فهرس الكتاب

فتح الباري لابن حجر - باب قول النبي صلى الله عليه وسلم: «هذا المال خضرة حلوة»

( قَولُهُ بَابُ قَوْلِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِنْ هَذَا الْمَالَ خَضِرَةٌ حُلْوَةٌ)
تَقَدَّمَ شَرْحُهُ قَرِيبًا فِي بَابِ مَا يُحْذَرُ مِنْ زَهْرَةِ الدُّنْيَا فِي شَرْحِ حَدِيثِ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ .

     قَوْلُهُ  وَقَولُهُ تَعَالَى زُيِّنَ لِلنَّاسِ حُبُّ الشَّهَوَاتِ مِنَ النِّسَاءِ والبنين الْآيَةَ كَذَا لِأَبِي ذَرٍّ وَلِأَبِي زَيْدٍ الْمَرْوَزِيِّ حب الشَّهَوَات الْآيَةَ وَلِلْإِسْمَاعِيلِيِّ مِثْلُ أَبِي ذَرٍّ وَزَادَ إِلَى قَوْله ذَلِك مَتَاع الْحَيَاة الدُّنْيَا وَسَاقَ ذَلِكَ فِي رِوَايَةِ كَرِيمَةَ وَقَولُهُ زُيِّنَ قِيلَ الْحِكْمَةُ فِي تَرْكِ الْإِفْصَاحِ بِالَّذِي زُيِّنَ أَنْ يَتَنَاوَلَ اللَّفْظُ جَمِيعَ مَنْ تَصِحُّ نِسْبَةُ التَّزْيِينِ إِلَيْهِ وَإِنْ كَانَ الْعِلْمُ أَحَاطَ بِأَنَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى هُوَ الْفَاعِلُ بِالْحَقِيقَةِ فَهُوَ الَّذِي أَوْجَدَ الدُّنْيَا وَمَا فِيهَا وَهَيَّأَهَا لِلِانْتِفَاعِ وَجَعَلَ الْقُلُوبَ مَائِلَةً إِلَيْهَا وَإِلَى ذَلِكَ الْإِشَارَةُ بِالتَّزْيِينِ لِيَدْخُلَ فِيهِ حَدِيثُ النَّفْسِ وَوَسْوَسَةُ الشَّيْطَانِ وَنِسْبَةُ ذَلِكَ إِلَى اللَّهِ تَعَالَى بِاعْتِبَارِ الْخَلْقِ وَالتَّقْدِيرِ وَالتَّهْيِئَةِ وَنِسْبَةُ ذَلِكَ لِلشَّيْطَانِ بِاعْتِبَارِ مَا أَقْدَرَهُ اللَّهُ عَلَيْهِ مِنَ التَّسَلُّطِ عَلَى الْآدَمِيِّ بِالْوَسْوَسَةِ الناشيء عَنْهَا حَدِيث النَّفس.

     وَقَالَ  بن التِّينِ بَدَأَ فِي الْآيَةِ بِالنِّسَاءِ لِأَنَّهُنَّ أَشَدُّ الْأَشْيَاءِ فِتْنَةً لِلرِّجَالِ وَمِنْهُ حَدِيثُ مَا تَرَكْتُ بَعْدِي فِتْنَةً أَضَرَّ عَلَى الرِّجَالِ مِنَ النِّسَاءِ قَالَ وَمَعْنَى تَزْيِينِهَا إِعْجَابُ الرَّجُلِ بِهَا وَطَوَاعِيَتُهُ لَهَا وَالْقَنَاطِيرُ جَمْعُ قِنْطَارٍ وَاخْتُلِفَ فِي تَقْدِيرِهِ فَقِيلَ سَبْعُونَ أَلْفَ دِينَارٍ وَقِيلَ سَبْعَةُ آلَافِ دِينَارٍ وَقِيلَ مِائَةٌ وَعِشْرُونَ رِطْلًا وَقِيلَ مِائَةُ رِطْلٍ وَقِيلَ أَلْفُ مِثْقَالٍ وَقِيلَ أَلْفٌ وَمِائَتَا أُوقِيَّة وَقِيلَ مَعْنَاهُ الشَّيْءُ الْكَثِيرُ مَأْخُوذٌ مِنْ عَقْدِ الشَّيْء واحكامه.

     وَقَالَ  بن عَطِيَّةَ الْقَوْلُ الْأَخِيرُ قِيلَ هَذَا أَصَحُّ الْأَقْوَالِ لَكِنْ يَخْتَلِفُ الْقِنْطَارُ فِي الْبِلَادِ بِاخْتِلَافِهَا فِي قَدْرِ الْوُقِيَّةِ .

     قَوْلُهُ  وقَال عُمَرُ اللَّهُمَّ إِنَّا لَا نَسْتَطِيعُ إِلَّا أَنْ نَفْرَحَ بِمَا زَيَّنْتَهُ لَنَا اللَّهُمَّ إِنِّي أَسْأَلُكَ أَنْ أُنْفِقَهُ فِي حَقِّهِ سَقَطَ هَذَا التَّعْلِيقُ فِي رِوَايَةِ أَبِي زَيْدٍ الْمَرْوَزِيِّ وَفِي هَذَا الْأَثَرِ إِشَارَةٌ إِلَى أَنَّ فَاعِلَ التَّزْيِينِ الْمَذْكُورَ فِي الْآيَةِ هُوَ اللَّهُ وَأَنَّ تَزْيِينَ ذَلِكَ بِمَعْنَى تَحْسِينِهِ فِي قُلُوبِ بَنِي آدَمَ وَأَنَّهُمْ جُبِلُوا عَلَى ذَلِكَ لَكِنَّ مِنْهُمْ مَنِ اسْتَمَرَّ عَلَى مَا طُبِعَ عَلَيْهِ مَنْ ذَلِكَ وَانْهَمَكَ فِيهِ وَهُوَ الْمَذْمُومُ وَمِنْهُمْ مَنْ رَاعَى فِيهِ الْأَمْرَ وَالنَّهْيَ وَوَقَفَ عِنْدَ مَا حُدَّ لَهُ مِنْ ذَلِكَ وَذَلِكَ بِمُجَاهَدَةِ نَفْسِهِ بِتَوْفِيقِ اللَّهِ تَعَالَى لَهُ فَهَذَا لَمْ يَتَنَاوَلْهُ الذَّمُّ وَمِنْهُمْ مَنِ ارْتَقَى عَنْ ذَلِكَ فَزَهِدَ فِيهِ بَعْدَ أَنْ قَدَرَ عَلَيْهِ وَأَعْرَضَ عَنْهُ مَعَ إِقْبَالِهِ عَلَيْهِ وَتَمَكُّنِهِ مِنْهُ فَهَذَا هُوَ الْمَقَامُ الْمَحْمُودُ وَإِلَى ذَلِكَ الْإِشَارَةُ بِقَوْلِ عُمَرَ اللَّهُمَّ إِنِّي أَسْأَلُكَ أَنْ أُنْفِقَهُ فِي حَقِّهِ وَأَثَرُهُ هَذَا وَصَلَهُ الدَّارَقُطْنِيُّ فِي غَرَائِبِ مَالِكٍ مِنْ طَرِيقِ إِسْمَاعِيلَ بْنِ أَبِي أُوَيْسٍ عَنْ مَالِكٍ عَنْ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ هُوَ الْأَنْصَارِيُّ أَنَّ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ أَتَى بِمَالٍ مِنَ الْمَشْرِقِ يُقَالُ لَهُ نَفْلُ كِسْرَى فَأَمَرَ بِهِ فَصُبَّ وَغُطِّيَ ثُمَّ دَعَا النَّاسَ فَاجْتَمَعُوا ثُمَّ أَمَرَ بِهِ فَكُشِفَ عَنْهُ فَإِذَا حُلِيٌّ كَثِيرٌ وَجَوْهَرٌ وَمَتَاعٌ فَبَكَى عُمَرُ وَحَمِدَ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ فَقَالُوا لَهُ مَا يُبْكِيكَ يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ هَذِهِ غَنَائِمُ غَنِمَهَا اللَّهُ لَنَا وَنَزَعَهَا مِنْ أَهْلِهَا فَقَالَ مَا فُتِحَ مِنْ هَذَا عَلَى قَوْمٍ إِلَّا سَفَكُوا دِمَاءَهُمْ وَاسْتَحَلُّوا حُرْمَتَهُمْ قَالَ فَحَدَّثَنِي زَيْدُ بْنُ أَسْلَمَ أَنَّهُ بَقِيَ مِنْ ذَلِكَ الْمَالِ مَنَاطِقُ وَخَوَاتِمُ فَرُفِعَ فَقَالَ لَهُ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ أَرْقَمَ حَتَّى مَتَى تَحْبِسُهُ لَا تُقَسِّمُهُ قَالَ بَلَى إِذَا رَأَيْتَنِي فَارِغًا فَآذِنِّي بِهِ فَلَمَّا رَآهُ فَارِغًا بَسَطَ شَيْئًا فِي حُشِّ نَخْلَةٍ ثُمَّ جَاءَ بِهِ فِي مِكْتَلٍ فَصَبَّهُ فَكَأَنَّهُ اسْتَكْثَرَهُ ثُمَّ قَالَ اللَّهُمَّ أَنْتَ قُلْتَ زُيِّنَ لِلنَّاسِ حب الشَّهَوَات فَتَلَا الْآيَةَ حَتَّى فَرَغَ مِنْهَا ثُمَّ قَالَ لَا نَسْتَطِيعُ إِلَّا أَنْ نُحِبَّ مَا زَيَّنْتَ لَنَا فَقِنِي شَرَّهُ وَارْزُقْنِي أَنْ أُنْفِقَهُ فِي حَقِّكَ فَمَا قَامَ حَتَّى مَا بَقِيَ مِنْهُ شَيْءٌ وَأَخْرَجَهُ أَيْضًا مِنْ طَرِيقِ عَبْدِ الْعَزِيزِ بْنِ يَحْيَى الْمَدَنِيِّ عَنْ مَالِكٍ عَنْ زَيْدِ بْنِ أَسْلَمَ عَنْ أَبِيهِ نَحْوَهُ وَهَذَا مَوْصُولٌ لَكِنْ فِي سَنَدِهِ إِلَى عَبْدِ الْعَزِيزِ ضَعْفٌ.

     وَقَالَ  بَعْدَ قَوْلِهِ وَاسْتَحَلُّوا حُرْمَتَهُمْ وَقَطَعُوا أَرْحَامَهُمْ فَمَا رَامَ حَتَّى قَسَمَهُ وَبَقِيَتْ مِنْهُ قِطَعٌ.

     وَقَالَ  بَعْدَ قَوْلِهِ لَا نَسْتَطِيعُ إِلَّا أَنْ يَتَزَيَّنَ لَنَا مَا زَيَّنْتُ لَنَا وَالْبَاقِي نَحْوُهُ وَزَادَ فِي آخِرِهِ قِصَّةً أُخْرَى



[ قــ :6102 ... غــ :6441] .

     قَوْلُهُ  سُفْيَانُ هُوَ بن عُيَيْنَةَ .

     قَوْلُهُ  ثُمَّ قَالَ إِنَّ هَذَا الْمَالَ رُبَّمَا قَالَ سُفْيَانُ قَالَ لِي يَا حَكِيمُ إِنَّ هَذَا الْمَالَ فَاعِلُ قَالَ أَوَّلًا هُوَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَالْقَائِلُ رُبَّمَا هُوَ على بن الْمَدَائِنِي رَاوِيهِ عَنْ سُفْيَانَ وَالْقَائِلُ قَالَ لِي هُوَ حَكِيمُ بْنُ حِزَامٍ صَحَابِيُّ الْحَدِيثِ الْمَذْكُورِ وَحَكِيمٌ بِالرَّفْعِ بِغَيْرِ تَنْوِينٍ مُنَادًى مُفْرَدٌ حُذِفَ مِنْهُ حَرْفُ النِّدَاءِ وَظَاهِرُ السِّيَاقِ أَنَّ حَكِيمًا قَالَ لِسُفْيَانَ وَلَيْسَ كَذَلِكَ لِأَنَّهُ لَمْ يُدْرِكْهُ لِأَنَّ بَيْنَ وَفَاةِ حَكِيمٍ وَمَوْلِدِ سُفْيَانَ نَحْوَ الْخَمْسِينَ سَنَةً وَلِهَذَا لَا يُقْرَأُ حَكِيمٌ بِالتَّنْوِينِ وَإِنَّمَا الْمُرَادُ أَنَّ سُفْيَانَ رَوَاهُ مَرَّةً بِلَفْظِ ثُمَّ قَالَ أَيِ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِنَّ هَذَا الْمَالَ وَمَرَّةً بِلَفْظِ ثُمَّ قَالَ لِي يَا حَكِيمُ إِنَّ هَذَا الْمَالَ إِلَخْ وَقَدْ وَقَعَ بِإِثْبَاتِ حَرْفِ النِّدَاءِ فِي مُعْظَمِ الرِّوَايَاتِ وَإِنَّمَا سَقَطَ مِنْ رِوَايَةِ أَبِي زَيْدٍ الْمَرْوَزِيِّ وَتَقَدَّمَ شَرْحُ قَوْلِهِ فَمَنْ أَخَذَهُ بِطِيبِ نَفْسٍ إِلَخْ فِي بَابِ الِاسْتِعْفَافِ عَنِ الْمَسْأَلَةِ مِنْ كِتَابِ الزَّكَاةِ وَتَقَدَّمَ شَرْحُ قَوْلِهِ فِي آخِرِهِ وَالْيَدُ الْعُلْيَا خَيْرٌ مِنَ الْيَدِ السُّفْلَى فِي بَابٌ لَا صَدَقَةَ إِلَّا عَنْ ظَهْرِ غِنًى مِنْ كِتَابِ الزَّكَاةِ أَيْضًا وَقَولُهُ بُورِكَ لَهُ فِيهِ زَادَ الْإِسْمَاعِيلِيُّ مِنْ رِوَايَةِ إِبْرَاهِيمَ بْنِ يَسَارٍ عَنْ سُفْيَانَ بِسَنَدِهِ وَمَتْنِهِ وَإِبْرَاهِيمُ كَانَ أحد الْحفاظ وَفِيه مقَال