فهرس الكتاب

فتح الباري لابن حجر - باب إذا عطس كيف يشمت

( قَولُهُ بَابُ إِذَا عَطَسَ كَيْفَ يُشَمَّتُ)
بِضَمِّ أَوَّلِهِ وَتَشْدِيدِ الْمِيمِ الْمَفْتُوحَةِ



[ قــ :5895 ... غــ :6224] .

     قَوْلُهُ  عَنْ أَبِي صَالِحٍ هُوَ السَّمَّانُ وَالْإِسْنَادُ كُلُّهُ مَدَنِيُّونَ إِلَّا شَيْخَ الْبُخَارِيِّ وَهُوَ مِنْ رِوَايَةِ تَابِعِيٍّ عَنْ تَابِعِيٍّ .

     قَوْلُهُ  إِذَا عَطَسَ أَحَدُكُمْ فَلْيَقُلِ الْحَمْدُ لِلَّهِ كَذَا فِي جَمِيعِ نُسَخِ الْبُخَارِيِّ وَكَذَا أَخْرَجَهُ النِّسَائِيُّ مِنْ طَرِيقِ يَحْيَى بْنِ حَسَّانَ وَالْإِسْمَاعِيلِيُّ مِنْ طَرِيقِ بِشْرِ بْنِ الْمُفَضَّلِ وَأَبِي النَّضْرِ وَأَبُو نُعَيْمٍ فِي الْمُسْتَخْرَجِ مِنْ طَرِيقِ عَاصِمِ بْنِ عَلِيٍّ وَفِي عَمَلِ يَوْمٍ وَلَيْلَةٍ مِنْ طَرِيقِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ صَالِحٍ كُلُّهُمْ عَنْ عَبْدِ الْعَزِيزِ بْنِ أَبِي سَلَمَةَ وَأَخْرَجَهُ أَبُو دَاوُدَ عَنْ مُوسَى بْنِ إِسْمَاعِيلَ عَنْ عَبْدِ الْعَزِيزِ الْمَذْكُورِ بِهِ بِلَفْظِ فَلْيَقُلِ الْحَمْدُ لِلَّهِ عَلَى كُلِّ حَالٍ.

قُلْتُ وَلَمْ أَرَ هَذِهِ الزِّيَادَةَ مِنْ هَذَا الْوَجْهِ فِي غَيْرِ هَذِهِ الرِّوَايَةِ وَقَدْ تَقَدَّمَ مَا يَتَعَلَّقُ بِحُكْمِهَا وَاسْتُدِلَّ بِأَمْرِ الْعَاطِسِ بِحَمْدِ اللَّهِ أَنَّهُ يُشْرَعُ حَتَّى لِلْمُصَلِّي وَقَدْ تَقَدَّمَتِ الْإِشَارَةُ إِلَى حَدِيثِ رِفَاعَةَ بْنِ رَافِعٍ فِي بَابِ الْحَمْدِ لِلْعَاطِسِ وَبِذَلِكَ قَالَ الْجُمْهُورُ مِنَ الصَّحَابَةِ وَالْأَئِمَّةِ بَعْدَهُمْ وَبِهِ قَالَ مَالِكٌ وَالشَّافِعِيُّ وَأَحْمَدُ وَنَقَلَ التِّرْمِذِيُّ عَنْ بَعْضِ التَّابِعِينَ أَنَّ ذَلِكَ يُشْرَعُ فِي النَّافِلَةِ لَا فِي الْفَرِيضَةِ وَيَحْمَدُ مَعَ ذَلِكَ فِي نَفْسِهِ وَجَوَّزَ شَيْخُنَا فِي شَرْحِ التِّرْمِذِيِّ أَنْ يَكُونَ مُرَادُهُ أَنَّهُ يُسِرُّ بِهِ وَلَا يَجْهَرُ بِهِ وَهُوَ مُتَعَقَّبٌ مَعَ ذَلِكَ بِحَدِيثِ رِفَاعَةَ بْنِ رَافِعٍ فَإِنَّهُ جَهَرَ بِذَلِكَ وَلَمْ يُنْكِرِ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَيْهِ نَعَمْ يُفَرَّقُ بَيْنَ أَنْ يَكُونَ فِي قِرَاءَةِ الْفَاتِحَةِ أَوْ غَيْرِهَا مِنْ أَجْلِ اشْتِرَاطِ الْمُوَالَاةِ فِي قرَاءَتهَا وَجزم بن الْعَرَبِيِّ مِنَ الْمَالِكِيَّةِ بِأَنَّ الْعَاطِسَ فِي الصَّلَاةِ يَحْمَدُ فِي نَفْسِهِ وَنَقَلَ عَنْ سَحْنُونٍ أَنَّهُ لَا يَحْمَدُ حَتَّى يَفْرُغَ.
وَتَعَقَّبَهُ بِأَنَّهُ غُلُوٌّ .

     قَوْلُهُ  وَلْيَقُلْ لَهُ أَخُوهُ أَوْ صَاحِبُهُ هُوَ شَكٌّ مِنَ الرَّاوِي وَكَذَا وَقَعَ لِلْأَكْثَرِ مِنْ رِوَايَةِ عَاصِمِ بْنِ عَلِيٍّ فَلْيَقُلْ لَهُ أَخُوهُ وَلَمْ يَشُكَّ وَالْمُرَادُ بِالْأُخُوَّةِ أُخُوَّةُ الْإِسْلَامِ .

     قَوْلُهُ  يَرْحَمك الله قَالَ بن دَقِيقِ الْعِيدِ يَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ دُعَاءً بِالرَّحْمَةِ وَيَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ إِخْبَارًا عَلَى طَرِيقِ الْبِشَارَةِ كَمَا قَالَ فِي الْحَدِيثِ الْآخَرِ طَهُورٌ إِنْ شَاءَ اللَّهُ أَيْ هِيَ طُهْرٌ لَكَ فَكَأَنَّ الْمُشَمِّتَ بَشَّرَ الْعَاطِسَ بِحُصُولِ الرَّحْمَةِ لَهُ فِي الْمُسْتَقْبَلِ بِسَبَبِ حُصُولِهَا لَهُ فِي الْحَالِ لِكَوْنِهَا دَفَعَتْ مَا يَضُرُّهُ قَالَ وَهَذَا يَنْبَنِي عَلَى قَاعِدَةٍ وَهِيَ أَنَّ اللَّفْظَ إِذَا أُرِيدَ بِهِ مَعْنَاهُ لَمْ يَنْصَرِفْ لِغَيْرِهِ وَإِنْ أُرِيدَ بِهِ مَعْنًى يَحْتَمِلُهُ انْصَرَفَ إِلَيْهِ وَإِنْ أُطْلِقَ انْصَرَفَ إِلَى الْغَالِبِ وَإِنْ لَمْ يَسْتَحْضِرِ الْقَائِلُ الْمَعْنَى الْغَالِب.

     وَقَالَ  بن بَطَّالٍ ذَهَبَ إِلَى هَذَا قَوْمٌ فَقَالُوا يَقُولُ لَهُ يَرْحَمُكَ اللَّهُ يَخُصُّهُ بِالدُّعَاءِ وَحْدَهُ وَقَدْ أخرج الْبَيْهَقِيّ فِي الشّعب وَصَححهُ بن حِبَّانَ مِنْ طَرِيقِ حَفْصِ بْنِ عَاصِمٍ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَفَعَهُ لَمَّا خَلَقَ اللَّهُ آدَمَ عطس فَأَلْهَمَهُ رَبُّهُ أَنْ قَالَ الْحَمْدُ لِلَّهِ فَقَالَ لَهُ رَبُّهُ يَرْحَمُكَ اللَّهُ وَأَخْرَجَ الطَّبَرِيُّ عَنِ بن مَسْعُودٍ قَالَ يَقُولُ يَرْحَمُنَا اللَّهُ وَإِيَّاكُمْ وَأَخْرَجَهُ بن أبي شيبَة عَن بن عُمَرَ نَحْوَهُ وَأَخْرَجَ الْبُخَارِيُّ فِي الْأَدَبِ الْمُفْرَدِ بِسَنَدٍ صَحِيحٍ عَنْ أَبِي جَمْرَةَ بِالْجِيمِ سَمِعْتُ بن عَبَّاسٍ إِذَا شَمَّتَ يَقُولُ عَافَانَا اللَّهُ وَإِيَّاكُمْ مِنَ النَّارِ يَرْحَمُكُمُ اللَّهُ وَفِي الْمُوَطَّأِ عَنْ نَافِع عَن بن عُمَرَ أَنَّهُ كَانَ إِذَا عَطَسَ فَقِيلَ لَهُ يَرْحَمُكَ اللَّهُ قَالَ يَرْحَمُنَا اللَّهُ وَإِيَّاكُمْ وَيَغْفِرُ الله لنا وَلكم قَالَ بن دَقِيقِ الْعِيدِ ظَاهِرُ الْحَدِيثِ أَنَّ السُّنَّةَ لَا تَتَأَدَّى إِلَّا بِالْمُخَاطَبَةِ.
وَأَمَّا مَا اعْتَادَهُ كَثِيرٌ مِنَ النَّاسِ مِنْ قَوْلِهِمْ لِلرَّئِيسِ يَرْحَمُ اللَّهُ سَيِّدَنَا فَخِلَافُ السُّنَّةِ وَبَلَغَنِي عَنْ بَعْضِ الْفُضَلَاءِ أَنَّهُ شَمَّتَ رَئِيسًا فَقَالَ لَهُ يَرْحَمُكَ اللَّهُ يَا سَيِّدَنَا فَجَمَعَ الْأَمْرَيْنِ وَهُوَ حَسَنٌ .

     قَوْلُهُ  فَإِذَا قَالَ لَهُ يَرْحَمُكَ اللَّهُ فَلْيَقُلْ يَهْدِيكُمُ اللَّهُ وَيُصْلِحُ بَالَكُمْ مُقْتَضَاهُ أَنَّهُ لَا يُشْرَعُ ذَلِكَ إِلَّا لِمَنْ شَمَّتَ وَهُوَ وَاضِحٌ وَأَنَّ هَذَا اللَّفْظَ هُوَ جَوَابُ التَّشْمِيتِ وَهَذَا مُخْتَلَفٌ فِيهِ قَالَ بن بَطَّالٍ ذَهَبَ الْجُمْهُورُ إِلَى هَذَا وَذَهَبَ الْكُوفِيُّونَ إِلَى أَنَّهُ يَقُولُ يَغْفِرُ اللَّهُ لَنَا وَلَكُمْ وَأخرجه الطَّبَرِيّ عَن بن مَسْعُود وبن عُمَرَ وَغَيْرِهِمَا.

قُلْتُ وَأَخْرَجَهُ الْبُخَارِيُّ فِي الْأَدَبِ الْمُفْرد وَالطَّبَرَانِيّ من حَدِيث بن مَسْعُودٍ وَهُوَ فِي حَدِيثِ سَالِمِ بْنِ عُبَيْدٍ الْمُشَارِ إِلَيْهِ قَبْلُ فَفِيهِ وَلْيَقُلْ يَغْفِرُ اللَّهُ لَنَا وَلَكُمْ.

قُلْتُ وَقَدْ وَافَقَ حَدِيثَ أَبِي هُرَيْرَةَ فِي ذَلِكَ حَدِيثَ عَائِشَةَ عِنْدَ أَحْمَدَ وَأَبِي يَعْلَى وَحَدِيثَ أَبِي مَالِكٍ الْأَشْعَرِيِّ عِنْدَ الطَّبَرَانِيّ وَحَدِيث عَليّ عِنْد الطَّبَرَانِيّ أَيْضا وَحَدِيث بن عُمَرَ عِنْدَ الْبَزَّارِ وَحَدِيثَ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ جَعْفَرِ بْنِ أَبِي طَالِبٍ عِنْدَ الْبَيْهَقِيِّ فِي الشّعب.

     وَقَالَ  بن بَطَّالٍ ذَهَبَ مَالِكٌ وَالشَّافِعِيُّ إِلَى أَنَّهُ يَتَخَيَّرُ بَيْنَ اللَّفْظَيْنِ.

     وَقَالَ  أَبُو الْوَلِيدِ بْنُ رُشْدٍ الثَّانِي أَوْلَى لِأَنَّ الْمُكَلَّفَ يَحْتَاجُ إِلَى طَلَبِ الْمَغْفِرَةِ وَالْجَمْعُ بَيْنَهُمَا أَحْسَنُ إِلَّا لِلذِّمِّيِّ وَذَكَرَ الطَّبَرِيُّ أَنَّ الَّذِينَ مَنَعُوا مِنْ جَوَابِ التَّشْمِيتِ بِقَوْلِ يَهْدِيكُمُ اللَّهُ وَيُصْلِحُ بَالَكُمْ احْتَجُّوا بِأَنَّهُ تَشْمِيتُ الْيَهُودِ كَمَا تَقَدَّمَتِ الْإِشَارَةُ إِلَيْهِ مِنْ تَخْرِيجِ أَبِي دَاوُدَ مِنْ حَدِيثِ أَبِي مُوسَى قَالَ وَلَا حُجَّةَ فِيهِ إِذْ لَا تَضَادَّ بَيْنَ خَبَرِ أَبِي مُوسَى وَخَبَرِ أَبِي هُرَيْرَةَ يَعْنِي حَدِيثَ الْبَابِ لِأَنَّ حَدِيثَ أَبِي هُرَيْرَةَ فِي جَوَابِ التَّشْمِيتِ وَحَدِيثَ أَبِي مُوسَى فِي التَّشْمِيتِ نَفْسِهِ.
وَأَمَّا مَا أَخْرَجَهُ الْبَيْهَقِيُّ فِي الشّعب عَن بن عُمَرَ قَالَ اجْتَمَعَ الْيَهُودُ وَالْمُسْلِمُونَ فَعَطَسَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَشَمَّتَهُ الْفَرِيقَانِ جَمِيعًا فَقَالَ لِلْمُسْلِمِينَ يَغْفِرُ اللَّهُ لَكُمْ وَيَرْحَمُنَا وَإِيَّاكُمْ.

     وَقَالَ  لِلْيَهُودِ يَهْدِيكُمُ اللَّهُ وَيُصْلِحُ بَالَكُمْ فَقَالَ تَفَرَّدَ بِهِ عَبْدُ اللَّهِ بْنِ عَبْدِ الْعَزِيزِ بْنِ أَبِي رَوَّادٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ نَافِعٍ وَعَبْدُ اللَّهِ ضَعِيفٌ وَاحْتَجَّ بَعْضُهُمْ بِأَنَّ الْجَوَابَ الْمَذْكُورَ مَذْهَبُ الْخَوَارِجِ لِأَنَّهُمْ لَا يَرَوْنَ الِاسْتِغْفَارَ لِلْمُسْلِمِينَ وَهَذَا مَنْقُولٌ عَنْ إِبْرَاهِيمَ النَّخَعِيِّ وَكُلُّ هَذَا لَا حُجَّةَ فِيهِ بَعْدَ ثُبُوتِ الْخَبَرِ بِالْأَمْرِ بِهِ قَالَ الْبُخَارِيُّ بَعْدَ تَخْرِيجِهِ فِي الْأَدَبِ الْمُفْرَدِ وَهَذَا أَثْبَتُ مَا يُرْوَى فِي هَذَا الْبَابِ.

     وَقَالَ  الطَّبَرِيُّ هُوَ مِنْ أَثْبَتِ الْأَخْبَارِ.

     وَقَالَ  الْبَيْهَقِيُّ هُوَ أَصَحُّ شَيْءٍ وَرَدَ فِي هَذَا الْبَابِ وَقَدْ أَخَذَ بِهِ الطَّحَاوِيُّ مِنَ الْحَنَفِيَّةِ وَاحْتَجَّ لَهُ بِقَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى وَإِذا حييتُمْ بِتَحِيَّة فَحَيوا بِأَحْسَن مِنْهَا قَالَ وَالَّذِي يُجِيبُ بِقَوْلِهِ غَفَرَ اللَّهُ لَنَا وَلَكُمْ لَا يَزِيدُ الْمُشَمِّتَ عَلَى مَعْنَى قَوْلِهِ يَرْحَمُكَ اللَّهُ لِأَنَّ الْمَغْفِرَةَ سَتْرُ الذَّنْبِ وَالرَّحْمَةُ ترك المعاقبة عَلَيْهِ بِخِلَاف دُعَائُهُ لَهُ بِالْهِدَايَةِ وَالْإِصْلَاحِ فَإِنَّ مَعْنَاهُ أَنْ يَكُونَ سَالِمًا مِنْ مُوَاقَعَةِ الذَّنْبِ صَالِحَ الْحَالِ فَهُوَ فَوق الأول فَيكون أولى وَاخْتَارَ بن أَبِي جَمْرَةَ أَنْ يَجْمَعَ الْمُجِيبُ بَيْنَ اللَّفْظَيْنِ فَيَكُونُ أَجْمَعَ لِلْخَيْرِ وَيَخْرُجُ مِنَ الْخِلَافِ وَرَجَّحَهُ بن دَقِيقِ الْعِيدِ وَقَدْ أَخْرَجَ مَالِكٌ فِي الْمُوَطَّأِ عَن نَافِع عَن بن عُمَرَ أَنَّهُ كَانَ إِذَا عَطَسَ فَقِيلَ لَهُ يَرْحَمُكَ اللَّهُ قَالَ يَرْحَمُنَا اللَّهُ وَإِيَّاكُمْ يَغْفِرُ الله لنا وَلكم قَالَ بن أَبِي جَمْرَةَ وَفِي الْحَدِيثِ دَلِيلٌ عَلَى عَظِيمِ نِعْمَةِ اللَّهِ عَلَى الْعَاطِسِ يُؤْخَذُ ذَلِكَ مِمَّا رَتَّبَ عَلَيْهِ مِنَ الْخَيْرِ وَفِيهِ إِشَارَةٌ إِلَى عَظِيمِ فَضْلِ اللَّهِ عَلَى عَبْدِهِ فَإِنَّهُ أَذْهَبَ عَنهُ الضَّرَر بِنِعْمَةِ الْعُطَاسِ ثُمَّ شَرَعَ لَهُ الْحَمْدَ الَّذِي يُثَابُ عَلَيْهِ ثُمَّ الدُّعَاءُ بِالْخَيْرِ بَعْدَ الدُّعَاءِ بِالْخَيْرِ وَشَرَعَ هَذِهِ النِّعَمَ الْمُتَوَالِيَاتِ فِي زَمَنٍ يَسِيرٍ فَضْلًا مِنْهُ وَإِحْسَانًا وَفِي هَذَا لِمَنْ رَآهُ بِقَلْبٍ لَهُ بَصِيرَةٌ زِيَادَةُ قُوَّةٍ فِي إِيمَانِهِ حَتَّى يَحْصُلَ لَهُ مِنْ ذَلِكَ مَا لَا يَحْصُلُ بِعِبَادَةِ أَيَّامٍ عَدِيدَةٍ وَيُدَاخِلُهُ مِنْ حُبِّ اللَّهِ الَّذِي أَنْعَمَ عَلَيْهِ بِذَلِكَ مَا لَمْ يَكُنْ فِي بَالِهِ وَمِنْ حُبِّ الرَّسُولِ الَّذِي جَاءَتْ مَعْرِفَةُ هَذَا الْخَيْرِ عَلَى يَدِهِ وَالْعِلْمُ الَّذِي جَاءَتْ بِهِ سُنَّتُهُ مَا لَا يُقَدَّرُ قَدْرُهُ قَالَ وَفِي زِيَادَةِ ذَرَّةٍ مِنْ هَذَا مَا يَفُوقُ الْكَثِيرَ مِمَّا عَدَاهُ مِنَ الْأَعْمَالِ وَلِلَّهِ الْحَمْدُ كَثِيرًا.

     وَقَالَ  الْحَلِيمِيُّ أَنْوَاعُ الْبَلَاءِ وَالْآفَاتِ كُلُّهَا مُؤَاخَذَاتٌ وَإِنَّمَا الْمُؤَاخَذَةُ عَنْ ذَنْبٍ فَإِذَا حَصَلَ الذَّنْبُ مَغْفُورًا وَأَدْرَكَتِ الْعَبْدَ الرَّحْمَةُ لَمْ تَقَعِ الْمُؤَاخَذَةُ فَإِذَا قِيلَ لِلْعَاطِسِ يَرْحَمُكَ اللَّهُ فَمَعْنَاهُ جَعَلَ اللَّهُ لَكَ ذَلِكَ لِتَدُومَ لَكَ السَّلَامَةُ وَفِيهِ إِشَارَةٌ إِلَى تَنْبِيهِ الْعَاطِسِ عَلَى طَلَبِ الرَّحْمَةِ وَالتَّوْبَةِ مِنَ الذَّنْبِ وَمِنْ ثَمَّ شُرِعَ لَهُ الْجَوَابُ بِقَوْلِهِ غَفَرَ اللَّهُ لَنَا وَلَكُمْ .

     قَوْلُهُ  بَالُكُمْ شَأْنُكُمْ قَالَ أَبُو عُبَيْدَةَ فِي مَعْنَى قَوْلِهِ تَعَالَى سَيَهْدِيهِمْ وَيصْلح بالهم أَي شَأْنهمْ