فهرس الكتاب

فتح الباري لابن حجر - باب قول الله تعالى: {واجتنبوا قول الزور} [الحج: 30]

( قَولُهُ بَابُ قَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى وَاجْتَنِبُوا قَوْلَ الزُّور)
قَالَ الرَّاغِبُ الزُّورُ الْكَذِبُ قِيلَ لَهُ ذَلِكَ لِكَوْنِهِ مَائِلًا عَنِ الْحَقِّ وَالزَّوَرُ بِفَتْحِ الزَّاي الْمَيْلُ وَكَانَ مَوْقِعُ هَذِهِ التَّرْجَمَةِ لِلْإِشَارَةِ إِلَى أَنَّ الْقَوْلَ الْمَنْقُولَ بِالنَّمِيمَةِ لَمَّا كَانَ أَعَمَّ مِنْ أَنْ يَكُونَ صِدْقًا أَوْ كَذِبًا فَالْكَذِبُ فِيهِ أَقْبَحُ



[ قــ :5733 ... غــ :6057] .

     قَوْلُهُ  حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ يُونُسَ هُوَ أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ يُونُسَ نُسِبَ إِلَى جَدِّهِ وَقَدْ تَقَدَّمَ حَدِيثُ الْبَابِ فِي أَوَائِلِ الصِّيَامِ أَخْرَجَهُ عَنْ آدَمَ بْنِ أبي إِيَاس عَن بن أَبِي ذِئْبٍ بِالسَّنَدِ وَالْمَتْنِ وَتَقَدَّمَ شَرْحُهُ هُنَاكَ وَقَولُهُ هُنَا فِي آخِرِهِ قَالَ أَحْمَدُ أَفْهَمَنِي رَجُلٌ إِسْنَادَهُ أَحْمَدُ هُوَ بن يُونُسَ الْمَذْكُورُ وَالْمَعْنَى أَنَّهُ لَمَّا سَمِعَ الْحَدِيثَ من بن أَبِي ذِئْبٍ لَمْ يَتَيَقَّنْ إِسْنَادَهُ مِنْ لَفْظِ شَيْخِهِ فَأَفْهَمَهُ إِيَّاهُ رَجُلٌ كَانَ مَعَهُ فِي الْمَجْلِسِ وَقَدْ خَالَفَ أَبُو دَاوُدَ رِوَايَةَ الْبُخَارِيِّ فَأَخْرَجَ الْحَدِيثَ الْمَذْكُورَ عَنْ أَحْمَدَ بْنِ يُونُسَ هَذَا لَكِن قَالَ فِي آخِره قَالَ أَحْمد فهمت إِسْنَاده من بن أَبِي ذِئْبٍ وَأَفْهَمَنِي الْحَدِيثَ رَجُلٌ إِلَى جَنْبِهِ أرَاهُ بن أَخِيهِ وَهَكَذَا أَخْرَجَهُ الْإِسْمَاعِيلِيُّ عَنْ إِبْرَاهِيمُ بْنُ شَرِيكٍ عَنْ أَحْمَدَ بْنِ يُونُسَ وَهَذَا عَكْسُ مَا ذَكَرَهُ الْبُخَارِيُّ فَإِنَّ مُقْتَضَى رِوَايَتِهِ أَنَّ الْمَتْنَ فَهِمَهُ أَحْمَدُ مِنْ شَيْخِهِ وَلَمْ يَفْهَمِ الْإِسْنَادَ مِنْهُ بِخِلَافِ مَا قَالَ أَبُو دَاوُدَ وَإِبْرَاهِيمُ بْنُ شَرِيكٍ فَيُحْمَلُ عَلَى أَنَّ أَحْمَدَ بْنِ يُونُسَ حَدَّثَ بِهِ عَلَى الْوَجْهَيْنِ وَخَبَطَ الْكِرْمَانِيُّ هُنَا فَقَالَ قَالَ أَفْهَمَنِي أَيْ كُنْتُ نَسِيتُ هَذَا الْإِسْنَادَ فَذَكَّرَنِي رَجُلٌ إِسْنَادَهُ وَوَجْهُ الْخَبْطِ نِسْبَتُهُ إِلَى أَحْمَدَ بْنِ يُونُسَ نِسْيَانُ الْإِسْنَادِ وَأَنَّ التَّذْكِيرَ وَقَعَ لَهُ مِنَ الرَّجُلِ بَعْدَ ذَلِكَ وَلَيْسَ كَذَلِكَ بَلْ أَرَادَ أَنَّهُ لما سَمعه من بن أَبِي ذِئْبٍ خَفِيَ عَنْهُ بَعْضُ لَفْظِهِ أَمَّا عَلَى رِوَايَةِ الْبُخَارِيِّ فَمِنَ الْإِسْنَادِ.
وَأَمَّا عَلَى رِوَايَةِ أَبِي دَاوُدَ فَمِنَ الْمَتْنِ وَكَانَ الرَّجُلُ بِجَنْبِهِ فَكَأَنَّهُ اسْتَفْهَمَهُ عَمَّا خَفِيَ عَلَيْهِ مِنْهُ فَأَفْهَمَهُ فَلَمَّا كَانَ بَعْدَ ذَلِكَ وَتَصَدَّى لِلتَّحْدِيثِ بِهِ أَخْبَرَ بِالْوَاقِعِ وَلَمْ يَسْتَجِزْ أَنْ يُسْنِدَهُ عَن بن أَبِي ذِئْبٍ بِغَيْرِ بَيَانٍ وَقَدْ وَقَعَ مِثْلُ ذَلِكَ لِكَثِيرٍ مِنَ الْمُحَدِّثِينَ وَعَقَدَ الْخَطِيبُ لِذَلِكَ بَابًا فِي كِتَابِ الْكِفَايَةِ وَانْظُرْ إِلَى قَوْلِهِ أَفْهَمَنِي رَجُلٌ إِلَى جَنْبِهِ أَيْ إِلَى جَنْبِ بن أَبِي ذِئْبٍ ثُمَّ قَالَ الْكِرْمَانِيُّ وَأَرَادَ رَجُلٌ عَظِيمٌ وَالتَّنْوِينُ يَدُلُّ عَلَيْهِ وَالْغَرَضُ مَدْحُ شَيْخِهِ بن أَبِي ذِئْبٍ أَوْ رَجُلٍ آخَرَ غَيْرِهِ أَفْهَمَنِي اه وَلَمْ يَتَعَيَّنْ أَنَّهُ تَعْظِيمٌ لِلرَّجُلِ الَّذِي أَفْهَمَهُ مِنْ مُجَرَّدِ قَوْلِهِ رَجُلٌ بَلِ الَّذِي فِيهِ أَنه إِمَّا نَسِيَ اسْمَهُ فَعَبَّرَ عَنْهُ بِرَجُلٍ أَوْ كَنَّى عَنِ اسْمِهِ عَمْدًا.
وَأَمَّا مَدْحُ شَيْخِهِ فَلَيْسَ فِي السِّيَاق مَا يَقْتَضِيهِ قلت وبن أَبِي ذِئْبٍ هُوَ مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ الْمُغِيرَةِ الْمَخْزُومِيُّ وَكَانَ لَهُ أَخَوَانِ الْمُغِيرَةُ وطالوت وَلم أَقف على اسْم بن أَخِيهِ الْمَذْكُورِ وَلَا عَلَى تَعْيِينِ أَبِيهِ أَيِّهِمَا هُوَ قَالَ بن التِّينِ ظَاهِرُ الْحَدِيثِ أَنَّ مَنِ اغْتَابَ فِي صَوْمِهِ فَهُوَ مُفْطِرٌ وَإِلَيْهِ ذَهَبَ بَعْضُ السَّلَفِ وَذَهَبَ الْجُمْهُورُ إِلَى خِلَافِهِ لَكِنَّ مَعْنَى الْحَدِيثِ أَنَّ الْغِيبَةَ مِنَ الْكَبَائِرِ وَأَنَّ إِثْمَهَا لَا يَفِي لَهُ بِأَجْرِ صَوْمِهِ فَكَأَنَّهُ فِي حُكْمِ الْمُفْطِرِ.

قُلْتُ وَفِي كَلَامِهِ مُنَاقَشَةٌ لِأَنَّ حَدِيثَ الْبَابِ لَا ذِكْرَ لِلْغِيبَةِ فِيهِ وَإِنَّمَا فِيهِ قَوْلُ الزُّورِ وَالْعَمَلُ بِهِ وَالْجَهْلُ وَلَكِنَّ الْحُكْمَ وَالتَّأْوِيلَ فِي كُلِّ ذَلِكَ مَا أَشَارَ إِلَيْهِ وَاللَّهُ أَعْلَمُ وَقَولُهُ فِيهِ فَلَيْسَ لِلَّهِ حَاجَةٌ هُوَ مجَاز عَن عدم قبُول الصَّوْم