فهرس الكتاب

فتح الباري لابن حجر - باب لا يثرب على الأمة إذا زنت ولا تنفى

( قَولُهُ بَابُ لَا يُثَرَّبُ عَلَى الْأَمَةِ إِذَا زَنَتْ وَلَا تُنْفَى)
أَمَّا التَّثْرِيبُ بِمُثَنَّاةٍ ثُمَّ مُثَلَّثَةٍ ثُمَّ مُوَحَّدَةٍ فَهُوَ التَّعْنِيفُ وَزْنُهُ وَمَعْنَاهُ وَقَدْ جَاءَ بِلَفْظِ وَلَا يُعَنِّفُهَا فِي رِوَايَةِ عُبَيْدِ اللَّهِ الْعُمَرِيِّ عَنْ سَعِيدٍ الْمَقْبُرِيِّ عِنْدَ النَّسَائِيِّ.
وَأَمَّا النَّفْيُ فَاسْتَنْبَطُوهُ مِنْ قَوْلِهِ فَلْيَبِعْهَا لِأَنَّ الْمَقْصُودَ مِنَ النَّفْيِ الْإِبْعَادُ عَنِ الْوَطَنِ الَّذِي وَقَعَتْ فِيهِ الْمَعْصِيَةُ وَهُوَ حَاصِلٌ بِالْبَيْعِ.

     وَقَالَ  بن بَطَّالٍ وَجْهُ الدَّلَالَةِ أَنَّهُ قَالَ فَلْيَجْلِدْهَا.

     وَقَالَ  فَلْيَبِعْهَا فَدَلَّ عَلَى سُقُوطِ النَّفْيِ لِأَنَّ الَّذِي يُنْفَى لَا يُقْدَرُ عَلَى تَسْلِيمِهِ إِلَّا بَعْدَ مُدَّةٍ فَأَشْبَهَ الْآبِقَ.

قُلْتُ وَفِيهِ نَظَرٌ لِجَوَازِ أَنْ يَتَسَلَّمَهُ الْمُشْتَرِي مَسْلُوبَ الْمَنْفَعَةِ مُدَّةَ النَّفْيِ أَوْ يَتَّفِقُ بَيْعُهُ لِمَنْ يَتَوَجَّهُ إِلَى الْمَكَانِ الَّذِي يصدق عَلَيْهِ وجود النَّفْي.

     وَقَالَ  بن الْعَرَب ي تُسْتَثْنَى الْأَمَةُ لِثُبُوتِ حَقِّ السَّيِّدِ فَيُقَدَّمُ عَلَى حَقِّ اللَّهِ وَإِنَّمَا لَمْ يَسْقُطِ الْحَدُّ لِأَنَّهُ الْأَصْلُ وَالنَّفْيُ فَرْعٌ.

قُلْتُ وَتَمَامُهُ أَنْ يُقَالَ رُوعِيَ حَقُّ السَّيِّدِ فِيهِ أَيْضًا بِتَرْكِ الرَّجْمِ لِأَنَّهُ فَوَّتَ الْمَنْفَعَةَ مِنْ أَصْلِهَا بِخِلَافِ الْجَلْدِ وَاسْتَمَرَّ نَفْيُ الْعَبْدِ إِذْ لَا حَقَّ لِلسَّيِّدِ فِي الِاسْتِمْتَاعِ بِهِ وَاسْتَدَلَّ مَنِ اسْتَثْنَى نَفْيَ الرَّقِيقِ بِأَنَّهُ لَا وَطَنَ لَهُ وَفِي نَفْيِهِ قَطْعُ حَقِّ السَّيِّدِ لِأَنَّ عُمُومَ الْأَمْرِ بِنَفْيِ الزَّانِي عَارَضَهُ عُمُومُ نَهْيِ الْمَرْأَةِ عَنِ السَّفَرِ بِغَيْرِ الْمَحْرَمِ وَهَذَا خَاصٌّ بِالْإِمَاءِ مِنَ الرَّقِيقِ دُونَ الذُّكُورِ وَبِهِ احْتَجَّ مَنْ قَالَ لَا يُشْرَعُ نَفْيُ النِّسَاءِ مُطْلَقًا كَمَا تَقَدَّمَ فِي بَابِ الْبِكْرَانِ يُجْلَدَانِ وَيُنْفَيَانِ وَاخْتَلَفَ مَنْ قَالَ بِنَفْيِ الرَّقِيقِ فَالصَّحِيحُ نِصْفُ سَنَةٍ وَفِي وَجْهٍ ضَعِيفٍ عِنْدَ الشَّافِعِيَّةِ سَنَةٌ كَامِلَةٌ وَفِي ثَالِثٍ لَا نَفْيَ عَلَى رَقِيقٍ وَهُوَ قَوْلُ الْأَئِمَّةِ الثَّلَاثَةِ وَالْأَكْثَرِ



[ قــ :6479 ... غــ :6839] .

     قَوْلُهُ  إِذَا زَنَتِ الْأَمَةُ فَتَبَيَّنَ زِنَاهَا أَيْ ظَهَرَ وَشَرَطَ بَعْضُهُمْ أَنْ يَظْهَرَ بِالْبَيِّنَةِ مُرَاعَاةً لِلَفْظِ تَبَيَّنَ وَقِيلَ يُكْتَفَى فِي ذَلِكَ بِعِلْمِ السَّيِّدِ .

     قَوْلُهُ  فَلْيَجْلِدْهَا أَيِ الْحَدَّ الْوَاجِبَ عَلَيْهَا الْمَعْرُوفُ مِنْ صَرِيحِ الْآيَةِ فَعَلَيْهِنَّ نصف مَا على الْمُحْصنَات من الْعَذَاب وَوَقع فِي رِوَايَة للنسائي مِنْ طَرِيقِ الْأَعْمَشِ عَنْ أَبِي صَالِحٍ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ فَلْيَجْلِدْهَا بِكِتَابِ اللَّهِ .

     قَوْلُهُ  وَلَا يُثَرِّبُ أَيْ لَا يَجْمَعُ عَلَيْهَا الْعُقُوبَةَ بِالْجَلْدِ وَبِالتَّعْيِيرِ وَقِيلَ الْمُرَادُ لَا يَقْتَنِعُ بِالتَّوْبِيخِ دُونَ الْجَلْدِ وَفِي رِوَايَةِ سَعِيدٍ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ عِنْدَ عَبْدِ الرَّزَّاقِ وَلَا يُعَيِّرُهَا وَلَا يُفَنِّدُهَا قَالَ بن بَطَّالٍ يُؤْخَذُ مِنْهُ أَنَّ كُلَّ مَنْ أُقِيمَ عَلَيْهِ الْحَدُّ لَا يُعَزَّرُ بِالتَّعْنِيفِ وَاللَّوْمِ وَإِنَّمَا يَلِيقُ ذَلِكَ بِمَنْ صَدَرَ مِنْهُ قَبْلَ أَنْ يُرْفَعَ إِلَى الْإِمَامِ لِلتَّحْذِيرِ وَالتَّخْوِيفِ فَإِذَا رُفِعَ وَأُقِيمَ عَلَيْهِ الْحَدُّ كَفَاهُ.

قُلْتُ وَقَدْ تَقَدَّمَ قَرِيبًا نَهْيُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْ سَبِّ الَّذِي أُقِيمَ عَلَيْهِ حَدُّ الْخَمْرِ.

     وَقَالَ  لَا تَكُونُوا أَعْوَانًا لِلشَّيْطَانِ عَلَى أَخِيكُمْ .

     قَوْلُهُ  تَابَعَهُ إِسْمَاعِيلُ بْنُ أُمَيَّةَ عَنْ سَعِيدٍ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ يُرِيدُ فِي الْمَتْنِ لَا فِي السَّنَدِ لِأَنَّهُ نَقَصَ مِنْهُ .

     قَوْلُهُ  عَنْ أَبِيهِ وَرِوَايَةُ إِسْمَاعِيلَ وَصَلَهَا النَّسَائِيُّ مِنْ طَرِيقِ بِشْرِ بْنِ الْمُفَضَّلِ عَنْ إِسْمَاعِيلَ بْنِ أُمَيَّةَ وَلَفْظُهُ مِثْلُ اللَّيْثِ إِلَّا أَنَّهُ قَالَ فَإِنْ عَادَتْ فَزَنَتْ فَلْيَبِعْهَا وَالْبَاقِي سَوَاءٌ وَوَافَقَ اللَّيْثَ عَلَى زِيَادَةِ قَوْلِهِ عَنْ أَبِيهِ مُحَمَّدُ بْنُ إِسْحَاقَ أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ وَأَبُو دَاوُدَ وَالنَّسَائِيُّ وَوَافَقَ إِسْمَاعِيلَ عَلَى حَذْفِهِ عُبَيْدُ اللَّهِ بْنُ عُمَرَ الْعُمَرِيَّ عِنْدَهُمْ وَأَيُّوبُ بْنُ مُوسَى عِنْدَ مُسْلِمٍ وَالنَّسَائِيِّ وَمُحَمَّدُ بْنُ عَجْلَانَ وَعَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ إِسْحَاقَ عِنْدَ النَّسَائِيِّ وَوَقَعَ فِي رِوَايَةِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ الْمَذْكُورِ عَنْ سَعِيدٍ سَمِعْتُ أَبَا هُرَيْرَةَ وَلِإِسْمَاعِيلَ فِيهِ شَيْخٌ آخَرُ رَوَاهُ مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ أَبِي لَيْلَى عَنْهُ عَنِ الزُّهْرِيِّ عَنْ حُمَيْدٍ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَخْرَجَهُ النَّسَائِيُّ.

     وَقَالَ  إِنَّهُ خَطَأٌ وَالصَّوَابُ الْأَوَّلُ وَوَقَعَ فِي رِوَايَةِ حُمَيْدٍ هَذِهِ بِلَفْظٍ آخَرَ قَالَ أُتِيَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ رَجُلٌ فَقَالَ جَارِيَتِي زَنَتْ فَتَبَيَّنَ زِنَاهَا قَالَ اجْلِدْهَا خَمْسِينَ الحَدِيث