إِبْرَاهِيمَ وَأَنَّ مُرَادَهُ بِقَوْلِهِ عَن بن عُمَرَ بِالسَّنَدِ الْمَذْكُورِ وَهُوَ عَنْ حَنْظَلَةَ عَنْ نَافِعٍ عَنْهُ وَالْحَاصِلُ أَنَّهُ كَمَا قَدَّمْتُهُ أَنَّ مَكِّيَّ بْنَ إِبْرَاهِيمَ لَمَّا حَدَّثَ بِهِ الْبُخَارِيَّ أَرْسَلَهُ وَلَمَّا حَدَّثَ بِهِ غَيْرَ الْبُخَارِيِّ وَصَلَهُ فَحَكَى الْبُخَارِيُّ ذَلِكَ ثُمَّ سَاقَهُ مَوْصُولًا مِنْ طَرِيقِ إِسْحَاقَ بْنِ سُلَيْمَانَ





[ قــ :5574 ... غــ :5889] .

     قَوْلُهُ  حَدَّثَنَا عَلِيٌّ هُوَ بن الْمَدِينِيِّ وَبِذَلِكَ جَزَمَ الْمِزِّيُّ .

     قَوْلُهُ  الزُّهْرِيُّ حَدَّثَنَا هُوَ مِنْ تَقْدِيمِ الرَّاوِي عَلَى الصِّيغَةِ وَهُوَ سَائِغٌ وَقَدْ رَوَاهُ الْحُمَيْدِيُّ عَنْ سُفْيَانَ قَالَ سَمِعْتُ الزُّهْرِيَّ أَخْرَجَهُ أَبُو عَوَانَةَ وَأَبُو نُعَيْمٍ فِي مُسْتَخْرَجَيْهِمَا مِنْ طَرِيقِهِ وَرَوَاهُ أَحْمَدُ عَنْ سُفْيَانَ عَنِ الزُّهْرِيِّ بِالْعَنْعَنَةِ وَكَذَا أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ عَنْ أَبِي بَكْرِ بْنِ أَبِي شَيْبَةَ وَغَيْرِ وَاحِدٍ وَأَبُو دَاوُدَ عَنْ مُسَدَّدٍ كُلُّهُمْ عَنْ سُفْيَانَ .

     قَوْلُهُ  عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رِوَايَةٌ هِيَ كِنَايَةٌ عَنْ قَوْلِ الرَّاوِي قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَوْ نَحْوِهَا وَقَدْ وَقَعَ فِي رِوَايَةِ مُسَدَّدٍ يَبْلُغُ بِهِ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَفِي رِوَايَةِ أَبِي بَكْرِ بْنِ أَبِي شَيْبَةَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَبَيَّنَ أَحْمَدُ فِي رِوَايَتِهِ أَنَّ سُفْيَانَ كَانَ تَارَةً يَكُنِّي وَتَارَةً يُصَرِّحُ وَقَدْ تَقَرَّرَ فِي عُلُومِ الْحَدِيثِ أَنَّ قَوْلَ الرَّاوِي رِوَايَةً أَوْ يَرْوِيهِ أَوْ يَبْلُغُ بِهِ وَنَحْوَ ذَلِكَ مَحْمُولٌ عَلَى الرَّفْعِ وَسَيَأْتِي فِي الْبَابِ الَّذِي يَلِيهِ مِنْ طَرِيقِ إِبْرَاهِيمِ بْنِ سَعْدٍ عَنِ الزُّهْرِيِّ بِلَفْظِ سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَوَقَعَ فِي رِوَايَةِ مُحَمَّدِ بْنِ أَبِي حَفْصَةَ عَنِ الزُّهْرِيِّ زِيَادَةُ أَبِي سَلَمَةَ مَعَ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيَّبِ فِي السَّنَدِ أَخْرَجَهُ أَبُو الشَّيْخِ .

     قَوْلُهُ  الْفِطْرَةُ خَمْسٌ أَوْ خَمْسٌ مِنَ الْفِطْرَةِ كَذَا وَقَعَ هُنَا وَلِمُسْلِمٍ وَأَبِي دَاوُدَ بِالشَّكِّ وَهُوَ مِنْ سُفْيَانَ وَوَقَعَ فِي رِوَايَةِ أَحْمَدَ خَمْسٌ مِنَ الْفطْرَة وَلم يشك وَكَذَا فِي رِوَايَةِ مَعْمَرٍ عَنِ الزُّهْرِيِّ عِنْدَ التِّرْمِذِيِّ وَالنَّسَائِيِّ وَوَقَعَ فِي رِوَايَةِ إِبْرَاهِيمَ بْنِ سَعْدٍ بِالْعَكْسِ كَمَا فِي الْبَابِ الَّذِي يَلِيهِ بِلَفْظِ الْفِطْرَةُ خَمْسٌ وَكَذَا فِي رِوَايَةِ يُونُسَ بْنِ يَزِيدَ عَنِ الزُّهْرِيِّ عِنْدَ مُسْلِمٍ وَالنَّسَائِيِّ وَهِيَ مَحْمُولَة على الأولى قَالَ بن دَقِيق الْعِيد دَلَالَةُ مِنْ عَلَى التَّبْعِيضِ فِيهِ أَظْهَرُ مِنْ دَلَالَةِ هَذِهِ الرِّوَايَةِ عَلَى الْحَصْرِ وَقَدْ ثَبَتَ فِي أَحَادِيثَ أُخْرَى زِيَادَةٌ عَلَى ذَلِكَ فَدَلَّ على أَن الْحصْر فِيهَا غير مُرَاد وَاخْتُلِفَ فِي النُّكْتَةِ فِي الْإِتْيَانِ بِهَذِهِ الصِّيغَةِ فَقِيلَ بِرَفْعِ الدَّلَالَةِ وَأَنَّ مَفْهُومَ الْعَدَدِ لَيْسَ بِحُجَّةٍ وَقِيلَ بَلْ كَانَ أَعْلَمَ أَوَّلًا بِالْخَمْسِ ثُمَّ أَعْلَمَ بِالزِّيَادَةِ وَقِيلَ بَلِ الِاخْتِلَافُ فِي ذَلِكَ بِحَسَبِ الْمَقَامِ فَذَكَرَ فِي كُلِّ مَوْضِعٍ اللَّائِقَ بِالْمُخَاطَبِينَ وَقِيلَ أُرِيدَ بِالْحَصْرِ الْمُبَالَغَةُ لِتَأْكِيدِ أَمْرِ الْخَمْسِ الْمَذْكُورَةِ كَمَا حُمِلَ عَلَيْهِ .

     قَوْلُهُ  الدّين النَّصِيحَة وَالْحج عَرَفَةُ وَنَحْوُ ذَلِكَ وَيَدُلُّ عَلَى التَّأْكِيدِ مَا أَخْرَجَهُ التِّرْمِذِيُّ وَالنَّسَائِيُّ مِنْ حَدِيثِ زَيْدِ بْنِ أَرْقَمَ مَرْفُوعًا مَنْ لَمْ يُؤْخَذْ شَارِبُهُ فَلَيْسَ مِنَّا وَسَنَدُهُ قَوِيٌّ وَأَخْرَجَ أَحْمَدُ مِنْ طَرِيقِ يَزِيدَ بْنِ عَمْرٍو الْمَعَافِرِيِّ نَحْوَهُ وَزَادَ فِيهِ حَلْقَ الْعَانَةِ وَتَقْلِيمَ الْأَظَافِرِ وَسَيَأْتِي فِي الْكَلَامِ عَلَى الْخِتَانِ دَلِيلُ مَنْ قَالَ بِوُجُوبِهِ وَذَكَرَ بن الْعَرَبِيِّ أَنَّ خِصَالَ الْفِطْرَةِ تَبْلُغُ ثَلَاثِينَ خَصْلَةً فَإِذَا أَرَادَ خُصُوصَ مَا وَرَدَ بِلَفْظِ الْفِطْرَةِ فَلَيْسَ كَذَلِكَ وَإِنْ أَرَادَ أَعَمَّ مِنْ ذَلِكَ فَلَا تَنْحَصِرُ فِي الثَّلَاثِينَ بَلْ تَزِيدُ كَثِيرًا وَأَقَلُّ مَا وَرَدَ فِي خِصَالِ الْفِطْرَةِ حَدِيثُ بن عُمَرَ الْمَذْكُورُ قَبْلُ فَإِنَّهُ لَمْ يَذْكُرْ فِيهِ إِلَّا ثَلَاثًا وَسَيَأْتِي فِي الْبَابِ الَّذِي يَلِيهِ أَنَّهُ وَرَدَ بِلَفْظِ الْفِطْرَةِ وَبِلَفْظِ مِنَ الْفِطْرَةِ وَأَخْرَجَ الْإِسْمَاعِيلِيُّ فِي رِوَايَةٍ لَهُ بِلَفْظِ ثَلَاثٌ مِنَ الْفِطْرَةِ وَأَخْرَجَهُ فِي رِوَايَةٍ أُخْرَى بِلَفْظِ مِنَ الْفِطْرَةِ فَذَكَرَ الثَّلَاثَ وَزَادَ الْخِتَانَ وَلِمُسْلِمٍ مِنْ حَدِيثِ عَائِشَةَ عَشْرٌ مِنَ الْفِطْرَةِ فَذَكَرَ الْخَمْسَةَ الَّتِي فِي حَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ إِلَّا الْخِتَانَ وَزَادَ إِعْفَاءَ اللِّحْيَةِ وَالسِّوَاكَ وَالْمَضْمَضَةَ وَالِاسْتِنْشَاقَ وَغَسْلَ الْبَرَاجِمِ وَالِاسْتِنْجَاءَ أَخْرَجَهُ مِنْ رِوَايَةِ مُصْعَبِ بْنِ شَيْبَةَ عَنْ طَلْقِ بْنِ حَبِيبٍ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الزُّبَيْرِ عَنْهَا لَكِنْ قَالَ فِي آخِرِهِ إِنَّ الرَّاوِيَ نَسِيَ الْعَاشِرَةَ إِلَّا أَنْ تَكُونُ الْمَضْمَضَةَ وَقَدْ أَخْرَجَهُ أَبُو عَوَانَةَ فِي مُسْتَخْرَجِهِ بِلَفْظِ عَشْرَةٌ مِنَ السُّنَّةِ وَذَكَرَ الِاسْتِنْثَارَ بَدَلَ الِاسْتِنْشَاقِ وَأَخْرَجَ النَّسَائِيُّ مِنْ طَرِيقِ سُلَيْمَانَ التَّيْمِيِّ قَالَ سَمِعْتُ طَلْقَ بْنَ حَبِيبٍ يَذْكُرُ عَشْرَةً مِنَ الْفِطْرَةِ فَذَكَرَ مِثْلَهُ إِلَّا أَنَّهُ قَالَ وَشَكَكْتُ فِي الْمَضْمَضَةِ وَأَخْرَجَهُ أَيْضًا مِنْ طَرِيقِ أَبِي بِشْرٍ عَنْ طَلْقٍ قَالَ مِنَ السُّنَّةِ عَشْرٌ فَذَكَرَ مِثْلَهُ إِلَّا أَنَّهُ ذَكَرَ الْخِتَانَ بَدَلَ غَسْلِ الْبَرَاجِمِ وَرَجَّحَ النَّسَائِيُّ الرِّوَايَةَ الْمَقْطُوعَةَ عَلَى الْمَوْصُولَةِ الْمَرْفُوعَةِ وَالَّذِي يَظْهَرُ لي أَنَّهَا لَيست بعلة فادحة فَإِن راويها مُصعب بن شيبَة وثقة بن مَعِينٍ وَالْعِجْلِيُّ وَغَيْرُهُمَا وَلَيَّنَهُ أَحْمَدُ وَأَبُو حَاتِمٍ وَغَيْرُهُمَا فَحَدِيثُهُ حَسَنٌ وَلَهُ شَوَاهِدُ فِي حَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ وَغَيْرِهِ فَالْحُكْمُ بِصِحَّتِهِ مِنْ هَذِهِ الْحَيْثِيَّةِ سَائِغٌ وَقَوْلُ سُلَيْمَانَ التَّيْمِيِّ سَمِعْتُ طَلْقَ بْنَ حَبِيبٍ يَذْكُرُ عَشْرًا مِنَ الْفِطْرَةِ يُحْتَمَلُ أَنْ يُرِيدَ أَنَّهُ سَمِعَهُ يَذْكُرُهَا مِنْ قِبَلِ نَفْسِهِ عَلَى ظَاهِرِ مَا فَهِمَهُ النَّسَائِيُّ وَيُحْتَمَلُ أَنْ يُرِيدَ أَنَّهُ سَمِعَهُ يَذْكُرُهَا وَسَنَدَهَا فَحَذَفَ سُلَيْمَانُ السَّنَدَ وَقَدْ أَخْرَجَ أَحْمَدُ وَأَبُو دَاوُدَ وبن مَاجَهْ مِنْ حَدِيثِ عَمَّارِ بْنِ يَاسِرٍ مَرْفُوعًا نَحْوَ حَدِيثِ عَائِشَةَ قَالَ مِنَ الْفِطْرَةِ الْمَضْمَضَةُ وَالِاسْتِنْشَاقُ وَالسِّوَاكُ وَغَسْلُ الْبَرَاجِمِ وَالِانْتِضَاحُ وَذَكَرَ الْخَمْسَ الَّتِي فِي حَدِيث أبي هُرَيْرَة سَاقه بن مَاجَهْ.
وَأَمَّا أَبُو دَاوُدَ فَأَحَالَ بِهِ عَلَى حَدِيثِ عَائِشَةَ ثُمَّ قَالَ وَرُوِيَ نَحْوُهُ عَنِ بن عَبَّاسٍ.

     وَقَالَ  خَمْسٌ فِي الرَّأْسِ وَذَكَرَ مِنْهَا الْفَرْقَ وَلَمْ يَذْكُرْ إِعْفَاءَ اللِّحْيَةِ.

قُلْتُ كَأَنَّهُ يُشِيرُ إِلَى مَا أَخْرَجَهُ عَبْدُ الرَّزَّاقِ فِي تَفْسِيرِهِ وَالطَّبَرِيُّ مِنْ طَرِيقِهِ بِسَنَدٍ صَحِيحٍ عَنْ طَاوس عَن بن عَبَّاسٍ فِي قَوْلِهِ تَعَالَى وَإِذِ ابْتَلَى إِبْرَاهِيمَ ربه بِكَلِمَات فأتمهن قَالَ ابْتَلَاهُ اللَّهُ بِالطَّهَارَةِ خَمْسٌ فِي الرَّأْسِ وَخَمْسٌ فِي الْجَسَدِ.

قُلْتُ فَذَكَرَ مِثْلَ حَدِيثِ عَائِشَةَ كَمَا فِي الرِّوَايَةِ الَّتِي قَدَّمْتُهَا عَنْ أَبِي عَوَانَةَ سَوَاءً وَلَمْ يَشُكَّ فِي الْمَضْمَضَةِ وَذَكَرَ أَيْضًا الْفَرْقَ بَدَلَ إِعْفَاءِ اللِّحْيَةِ وَأَخْرَجَهُ بن أبي حَاتِم من وَجه آخر عَن بن عَبَّاسٍ فَذَكَرَ غُسْلَ الْجُمُعَةِ بَدَلَ الِاسْتِنْجَاءِ فَصَارَ مَجْمُوعُ الْخِصَالِ الَّتِي وَرَدَتْ فِي هَذِهِ الْأَحَادِيثِ خَمْسَ عَشْرَةَ خَصْلَةً اقْتَصَرَ أَبُو شَامَةَ فِي كِتَابِ السِّوَاكِ وَمَا أَشْبَهَ ذَلِكَ مِنْهَا عَلَى اثْنَيْ عَشَرَ وَزَادَ النَّوَوِيُّ وَاحِدَةً فِي شَرْحِ مُسْلِمٍ وَقَدْ رَأَيْتُ قَبْلَ الْخَوْضِ فِي شَرْحِ الْخَمْسِ الْوَارِدَةِ فِي الْحَدِيثِ الْمُتَّفَقِ عَلَيْهِ أَنْ أُشِيرَ إِلَى شَرْحِ الْعَشْرِ الزَّائِدَةِ عَلَيْهَا فَأَمَّا الْوُضُوءُ وَالِاسْتِنْشَاقُ وَالِاسْتِنْثَارُ وَالِاسْتِنْجَاءُ وَالسِّوَاكُ وَغُسْلُ الْجُمُعَةِ فَتَقَدَّمَ شَرْحُهَا فِي كِتَابِ الطَّهَارَةِ.
وَأَمَّا إِعْفَاءُ اللِّحْيَةِ فَيَأْتِي فِي الْبَابِ الَّذِي يَلِيهِ.
وَأَمَّا الْفَرْقُ فَيَأْتِي بَعْدَ أَبْوَابٍ.
وَأَمَّا غَسْلُ الْبَرَاجِمِ فَهُوَ بِالْمُوَحَّدَةِ وَالْجِيمِ جَمْعُ بُرْجُمَةٍ بِضَمَّتَيْنِ وَهِيَ عُقَدُ الْأَصَابِعِ الَّتِي فِي ظَهْرِ الْكَفِّ قَالَ الْخَطَّابِيُّ هِيَ الْمَوَاضِعُ الَّتِي تَتَّسِخُ وَيَجْتَمِعُ فِيهَا الْوَسَخُ وَلَا سِيَّمَا مِمَّنْ لَا يَكُونُ طَرِيَّ الْبَدَنِ.

     وَقَالَ  الْغَزَالِيُّ كَانَتِ الْعَرَبُ لَا تَغْسِلُ الْيَدَ عَقِبَ الطَّعَامِ فَيَجْتَمِعُ فِي تِلْكَ الْغُضُونِ وَسَخٌ فَأَمَرَ بِغَسْلِهَا قَالَ النَّوَوِيُّ وَهِيَ سُنَّةٌ مُسْتَقِلَّةٌ لَيْسَتْ مُخْتَصَّةً بِالْوُضُوءِ يَعْنِي أَنَّهَا يُحْتَاجُ إِلَى غَسْلِهَا فِي الْوُضُوءِ وَالْغُسْلِ وَالتَّنْظِيفِ وَقَدْ أَلْحَقَ بِهَا إِزَالَةَ مَا يَجْتَمِعُ مِنَ الْوَسَخِ فِي مَعَاطِفِ الْأُذُنِ وَقَعْرِ الصِّمَاخِ فَإِنَّ فِي بَقَائِهِ إِضْرَارًا بِالسَّمْعِ وَقَدْ أخرج بن عَدِيٍّ مِنْ حَدِيثِ أَنَسٍ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَمَرَ بِتَعَاهُدِ الْبَرَاجِمِ عِنْدَ الْوُضُوءِ لِأَنَّ الْوَسَخَ إِلَيْهَا سَرِيعٌ وَلِلتِّرْمِذِيِّ الْحَكِيمِ مِنْ حَدِيثِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ بِشْرٍ رَفَعَهُ قُصُّوا أَظْفَارَكُمْ وَادْفِنُوا قُلَامَاتِكُمْ وَنَقُّوا بِرَاجِمَكُمْ وَفِي سَنَده راو مَجْهُول وَلأَحْمَد من حَدِيث بن عَبَّاسٍ أَبْطَأَ جِبْرِيلُ عَلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ وَلِمَ لَا يُبْطِئُ عَنِّي وَأَنْتُمْ لَا تَسْتَنُّونَ أَيْ لَا تَسْتَاكُونَ وَلَا تَقُصُّونَ شَوَارِبَكُمْ وَلَا تُنَقُّونَ رَوَاجِبَكُمْ وَالرَّوَاجِبُ جَمْعُ رَاجِبَةٍ بِجِيمٍ وَمُوَحَّدَةٍ قَالَ أَبُو عُبَيْدٍ الْبَرَاجِمُ والرواجب مفاصل الْأَصَابِع كلهَا.

     وَقَالَ  بن سِيدَهْ الْبُرْجَمَةُ الْمِفْصَلُ الْبَاطِنُ عِنْدَ بَعْضِهِمْ وَالرَّوَاجِبُ بَوَاطِنُ مَفَاصِلِ أُصُولِ الْأَصَابِعِ وَقِيلَ قَصَبُ الْأَصَابِعِ وَقِيلَ هِيَ ظُهُورُ السُّلَامَيَاتِ وَقِيلَ مَا بَيْنَ البراجم من السلاميات.

     وَقَالَ  بن الْأَعْرَابِيِّ الرَّاجِبَةُ الْبُقْعَةُ الْمَلْسَاءُ الَّتِي بَيْنَ الْبَرَاجِمِ وَالْبَرَاجِمُ الْمُسَبِّحَاتُ مِنْ مَفَاصِلِ الْأَصَابِعِ وَفِي كُلِّ إِصْبَعٍ ثَلَاثُ بُرْجُمَاتٍ إِلَّا الْإِبْهَامَ فَلَهَا بُرْجُمَتَانِ.

     وَقَالَ  الْجَوْهَرِيُّ الرَّوَاجِبُ مَفَاصِلُ الْأَصَابِعِ اللَّاتِي تَلِي الْأَنَامِلَ ثُمَّ الْبَرَاجِمُ ثُمَّ الْأَشَاجِعُ اللَّاتِي عَلَى الْكَفّ.

     وَقَالَ  أَيْضا الرواجب رُؤُوس السُّلَامَيَاتِ مِنْ ظَهْرِ الْكَفِّ إِذَا قَبَضَ الْقَابِضُ كَفَّهُ نَشَزَتْ وَارْتَفَعَتْ وَالْأَشَاجِعُ أُصُولُ الْأَصَابِعِ الَّتِي تَتَّصِلُ بِعَصَبِ ظَاهِرِ الْكَفِّ وَاحِدُهَا أَشْجَعُ وَقِيلَ هِيَ عُرُوقُ ظَاهِرِ الْكَفِّ.
وَأَمَّا الِانْتِضَاحُ فَقَالَ أَبُو عُبَيْدٍ الْهَرَوِيُّ هُوَ أَنْ يَأْخُذَ قَلِيلًا مِنَ الْمَاءِ فَيَنْضَحَ بِهِ مَذَاكِيرَهُ بَعْدَ الْوُضُوءِ لِيَنْفِيَ عَنْهُ الْوَسْوَاسَ.

     وَقَالَ  الْخَطَّابِيُّ انْتِضَاحُ الْمَاءِ الِاسْتِنْجَاءُ بِهِ وَأَصْلُهُ مِنَ النَّضْحِ وَهُوَ الْمَاءُ الْقَلِيلُ فَعَلَى هَذَا هُوَ وَالِاسْتِنْجَاءُ خَصْلَةٌ وَاحِدَةٌ وَعَلَى الْأَوَّلِ فَهُوَ غَيْرُهُ وَيَشْهَدُ لَهُ مَا أَخْرَجَهُ أَصْحَابُ السُّنَنِ مِنْ رِوَايَةِ الْحَكَمِ بْنِ سُفْيَانَ الثَّقَفِيِّ أَوْ سُفْيَانَ بْنِ الْحَكَمِ عَنْ أَبِيهِ إِنَّهُ رَأَى رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ تَوَضَّأَ ثُمَّ أَخَذَ حَفْنَةً مِنْ مَاءٍ فَانْتَضَحَ بِهَا وَأَخْرَجَ الْبَيْهَقِيُّ مِنْ طَرِيقِ سعيد بن جُبَير أَن رجلا أَتَى بن عَبَّاسٍ فَقَالَ إِنِّي أَجِدُ بَلَلًا إِذَا قُمْتُ أُصَلِّي فَقَالَ لَهُ بن عَبَّاسٍ انْضَحْ بِمَاءٍ فَإِذَا وَجَدْتَ مِنْ ذَلِكَ شَيْئًا فَقُلْ هُوَ مِنْهُ.
وَأَمَّا الْخِصَالُ الْوَارِدَةُ فِي الْمَعْنَى لَكِنْ لِمْ يَرِدِ التَّصْرِيحُ فِيهَا بِلَفْظِ الْفِطْرَةِ فَكَثِيرَةٌ مِنْهَا مَا أَخْرَجَهُ التِّرْمِذِيُّ مِنْ حَدِيثِ أَبِي أَيُّوبَ رَفَعَهُ أَرْبَعٌ مِنْ سُنَنِ الْمُرْسَلِينَ الْحَيَاءُ وَالتَّعَطُّرُ وَالسِّوَاكُ وَالنِّكَاحُ وَاخْتُلِفَ فِي ضَبْطِ الْحَيَاءِ فَقِيلَ بِفَتْحِ الْمُهْمَلَةِ وَالتَّحْتَانِيَّةِ الْخَفِيفَةِ وَقَدْ ثَبَتَ فِي الصَّحِيحَيْنِ أَنَّ الْحَيَاءَ مِنَ الْإِيمَانِ وَقِيلَ هِيَ بِكَسْرِ الْمُهْمَلَةِ وَتَشْدِيدِ النُّون فعلى الأول خَصْلَةٌ مَعْنَوِيَّةٌ تَتَعَلَّقُ بِتَحْسِينِ الْخُلُقِ وَعَلَى الثَّانِي هِيَ خَصْلَةٌ حِسِّيَّةٌ تَتَعَلَّقُ بِتَحْسِينِ الْبَدَنِ وَأَخْرَجَ الْبَزَّارُ وَالْبَغَوِيُّ فِي مُعْجَمِ الصَّحَابَةِ وَالْحَكِيمُ التِّرْمِذِيُّ فِي نَوَادِرِ الْأُصُولِ مِنْ طَرِيقِ فُلَيْحِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ الْخَطْمِيِّ عَنْ أَبِيهِ عَنْ جَدِّهِ رَفَعَهُ خَمْسٌ مِنْ سُنَنِ الْمُرْسَلِينَ فَذَكَرَ الْأَرْبَعَةَ الْمَذْكُورَةَ إِلَّا النِّكَاحَ وَزَادَ الْحِلْمَ وَالْحِجَامَةَ وَالْحِلْمُ بِكَسْرِ الْمُهْمَلَةِ وَسُكُونِ اللَّامِ وَهُوَ مِمَّا يُقَوِّي الضَّبْطَ الْأَوَّلَ فِي حَدِيثِ أَبِي أَيُّوبَ وَإِذَا تُتُبِّعَ ذَلِكَ مِنَ الْأَحَادِيثِ كَثُرَ الْعَدَدُ كَمَا أَشَرْتُ إِلَيْهِ وَاللَّهُ أَعْلَمُ وَيَتَعَلَّقُ بِهَذِهِ الْخِصَالِ مَصَالِحُ دِينِيَّةٌ وَدُنْيَوِيَّةٌ تُدْرَكُ بِالتَّتَبُّعِ مِنْهَا تَحْسِينُ الْهَيْئَةِ وَتَنْظِيفُ الْبَدَنِ جُمْلَةً وَتَفْصِيلًا وَالِاحْتِيَاطُ لِلطَّهَارَتَيْنِ وَالْإِحْسَانُ إِلَى الْمُخَالَطِ وَالْمُقَارَنِ بِكَفِّ مَا يَتَأَذَّى بِهِ مِنْ رَائِحَةٍ كَرِيهَةٍ وَمُخَالَفَةُ شِعَارِ الْكُفَّارِ مِنَ الْمَجُوسِ وَالْيَهُودِ وَالنَّصَارَى وَعُبَّادِ الْأَوْثَانِ وَامْتِثَالُ أَمْرِ الشَّارِعِ وَالْمُحَافَظَةُ عَلَى مَا أَشَارَ إِلَيْهِ قَوْلِهِ تَعَالَى وَصَوَّرَكُمْ فَأَحْسَنَ صوركُمْ لِمَا فِي الْمُحَافَظَةِ عَلَى هَذِهِ الْخِصَالِ مِنْ مُنَاسَبَةِ ذَلِكَ وَكَأَنَّهُ قِيلَ قَدْ حَسُنَتْ صُوَرُكُمْ فَلَا تُشَوِّهُوهَا بِمَا يُقَبِّحُهَا أَوْ حَافِظُوا عَلَى مَا يَسْتَمِرُّ بِهِ حُسْنُهَا وَفِي الْمُحَافَظَةِ عَلَيْهَا مُحَافَظَةٌ عَلَى الْمُرُوءَةِ وَعَلَى التَّآلُفِ الْمَطْلُوبِ لِأَنَّ الْإِنْسَانَ إِذَا بَدَا فِي الْهَيْئَةِ الْجَمِيلَةِ كَانَ أَدْعَى لِانْبِسَاطِ النَّفْسِ إِلَيْهِ فَيُقْبَلُ .

     قَوْلُهُ  وَيُحْمَدُ رَأْيُهُ وَالْعَكْسُ بِالْعَكْسِ.
وَأَمَّا شَرْحُ الْفِطْرَةِ فَقَالَ الْخَطَّابِيُّ ذَهَبَ أَكْثَرُ الْعُلَمَاءِ إِلَى أَنَّ الْمُرَادَ بِالْفِطْرَةِ هُنَا السُّنَّةُ وَكَذَا قَالَهُ غَيْرُهُ قَالُوا وَالْمَعْنَى أَنَّهَا مِنْ سُنَنِ الْأَنْبِيَاءِ .

     وَقَالَتْ  طَائِفَةٌ الْمَعْنِيُّ بِالْفِطْرَةِ الدِّينُ وَبِهِ جَزَمَ أَبُو نُعَيْمٍ فِي الْمُسْتَخْرَجِ.

     وَقَالَ  النَّوَوِيُّ فِي شَرْحِ الْمُهَذَّبِ جَزَمَ الْمَاوَرْدِيُّ وَالشَّيْخُ أَبُو إِسْحَاقَ بِأَنَّ الْمُرَادَ بالفطرة فِي هَذَا الحَدِيث الدّين وَاسْتشْكل بن الصَّلَاحِ مَا ذَكَرَهُ الْخَطَّابِيُّ.

     وَقَالَ  مَعْنَى الْفِطْرَةِ بَعِيدٌ مِنْ مَعْنَى السُّنَّةِ لَكِنْ لَعَلَّ الْمُرَادَ أَنَّهُ عَلَى حَذْفِ مُضَافٍ أَيْ سُنَّةُ الْفِطْرَةِ.
وَتَعَقَّبَهُ النَّوَوِيُّ بِأَنَّ الَّذِي نَقَلَهُ الْخَطَّابِيُّ هُوَ الصَّوَاب فَإِن فِي صَحِيح البُخَارِيّ عَن بْنِ عُمَرَ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ مِنَ السُّنَّةِ قَصُّ الشَّارِبِ وَنَتْفُ الْإِبْطِ وَتَقْلِيمُ الْأَظْفَارِ قَالَ وَأَصَحُّ مَا فَسَّرَ الْحَدِيثَ بِمَا جَاءَ فِي رِوَايَةٍ أُخْرَى لَا سِيَّمَا فِي الْبُخَارِيِّ اه وَقَدْ تَبِعَهُ شَيْخُنَا بن الْمُلَقِّنِ عَلَى هَذَا وَلَمْ أَرَ الَّذِي قَالَهُ فِي شَيْءٍ مِنْ نُسَخِ الْبُخَارِيِّ بَلِ الَّذِي فِيهِ من حَدِيث بن عُمَرَ بِلَفْظِ الْفِطْرَةِ وَكَذَا مِنْ حَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ نَعَمْ وَقَعَ التَّعْبِيرُ بِالسُّنَّةِ مَوْضِعَ الْفِطْرَةِ فِي حَدِيثِ عَائِشَةَ عِنْدَ أَبِي عَوَانَةَ فِي رِوَايَةٍ وَفِي أُخْرَى بِلَفْظِ الْفِطْرَةِ كَمَا فِي رِوَايَةِ مُسْلِمٍ وَالنَّسَائِيِّ وَغَيْرِهِمَا.

     وَقَالَ  الرَّاغِبُ أَصْلُ الْفَطْرِ بِفَتْحِ الْفَاءِ الشَّقُّ طُولًا وَيُطْلَقُ عَلَى الْوَهْيِ وَعَلَى الِاخْتِرَاعِ وَعَلَى الْإِيجَادِ وَالْفِطْرَةُ الْإِيجَادُ عَلَى غَيْرِ مِثَالٍ.

     وَقَالَ  أَبُو شَامَةَ أَصْلُ الْفِطْرَةِ الْخِلْقَةُ الْمُبْتَدَأَةُ وَمِنْهُ فَاطِرُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ أَيِ الْمُبْتَدِئُ خَلْقَهُنَّ وَقَولُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كُلُّ مَوْلُودٍ يُولَدُ عَلَى الْفِطْرَةِ أَيْ عَلَى مَا ابْتَدَأَ اللَّهُ خَلْقَهُ عَلَيْهِ وَفِيهِ إِشَارَةٌ إِلَى قَوْلِهِ تَعَالَى فِطْرَةَ اللَّهِ الَّتِي فَطَرَ النَّاسَ عَلَيْهَا وَالْمَعْنَى أَنَّ كُلَّ أَحَدٍ لَوْ تُرِكَ مِنْ وَقْتِ وِلَادَتِهِ وَمَا يُؤَدِّيهِ إِلَيْهِ نَظَرُهُ لَأَدَّاهُ إِلَى الدِّينِ الْحَقِّ وَهُوَ التَّوْحِيدُ وَيُؤَيِّدُهُ .

     قَوْلُهُ  تَعَالَى قَبْلَهَا فَأَقِمْ وَجْهَكَ لِلدِّينِ حَنِيفًا فِطْرَةَ الله وَإِلَيْهِ يُشِيرُ فِي بَقِيَّةِ الْحَدِيثِ حَيْثُ عَقَّبَهُ بِقَوْلِهِ فَأَبَوَاهُ يُهَوِّدَانِهِ وَيُنَصِّرَانِهِ وَالْمُرَادُ بِالْفِطْرَةِ فِي حَدِيثِ الْبَابِ أَنَّ هَذِهِ الْأَشْيَاءَ إِذَا فُعِلَتِ اتَّصَفَ فَاعِلُهَا بِالْفِطْرَةِ الَّتِي فَطَرَ اللَّهُ الْعِبَادَ عَلَيْهَا وَحَثَّهُمْ عَلَيْهَا وَاسْتَحَبَّهَا لَهُمْ لِيَكُونُوا عَلَى أَكْمَلِ الصِّفَاتِ وَأَشْرَفِهَا صُورَةً اه وَقَدْ رَدَّ الْقَاضِي الْبَيْضَاوِيُّ الْفِطْرَةَ فِي حَدِيثِ الْبَابِ إِلَى مَجْمُوعِ مَا وَرَدَ فِي مَعْنَاهَا وَهُوَ الِاخْتِرَاعُ وَالْجِبِلَّةُ وَالدِّينُ وَالسُّنَّةُ فَقَالَ هِيَ السُّنَّةُ الْقَدِيمَةُ الَّتِي اخْتَارَهَا الْأَنْبِيَاءُ وَاتَّفَقَتْ عَلَيْهَا الشَّرَائِعُ وَكَأَنَّهَا أَمْرٌ جِبِلِّيٌّ فُطِرُوا عَلَيْهَا انْتَهَى وَسَوَّغَ الِابْتِدَاءَ بِالنَّكِرَةِ فِي قَوْلِهِ خَمْسٌ مِنَ الْفِطْرَةِ أَنَّ قَوْلَهُ خَمْسٌ صِفَةُ مَوْصُوفٍ مَحْذُوفٍ وَالتَّقْدِيرُ خِصَالٌ خَمْسٌ ثُمَّ فَسَّرَهَا أَوْ عَلَى الْإِضَافَةِ أَيْ خَمْسُ خِصَالٍ وَيَجُوزُ أَنْ تَكُونَ الْجُمْلَةُ خَبَرَ مُبْتَدَأٍ مَحْذُوفٍ وَالتَّقْدِيرُ الَّذِي شُرِعَ لَكُمْ خَمْسٌ مِنَ الْفِطْرَةِ وَالتَّعْبِيرُ فِي بَعْضِ رِوَايَاتِ الْحَدِيثِ بِالسُّنَّةِ بَدَلَ الْفِطْرَةِ يُرَادُ بِهَا الطَّرِيقَةُ لَا الَّتِي تُقَابِلُ الْوَاجِبَ وَقَدْ جَزَمَ بِذَلِكَ الشَّيْخُ أَبُو حَامِدٍ وَالْمَاوَرْدِيُّ وَغَيْرُهُمَا وَقَالُوا هُوَ كَالْحَدِيثِ الْآخَرِ عَلَيْكُمْ بِسُنَّتِي وَسُنَّةِ الْخُلَفَاءِ الرَّاشِدِينَ وَأَغْرَبَ الْقَاضِي أَبُو بَكْرِ بْنُ الْعَرَبِيِّ فَقَالَ عِنْدِي أَنَّ الْخِصَالَ الْخَمْسَ الْمَذْكُورَةَ فِي هَذَا الْحَدِيثِ كُلَّهَا وَاجِبَةٌ فَإِنَّ الْمَرْءَ لَوْ تَرَكَهَا لَمْ تَبْقَ صُورَتُهُ عَلَى صُورَةِ الْآدَمِيِّينَ فَكَيْفَ مِنْ جُمْلَةِ الْمُسْلِمِينَ كَذَا قَالَ فِي شَرْحِ الْمُوَطَّأِ.
وَتَعَقَّبَهُ أَبُو شَامَةَ بِأَنَّ الْأَشْيَاءَ الَّتِي مَقْصُودُهَا مَطْلُوبٌ لِتَحْسِينِ الْخَلْقِ وَهِيَ النَّظَافَةُ لَا تَحْتَاجُ إِلَى وُرُودِ أَمْرِ إِيجَابٍ لِلشَّارِعِ فِيهَا اكْتِفَاءً بِدَوَاعِي الْأَنْفُسِ فَمُجَرَّدُ النَّدْبِ إِلَيْهَا كَافٍ وَنقل بن دَقِيقِ الْعِيدِ عَنْ بَعْضِ الْعُلَمَاءِ أَنَّهُ قَالَ دَلَّ الْخَبَرُ عَلَى أَنَّ الْفِطْرَةَ بِمَعْنَى الدِّينِ وَالْأَصْلُ فِيمَا أُضِيفَ إِلَى الشَّيْءِ أَنَّهُ مِنْهُ أَنْ يَكُونَ مِنْ أَرْكَانِهِ لَا مِنْ زَوَائِدِهِ حَتَّى يَقُومَ دَلِيلٌ عَلَى خِلَافِهِ وَقَدْ وَرَدَ الْأَمْرُ بِاتِّبَاعِ إِبْرَاهِيمَ عَلَيْهِ السَّلَامُ وَثَبَتَ أَنَّ هَذِهِ الْخِصَالَ أُمِرَ بِهَا إِبْرَاهِيمُ عَلَيْهِ السَّلَامُ وَكُلُّ شَيْءٍ أَمَرَ اللَّهُ بِاتِّبَاعِهِ فَهُوَ عَلَى الْوُجُوبِ لِمَنْ أُمِرَ بِهِ وَتُعُقِّبَ بِأَنَّ وُجُوبَ الِاتِّبَاعِ لَا يَقْتَضِي وُجُوبَ كُلِّ مَتْبُوعٍ فِيهِ بَلْ يَتِمُّ الِاتِّبَاعُ بِالِامْتِثَالِ فَإِنْ كَانَ وَاجِبًا عَلَى الْمَتْبُوعِ كَانَ وَاجِبًا عَلَى التَّابِعِ أَوْ نَدْبًا فَنُدِبَ فَيَتَوَقَّفُ ثُبُوتُ وُجُوبِ هَذِهِ الْخِصَالِ عَلَى الْأُمَّةِ عَلَى ثُبُوتِ كَوْنِهَا كَانَتْ وَاجِبَةً عَلَى الْخَلِيلِ عَلَيْهِ السَّلَامُ .

     قَوْلُهُ  الْخِتَانُ بِكَسْرِ الْمُعْجَمَةِ وَتَخْفِيفِ الْمُثَنَّاةِ مَصْدَرُ خَتَنَ أَيْ قَطَعَ وللختن بِفَتْحٍ ثُمَّ سُكُونٍ قَطْعُ بَعْضٍ مَخْصُوصٍ مِنْ عُضْوٍ مَخْصُوصٍ وَوَقَعَ فِي رِوَايَةِ يُونُسَ عِنْدَ مُسْلِمٍ الِاخْتِتَانُ وَالْخِتَانُ اسْمٌ لِفِعْلِ الْخَاتِنِ وَلِمَوْضِعِ الْخِتَانِ أَيْضًا كَمَا فِي حَدِيثِ عَائِشَةَ إِذَا الْتَقَى الْخِتَانَانِ وَالْأَوَّلُ الْمُرَادُ هُنَا قَالَ الْمَاوَرْدِيُّ خِتَانُ الذَّكَرِ قَطْعُ الْجِلْدَةِ الَّتِي تُغَطِّي الْحَشَفَةَ وَالْمُسْتَحَبُّ أَنْ تُسْتَوْعَبَ مِنْ أَصْلِهَا عِنْدَ أَوَّلِ الْحَشَفَةِ وَأَقَلُّ مَا يُجْزِئُ أَنْ لَا يَبْقَى مِنْهَا مَا يَتَغَشَّى بِهِ شَيْءٌ مِنَ الْحَشَفَةِ.

     وَقَالَ  إِمَامُ الْحَرَمَيْنِ الْمُسْتَحَقُّ فِي الرِّجَالِ قَطْعُ الْقُلْفَةِ وَهِيَ الْجِلْدَةُ الَّتِي تُغَطِّي الْحَشَفَةَ حَتَّى لَا يَبْقَى مِنَ الْجِلْدَةِ شَيْءٌ مُتَدَلٍّ.

     وَقَالَ  بن الصّباغ حَتَّى تنكشف جَمِيع الْحَشَفَة.

     وَقَالَ  بن كَجٍّ فِيمَا نَقَلَهُ الرَّافِعِيُّ يَتَأَدَّى الْوَاجِبُ بِقَطْعِ شَيْءٍ مِمَّا فَوْقَ الْحَشَفَةِ وَإِنْ قَلَّ بِشَرْطِ أَنْ يَسْتَوْعِبَ الْقَطْعُ تَدْوِيرَ رَأْسِهَا قَالَ النَّوَوِيُّ وَهُوَ شَاذٌّ وَالْأَوَّلُ هُوَ الْمُعْتَمَدُ قَالَ الْإِمَامُ وَالْمُسْتَحَقُّ مِنْ خِتَانِ الْمَرْأَةِ مَا يَنْطَلِقُ عَلَيْهِ الِاسْمُ قَالَ الْمَاوَرْدِيُّ خِتَانُهَا قَطْعُ جِلْدَةٍ تَكُونُ فِي أَعْلَى فَرْجِهَا فَوْقَ مَدْخَلِ الذَّكَرِ كَالنَّوَاةِ أَوْ كَعُرْفِ الدِّيكِ وَالْوَاجِبُ قَطْعُ الْجِلْدَةِ الْمُسْتَعْلِيَةِ مِنْهُ دُونَ اسْتِئْصَالِهِ وَقَدْ أَخْرَجَ أَبُو دَاوُدَ مِنْ حَدِيثِ أُمِّ عَطِيَّةَ أَنَّ امْرَأَةً كَانَتْ تَخْتِنُ بِالْمَدِينَةِ فَقَالَ لَهَا النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَا تُنْهِكِي فَإِنَّ ذَلِكَ أَحْظَى لِلْمَرْأَةِ.

     وَقَالَ  إِنَّهُ لَيْسَ بِالْقَوِيِّ.

قُلْتُ وَلَهُ شَاهِدَانِ مِنْ حَدِيثِ أَنَسٍ وَمِنْ حَدِيثِ أُمِّ أَيْمَنَ عِنْدَ أَبِي الشَّيْخِ فِي كِتَابِ الْعَقِيقَةِ وَآخَرَ عَنِ الضَّحَّاكِ بْنِ قَيْسٍ عِنْدَ الْبَيْهَقِيِّ قَالَ النَّوَوِيُّ وَيُسَمَّى خِتَانُ الرَّجُلِ إِعْذَارًا بِذَالٍ مُعْجَمَةٍ وَخِتَانُ الْمَرْأَةِ خَفْضًا بِخَاءٍ وَضَادٍ مُعْجَمَتَيْنِ.

     وَقَالَ  أَبُو شَامَةَ كَلَامُ أَهْلِ اللُّغَةِ يَقْتَضِي تَسْمِيَةَ الْكُلِّ إِعْذَارًا وَالْخَفْضُ يَخْتَصُّ بِالْأُنْثَى قَالَ أَبُو عُبَيْدَةَ عُذِرَتِ الْجَارِيَةُ وَالْغُلَامُ وَأَعْذَرْتَهُمَا خَتَنْتَهُمَا وَأَخْتَنْتَهُمَا وَزْنًا وَمَعْنًى قَالَ الْجَوْهَرِيُّ وَالْأَكْثَرُ خُفِضَتِ الْجَارِيَةُ قَالَ وَتَزْعُمُ الْعَرَبُ أَنَّ الْغُلَامَ إِذَا وُلِدَ فِي الْقَمَرِ فُسِخَتْ قُلْفَتُهُ أَيِ اتَّسَعَتْ فَصَارَ كَالْمَخْتُونِ وَقَدِ اسْتَحَبَّ الْعُلَمَاءُ مِنَ الشَّافِعِيَّةِ فِيمَنْ وُلِدَ مَخْتُونًا أَنْ يُمَرَّ بِالْمُوسَى عَلَى مَوْضِعِ الْخِتَانِ مِنْ غَيْرِ قَطْعٍ قَالَ أَبُو شَامَةَ وَغَالِبُ مَنْ يُولَدُ كَذَلِكَ لَا يَكُونُ خِتَانُهُ تَامًّا بَلْ يَظْهَرُ طَرَفُ الْحَشَفَةِ فَإِنْ كَانَ كَذَلِكَ وَجَبَ تَكْمِيلُهُ وَأَفَادَ الشَّيْخُ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ بْنُ الْحَاجِّ فِي الْمَدْخَلِ أَنَّهُ اخْتُلِفَ فِي النِّسَاءِ هَلْ يُخْفَضْنَ عُمُومًا أَوْ يُفَرَّقُ بَيْنَ نِسَاءِ الْمَشْرِقِ فَيُخْفَضْنَ وَنِسَاءِ الْمَغْرِبِ فَلَا يُخْفَضْنَ لِعَدَمِ الْفَضْلَةِ الْمَشْرُوعُ قَطْعُهَا مِنْهُنَّ بِخِلَافِ نِسَاءِ الْمَشْرِقِ قَالَ فَمَنْ قَالَ إِنَّ مَنْ وُلِدَ مَخْتُونًا اسْتُحِبَّ إِمْرَارُ الْمُوسَى عَلَى الْمَوْضِعِ امْتِثَالًا لِلْأَمْرِ قَالَ فِي حَقِّ الْمَرْأَةِ كَذَلِكَ وَمَنْ لَا فَلَا وَقَدْ ذَهَبَ إِلَى وُجُوبِ الْخِتَانِ دُونَ بَاقِي الْخِصَالِ الْخَمْسِ الْمَذْكُورَةِ فِي الْبَابِ الشَّافِعِيُّ وَجُمْهُورُ أَصْحَابِهِ.

     وَقَالَ  بِهِ مِنَ الْقُدَمَاءِ عَطَاءٌ حَتَّى قَالَ لَوْ أَسْلَمَ الْكَبِيرُ لَمْ يَتِمَّ إِسْلَامُهُ حَتَّى يُخْتَنَ وَعَنِ أَحْمَدَ وَبَعْضِ الْمَالِكِيَّةِ يَجِبُ وَعَنِ أَبِي حَنِيفَةَ وَاجِبٌ وَلَيْسَ بِفَرْضٍ وَعَنْهُ سُنَّةٌ يَأْثَمُ بِتَرْكِهِ وَفِي وَجْهٍ لِلشَّافِعِيَّةِ لَا يَجِبُ فِي حَقِّ النِّسَاءِ وَهُوَ الَّذِي أَوْرَدَهُ صَاحِبُ الْمُغْنِي عَنْ أَحْمَدَ وَذَهَبَ أَكْثَرُ الْعُلَمَاءِ وَبَعْضُ الشَّافِعِيَّةِ إِلَى أَنَّهُ لَيْسَ بِوَاجِبٍ وَمِنْ حُجَّتِهِمْ حَدِيثُ شَدَّادِ بْنِ أَوْسٍ رَفَعَهُ الْخِتَانُ سُنَّةٌ لِلرِّجَالِ مَكْرُمَةٌ لِلنِّسَاءِ وَهَذَا لَا حُجَّةَ فِيهِ لِمَا تَقَرَّرَ أَنَّ لَفْظَ السُّنَّةِ إِذَا وَرَدَ فِي الْحَدِيثِ لَا يُرَادُ بِهِ الَّتِي تُقَابِلُ الْوَاجِبَ لَكِنْ لَمَّا وَقَعَتِ التَّفْرِقَةُ بَيْنَ الرِّجَالِ وَالنِّسَاءِ فِي ذَلِكَ دَلَّ عَلَى أَنَّ الْمُرَادَ افْتِرَاقُ الْحُكْمِ وَتُعُقِّبَ بِأَنَّهُ لَمْ يَنْحَصِرْ فِي الْوُجُوبِ فَقَدْ يَكُونُ فِي حَقِّ الذُّكُورِ آكَدُ مِنْهُ فِي حَقِّ النِّسَاءِ أَوْ يَكُونُ فِي حَقِّ الرِّجَالِ لِلنَّدْبِ وَفِي حَقِّ النِّسَاءِ لِلْإِبَاحَةِ عَلَى أَنَّ الْحَدِيثَ لَا يَثْبُتُ لِأَنَّهُ مِنْ رِوَايَةِ حَجَّاجِ بْنِ أَرْطَاةَ وَلَا يُحْتَجُّ بِهِ أَخْرَجَهُ أَحْمَدُ وَالْبَيْهَقِيُّ لَكِنْ لَهُ شَاهِدٌ أَخْرَجَهُ الطَّبَرَانِيُّ فِي مُسْنَدِ الشَّامِيِّينَ مِنْ طَرِيقِ سَعِيدِ بْنِ بِشْرٍ عَنْ قَتَادَةَ عَنْ جَابِرِ بْنِ زَيْدٍ عَن بن عَبَّاسٍ وَسَعِيدٍ مُخْتَلَفٌ فِيهِ وَأَخْرَجَهُ أَبُو الشَّيْخُ وَالْبَيْهَقِيّ من وَجه آخر عَن بن عَبَّاسٍ وَأَخْرَجَهُ الْبَيْهَقِيُّ أَيْضًا مِنْ حَدِيثِ أَبِي أَيُّوبَ وَاحْتَجُّوا أَيْضًا بِأَنَّ الْخِصَالَ الْمُنْتَظِمَةَ مَعَ الْخِتَانِ لَيْسَتْ وَاجِبَةً إِلَّا عِنْدَ بَعْضِ مَنْ شَذَّ فَلَا يَكُونُ الْخِتَانُ وَاجِبًا وَأُجِيبَ بِأَنَّهُ لَا مَانِعَ أَنْ يُرَادَ بِالْفِطْرَةِ وَبِالسُّنَّةِ فِي الْحَدِيثِ الْقَدْرُ الْمُشْتَرَكُ الَّذِي يَجْمَعُ الْوُجُوبَ وَالنَّدْبَ وَهُوَ الطَّلَبُ الْمُؤَكَّدُ فَلَا يَدُلُّ ذَلِكَ عَلَى عَدَمِ الْوُجُوبِ وَلَا ثُبُوتِهِ فَيُطْلَبُ الدَّلِيلُ مِنْ غَيْرِهِ وَأَيْضًا فَلَا مَانِعَ مِنْ جَمْعِ الْمُخْتَلِفَيِ الْحُكْمَ بِلَفْظِ أَمْرٍ وَاحِدٍ كَمَا فِي قَوْلِهِ تَعَالَى كُلُوا مِنْ ثَمَرِهِ إِذَا أَثْمَرَ وَآتُوا حَقه يَوْم حَصَاده فَإِيتَاءُ الْحَقِّ وَاجِبٌ وَالْأَكْلُ مُبَاحٌ هَكَذَا تَمَسَّكَ بِهِ جَمَاعَةٌ.
وَتَعَقَّبَهُ الْفَاكِهَانِيُّ فِي شَرْحِ الْعُمْدَةِ فَقَالَ الْفَرْقُ بَيْنَ الْآيَةِ وَالْحَدِيثِ أَنَّ الْحَدِيثَ تَضَمَّنَ لَفْظَةً وَاحِدَةً اسْتُعْمِلَتْ فِي الْجَمِيعِ فَتَعَيَّنَ أَنْ يُحْمَلَ عَلَى أَحَدِ الْأَمْرَيْنِ الْوُجُوبِ أَوِ النَّدْبِ بِخِلَافِ الْآيَةِ فَإِنَّ صِيغَةَ الْأَمْرِ تَكَرَّرَتْ فِيهَا وَالظَّاهِرُ الْوُجُوبُ فَصُرِفَ فِي أَحَدِ الْأَمْرَيْنِ بِدَلِيلٍ وَبَقِيَ الْآخَرُ عَلَى الْأَصْلِ وَهَذَا التَّعَقُّبُ إِنَّمَا يَتِمُّ عَلَى طَرِيقَةِ مَنْ يَمْنَعُ اسْتِعْمَالَ اللَّفْظِ الْوَاحِدِ فِي مَعْنَيَيْنِ.
وَأَمَّا مَنْ يُجِيزُهُ كَالشَّافِعِيَّةِ فَلَا يُرَدُّ عَلَيْهِمْ وَاسْتَدَلَّ مَنْ أَوْجَبَ الِاخْتِتَانَ بِأَدِلَّةٍ الْأَوَّلُ أَنَّ الْقُلْفَةَ تَحْبِسُ النَّجَاسَةَ فَتَمْنَعُ صِحَّةَ الصَّلَاةِ كَمَنْ أَمْسَكَ نَجَاسَةً بِفَمِهِ وَتُعُقِّبَ بِأَنَّ الْفَمَ فِي حُكْمِ الظَّاهِرِ بِدَلِيلِ أَنَّ وَضْعَ الْمَأْكُولِ فِيهِ لَا يُفْطِرُ بِهِ الصَّائِمُ بِخِلَافِ دَاخِلِ الْقُلْفَةِ فَإِنَّهُ فِي حُكْمِ الْبَاطِنِ وَقَدْ صَرَّحَ أَبُو الطَّيِّبِ الطَّبَرِيُّ بِأَنَّ هَذَا الْقَدْرَ عِنْدَنَا مُغْتَفَرٌ الثَّانِي مَا أَخْرَجَهُ أَبُو دَاوُدَ مِنْ حَدِيثِ كُلَيْبٍ جَدِّ عُثَيْمِ بْنِ كَثِيرٍ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ لَهُ ألق عَنْك شعر الْكُفْرِ وَاخْتَتِنْ مَعَ مَا تَقَرَّرَ أَنَّ خِطَابَهُ لِلْوَاحِدِ يَشْمَلُ غَيْرَهُ حَتَّى يَقُومَ دَلِيلُ الْخُصُوصِيَّةِ وَتُعُقِّبَ بِأَنَّ سَنَدَ الْحَدِيثِ ضَعِيفٌ وَقَدْ قَالَ بن الْمُنْذِرِ لَا يَثْبُتُ فِيهِ شَيْءٌ الثَّالِثُ جَوَازُ كَشْفِ الْعَوْرَةِ مِنَ الْمَخْتُونِ وَسَيَأْتِي أَنَّهُ إِنَّمَا يُشْرَعُ لِمَنْ بَلَغَ أَوْ شَارَفَ الْبُلُوغَ وَجَوَازُ نَظَرِ الْخَاتِنِ إِلَيْهَا وَكِلَاهُمَا حَرَامٌ فَلَوْ لَمْ يَجِبْ لَمَا أُبِيحَ ذَلِكَ وَأَقْدَمُ مَنْ نُقِلَ عَنْهُ الِاحْتِجَاجُ بِهَذَا أَبُو الْعَبَّاسِ بْنُ سُرَيْجٍ نَقَلَهُ عَنْهُ الْخَطَّابِيُّ وَغَيْرُهُ وَذَكَرَ النَّوَوِيُّ أَنَّهُ رَآهُ فِي كِتَابِ الْوَدَائِعِ الْمَنْسُوبِ لِابْنِ سُرَيْجٍ قَالَ وَلَا أَظُنهُ يثبت عَنهُ قَالَ أَبُو شَامَةَ وَقَدْ عَبَّرَ عَنْهُ جَمَاعَةٌ مِنَ الْمُصَنِّفِينَ بَعْدَهُ بِعِبَارَاتٍ مُخْتَلِفَةٍ كَالشَّيْخِ أَبِي حَامِدٍ وَالْقَاضِي الْحُسَيْنِ وَأَبِي الْفَرَجِ السَّرَخْسِيِّ وَالشَّيْخِ فِي الْمُهَذَّبِ.
وَتَعَقَّبَهُ عِيَاضٌ بِأَنَّ كَشْفَ الْعَوْرَةِ مُبَاحٌ لِمَصْلَحَةِ الْجِسْمِ وَالنَّظَرُ إِلَيْهَا يُبَاحُ لِلْمُدَاوَاةِ وَلَيْسَ ذَلِكَ وَاجِبًا إِجْمَاعًا وَإِذَا جَازَ فِي الْمَصْلَحَةِ الدُّنْيَوِيَّةِ كَانَ فِي الْمَصْلَحَةِ الدِّينِيَّةِ أَوْلَى وَقَدِ اسْتَشْعَرَ الْقَاضِي حُسَيْنٌ هَذَا فَقَالَ فَإِنْ قِيلَ قَدْ يُتْرَكُ الْوَاجِبُ لِغَيْرِ الْوَاجِبِ كَتَرْكِ الْإِنْصَاتِ لِلْخُطْبَةِ بِالتَّشَاغُلِ بِرَكْعَتَيِ التَّحِيَّةِ وَكَتَرْكِ الْقِيَامِ فِي الصَّلَاةِ لِسُجُودِ التِّلَاوَةِ وَكَشْفِ الْعَوْرَةِ لِلْمُدَاوَاةِ مَثَلًا وَأَجَابَ عَنِ الْأَوَّلَيْنِ وَلَمْ يُجِبْ عَنِ الثَّالِثِ وَأَجَابَ النَّوَوِيُّ بِأَنَّ كَشْفَ الْعَوْرَةِ لَا يَجُوزُ لِكُلِّ مُدَاوَاةٍ فَلَا يَتِمُّ الْمُرَادُ وَقَوَّى أَبُو شَامَةَ الْإِيرَادَ بِأَنَّهُمْ جَوَّزُوا الْغَاسِلَ الْمَيِّتَ أَنْ يَحْلِقَ عَانَةَ الْمَيِّتِ وَلَا يَتَأَتَّى ذَلِكَ لِلْغَاسِلِ إِلَّا بِالنَّظَرِ وَاللَّمْسِ وَهُمَا حَرَامَانِ وَقَدْ أُجِيزَا لأمر مُسْتَحَبٍّ الرَّابِعُ احْتَجَّ أَبُو حَامِدٍ وَأَتْبَاعُهُ كَالْمَاوَرْدِيِّ بِأَنَّهُ قَطْعُ عُضْوٍ لَا يُسْتَخْلَفُ مِنَ الْجَسَدِ تَعَبُّدًا فَيَكُونُ وَاجِبًا كَقَطْعِ الْيَدِ فِي السَّرِقَةِ وَتُعُقِّبَ بِأَنَّ قَطْعَ الْيَدِ إِنَّمَا أُبِيحَ فِي مُقَابَلَةِ جُرْمٍ عَظِيمٍ فَلَمْ يَتِمَّ الْقِيَاسُ الْخَامِسُ قَالَ الْمَاوَرْدِيُّ فِي الْخِتَانِ إِدْخَالُ أَلَمٍ عَظِيمٍ عَلَى النَّفْسِ وَهُوَ لَا يُشْرَعُ إِلَّا فِي إِحْدَى ثَلَاثِ خِصَالٍ لِمَصْلَحَةٍ أَوْ عُقُوبَةٍ أَوْ وُجُوبٍ وَقَدِ انْتَفَى الْأَوَّلَانِ فَثَبَتَ الثَّالِثُ.
وَتَعَقَّبَهُ أَبُو شَامَةَ بِأَنَّ فِي الْخِتَانِ عِدَّةُ مَصَالِحَ كَمَزِيدِ الطَّهَارَةِ وَالنَّظَافَةِ فَإِنَّ الْقُلْفَةَ مِنَ الْمُسْتَقْذَرَاتِ عِنْد الْحَرْب وَقَدْ كَثُرَ ذَمُّ الْأَقْلَفِ فِي أَشْعَارِهِمْ وَكَانَ لِلْخِتَانِ عِنْدَهُمْ قَدْرٌ وَلَهُ وَلِيمَةٌ خَاصَّةٌ بِهِ وَأَقَرَّ الْإِسْلَامُ ذَلِكَ السَّادِسُ قَالَ الْخَطَّابِيُّ مُحْتَجًّا بِأَنَّ الْخِتَانَ وَاجِبٌ بِأَنَّهُ مِنْ شِعَارِ الدِّينِ وَبِهِ يُعْرَفُ الْمُسْلِمُ مِنَ الْكَافِرِ حَتَّى لَوْ وُجِدَ مَخْتُونٌ بَيْنَ جَمَاعَةِ قَتْلَى غَيْرِ مَخْتُونِينَ صُلِّيَ عَلَيْهِ وَدُفِنَ فِي مَقَابِرِ الْمُسْلِمِينَ.
وَتَعَقَّبَهُ أَبُو شَامَةَ بِأَنَّ شِعَارَ الدِّينِ لَيْسَتْ كُلُّهَا وَاجِبَةٌ وَمَا ادَّعَاهُ فِي الْمَقْتُولِ مَرْدُودٌ لِأَنَّ الْيَهُودَ وَكَثِيرًا مِنَ النَّصَارَى يَخْتِنُونَ فَلْيُقَيَّدْ مَا ذُكِرَ بِالْقَرِينَةِ.

قُلْتُ قَدْ بَطَلَ دَلِيلُهُ السَّابِعُ قَالَ الْبَيْهَقِيُّ أَحْسَنُ الْحُجَجِ أَنْ يُحْتَجَّ بِحَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ الَّذِي فِي الصَّحِيحَيْنِ مَرْفُوعًا اخْتُتِنَ إِبْرَاهِيم وَهُوَ بن ثَمَانِينَ سَنَةً بِالْقَدُومِ وَقَدْ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى ثُمَّ أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ أَنِ اتَّبِعْ مِلَّةَ إِبْرَاهِيمَ وَصَحَّ عَن بن عَبَّاسٍ أَنَّ الْكَلِمَاتِ الَّتِي ابْتُلِيَ بِهِنَّ إِبْرَاهِيمُ فَأَتَمَّهُنَّ هِيَ خِصَالُ الْفِطْرَةِ وَمِنْهُنَّ الْخِتَانُ وَالِابْتِلَاءُ غَالِبًا إِنَّمَا يَقَعُ بِمَا يَكُونُ وَاجِبًا وَتُعُقِّبَ بِأَنَّهُ لَا يَلْزَمُ مَا ذُكِرَ إِلَّا إِنْ كَانَ إِبْرَاهِيمُ عَلَيْهِ السَّلَامُ فَعَلَهُ عَلَى سَبِيلِ الْوُجُوبِ فَإِنَّهُ مِنَ الْجَائِزِ أَنْ يَكُونَ فَعَلَهُ عَلَى سَبِيلِ النَّدْبِ فَيَحْصُلُ امْتِثَالُ الْأَمْرِ بِاتِّبَاعِهِ عَلَى وَفْقِ مَا فَعَلَ وَقَدْ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى فِي حَقِّ نَبِيِّهِ مُحَمَّدٍ وَاتَّبِعُوهُ لَعَلَّكُمْ تهتدون وَقَدْ تَقَرَّرَ فِي الْأُصُولِ أَنَّ أَفْعَالَهُ بِمُجَرَّدِهَا لَا تَدُلُّ عَلَى الْوُجُوبِ وَأَيْضًا فَبَاقِي الْكَلِمَاتِ الْعَشْرِ لَيْسَتْ وَاجِبَةً.

     وَقَالَ  الْمَاوَرْدِيُّ إِنَّ إِبْرَاهِيمَ عَلَيْهِ السَّلَامُ لَا يَفْعَلُ ذَلِكَ فِي مِثْلِ سُنَّةٍ إِلَّا عَنْ أَمْرٍ مِنَ اللَّهِ اه وَمَا قَالَهُ بَحْثًا قَدْ جَاءَ مَنْقُولًا فَأَخْرَجَ أَبُو الشَّيْخِ فِي الْعَقِيقَةِ مِنْ طَرِيقِ مُوسَى بْنِ عَلِيِّ بْنِ رَبَاحٍ عَنْ أَبِيهِ أَنَّ إِبْرَاهِيمَ عَلَيْهِ السَّلَامُ أُمِرَ أَنْ يُخْتَتَنَ وَهُوَ حِينَئِذٍ بن ثَمَانِينَ سَنَةً فَعَجَّلَ وَاخْتُتِنَ بِالْقَدُومِ فَاشْتَدَّ عَلَيْهِ الْوَجَعُ فَدَعَا رَبَّهُ فَأَوْحَى اللَّهُ إِلَيْهِ أَنَّكَ عَجِلْتَ قَبْلَ أَنْ نَأْمُرَكَ بِآلَتِهِ قَالَ يَا رَبِّ كَرِهْتُ أَنْ أُؤَخِّرَ أَمْرَكَ قَالَ الْمَاوَرْدِيُّ الْقَدُومُ جَاءَ مُخَفَّفًا وَمُشَدَّدًا وَهُوَ الْفَأْسُ الَّذِي اخْتُتِنَ بِهِ وَذَهَبَ غَيْرُهُ إِلَى أَنَّ الْمُرَادَ بِهِ مَكَانٌ يُسَمَّى الْقَدُومَ.

     وَقَالَ  أَبُو عُبَيْدٍ الْهَرَوِيُّ فِي الْغَرِيبَيْنِ يُقَالُ هُوَ كَانَ مُقِيلَهُ وَقِيلَ اسْمُ قَرْيَةٍ بِالشَّامِ.

     وَقَالَ  أَبُو شَامَةَ هُوَ مَوْضِعٌ بِالْقُرْبِ مِنَ الْقَرْيَةِ الَّتِي فِيهَا قَبْرُهُ وَقِيلَ بِقُرْبِ حَلَبَ وَجَزَمَ غَيْرُ وَاحِدٍ أَن الْآلَة بِالتَّخْفِيفِ وَصرح بن السِّكِّيتِ بِأَنَّهُ لَا يُشَدَّدُ وَأَثْبَتَ بَعْضُهُمُ الْوَجْهَيْنِ فِي كُلٍّ مِنْهُمَا وَقَدْ تَقَدَّمَ بَعْضُ هَذَا فِي شَرْحِ الْحَدِيثِ الْمَذْكُورِ فِي ذِكْرِ إِبْرَاهِيمَ عَلَيْهِ السَّلَامُ مِنَ أَحَادِيثِ الْأَنْبِيَاءِ وَوَقَعَ عِنْدَ أَبِي الشَّيْخِ مِنْ طَرِيقٍ أُخْرَى أَنَّ إِبْرَاهِيمَ لما اختتن كَانَ بن مِائَةٍ وَعِشْرِينَ سَنَةً وَأَنَّهُ عَاشَ بَعْدَ ذَلِكَ إِلَى أَنْ أَكْمَلَ مِائَتَيْ سَنَةٍ وَالْأَوَّلُ أَشْهَرُ وَهُوَ أَنه اختتن وَهُوَ بن ثَمَانِينَ وَعَاشَ بَعْدَهَا أَرْبَعِينَ وَالْغَرَضُ أَنَّ الِاسْتِدْلَالَ بِذَلِكَ مُتَوَقِّفٌ كَمَا تَقَدَّمَ عَلَى أَنَّهُ كَانَ فِي حَقِّ إِبْرَاهِيمَ عَلَيْهِ السَّلَامُ وَاجِبًا فَإِنْ ثَبَتَ ذَلِكَ اسْتَقَامَ الِاسْتِدْلَالُ بِهِ وَإِلَّا فَالنَّظَرُ بَاقٍ وَاخْتُلِفَ فِي الْوَقْتِ الَّذِي يُشْرَعُ فِيهِ الْخِتَانُ قَالَ الْمَاوَرْدِيُّ لَهُ وَقْتَانِ وَقْتُ وُجُوبٍ وَوَقْتُ اسْتِحْبَابٍ فَوَقْتُ الْوُجُوبِ الْبُلُوغُ وَوَقْتُ الِاسْتِحْبَابِ قَبْلَهُ وَالِاخْتِيَارُ فِي الْيَوْمِ السَّابِعِ مِنْ بَعْدِ الْوِلَادَةِ وَقِيلَ مِنْ يَوْمِ الْوِلَادَةِ فَإِنْ أَخَّرَ فَفِي الْأَرْبَعِينَ يَوْمًا فَإِنْ أَخَّرَ فَفِي السَّنَةِ السَّابِعَةِ فَإِنْ بَلَغَ وَكَانَ نِضْوًا نَحِيفًا يُعْلَمُ مِنْ حَالِهِ أَنَّهُ إِذَا اخْتُتِنَ تَلِفَ سَقَطَ الْوُجُوبُ وَيُسْتَحَبُّ أَنْ لَا يُؤَخَّرَ عَنْ وَقْتِ الِاسْتِحْبَابِ إِلَّا لِعُذْرٍ وَذَكَرَ الْقَاضِي حُسَيْنٌ أَنَّهُ لَا يَجُوزُ أَنْ يُخْتَتَنَ الصَّبِيُّ حَتَّى يَصِيرَ بن عَشْرِ سِنِينَ لِأَنَّهُ حِينَئِذٍ يَوْمُ ضَرْبِهِ عَلَى تَرْكِ الصَّلَاةِ وَأَلَمُ الْخِتَانِ فَوْقَ أَلَمِ الضَّرْبِ فَيَكُونُ أَوْلَى بِالتَّأْخِيرِ وَزَيَّفَهُ النَّوَوِيُّ فِي شَرْحِ الْمُهَذَّبِ.

     وَقَالَ  إِمَامُ الْحَرَمَيْنِ لَا يَجِبُ قَبْلَ الْبُلُوغِ لِأَنَّ الصَّبِيَّ لَيْسَ مِنَ أَهْلِ الْعِبَادَةِ الْمُتَعَلِّقَةِ بِالْبَدَنِ فَكَيْفَ مَعَ الْأَلَمِ قَالَ وَلَا يَرِدُ وُجُوبُ الْعِدَّةِ عَلَى الصَّبِيَّةِ لِأَنَّهُ لَا يَتَعَلَّقُ بِهِ تَعَبٌ بَلْ هُوَ مُضِيُّ زَمَانٍ مَحْضٍ.

     وَقَالَ  أَبُو الْفَرَجِ السَّرَخْسِيُّ فِي خِتَانِ الصَّبِيِّ وَهُوَ صَغِيرٌ مَصْلَحَةٌ مِنْ جِهَةِ أَنَّ الْجِلْدَ بَعْدَ التَّمْيِيزِ يَغْلُظُ وَيَخْشُنُ فَمِنْ ثَمَّ جَوَّزَ الْأَئِمَّةُ الْخِتَانَ قَبْلَ ذَلِكَ وَنَقَلَ بن الْمُنْذِرِ عَنِ الْحَسَنِ وَمَالِكٍ كَرَاهَةَ الْخِتَانِ يَوْمَ السَّابِعِ لِأَنَّهُ فِعْلُ الْيَهُودِ.

     وَقَالَ  مَالِكٌ يَحْسُنُ إِذَا أَثْغَرَ أَيْ أَلْقَى ثَغْرَهُ وَهُوَ مُقَدَّمُ أَسْنَانِهِ وَذَلِكَ يَكُونُ فِي السَّبْعِ سِنِينَ وَمَا حَوْلَهَا وَعَنِ اللَّيْثِ يُسْتَحَبُّ مَا بَيْنَ سَبْعِ سِنِينَ إِلَى عَشْرِ سِنِينَ وَعَنِ أَحْمَدَ لَمْ أَسْمَعْ فِيهِ شَيْئًا وَأَخْرَجَ الطَّبَرَانِيُّ فِي الْأَوْسَطِ عَن بن عَبَّاسٍ قَالَ سَبْعٌ مِنَ السُّنَّةِ فِي الصَّبِيِّ يُسَمَّى فِي السَّابِعِ وَيُخْتَنُ الْحَدِيثَ وَقَدْ قَدَّمْتُ ذِكْرَهُ فِي كِتَابِ الْعَقِيقَةِ وَأَنَّهُ ضَعِيفٌ وَأَخْرَجَ أَبُو الشَّيْخِ مِنْ طَرِيقِ الْوَلِيدِ بْنِ مُسْلِمٍ عَن زُهَيْر بن مُحَمَّد عَن بن الْمُنْكَدِرِ أَوْ غَيْرِهِ عَنْ جَابِرٍ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ خَتَنَ حَسَنًا وَحُسَيْنًا لِسَبْعَةِ أَيَّامٍ قَالَ الْوَلِيدُ فَسَأَلْتُ مَالِكًا عَنْهُ فَقَالَ لَا أَدْرِي وَلَكِنَّ الْخِتَانَ طُهْرَةٌ فَكُلَّمَا قَدَّمَهَا كَانَ أَحَبَّ إِلَيَّ وَأَخْرَجَ الْبَيْهَقِيُّ حَدِيثَ جَابِرٍ وَأَخْرَجَ أَيْضًا مِنْ طَرِيقِ مُوسَى بْنِ عَلِيٍّ عَنْ أَبِيهِ أَنَّ إِبْرَاهِيمَ عَلَيْهِ السَّلَامُ ختن إِسْحَاق وَهُوَ بن سَبْعَةِ أَيَّامٍ وَقَدْ ذَكَرْتُ فِي أَبْوَابِ الْوَلِيمَةِ مِنْ كِتَابِ النِّكَاحِ مَشْرُوعِيَّةَ الدَّعْوَةِ فِي الْخِتَانِ وَمَا أَخْرَجَهُ أَحْمَدُ مِنْ طَرِيقِ الْحَسَنِ عَنْ عُثْمَانَ بْنِ أَبِي الْعَاصِ أَنَّهُ دُعِيَ إِلَى خِتَانٍ فَقَالَ مَا كُنَّا نَأْتِي الْخِتَانَ عَلَى عَهْدِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَلَا نُدْعَى لَهُ وَأَخْرَجَهُ أَبُو الشَّيْخِ مِنْ رِوَايَةٍ فَبَيَّنَ أَنَّهُ كَانَ خِتَانَ جَارِيَةٍ وَقَدْ نَقَلَ الشَّيْخُ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ بْنُ الْحَاجِّ فِي الْمَدْخَلِ أَنَّ السُّنَّةَ إِظْهَارُ خِتَانِ الذَّكَرِ وَإِخْفَاءُ خِتَانِ الْأُنْثَى وَاللَّهُ أَعْلَمُ .

     قَوْلُهُ  وَالِاسْتِحْدَادُ بِالْحَاءِ الْمُهْمَلَةِ اسْتِفْعَالٌ مِنَ الْحَدِيدِ وَالْمُرَادُ بِهِ اسْتِعْمَالُ الْمُوسَى فِي حَلْقِ الشَّعْرِ مِنْ مَكَانٍ مَخْصُوصٍ مِنَ الْجَسَدِ قِيلَ وَفِي التَّعْبِيرِ بِهَذِهِ اللَّفْظَةِ مَشْرُوعِيَّةُ الْكِنَايَةِ عَمَّا يُسْتَحَى مِنْهُ إِذَا حَصَلَ الْإِفْهَامُ بِهَا وَأَغْنَى عَنِ التَّصْرِيحِ وَالَّذِي يَظْهَرُ أَنَّ ذَلِكَ مِنْ تَصَرُّفِ الرُّوَاةِ وَقَدْ وَقَعَ فِي رِوَايَةِ النَّسَائِيِّ فِي حَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ هَذَا التَّعْبِيرُ بِحَلْقِ الْعَانَةِ وَكَذَا فِي حَدِيثِ عَائِشَةَ وَأَنْسٍ الْمُشَارِ إِلَيْهِمَا مِنْ قَبْلُ عِنْدَ مُسْلِمٍ قَالَ النَّوَوِيُّ الْمُرَادُ بِالْعَانَةِ الشَّعْرُ الَّذِي فَوْقَ ذَكَرِ الرَّجُلِ وَحَوَالَيْهِ وَكَذَا الشَّعْرُ الَّذِي حَوَالَيْ فَرْجِ الْمَرْأَةِ وَنُقِلَ عَنْ أَبِي الْعَبَّاسِ بْنِ سُرَيْجٍ أَنَّهُ الشَّعْرُ النَّابِتُ حَوْلَ حَلْقَةِ الدُّبُرِ فَتَحَصَّلَ مِنْ مَجْمُوعِ هَذَا اسْتِحْبَابُ حَلْقِ جَمِيعِ مَا عَلَى الْقُبُلِ وَالدُّبُرِ وَحَوْلَهُمَا قَالَ وَذَكَرَ الْحَلْقَ لِكَوْنِهِ هُوَ الْأَغْلَبُ وَإِلَّا فَيَجُوزُ الْإِزَالَةُ بِالنَّوْرَةِ وَالنَّتْفِ وَغَيْرِهِمَا.

     وَقَالَ  أَبُو شَامَةَ الْعَانَةُ الشَّعْرُ النَّابِتُ عَلَى الرَّكَبِ بِفَتْحِ الرَّاءِ وَالْكَافِ وَهُوَ مَا انْحَدَرَ مِنَ الْبَطْنِ فَكَانَ تَحْتَ الثَّنْيَةِ وَفَوْقَ الْفَرْجِ وَقِيلَ لِكُلِّ فَخِذٍ رَكَبٌ وَقِيلَ ظَاهِرُ الْفَرْجِ وَقِيلَ الْفَرْجُ بِنَفْسِهِ سَوَاءٌ كَانَ مِنْ رَجُلٍ أَوِ امْرَأَةٍ قَالَ وَيُسْتَحَبُّ إِمَاطَةُ الشَّعْرِ عَنِ الْقُبُلِ وَالدُّبُرِ بَلْ هُوَ مِنَ الدُّبُرِ أَوْلَى خَوْفًا مِنْ أنْ يَعْلَقَ شَيْءٌ مِنَ الْغَائِطِ فَلَا يُزِيلُهُ الْمُسْتَنْجِي إِلَّا بِالْمَاءِ وَلَا يَتَمَكَّنُ مِنْ إِزَالَتِهِ بِالِاسْتِجْمَارِ قَالَ وَيَقُومُ التَّنَوُّرُ مَكَانَ الْحَلْقِ وَكَذَلِكَ النَّتْفُ وَالْقَصُّ وَقَدْ سُئِلَ أَحْمَدُ عَنْ أَخْذِ الْعَانَةِ بِالْمِقْرَاضِ فَقَالَ أَرْجُو أَنْ يُجْزِئَ قِيلَ فَالنَّتْفُ قَالَ وَهَلْ يَقْوَى عَلَى هَذَا أَحَدٌ.

     وَقَالَ  بن دَقِيقِ الْعِيدِ قَالَ أَهْلُ اللُّغَةِ الْعَانَةُ الشَّعْرُ النَّابِتُ عَلَى الْفَرْجِ وَقِيلَ هُوَ مَنْبَتُ الشَّعْرِ قَالَ وَهُوَ الْمُرَادُ فِي الْخَبَرِ.

     وَقَالَ  أَبُو بَكْرِ بْنُ الْعَرَبِيِّ شَعْرُ الْعَانَةِ أَوْلَى الشُّعُورِ بالازالة لِأَنَّهُ يكْشف وَيَتَلَبَّدُ فِيهِ الْوَسَخُ بِخِلَافِ شَعْرِ الْإِبْطِ قَالَ.
وَأَمَّا حَلْقُ مَا حَوْلَ الدُّبُرِ فَلَا يُشْرَعُ وَكَذَا قَالَ الْفَاكِهِيُّ فِي شَرْحِ الْعُمْدَةِ أَنَّهُ لَا يَجُوزُ كَذَا قَالَ وَلَمْ يَذْكُرْ لِلْمَنْعِ مُسْتَنَدًا وَالَّذِي اسْتَنَدَ إِلَيْهِ أَبُو شَامَةَ قَوِيٌّ بَلْ رُبَّمَا تُصُوِّرَ الْوُجُوبُ فِي حَقِّ مَنْ تَعَيَّنَ ذَلِكَ فِي حَقِّهِ كَمَنْ لَمْ يَجِدْ مِنَ الْمَاءِ إِلَّا الْقَلِيلَ وَأَمْكَنَهُ أَنْ لَوْ حَلَقَ الشَّعْرَ أَنْ لَا يَعْلَقَ بِهِ شَيْءٌ من الْغَائِط يَحْتَاجُ مَعَهُ إِلَى غَسْلِهِ وَلَيْسَ مَعَهُ مَاءٌ زَائِد على قدر الِاسْتِنْجَاء.

     وَقَالَ  بن دَقِيقِ الْعِيدِ كَأَنَّ الَّذِي ذَهَبَ إِلَى اسْتِحْبَابِ حَلْقِ مَا حَوْلَ الدُّبُرِ ذَكَرَهُ بِطَرِيقِ الْقِيَاسِ قَالَ وَالْأَوْلَى فِي إِزَالَةِ الشَّعْرِ هُنَا الْحَلْقُ اتِّبَاعًا وَيَجُوزُ النَّتْفُ بِخِلَافِ الْإِبْطِ فَإِنَّهُ بِالْعَكْسِ لِأَنَّهُ تُحْتَبَسُ تَحْتَهُ الْأَبْخِرَةُ بِخِلَافِ الْعَانَةِ وَالشَّعْرُ مِنَ الْإِبْطِ بِالنَّتْفِ يَضْعُفُ وَبِالْحَلْقِ يَقْوَى فَجَاءَ الْحُكْمُ فِي كُلٍّ مِنَ الْمَوْضِعَيْنِ بِالْمُنَاسِبِ.

     وَقَالَ  النَّوَوِيُّ وَغَيْرُهُ السُّنَّةُ فِي إِزَالَةِ شَعْرِ الْعَانَةِ الْحَلْقُ بِالْمُوسَى فِي حَقِّ الرَّجُلِ وَالْمَرْأَةِ مَعًا وَقَدْ ثَبَتَ الْحَدِيثُ الصَّحِيحُ عَنْ جَابِرٍ فِي النَّهْيِ عَنْ طُرُوقِ النِّسَاءِ لَيْلًا حَتَّى تَمْتَشِطَ الشَّعِثَةُ وَتَسْتَحِدَّ الْمُغِيبَةُ وَقَدْ تَقَدَّمَ شَرْحُهُ فِي النِّكَاحِ لَكِنْ يَتَأَدَّى أَصْلُ السُّنَّةِ بِالْإِزَالَةِ بِكُلِّ مُزِيلٍ.

     وَقَالَ  النَّوَوِيُّ أَيْضًا وَالْأَوْلَى فِي حَقِّ الرَّجُلِ الْحَلْقُ وَفِي حَقِّ الْمَرْأَةِ النَّتْفُ وَاسْتَشْكَلَ بِأَنَّ فِيهِ ضَرَرًا عَلَى الْمَرْأَةِ بِالْأَلَمِ وَعَلَى الزَّوْجِ بِاسْتِرْخَاءِ الْمَحَلِّ فَإِنَّ النَّتْفَ يُرْخِي الْمَحَلَّ بِاتِّفَاق الْأَطِبَّاء وَمن ثمَّ قَالَ بن دَقِيقِ الْعِيدِ إِنَّ بَعْضَهُمْ مَالَ إِلَى تَرْجِيحِ الْحَلْقِ فِي حَقِّ الْمَرْأَةِ لِأَنَّ النَّتْفَ يُرْخِي الْمحل لَكِن قَالَ بن الْعَرَبِيِّ إِنْ كَانَتْ شَابَّةً فَالنَّتْفُ فِي حَقِّهَا أَوْلَى لِأَنَّهُ يَرْبُو مَكَانَ النَّتْفِ وَإِنْ كَانَتْ كَهْلَةً فَالْأَوْلَى فِي حَقِّهَا الْحَلْقُ لِأَنَّ النَّتْفَ يُرْخِي الْمَحَلَّ وَلَوْ قِيلَ الْأَوْلَى فِي حَقِّهَا التَّنَوُّرُ مُطْلَقًا لِمَا كَانَ بَعِيدًا وَحَكَى النَّوَوِيُّ فِي وُجُوبِ الْإِزَالَةِ عَلَيْهَا إِذَا طُلِبَ ذَلِكَ مِنْهَا وَجْهَيْنِ أَصَحُّهُمَا الْوُجُوبُ وَيَفْتَرِقُ الْحُكْمُ فِي نَتْفِ الْإِبْطِ وَحَلْقِ الْعَانَةِ أَيْضًا بِأَنَّ نَتْفَ الْإِبْطِ وَحَلْقَهُ يَجُوزُ أَنْ يَتَعَاطَاهُ الْأَجْنَبِيُّ بِخِلَافِ حَلْقِ الْعَانَةِ فَيَحْرُمُ إِلَّا فِي حَقِّ مَنْ يُبَاحُ لَهُ الْمَسُّ وَالنَّظَرُ كَالزَّوْجِ وَالزَّوْجَةِ.
وَأَمَّا التَّنَوُّرُ فَسُئِلَ عَنْهُ أَحْمَدُ فَأَجَازَهُ وَذَكَرَ أَنَّهُ يَفْعَلَهُ وَفِيهِ حَدِيثٌ عَنْ أُمِّ سَلَمَةَ أَخْرَجَهُ بن مَاجَهْ وَالْبَيْهَقِيُّ وَرِجَالُهُ ثِقَاتٌ وَلَكِنَّهُ أَعَلَّهُ بِالْإِرْسَالِ وَأَنْكَرَ أَحْمَدُ صِحَّتَهُ وَلَفْظُهُ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِذَا طلى وَلِيَ عَانَتَهُ بِيَدِهِ وَمُقَابِلُهُ حَدِيثِ أَنَسٍ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ لَا يَتَنَوَّرُ وَكَانَ إِذَا كَثُرَ شَعْرُهُ حَلَقَهُ وَلَكِنْ سَنَدُهُ ضَعِيفٌ جِدًّا .

     قَوْلُهُ  وَنَتْفُ الْإِبْطِ فِي رِوَايَةِ الْكُشْمِيهَنِيِّ الْآبَاطُ بِصِيغَةِ الْجَمْعِ وَالْإِبْطُ بِكَسْرِ الْهَمْزَةِ وَالْمُوَحَّدَةِ وَسُكُونِهَا وَهُوَ الْمَشْهُورُ وَصَوَّبَهُ الْجَوَالِيقِيُّ وَهُوَ يُذَكَّرُ وَيُؤَنَّثُ وَتَأَبَّطَ الشَّيْءَ وَضَعَهُ تَحْتَ إِبْطِهِ وَالْمُسْتَحَبُّ الْبُدَاءَةُ فِيهِ بِالْيُمْنَى وَيَتَأَدَّى أَصْلُ السُّنَّةِ بِالْحَلْقِ وَلَا سِيَّمَا مَنْ يُؤْلِمُهُ النَّتْفُ وَقد أخرج بن أَبِي حَاتِمٍ فِي مَنَاقِبِ الشَّافِعِيِّ عَنْ يُونُسَ بْنِ عَبْدِ الْأَعْلَى قَالَ دَخَلْتُ عَلَى الشَّافِعِيِّ وَرَجُلٌ يَحْلِقُ إِبْطَهُ فَقَالَ إِنِّي عَلِمْتُ أَنَّ السُّنَّةَ النَّتْفُ وَلَكِنْ لَا أَقْوَى عَلَى الْوَجَعِ قَالَ الْغَزَالِيُّ هُوَ فِي الِابْتِدَاءِ مُوجِعٌ وَلَكِنْ يَسْهُلُ عَلَى مَنِ اعْتَادَهُ قَالَ وَالْحَلْقُ كَافٍ لِأَنَّ الْمَقْصُودَ النَّظَافَةُ وَتُعُقِّبَ بِأَنَّ الْحِكْمَةَ فِي نَتْفِهِ أَنَّهُ مَحَلٌّ لِلرَّائِحَةِ الْكَرِيهَةِ وَإِنَّمَا يَنْشَأُ ذَلِكَ مِنَ الْوَسَخِ الَّذِي يَجْتَمِعُ بِالْعَرَقِ فِيهِ فَيَتَلَبَّدُ وَيَهِيجُ فَشُرِعَ فِيهِ النَّتْفُ الَّذِي يُضْعِفُهُ فَتَخِفُّ الرَّائِحَةُ بِهِ بِخِلَافِ الْحَلْقِ فَإِنَّهُ يُقَوِّي الشّعْر ويهيجه فتكثر الرَّائِحَة لذَلِك.

     وَقَالَ  بن دَقِيقِ الْعِيدِ مَنْ نَظَرَ إِلَى اللَّفْظِ وَقَفَ مَعَ النَّتْفِ وَمَنْ نَظَرَ إِلَى الْمَعْنَى أَجَازَهُ بِكُلِّ مُزِيلٍ لَكِنْ بَيَّنَ أَنَّ النَّتْفَ مَقْصُودٌ مِنْ جِهَةِ الْمَعْنَى فَذَكَرَ نَحْوَ مَا تَقَدَّمَ قَالَ وَهُوَ مَعْنًى ظَاهِرٌ لَا يُهْمَلُ فَإِنَّ مَوْرِدَ النَّصِّ إِذَا احْتَمَلَ مَعْنًى مُنَاسِبًا يُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ مَقْصُودًا فِي الْحُكْمِ لَا يُتْرَكُ وَالَّذِي يَقُومُ مَقَامَ النَّتْفِ فِي ذَلِكَ التَّنَوُّرُ لَكِنَّهُ يُرِقُّ الْجِلْدَ فَقَدْ يَتَأَذَّى صَاحِبُهُ بِهِ وَلَا سِيَّمَا إِنْ كَانَ جِلْدُهُ رَقِيقًا وَتُسْتَحَبُّ الْبَدَاءَةُ فِي إِزَالَتِهِ بِالْيَدِ الْيُمْنَى وَيُزِيلُ مَا فِي الْيُمْنَى بِأَصَابِعِ الْيُسْرَى وَكَذَا الْيُسْرَى إِنْ أَمْكَنَ وَإِلَّا فَبِالْيُمْنَى .

     قَوْلُهُ  وَتَقْلِيمُ الْأَظْفَارِ وَهُوَ تَفْعِيلٌ مِنَ الْقَلْمِ وَهُوَ الْقَطْعُ وَوَقَعَ فِي حَدِيث بن عُمَرَ قَصُّ الْأَظْفَارِ كَمَا فِي حَدِيثِ الْبَابِ وَوَقَعَ فِي حَدِيثِهِ فِي الْبَابِ الَّذِي يَلِيهِ بِلَفْظِ تَقْلِيمٍ وَفِي حَدِيثِ عَائِشَةَ وَأَنَسٍ قَصُّ الْأَظْفَارِ وَالتَّقْلِيمُ أَعَمُّ وَالْأَظْفَارُ جَمْعُ ظُفُرٍ بِضَمِّ الظَّاءِ وَالْفَاءِ وَبِسُكُونِهَا وَحَكَى أَبُو زَيْدٍ كَسْرَ أَوله وَأنْكرهُ بن سِيدَهْ وَقَدْ قِيلَ إِنَّهَا قِرَاءَةُ الْحَسَنِ وَعَنْ أَبِي السَّمَّاكِ أَنَّهُ قُرِئَ بِكَسْرِ أَوَّلِهِ وَثَانِيهِ وَالْمُرَادُ إِزَالَةُ مَا يَزِيدُ عَلَى مَا يُلَابِسُ رَأْسَ الْإِصْبَعِ مِنَ الظُّفُرِ لِأَنَّ الْوَسَخَ يَجْتَمِعُ فِيهِ فَيُسْتَقْذَرُ وَقَدْ يَنْتَهِي إِلَى حَدٍّ يَمْنَعُ مِنْ وُصُولِ الْمَاءِ إِلَى مَا يَجِبُ غَسْلُهُ فِي الطَّهَارَةِ وَقَدْ حَكَى أَصْحَابُ الشَّافِعِيِّ فِيهِ وَجْهَيْنِ فَقَطَعَ الْمُتَوَلِّي بِأَنَّ الْوُضُوءَ حِينَئِذٍ لَا يَصِحُّ وَقَطَعَ الْغَزَالِيُّ فِي الْإِحْيَاءِ بِأَنَّهُ يُعْفَى عَنْ مِثْلِ ذَلِكَ وَاحْتَجَّ بِأَنَّ غَالِبَ الْأَعْرَابِ لَا يَتَعَاهَدُونَ ذَلِكَ وَمَعَ ذَلِكَ لَمْ يَرِدْ فِي شَيْءٍ مِنَ الْآثَارِ أَمْرُهُمْ بِإِعَادَةِ الصَّلَاةِ وَهُوَ ظَاهِرٌ لَكِنْ قَدْ يُعَلَّقُ بِالظُّفُرِ إِذَا طَالَ النَّجْوُ لِمَنِ اسْتَنْجَى بِالْمَاءِ وَلَمْ يُمْعِنْ غَسْلَهُ فَيَكُونُ إِذَا صَلَّى حَامِلًا لِلنَّجَاسَةِ وَقَدْ أَخْرَجَ الْبَيْهَقِيُّ فِي الشُّعَبِ مِنْ طَرِيقِ قَيْسِ بْنِ أَبِي حَازِمٍ قَالَ صَلَّى النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ صَلَاة فأوهم فِيهَا فَسئلَ فَقَالَ مَالِي لَا أُوهَمُ وَرُفْغُ أَحَدِكُمْ بَيْنَ ظُفْرِهِ وَأُنْمُلَتِهِ رِجَالُهُ ثِقَاتٌ مَعَ إِرْسَالِهِ وَقَدْ وَصَلَهُ الطَّبَرَانِيُّ مِنْ وَجْهٍ آخَرَ وَالرُّفْغُ بِضَمِّ الرَّاءِ وَبِفَتْحِهَا وَسُكُونِ الْفَاءِ بَعْدَهَا غَيْنٌ مُعْجَمَةٌ يُجْمَعُ عَلَى أَرْفَاغٍ وَهِيَ مَغَابِنُ الْجَسَدِ كَالْإِبْطِ وَمَا بَيْنَ الْأُنْثَيَيْنِ وَالْفَخِذَيْنِ وَكُلُّ مَوْضِعٍ يَجْتَمِعُ فِيهِ الْوَسَخُ فَهُوَ مِنْ تَسْمِيَةِ الشَّيْءِ بِاسْمِ مَا جَاوَرَهُ وَالتَّقْدِيرُ وَسَخُ رُفْغِ أَحَدِكُمْ وَالْمَعْنَى أَنَّكُمْ لَا تُقَلِّمُونَ أَظْفَارَكُمْ ثُمَّ تَحُكُّونَ بِهَا أَرْفَاغَكُمْ فَيَتَعَلَّقُ بِهَا مَا فِي الْأَرْفَاغِ مِنَ الْأَوْسَاخِ الْمُجْتَمِعَةِ قَالَ أَبُو عُبَيْدٍ أَنْكَرَ عَلَيْهِمْ طُولَ الْأَظْفَارِ وَتَرْكَ قَصِّهَا.

قُلْتُ وَفِيهِ إِشَارَةٌ إِلَى النَّدْبِ إِلَى تَنْظِيفِ الْمَغَابِنِ كُلِّهَا وَيُسْتَحَبُّ الِاسْتِقْصَاءُ فِي إِزَالَتِهَا إِلَى حَدٍّ لَا يَدْخُلُ مِنْهُ ضَرَرٌ عَلَى الْأُصْبُعِ وَاسْتَحَبَّ أَحْمَدُ لِلْمُسَافِرِ أَنْ يُبْقِيَ شَيْئًا لِحَاجَتِهِ إِلَى الِاسْتِعَانَةِ لِذَلِكَ غَالِبًا وَلَمْ يَثْبُتْ فِي تَرْتِيبِ الْأَصَابِعِ عِنْدَ الْقَصِّ شَيْءٌ مِنَ الْأَحَادِيثِ لَكِنْ جَزَمَ النَّوَوِيُّ فِي شَرْحِ مُسْلِمٍ بِأَنَّهُ يُسْتَحَبُّ الْبُدَاءَةُ بِمُسَبِّحَةِ الْيُمْنَى ثُمَّ بِالْوُسْطَى ثُمَّ الْبِنْصِرِ ثُمَّ الْخِنْصَرِ ثُمَّ الْإِبْهَامِ وَفِي الْيُسْرَى بِالْبَدَاءَةُ بِخِنْصِرِهَا ثُمَّ بِالْبِنْصِرِ إِلَى الْإِبْهَامِ وَيَبْدَأُ فِي الرِّجْلَيْنِ بِخِنْصِرِ الْيُمْنَى إِلَى الْإِبْهَامِ وَفِي الْيُسْرَى بِإِبْهَامِهَا إِلَى الْخِنْصِرِ وَلَمْ يَذْكُرْ لِلِاسْتِحْبَابِ مُسْتَنَدًا.

     وَقَالَ  فِي شَرْحِ الْمُهَذَّبِ بَعْدَ أَنْ نَقَلَ عَنِ الْغَزَالِيِّ وَأَنَّ الْمَازِرِيَّ اشْتَدَّ إِنْكَارُهُ عَلَيْهِ فِيهِ لَا بَأْسَ بِمَا قَالَهُ الْغَزَالِيُّ إِلَّا فِي تَأْخِيرِ إِبْهَامِ الْيَدِ الْيُمْنَى فَالْأَوْلَى أَنْ تُقَدَّمَ الْيُمْنَى بِكَمَالِهَا عَلَى الْيُسْرَى قَالَ.
وَأَمَّا الْحَدِيثُ الَّذِي ذَكَرَهُ الْغَزَالِيُّ فَلَا أصل لَهُ اه.

     وَقَالَ  بن دَقِيقِ الْعِيدِ يَحْتَاجُ مَنِ ادَّعَى اسْتِحْبَابَ تَقْدِيمِ الْيَدِ فِي الْقَصِّ عَلَى الرِّجْلِ إِلَى دَلِيلٍ فَإِنَّ الْإِطْلَاقَ يَأْبَى ذَلِكَ.

قُلْتُ يُمْكِنُ أَنْ يُؤْخَذَ بِالْقِيَاسِ عَلَى الْوُضُوءِ وَالْجَامِعُ التَّنْظِيفُ وَتَوْجِيهُ الْبَدَاءَةِ بِالْيُمْنَى لِحَدِيثِ عَائِشَةَ الَّذِي مَرَّ فِي الطَّهَارَةِ كَانَ يُعْجِبُهُ التَّيَمُّنَ فِي طُهُورِهِ وَتَرَجُّلِهِ وَفِي شَأْنِهِ كُلِّهِ وَالْبَدَاءَةُ بِالْمُسَبِّحَةِ مِنْهَا لِكَوْنِهَا أَشْرَفُ الْأَصَابِعِ لِأَنَّهَا آلَةُ التَّشَهُّدِ.
وَأَمَّا اتِّبَاعُهَا بِالْوُسْطَى فَلِأَنَّ غَالِبَ مَنْ يُقَلِّمُ أَظْفَارَهُ يُقَلِّمُهَا من قَبْلَ ظَهْرِ الْكَفِّ فَتَكُونُ الْوُسْطَى جِهَةَ يَمِينِهِ فَيَسْتَمِرُّ إِلَى أَنْ يَخْتِمَ بِالْخِنْصَرِ ثُمَّ يُكْمِلُ الْيَد بقص الْإِبْهَام وَأما فِي الْيُسْرَى فَإِذَا بَدَأَ بِالْخِنْصَرِ لَزِمَ أَنْ يَسْتَمِرَّ عَلَى جِهَةِ الْيَمِينِ إِلَى الْإِبْهَامِ قَالَ شَيْخُنَا فِي شَرْحِ التِّرْمِذِيِّ وَكَانَ يَنْبَغِي أَنْ لَوْ أَخَّرَ إِبْهَامَ الْيُمْنَى لِيَخْتِمَ بِهَا وَيَكُونَ قَدِ اسْتَمَرَّ عَلَى الِانْتِقَالِ إِلَى جِهَةِ الْيُمْنَى وَلَعَلَّ الْأَوَّلَ لِحَظِّ فَصْلِ كُلِّ يَدٍ عَنِ الْأُخْرَى وَهَذَا التَّوْجِيهُ فِي الْيَدِينِ يُعَكِّرُ عَلَى مَا نَقَلَهُ فِي الرِّجْلَيْنِ إِلَّا أَنْ يُقَالَ غَالِبُ مَنْ يُقَلِّمُ أَظْفَارَ رِجْلَيْهِ يُقَلِّمُهَا مِنْ جِهَةِ بَاطِنِ الْقَدَمَيْنِ فَيَسْتَمِرُّ التَّوْجِيهُ وَقَدْ قَالَ صَاحِبُ الْإِقْلِيدِ قَضِيَّةُ الْأَخْذِ فِي ذَلِكَ بِالتَّيَامُنِ أَنْ يَبْدَأَ بِخِنْصِرِ الْيُمْنَى إِلَى أَنْ يَنْتَهِي إِلَى خِنْصِرِ الْيُسْرَى فِي الْيَدَيْنِ وَالرِّجْلَيْنِ مَعًا وَكَأَنَّهُ لِحَظِّ أَنَّ الْقَصَّ يَقَعُ مِنْ بَاطِنِ الْكَفَّيْنِ أَيْضًا وَذَكَرَ الدِّمْيَاطِيُّ أَنَّهُ تَلَقَّى عَنْ بَعْضِ الْمَشَايِخِ أَنَّ مَنْ قَصَّ أَظْفَارَهُ مُخَالِفًا لَمْ يُصِبْهُ رَمَدٌ وَأَنَّهُ جَرَّبَ ذَلِكَ مُدَّةً طَوِيلَةً وَقَدْ نَصَّ أَحْمَدُ عَلَى اسْتِحْبَابِ قَصِّهَا مُخَالِفًا وَبَيَّنَ ذَلِكَ أَبُو عَبْدُ اللَّهِ بْنُ بَطَّةَ مِنْ أَصْحَابِهِمْ فَقَالَ يَبْدَأُ بِخِنْصِرِهِ الْيُمْنَى ثُمَّ الْوُسْطَى ثُمَّ الْإِبْهَامِ ثُمَّ الْبِنْصِرِ ثُمَّ السَّبَّابَةِ وَيَبْدَأُ بِإِبْهَامِ الْيُسْرَى عَلَى الْعَكْسِ مِنَ الْيُمْنَى وَقد أنكر بن دَقِيقِ الْعِيدِ الْهَيْئَةَ الَّتِي ذَكَرَهَا الْغَزَالِيُّ وَمَنْ تَبِعَهُ.

     وَقَالَ  كُلُّ ذَلِكَ لَا أَصْلَ لَهُ وإحداث اسْتِحْبَاب لَا دَلِيلَ عَلَيْهِ وَهُوَ قَبِيحٌ عِنْدِي بِالْعَالِمِ وَلَوْ تَخَيَّلَ مُتَخَيِّلٌ أَنَّ الْبَدَاءَةَ بِمُسَبِّحَةِ الْيُمْنَى مِنْ أَجْلِ شَرَفِهَا فَبَقِيَّةُ الْهَيْئَةِ لَا يُتَخَيَّلُ فِيهِ ذَلِكَ نَعَمِ الْبَدَاءَةُ بِيُمْنَى الْيَدَيْنِ وَيُمْنَى الرِّجْلَيْنِ لَهُ أَصْلٌ وَهُوَ كَانَ يُعْجِبُهُ التَّيَامُنُ اه وَلَمْ يَثْبُتْ أَيْضًا فِي اسْتِحْبَابِ قَصِّ الظُّفُرِ يَوْمَ الْخَمِيسِ حَدِيثٌ وَقَدْ أَخْرَجَهُ جَعْفَرٌ الْمُسْتَغْفِرِيُّ بِسَنَدٍ مَجْهُولٍ وَرَوَيْنَاهُ فِي مُسَلْسَلَاتِ التَّيْمِيِّ مِنْ طَرِيقِهِ وَأَقْرَبُ مَا وَقَفْتُ عَلَيْهِ فِي ذَلِكَ مَا أَخْرَجَهُ الْبَيْهَقِيُّ مِنْ مُرْسَلِ أَبِي جَعْفَرٍ الْبَاقِرِ قَالَ كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَسْتَحِبُّ أَنْ يَأْخُذَ مِنْ أَظْفَارِهِ وَشَارِبِهِ يَوْمَ الْجُمُعَةِ وَلَهُ شَاهِدٌ مَوْصُولٌ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ لَكِنْ سَنَدُهُ ضَعِيفٌ أَخْرَجَهُ الْبَيْهَقِيُّ أَيْضًا فِي الشُّعَبِ وَسُئِلَ أَحْمَدُ عَنْهُ فَقَالَ يُسَنُّ فِي يَوْمِ الْجُمُعَةِ قَبْلَ الزَّوَالِ وَعَنْهُ يَوْمَ الْخَمِيسِ وَعَنْهُ يَتَخَيَّرُ وَهَذَا هُوَ الْمُعْتَمَدُ أَنَّهُ يُسْتَحَبُّ كَيْفَ مَا احْتَاجَ إِلَيْهِ.
وَأَمَّا مَا أَخْرَجَ مُسْلِمٌ مِنْ حَدِيثِ أَنَسٍ وُقِّتَ لَنَا فِي قَصِّ الشَّارِبِ وَتَقْلِيمِ الْأَظْفَارِ وَنَتْفِ الْإِبْطِ وَحَلْقِ الْعَانَةِ أَنْ لَا يُتْرَكَ أَكْثَرَ مِنْ أَرْبَعِينَ يَوْمًا كَذَا وُقِّتَ فِيهِ عَلَى الْبِنَاءِ لِلْمَجْهُولِ وَأَخْرَجَهُ أَصْحَابُ السُّنَنِ بِلَفْظِ وَقَّتَ لَنَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَأَشَارَ الْعُقَيْلِيُّ إِلَى أَنَّ جَعْفَرَ بْنَ سُلَيْمَانَ الضُّبَعِيَّ تَفَرَّدَ بِهِ وَفِي حِفْظِهِ شَيْءٌ وَصرح بن عَبْدِ الْبَرِّ بِذَلِكَ فَقَالَ لَمْ يَرْوِهِ غَيْرُهُ وَلَيْسَ بِحُجَّةٍ وَتُعُقِّبَ بِأَنَّ أَبَا دَاوُدَ وَالتِّرْمِذِيَّ أَخْرَجَاهُ مِنْ رِوَايَةِ صَدَقَةَ بْنِ مُوسَى عَنْ ثَابِتٍ وَصَدَقَةُ بْنُ مُوسَى وَإِنْ كَانَ فِيهِ مَقَالٌ لَكِنْ تَبَيَّنَ أَنَّ جَعْفَرًا لَمْ يَنْفَرِدْ بِهِ وَقد أخرج بن مَاجَهْ نَحْوَهُ مِنْ طَرِيقِ عَلِيِّ بْنِ زَيْدِ بْنِ جُدْعَانَ عَنْ أَنَسٍ وَفِي عَلِيٍّ أَيْضًا ضعف وَأخرجه بن عَدِيٍّ مِنْ وَجْهٍ ثَالِثٍ مِنْ جِهَةِ عَبْدِ الله بن عمر أَن شَيْخٌ مِصْرِيٌّ عَنْ ثَابِتٍ عَنْ أَنَسٍ لَكِنْ أَتَى فِيهِ بِأَلْفَاظٍ مُسْتَغْرَبَةٍ قَالَ أَنْ يَحْلِقَ الرَّجُلُ عَانَتَهُ كُلَّ أَرْبَعِينَ يَوْمًا وَأَنْ يَنْتِفَ إِبْطَهُ كُلَّمَا طَلَعَ وَلَا يَدَعُ شَارِبَيْهِ يَطُولَانِ وَأَنْ يُقَلِّمَ أَظْفَارَهُ مِنَ الْجُمُعَةِ إِلَى الْجُمُعَةِ وَعَبْدُ اللَّهِ وَالرَّاوِي عَنْهُ مَجْهُولَانِ قَالَ الْقُرْطُبِيُّ فِي الْمُفْهِمِ ذِكْرُ الْأَرْبَعِينَ تَحْدِيدٌ لِأَكْثَرِ الْمُدَّةِ وَلَا يُمْنَعُ تَفَقُّدُ ذَلِكَ مِنَ الْجُمُعَةِ إِلَى الْجُمُعَةِ وَالضَّابِطُ فِي ذَلِكَ الِاحْتِيَاجُ وَكَذَا قَالَ النَّوَوِيُّ الْمُخْتَارُ أَنَّ ذَلِكَ كُلَّهُ يُضْبَطُ بِالْحَاجَةِ.

     وَقَالَ  فِي شَرْحِ الْمُهَذَّبِ يَنْبَغِي أَنْ يَخْتَلِفَ ذَلِكَ بِاخْتِلَافِ الْأَحْوَالِ وَالْأَشْخَاصِ وَالضَّابِطُ الْحَاجَةُ فِي هَذَا وَفِي جَمِيعِ الْخِصَالِ الْمَذْكُورَةِ.

قُلْتُ لَكِنْ لَا يُمْنَعُ مِنَ التَّفَقُّدِ يَوْمَ الْجُمُعَةِ فَإِنَّ الْمُبَالَغَةَ فِي التَّنَظُّفِ فِيهِ مَشْرُوعٌ وَاللَّهُ أَعْلَمُ وَفِي سُؤَالَاتِ مُهَنَّا عَنْ أَحْمَدَ.

قُلْتُ لَهُ يَأْخُذُ مِنْ شَعْرِهِ وَأَظْفَارِهِ أَيَدْفِنُهُ أَمْ يُلْقِيهِ قَالَ يَدْفِنُهُ.

قُلْتُ بَلَغَكَ فِيهِ شَيْءٌ قَالَ كَانَ بن عُمَرَ يَدْفِنُهُ وَرُوِيَ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَمَرَ بِدَفْنِ الشَّعْرِ وَالْأَظْفَارِ.

     وَقَالَ  لَا يَتَلَعَّبُ بِهِ سَحَرَةُ بَنِي آدَمَ.

قُلْتُ وَهَذَا الْحَدِيثُ أَخْرَجَهُ الْبَيْهَقِيُّ مِنْ حَدِيثِ وَائِلِ بْنِ حُجْرٍ نَحْوَهُ وَقَدِ اسْتَحَبَّ أَصْحَابُنَا دَفْنَهَا لِكَوْنِهَا أَجْزَاءَ مِنَ الْآدَمِيِّ وَاللَّهُ أَعْلَمُ فَرْعٌ لَو اسْتحق قصّ أَظْفَاره فَقص بَعْضًا وَترك بَعْضًا أبدى فِيهِ بن دَقِيقِ الْعِيدِ احْتِمَالًا مِنْ مَنْعِ لُبْسِ إِحْدَى النَّعْلَيْنِ وَتَرْكِ الْأُخْرَى كَمَا تَقَدَّمَ فِي بَابِهِ قَرِيبًا .

     قَوْلُهُ  وَقَصُّ الشَّارِبِ تَقَدَّمَ الْقَوْلُ فِي الْقَصِّ أَوَّلَ الْبَابِ.
وَأَمَّا الشَّارِبُ فَهُوَ الشَّعْرُ النَّابِتُ عَلَى الشَّفَةِ الْعُلْيَا وَاخْتُلِفَ فِي جَانِبَيْهِ وَهُمَا السِّبَالَانِ فَقِيلَ هُمَا مِنَ الشَّارِبِ وَيُشْرَعُ قَصُّهُمَا مَعَهُ وَقِيلَ هُمَا مِنْ جُمْلَةِ شَعْرِ اللِّحْيَةِ.
وَأَمَّا الْقَصُّ فَهُوَ الَّذِي فِي أَكْثَرِ الْأَحَادِيثِ كَمَا هُنَا وَفِي حَدِيثِ عَائِشَةَ وَحَدِيثِ أَنَسٍ كَذَلِكَ كِلَاهُمَا عِنْدَ مُسْلِمٍ وَكَذَا حَدِيثُ حَنْظَلَة عَن بن عُمَرَ فِي أَوَّلِ الْبَابِ وَوَرَدَ الْخَبَرُ بِلَفْظِ الْحَلْقِ وَهِيَ رِوَايَةُ النَّسَائِيُّ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ يَزِيدَ عَنْ سُفْيَانَ بْنِ عُيَيْنَةَ بِسَنَدِ هَذَا الْبَابِ وَرَوَاهُ جُمْهُورُ أَصْحَابِ بن عُيَيْنَةَ بِلَفْظِ الْقَصِّ وَكَذَا سَائِرُ الرِّوَايَاتِ عَنْ شَيْخِهِ الزُّهْرِيِّ وَوَقَعَ عِنْدَ النَّسَائِيِّ مِنْ طَرِيقِ سَعِيدٍ الْمَقْبُرِيِّ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ بِلَفْظِ تَقْصِيرِ الشَّارِبِ نَعَمْ وَقَعَ الْأَمْرُ بِمَا يُشْعِرُ بِأَنَّ رِوَايَة الْحلق محفوظه كَحَدِيثِ الْعَلَاءِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ عَنْ أَبِيهِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ عِنْدَ مُسْلِمٍ بِلَفْظِ جُزُّوا الشَّوَارِب وَحَدِيث بن عُمَرَ الْمَذْكُورِ فِي الْبَابِ الَّذِي يَلِيهِ بِلَفْظِ أَحْفُوا الشَّوَارِبَ وَفِي الْبَابِ الَّذِي يَلِيهِ بِلَفْظِ انْهَكُوا الشَّوَارِبَ فَكُلُّ هَذِهِ الْأَلْفَاظِ تَدُلُّ عَلَى أَنَّ الْمَطْلُوبَ الْمُبَالَغَةُ فِي الْإِزَالَةِ لِأَنَّ الْجَزَّ وَهُوَ بِالْجِيمِ وَالزَّايِ الثَّقِيلَةِ قَصُّ الشَّعْرِ وَالصُّوفِ إِلَى أَنْ يَبْلُغَ الْجِلْدَ وَالْإِحْفَاءُ بِالْمُهْمَلَةِ وَالْفَاءِ الِاسْتِقْصَاءُ وَمِنْهُ حَتَّى أَحْفَوْهُ بِالْمَسْأَلَةِ قَالَ أَبُو عُبَيْدٍ الْهَرَوِيُّ مَعْنَاهُ الْزَقُوا الْجَزَّ بِالْبَشَرَةِ.

     وَقَالَ  الْخَطَّابِيُّ هُوَ بِمَعْنَى الِاسْتِقْصَاءِ وَالنَّهْكُ بِالنُّونِ وَالْكَافِ الْمُبَالَغَةُ فِي الْإِزَالَةِ وَمِنْهُ مَا تَقَدَّمَ فِي الْكَلَامِ عَلَى الْخِتَانِ .

     قَوْلُهُ  صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِلْخَافِضَةِ أَشِمِّي وَلَا تُنْهِكِي أَيْ لَا تُبَالِغِي فِي خِتَانِ الْمَرْأَةِ وَجَرَى عَلَى ذَلِكَ أهل اللُّغَة.

     وَقَالَ  بن بَطَّالٍ النَّهْكُ التَّأْثِيرُ فِي الشَّيْءِ وَهُوَ غَيْرُ الِاسْتِئْصَالِ قَالَ النَّوَوِيُّ الْمُخْتَارُ فِي قَصِّ الشَّارِبِ أَنَّهُ يَقُصُّهُ حَتَّى يَبْدُوَ طَرَفُ الشَّفَةِ وَلَا يَحُفَّهُ مِنْ أَصْلِهِ.
وَأَمَّا رِوَايَةُ أَحْفُوا فَمَعْنَاهَا أزيلوا مَا طَال على الشفتين قَالَ بن دَقِيقِ الْعِيدِ مَا أَدْرِي هَلْ نَقَلَهُ عَنِ الْمَذْهَبِ أَوْ قَالَهُ اخْتِيَارًا مِنْهُ لِمَذْهَبِ مَالِكٍ.

قُلْتُ صَرَّحَ فِي شَرْحِ الْمُهَذَّبِ بِأَنَّ هَذَا مَذْهَبُنَا.

     وَقَالَ  الطَّحَاوِيُّ لَمْ أَرَ عَنِ الشَّافِعِيِّ فِي ذَلِكَ شَيْئًا مَنْصُوصًا وَأَصْحَابُهُ الَّذِينَ رَأَيْنَاهُمْ كَالْمُزَنِيِّ وَالرَّبِيعِ كَانُوا يَحْفُونَ وَمَا أَظُنُّهُمْ أَخَذُوا ذَلِكَ إِلَّا عَنْهُ وَكَانَ أَبُو حَنِيفَةَ وَأَصْحَابُهُ يَقُولُونَ الاحفاء أفضل من التَّقْصِير.

     وَقَالَ  بن الْقَاسِمِ عَنْ مَالِكٍ إِحْفَاءُ الشَّارِبِ عِنْدِي مُثْلَةٌ وَالْمُرَادُ بِالْحَدِيثِ الْمُبَالَغَةُ فِي أَخْذِ الشَّارِبِ حَتَّى يَبْدُوَ حَرْفُ الشَّفَتَيْنِ.

     وَقَالَ  أَشْهَبُ سَأَلْتُ مَالِكًا عَمَّنْ يُحْفِي شَارِبَهُ فَقَالَ أَرَى أَنْ يُوجَعَ ضَرْبًا.

     وَقَالَ  لِمَنْ يَحْلِقُ شَارِبَهُ هَذِهِ بِدْعَةٌ ظَهرت فِي النَّاس اه وَأغْرب بن الْعَرَبِيِّ فَنَقَلَ عَنِ الشَّافِعِيِّ أَنَّهُ يُسْتَحَبُّ حَلْقُ الشَّارِبِ وَلَيْسَ ذَلِكَ مَعْرُوفًا عِنْدَ أَصْحَابِهِ قَالَ الطَّحَاوِيُّ الْحَلْقُ هُوَ مَذْهَبُ أَبِي حَنِيفَةَ وَأَبِي يُوسُفَ وَمُحَمَّدٍ اه.

     وَقَالَ  الْأَثْرَمُ كَانَ أَحْمَدُ يُحْفِي شَارِبَهُ إِحْفَاءً شَدِيدًا وَنَصَّ عَلَى أَنَّهُ أَوْلَى مِنَ الْقَصِّ.

     وَقَالَ  الْقُرْطُبِيُّ وَقَصُّ الشَّارِبِ أَنْ يَأْخُذَ مَا طَالَ عَلَى الشَّفَةِ بِحَيْثُ لَا يُؤْذِي الْأَكْلَ وَلَا يَجْتَمِعُ فِيهِ الْوَسَخُ قَالَ وَالْجَزُّ وَالْإِحْفَاءُ هُوَ الْقَصُّ الْمَذْكُورُ وَلَيْسَ بِالِاسْتِئْصَالِ عِنْدَ مَالِكٍ قَالَ وَذَهَبَ الْكُوفِيُّونَ إِلَى أَنَّهُ الِاسْتِئْصَالُ وَبَعْضُ الْعُلَمَاءِ إِلَى التَّخْيِيرِ فِي ذَلِكَ.

قُلْتُ هُوَ الطَّبَرِيُّ فَإِنَّهُ حَكَى قَوْلَ مَالِكٍ وَقَوْلَ الْكُوفِيِّينَ وَنُقِلَ عَنْ أَهْلِ اللُّغَةِ أَنَّ الْإِحْفَاءَ الِاسْتِئْصَالُ ثُمَّ قَالَ دَلَّتِ السُّنَّةُ عَلَى الْأَمْرَيْنِ وَلَا تَعَارُضَ فَإِنَّ الْقَصَّ يَدُلُّ عَلَى أَخْذِ الْبَعْضِ وَالْإِحْفَاءُ يَدُلُّ عَلَى أَخْذِ الْكُلِّ وَكِلَاهُمَا ثَابِتٌ فَيَتَخَيَّرُ فِيمَا شَاءَ.

     وَقَالَ  بن عَبْدِ الْبَرِّ الْإِحْفَاءُ مُحْتَمَلٌ لِأَخْذِ الْكُلِّ وَالْقَصُّ مُفَسِّرٌ لِلْمُرَادِ وَالْمُفَسِّرُ مُقَدَّمٌ عَلَى الْمُجْمَلِ اه وَيُرَجِّحُ قَوْلَ الطَّبَرِيِّ ثُبُوتُ الْأَمْرَيْنِ مَعًا فِي الْأَحَادِيثِ الْمَرْفُوعَةِ فَأَمَّا الِاقْتِصَارُ عَلَى الْقَصِّ فَفِي حَدِيثِ الْمُغِيرَةِ بْنِ شُعْبَةَ ضِفْتُ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَكَانَ شَارِبِي وَفَّى فَقَصَّهُ عَلَى سِوَاكٍ أَخْرَجَهُ أَبُو دَاوُدَ وَاخْتُلِفَ فِي الْمُرَادِ بِقَوْلِهِ عَلَى سِوَاكٍ فَالرَّاجِحُ أَنَّهُ وَضَعَ سِوَاكًا عِنْدَ الشَّفَةِ تَحْتَ الشَّعْرِ وَأَخَذَ الشَّعْرَ بِالْمِقَصِّ وَقِيلَ الْمَعْنَى قَصَّهُ عَلَى أَثَرِ سِوَاكٍ أَي بعد مَا تَسَوَّكَ وَيُؤَيِّدُ الْأَوَّلَ مَا أَخْرَجَهُ الْبَيْهَقِيُّ فِي هَذَا الْحَدِيثِ قَالَ فِيهِ فَوَضَعَ السِّوَاكَ تَحْتَ الشَّارِبِ وَقَصَّ عَلَيْهِ وَأَخْرَجَ الْبَزَّارُ مِنْ حَدِيثَ عَائِشَةَ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَبْصَرَ رَجُلًا وَشَارِبُهُ طَوِيلٌ فَقَالَ ائْتُونِي بِمِقَصٍّ وَسِوَاكٍ فَجَعَلَ السِّوَاكَ عَلَى طَرَفِهِ ثُمَّ أَخَذَ مَا جاوزه وَأخرج التِّرْمِذِيّ من حَدِيث بن عَبَّاسٍ وَحَسَّنَهُ كَانَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُصُّ شَارِبَهُ وَأَخْرَجَ الْبَيْهَقِيُّ وَالطَّبَرَانِيُّ مِنْ طَرِيقِ شُرَحْبِيلَ بْنِ مُسْلِمٍ الْخَوْلَانِيُّ قَالَ رَأَيْتُ خَمْسَةً مِنْ أَصْحَابِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُصُّونَ شَوَارِبَهُمْ أَبُو أُمَامَةُ الْبَاهِلِيُّ وَالْمِقْدَامُ بْنُ مَعْدِي كَرِبَ الْكِنْدِيُّ وَعُتْبَةُ بْنُ عَوْفٍ السُّلَمِيُّ وَالْحَجَّاجُ بْنُ عَامِرٍ الثُّمَالِيُّ وَعَبْدُ اللَّهِ بْنُ بُسْرٍ.
وَأَمَّا الْإِحْفَاءُ فَفِي رِوَايَةِ مَيْمُونِ بْنِ مِهْرَانَ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ قَالَ ذِكْرُ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْمَجُوسَ فَقَالَ إِنَّهُمْ يُوفُونَ سِبَالَهُمْ ويحلقون لحاهم فخالفوهم قَالَ فَكَانَ بن عُمَرَ يَسْتَقْرِضُ سَبَلَتَهُ فَيَجُزُّهَا كَمَا يَجُزُّ الشَّاةَ أَوِ الْبَعِيرَ أَخْرَجَهُ الطَّبَرِيُّ وَالْبَيْهَقِيُّ وَأَخْرَجَا مِنْ طَرِيقِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي رَافِعٍ قَالَ رَأَيْتُ أَبَا سَعِيدٍ الْخُدْرِيَّ وَجَابِرَ بن عبد الله وبن عُمَرَ وَرَافِعَ بْنَ خَدِيجٍ وَأَبَا أُسَيْدٍ الْأَنْصَارِيَّ وَسَلَمَةَ بْنَ الْأَكْوَعِ وَأَبَا رَافِعٍ يُنْهِكُونَ شَوَارِبَهُمْ كَالْحَلْقِ لَفْظُ الطَّبَرَيِّ وَفِي رِوَايَةِ الْبَيْهَقِيِّ يَقُصُّونَ شَوَارِبَهُمْ مَعَ طَرَفِ الشَّفَةِ وَأَخْرَجَ الطَّبَرِيُّ مِنْ طُرُقٍ عَنْ عُرْوَةَ وَسَالِمٍ وَالْقَاسِمِ وَأَبِي سَلَمَةَ أَنَّهُمْ كَانُوا يَحْلِقُونَ شَوَارِبَهُمْ وَقَدْ تَقَدَّمَ فِي أول الْبَاب أثر بن عُمَرَ أَنَّهُ كَانَ يُحْفِي شَارِبَهُ حَتَّى يَنْظُرَ إِلَى بَيَاضِ الْجِلْدِ لَكِنْ كُلُّ ذَلِكَ مُحْتَمَلٌ لِأَنْ يُرَادَ اسْتِئْصَالُ جَمِيعِ الشَّعْرِ النَّابِتِ عَلَى الشَّفَةِ الْعُلْيَا وَمُحْتَمَلٌ لِأَنْ يُرَادَ اسْتِئْصَالُ مَا يُلَاقِي حُمْرَةَ الشَّفَةِ مِنْ أَعْلَاهَا وَلَا يَسْتَوْعِبُ بَقِيَّتَهَا نَظَرًا إِلَى الْمَعْنَى فِي مَشْرُوعِيَّةِ ذَلِكَ وَهُوَ مُخَالَفَةُ الْمَجُوسِ وَالْأَمْنُ مِنَ التَّشْوِيشِ عَلَى الْأَكْلِ وَبَقَاءِ زُهُومَةِ الْمَأْكُولِ فِيهِ وَكُلُّ ذَلِكَ يَحْصُلُ بِمَا ذَكَرْنَا وَهُوَ الَّذِي يَجْمَعُ مُفْتَرَقَ الْأَخْبَارِ الْوَارِدَةِ فِي ذَلِكَ وَبِذَلِكَ جَزَمَ الدَّاوُدِيُّ فِي شرح أثر بن عُمَرَ الْمَذْكُورِ وَهُوَ مُقْتَضَى تَصَرُّفِ الْبُخَارِيِّ لِأَنَّهُ أورد أثر بن عُمَرَ وَأَوْرَدَ بَعْدَهُ حَدِيثَهُ وَحَدِيثَ أَبِي هُرَيْرَةَ فِي قَصِّ الشَّارِبِ فَكَأَنَّهُ أَشَارَ إِلَى أَنَّ ذَلِكَ هُوَ الْمُرَادُ مِنَ الْحَدِيثِ وَعَنِ الشَّعْبِيِّ أَنَّهُ كَانَ يَقُصُّ شَارِبَهُ حَتَّى يُظْهِرَ حَرْفَ الشَّفَةِ الْعَلْيَاءِ وَمَا قَارَبَهُ مِنْ أَعْلَاهُ وَيَأْخُذُ مَا يَزِيدُ مِمَّا فَوْقَ ذَلِكَ وَيَنْزِعُ مَا قَارَبَ الشَّفَةَ مِنْ جَانِبَيِ الْفَمِ وَلَا يَزِيدُ عَلَى ذَلِكَ وَهَذَا أَعْدَلُ مَا وَقَفْتُ عَلَيْهِ من الْآثَار وَقد أبدى بن الْعَرَبِيِّ لِتَخْفِيفِ شَعْرِ الشَّارِبِ مَعْنًى لَطِيفًا فَقَالَ إِنَّ الْمَاءَ النَّازِلَ مِنَ الْأَنْفِ يَتَلَبَّدُ بِهِ الشَّعْرُ لِمَا فِيهِ مِنَ اللُّزُوجَةِ وَيَعْسُرُ تَنْقِيَتُهُ عِنْدَ غَسْلِهِ وَهُوَ بِإِزَاءِ حَاسَّةٍ شَرِيفَةٍ وَهِيَ الشَّمُّ فَشَرَعَ تَخْفِيفَهُ لِيَتِمَّ الْجَمَالُ وَالْمَنْفَعَةُ بِهِ.

قُلْتُ وَذَلِكَ يَحْصُلُ بِتَخْفِيفِهِ وَلَا يَسْتَلْزِمُ إِحْفَافَهُ وَإِنْ كَانَ أَبْلَغَ وَقَدْ رَجَّحَ الطَّحَاوِيُّ الْحَلْقَ عَلَى الْقَصِّ بِتَفْضِيلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْحلق على التَّقْصِير فِي النّسك ووهى بن التِّينِ الْحَلْقَ بِقَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَيْسَ مِنَّا مَنْ حَلَقَ وَكِلَاهُمَا احْتِجَاجٌ بِالْخَبَرِ فِي غَيْرِ مَا وَرَدَ فِيهِ وَلَا سِيَّمَا الثَّانِي وَيُؤْخَذ مِمَّا أَشَارَ إِلَيْهِ بن الْعَرَبِيِّ مَشْرُوعِيَّةُ تَنْظِيفِ دَاخِلِ الْأَنْفِ وَأَخْذُ شَعْرِهِ إِذَا طَالَ وَاللَّهُ أَعْلَمُ وَقَدْ رَوَى مَالِكٍ عَنْ زَيْدِ بْنِ أَسْلَمَ أَنَّ عُمَرَ كَانَ إِذَا غَضِبَ فَتَلَ شَارِبَهُ فَدَلَّ عَلَى أَنَّهُ كَانَ يوفره وَحكى بن دَقِيقِ الْعِيدِ عَنْ بَعْضِ الْحَنَفِيَّةِ أَنَّهُ قَالَ لَا بَأْسَ بِإِبْقَاءِ الشَّوَارِبِ فِي الْحَرْبِ إِرْهَابًا لِلْعَدُوِّ وَزَيَّفَهُ فَصْلٌ فِي فَوَائِدَ تَتَعَلَّقُ بِهَذَا الْحَدِيثِ الْأُولَى قَالَ النَّوَوِيُّ يُسْتَحَبُّ أَنْ يُبْدَأَ فِي قَصِّ الشَّارِبِ بِالْيَمِينِ الثَّانِيَةُ يَتَخَيَّرُ بَيْنَ أَنْ يَقُصَّ ذَلِكَ بِنَفْسِهِ أَوْ يُوَلِّيَ ذَلِكَ غَيْرَهُ لِحُصُولِ الْمَقْصُودِ مِنْ غَيْرِ هَتْكِ مُرُوءَةٍ بِخِلَافِ الْإِبْطِ وَلَا ارْتِكَابِ حُرْمَةٍ بِخِلَافِ الْعَانَةِ.

قُلْتُ مَحَلُّ ذَلِكَ حَيْثُ لَا ضَرُورَةَ.
وَأَمَّا مَنْ لَا يُحْسِنُ الْحَلْقَ فَقَدْ يُبَاحُ لَهُ إِنْ لَمْ تَكُنْ لَهُ زَوْجَةٌ تُحْسِنُ الْحَلْقَ أَنْ يَسْتَعِينَ بِغَيْرِهِ بِقَدْرِ الْحَاجَةِ لَكِنْ مَحَلُّ هَذَا إِذَا لَمْ يَجِدْ مَا يَتَنَوَّرُ بِهِ فَإِنَّهُ يُغْنِي عَنِ الْحَلْقِ وَيَحْصُلُ بِهِ الْمَقْصُودُ وَكَذَا مَنْ لَا يَقْوَى عَلَى النَّتْفِ وَلَا يَتَمَكَّنُ مِنَ الْحَلْقِ إِذَا اسْتَعَانَ بِغَيْرِهِ فِي الْحَلْقِ لَمْ تُهْتَكِ الْمُرُوءَةُ مِنْ أَجْلِ الضَّرُورَةِ كَمَا تَقَدَّمَ عَنِ الشَّافِعِيِّ وَهَذَا لِمَنْ لَمْ يَقْوَ عَلَى التَّنَوُّرِ مِنْ أَجْلِ أَنَّ النُّورَةَ تُؤْذِي الْجِلْدَ الرَّقِيقَ كَجِلْدِ الْإِبْطِ وَقَدْ يُقَالُ مِثْلُ ذَلِكَ فِي حَلْقِ الْعَانَةِ مِنْ جِهَةِ الْمَغَابِنِ الَّتِي بَيْنَ الْفَخِذِ وَالْأُنْثَيَيْنِ.
وَأَمَّا الْأَخْذُ مِنَ الشَّارِبِ فَيَنْبَغِي فِيهِ التَّفْصِيلُ بَيْنَ مَنْ يُحْسِنُ أَخْذَهُ بِنَفْسِهِ بِحَيْثُ لَا يَتَشَوَّهُ وَبَيْنَ مَنْ لَا يُحْسِنُ فَيَسْتَعِينُ بِغَيْرِهِ وَيَلْتَحِقُ بِهِ مَنْ لَا يَجِدُ مِرْآةً يَنْظُرُ وَجْهَهُ فِيهَا عِنْدَ أَخْذِهِ الثَّالِثَةُ قَالَ النَّوَوِيُّ يَتَأَدَّى أَصْلُ السّنة بِأخذ الشَّارِب بالمقص وَبِغَيْرِهِ وَتوقف بن دَقِيقِ الْعِيدِ لَا أَعْلَمُ أَحَدًا قَالَ بِوُجُوبِ قَصِّ الشَّارِبِ مِنْ حَيْثُ هُوَ هُوَ وَاحْتُرِزَ بِذَلِكَ مِنْ وُجُوبِهِ بِعَارِضٍ حَيْثُ يَتَعَيَّنُ كَمَا تقدّمت الْإِشَارَة إِلَيْهِ من كَلَام بن الْعَرَبِيّ وَكَأَنَّهُ لم يقف على كَلَام بن حَزْمٍ فِي ذَلِكَ فَإِنَّهُ قَدْ صَرَّحَ بِالْوُجُوبِ فِي ذَلِك وَفِي إعفاء اللِّحْيَة