فهرس الكتاب

فتح الباري لابن حجر - باب تغيير الزمان حتى تعبد الأوثان

( قَولُهُ بَابُ تَغَيُّرِ الزَّمَانِ حَتَّى تُعْبَدَ الْأَوْثَانُ)
ذَكَرَ فِيهِ حَدِيثَيْنِ أَحَدُهُمَا حَدِيثُ أَبِي هُرَيْرَةَ



[ قــ :6734 ... غــ :7116] .

     قَوْلُهُ  عَنِ الزُّهْرِيِّ فِي إِحْدَى رِوَايَتَيِ الْإِسْمَاعِيلِيِّ حَدَّثَنِي الزُّهْرِيُّ .

     قَوْلُهُ  حَتَّى تَضْطَرِبَ أَيْ يَضْرِبَ بَعْضُهَا بَعْضًا .

     قَوْلُهُ  أَلَيَاتُ بِفَتْحِ الْهَمْزَةِ وَاللَّامِ جَمْعُ أَلْيَةٍ بِالْفَتْحِ أَيْضًا مِثْلُ جَفْنَةٍ وَجَفَنَاتٍ وَالْأَلْيَةُ الْعَجِيزَةُ وَجَمْعُهَا أَعْجَازٌ .

     قَوْلُهُ  عَلَى ذِي الْخَلَصَةِ فِي رِوَايَةِ مَعْمَرٍ عَنِ الزُّهْرِيِّ عِنْدَ مُسْلِمٍ حَوْلَ ذِي الْخَلَصَةِ .

     قَوْلُهُ  وَذُو الْخَلَصَةِ طَاغِيَةُ دَوْسٍ أَيْ صَنَمُهُمْ وَقَولُهُ الَّتِي كَانُوا يَعْبُدُونَ كَذَا فِيهِ بِحَذْفِ الْمَفْعُولِ وَوَقَعَ فِي رِوَايَةِ مَعْمَرٍ وَكَانَ صَنَمًا تَعْبُدُهَا دَوْسٌ .

     قَوْلُهُ  فِي الْجَاهِلِيَّةِ زَادَ مَعْمَرٌ بِتَبَالَةَ وَتَبَالَةُ بِفَتْحِ الْمُثَنَّاةِ وَتَخْفِيفِ الْمُوَحَّدَةِ وَبَعْدَ الْأَلِفِ لَامٌ ثُمَّ هَاءُ تَأْنِيثٍ قَرْيَةٌ بَيْنَ الطَّائِفِ وَالْيَمَنِ بَيْنَهُمَا سِتَّةُ أَيَّامٍ وَهِيَ الَّتِي يُضْرَبُ بِهَا الْمَثَلُ فَيُقَالُ أَهْوَنُ مِنْ تَبَالَةَ عَلَى الْحَجَّاجِ وَذَلِكَ أَنَّهَا أَوَّلُ شَيْءٍ وَلِيَهُ فَلَمَّا قَرُبَ مِنْهَا سَأَلَ مَنْ مَعَهُ عَنْهَا فَقَالَ هِيَ وَرَاءَ تِلْكَ الْأَكَمَةِ فَرَجَعَ فَقَالَ لَا خَيْرَ فِي بَلَدٍ يَسْتُرُهَا أَكَمَةٌ وَكَلَامُ صَاحِبِ الْمَطَالِعِ يَقْتَضِي أَنَّهُمَا مَوْضِعَانِ وَأَنَّ الْمُرَادَ فِي الْحَدِيثِ غَيْرُ تَبَالَةَ الْحَجَّاجِ وَكَلَامُ يَاقُوتٍ يَقْتَضِي أَنَّهَا هِيَ وَلذَلِك لم يذكرهَا فِي الْمُشْتَرك وَعند بن حِبَّانَ مِنْ هَذَا الْوَجْهِ قَالَ مَعْمَرٌ أَنَّ عَلَيْهِ الْآنَ بَيْتًا مَبْنِيًّا مُغْلَقًا وَقَدْ تَقَدَّمَ ضَبْطُ ذِي الْخَلَصَةِ فِي أَوَاخِرِ الْمَغَازِي وَبَيَانُ الِاخْتِلَافِ فِي أَنَّهُ وَاحِدٌ أَوِ اثْنَانِ قَالَ بن التِّينِ فِيهِ الْإِخْبَارُ بِأَنَّ نِسَاءَ دَوْسٍ يَرْكَبْنَ الدَّوَابَّ مِنَ الْبُلْدَانِ إِلَى الصَّنَمِ الْمَذْكُورِ فَهُوَ الْمُرَادُ بِاضْطِرَابِ أَلَيَاتِهِنَّ.

قُلْتُ وَيَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ الْمُرَادُ أَنَّهُنَّ يَتَزَاحَمْنَ بِحَيْثُ تَضْرِبُ عَجِيزَةُ بَعْضِهِنَّ الْأُخْرَى عِنْدَ الطَّوَافِ حَوْلَ الصَّنَمِ الْمَذْكُورِ وَفِي مَعْنَى هَذَا الْحَدِيثِ مَا أَخْرَجَهُ الْحَاكِمُ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ قَالَ لَا تَقُومُ السَّاعَةُ حَتَّى تُدَافَعَ مَنَاكِبُ نِسَاءِ بَنِي عَامِرٍ على ذِي الخلصة وبن عَدِيٍّ مِنْ رِوَايَةِ أَبِي مَعْشَرٍ عَنْ سَعِيدٍ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَفَعَهُ لَا تَقُومُ السَّاعَةُ حَتَّى تعبد اللات والعزى قَالَ بن بَطَّالٍ هَذَا الْحَدِيثُ وَمَا أَشْبَهَهُ لَيْسَ الْمُرَادُ بِهِ أَنَّ الدِّينَ يَنْقَطِعُ كُلُّهُ فِي جَمِيعِ أَقْطَارِ الْأَرْضِ حَتَّى لَا يَبْقَى مِنْهُ شَيْءٌ لِأَنَّهُ ثَبَتَ أَنَّ الْإِسْلَامَ يَبْقَى إِلَى قِيَامِ السَّاعَةِ إِلَّا أَنَّهُ يَضْعُفُ وَيَعُودُ غَرِيبًا كَمَا بَدَأَ ثُمَّ ذَكَرَ حَدِيثَ لَا تَزَالُ طَائِفَةٌ مِنْ أُمَّتِي يُقَاتِلُونَ عَلَى الْحَقِّ الْحَدِيثَ قَالَ فَتَبَيَّنَ فِي هَذَا الْحَدِيثِ تَخْصِيصُ الْأَخْبَارِ الْأُخْرَى وَأَنَّ الطَّائِفَةَ الَّتِي تَبْقَى عَلَى الْحَقِّ تَكُونُ بِبَيْتِ الْمَقْدِسِ إِلَى أَنْ تَقُومَ السَّاعَةُ قَالَ فَبِهَذَا تَأْتَلِفُ الْأَخْبَارُ.

قُلْتُ لَيْسَ فِيمَا احْتَجَّ بِهِ تَصْرِيحٌ إِلَى بَقَاءِ أُولَئِكَ إِلَى قِيَامِ السَّاعَةِ وَإِنَّمَا فِيهِ حَتَّى يَأْتِيَ أَمْرُ اللَّهِ فَيَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ الْمُرَادُ بِأَمْرِ اللَّهِ مَا ذُكِرَ مِنْ قَبْضِ مَنْ بَقِيَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ وَظَوَاهِرُ الْأَخْبَارِ تَقْتَضِي أَنَّ الْمَوْصُوفِينَ بِكَوْنِهِمْ بِبَيْتِ الْمَقْدِسِ أَنَّ آخِرَهُمْ مَنْ كَانَ مَعَ عِيسَى عَلَيْهِ السَّلَامُ ثُمَّ إِذَا بَعَثَ اللَّهُ الرِّيحَ الطَّيِّبَةَ فَقَبَضَتْ رُوحَ كُلِّ مُؤْمِنٍ لَمْ يَبْقَ إِلَّا شِرَارُ النَّاسِ وَقَدْ أخرج مُسلم من حَدِيث بن مَسْعُودٍ رَفَعَهُ لَا تَقُومُ السَّاعَةُ إِلَّا عَلَى شِرَارِ النَّاسِ وَذَلِكَ إِنَّمَا يَقَعُ بَعْدَ طُلُوعِ الشَّمْسِ مِنْ مَغْرِبِهَا وَخُرُوجِ الدَّابَّةِ وَسَائِرِ الْآيَاتِ الْعِظَامِ وَقَدْ ثَبَتَ أَنَّ الْآيَاتِ الْعِظَامَ مِثْلُ السِّلْكِ إِذَا انْقَطَعَ تَنَاثَرَ الْخَرَزُ بِسُرْعَةٍ وَهُوَ عِنْدَ أَحْمَدَ وَفِي مُرْسَلِ أَبِي الْعَالِيَةِ الْآيَاتُ كُلُّهَا فِي سِتَّةِ أَشْهُرٍ وَعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ فِي ثَمَانِيَةِ أَشْهُرٍ وَقَدْ أَوْرَدَ مُسْلِمٌ عَقِبَ حَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ مِنْ حَدِيثِ عَائِشَةَ مَا يُشِيرُ إِلَى بَيَانِ الزَّمَانِ الَّذِي يَقَعُ فِيهِ ذَلِكَ وَلَفْظُهُ لَا يَذْهَبُ اللَّيْلُ وَالنَّهَارُ حَتَّى تُعْبَدَ اللَّاتُ وَالْعُزَّى وَفِيهِ يَبْعَثُ اللَّهُ رِيحًا طَيِّبَةً فَتَوَفَّى كُلَّ مَنْ فِي قَلْبِهِ مِثْقَالُ حَبَّةٍ مِنْ خَرْدَلٍ مِنْ إِيمَانٍ فَيَبْقَى مَنْ لَا خَيْرَ فِيهِ فَيَرْجِعُونَ إِلَى دِينِ آبَائِهِمْ وَعِنْدَهُ فِي حَدِيثِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو رَفَعَهُ يَخْرُجُ الدَّجَّالُ فِي أُمَّتِي الْحَدِيثَ وَفِيهِ فيبعث الله عِيسَى بن مَرْيَمَ فَيَطْلُبُهُ فَيُهْلِكُهُ ثُمَّ يَمْكُثُ النَّاسُ سَبْعَ سِنِينَ ثُمَّ يُرْسِلُ اللَّهُ رِيحًا بَارِدَةً مِنْ قِبَلِ الشَّامِ فَلَا يَبْقَى عَلَى وَجْهِ الْأَرْضِ أَحَدٌ فِي قَلْبِهِ مِثْقَالُ حَبَّةٍ مِنْ خَيْرٍ أَوْ إِيمَانٍ إِلَّا قَبَضَتْهُ وَفِيهِ فَيَبْقَى شِرَارُ النَّاسِ فِي خِفَّةِ الطَّيْرِ وَأَحْلَامِ السِّبَاعِ لَا يَعْرِفُونَ مَعْرُوفًا وَلَا يُنْكِرُونَ مُنْكَرًا فَيَتَمَثَّلُ لَهُمُ الشَّيْطَانُ فَيَأْمُرُهُمْ بِعِبَادَةِ الْأَوْثَانِ ثُمَّ يُنْفَخُ فِي الصُّوَرِ فَظَهَرَ بِذَلِكَ أَنَّ الْمُرَادَ بِأَمْرِ اللَّهِ فِي حَدِيثِ لَا تَزَالُ طَائِفَةٌ وُقُوعُ الْآيَاتِ الْعِظَامِ الَّتِي يَعْقُبُهَا قِيَامُ السَّاعَةِ وَلَا يَتَخَلَّفُ عَنْهَا إِلَّا شَيْئًا يَسِيرًا وَيُؤَيِّدُهُ حَدِيثُ عِمْرَانَ بْنِ حُصَيْنٍ رَفَعَهُ لَا تَزَالُ طَائِفَةٌ مِنْ أُمَّتِي يُقَاتِلُونَ عَلَى الْحَقِّ ظَاهِرِينَ عَلَى مَنْ نَاوَأَهُمْ حَتَّى يُقَاتِلَ آخِرُهُمُ الدَّجَّالَ أَخْرَجَهُ أَبُو دَاوُدَ وَالْحَاكِمُ وَيُؤْخَذُ مِنْهُ صِحَّةُ مَا تَأَوَّلْتُهُ فَإِنَّ الَّذِينَ يُقَاتِلُونَ الدَّجَّالَ يَكُونُونَ بَعْدَ قَتْلِهِ مَعَ عِيسَى ثُمَّ يُرْسَلُ عَلَيْهِمُ الرِّيحُ الطَّيِّبَةُ فَلَا يَبْقَى بَعْدَهُمْ إِلَّا الشِّرَارُ كَمَا تَقَدَّمَ وَوَجَدْتُ فِي هَذَا مُنَاظَرَةً لِعُقْبَةَ بْنِ عَامِرٍ وَمُحَمَّدِ بْنِ مَسْلَمَةَ فَأَخْرَجَ الْحَاكِمُ مِنْ رِوَايَةِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ شَمَّاسَةَ أَنَّ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عَمْرٍو قَالَ لَا تَقُومُ السَّاعَةُ إِلَّا عَلَى شِرَارِ الْخَلْقِ هُمْ شَرٌّ مِنْ أَهْلِ الْجَاهِلِيَّةِ فَقَالَ عُقْبَةُ بْنُ عَامِرٍ عَبْدُ اللَّهِ أَعْلَمُ مَا يَقُولُ.
وَأَمَّا أَنَا فَسَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ لَا تَزَالُ عِصَابَةٌ مِنْ أُمَّتِي يُقَاتِلُونَ عَلَى أَمْرِ اللَّهِ ظَاهِرِينَ لَا يَضُرُّهُمْ مَنْ خَالَفَهُمْ حَتَّى تَأْتِيَهُمُ السَّاعَةُ وَهُمْ عَلَى ذَلِكَ فَقَالَ عَبْدُ اللَّهِ أَجَلْ وَيَبْعَثُ اللَّهُ رِيحًا رِيحُهَا رِيحُ الْمِسْكِ وَمَسُّهَا مَسُّ الْحَرِيرِ فَلَا تَتْرُكُ أَحَدًا فِي قَلْبِهِ مِثْقَالُ حَبَّةٍ مِنْ إِيمَانٍ إِلَّا قَبَضَتْهُ ثُمَّ يَبْقَى شِرَارُ النَّاسِ فَعَلَيْهِمْ تَقُومُ السَّاعَةُ فَعَلَى هَذَا فَالْمُرَادُ بِقَوْلِهِ فِي حَدِيثِ عُقْبَةَ حَتَّى تَأْتِيَهُمُ السَّاعَةُ سَاعَتُهُمْ هُمْ وَهِيَ وَقْتُ مَوْتِهِمْ بِهُبُوبِ الرِّيحِ وَاللَّهُ أَعْلَمُ وَقَدْ تَقَدَّمَ بَيَانُ شَيْءٍ مِنْ هَذَا فِي أَوَاخِرِ الرِّقَاقِ عِنْدَ الْكَلَامِ عَلَى حَدِيثِ طُلُوعِ الشَّمْسِ مِنَ الْمُغْرِبِ الْحَدِيثُ الثَّانِي





[ قــ :6735 ... غــ :7117] .

     قَوْلُهُ  حَدَّثَنَا عَبْدُ الْعَزِيزِ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ هُوَ الْأُوَيْسِيُّ وَسُلَيْمَانُ هُوَ بن بِلَال وثور هُوَ بن زَيْدٍ وَأَبُو الْغَيْثِ هُوَ سَالِمٌ وَالسَّنَدُ كُلُّهُ مَدَنِيُّونَ .

     قَوْلُهُ  حَتَّى يَخْرُجَ رَجُلٌ مِنْ قَحْطَانَ تَقَدَّمَ شَرْحُهُ فِي أَوَائِلِ مَنَاقِبِ قُرَيْشٍ قَالَ الْقُرْطُبِيُّ فِي التَّذْكِرَةِ .

     قَوْلُهُ  يَسُوقُ النَّاسَ بِعَصَاهُ كِنَايَةٌ عَنْ غَلَبَتِهِ عَلَيْهِمْ وَانْقِيَادِهِمْ لَهُ وَلَمْ يُرِدْ نَفْسَ الْعَصَا لَكِنْ فِي ذِكْرِهَا إِشَارَةٌ إِلَى خُشُونَتِهِ عَلَيْهِمْ وَعَسْفِهِ بِهِمْ قَالَ وَقَدْ قِيلَ إِنَّهُ يَسُوقُهُمْ بِعَصَاهُ حَقِيقَةً كَمَا تُسَاقُ الْإِبِلُ وَالْمَاشِيَةُ لِشِدَّةِ عُنْفِهِ وَعُدْوَانِهِ قَالَ وَلَعَلَّهُ جَهْجَاهٌ الْمَذْكُورُ فِي الْحَدِيثِ الْآخَرِ وَأَصْلُ الْجَهْجَاهِ الصِّيَاحُ وَهِيَ صِفَةٌ تُنَاسِبُ ذِكْرَ الْعَصَا.

قُلْتُ وَيَرُدُّ هَذَا الِاحْتِمَالَ إِطْلَاقُ كَوْنِهِ مِنْ قَحْطَانَ فَظَاهِرُهُ أَنَّهُ مِنَ الْأَحْرَارِ وَتَقْيِيدُهُ فِي جَهْجَاهٍ بِأَنَّهُ مِنَ الْمَوَالِي مَا تَقَدَّمَ أَنَّهُ يَكُونُ بَعْدَ الْمَهْدِيِّ وَعَلَى سِيرَتِهِ وَأَنَّهُ لَيْسَ دُونَهُ ثُمَّ وَجَدْتُ فِي كِتَابِ التِّيجَانِ لِابْنِ هِشَامٍ مَا يُعْرَفُ مِنْهُ إِنْ ثَبَتَ اسْمُ الْقَحْطَانِيِّ وَسِيرَتُهُ وَزَمَانُهُ فَذَكَرَ أَنَّ عِمْرَانَ بْنَ عَامِرٍ كَانَ مَلِكًا مُتَوَّجًا وَكَانَ كَاهِنًا مُعَمِّرًا وَأَنَّهُ قَالَ لِأَخِيهِ عَمْرِو بْنِ عَامِرٍ الْمَعْرُوفِ بِمُزَيْقِيَا لَمَّا حَضَرَتْهُ الْوَفَاةُ إِنَّ بِلَادَكُمْ سَتُخَرَّبُ وَإِنَّ لِلَّهِ فِي أَهْلِ الْيَمَنِ سَخْطَتَيْنِ وَرَحْمَتَيْنِ فَالسَّخْطَةُ الْأُولَى هَدْمُ سُدِّ مَأْرَبٍ وَتَخْرَبُ الْبِلَادُ بِسَبَبِهِ وَالثَّانِيَةُ غَلَبَةُ الْحَبَشَةِ عَلَى أَرْضِ الْيَمَنِ وَالرَّحْمَةُ الْأُولَى بَعْثَةُ نَبِيٍّ مِنْ تِهَامَةَ اسْمُهُ مُحَمَّدٌ يُرْسَلُ بِالرَّحْمَةِ وَيَغْلِبُ أَهْلَ الشِّرْكِ وَالثَّانِيَةُ إِذَا خَرِبَ بَيْتُ اللَّهِ يَبْعَثُ اللَّهُ رَجُلًا يُقَالُ لَهُ شُعَيْبُ بْنُ صَالِحٍ فَيُهْلِكُ مَنْ خَرَّبَهُ وَيُخْرِجُهُمْ حَتَّى لَا يَكُونَ بِالدُّنْيَا إِيمَانٌ إِلَّا بِأَرْضِ الْيَمَنِ انْتَهَى وَقَدْ تَقَدَّمَ فِي الْحَجِّ أَنَّ الْبَيْتَ يُحَجُّ بَعْدَ خُرُوجِ يَأْجُوجَ وَمَأْجُوجَ وَتَقَدَّمَ الْجَمْعُ بَيْنَهُ وَبَيْنَ حَدِيثِ لَا تَقُومُ السَّاعَةُ حَتَّى لَا يَحُجَّ الْبَيْتَ وَأَنَّ الْكَعْبَةَ يُخَرِّبُهَا ذُو السَّوِيقَتَيْنِ مِنَ الْحَبَشَةِ فَيَنْتَظِمُ مِنْ ذَلِكَ أَنَّ الْحَبَشَةَ إِذَا خَرَّبَتِ الْبَيْتَ خَرَجَ عَلَيْهِمُ الْقَحْطَانِيُّ فَأَهْلَكَهُمْ وَأَنَّ الْمُؤْمِنِينَ قَبْلَ ذَلِكَ يَحُجُّونَ فِي زَمَنِ عِيسَى بَعْدَ خُرُوجِ يَأْجُوجَ وَمَأْجُوج وهلاكهم وان الرّيح الَّتِي تقبض أَرْوَاحَ الْمُؤْمِنِينَ تَبْدَأُ بِمَنْ بَقِيَ بَعْدَ عِيسَى وَيَتَأَخَّرُ أَهْلُ الْيَمَنِ بَعْدَهَا وَيُمْكِنُ أَنْ يَكُونَ هَذَا مِمَّا يُفَسَّرُ بِهِ .

     قَوْلُهُ  الْإِيمَانُ يَمَانٌ أَيْ يَتَأَخَّرُ الْإِيمَانُ بِهَا بَعْدَ فَقْدِهِ مِنْ جَمِيعِ الْأَرْضِ وَقَدْ أَخْرَجَ مُسْلِمٌ حَدِيثَ الْقَحْطَانِيِّ عَقِبَ حَدِيثِ تَخْرِيبِ الْكَعْبَةِ ذُو السَّوِيقَتَيْنِ فَلَعَلَّهُ رَمَزَ إِلَى هَذَا وَسَيَأْتِي فِي أَوَاخِرِ الْأَحْكَامِ فِي الْكَلَامِ عَلَى حَدِيثِ جَابِرِ بْنِ سَمُرَةَ فِي الْخُلَفَاءِ الْإِثْنَى عَشَرَ شَيْءٌ يَتَعَلَّقُ بِالْقَحْطَانِيِّ.

     وَقَالَ  الْإِسْمَاعِيلِيُّ هُنَا لَيْسَ هَذَا الْحَدِيثُ مِنْ تَرْجَمَة الْبَاب فِي شَيْء وَذكر بن بَطَّالٍ أَنَّ الْمُهَلَّبَ أَجَابَ بِأَنَّ وَجْهَهُ أَنَّ الْقَحْطَانِيَّ إِذَا قَامَ وَلَيْسَ مِنْ بَيْتِ النُّبُوَّةِ وَلَا مِنْ قُرَيْشٍ الَّذِينَ جَعَلَ اللَّهُ فِيهِمُ الْخِلَافَةَ فَهُوَ مِنْ أَكْبَرِ تَغَيُّرِ الزَّمَانِ وَتَبْدِيلِ الْأَحْكَامِ بِأَنْ يُطَاعَ فِي الدِّينِ مَنْ لَيْسَ أَهْلًا لِذَلِكَ انْتَهَى وَحَاصِلُهُ أَنَّهُ مُطَابِقٌ لِصَدْرِ التَّرْجَمَةِ وَهُوَ تَغَيُّرُ الزَّمَانِ وَتَغَيُّرُهُ أَعَمُّ مِنْ أَنْ يَكُونَ فِيمَا يَرْجِعُ إِلَى الْفِسْقِ أَوِ الْكُفْرِ وَغَايَتُهُ أَنْ يَنْتَهِيَ إِلَى الْكُفْرِ فَقِصَّةُ الْقَحْطَانِيِّ مُطَابِقَةٌ لِلتَّغَيُّرِ بِالْفِسْقِ مَثَلًا وَقِصَّةُ ذِي الخلصة للتغير بالْكفْر وَاسْتدلَّ بِقصَّة القحطاني عَن أَنَّ الْخِلَافَةَ يَجُوزُ أَنْ تَكُونَ فِي غَيْرِ قُرَيْش وَأجَاب بن الْعَرَبِيِّ بِأَنَّهُ إِنْذَارٌ بِمَا يَكُونُ مِنَ الشَّرِّ فِي آخِرِ الزَّمَانِ مِنْ تَسَوُّرِ الْعَامَّةِ عَلَى مَنَازِلِ الِاسْتِقَامَةِ فَلَيْسَ فِيهِ حُجَّةٌ لِأَنَّهُ لَا يَدُلُّ عَلَى الْمُدَّعِي وَلَا يُعَارِضُ مَا ثَبَتَ مِنْ أَنَّ الْأَئِمَّةَ مِنْ قُرَيْشٍ انْتَهَى وَسَيَأْتِي بَسْطُ الْقَوْلِ فِي ذَلِكَ فِي بَابِ الْأُمَرَاءِ مِنْ قُرَيْشٍ أَوَّلَ كِتَابِ الْأَحْكَامِ إِنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى