فهرس الكتاب

فتح الباري لابن حجر - باب الرجل ينكت الشيء بيده في الأرض

( قَولُهُ بَابُ خَيْرُكُمْ مَنْ تَعَلَّمَ الْقُرْآنَ وَعَلَّمَهُ)
كَذَا تَرْجَمَ بِلَفْظِ الْمَتْنِ وَكَأَنَّهُ أَشَارَ إِلَى تَرْجِيحِ الرِّوَايَةِ بِالْوَاوِ



[ قــ :5888 ... غــ :6217] .

     قَوْلُهُ  عَنْ سَعْدِ بْنِ عُبَيْدَةَ كَذَا يَقُولُ شُعْبَةُ يُدْخِلُ بَيْنَ عَلْقَمَةَ بْنِ مَرْثَدٍ وَأَبِي عَبْدِ الرَّحْمَنِ سَعْدَ بْنَ عُبَيْدَةَ وَخَالَفَهُ سُفْيَانُ الثَّوْرِيُّ فَقَالَ عَنْ عَلْقَمَةَ عَنْ أَبِي عَبْدِ الرَّحْمَنِ وَلَمْ يَذْكُرْ سَعْدَ بْنَ عُبَيْدَةَ وَقَدْ أَطْنَبَ الْحَافِظُ أَبُو الْعَلَاءِ الْعَطَّارُ فِي كِتَابِهِ الْهَادِي فِي الْقُرْآنِ فِي تَخْرِيجِ طُرُقِهِ فَذَكَرَ مِمَّنْ تَابَعَ شُعْبَةَ وَمَنْ تَابِعَ سُفْيَانَ جَمْعًا كَثِيرًا وَأَخْرَجَهُ أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي دَاوُدَ فِي أَوَّلِ الشَّرِيعَةِ لَهُ وَأَكْثَرَ مَنْ تَخْرِيجِ طُرُقِهِ أَيْضًا وَرَجَّحَ الْحُفَّاظُ رِوَايَةَ الثَّوْرِيِّ وَعَدُّوا رِوَايَةَ شُعْبَةَ مِنَ الْمَزِيدِ فِي مُتَّصِلِ الْأَسَانِيدِ.

     وَقَالَ  التِّرْمِذِيُّ كَأَنَّ رِوَايَةَ سُفْيَانَ أَصَحُّ مِنْ رِوَايَةِ شُعْبَةَ.
وَأَمَّا الْبُخَارِيُّ فَأَخْرَجَ الطَّرِيقَيْنِ فَكَأَنَّهُ تَرَجَّحَ عِنْدَهُ أَنَّهُمَا جَمِيعًا مَحْفُوظَانِ فَيُحْمَلُ عَلَى أَنَّ عَلْقَمَةَ سَمِعَهُ أَوَّلًا مِنْ سَعْدٍ ثُمَّ لَقِيَ أَبَا عَبْدِ الرَّحْمَنِ فَحَدَّثَهُ بِهِ أَوْ سَمِعَهُ مَعَ سَعْدٍ مِنْ أَبِي عَبْدِ الرَّحْمَنِ فَثَبَّتَهُ فِيهِ سَعْدٌ وَيُؤَيِّدُ ذَلِكَ مَا فِي رِوَايَةِ سَعْدِ بْنِ عُبَيْدَةَ مِنَ الزِّيَادَةِ الْمَوْقُوفَةِ وَهِيَ قَوْلُ أَبِي عَبْدِ الرَّحْمَنِ فَذَلِكَ الَّذِي أَقْعَدَنِي هَذَا الْمَقْعَدَ كَمَا سَيَأْتِي الْبَحْثُ فِيهِ وَقَدْ شَذَّتْ رِوَايَةٌ عَنِ الثَّوْرِيِّ بِذِكْرِ سَعْدِ بْنِ عُبَيْدَةَ فِيهِ قَالَ التِّرْمِذِيُّ حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ بَشَّارٍ حَدَّثَنَا يَحْيَى الْقَطَّانُ حَدَّثَنَا سُفْيَانُ وَشُعْبَةُ عَنْ عَلْقَمَةَ عَنْ سَعْدِ بْنِ عُبَيْدَةَ بِهِ.

     وَقَالَ  النَّسَائِيُّ أَنْبَأَنَا عُبَيْدُ اللَّهِ بْنُ سَعِيدٍ حَدَّثَنَا يَحْيَى عَنْ شُعْبَةَ وَسُفْيَانَ أَنَّ عَلْقَمَةَ حَدَّثَهُمَا عَنْ سَعْدٍ قَالَ التِّرْمِذِيُّ قَالَ مُحَمَّدُ بْنُ بَشَّارٍ أَصْحَابُ سُفْيَانَ لَا يَذْكُرُونَ فِيهِ سَعْدَ بْنَ عُبَيْدَةَ وَهُوَ الصَّحِيحُ اه وَهَكَذَا حَكَمَ عَلِيُّ بْنُ الْمَدِينِيِّ عَلَى يَحْيَى الْقَطَّانِ فِيهِ بالوهم.

     وَقَالَ  بن عَدِيٍّ جَمَعَ يَحْيَى الْقَطَّانُ بَيْنَ شُعْبَةَ وَسُفْيَانَ فَالثَّوْرِيُّ لَا يَذْكُرُ فِي إِسْنَادِهِ سَعْدَ بْنَ عُبَيْدَة وَهَذَا مِمَّا عد فِي خطأيحيى الْقَطَّانِ عَلَى الثَّوْرِيِّ.

     وَقَالَ  فِي مَوْضِعٍ آخَرَ حَمَلَ يَحْيَى الْقَطَّانُ رِوَايَةَ الثَّوْرِيِّ عَلَى رِوَايَةِ شُعْبَةَ فَسَاقَ الْحَدِيثَ عَنْهُمَا وَحَمَلَ إِحْدَى الرِّوَايَتَيْنِ عَلَى الْأُخْرَى فَسَاقَهُ عَلَى لَفْظِ شُعْبَةَ وَإِلَى ذَلِكَ أَشَارَ الدَّارَقُطْنِيُّ وَتُعُقِّبَ بِأَنَّهُ فَصَلَ بَيْنَ لَفْظَيْهِمَا فِي رِوَايَةِ النَّسَائِيِّ فَقَالَ قَالَ شُعْبَةُ خَيْرُكُمْ.

     وَقَالَ  سُفْيَانُ أَفْضَلُكُمْ.

قُلْتُ وَهُوَ تَعَقُّبٌ وَاهٍ إِذْ لَا يَلْزَمُ مِنْ تَفْصِيلِهِ لِلَفْظِهِمَا فِي الْمَتْنِ أَنْ يَكُونَ فَصَّلَ لَفْظَهُمَا فِي الْإِسْنَاد قَالَ بن عَدِيٍّ يُقَالُ إِنَّ يَحْيَى الْقَطَّانَ لَمْ يُخْطِئْ قَطُّ إِلَّا فِي هَذَا الْحَدِيثِ وَذَكَرَ الدَّارَقُطْنِيُّ أَنَّ خَلَّادَ بْنَ يَحْيَى تَابَعَ يَحْيَى الْقَطَّانَ عَنِ الثَّوْرِيِّ عَلَى زِيَادَةِ سَعْدِ بْنِ عُبَيْدَةَ وَهِي رِوَايَة شَاذَّة وَأخرج بن عَدِيٍّ مِنْ طَرِيقِ يَحْيَى بْنِ آدَمَ عَنِ الثَّوْرِيِّ وَقَيْسِ بْنِ الرَّبِيعِ وَفِي رِوَايَةٍ عَنْ يَحْيَى بْنِ آدَمَ عَنْ شُعْبَةَ وَقَيْسِ بْنِ الرَّبِيعِ جَمِيعًا عَنْ عَلْقَمَةَ عَنْ سَعْدِ بْنِ عُبَيْدَةَ قَالَ وَكَذَا رَوَاهُ سَعِيدُ بْنُ سَالِمٍ الْقَدَّاحُ عَنِ الثَّوْرِيِّ وَمُحَمَّدُ بْنُ أَبَانَ كِلَاهُمَا عَنْ عَلْقَمَةَ بِزِيَادَةِ سَعْدٍ وَزَادَ فِي إِسْنَادِهِ رَجُلًا آخَرَ كَمَا سَأُبَيِّنُهُ وَكُلُّ هَذِهِ الرِّوَايَاتِ وَهْمٌ وَالصَّوَابُ عَنِ الثَّوْرِيِّ بِدُونِ ذِكْرِ سَعْدٍ وَعَنْ شُعْبَةَ بِإِثْبَاتِهِ .

     قَوْلُهُ  عَنْ عُثْمَانَ فِي رِوَايَةِ شَرِيكٍ عَنْ عَاصِمِ بْنِ بَهْدَلَةَ عَنْ أبي عبد الرَّحْمَن السّلمِيّ عَن بن مَسْعُود أخرجه بن أبي دَاوُد بِلَفْظ خَيركُمْ من قرأالقرآن وَأَقْرَأَهُ وَذَكَرَهُ الدَّارَقُطْنِيُّ.

     وَقَالَ  الصَّحِيحُ عَنْ أَبِي عَبْدِ الرَّحْمَنِ عَنْ عُثْمَانَ وَفِي رِوَايَةِ خَلَّادِ بْنِ يَحْيَى عَنِ الثَّوْرِيِّ بِسَنَدِهِ قَالَ عَنْ أَبِي عَبْدِ الرَّحْمَنِ عَنْ أَبَانَ بْنِ عُثْمَانَ عَنْ عُثْمَانَ قَالَ الدَّارَقُطْنِيُّ هَذَا وَهْمٌ فَإِنْ كَانَ مَحْفُوظًا احْتَمَلَ أَنْ يَكُونَ السُّلَمِيُّ أَخَذَهُ عَنْ أَبَانَ بْنِ عُثْمَانَ عَنْ عُثْمَانَ ثُمَّ لَقِيَ عُثْمَانَ فَأَخَذَهُ عَنْهُ وَتُعُقِّبَ بِأَنَّ أَبَا عبد الرَّحْمَن أكبر مِنْ أَبَانَ وَأَبَانُ اخْتُلِفَ فِي سَمَاعِهِ مِنْ أَبِيهِ أَشَدَّ مِمَّا اخْتُلِفَ فِي سَمَاعِ أَبِي عَبْدِ الرَّحْمَنِ مِنْ عُثْمَانَ فَبَعُدَ هَذَا الِاحْتِمَالُ وَجَاء من وَجه آخر كَذَلِك أخرجه بن أَبِي دَاوُدَ مِنْ طَرِيقِ سَعِيدِ بْنِ سَلَّامٍ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ أَبَانَ سَمِعْتُ عَلْقَمَةَ يُحَدِّثُ عَنْ أَبِي عَبْدِ الرَّحْمَنِ عَنْ أَبَانَ بْنِ عُثْمَانَ عَنْ عُثْمَانَ فَذَكَرَهُ.

     وَقَالَ  تَفَرَّدَ بِهِ سَعِيدُ بْنُ سَلَّامٍ يَعْنِي عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ أَبَانَ.

قُلْتُ وَسَعِيدٌ ضَعِيفٌ وَقَدْ قَالَ أَحْمَدُ حَدَّثَنَا حَجَّاجُ بْنُ مُحَمَّدٍ عَنْ شُعْبَةَ قَالَ لَمْ يَسْمَعْ أَبُو عَبْدِ الرَّحْمَنِ السُّلَمِيُّ مِنْ عُثْمَانَ وَكَذَا نَقَلَهُ أَبُو عَوَانَةَ فِي صَحِيحِهِ عَنْ شُعْبَةَ ثُمَّ قَالَ اخْتَلَفَ أَهْلُ التَّمْيِيزِ فِي سَمَاعِ أَبِي عَبْدِ الرَّحْمَنِ مِنْ عُثْمَانَ وَنقل بن أَبِي دَاوُدَ عَنْ يَحْيَى بْنِ مَعِينٍ مِثْلَ مَا قَالَ شُعْبَةُ وَذَكَرَ الْحَافِظُ أَبُو الْعَلَاءِ أَنَّ مُسْلِمًا سَكَتَ عَنْ إِخْرَاجِ هَذَا الْحَدِيثِ فِي صَحِيحِهِ.

قُلْتُ قَدْ وَقَعَ فِي بَعْضِ الطُّرُقِ التَّصْرِيحُ بِتَحْدِيثِ عُثْمَانَ لِأَبِي عَبْدِ الرَّحْمَنِ وَذَلِكَ فِيمَا أخرجه بن عَدِيٍّ فِي تَرْجَمَةِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مُحَمَّدِ بن أبي مَرْيَم من طَرِيق بن جُرَيْجٍ عَنْ عَبْدِ الْكَرِيمِ عَنْ أَبِي عَبْدِ الرَّحْمَنِ حَدَّثَنِي عُثْمَانُ وَفِي إِسْنَادِهِ مَقَالٌ لَكِنْ ظَهَرَ لِي أَنَّ الْبُخَارِيَّ اعْتَمَدَ فِي وَصْلِهِ وَفِي تَرْجِيحِ لِقَاءِ أَبِي عَبْدِ الرَّحْمَنِ لِعُثْمَانَ عَلَى مَا وَقَعَ فِي رِوَايَةِ شُعْبَةَ عَنْ سَعْدِ بْنِ عُبَيْدَةَ مِنَ الزِّيَادَةِ وَهِيَ أَنَّ أَبَا عَبْدِ الرَّحْمَنِ أَقْرَأَ مِنْ زَمَنِ عُثْمَانَ إِلَى زَمَنِ الْحَجَّاجِ وَأَنَّ الَّذِي حَمَلَهُ عَلَى ذَلِكَ هُوَ الْحَدِيثُ الْمَذْكُورُ فَدَلَّ عَلَى أَنَّهُ سَمِعَهُ فِي ذَلِكَ الزَّمَانِ وَإِذَا سَمِعَهُ فِي ذَلِكَ الزَّمَانِ وَلَمْ يُوصَفْ بِالتَّدْلِيسِ اقْتَضَى ذَلِكَ سَمَاعَهُ مِمَّنْ عَنْعَنَهُ عَنْهُ وَهُوَ عُثْمَانُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ وَلَا سِيَّمَا مَعَ مَا اشْتُهِرَ بَيْنَ الْقُرَّاءِ أَنَّهُ قَرَأَ الْقُرْآنَ عَلَى عُثْمَانَ وَأَسْنَدُوا ذَلِكَ عَنْهُ مِنْ رِوَايَةِ عَاصِمِ بْنِ أَبِي النَّجُودِ وَغَيْرِهِ فَكَانَ هَذَا أَوْلَى مِنْ قَوْلِ مَنْ قَالَ إِنَّهُ لَمْ يَسْمَعْ مِنْهُ .

     قَوْلُهُ  خَيْرُكُمْ مَنْ تَعَلَّمَ الْقُرْآنَ وَعَلَّمَهُ كَذَا لِلْأَكْثَرِ وَلِلسَّرَخْسِيِّ أَوْ عَلَّمَهُ وَهِيَ لِلتَّنْوِيعِ لَا لِلشَّكِّ وَكَذَا لِأَحْمَدَ عَنْ غُنْدَرٍ عَنْ شُعْبَةَ وَزَادَ فِي أَوَّلِهِ إِنَّ وَأَكْثَرُ الرُّوَاةِ عَنْ شُعْبَةَ يَقُولُونَهُ بِالْوَاوِ وَكَذَا وَقَعَ عِنْدَ أَحْمَدَ عَنْ بَهْزٍ وَعِنْدَ أَبِي دَاوُدَ عَنْ حَفْصِ بْنِ عُمَرَ كِلَاهُمَا عَنْ شُعْبَةَ وَكَذَا أَخْرَجَهُ التِّرْمِذِيُّ مِنْ حَدِيثِ عَلِيٍّ وَهِيَ أَظْهَرُ مِنْ حَيْثُ الْمَعْنَى لِأَنَّ الَّتِي بِأَوْ تَقْتَضِي إِثْبَاتَ الْخَيْرِيَّةِ الْمَذْكُورَةِ لِمَنْ فَعَلَ أَحَدَ الْأَمْرَيْنِ فَيَلْزَمُ أَنَّ مَنْ تَعَلَّمَ الْقُرْآنَ وَلَوْ لَمْ يُعَلِّمْهُ غَيْرَهُ أَنْ يَكُونَ خَيْرًا مِمَّنْ عَمِلَ بِمَا فِيهِ مَثَلًا وَإِنْ لَمْ يَتَعَلَّمْهُ وَلَا يُقَالُ يَلْزَمُ عَلَى رِوَايَةِ الْوَاوِ أَيْضًا أَنَّ مَنْ تَعَلَّمَهُ وَعَلَّمَهُ غَيْرَهُ أَنْ يَكُونَ أَفْضَلَ مِمَّنْ عَمِلَ بِمَا فِيهِ مِنْ غَيْرِ أَنْ يَتَعَلَّمَهُ وَلَمْ يُعَلِّمْهُ غَيْرَهُ لِأَنَّا نَقُولُ يَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ الْمُرَادُ بِالْخَيْرِيَّةِ مِنْ جِهَةِ حُصُولِ التَّعْلِيمِ بَعْدَ الْعِلْمِ وَالَّذِي يُعَلِّمُ غَيْرَهُ يَحْصُلُ لَهُ النَّفْعُ الْمُتَعَدِّي بِخِلَافِ مَنْ يَعْمَلُ فَقَطْ بَلْ مِنْ أَشْرَفِ الْعَمَلِ تَعْلِيمُ الْغَيْرِ فَمُعَلِّمُ غَيْرِهِ يَسْتَلْزِمُ أَنْ يَكُونَ تَعَلَّمَهُ وَتَعْلِيمُهُ لِغَيْرِهِ عَمَلٌ وَتَحْصِيلُ نَفْعٍ مُتَعَدٍّ وَلَا يُقَالُ لَوْ كَانَ الْمَعْنى حُصُول النَّفْعِ الْمُتَعَدِّي لَاشْتَرَكَ كُلُّ مَنْ عَلَّمَ غَيْرَهُ عِلْمًا مَا فِي ذَلِكَ لِأَنَّا نَقُولُ الْقُرْآنُ أَشْرَفُ الْعُلُومِ فَيَكُونُ مَنْ تَعَلَّمَهُ وَعَلَّمَهُ لِغَيْرِهِ أشرف مِمَّن تعلم غير القر آن وَإِنْ عَلَّمَهُ فَيَثْبُتُ الْمُدَّعَى وَلَا شَكَّ أَنَّ الْجَامِعَ بَيْنَ تَعَلُّمِ الْقُرْآنِ وَتَعْلِيمِهِ مُكَمِّلٌ لِنَفْسِهِ وَلِغَيْرِهِ جَامِعٌ بَيْنَ النَّفْعِ الْقَاصِرِ وَالنَّفْعِ الْمُتَعَدِّي وَلِهَذَا كَانَ أَفْضَلَ وَهُوَ مِنْ جُمْلَةِ مَنْ عَنَى سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى بِقَوْلِهِ وَمَنْ أَحْسَنُ قَوْلًا مِمَّنْ دَعَا إِلَى اللَّهِ وَعَمِلَ صَالِحًا.

     وَقَالَ  إِنَّنِي من الْمُسلمين وَالدُّعَاءُ إِلَى اللَّهِ يَقَعُ بِأُمُورٍ شَتَّى مِنْ جُمْلَتِهَا تَعْلِيمُ الْقُرْآنِ وَهُوَ أَشْرَفُ الْجَمِيعِ وَعَكْسُهُ الْكَافِرُ الْمَانِعُ لِغَيْرِهِ مِنَ الْإِسْلَامِ كَمَا قَالَ تَعَالَى فَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنْ كَذَّبَ بِآيَاتِ اللَّهِ وصدف عَنْهَا فَإِنْ قِيلَ فَيَلْزَمُ عَلَى هَذَا أَنْ يَكُونَ الْمُقْرِئُ أَفْضَلَ مِنَ الْفَقِيهِ قُلْنَا لَا لِأَنَّ الْمُخَاطَبِينَ بِذَلِكَ كَانُوا فُقَهَاءَ النُّفُوسِ لِأَنَّهُمْ كَانُوا أَهْلَ اللِّسَانِ فَكَانُوا يَدْرُونَ مَعَانِيَ الْقُرْآنِ بِالسَّلِيقَةِ أَكْثَرَ مِمَّا يَدْرِيهَا مَنْ بَعْدَهُمْ بِالِاكْتِسَابِ فَكَانَ الْفِقْهُ لَهُمْ سَجِيَّةً فَمَنْ كَانَ فِي مِثْلِ شَأْنِهِمْ شَارَكَهُمْ فِي ذَلِكَ لَا مَنْ كَانَ قَارِئًا أَوْ مُقْرِئًا مَحْضًا لَا يَفْهَمُ شَيْئًا مِنْ مَعَانِي مَا يَقْرَؤُهُ أَوْ يُقْرِئُهُ فَإِنْ قِيلَ فَيَلْزَمُ أَنْ يَكُونَ الْمُقْرِئُ أَفْضَلَ مِمَّنْ هُوَ أَعْظَمُ غِنَاءً فِي الْإِسْلَامِ بِالْمُجَاهَدَةِ وَالرِّبَاطِ وَالْأَمْرِ بِالْمَعْرُوفِ وَالنَّهْيِ عَنِ الْمُنْكَرِ مَثَلًا قُلْنَا حَرْفُ الْمَسْأَلَةِ يَدُورُ عَلَى النَّفْعِ الْمُتَعَدِّي فَمَنْ كَانَ حُصُولُهُ عِنْدَهُ أَكْثَرَ كَانَ أَفْضَلَ فَلَعَلَّ مِنْ مُضْمَرَةٌ فِي الْخَبَرِ وَلَا بُدَّ مَعَ ذَلِكَ مِنْ مُرَاعَاةِ الْإِخْلَاصِ فِي كُلِّ صِنْفٍ مِنْهُمْ وَيَحْتَمِلُ أَنْ تَكُونَ الْخَيْرِيَّةُ وَإِنْ أُطْلِقَتْ لَكِنَّهَا مُقَيَّدَةٌ بِنَاسٍ مَخْصُوصِينَ خُوطِبُوا بِذَلِكَ كَانَ اللَّائِقُ بِحَالِهِمْ ذَلِكَ أَوِ الْمُرَادُ خَيْرُ الْمُتَعَلِّمِينَ مَنْ يُعَلِّمُ غَيْرَهُ لَا مَنْ يَقْتَصِرُ عَلَى نَفْسِهِ أَوِ الْمُرَادُ مُرَاعَاةُ الْحَيْثِيَّةِ لِأَنَّ الْقُرْآنَ خَيْرُ الْكَلَامِ فَمُتَعَلِّمُهُ خَيْرٌ مِنْ مُتَعَلِّمِ غَيْرِهِ بِالنِّسْبَةِ إِلَى خَيْرِيَّةِ الْقُرْآنِ وَكَيْفَمَا كَانَ فَهُوَ مَخْصُوصٌ بِمَنْ عَلَّمَ وَتَعَلَّمَ بِحَيْثُ يَكُونُ قَدْ عَلِمَ مَا يَجِبُ عَلَيْهِ عَيْنًا



( قَوْله بَاب من نَكْتِ الْعُودِ فِي الْمَاءِ وَالطِّينِ)
النَّكْتُ بِالنُّونِ والمثناة الضَّرْب الْمُؤثر ذَكَرَ فِيهِ حَدِيثَ أَبِي مُوسَى فِي قِصَّةِ الْقُفِّ وَقَدْ تَقَدَّمَ شَرْحُهُ فِي الْمَنَاقِبِ وَهُوَ ظَاهِرٌ فِيمَا تَرْجَمَ لَهُ وَأَوْرَدَهُ هُنَا بِلَفْظِ عُودٍ يَضْرِبُ بِهِ بَيْنَ الْمَاءِ وَالطِّينِ وَفِي رِوَايَةِ الْكُشْمِيهَنِيِّ فِي الْمَاءِ وَالطِّينِ وَأَوْرَدَهُ بِلَفْظِ يَنْكُتُ فِي مَنَاقِبِ أَبِي بَكْرٍ الصِّدِّيقِ وَعُثْمَانُ بْنُ غِيَاثٍ الْمَذْكُورُ فِي السَّنَدِ بِكَسْرِ الْغَيْنِ الْمُعْجَمَةِ ثُمَّ تَحْتَانِيَّةٍ خَفِيفَةٍ وَآخِرُهُ مُثَلَّثَةٌ وَحَكَى الْكِرْمَانِيُّ أَنَّهُ وَقَعَ فِي بَعْضِ النُّسَخِ يَحْيَى بْنُ عُثْمَانَ وَهُوَ غلط قَالَ بن بَطَّالٍ مِنْ عَادَةِ الْعَرَبِ إِمْسَاكُ الْعَصَا وَالِاعْتِمَادُ عَلَيْهَا عِنْدَ الْكَلَامِ وَغَيْرِهِ وَقَدْ عَابَ ذَلِكَ عَلَيْهِمْ بَعْضُ مَنْ يَتَعَصَّبُ لِلْعَجَمِ وَفِي اسْتِعْمَالِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَهُ الْحُجَّةُ الْبَالِغَةُ وَكَأَنَّ الْمُرَادَ بِالْعُودِ هُنَا الْمِخْصَرَةُ الَّتِي كَانَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَتَوَكَّأُ عَلَيْهَا وَلَيْسَ مُصَرَّحًا بِهِ فِي هَذَا الْحَدِيثِ.

قُلْتُ وَفِقْهُ التَّرْجَمَةِ أَنَّ ذَلِكَ لَا يُعَدُّ مِنَ الْعَبَثِ الْمَذْمُومِ لِأَنَّ ذَلِكَ إِنَّمَا يَقَعُ مِنَ الْعَاقِلِ عِنْدَ التَّفَكُّرِ فِي الشَّيْءِ ثُمَّ لَا يَسْتَعْمِلُهُ فِيمَا لَا يَضُرُّ تَأْثِيرُهُ فِيهِ بِخِلَافِ مَنْ يَتَفَكَّرُ وَفِي يَدِهِ سِكِّينٌ فَيَسْتَعْمِلُهَا فِي خَشَبَةٍ تَكُونُ فِي الْبِنَاءِ الَّذِي فِيهَا فَسَادًا فَذَاك هُوَ الْعَبَث المذموم قَولُهُ بَابُ الرَّجُلِ يَنْكُتُ الشَّيْءَ بِيَدِهِ فِي الْأَرْضِ ذَكَرَ فِيهِ حَدِيثَ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ اعْمَلُوا فَكُلٌّ مُيَسَّرٌ لِمَا خُلِقَ لَهُ وَسَيَأْتِي شَرْحُهُ فِي كِتَابِ الْقَدَرِ وَمَضَى الْحَدِيثُ بِأَتَمَّ مِنْ هَذَا السِّيَاقِ فِي تَفْسِيرِ سُورَةِ وَاللَّيْل وَالْغَرَضُ مِنْهُ .

     قَوْلُهُ  يَنْكُتُ فِي الْأَرْضِ بِعُودٍ وَقَولُهُ



[ قــ :5888 ... غــ :617] فِي السَّنَدِ شُعْبَةُ عَنْ سُلَيْمَانَ هُوَ الْأَعْمَش وَمَنْصُور هُوَ بن الْمُعْتَمِرِ وَقَدْ أَخْرَجَهُ الْإِسْمَاعِيلِيُّ عَنْ عِمْرَانَ بْنِ مُوسَى عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ بَشَّارٍ شَيْخِ الْبُخَارِيِّ فِيهِ فَقَالَ عَنِ الْأَعْمَشِ وَذَهِلَ الْكِرْمَانِيُّ حَيْثُ زعم أَن سُلَيْمَان هُوَ التَّيْمِيّ