فهرس الكتاب

فتح الباري لابن حجر - باب قبلة أهل المدينة وأهل الشأم والمشرق «

( قَولُهُ بَابُ قِبْلَةِ أَهْلِ الْمَدِينَةِ وَأَهْلِ الشَّامِ وَالْمَشْرِقِ)
نَقَلَ عِيَاضٌ أَنَّ رِوَايَةَ الْأَكْثَرِ ضَمُّ قَافِ الْمَشْرِقِ فَيَكُونُ مَعْطُوفًا عَلَى بَابٍ وَيَحْتَاجُ إِلَى تَقْدِيرِ مَحْذُوفٍ وَالَّذِي فِي رِوَايَتِنَا بِالْخَفْضِ وَوَجَّهَ السُّهَيْلِيُّ رِوَايَةَ الضَّمِّ بِأَنَّ الْحَامِلَ عَلَى ذَلِكَ كَوْنُ حُكْمِ الْمَشْرِقِ فِي الْقِبْلَةِ مُخَالِفًا لِحُكْمِ الْمَدِينَةِ بِخِلَافِ الشَّامِ فَإِنَّهُ مُوَافِقٌ وَأَجَابَ بن رَشِيدٍ بِأَنَّ الْمُرَادَ بَيَانُ حُكْمِ الْقِبْلَةِ مِنْ حَيْثُ هُوَ سَوَاءٌ تَوَافَقَتِ الْبِلَادُ أَمِ اخْتَلَفَتْ .

     قَوْلُهُ  لَيْسَ فِي الْمَشْرِقِ وَلَا فِي الْمَغْرِبِ قِبْلَةٌ هَذِهِ جُمْلَةٌ مُسْتَأْنَفَةٌ مِنْ تَفَقُّهِ الْمُصَنِّفِ وَقَدْ نُوزِعَ فِي ذَلِكَ لِأَنَّهُ يَحْمِلُ الْأَمْرَ فِي قَوْلِهِ شَرِّقُوا أَوْ غَرِّبُوا عَلَى عُمُومِهِ وَإِنَّمَا هُوَ مَخْصُوصٌ بِالْمُخَاطَبِينَ وَهُمْ أَهْلُ الْمَدِينَةِ وَيَلْحَقُ بِهِمْ مَنْ كَانَ عَلَى مِثْلِ سَمْتِهِمْ مِمَّنْ إِذَا اسْتَقْبَلَ الْمَشْرِقَ أَوْ الْمَغْرِبَ لَمْ يَسْتَقْبِلِ الْقِبْلَةَ وَلَمْ يَسْتَدْبِرْهَا أَمَّا مَنْ كَانَ فِي الْمَشْرِقِ فَقِبْلَتُهُ فِي جِهَةِ الْمَغْرِبِ وَكَذَلِكَ عَكْسُهُ وَهَذَا مَعْقُولٌ لَا يَخْفَى مِثْلُهُ عَلَى الْبُخَارِيِّ فَيَتَعَيَّنُ تَأْوِيلُ كَلَامِهِ بِأَنْ يَكُونَ مُرَادُهُ لَيْسَ فِي الْمَشْرِقِ وَلَا فِي الْمَغْرِبِ قِبْلَةٌ أَيْ لِأَهْلِ الْمَدِينَةِ وَالشَّامِ وَلَعَلَّ هَذَا هُوَ السِّرُّ فِي تَخْصِيصِهِ الْمَدِينَةَ وَالشَّامَ بِالذِّكْرِ.

     وَقَالَ  بن بَطَّالٍ لَمْ يَذْكُرِ الْبُخَارِيُّ مَغْرِبَ الْأَرْضِ اكْتِفَاءً بِذِكْرِ الْمَشْرِقِ إِذِ الْعِلَّةُ مُشْتَرَكَةٌ وَلِأَنَّ الْمَشْرِقَ أَكْثَرُ الْأَرْضِ الْمَعْمُورَةِ وَلِأَنَّ بِلَادَ الْإِسْلَامِ فِي جِهَةِ مَغْرِبِ الشَّمْسِ قَلِيلَةٌ انْتَهَى



[ قــ :389 ... غــ :394] .

     قَوْلُهُ  وَعَنِ الزُّهْرِيِّ يَعْنِي بِالْإِسْنَادِ الْمَذْكُورِ وَالْمُرَادُ أَنَّ سُفْيَانَ حَدَّثَ بِهِ عَلِيًّا مَرَّتَيْنِ مَرَّةً صَرَّحَ بِتَحْدِيثِ الزُّهْرِيِّ لَهُ وَفِيهِ عَنْعَنَةُ عَطَاءٍ وَمَرَّةً أَتَى بِالْعَنْعَنَةِ عَنِ الزُّهْرِيِّ وَبِتَصْرِيحِ عَطَاءٍ بِالسَّمَاعِ وَادَّعَى بَعْضُهُمْ أَنَّ الرِّوَايَةَ الثَّانِيَةَ مُعَلَّقَةٌ وَلَيْسَ كَذَلِكَ عَلَى مَا قَرَّرْتُهُ.

     وَقَالَ  الْكِرْمَانِيُّ قَالَ فِي الْأَوَّلِ عَنْ أَبِي أَيُّوبٍ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَفِي الثَّانِي سَمِعْتُ أَبَا أَيُّوبَ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَكَانَ الثَّانِي أَقْوَى لِأَنَّ السَّمَاعَ أَقْوَى مِنَ الْعَنْعَنَةِ وَالْعَنْعَنَةُ أَقْوَى مِنْ أَنَّ لَكِنْ فِيهِ ضَعْفٌ مِنْ جِهَةِ التَّعْلِيقِ حَيْثُ قَالَ وَعَنِ الزُّهْرِيِّ انْتَهَى وَفِي دَعْوَاهُ ضَعْفُ أَنَّ بِالنِّسْبَةِ إِلَى عَنْ نَظَرٌ فَكَأَنَّهُ قَلَّدَ فِي ذَلِكَ نقل بن الصَّلَاحِ عَنْ أَحْمَدَ وَيَعْقُوبَ بْنِ شَيْبَةَ وَقَدْ بَين شَيخنَا فِي شَرحه منظومته وهم بن الصَّلَاحِ فِي ذَلِكَ وَأَنَّ حُكْمَهُمَا وَاحِدٌ إِلَّا أَنَّهُ يُسْتَثْنَى مِنَ التَّعْبِيرِ بِأَنَّ مَا إِذَا أَضَافَ إِلَيْهَا قِصَّةَ مَا أَدْرَكَهَا الرَّاوِي.
وَأَمَّا جَزْمُهُ بِكَوْنِ السَّنَدِ الثَّانِي مُعَلَّقًا فَهُوَ بِحَسَبِ الظَّاهِرِ وَإِلَّا فَحَمْلُهُ عَلَى مَا قَبْلِهِ مُمْكِنٌ وَقد روينَاهُ فِي مُسْنَدِ إِسْحَاقَ بْنِ رَاهَوَيْهِ قَالَ حَدَّثَنَا سُفْيَانُ فَذَكَرَ مِثْلَ سِيَاقِهَا سَوَاءً فَعَلَى هَذَا فَلَا ضَعْفَ فِيهِ أَصْلًا وَاللَّهُ أَعْلَمُ وَقَدْ تَقَدَّمَتْ فَوَائِدُ الْمَتْنِ فِي أَوَائِلِ كِتَابِ الطَّهَارَةِ