فهرس الكتاب

فتح الباري لابن حجر - باب: كيف يرد على أهل الذمة السلام

( قَولُهُ بَابُ كَيْفَ الرَّدُّ عَلَى أَهْلِ الذِّمَّةِ بِالسَّلَامِ)
فِي هَذِهِ التَّرْجَمَةِ إِشَارَةٌ إِلَى أَنَّهُ لَا مَنْعَ مِنْ رَدِّ السَّلَامِ عَلَى أَهْلِ الذِّمَّةِ فَلِذَلِكَ تَرْجَمَ بِالْكَيْفِيَّةِ وَيُؤَيِّدُهُ .

     قَوْلُهُ  تَعَالَى فَحَيوا بِأَحْسَن مِنْهَا أَو ردوهَا فَإِنَّهُ يَدُلُّ عَلَى أَنَّ الرَّدَّ يَكُونُ وَفْقَ الِابْتِدَاءِ إِنْ لَمْ يَكُنْ أَحْسَنَ مِنْهُ كَمَا تَقَدَّمَ تَقْرِيرُهُ وَدَلَّ الْحَدِيثُ عَلَى التَّفْرِقَةِ فِي الرَّد على الْمُسلم وَالْكَافِر قَالَ بن بَطَّالٍ قَالَ قَوْمٌ رَدُّ السَّلَامِ عَلَى أَهْلِ الذِّمَّة فرض لعُمُوم الْآيَة وَثَبت عَن بن عَبَّاسٍ أَنَّهُ قَالَ مَنْ سَلَّمَ عَلَيْكَ فَرُدَّ عَلَيْهِ وَلَوْ كَانَ مَجُوسِيًّا وَبِهِ قَالَ الشَّعْبِيُّ وَقَتَادَةُ وَمَنَعَ مِنْ ذَلِكَ مَالِكٌ وَالْجُمْهُورُ.

     وَقَالَ  عَطَاءٌ الْآيَةُ مَخْصُوصَةٌ بِالْمُسْلِمِينَ فَلَا يُرَدُّ السَّلَامُ عَلَى الْكَافِرِ مُطْلَقًا فَإِنْ أَرَادَ مَنْعَ الرَّدِّ بِالسَّلَامِ وَإِلَّا فَأَحَادِيثُ الْبَابِ تَرُدُّ عَلَيْهِ الْحَدِيثَ الْأَوَّلَ



[ قــ :5926 ... غــ :6256] .

     قَوْلُهُ  أَنَّ عَائِشَةَ قَالَتْ كَذَا قَالَ صَالِحُ بْنُ كَيْسَانَ مِثْلُهُ كَمَا تَقَدَّمَ فِي الْأَدَبِ.

     وَقَالَ  سُفْيَانُ عَنِ الزُّهْرِيِّ عَنْ عُرْوَةَ عَنْ عَائِشَةَ قَالَتْ وَسَيَأْتِي فِي اسْتِتَابَةِ الْمُرْتَدِّينَ .

     قَوْلُهُ  دَخَلَ رَهْطٌ مِنَ الْيَهُودِ لَمْ أَعْرِفْ أَسْمَاءَهُمْ لَكِنْ أَخْرَجَ الطَّبَرَانِيُّ بِسَنَدٍ ضَعِيفٍ عَنْ زَيْدِ بْنِ أَرْقَمَ قَالَ بَيْنَمَا أَنَا عِنْدَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِذْ أَقْبَلَ رَجُلٌ مِنَ الْيَهُودِ يُقَالُ لَهُ ثَعْلَبَةُ بْنُ الْحَارِثِ فَقَالَ السَّامُ عَلَيْكَ يَا مُحَمَّدُ فَقَالَ وَعَلَيْكُمْ فَإِنْ كَانَ مَحْفُوظًا احْتَمَلَ أَنْ يَكُونَ أَحَدَ الرَّهْطِ الْمَذْكُورِينَ وَكَانَ هُوَ الَّذِي بَاشَرَ الْكَلَامَ عَنْهُمْ كَمَا جَرَتِ الْعَادَةُ مِنْ نِسْبَةِ الْقَوْلِ إِلَى جَمَاعَةٍ وَالْمُبَاشِرُ لَهُ وَاحِدٌ مِنْهُمْ لِأَنَّ اجْتِمَاعَهُمْ وَرِضَاهُمْ بِهِ فِي قُوَّةِ مَنْ شَارَكَهُ فِي النُّطْقِ .

     قَوْلُهُ  فَقَالُوا السَّامُ عَلَيْكَ كَذَا فِي الْأُصُولِ بِأَلِفٍ سَاكِنَةٍ وَسَيَأْتِي فِي الْكَلَامِ عَلَى الْحَدِيثِ الثَّانِي أَنَّهُ جَاءَ بِالْهَمْزِ وَقَدْ تَقَدَّمَ تَفْسِيرُ السَّوْمِ بِالْمَوْتِ فِي كِتَابِ الطِّبِّ وَقِيلَ هُوَ الْمَوْتُ الْعَاجِلُ .

     قَوْلُهُ  فَفَهِمْتُهَا فَقلت عَلَيْكُم السام واللعنة فِي رِوَايَة بن أَبِي مُلَيْكَةَ عَنْ عَائِشَةَ كَمَا تَقَدَّمَ فِي أَوَائِلِ الْأَدَبِ فَقَالَتْ عَلَيْكُمْ وَلَعَنَكُمُ اللَّهُ وَغَضِبَ عَلَيْكُمْ وَلِمُسْلِمٍ مِنْ طَرِيقٍ أُخْرَى عَنْهَا بَلْ عَلَيْكُمُ السَّامُ وَالذَّامُ بِالذَّالِ الْمُعْجَمَةِ وَهُوَ لُغَةٌ فِي الذَّمِّ ضِدُّ الْمَدْحِ يُقَالُ ذَمٌّ بِالتَّشْدِيدِ وَذَامٌ بِالتَّخْفِيفِ وَذَيْمٌ بِتَحْتَانِيَّةٍ سَاكِنَةٍ.

     وَقَالَ  عِيَاضٌ لَمْ يَخْتَلِفِ الرُّوَاةُ أَنَّ الذَّامَ فِي هَذَا الْحَدِيثِ بِالْمُعْجَمَةِ وَلَوْ رُوِيَ بِالْمُهْمَلَةِ مِنَ الدَّوَامِ لَكَانَ لَهُ وَجْهٌ وَلَكِنْ كَانَ يَحْتَاجُ لِحَذْفِ الْوَاو ليصير صفة للسام وَقد حكى بن الْأَعرَابِي الدام لُغَة فِي الدَّائِم قَالَ بن بَطَّالٍ فَسَّرَ أَبُو عُبَيْدٍ السَّامَ بِالْمَوْتِ وَذَكَرَ الْخَطَّابِيُّ أَنَّ قَتَادَةَ تَأَوَّلَهُ عَلَى خِلَافِ ذَلِكَ فَفِي رِوَايَةِ عَبْدِ الْوَارِثِ بْنِ سَعِيدٍ عَنْ سَعِيدِ بْنِ أَبِي عَرُوبَةَ قَالَ كَانَ قَتَادَةُ يَقُولُ تَفْسِيرُ السَّامُ عَلَيْكُمْ تُسَامُونَ دِينَكُمْ وَهُوَ يَعْنِي السَّامَ مَصْدَرُ سَئِمَهُ سَآمَةً وَسَآمًا مِثْلُ رضعه رضاعة ورضاعا قَالَ بن بَطَّالٍ وَوَجَدْتُ هَذَا الَّذِي فَسَّرَهُ قَتَادَةُ مَرْوِيًّا عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَخْرَجَهُ بَقِيُّ بْنُ مَخْلَدٍ فِي تَفْسِيرِهِ مِنْ طَرِيقِ سَعِيدٍ عَنْ قَتَادَةَ عَنْ أَنَسٍ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بَيْنَا هُوَ جَالِسٌ مَعَ أَصْحَابِهِ إِذْ أَتَى يَهُودِيٌّ فَسَلَّمَ عَلَيْهِ فَرَدُّوا عَلَيْهِ فَقَالَ هَلْ تَدْرُونَ مَا قَالَ قَالُوا سَلَّمَ يَا رَسُولَ اللَّهِ قَالَ قَالَ سَامَ عَلَيْكُمْ أَيْ تُسَامُونَ دِينَكُمْ.

قُلْتُ يَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ .

     قَوْلُهُ  أَيْ تُسَامُونَ دِينَكُمْ تَفْسِيرَ قَتَادَةَ كَمَا بَيَّنَتْهُ رِوَايَةُ عَبْدِ الْوَارِثِ الَّتِي ذَكَرَهَا الْخَطَّابِيُّ وَقَدْ أَخْرَجَ الْبَزَّارُ وبن حِبَّانَ فِي صَحِيحِهِ مِنْ طَرِيقِ سَعِيدِ بْنِ أَبِي عَرُوبَةَ عَنْ قَتَادَةَ عَنْ أَنَسٍ مَرَّ يَهُودِيٌّ بِالنَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَأَصْحَابِهِ فَسَلَّمَ عَلَيْهِمْ فَرَدَّ عَلَيْهِ أَصْحَابُ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ هَلْ تَدْرُونَ مَا قَالَ قَالُوا نَعَمْ سَلَّمَ عَلَيْنَا قَالَ فَإِنَّهُ قَالَ السَّامُ عَلَيْكُمْ أَيْ تُسَامُونَ دِينَكُمْ رُدُّوهُ عَليّ فَردُّوهُ فَقَالَ كَيفَ قلت قَالَ قلت السَّامُ عَلَيْكُمْ فَقَالَ إِذَا سَلَّمَ عَلَيْكُمْ أَهْلُ الْكِتَابِ فَقُولُوا عَلَيْكُمْ مَا قُلْتُمْ لَفْظُ الْبَزَّارِ وَفِي رِوَايَة بن حِبَّانَ أَنَّ يَهُودِيًّا سَلَّمَ فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَتَدْرُونَ وَالْبَاقِي نَحْوُهُ وَلَمْ يَذْكُرْ قَوْلَهُ رُدُّوهُ إِلَخْ.

     وَقَالَ  فِي آخِرِهِ فَإِذَا سَلَّمَ عَلَيْكُمْ رَجُلٌ مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ فَقُولُوا وَعَلَيْكَ .

     قَوْلُهُ  وَاللَّعْنَةُ يَحْتَمِلُ أَنْ تَكُونَ عَائِشَةُ فَهِمَتْ كَلَامَهُمْ بِفِطْنَتِهَا فَأَنْكَرَتْ عَلَيْهِمْ وَظَنَّتْ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ظَنَّ أَنَّهُمْ تَلَفَّظُوا بِلَفْظِ السَّلَامِ فَبَالَغَتْ فِي الْإِنْكَارِ عَلَيْهِمْ وَيَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ سَبَقَ لَهَا سَمَاعُ ذَلِكَ مِنَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَمَا فِي حَدِيثي بن عُمَرَ وَأَنَسٍ فِي الْبَابِ وَإِنَّمَا أَطْلَقَتْ عَلَيْهِمُ اللَّعْنَةَ إِمَّا لِأَنَّهَا كَانَتْ تَرَى جَوَازَ لَعْنِ الْكَافِرِ الْمُعَيَّنِ بِاعْتِبَارِ الْحَالَةِ الرَّاهِنَةِ لَا سِيَّمَا إِذَا صَدَرَ مِنْهُ مَا يَقْتَضِي التَّأْدِيبَ وَإِمَّا لِأَنَّهَا تَقَدَّمَ لَهَا عِلْمٌ بِأَنَّ الْمَذْكُورِينَ يَمُوتُونَ عَلَى الْكُفْرِ فَأَطْلَقَتِ اللَّعْنَ وَلَمْ تُقَيِّدْهُ بِالْمَوْتِ وَالَّذِي يَظْهَرُ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَرَادَ أَنْ لَا يَتَعَوَّدَ لِسَانُهَا بِالْفُحْشِ أَوْ أَنْكَرَ عَلَيْهَا الْإِفْرَاطَ فِي السَّبِّ وَقَدْ تَقَدَّمَ فِي أَوَائِلِ الْأَدَبِ فِي بَابِ الرِّفْقِ مَا يَتَعَلَّقُ بِذَلِكَ وَسَيَأْتِي الْكَلَامُ عَلَى جَوَازِ لَعْنِ الْمُشْرِكِ الْمُعَيَّنِ الْحَيِّ فِي بَابِ الدُّعَاءِ عَلَى الْمُشْرِكِينَ مِنْ كِتَابِ الدَّعَوَاتِ إِنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى .

     قَوْلُهُ  مَهْلًا يَا عَائِشَةُ تَقَدَّمَ بِشَرْحِهِ فِي بَابِ الرِّفْقِ مِنْ كِتَابِ الْأَدَبِ .

     قَوْلُهُ  فَقَدْ.

قُلْتُ عَلَيْكُمْ وَكَذَا فِي رِوَايَةِ مَعْمَرٍ وَشُعَيْبٍ عَنِ الزُّهْرِيِّ عِنْدَ مُسْلِمٍ بِحَذْفِ الْوَاوِ وَعِنْدَهُ فِي رِوَايَةِ سُفْيَانَ وَعِنْدَ النَّسَائِيِّ مِنْ رِوَايَةٍ أُخْرَى عَنِ الزُّهْرِيِّ بِإِثْبَاتِ الْوَاو قَالَ الْمُهَلَّبُ فِي هَذَا الْحَدِيثِ جَوَازُ انْخِدَاعِ الْكَبِيرِ لِلْمَكَايِدِ وَمُعَارَضَتُهُ مِنْ حَيْثُ لَا يَشْعُرُ إِذَا رُجِيَ رُجُوعُهُ.

قُلْتُ فِي تَقْيِيدِهِ بِذَلِكَ نَظَرٌ لِأَنَّ الْيَهُودَ حِينَئِذٍ كَانُوا أَهْلَ عَهْدٍ فَالَّذِي يَظْهَرُ أَنَّ ذَلِكَ كَانَ لِمَصْلَحَةِ التَّآلُفِ الْحَدِيثُ الثَّانِي





[ قــ :597 ... غــ :657] .

     قَوْلُهُ  عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ دِينَار عَن بن عُمَرَ يَأْتِي فِي اسْتِتَابَةِ الْمُرْتَدِّينَ مِنْ وَجْهٍ آخَرَ بِلَفْظِ حَدَّثَنِي عَبْدُ اللَّهِ بْنُ دِينَارٍ سَمِعت بن عُمَرَ .

     قَوْلُهُ  إِذَا سَلَّمَ عَلَيْكُمُ الْيَهُودُ فَإِنَّمَا يَقُولُ أَحَدُهُمُ السَّامُ عَلَيْكَ فَقُلْ وَعَلَيْكَ هَكَذَا هُوَ فِي جَمِيعِ نُسَخِ الْبُخَارِيِّ وَكَذَا أَخْرَجَهُ فِي الْأَدَبِ الْمُفْرَدِ عَنْ إِسْمَاعِيلَ بْنِ أَبِي أُوَيْسٍ عَنْ مَالِكٍ وَالَّذِي عِنْدَ جَمِيعِ رُوَاةِ الْمُوَطَّأِ بِلَفْظِ فَقُلْ عَلَيْكَ لَيْسَ فِيهِ الْوَاوُ وَأَخْرَجَهُ أَبُو نُعَيْمٍ فِي الْمُسْتَخْرَجِ مِنْ طَرِيقِ يَحْيَى بْنِ بُكَيْرٍ وَمِنْ طَرِيقِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ نَافِعٍ كِلَاهُمَا عَنْ مَالِكٍ بِإِثْبَاتِ الْوَاوِ وَفِيهِ نَظَرٌ فَإِنَّهُ فِي الْمُوَطَّأِ عَنْ يَحْيَى بن بكير بِغَيْر وَاو وَمُقْتَضى كَلَام بن عَبْدِ الْبَرِّ أَنَّ رِوَايَةَ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ نَافِعٍ بِغَيْرِ وَاوٍ لِأَنَّهُ قَالَ لَمْ يُدْخِلْ أَحَدٌ مِنْ رُوَاةِ الْمُوَطَّأِ عَنْ مَالِكٍ الْوَاوَ.

قُلْتُ لَكِنْ وَقَعَ عِنْدَ الدَّارَقُطْنِيِّ فِي الْمُوَطَّآتِ مِنْ طَرِيقِ رَوْحِ بْنِ عُبَادَةَ عَنْ مَالِكٍ بِلَفْظِ فَقُلْ وَعَلَيْكُمْ بِالْوَاوِ وَبِصِيغَةِ الْجَمْعِ قَالَ الدَّارَقُطْنِيُّ الْقَوْلُ الْأَوَّلُ أَصَحُّ يَعْنِي عَنْ مَالِكٍ.

قُلْتُ أَخْرَجَهُ الْإِسْمَاعِيلِيُّ مِنْ طَرِيقِ رَوْحٍ وَمَعْنٍ وَقُتَيْبَةَ ثَلَاثَتُهُمْ عَنْ مَالِكٍ بِغَيْرِ وَاوٍ وَبِالْإِفْرَادِ كَرِوَايَةِ الْجَمَاعَةِ وَأَخْرَجَهُ الْبُخَارِيُّ فِي اسْتِتَابَةِ الْمُرْتَدِّينَ مِنْ طَرِيقِ يَحْيَى الْقَطَّانِ عَنْ مَالِكٍ وَالثَّوْرِيِّ جَمِيعًا عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ دِينَارٍ بِلَفْظِ قُلْ عَلَيْكَ بِغَيْرِ وَاوٍ لَكِنْ وَقَعَ فِي رِوَايَةِ السَّرَخْسِيِّ وَحْدَهُ فَقُلْ عَلَيْكُمْ بِصِيغَةِ الْجَمْعِ بِغَيْرِ وَاوٍ أَيْضًا وَأَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ وَالنَّسَائِيُّ مِنْ طَرِيقِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ مَهْدِيٍّ عَنِ الثَّوْرِيِّ وَحْدَهُ بِلَفْظِ فَقُولُوا وَعَلَيْكُمْ بِإِثْبَاتِ الْوَاوِ بِصِيغَةِ الْجَمْعِ وَأَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ وَالنَّسَائِيُّ مِنْ طَرِيقِ إِسْمَاعِيلَ بْنِ جَعْفَرٍ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ دِينَارٍ بِغَيْرِ وَاوٍ وَفِي نُسْخَةٍ صَحِيحَةٍ مِنْ مُسْلِمٍ بِإِثْبَات الْوَاو وَأخرجه النَّسَائِيّ من طَرِيق بن عُيَيْنَة عَن بن دِينَارٍ بِلَفْظِ إِذَا سَلَّمَ عَلَيْكُمُ الْيَهُودِيُّ وَالنَّصْرَانِيُّ فَإِنَّمَا يَقُولُ السَّامُ عَلَيْكُمْ فَقُلْ عَلَيْكُمْ بِغَيْرِ وَاوٍ وَبِصِيغَةِ الْجَمْعِ وَأَخْرَجَهُ أَبُو دَاوُدَ مِنْ رِوَايَةِ عَبْدِ الْعَزِيزِ بْنِ مُسْلِمٍ عَنْ عَبْدِ الله بن دِينَار مثل بن مَهْدِيٍّ عَنِ الثَّوْرِيِّ.

     وَقَالَ  بَعْدَهُ وَكَذَا رَوَاهُ مَالِكٌ وَالثَّوْرِيُّ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ دِينَارٍ قَالَ فِيهِ وَعَلَيْكُمْ قَالَ الْمُنْذِرِيُّ فِي الْحَاشِيَةِ حَدِيثُ مَالِكٍ أَخْرَجَهُ الْبُخَارِيُّ وَحَدِيثُ الثَّوْرِيِّ أَخْرَجَهُ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ وَهَذَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّ رِوَايَةَ مَالِكٍ عِنْدَهُمَا بِالْوَاوِ فَأَمَّا أَبُو دَاوُدَ فَلَعَلَّهُ حَمَلَ رِوَايَةَ مَالِكٍ عَلَى رِوَايَةِ الثَّوْرِيِّ أَوِ اعْتَمَدَ رِوَايَةَ رَوْحِ بْنِ عُبَادَةَ عَنْ مَالِكٍ.
وَأَمَّا الْمُنْذِرِيُّ فَتَجَوَّزَ فِي عَزْوِهِ لِلْبُخَارِيِّ لِأَنَّهُ عِنْده بِصِيغَة الْإِفْرَاد وَلِحَدِيث بن عُمَرَ هَذَا سَبَبٌ أَذْكُرُهُ فِي الَّذِي بَعْدَهُ الْحَدِيثُ الثَّالِثُ أَوْرَدَهُ مِنْ طَرِيقِ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي بَكْرِ بْنِ أَنَسٍ حَدَّثَنَا أَنَسُ بْنُ مَالِكٍ يَعْنِي جَدَّهُ بِلَفْظِ إِذَا سَلَّمَ عَلَيْكُمْ أَهْلُ الْكِتَابِ فَقُولُوا وَعَلَيْكُمْ كَذَا رَوَاهُ مُخْتَصَرًا وَرَوَاهُ قَتَادَةُ عَنْ أَنَسٍ أَتَمَّ مِنْهُ أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ وَأَبُو دَاوُدَ وَالنَّسَائِيُّ مِنْ طَرِيقِ شُعْبَةَ عَنْهُ بِلَفْظِ أَنَّ أَصْحَابَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالُوا إِنَّ أَهْلَ الْكِتَابِ يُسَلِّمُونَ عَلَيْنَا فَكَيْفَ نَرُدُّ عَلَيْهِمْ قَالَ قُولُوا وَعَلَيْكُمْ وَأَخْرَجَهُ الْبُخَارِيُّ فِي الْأَدَبِ الْمُفْرَدِ مِنْ طَرِيقِ هَمَّامٍ عَنْ قَتَادَةَ بِلَفْظِ مَرَّ يَهُودِيٌّ فَقَالَ السَّامُ عَلَيْكُمْ فَرَدَّ أَصْحَابُ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَيْهِ السَّلَامُ فَقَالَ قَالَ السَّامُ عَلَيْكُمْ فَأُخِذَ الْيَهُودِيُّ فَاعْتَرَفَ فَقَالَ رُدُّوا عَلَيْهِ وَأَخْرَجَهُ أَبُو عَوَانَةَ فِي صَحِيحِهِ مِنْ طَرِيقِ شَيْبَانَ نَحْوَ رِوَايَةِ هَمَّامٍ.

     وَقَالَ  فِي آخِرِهِ رُدُّوهُ فَرَدُّوهُ فَقَالَ أَقُلْتَ السَّامُ عَلَيْكُمْ قَالَ نَعَمْ فَقَالَ عِنْدَ ذَلِكَ إِذَا سَلَّمَ عَلَيْكُمْ أَهْلُ الْكِتَابِ فَقُولُوا وَعَلَيْكُمْ وَتَقَدَّمَ فِي الْكَلَامِ عَلَى حَدِيثِ عَائِشَةَ مِنْ وَجْهٍ آخَرَ عَنْ قَتَادَةَ بِزِيَادَةٍ فِيهِ وَسَيَأْتِي فِي اسْتِتَابَةِ الْمُرْتَدِّينَ مِنْ طَرِيقِ هِشَامِ بْنِ زَيْدِ بْنِ أَنَسٍ سَمِعْتَ أَنَسَ بْنَ مَالِكٍ يَقُولُ مَرَّ يَهُودِيٌّ بِالنَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ السَّامُ عَلَيْكَ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَعَلَيْكَ ثُمَّ قَالَ أَتَدْرُونَ مَاذَا يَقُولُ قَالَ السَّامُ عَلَيْكَ قَالُوا يَا رَسُولَ اللَّهِ أَلَا نَقْتُلُهُ قَالَ إِذَا سَلَّمَ عَلَيْكُمْ أَهْلُ الْكِتَابِ فَقُولُوا وَعَلَيْكُمْ وَفِي رِوَايَةِ الطَّيَالِسِيِّ أَنَّ الْقَائِلَ أَلَا نَقْتُلُهُ عُمَرُ وَالْجَمْعُ بَيْنَ هَذِهِ الرِّوَايَاتِ أَنَّ بَعْضَ الرُّوَاةِ حَفِظَ مَا لَمْ يَحْفَظْ الْآخَرُ وَأَتَمُّهَا سِيَاقًا رِوَايَةُ هِشَامِ بْنِ زَيْدٍ هَذِهِ وَكَأَنَّ بَعْضَ الصَّحَابَةِ لَمَّا أَخْبَرَهُمُ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّ الْيَهُودَ تَقُولُ ذَلِكَ سَأَلُوا حِينَئِذٍ عَنْ كَيْفِيَّةِ الرَّدِّ عَلَيْهِمْ كَمَا رَوَاهُ شُعْبَةُ عَنْ قَتَادَةَ وَلَمْ يَقَعْ هَذَا السُّؤَالُ فِي رِوَايَةِ هِشَامِ بْنِ زَيْدٍ وَلَمْ تَخْتَلِفِ الرُّوَاةُ عَنْ أَنَسٍ فِي لَفْظِ الْجَوَابِ وَهُوَ وَعَلَيْكُمْ بِالْوَاوِ وَبِصِيغَةِ الْجَمْعِ قَالَ أَبُو دَاوُدَ فِي السُّنَنِ وَكَذَا رِوَايَةُ عَائِشَةَ وَأَبِي عَبْدِ الرَّحْمَنِ الْجُهَنِيِّ وَأَبِي بَصْرَةَ قَالَ الْمُنْذِرِيُّ أَمَّا حَدِيثُ عَائِشَةَ فَمُتَّفَقٌ عَلَيْهِ.

قُلْتُ هُوَ أَوَّلُ أَحَادِيثِ الْبَابِ قَالَ وَأما حَدِيث أبي عبد الرَّحْمَن فَأخْرجهُ بن مَاجَهْ.
وَأَمَّا حَدِيثُ أَبِي بَصْرَةَ فَأَخْرَجَهُ النَّسَائِيُّ.

قُلْتُ هُمَا حَدِيثٌ وَاحِدٌ اخْتُلِفَ فِيهِ عَلَى يَزِيدَ بْنِ أَبِي حَبِيبٍ عَنْ أَبِي الْخَيْرِ فَقَالَ عَبْدُ الْحَمِيدِ بْنُ جَعْفَرٍ عَنْ أَبِي بصرة أخرجه النَّسَائِيّ والطَّحَاوِي.

     وَقَالَ  بن إِسْحَاقَ عَنْ أَبِي عَبْدِ الرَّحْمَنِ أَخْرَجَهُ أَحْمَدُ وبن مَاجَهْ وَالطَّحَاوِيُّ أَيْضًا وَقَدْ قَالَ بَعْضُ أَصْحَابِ بن إِسْحَاقَ عَنْهُ مِثْلَ مَا قَالَ عَبْدُ الْحَمِيدِ أَخْرَجَهُ الطَّحَاوِيُّ وَالْمَحْفُوظُ قَوْلُ الْجَمَاعَةِ وَلَفْظُ النَّسَائِيِّ فَإِنْ سَلَّمُوا عَلَيْكُمْ فَقُولُوا وَعَلَيْكُمْ وَقَدِ اخْتَلَفَ الْعُلَمَاءُ فِي إِثْبَاتِ الْوَاوِ وَإِسْقَاطِهَا فِي الرَّدِّ عَلَى أَهْلِ الْكِتَابِ لِاخْتِلَافِهِمْ فِي أَيِّ الرِّوَايَتَيْنِ أرجح فَذكر بن عبد الْبر عَن بن حَبِيبٍ لَا يَقولُهَا بِالْوَاوِ لِأَنَّ فِيهَا تَشْرِيكًا وَبَسْطُ ذَلِكَ أَنَّ الْوَاوَ فِي مِثْلِ هَذَا التَّرْكِيبِ يَقْتَضِي تَقْرِيرَ الْجُمْلَةِ الْأُولَى وَزِيَادَةَ الثَّانِيَةِ عَلَيْهَا كَمَنْ قَالَ زَيْدٌ كَاتِبٌ فَقُلْتُ وَشَاعِرٌ فَإِنَّهُ يَقْتَضِي ثُبُوتَ الْوَصْفَيْنِ لِزَيْدٍ قَالَ وَخَالَفَهُ جُمْهُورُ الْمَالِكِيَّةِ.

     وَقَالَ  بَعْضُ شُيُوخِهِمْ يَقُولُ عَلَيْكُمُ السِّلَامُ بِكَسْرِ السِّينِ يَعْنِي الْحِجَارَةَ ووهاه بن عَبْدِ الْبَرِّ بِأَنَّهُ لَمْ يُشْرَعْ لَنَا سَبُّ أهل الذِّمَّة وَيُؤَيّد إِنْكَارِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى عَائِشَة لما سبتهم وَذكر بن عبد الْبر عَن بن طَاوُسٍ قَالَ يَقُولُ عَلَاكُمُ السَّلَامُ بِالْأَلِفِ أَيِ ارْتَفَعَ.
وَتَعَقَّبَهُ وَذَهَبَ جَمَاعَةٌ مِنَ السَّلَفِ إِلَى أَنَّهُ يَجُوزُ أَنْ يُقَالَ فِي الرَّدِّ عَلَيْهِمْ عَلَيْكُمُ السَّلَامُ كَمَا يُرَدُّ عَلَى الْمُسْلِمِ وَاحْتَجَّ بَعْضُهُمْ بِقَوْلِهِ تَعَالَى فَاصْفَحْ عَنْهُمْ وَقُلْ سَلَامٌ وَحَكَاهُ الْمَاوَرْدِيُّ وَجْهًا عَنْ بَعْضِ الشَّافِعِيَّةِ لَكِنْ لَا يَقُولُ وَرَحْمَةُ اللَّهِ وَقِيلَ يَجُوزُ مُطْلَقًا وَعَن بن عَبَّاسٍ وَعَلْقَمَةَ يَجُوزُ ذَلِكَ عِنْدَ الضَّرُورَةِ وَعَنِ الْأَوْزَاعِيِّ إِنْ سَلَّمْتَ فَقَدْ سَلَّمَ الصَّالِحُونَ وَإِنْ تَرَكْتَ فَقَدْ تَرَكُوا وَعَنْ طَائِفَةٍ مِنَ الْعُلَمَاءِ لَا يُرَدُّ عَلَيْهِمُ السَّلَامُ أَصْلًا وَعَنْ بَعْضِهِمُ التَّفْرِقَةُ بَيْنَ أَهْلِ الذِّمَّةِ وَأَهْلِ الْحَرْبِ وَالرَّاجِحُ مِنْ هَذِهِ الْأَقْوَالِ كُلِّهَا مَا دَلَّ عَلَيْهِ الْحَدِيثُ وَلَكِنَّهُ مُخْتَصٌّ بِأَهْلِ الْكِتَابِ وَقَدْ أَخْرَجَ أَحْمَدُ بِسَنَدٍ جَيِّدٍ عَنْ حُمَيْدِ بْنِ زَادَوَيْهِ وَهُوَ غَيْرُ حُمَيْدٍ الطَّوِيلِ فِي الْأَصَحِّ عَنْ أَنَسٍ أُمِرْنَا أَنْ لَا نَزِيدَ عَلَى أَهْلِ الْكتاب على وَعَلَيْكُم وَنقل بن بطال عَن الْخطابِيّ نَحْو مَا قَالَ بن حَبِيبٍ فَقَالَ رِوَايَةُ مَنْ رَوَى عَلَيْكُمْ بِغَيْرِ وَاوٍ أَحْسَنُ مِنَ الرِّوَايَةِ بِالْوَاوِ لِأَنَّ مَعْنَاهُ رَدَدْتُ مَا قُلْتُمُوهُ عَلَيْكُمْ وَبِالْوَاوِ يَصِيرُ الْمَعْنَى عَلَيَّ وَعَلَيْكُمْ لِأَنَّ الْوَاوَ حَرْفُ التَّشْرِيكِ انْتَهَى وَكَأَنَّهُ نَقَلَهُ مِنْ مَعَالِمِ السُّنَنِ لِلْخَطَّابِيِّ فَإِنَّهُ قَالَ فِيهِ هَكَذَا يَرْوِيهِ عَامَّةُ الْمُحَدِّثِينَ وَعَلَيْكُمْ بِالْوَاو وَكَانَ بن عُيَيْنَةَ يَرْوِيهِ بِحَذْفِ الْوَاوِ وَهُوَ الصَّوَابُ وَذَلِكَ أَنَّهُ بِحَذْفِهَا يَصِيرُ .

     قَوْلُهُ مْ بِعَيْنِهِ مَرْدُودًا عَلَيْهِمْ وَبِالْوَاوِ يَقَعُ الِاشْتِرَاكُ وَالدُّخُولُ فِيمَا قَالُوهُ انْتَهَى وَقَدْ رَجَعَ الْخَطَّابِيُّ عَنْ ذَلِكَ فَقَالَ فِي الْإِعْلَامِ مِنْ شَرْحِ الْبُخَارِيِّ لَمَّا تَكَلَّمَ عَلَى حَدِيثِ عَائِشَةَ الْمَذْكُورِ فِي كِتَابِ الْأَدَبِ مِنْ طَرِيق بن أَبِي مُلَيْكَةَ عَنْهَا نَحْوَ حَدِيثِ الْبَابِ وَزَادَ فِي آخِره أولم تَسْمَعِي مَا.

قُلْتُ رَدَدْتُ عَلَيْهِمْ فَيُسْتَجَابُ لِي فِيهِمْ وَلَا يُسْتَجَابُ لَهُمْ فِيَّ قَالَ الْخَطَّابِيُّ مَا مُلَخَّصُهُ إِنَّ الدَّاعِيَ إِذَا دَعَا بِشَيْءٍ ظُلْمًا فَإِنَّ اللَّهَ لَا يَسْتَجِيبُ لَهُ وَلَا يَجِدُ دُعَاؤُهُ مَحَلًّا فِي الْمَدْعُوِّ عَلَيْهِ انْتَهَى وَلَهُ شَاهِدٌ مِنْ حَدِيثِ جَابِرٍ قَالَ سَلَّمَ نَاسٌ مِنْ الْيَهُودِ عَلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالُوا السَّامُ عَلَيْكُمْ قَالَ وَعَلَيْكُمْ قَالَتْ عَائِشَةُ وَغَضِبَتْ أَلَمْ تَسْمَعْ مَا قَالُوا قَالَ بَلَى قَدْ رَدَدْتُ عَلَيْهِمْ فَنُجَابُ عَلَيْهِمْ وَلَا يُجَابُونَ فِينَا أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ وَالْبُخَارِيُّ فِي الْأَدَب الْمُفْرد من طَرِيق بن جُرَيْجٍ أَخْبَرَنِي أَنَّهُ سَمِعَ جَابِرًا وَقَدْ غَفَلَ عَنْ هَذِهِ الْمُرَاجَعَةِ مِنْ عَائِشَةَ وَجَوَابِ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَهَا مَنْ أَنْكَرَ الرِّوَايَةَ بِالْوَاوِ وَقَدْ تَجَاسَرَ بَعْضُ مَنْ أَدْرَكْنَاهُ فَقَالَ فِي الْكَلَامِ عَلَى حَدِيثِ أَنَسٍ فِي هَذَا الْبَابِ الرِّوَايَةُ الصَّحِيحَةُ عَنْ مَالِكٍ بِغَيْرِ وَاو وَكَذَا رَوَاهُ بن عُيَيْنَةَ وَهِيَ أَصْوَبُ مِنَ الَّتِي بِالْوَاوِ لِأَنَّهُ بِحَذْفِهَا يَرْجِعُ الْكَلَامُ عَلَيْهِمْ وَبِإِثْبَاتِهَا يَقَعُ الِاشْتِرَاكُ انْتَهَى وَمَا أَفْهَمَهُ مِنْ تَضْعِيفِ الرِّوَايَةِ بِالْوَاوِ وَتَخْطِئَتِهَا مِنْ حَيْثُ الْمَعْنَى مَرْدُودٌ عَلَيْهِ بِمَا تَقَدَّمَ.

     وَقَالَ  النَّوَوِيُّ الصَّوَابُ أَنَّ حَذْفَ الْوَاوِ وَإِثْبَاتَهَا ثَابِتَانِ جَائِزَانِ وَبِإِثْبَاتِهَا أَجْوَدُ وَلَا مَفْسَدَةَ فِيهِ وَعَلَيْهِ أَكْثَرُ الرِّوَايَاتِ وَفِي مَعْنَاهَا وَجْهَانِ أَحَدُهُمَا أَنَّهُمْ قَالُوا عَلَيْكُمُ الْمَوْتُ فَقَالَ وَعَلَيْكُمْ أَيْضًا أَيْ نَحْنُ وَأَنْتُمْ فِيهِ سَوَاءٌ كُلُّنَا نَمُوتُ وَالثَّانِي أَنَّ الْوَاوَ لِلِاسْتِئْنَافِ لَا لِلْعَطْفِ وَالتَّشْرِيكِ وَالتَّقْدِيرُ وَعَلَيْكُمْ مَا تَسْتَحِقُّونَهُ مِنَ الذَّمِّ.

     وَقَالَ  الْبَيْضَاوِيُّ فِي الْعَطْفِ شَيْءٌ مُقَدَّرٌ وَالتَّقْدِيرُ وَأَقُولُ عَلَيْكُمْ مَا تُرِيدُونَ بِنَا أَوْ مَا تَسْتَحِقُّونَ وَلَيْسَ هُوَ عَطْفًا عَلَى عَلَيْكُمْ فِي كَلَامِهِمْ.

     وَقَالَ  الْقُرْطُبِيُّ قِيلَ الْوَاوُ لِلِاسْتِئْنَافِ وَقِيلَ زَائِدَةٌ وَأَوْلَى الْأَجْوِبَةِ أَنَّا نُجَابُ عَلَيْهِمْ وَلَا يجابون علينا وَحكى بن دَقِيق الْعِيد عَن بن رُشْدٍ تَفْصِيلًا يَجْمَعُ الرِّوَايَتَيْنِ إِثْبَاتُ الْوَاوِ وَحَذْفُهَا فَقَالَ مَنْ تَحَقَّقَ أَنَّهُ قَالَ السَّامُ أَوِ السِّلَامُ بِكَسْرِ السِّينِ فَلْيَرُدَّ عَلَيْهِ بِحَذْفِ الْوَاوِ وَمَنْ لَمْ يَتَحَقَّقْ مِنْهُ فَلْيَرُدَّ بِإِثْبَاتِ الْوَاوِ فَيَجْتَمِعُ مِنْ مَجْمُوعِ كَلَامِ الْعُلَمَاءِ فِي ذَلِكَ سِتَّةُ أَقْوَالٍ.

     وَقَالَ  النَّوَوِيُّ تَبَعًا لِعِيَاضٍ مَنْ فَسَّرَ السَّامَ بِالْمَوْتِ فَلَا يُبْعِدْ ثُبُوتَ الْوَاوِ وَمَنْ فَسَّرَهَا بِالسَّآمَةِ فَإِسْقَاطُهَا هُوَ الْوَجْهُ.

قُلْتُ بَلِ الرِّوَايَةُ بِإِثْبَاتِ الْوَاوِ ثَابِتَةٌ وَهِيَ تُرَجِّحُ التَّفْسِيرَ بِالْمَوْتِ وَهُوَ أَوْلَى مِنْ تَغْلِيطِ الثِّقَةِ وَاسْتُدِلَّ بِقَوْلِهِ إِذَا سَلَّمَ عَلَيْكُمْ أَهْلُ الْكِتَابِ بِأَنَّهُ لَا يُشْرَعُ لِلْمُسْلِمِ ابْتِدَاءُ الْكَافِرِ بِالسَّلَامِ حَكَاهُ الْبَاجِيُّ عَنْ عَبْدِ الْوَهَّابِ قَالَ الْبَاجِيُّ لِأَنَّهُ بَيَّنَ حُكْمَ الرَّدِّ وَلَمْ يَذْكُرْ حُكْمَ الإبتداء كَذَا قَالَ وَنقل بن الْعَرَبِيِّ عَنْ مَالِكٍ لَوِ ابْتَدَأَ شَخْصًا بِالسَّلَامِ وَهُوَ يَظُنّهُ مُسلما فَبَان كَافِرًا كَانَ بن عُمَرَ يَسْتَرِدُّ مِنْهُ سَلَامَهُ.

     وَقَالَ  مَالِكٌ لَا قَالَ بن الْعَرَبِيِّ لِأَنَّ الِاسْتِرْدَادَ حِينَئِذٍ لَا فَائِدَةَ لَهُ لِأَنَّهُ لَمْ يَحْصُلْ لَهُ مِنْهُ شَيْءٌ لِكَوْنِهِ قَصَدَ السَّلَامَ عَلَى الْمُسْلِمِ.

     وَقَالَ  غَيْرُهُ لَهُ فَائِدَةَ وَهُوَ إِعْلَامُ الْكَافِرِ بِأَنَّهُ لَيْسَ أَهْلًا لِلِابْتِدَاءِ بِالسَّلَامِ.

قُلْتُ وَيَتَأَكَّدُ إِذَا كَانَ هُنَاكَ مَنْ يُخْشَى إِنْكَارُهُ لِذَلِكَ أَوِ اقْتِدَاؤُهُ بِهِ إِذَا كَانَ الَّذِي سَلَّمَ مِمَّنْ يُقْتَدَى بِهِ وَاسْتُدِلَّ بِهِ عَلَى أَنَّ هَذَا الرَّدَّ خَاصٌّ بِالْكُفَّارِ فَلَا يُجْزِئُ فِي الرَّدِّ عَلَى الْمُسْلِمِ وَقِيلَ إِنْ أَجَابَ بِالْوَاوِ أَجْزَأَ وَإِلَّا فَلَا.

     وَقَالَ  بن دَقِيقِ الْعِيدِ التَّحْقِيقُ أَنَّهُ كَافٍ فِي حُصُولِ مَعْنَى السَّلَامِ لَا فِي امْتِثَالِ الْأَمْرِ فِي قَوْله فَحَيوا بِأَحْسَن مِنْهَا أَو ردوهَا وَكَأَنَّهُ أَرَادَ الَّذِي بِغَيْرِ وَاوٍ.
وَأَمَّا الَّذِي بِالْوَاوِ فَقَدْ وَرَدَ فِي عِدَّةِ أَحَادِيثَ مِنْهَا فِي الطَّبَرَانِيّ عَن بن عَبَّاسٍ جَاءَ رَجُلٌ إِلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ سَلَامٌ عَلَيْكُمْ فَقَالَ وَعَلَيْكَ وَرَحْمَةُ اللَّهِ وَلَهُ فِي الْأَوْسَطِ عَنْ سَلْمَانَ أَتَى رَجُلٌ فَقَالَ السَّلَامُ عَلَيْكَ يَا رَسُولَ اللَّهِ فَقَالَ وَعَلَيْكَ.

قُلْتُ لَكِنْ لَمَّا اشْتُهِرَتْ هَذِهِ الصِّيغَةُ لِلرَّدِّ عَلَى غَيْرِ الْمُسْلِمِ يَنْبَغِي تَرْكُ جَوَابِ الْمُسْلِمِ بِهَا وَإِنْ كَانَتْ مُجْزِئَةً فِي أصل الرَّد وَالله أعلم