فهرس الكتاب

فتح الباري لابن حجر - باب الكنية للصبي وقبل أن يولد للرجل

( قَولُهُ بَابُ الْكُنْيَةِ لِلصَّبِيِّ وَقَبْلَ أَنْ يُولَدَ لِلرَّجُلِ)
فِي رِوَايَةِ الْكُشْمِيهَنِيِّ يَلِدُ الرَّجُلُ ذَكَرَ فِيهِ قِصَّةَ أَبِي عُمَيْرٍ وَهُوَ مُطَابِقٌ لِأَحَدِ رُكْنَيِ التَّرْجَمَةِ وَالرُّكْنُ الثَّانِي مَأْخُوذٌ مِنَ الْإِلْحَاقِ بَلْ بِطَرِيقِ الْأَوْلَى وَأَشَارَ بِذَلِكَ إِلَى الرَّدِّ عَلَى مَنْ مَنَعَ تَكْنِيَةَ مَنْ لَمْ يُولَدْ لَهُ مُسْتَنِدًا إِلَى أَنَّهُ خِلَافُ الْوَاقِعِ فَقَدْ أخرج بن مَاجَهْ وَأَحْمَدُ وَالطَّحَاوِيُّ وَصَحَّحَهُ الْحَاكِمُ مِنْ حَدِيثِ صُهَيْب أَن عمر قَالَ لَهُ مَالك تُكَنَّى أَبَا يَحْيَى وَلَيْسَ لَكَ وَلَدٌ قَالَ إِنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَنَّانِي وَأَخْرَجَ سَعِيدُ بْنُ مَنْصُورٍ مِنْ طَرِيقِ فُضَيْلِ بْنِ عَمْرٍو.

قُلْتُ لِإِبْرَاهِيمَ إِنِّي أُكَنَّى أَبَا النَّضْرِ وَلَيْسَ لِي وَلَدٌ وَأَسْمَعُ النَّاسَ يَقُولُونَ مَنِ اكْتَنَى وَلَيْسَ لَهُ وَلَدٌ فَهُوَ أَبُو جَعْرٍ فَقَالَ إِبْرَاهِيمُ كَانَ عَلْقَمَةُ يُكَنَّى أَبَا شِبْلٍ وَكَانَ عَقِيمًا لَا يُولَدُ لَهُ وَقَولُهُ جَعْرٌ بِفَتْحِ الْجِيمِ وَسُكُونِ الْمُهْمَلَةِ وَشِبْلٌ بِكَسْرِ الْمُعْجَمَةِ وَسُكُونِ الْمُوَحَّدَةِ وَأَخْرَجَ الْمُصَنِّفُ فِي الْأَدَبِ الْمُفْرَدِ عَنْ عَلْقَمَةَ قَالَ كَنَّانِي عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مَسْعُودٍ قَبْلَ أَنْ يُولَدَ لِي وَقَدْ كَانَ ذَلِكَ مُسْتَعْمَلًا عِنْدَ الْعَرَبِ قَالَ الشَّاعِرُ لَهَا كُنْيَةُ عَمْرٍو وَلَيْسَ لَهَا عَمْرٌو وَأَخْرَجَ بن أَبِي شَيْبَةَ عَنِ الزُّهْرِيِّ قَالَ كَانَ رِجَالٌ مِنَ الصَّحَابَةِ يَكْتَنُونَ قَبْلَ أَنْ يُولَدَ لَهُمْ وَأَخْرَجَ الْمُصَنِّفُ فِي بَابِ مَا جَاءَ فِي قَبْرِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْ كِتَابِ الْجَنَائِزِ عَنْ هِلَالٍ الْوَزَّانِ قَالَ كَنَّانِي عُرْوَةُ قَبْلَ أَنْ يُولَدَ لِي.

قُلْتُ وَكُنْيَةُ هِلَالٍ الْمَذْكُورِ أَبُو عَمْرٍو وَيُقَالُ أَبُو أُمَيَّةَ وَيُقَالُ غَيْرُ ذَلِكَ وَأَخْرَجَ الطَّبَرَانِيُّ عَنْ عَلْقَمَةَ عَن بن مَسْعُودٍ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَنَّاهُ أَبَا عَبْدِ الرَّحْمَنِ قَبْلَ أَنْ يُولَدَ لَهُ وَسَنَدُهُ صَحِيحٌ قَالَ الْعُلَمَاءُ كَانُوا يُكَنُّونَ الصَّبِيَّ تَفَاؤُلًا بِأَنَّهُ سَيَعِيشُ حَتَّى يُولَدَ لَهُ وَلِلْأَمْنِ مِنَ التَّلْقِيبِ لِأَنَّ الْغَالِبَ أَنَّ مَنْ يذكر شَخْصًا فَيُعَظِّمُهُ أَنْ لَا يَذْكُرَهُ بِاسْمِهِ الْخَاصِّ بِهِ فَإِذَا كَانَتْ لَهُ كُنْيَةٌ أَمِنَ مِنْ تَلْقِيبِهِ وَلِهَذَا قَالَ قَائِلُهُمْ بَادِرُوا أَبْنَاءَكُمْ بِالْكُنَى قَبْلَ أَنْ تَغْلِبَ عَلَيْهَا الْأَلْقَابُ وَقَالُوا الْكُنْيَةُ لِلْعَرَبِ كَاللَّقَبِ لِلْعَجَمِ وَمِنْ ثَمَّ كُرِهَ لِلشَّخْصِ أَنْ يُكَنِّي نَفْسَهُ إِلَّا إِنْ قَصَدَ التَّعْرِيفَ



[ قــ :5874 ... غــ :6203] قَوْله عبد الْوَارِث هُوَ بن سَعِيدٍ وَأَبُو التَّيَّاحِ بِمُثَنَّاةٍ فَوْقَانِيَّةٍ ثُمَّ تَحْتَانِيَّةٍ ثَقيلَة مَفْتُوحَتَيْنِ ثُمَّ مُهْمَلَةٍ هُوَ يَزِيدُ بْنُ حُمَيْدٍ وَالْإِسْنَادُ كُلُّهُ بَصْرِيُّونَ وَقَدْ تَقَدَّمَ مِنْ رِوَايَةِ شُعْبَةَ عَنْ أَبِي التَّيَّاحِ فِي بَابِ الِانْبِسَاطِ إِلَى النَّاسِ وَقَدْ أَخْرَجَهُ النَّسَائِيُّ مِنْ طَرِيقِ شُعْبَةَ هَكَذَا وَمِنْ وَجْهٍ آخَرَ عَنْ شُعْبَةَ عَنْ قَتَادَةَ عَنْ أَنَسٍ وَمِنْ وَجْهٍ ثَالِثٍ عَنْ شُعْبَةَ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ قَيْسٍ عَنْ حُمَيْدٍ عَنْ أَنَسٍ وَالْمَشْهُورُ الْأَوَّلُ وَيَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ لِشُعْبَةَ فِيهِ طُرُقٌ .

     قَوْلُهُ  كَانَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَحْسَنَ النَّاسِ خُلُقًا هَذَا قَالَه أنس تَوْطِئَة لما يُرِيد يذكرهُ من قصَّة الصَّبِي وَأول حَدِيث شُعْبَة الْمَذْكُور عَنْ أَنَسٍ قَالَ إِنْ كَانَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَيُخَالِطُنَا وَلِأَحْمَدَ مِنْ طَرِيقِ الْمُثَنَّى بْنِ سَعِيدٍ عَنْ أَبِي التَّيَّاحِ عَنْ أَنَسٍ كَانَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَزُورُ أُمَّ سُلَيْمٍ وَفِي رِوَايَةِ مُحَمَّدِ بْنِ قَيْسٍ الْمَذْكُورِ كَانَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَدِ اخْتَلَطَ بِنَا أَهْلُ الْبَيْتِ يَعْنِي لِبَيْتِ أَبِي طَلْحَةَ وَأُمِّ سُلَيْمٍ وَلِأَبِي يَعْلَى مِنْ طَرِيقِ مُحَمَّدِ بْنِ سِيرِينَ عَنْ أَنَسٍ كَانَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَغْشَانَا وَيُخَالِطُنَا وَلِلنَّسَائِيِّ مِنْ طَرِيقِ إِسْمَاعِيلُ بْنُ جَعْفَرٍ عَنْ حُمَيْدٍ عَنْ أَنَسٍ كَانَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَأْتِي أَبَا طَلْحَةَ كَثِيرًا وَلِأَبِي يَعْلَى مِنْ طَرِيقِ خَالِدِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ عَنْ حُمَيْدٍ كَانَ يَأْتِي أُمَّ سُلَيْمٍ وَيَنَامُ عَلَى فِرَاشِهَا وَكَانَ إِذَا مَشَى يَتَوَكَّأُ وَلِابْنِ سَعْدٍ وَسَعِيدِ بْنِ مَنْصُورٍ عَنْ رِبْعِيِّ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الْجَارُودِ عَنْ أَنَسٍ كَانَ يَزُورُ أُمَّ سُلَيْمٍ فَتُتْحِفُهُ بِالشَّيْءِ تَصْنَعُهُ لَهُ .

     قَوْلُهُ  وَكَانَ لِي أَخٌ يُقَالُ لَهُ أَبُو عُمَيْرٍ هُوَ بِالتَّصْغِيرِ وَفِي رِوَايَةِ حَمَّادِ بْنِ سَلِمَةَ عَنْ ثَابِتٍ عَنْ أَنَسٍ عِنْدَ أَحْمَدَ كَانَ لِي أَخٌ صَغِيرٌ وَهُوَ أَخُو أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ مِنْ أُمِّهِ فَفِي رِوَايَةِ الْمُثَنَّى بْنِ سَعِيدٍ الْمَذْكُورَةِ وَكَانَ لَهَا أَيْ أم سليم بن صَغِيرٌ وَفِي رِوَايَةِ حُمَيْدٍ عِنْدَ أَحْمَدَ وَكَانَ لَهَا من أبي طَلْحَة بن يُكَنَّى أَبَا عُمَيْرٍ وَفِي رِوَايَةِ مَرْوَانَ بْنِ مُعَاوِيَةَ عَنْ حُمَيْدٍ عِنْد بن أَبِي عُمَرَ كَانَ بَنِيَّ لِأَبِي طَلْحَةَ وَفِي رِوَايَةِ عُمَارَةَ بْنِ زَاذَانَ عَنْ ثَابِتٍ عِنْدَ بن سعد أَن أَبَا طَلْحَة كَانَ لَهُ بن قَالَ أَحْسِبُهُ فَطِيمًا فِي بَعْضِ النُّسَخِ فَطِيمً بِغَيْرِ أَلِفٍ وَهُوَ مَحْمُولٌ عَلَى طَرِيقَةِ مَنْ يَكْتُبُ الْمَنْصُوبَ الْمُنَوَّنَ بِلَا أَلِفٍ وَالْأَصْلُ فَطِيمٌ لِأَنَّهُ صِفَةُ أَخٍ وَهُوَ مَرْفُوعٌ لَكِنْ تَخَلَّلَ بَيْنَ الصِّفَةِ وَالْمَوْصُوفِ أَحْسِبُهُ وَقَدْ وَقَعَ عِنْدَ أَحْمَدَ مِنْ طَرِيقِ الْمُثَنَّى بْنِ سَعِيدٍ مِثْلُ مَا فِي الْأَصْلِ فَطِيمٌ بِمَعْنَى مَفْطُومٌ أَيِ انْتَهَى إِرْضَاعُهُ .

     قَوْلُهُ  وَكَانَ أَيِ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِذَا جَاءَ زَادَ مَرْوَانُ بْنُ مُعَاوِيَةَ فِي رِوَايَتِهِ إِذَا جَاءَ لِأُمِّ سليم يمازحه وَلأَحْمَد فِي رِوَايَته عَن حُمَيْدٍ مِثْلُهُ وَفِي أُخْرَى يُضَاحِكُهُ وَفِي رِوَايَةِ مُحَمَّدِ بْنِ قَيْسٍ يُهَازِلُهُ وَفِي رِوَايَةِ الْمُثَنَّى بن سعيد عَن أَبِي عَوَانَةَ يُفَاكِهُهُ .

     قَوْلُهُ  يَا أَبَا عُمَيْرٍ فِي رِوَايَةِ رِبْعِيِّ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ فَزَارَنَا ذَاتَ يَوْمٍ فَقَالَ يَا أُمَّ سُلَيْمٍ مَا شَأْنِي أَرَى أَبَا عُمَيْرٍ ابْنَكِ خَائِرَ النَّفْسِ بِمُعْجَمَةٍ وَمُثَلَّثَةٍ أَيْ ثَقِيلُ النَّفْسِ غَيْرُ نَشِيطٍ وَفِي رِوَايَةِ مَرْوَانَ بْنِ مُعَاوِيَةَ وَإِسْمَاعِيلَ بْنِ جَعْفَرٍ كِلَاهُمَا عَنْ حُمَيْدٍ فَجَاءَ يَوْمًا وَقَدْ مَاتَ نُغَيْرُهُ زَادَ مَرْوَانُ الَّذِي كَانَ يَلْعَبُ بِهِ زَادَ إِسْمَاعِيلُ فَوَجَدَهُ حَزِينًا فَسَأَلَ عَنْهُ فَأَخْبَرَتْهُ فَقَالَ يَا أَبَا عُمَيْرٍ وَسَاقَهُ أَحْمَدَ عَنْ يَزِيدَ بْنِ هَارُونَ عَنْ حُمَيْدٍ بِتَمَامِهِ وَفِي رِوَايَةِ حَمَّادِ بْنِ سَلَمَةَ الْمُشَارِ إِلَيْهَا فَقَالَ مَا شَأْنُ أَبِي عُمَيْرٍ حَزِينًا وَفِي رِوَايَةِ رِبْعِيِّ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ فَجَعَلَ يَمْسَحُ رَأْسَهُ وَيَقُولُ فِي رِوَايَةِ عُمَارَةَ بْنِ زَاذَانَ فَكَانَ يَسْتَقْبِلُهُ وَيَقُولُ .

     قَوْلُهُ  مَا فَعَلَ النُّغَيْرُ بِنُونٍ وَمُعْجَمَةٍ وَرَاءٍ مُصَغَّرٌ وَكَرَّرَ ذَلِكَ فِي رِوَايَةِ حَمَّادِ بْنِ سَلَمَةَ .

     قَوْلُهُ  نُغَيْرٌ كَانَ يلْعَب بِهِ وَهُوَ طير صَغِير وَاحِدَة نُغْرَةٌ وَجَمْعُهُ نُغْرَانِ قَالَ الْخَطَّابِيُّ طُوَيْرٌ لَهُ صَوْتٌ وَفِيهِ نَظَرٌ فَإِنَّهُ وَرَدَ فِي بَعْضِ طُرُقِهِ أَنَّهُ الصَّعْوُ بِمُهْمَلَتَيْنِ بِوَزْنِ الْعَفْوِ كَمَا فِي رِوَايَةِ رِبْعِيٍّ فَقَالَتْ أُمُّ سُلَيْمٍ مَاتَتْ صَعْوَتُهُ الَّتِي كَانَ يَلْعَبُ بِهَا فَقَالَ أَيْ أَبَا عُمَيْرٍ مَاتَ النُّغَيْرُ فَدَلَّ عَلَى أَنَّهُمَا شَيْءٌ وَاحِدٌ وَالصَّعْوُ لَا يُوصَفُ بِحُسْنِ الصَّوْتِ قَالَ الشَّاعِرُ كَالصَّعْوِ يَرْتَعُ فِي الرِّيَاضِ وَإِنَّمَا حُبِسَ الْهَزَارُ لِأَنَّهُ يَتَرَنَّمُ قَالَ عِيَاضٌ النُّغَيْرُ طَائِرٌ مَعْرُوفٌ يُشْبِهُ الْعُصْفُورَ وَقِيلَ هِيَ فَرَاخُ الْعَصَافِيرِ وَقِيلَ هِيَ نَوْعٌ مِنَ الْحُمَّرِ بِضَمِّ الْمُهْمَلَةِ وَتَشْدِيدِ الْمِيمِ ثُمَّ رَاءٌ قَالَ وَالرَّاجِحُ أَنَّ النُّغَيْرَ طَائِرٌ أَحْمَرُ الْمِنْقَارِ.

قُلْتُ هَذَا الَّذِي جَزَمَ بِهِ الْجَوْهَرِيُّ.

     وَقَالَ  صَاحِبُ الْعَيْنِ وَالْمُحْكَمِ الصَّعْوُ صَغِيرُ الْمِنْقَارِ أَحْمَرُ الرَّأْسِ .

     قَوْلُهُ  فَرُبَّمَا حَضَرَ الصَّلَاةَ وَهُوَ فِي بَيْتِنَا إِلَخْ تَقَدَّمَ شَرْحُهُ مُسْتَوْفًى فِي كِتَابِ الصَّلَاةِ وَتَقَدَّمَتِ الْإِشَارَةُ إِلَيْهِ قَرِيبًا أَيْضًا وَفِي هَذَا الْحَدِيثِ عِدَّةُ فَوَائِدَ جَمَعَهَا أَبُو الْعَبَّاسِ أَحْمَدُ بْنُ أَبِي أَحْمَدَ الطَّبَرِيُّ الْمَعْرُوفُ بِابْنِ الْقَاصِّ الْفَقِيهُ الشَّافِعِيُّ صَاحِبُ التَّصَانِيفِ فِي جُزْءٍ مُفْرَدٍ بَعْدَ أَنْ أَخْرَجَهُ مِنْ وَجْهَيْنِ عَنْ شُعْبَةَ عَنْ أَبِي التَّيَّاحِ وَمِنْ وَجْهَيْنِ عَنْ حُمَيْدٍ عَنْ أَنَسٍ وَمِنْ طَرِيقِ مُحَمَّدِ بْنِ سِيرِينَ وَقَدْ جَمَعْتُ فِي هَذَا الْمَوْضِعِ طُرُقَهُ وَتَتَبَّعْتُ مَا فِي رِوَايَةِ كُلٍّ مِنْهُمْ مِنْ فَائِدَةٍ زَائِدَةٍ وَذكر بن الْقَاصِّ فِي أَوَّلِ كِتَابِهِ أَنَّ بَعْضَ النَّاسِ عَابَ عَلَى أَهْلِ الْحَدِيثِ أَنَّهُمْ يَرْوُونَ أَشْيَاءَ لَا فَائِدَةَ فِيهَا وَمَثَّلَ ذَلِكَ بِحَدِيثِ أَبِي عُمَيْرٍ هَذَا قَالَ وَمَا دَرَى أَنَّ فِي هَذَا الْحَدِيثِ مِنْ وُجُوهِ الْفِقْهِ وَفُنُونِ الْأَدَبِ وَالْفَائِدَةِ سِتِّينَ وَجْهًا ثُمَّ سَاقَهَا مَبْسُوطَةً فَلَخَّصْتُهَا مُسْتَوْفِيًا مَقَاصِدَهُ ثُمَّ أَتْبَعْتُهُ بِمَا تَيَسَّرَ مِنَ الزَّوَائِدِ عَلَيْهِ فَقَالَ فِيهِ اسْتِحْبَابُ التَّأَنِّي فِي الْمَشْيِ وَزِيَارَةُ الْإِخْوَانِ وَجَوَازُ زِيَارَةِ الرَّجُلِ لِلْمَرْأَةِ الْأَجْنَبِيَّةِ إِذَا لَمْ تَكُنْ شَابَّةٌ وَأُمِنَتِ الْفِتْنَةُ وَتَخْصِيصُ الْإِمَامِ بَعْضَ الرَّعِيَّةِ بِالزِّيَارَةِ وَمُخَالَطَةُ بَعْضِ الرَّعِيَّةِ دُونِ بَعْضٍ وَمَشْيُ الْحَاكِمُ وَحْدَهُ وَأَنَّ كَثْرَةَ الزِّيَارَةِ لَا تُنْقِصُ الْمَوَدَّةَ وَأَنَّ قَوْلَهُ زُرْ غِبًّا تَزْدَدْ حُبًّا مَخْصُوصٌ بِمَنْ يَزُورُ لِطَمَعٍ وَأَنَّ النَّهْيَ عَنْ كَثْرَةِ مُخَالَطَةِ النَّاسِ مَخْصُوصٌ بِمَنْ يَخْشَى الْفِتْنَةَ أَوِ الضَّرَرَ وَفِيهِ مَشْرُوعِيَّةُ الْمُصَافَحَةِ لِقَوْلِ أَنَسٍ فِيهِ مَا مَسِسْتُ كَفًّا أَلْيَنَ مِنْ كَفِّ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَتَخْصِيصُ ذَلِكَ بِالرَّجُلِ دُونِ الْمَرْأَةِ وَأَنَّ الَّذِي مَضَى فِي صِفَتِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ كَانَ شَثْنَ الْكَفَّيْنِ خَاصٌّ بِعَبَالَةِ الْجِسْمِ لَا بِخُشُونَةِ اللَّمْسِ وَفِيهِ اسْتِحْبَابُ صَلَاةِ الزَّائِرِ فِي بَيْتِ الْمَزُورِ وَلَا سِيَّمَا إِنْ كَانَ الزَّائِرُ مِمَّنْ يُتَبَرَّكُ بِهِ وَجَوَازُ الصَّلَاةِ عَلَى الْحَصِيرِ وَتَرْكُ التَّقَزُّزِ لِأَنَّهُ عَلِمَ أَنَّ فِي الْبَيْتِ صَغِيرًا وَصَلَّى مَعَ ذَلِكَ فِي الْبَيْتِ وَجَلَسَ فِيهِ وَفِيهِ أَنَّ الْأَشْيَاءَ عَلَى يَقِينِ الطَّهَارَةِ لِأَنَّ نَضْحَهُمُ الْبِسَاطَ إِنَّمَا كَانَ لِلتَّنْظِيفِ وَفِيهِ أَنَّ الِاخْتِيَارَ لِلْمُصَلِّي أَنْ يَقُومَ عَلَى أَرْوَحِ الْأَحْوَالِ وَأَمْكَنِهَا خِلَافًا لِمَنِ اسْتَحَبَّ مِنَ الْمُشَدِّدِينَ فِي الْعِبَادَةِ أَنْ يَقُومَ عَلَى أَجْهَدِهَا وَفِيهِ جَوَازُ حَمْلِ الْعَالِمِ عِلْمَهُ إِلَى مَنْ يَسْتَفِيدُهُ مِنْهُ وَفَضِيلَةٌ لِآلِ أَبِي طَلْحَةَ وَلِبَيْتِهِ إِذْ صَارَ فِي بَيْتِهِمْ قِبْلَةٌ يَقْطَعُ بِصِحَّتِهَا وَفِيهِ جَوَازُ الْمُمَازَحَةِ وَتَكْرِيرِ الْمَزْحِ وَأَنَّهَا إِبَاحَةُ سُنَّةٍ لَا رُخْصَةٌ وَأَنَّ مُمَازَحَةَ الصَّبِيِّ الَّذِي لَمْ يُمَيِّزْ جَائِزَةٌ وَتَكْرِيرُ زِيَارَةِ الْمَمْزُوحِ مَعَهُ وَفِيهِ تَرْكُ التَّكَبُّرِ وَالتَّرَفُّعِ وَالْفرق بَين كَون الْكَبِير فِي الطَّرِيق فيتواقر أَوْ فِي الْبَيْتِ فَيَمْزَحُ وَأَنَّ الَّذِي وَرَدَ فِي صِفَةِ الْمُنَافِقِ أَنَّ سِرَّهُ يُخَالِفُ عَلَانِيَتَهُ لَيْسَ عَلَى عُمُومِهِ وَفِيهِ الْحُكْمُ عَلَى مَا يظْهر من الأمارات فِي الْوَجْه من حزنه أَوْ غَيْرِهِ وَفِيهِ جَوَازُ الِاسْتِدْلَالِ بِالْعَيْنِ عَلَى حَالِ صَاحِبِهَا إِذِ اسْتَدَلَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِالْحُزْنِ الظَّاهِرِ عَلَى الْحُزْنِ الْكَامِنِ حَتَّى حَكَمَ بِأَنَّهُ حَزِينٌ فَسَأَلَ أُمَّهُ عَنْ حُزْنِهِ وَفِيهِ التَّلَطُّفُ بِالصَّدِيقِ صَغِيرًا كَانَ أَوْ كَبِيرًا وَالسُّؤَالُ عَنْ حَالِهِ وَأَنَّ الْخَبَرَ الْوَارِدَ فِي الزَّجْرِ عَنْ بُكَاءِ الصَّبِيِّ مَحْمُولٌ عَلَى مَا إِذَا بَكَى عَنْ سَبَبٍ عَامِدًا وَمِنْ أَذًى بِغَيْرِ حَقٍّ وَفِيهِ قَبُولُ خَبَرِ الْوَاحِدِ لِأَنَّ الَّذِي أَجَابَ عَنْ سَبَبِ حُزْنِ أَبِي عُمَيْرٍ كَانَ كَذَلِكَ وَفِيهِ جَوَازُ تَكْنِيَةِ مَنْ لَمْ يُولَدْ لَهُ وَجَوَازُ لَعِبِ الصَّغِيرِ بِالطَّيْرِ وَجَوَازُ تَرْكِ الْأَبَوَيْنِ وَلَدَهُمَا الصَّغِيرَ يَلْعَبُ بِمَا أُبِيحَ اللَّعِبُ بِهِ وَجَوَازُ إِنْفَاقِ الْمَالِ فِيمَا يَتَلَهَّى بِهِ الصَّغِيرُ مِنَ الْمُبَاحَاتِ وَجَوَازُ إِمْسَاكِ الطَّيْرِ فِي الْقَفَصِ وَنَحْوِهِ وَقَصِّ جَنَاحِ الطَّيْرِ إِذْ لَا يَخْلُو حَالُ طَيْرِ أَبِي عُمَيْرٍ مِنْ وَاحِدٍ مِنْهُمَا وَأَيُّهُمَا كَانَ الْوَاقِعُ الْتَحَقَ بِهِ الْآخَرُ فِي الْحُكْمِ وَفِيهِ جَوَازُ إِدْخَالِ الصَّيْدِ مِنَ الْحِلِّ إِلَى الْحَرَمِ وَإِمْسَاكِهِ بَعْدَ إِدْخَالِهِ خِلَافًا لِمَنْ مَنَعَ مِنْ إِمْسَاكِهِ وَقَاسَهُ عَلَى مَنْ صَادَ ثُمَّ أَحْرَمَ فَإِنَّهُ يَجِبُ عَلَيْهِ الْإِرْسَالُ وَفِيهِ جَوَازُ تَصْغِيرِ الِاسْمِ وَلَوْ كَانَ لِحَيَوَانٍ وَجَوَازُ مُوَاجَهَةِ الصَّغِيرِ بِالْخِطَابِ خِلَافًا لِمَنْ قَالَ الْحَكِيمُ لَا يُوَاجِهُ بِالْخِطَابِ إِلَّا مَنْ يَعْقِلُ وَيَفْهَمُ قَالَ وَالصَّوَابُ الْجَوَازُ حَيْثُ لَا يَكُونُ هُنَاكَ طَلَبُ جَوَابٍ وَمِنْ ثَمَّ لَمْ يُخَاطِبْهُ فِي السُّؤَالِ عَنْ حَالِهِ بَلْ سَأَلَ غَيْرَهُ وَفِيهِ مُعَاشَرَةُ النَّاسِ عَلَى قَدْرِ عُقُولِهِمْ وَفِيهِ جَوَازُ قَيْلُولَةِ الشَّخْصِ فِي بَيْتٍ غَيْرِ بَيْتِ زَوْجَتِهِ وَلَوْ لَمْ تَكُنْ فِيهِ زَوْجَتُهُ وَمَشْرُوعِيَّةُ الْقَيْلُولَةِ وَجَوَازُ قَيْلُولَةِ الْحَاكِمِ فِي بَيْتِ بَعْضِ رَعِيَّتِهِ وَلَوْ كَانَتِ امْرَأَةً وَجَوَازُ دُخُولِ الرَّجُلِ بَيْتَ الْمَرْأَةِ وَزَوْجُهَا غَائِبٌ وَلَوْ لَمْ يَكُنْ مَحْرَمًا إِذَا انْتَفَتِ الْفِتْنَةُ وَفِيهِ إِكْرَامُ الزَّائِرِ وَأَنَّ التَّنَعُّمَ الْخَفِيفَ لَا يُنَافِي السُّنَّةَ وَأَنَّ تَشْيِيعَ الْمَزُورِ الزَّائِرَ لَيْسَ عَلَى الْوُجُوبِ وَفِيهِ أَنَّ الْكَبِيرَ إِذَا زَارَ قَوْمًا وَاسَى بَيْنَهُمْ فَإِنَّهُ صَافَحَ أَنَسًا وَمَازَحَ أَبَا عُمَيْرٍ وَنَامَ عَلَى فِرَاشِ أُمِّ سُلَيْمٍ وَصَلَّى بِهِمْ فِي بَيْتِهِمْ حَتَّى نَالُوا كُلُّهُمْ مِنْ بَرَكَتِهِ انْتَهَى مَا لَخَّصْتُهُ مِنْ كَلَامِهِ فِيمَا اسْتَنْبَطَ مِنْ فَوَائِدِ حَدِيثِ أَنَسٍ فِي قِصَّةِ أَبِي عُمَيْرٍ ثُمَّ ذَكَرَ فَصْلًا فِي فَائِدَةِ تَتَبُّعِ طُرُقِ الْحَدِيثِ فَمِنْ ذَلِكَ الْخُرُوجُ مِنْ خِلَافِ مَنْ شَرَطَ فِي قَبُولِ الْخَبَرِ أَنْ تَتَعَدَّدَ طُرُقُهُ فَقِيلَ لِاثْنَيْنِ وَقِيلَ لِثَلَاثَةٍ وَقِيلَ لِأَرْبَعَةٍ وَقِيلَ حَتَّى يَسْتَحِقَّ اسْمَ الشُّهْرَةِ فَكَانَ فِي جَمِيعِ الطُّرُقِ مَا يَحْصُلُ الْمَقْصُودُ لِكُلِّ أَحَدٍ غَالِبًا وَفِي جَمِيعِ الطُّرُقِ أَيْضًا وَمَعْرِفَةِ مَنْ رَوَاهَا وَكَمِّيَّتِهَا الْعِلْمُ بِمَرَاتِبِ الرُّوَاةِ فِي الْكَثْرَةِ وَالْقِلَّةِ وَفِيهَا الِاطِّلَاعُ عَلَى عِلَّةِ الْخَبَرِ بِانْكِشَافِ غَلَطِ الْغَالِطِ وَبَيَانِ تَدْلِيسِ الْمُدَلِّسِ وَتَوْصِيلِ الْمُعَنْعَنِ ثُمَّ قَالَ وَفِيمَا يَسَّرَهُ اللَّهُ تَعَالَى مِنْ جَمْعِ طُرُقِ هَذَا الْحَدِيثِ وَاسْتِنْبَاطِ فَوَائِدِهِ مَا يَحْصُلُ بِهِ التَّمْيِيزَ بَيْنَ أَهْلِ الْفَهْمِ فِي النَّقْلِ وَغَيْرِهِمْ مِمَّنْ لَا يُهْتَدَى لِتَحْصِيلِ ذَلِكَ مَعَ أَنَّ الْعَيْنَ الْمُسْتَنْبَطَ مِنْهَا وَاحِدَةٌ وَلَكِنْ مِنْ عَجَائِبِ اللَّطِيفِ الْخَبِيرِ أَنَّهَا تُسْقَى بِمَاءٍ وَاحِدٍ وَنُفَضِّلُ بَعْضَهَا عَلَى بَعْضٍ فِي الْأُكُلِ هَذَا آخِرُ كَلَامِهِ مُلَخَّصًا وَقَدْ سَبَقَ إِلَى التَّنْبِيهِ عَلَى فَوَائِدِ قِصَّةِ أَبِي عُمَيْرٍ بِخُصُوصِهَا مِنَ الْقُدَمَاءِ أَبُو حَاتِمٍ الرَّازِيُّ أَحَدُ أَئِمَّةِ الْحَدِيثِ وَشُيُوخِ أَصْحَابِ السُّنَنِ ثُمَّ تَلَاهُ التِّرْمِذِيُّ فِي الشَّمَائِلِ ثُمَّ تَلَاهُ الْخَطَّابِيُّ وَجَمِيعُ مَا ذَكَرُوهُ يَقْرُبُ مِنْ عَشْرَةِ فَوَائِدَ فَقَطْ وَقَدْ سَاقَ شَيْخُنَا فِي شَرْحِ التِّرْمِذِيِّ مَا ذكره بن الْقَاصِّ بِتَمَامِهِ ثُمَّ قَالَ وَمِنْ هَذِهِ الْأَوْجُهِ مَا هُوَ وَاضِحٌ وَمِنْهَا الْخَفِيُّ وَمِنْهَا الْمُتَعَسِّفُ قَالَ وَالْفَوَائِدُ الَّتِي ذَكَرَهَا آخِرًا وَأَكْمَلَ بِهَا السِّتِّينَ هِيَ مِنْ فَائِدَةِ جَمْعِ طُرُقِ الْحَدِيثِ لَا مِنْ خُصُوصِ هَذَا الْحَدِيثِ وَقَدْ بَقِيَ مِنْ فَوَائِدِ هَذَا الْحَدِيثِ أَنَّ بَعْضَ الْمَالِكِيَّةِ وَالْخَطَّابِيَّ مِنَ الشَّافِعِيَّةِ اسْتَدَلُّوا بِهِ عَلَى أَنَّ صَيْدَ الْمَدِينَةِ لَا يَحْرُمُ وَتُعُقِّبَ بِاحْتِمَالِ مَا قَالَه بن الْقَاصِّ أَنَّهُ صِيدَ فِي الْحِلِّ ثُمَّ أُدْخِلَ الْحَرَمَ فَلِذَلِكَ أُبِيحَ إِمْسَاكُهُ وَبِهَذَا أَجَابَ مَالِكٌ فِي الْمُدَوَّنَة وَنَقله بن الْمُنْذِرِ عَنْ أَحْمَدَ وَالْكُوفِيِّينَ وَلَا يَلْزَمُ مِنْهُ أَنَّ حَرَمَ الْمَدِينَةِ لَا يَحْرُمُ صَيْدُهُ وَأَجَابَ بن التِّينِ بِأَنَّ ذَلِكَ كَانَ قَبْلَ تَحْرِيمِ صَيْدِ حَرَمِ الْمَدِينَةِ وَعَكَسَهُ بَعْضُ الْحَنَفِيَّةِ فَقَالَ قِصَّةُ أَبِي عُمَيْرٍ تَدُلُّ عَلَى نَسْخِ الْخَبَرِ الدَّالِّ عَلَى تَحْرِيمِ صَيْدِ الْمَدِينَةِ وَكِلَا الْقَوْلَيْنِ مُتَعَقَّبٌ وَمَا أجَاب بِهِ بن الْقَاصِّ مِنْ مُخَاطَبَةِ مَنْ لَا يُمَيِّزُ التَّحْقِيقُ فِيهِ جَوَازُ مُوَاجَهَتِهِ بِالْخِطَابِ إِذَا فُهِمَ الْخِطَابُ وَكَانَ فِي ذَلِكَ فَائِدَةً وَلَوْ بِالتَّأْنِيسِ لَهُ وَكَذَا فِي تَعْلِيمِهِ الْحُكْمَ الشَّرْعِيَّ عِنْدَ قَصْدِ تَمْرِينِهِ عَلَيْهِ مِنَ الصِّغَرِ كَمَا فِي قِصَّةِ الْحَسَنِ بْنِ عَلِيٍّ لَمَّا وَضَعَ التَّمْرَةَ فِي فِيهِ قَالَ لَهُ كِخْ كِخْ أَمَا عَلِمْتَ أَنَّا لَا نَأْكُلُ الصَّدَقَةَ كَمَا تَقَدَّمَ بَسْطُهُ فِي مَوْضِعِهِ وَيَجُوزُ أَيْضًا مُطْلَقًا إِذَا كَانَ الْقَصْدُ بِذَلِكَ خِطَابَ مَنْ حَضَرَ أَوِ اسْتِفْهَامَهُ مِمَّنْ يَعْقِلُ وَكَثِيرًا مَا يُقَالُ لِلصَّغِيرِ الَّذِي لَا يَفْهَمُ أَصْلًا إِذَا كَانَ ظَاهِرُ الْوَعْكِ كَيْفَ أَنْتَ وَالْمُرَادُ سُؤَالُ كَافِلِهِ أَوْ حَامِلِهِ وَذكر بن بَطَّالٍ مِنْ فَوَائِدِ هَذَا الْحَدِيثِ أَيْضًا اسْتِحْبَابُ النَّضْحِ فِيمَا لَمْ يُتَيَقَّنْ طَهَارَتُهُ وَفِيهِ أَنَّ أَسْمَاءَ الْأَعْلَامِ لَا يُقْصَدُ مَعَانِيهَا وَأَنَّ إِطْلَاقَهَا عَلَى الْمُسَمَّى لَا يَسْتَلْزِمُ الْكَذِبَ لِأَنَّ الصَّبِيَّ لَمْ يَكُنْ أَبًا وَقَدْ دُعِيَ أَبَا عُمَيْرٍ وَفِيهِ جَوَازُ السَّجْعِ فِي الْكَلَامِ إِذَا لَمْ يَكُنْ مُتَكَلَّفًا وَأَنَّ ذَلِكَ لَا يَمْتَنِعُ مِنَ النَّبِيِّ كَمَا امْتَنَعَ مِنْهُ إِنْشَاءُ الشِّعْرِ وَفِيهِ إِتْحَافُ الزَّائِرِ بِصَنِيعِ مَا يَعْرِفُ أَنَّهُ يُعْجِبُهُ مِنْ مَأْكُولٍ أَوْ غَيْرِهِ وَفِيهِ جَوَازُ الرِّوَايَةِ بِالْمَعْنَى لِأَنَّ الْقِصَّةَ وَاحِدَةٌ وَقَدْ جَاءَتْ بِأَلْفَاظٍ مُخْتَلِفَةٍ وَفِيهِ جَوَازُ الِاقْتِصَارِ عَلَى بَعْضِ الْحَدِيثِ وَجَوَازُ الْإِتْيَانِ بِهِ تَارَةً مُطَوَّلًا وَتَارَةً مُلَخَّصًا وَجَمِيعُ ذَلِكَ يَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ مِنْ أَنَسٍ وَيَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ مِمَّنْ بَعْدَهُ وَالَّذِي يَظْهَرُ أَنَّ بَعْضَ ذَلِكَ مِنْهُ وَالْكَثِيرُ مِنْهُ مِمَّنْ بَعْدَهُ وَذَلِكَ يَظْهَرُ مِنَ اتِّحَادِ الْمَخَارِجِ وَاخْتِلَافِهَا وَفِيهِ مَسْحُ رَأْسِ الصَّغِيرِ لِلْمُلَاطَفَةِ وَفِيهِ دُعَاءُ الشَّخْصِ بِتَصْغِيرِ اسْمِهِ عِنْدَ عَدَمِ الْإِيذَاءِ وَفِيهِ جَوَازُ السُّؤَالِ عَمَّا السَّائِلُ بِهِ عَالِمٌ لِقَوْلِهِ مَا فَعَلَ النُّغَيْرُ بَعْدَ عِلْمِهِ بِأَنَّهُ مَاتَ وَفِيهِ إِكْرَامُ أَقَارِبِ الْخَادِمِ وَإِظْهَارُ الْمَحَبَّةِ لَهُمْ لِأَنَّ جَمِيعَ مَا ذُكِرَ مِنْ صَنِيعِ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَعَ أُمِّ سليم وذويها كَانَ غالبه بِوَاسِطَة خدمَة أنس لَهُ وَقد نوزع بن الْقَاصِّ فِي الِاسْتِدْلَالِ بِهِ عَلَى إِطْلَاقِ جَوَازِ لَعِبِ الصَّغِيرِ بِالطَّيْرِ فَقَالَ أَبُو عَبْدِ الْمَلِكِ يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ ذَلِكَ مَنْسُوخًا بِالنَّهْيِ عَنْ تَعْذِيبِ الْحَيَوَانِ.

     وَقَالَ  الْقُرْطُبِيُّ الْحَقُّ أَنْ لَا نَسْخَ بَلِ الَّذِي رُخِّصَ فِيهِ لِلصَّبِيِّ إِمْسَاكُ الطَّيْرِ لِيَلْتَهِيَ بِهِ.
وَأَمَّا تَمْكِينُهُ مِنْ تَعْذِيبِهِ وَلَا سِيَّمَا حَتَّى يَمُوتَ فَلَمْ يُبَحْ قَطُّ وَمن الْفَوَائِد الَّتِي لم يذكرهَا بن الْقَاصِّ وَلَا غَيْرُهُ فِي قِصَّةِ أَبِي عُمَيْرٍ أَنَّ عِنْدَ أَحْمَدَ فِي آخِرِ رِوَايَةِ عُمَارَةَ بْنِ زَاذَانَ عَنْ ثَابِتٍ عَنْ أَنَسٍ فَمَرِضَ الصَّبِيُّ فَهَلَكَ فَذَكَرَ الْحَدِيثَ فِي قِصَّةِ مَوْتِهِ وَمَا وَقَعَ لِأُمِّ سُلَيْمٍ مِنْ كِتْمَانِ ذَلِكَ عَنْ أَبِي طَلْحَةَ حَتَّى نَامَ مَعَهَا ثُمَّ أَخْبَرَتْهُ لَمَّا أَصْبَحَ فَأُخْبِرَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِذَلِكَ فَدَعَا لَهما فَحَمَلَتْ ثُمَّ وَضَعَتْ غُلَامًا فَأَحْضَرَهُ أَنَسٌ إِلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَحَنَّكَهُ وَسَمَّاهُ عبد الله وَقَدْ تَقَدَّمَ شَرْحُ ذَلِكَ مُسْتَوْفًى فِي كِتَابِ الْجَنَائِزِ وَتَأْتِي الْإِشَارَةُ إِلَى بَعْضِهِ فِي بَابِ الْمَعَارِيضِ قَرِيبًا وَقَدْ جَزَمَ الدِّمْيَاطِيُّ فِي أَنْسَابِ الْخَزْرَجِ بِأَنَّ أَبَا عُمَيْر مَاتَ صَغِيرا.

     وَقَالَ  بن الْأَثِيرِ فِي تَرْجَمَتِهِ فِي الصَّحَابَةِ لَعَلَّهُ الْغُلَامُ الَّذِي جَرَى لِأُمِّ سُلَيْمٍ وَأَبِي طَلْحَةَ فِي أَمْرِهِ مَا جَرَى وَكَأَنَّهُ لَمْ يَسْتَحْضِرْ رِوَايَةَ عُمَارَةَ بْنِ زَاذَانَ الْمُصَرِّحَةَ بِذَلِكَ فَذَكَرَهُ احْتِمَالًا وَلَمْ أَرَ عِنْدَ مَنْ ذَكَرَ أَبَا عُمَيْرٍ فِي الصَّحَابَةِ لَهُ غَيْرَ قِصَّةِ النُّغَيْرِ وَلَا ذَكَرُوا لَهُ اسْمًا بَلْ جَزَمَ بَعْضُ الشُّرَّاحِ بِأَنَّ اسْمَهُ كُنْيَتُهُ فَعَلَى هَذَا يَكُونُ ذَلِكَ مِنْ فَوَائِدِ هَذَا الْحَدِيثِ وَهُوَ جَعْلُ الِاسْمِ الْمُصَدَّرِ بِأَبٍ أَوْ أُمٍّ اسْمًا عَلَمًا مِنْ غَيْرِ أَنْ يَكُونَ لَهُ اسْمٌ غَيْرُهُ لَكِنْ قَدْ يُؤْخَذُ مِنْ قَوْلِ أَنَسٍ فِي رِوَايَةِ رِبْعِيِّ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ يُكَنَّى أَبَا عُمَيْرٍ أَنَّ لَهُ اسْمًا غَيْرَ كُنْيَتِهِ وَأَخْرَجَ أَبُو دَاوُد وَالنَّسَائِيّ وبن مَاجَهْ مِنْ رِوَايَةِ هُشَيْمٍ عَنْ أَبِي عُمَيْرِ بْنِ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ عَنْ عُمُومَةٍ لَهُ حَدِيثًا وَأَبُو عُمَيْرٍ هَذَا ذَكَرُوا أَنَّهُ كَانَ أَكْبَرَ وَلَدِ أَنَسٍ وَذَكَرُوا أَنَّ اسْمَهُ عَبْدُ اللَّهِ كَمَا جَزَمَ بِهِ الْحَاكِمُ أَبُو أَحْمَدَ وَغَيْرُهُ فَلَعَلَّ أَنَسًا سَمَّاهُ بِاسْمِ أَخِيهِ لِأُمِّهِ وَكَنَّاهُ بِكُنْيَتِهِ وَيَكُونُ أَبُو طَلْحَةَ سَمَّى ابْنَهُ الَّذِي رُزِقَهُ خَلَفًا مِنْ أَبِي عُمَيْرٍ بِاسْمِ أَبِي عُمَيْرٍ لَكِنَّهُ لَمْ يُكَنِّهِ بِكُنْيَتِهِ وَاللَّهُ أَعْلَمُ ثُمَّ وَجَدْتُ فِي كِتَابِ النِّسَاءِ لِأَبِي الْفَرَجِ بْنِ الْجَوْزِيِّ قَدْ أَخْرَجَ فِي أَوَاخِرِهِ فِي تَرْجَمَةِ أُمِّ سُلَيْمٍ مِنْ طَرِيقِ مُحَمَّدِ بْنِ عَمْرٍو وَهُوَ أَبُو سَهْلٍ الْبَصْرِيُّ وَفِيهِ مَقَالٌ عَنْ حَفْصِ بْنِ عُبَيْدِ اللَّهِ عَنْ أَنَسٍ أَنَّ أَبَا طَلْحَةَ زَوْجَ أُمِّ سُلَيْمٍ كَانَ لَهُ مِنْهَا بن يُقَالُ لَهُ حَفْصٌ غُلَامٌ قَدْ تَرَعْرَعَ فَأَصْبَحَ أَبُو طَلْحَةَ وَهُوَ صَائِمٌ فِي بَعْضِ شُغْلِهِ فَذَكَرَ قِصَّةً نَحْوَ الْقِصَّةِ الَّتِي فِي الصَّحِيحِ بِطُولِهَا فِي مَوْتِ الْغُلَامِ وَنَوْمِهَا مَعَ أَبِي طَلْحَة وَقَوْلها لَهُ أَرَأَيْتَ لَوْ أَنَّ رَجُلًا أَعَارَكَ عَارِيَةً إِلَخْ وَإِعْلَامِهِمَا النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِذَلِكَ وَدُعَائِهِ لَهُمَا وَوِلَادَتِهَا وَإِرْسَالِهَا الْوَلَدَ إِلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِيُحَنِّكَهُ وَفِي الْقِصَّةِ مُخَالَفَةٌ لِمَا فِي الصَّحِيحِ مِنْهَا أَنَّ الْغُلَامَ كَانَ صَحِيحًا فَمَاتَ بَغْتَةً وَمِنْهَا أَنَّهُ تَرَعْرَعَ وَالْبَاقِي بِمَعْنَاهُ فَعُرِفَ بِهَذَا أَنَّ اسْمَ أَبِي عُمَيْرٍ حَفْصٌ وَهُوَ وَارِدٌ عَلَى مَنْ صَنَّفَ فِي الصَّحَابَةِ وَفِي الْمُبْهَمَاتِ وَاللَّهُ أَعْلَمُ وَمِنَ النَّوَادِرِ الَّتِي تَتَعَلَّقُ بِقِصَّةِ أَبِي عُمَيْرٍ مَا أَخْرَجَهُ الْحَاكِمُ فِي عُلُومِ الْحَدِيثِ عَنْ أَبِي حَاتِمٍ الرَّازِيِّ أَنَّهُ قَالَ حَفِظَ اللَّهُ أَخَانَا صَالِحَ بْنَ مُحَمَّدٍ يَعْنِي الْحَافِظَ الْمُلَقَّبَ جَزَرَةُ فَإِنَّهُ لَا يَزَالُ يَبْسُطُنَا غَائِبًا وَحَاضِرًا كَتَبَ إِلَيّ أَنه لَمَّا مَاتَ الذُّهْلِيُّ يَعْنِي بِنَيْسَابُورَ أَجْلَسُوا شَيْخًا لَهُمْ يُقَالُ لَهُ مَحْمِشٌ فَأَمْلَى عَلَيْهِمْ حَدِيثَ أَنَسٍ هَذَا فَقَالَ يَا أَبَا عَمِيرٍ مَا فَعَلَ الْبَعِيرُ قَالَهُ بِفَتْحِ عَيْنِ عَمِيرٍ بِوَزْنِ عَظِيمٍ.

     وَقَالَ  بِمُوَحَّدَةٍ مَفْتُوحَةٍ بَدَلَ النُّونِ وَأَهْمَلَ الْعَيْنَ بِوَزْنِ الْأَوَّلِ فَصَحَّفَ الِاسْمَيْنِ مَعًا.

قُلْتُ وَمَحْمِشٌ هَذَا لَقَبٌ وَهُوَ بِفَتْحِ الْمِيمِ الْأُولَى وَكَسْرِ الثَّانِيَةِ بَيْنَهُمَا حَاءٌ مُهْمَلَةٌ سَاكِنَةٌ وَآخِرُهُ مُعْجَمَةٌ وَاسْمُهُ مُحَمَّدُ بْنُ يَزِيدَ بْنِ عَبْدِ الله النَّيْسَابُورِي السّلمِيّ ذكره بن حِبَّانَ فِي الثِّقَاتِ.

     وَقَالَ  رَوَى عَنْ يَزِيدَ بن هَارُون وَغَيره وَكَانَت فِيهِ دعابة