فهرس الكتاب

فتح الباري لابن حجر - باب: المكثرون هم المقلون

( قَولُهُ بَابُ الْمُكْثِرُونَ هُمُ الْمُقِلُّونَ)
كَذَا لِلْأَكْثَرِ وَلِلْكُشْمِيهَنِيِّ الْأَقَلُّونَ وَقَدْ وَرَدَ الْحَدِيثُ بِاللَّفْظَيْنِ وَوَقَعَ فِي رِوَايَةِ الْمَعْرُورِ عَنْ أَبِي ذَرٍّ الْأَخْسَرُونَ بَدَلَ الْمُقِلُّونَ وَهُوَ بِمَعْنَاهُ بِنَاءٌ عَلَى أَنَّ الْمُرَادَ بِالْقِلَّةِ فِي الْحَدِيثِ قِلَّةُ الثَّوَابِ وَكُلُّ مَنْ قَلَّ ثَوَابُهُ فَهُوَ خَاسِرٌ بِالنِّسْبَةِ لِمَنْ كَثُرَ ثَوَابُهُ .

     قَوْلُهُ  وَقَولُهُ مَنْ كَانَ يُرِيدُ الْحَيَاة الدُّنْيَا وَزينتهَا الْآيَتَيْنِ كَذَا لِأَبِي ذَرٍّ وَفِي رِوَايَةِ أَبِي زَيْدٍ بَعْدَ قَوْلِهِ وَزِينَتَهَا نُوَفِّ إِلَيْهِمْ أَعْمَالَهُمْ فِيهَا الْآيَةَ وَمِثْلُهُ لِلْإِسْمَاعِيلِيِّ لَكِنْ قَالَ إِلَى قَوْلِهِ وباطل مَا كَانُوا يعْملُونَ وَلَمْ يَقُلِ الْآيَةَ وَسَاقَ الْآيَتَيْنِ فِي رِوَايَةِ الْأَصِيلِيِّ وَكَرِيمَةَ وَاخْتُلِفَ فِي الْآيَةِ فَقِيلَ هِيَ عَلَى عُمُومِهَا فِي الْكُفَّارِ وَفِيمَنْ يُرَائِي بِعَمَلِهِ مِنَ الْمُسْلِمِينَ وَقَدِ اسْتَشْهَدَ بِهَا مُعَاوِيَةُ لِصِحَّةِ الْحَدِيثِ الَّذِي حَدَّثَ بِهِ أَبُو هُرَيْرَةَ مَرْفُوعًا فِي الْمُجَاهِد والقاريء وَالْمُتَصَدِّقِ لِقولِهِ تَعَالَى لِكُلٍّ مِنْهُمْ إِنَّمَا عَمِلْتَ لِيُقَالَ فَقَدْ قِيلَ فَبَكَى مُعَاوِيَةُ لَمَّا سَمِعَ هَذَا الْحَدِيثَ ثُمَّ تَلَا هَذِهِ الْآيَةَ أَخْرَجَهُ التِّرْمِذِيُّ مُطَوَّلًا وَأَصْلُهُ عِنْدَ مُسْلِمٍ وَقِيلَ بَلْ هِيَ فِي حَقِّ الْكُفَّارِ خَاصَّةً بِدَلِيلِ الْحَصْرِ فِي قَوْلِهِ فِي الْآيَةِ الَّتِي تَلِيهَا أُولَئِكَ الَّذِينَ لَيْسَ لَهُمْ فِي الْآخِرَةِ إِلَّا النَّارُ وَالْمُؤْمِنُ فِي الْجُمْلَةِ مَآلُهُ إِلَى الْجَنَّةِ بِالشَّفَاعَةِ أَوْ مُطْلَقِ الْعَفْوِ وَالْوَعِيدُ فِي الْآيَةِ بِالنَّارِ وَإِحْبَاطِ الْعَمَلِ وَبُطْلَانِهِ إِنَّمَا هُوَ لِلْكَافِرِ وَأُجِيبَ عَنْ ذَلِكَ بِأَنَّ الْوَعِيدَ بِالنِّسْبَةِ إِلَى ذَلِكَ الْعَمَلِ الَّذِي وَقَعَ الرِّيَاءُ فِيهِ فَقَطْ فَيُجَازَى فَاعِلُهُ بِذَلِكَ إِلَّا أَنْ يَعْفُوَ اللَّهُ عَنْهُ وَلَيْسَ الْمُرَادُ إِحْبَاطَ جَمِيعِ أَعْمَالِهِ الصَّالِحَةِ الَّتِي لَمْ يَقَعْ فِيهَا رِيَاءٌ وَالْحَاصِلُ أَنَّ مَنْ أَرَادَ بِعَمَلِهِ ثَوَابَ الدُّنْيَا عُجِّلَ لَهُ وَجُوزِيَ فِي الْآخِرَةِ بِالْعَذَابِ لِتَجْرِيدِهِ قَصْدَهُ إِلَى الدُّنْيَا وَإِعْرَاضِهِ عَنِ الْآخِرَةِ وَقِيلَ نَزَلَتْ فِي الْمُجَاهِدِينَ خَاصَّةً وَهُوَ ضَعِيفٌ وَعَلَى تَقْدِيرِ ثُبُوتِهِ فَعُمُومُهَا شَامِلٌ لِكُلِّ مُرَاءٍ وَعُمُومُ قَوْلِهِ نُوَفِّ إِلَيْهِمْ أَعْمَالهم فِيهَا أَيْ فِي الدُّنْيَا مَخْصُوصٌ بِمَنْ لَمْ يُقَدِّرِ اللَّهَ لَهُ ذَلِكَ لِقولِهِ تَعَالَى مَنْ كَانَ يُرِيدُ الْعَاجِلَةَ عَجَّلْنَا لَهُ فِيهَا مَا نَشَاءُ لمن نُرِيد فَعَلَى هَذَا التَّقْيِيدِ يُحْمَلُ ذَلِكَ الْمُطْلَقُ وَكَذَا يُقَيَّدُ مُطْلَقُ قَوْلِهِ مَنْ كَانَ يُرِيدُ حَرْثَ الْآخِرَةِ نَزِدْ لَهُ فِي حَرْثِهِ وَمَنْ كَانَ يُرِيد حرث الدُّنْيَا نؤته مِنْهَا وَمَاله فِي الْآخِرَة من نصيب وَبِهَذَا يَنْدَفِعُ إِشْكَالُ مَنْ قَالَ قَدْ يُوجَدُ بَعْضُ الْكُفَّارِ مُقَتَّرًا عَلَيْهِ فِي الدُّنْيَا غَيْرَ مُوَسَّعٍ عَلَيْهِ مِنَ الْمَالِ أَوْ مِنَ الصِّحَّةِ أَوْ مِنْ طُولِ الْعُمْرِ بَلْ قَدْ يُوجَدُ مَنْ هُوَ مَنْحُوسُ الْحَظِّ مِنْ جَمِيعِ ذَلِكَ كَمَنْ قِيلَ فِي حَقِّهِ خَسِرَ الدُّنْيَا وَالْآخِرَةَ ذَلِك هُوَ الخسران الْمُبين ومناسبة ذكر الْآيَةِ فِي الْبَابِ لِحَدِيثِهِ أَنَّ فِي الْحَدِيثِ إِشَارَةٌ إِلَى أَنَّ الْوَعِيدَ الَّذِي فِيهَا مَحْمُولٌ عَلَى التَّأْقِيتِ فِي حَقِّ مَنْ وَقَعَ لَهُ ذَلِكَ مِنَ الْمُسْلِمِينَ لَا عَلَى التَّأْيِيدِ لِدَلَالَةِ الْحَدِيثِ عَلَى أَنَّ مُرْتَكِبَ جِنْسِ الْكَبِيرَةِ مِنَ الْمُسْلِمِينَ يَدْخُلُ الْجَنَّةَ وَلَيْسَ فِيهِ مَا يَنْفِي أَنَّهُ قَدْ يُعَذَّبُ قَبْلَ ذَلِكَ كَمَا أَنَّهُ لَيْسَ فِي الْآيَةِ مَا يَنْفِي أَنَّهُ قَدْ يَدْخُلُ الْجَنَّةَ بَعْدَ التَّعْذِيبِ عَلَى مَعْصِيَةِ الرِّيَاءِ



[ قــ :6105 ... غــ :6443] قَوْله حَدثنَا جرير هُوَ بن عَبْدِ الْحَمِيدِ وَقَدْ رَوَى جَرِيرُ بْنُ حَازِمٍ هَذَا الْحَدِيثَ لَكِنْ عَنِ الْأَعْمَشِ عَنْ زَيْدِ بْنِ وَهْبٍ كَمَا سَيَأْتِي بَيَانُهُ لَكِنْ قُتَيْبَةُ لم يُدْرِكهُ بن حَازِمٍ وَعَبْدُ الْعَزِيزِ بْنُ رُفَيْعٍ بِفَاءٍ وَمُهْمَلَةٍ مُصَغَّرٌ مَكِّيٌّ سَكَنَ الْكُوفَةَ وَهُوَ مِنْ صِغَارِ التَّابِعِينَ لَقِيَ بَعْضَ الصَّحَابَةِ كَأَنَسٍ .

     قَوْلُهُ  عَنْ أَبِي ذَرٍّ فِي رِوَايَةِ الْأَعْمَشِ الْمَاضِيَةِ فِي الِاسْتِئْذَانِ عَنْ زَيْدُ بْنُ وَهْبٍ حَدَّثَنَا وَاللَّهِ أَبُو ذَرٍّ بِالرَّبَذَةِ بِفَتْحِ الرَّاءِ وَالْمُوَحَّدَةِ بَعْدَهَا مُعْجَمَةٌ مَكَانٌ مَعْرُوفٌ مِنْ عَمَلِ الْمَدِينَةِ النَّبَوِيَّةِ وَبَيْنَهُمَا ثَلَاثُ مَرَاحِلَ مِنْ طَرِيقِ الْعِرَاقِ سَكَنَهُ أَبُو ذَرٍّ بِأَمْرِ عُثْمَانَ وَمَاتَ بِهِ فِي خِلَافَتِهِ وَقَدْ تَقَدَّمَ بَيَانُ سَبَبِ ذَلِكَ فِي كِتَابِ الزَّكَاةِ .

     قَوْلُهُ  خَرَجْتُ لَيْلَةً مِنَ اللَّيَالِي فَإِذَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَمْشِي وَحْدَهُ لَيْسَ مَعَهُ إِنْسَانٌ هُوَ تَأْكِيدٌ لِقَوْلِهِ وَحْدَهُ وَيَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ لِرَفْعِ تَوَهُّمٍ أَنْ يَكُونَ مَعَهُ أَحَدٌ مِنْ غَيْرِ جِنْسِ الْإِنْسَانِ مِنْ مَلَكٍ أَوْ جِنِّيٍّ وَفِي رِوَايَةِ الْأَعْمَشِ عَنْ زَيْدِ بْنِ وَهْبٍ عَنْهُ كُنْتُ أَمْشِي مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي حَرَّةِ الْمَدِينَةِ عِشَاءً فَأَفَادَتْ تَعْيِينَ الزَّمَانِ وَالْمَكَانِ وَالْحَرَّةُ مَكَانٌ مَعْرُوفٌ بِالْمَدِينَةِ مِنَ الْجَانِبِ الشَّمَالِيِّ مِنْهَا وَكَانَتْ بِهِ الْوَقْعَةُ الْمَشْهُورَةُ فِي زَمَنِ يَزِيدَ بْنِ مُعَاوِيَةَ وَقِيلَ الْحَرَّةُ الْأَرْضُ الَّتِي حِجَارَتَهَا سُودٌ وَهُوَ يَشْمَلُ جَمِيعَ جِهَاتِ الْمَدِينَةِ الَّتِي لَا عِمَارَةَ فِيهَا وَهَذَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّ قَوْلَهُ فِي رِوَايَةِ الْمَعْرُورِ بْنِ سُوَيْدٍ عَنْ أَبِي ذَرٍّ انْتَهَيْتُ إِلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَهُوَ فِي ظِلِّ الْكَعْبَةِ وَهُوَ يَقُولُ هُمُ الْأَخْسَرُونَ وَرَبِّ الْكَعْبَة فَذكر قصَّة المكثرون وَهِيَ قِصَّةٌ أُخْرَى مُخْتَلِفَةُ الزَّمَانِ وَالْمَكَانِ وَالسِّيَاقِ .

     قَوْلُهُ  فَظَنَنْتُ أَنَّهُ يَكْرَهُ أَنْ يَمْشِيَ مَعَهُ أَحَدٌ فَجَعَلْتُ أَمْشِي فِي ظِلِّ الْقَمَرِ أَيْ فِي الْمَكَانِ الَّذِي لَيْسَ لِلْقَمَرِ فِيهِ ضَوْءٌ لِيُخْفِيَ شَخْصَهُ وَإِنَّمَا اسْتَمَرَّ يَمْشِي لِاحْتِمَالِ أَنْ يَطْرَأَ لِلنَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حَاجَةٌ فَيَكُونَ قَرِيبًا مِنْهُ .

     قَوْلُهُ  فَالْتَفَتَ فَرَآنِي فَقَالَ مَنْ هَذَا كَأَنَّهُ رَأَى شَخْصَهُ وَلَمْ يَتَمَيَّزْ لَهُ .

     قَوْلُهُ  فَقُلْتُ أَبُو ذَرٍّ أَيْ أَنَا أَبُو ذَرٍّ .

     قَوْلُهُ  جَعَلَنِي اللَّهُ فِدَاءَكَ فِي رِوَايَةِ أَبِي الْأَحْوَصِ فِي الْبَابِ بَعْدَهُ عَنِ الْأَعْمَشِ وَكَذَا لِأَبِي مُعَاوِيَةَ عَنِ الْأَعْمَشِ عِنْدَ أَحْمَدَ فَقُلْتُ لَبَّيْكَ يَا رَسُولَ اللَّهِ وَفِي رِوَايَةِ حَفْصٍ عَنِ الْأَعْمَشِ كَمَا مَضَى فِي الِاسْتِئْذَانِ فَقُلْتُ لَبَّيْكَ وَسَعْدَيْكَ .

     قَوْلُهُ  فَقَالَ أَبَا ذَرٍّ تَعَالَ فِي رِوَايَةِ الْكُشْمِيهَنِيِّ تَعَالَهْ بِهَاءِ السَّكْتِ قَالَ الدَّاوُدِيُّ فَائِدَةُ الْوُقُوفِ عَلَى هَاءِ السَّكْتِ أَنْ لَا يَقِفَ عَلَى سَاكِنَيْنِ نَقَلَهُ بن التِّينِ وَتُعُقِّبَ بِأَنَّ ذَلِكَ غَيْرُ مُطَّرِدٍ وَقَدِ اخْتَصَرَ أَبُو زَيْدٍ الْمَرْوَزِيُّ فِي رِوَايَتِهِ سِيَاقَ الْحَدِيثِ فِي هَذَا الْبَابِ فَقَالَ بَعْدَ قَوْلِهِ لَيْسَ مَعَهُ أَحَدٌ فَذَكَرَ الْحَدِيثَ.

     وَقَالَ  فِيهِ إِنَّ الْمُكْثِرِينَ هُمُ الْمُقِلُّونَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ هَكَذَا عِنْدَهُ وَسَاقَ الْبَاقُونَ الْحَدِيثَ بِتَمَامِهِ وَيَأْتِي شَرْحُهُ مُسْتَوْفًى فِي الْبَابِ الَّذِي بَعْدَهُ .

     قَوْلُهُ  وقَال النَّضْرُ بْنُ شُمَيْلٍ أَنْبَأَنَا شُعْبَةُ عَنْ حَبِيبِ بْنِ أَبِي ثَابِتٍ وَالْأَعْمَشِ وَعَبْدِ الْعَزِيزِ بْنِ رُفَيْعٍ قَالُوا حَدَّثَنَا زَيْدُ بْنُ وَهْبٍ بِهَذَا الْغَرَضُ بِهَذَا التَّعْلِيقِ تَصْرِيحُ الشُّيُوخِ الثَّلَاثَةِ الْمَذْكُورِينَ بِأَنَّ زَيْدَ بْنِ وَهْبٍ حَدَّثَهُمْ وَالْأَوَّلَانِ نُسِبَا إِلَى التَّدْلِيسِ مَعَ أَنَّهُ لَوْ وَرَدَ مِنْ رِوَايَةِ شُعْبَةَ بِغَيْرِ تَصْرِيحٍ لَأُمِنَ فِيهِ التَّدْلِيسُ لِأَنَّهُ كَانَ لَا يُحَدِّثُ عَنْ شُيُوخِهِ إِلَّا بِمَا لَا تَدْلِيسَ فِيهِ وَقَدْ ظَهَرَتْ فَائِدَةُ ذَلِكَ فِي رِوَايَةِ جَرِيرِ بْنِ حَازِمٍ عَنِ الْأَعْمَشِ فَإِنَّهُ زَادَ فِيهِ بَيْنَ الْأَعْمَشِ وَزَيْدِ بْنِ وَهْبٍ رَجُلًا مُبْهَمًا ذَكَرَ ذَلِكَ الدَّارَقُطْنِيُّ فِي الْعِلَلِ فَأَفَادَتْ هَذِهِ الرِّوَايَةُ الْمُصَرِّحَةُ أَنَّهُ مِنَ الْمَزِيدِ فِي مُتَّصِلِ الْأَسَانِيدِ وَقَدِ اعْتَرَضَ الْإِسْمَاعِيلِيُّ عَلَى قَوْلِ الْبُخَارِيِّ فِي هَذَا السَّنَدِ بِهَذَا فَأَشَارَ إِلَى رِوَايَةِ عَبْدِ الْعَزِيزِ بْنِ رُفَيْعٍ وَاقْتَضَى ذَلِكَ أَنَّ رِوَايَةَ شُعْبَةَ هَذِهِ نَظِيرُ رِوَايَتِهِ فَقَالَ لَيْسَ فِي حَدِيثِ شُعْبَةَ قِصَّةُ الْمُقِلِّينَ وَالْمُكْثِرِينَ إِنَّمَا فِيهِ قِصَّةُ مَنْ مَاتَ لَا يُشْرِكُ بِاللَّهِ شَيْئًا قَالَ وَالْعَجَبُ مِنَ الْبُخَارِيِّ كَيْفَ أَطْلَقَ ذَلِكَ ثُمَّ سَاقَهُ مَوْصُولًا مِنْ طَرِيقِ حُمَيْدِ بْنِ زَنْجَوَيْهِ حَدَّثَنَا النَّضْرُ بْنُ شُمَيْلٍ عَنْ شُعْبَةَ وَلَفْظُهُ أَنَّ جِبْرِيلَ بَشَّرَنِي إنَّ مَنْ مَاتَ لَا يُشْرِكُ بِاللَّهِ شَيْئًا دَخَلَ الْجَنَّةَ.

قُلْتُ وَإِنْ زَنَى وَإِنْ سَرَقَ قَالَ وَإِنْ زَنَى وَإِنْ سَرَقَ قِيلَ لِسُلَيْمَانَ يَعْنِي الْأَعْمَشَ إِنَّمَا رُوِيَ هَذَا الْحَدِيثُ عَنْ أَبِي الدَّرْدَاءِ فَقَالَ إِنَّمَا سَمِعْتُهُ عَنْ أَبِي ذَرٍّ ثُمَّ أَخْرَجَهُ مِنْ طَرِيقِ مُعَاذٍ حَدَّثَنَا شُعْبَةُ عَنْ حَبِيبِ بْنِ أَبِي ثَابِتٍ وَبِلَالٍ وَالْأَعْمَشِ وَعَبْدِ الْعَزِيزِ بْنِ رُفَيْعٍ سَمِعُوا زَيْدَ بْنَ وَهْبٍ عَنْ أَبِي ذَرٍّ زَادَ فِيهِ رَاوِيًا وَهُوَ بِلَالٌ وَهُوَ بن مِرْدَاسٍ الْفَزَارِيُّ شَيْخٌ كُوفِيٌّ أَخْرَجَ لَهُ أَبُو دَاوُدَ وَهُوَ صَدُوقٌ لَا بَأْسَ بِهِ وَقَدْ أَخْرَجَهُ أَبُو دَاوُدَ الطَّيَالِسِيُّ عَنْ شُعْبَةَ كَرِوَايَةِ النَّضْرِ لَيْسَ فِيهِ بِلَالٌ وَقَدْ تَبِعَ الْإِسْمَاعِيلِيُّ عَلَى اعْتِرَاضِهِ الْمَذْكُورِ جَمَاعَةٌ مِنْهُمْ مُغْلَطَايْ وَمَنْ بَعْدَهُ وَالْجَوَابُ عَنِ الْبُخَارِيِّ وَاضِحٌ عَلَى طَرِيقَةِ أَهْلِ الْحَدِيثِ لِأَنَّ مُرَادَهُ أَصْلُ الْحَدِيثِ فَإِنَّ الْحَدِيثَ الْمَذْكُورَ فِي الْأَصْلِ قَدِ اشْتَمَلَ عَلَى ثَلَاثَةِ أَشْيَاءَ فَيَجُوزُ إِطْلَاقُ الْحَدِيثِ عَلَى كُلِّ وَاحِدٍ مِنَ الثَّلَاثَةِ إِذَا أُرِيدَ بِقَوْلِ الْبُخَارِيِّ بِهَذَا أَيْ بِأَصْلِ الْحَدِيثِ لَا خُصُوصِ اللَّفْظِ الْمُسَاقِ فَالْأَوَّلُ مِنَ الثَّلَاثَةِ مَا يَسُرُّنِي أَنَّ لِي أُحُدًا ذَهَبًا وَقَدْ رَوَاهُ عَنْ أَبِي ذَرٍّ أَيْضًا بِنَحْوِهِ الْأَحْنَفُ بْنُ قَيْسٍ وَتَقَدَّمَ فِي الزَّكَاةِ وَالنُّعْمَانُ الْغِفَارِيُّ وَسَالِمُ بْنُ أَبِي الْجَعْدِ وَسُوَيْدُ بْنُ الْحَارِثِ كُلُّهُمْ عَنْ أَبِي ذَرٍّ وَرِوَايَاتُهُمْ عِنْدَ أَحْمَدَ وَرَوَاهُ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَيْضًا أَبُو هُرَيْرَةَ وَهُوَ فِي آخِرِ الْبَابِ مِنْ طَرِيقِ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُتْبَةَ عَنْهُ وَسَيَأْتِي فِي كِتَابِ التَّمَنِّي مِنْ طَرِيقِ هَمَّامٍ وَأَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ مِنْ طَرِيقِ مُحَمَّدِ بْنِ زِيَادٍ وَهُوَ عِنْدَ أَحْمَدَ مِنْ طَرِيقِ سُلَيْمَانَ بْنِ يَسَارٍ كُلُّهُمْ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ كَمَا سَأُبَيِّنُهُ الثَّانِي حَدِيثُ الْمُكْثِرِينَ وَالْمُقِلِّينَ وَقَدْ رَوَاهُ عَنْ أَبِي ذَرٍّ أَيْضًا الْمَعْرُورُ بْنُ سُوَيْدٍ كَمَا تَقَدَّمَتِ الْإِشَارَةُ إِلَيْهِ وَالنُّعْمَانُ الْغِفَارِيُّ وَهُوَ عِنْدَ أَحْمَدَ أَيْضًا الثَّالِثُ حَدِيثُ مَنْ مَاتَ لَا يُشْرِكُ بِاللَّهِ شَيْئًا دَخَلَ الْجَنَّةَ وَفِي بَعْضِ طُرُقِهِ وَإِنْ زَنَى وَإِنْ سَرَقَ وَقَدْ رَوَاهُ عَنْ أَبِي ذَرٍّ أَيْضًا أَبُو الْأَسْوَدِ الدُّؤَلِيُّ وَقَدْ تَقَدَّمَ فِي اللِّبَاسِ وَرَوَاهُ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَيْضًا أَبُو هُرَيْرَةَ كَمَا سَيَأْتِي بَيَانُهُ لَكِنْ لَيْسَ فِيهِ بَيَانُ وَإِنْ زَنَى وَإِنْ سَرَقَ وَأَبُو الدَّرْدَاءِ كَمَا تَقَدَّمَتِ الْإِشَارَةُ إِلَيْهِ مِنْ رِوَايَةِ الْإِسْمَاعِيلِيِّ وَفِيهِ أَيْضًا فَائِدَةٌ أُخْرَى وَهُوَ أَنَّ بَعْضَ الرُّوَاةِ قَالَ عَنْ زَيْدِ بْنِ وَهْبٍ عَنْ أَبِي الدَّرْدَاءِ فَلِذَلِكَ قَالَ الْأَعْمَشُ لِزَيْدٍ مَا تَقَدَّمَ فِي رِوَايَةِ حَفْصِ بْنِ غِيَاثٍ عَنْهُ.

قُلْتُ لِزَيْدٍ بَلَغَنِي أَنَّهُ أَبُو الدَّرْدَاءِ فَأَفَادَتْ رِوَايَةُ شُعْبَةَ أَنَّ حَبِيبًا وَعَبْدَ الْعَزِيزِ وَافَقَا الْأَعْمَشَ عَلَى أَنَّهُ عَنْ زَيْدِ بْنِ وَهْبٍ عَنْ أَبِي ذَرٍّ لَا عَنْ أَبِي الدَّرْدَاءِ وَمِمَّنْ رَوَاهُ عَنْ زَيْدِ بْنِ وَهْبٍ عَنْ أَبِي الدَّرْدَاءِ مُحَمَّدِ بْنِ إِسْحَاقَ فَقَالَ عَنْ عِيسَى بْنِ مَالِكٍ عَنْ زَيْدِ بْنِ وَهْبٍ عَنْ أَبِي الدَّرْدَاءِ أَخْرَجَهُ النَّسَائِيُّ وَالْحَسَنُ بْنُ عُبَيْدِ الله النَّخعِيّ أخرجه الطَّبَرَانِيّ من طَرِيقه عَنْ زَيْدِ بْنِ وَهْبٍ عَنْ أَبِي الدَّرْدَاءِ بِلَفْظِ مَنْ مَاتَ لَا يُشْرِكُ بِاللَّهِ شَيْئًا دَخَلَ الْجَنَّةَ فَقَالَ أَبُو الدَّرْدَاءِ وَإِنْ زَنَى وَإِنْ سَرَقَ قَالَ وَإِنْ زَنَى وَإِنْ سَرَقَ فَكَرَّرَهَا ثَلَاثًا وَفِي الثَّالِثَةِ وَإِنْ رَغِمَ أَنْفُ أَبِي الدَّرْدَاءِ وَسَأَذْكُرُ بَقِيَّةَ طُرُقِهِ عَنْ أَبِي الدَّرْدَاءِ فِي آخِرِ الْبَابِ الَّذِي يَلِيهِ وَذَكَرَهُ الدَّارَقُطْنِيُّ فِي الْعِلَلِ فَقَالَ يُشْبِهُ أَنْ يَكُونَ الْقَوْلَانِ صَحِيحَيْنِ.

قُلْتُ وَفِي حَدِيثِ كُلٍّ مِنْهُمَا فِي بَعْضِ الطُّرُقِ مَا لَيْسَ فِي الْآخَرِ