فهرس الكتاب

فتح الباري لابن حجر - باب رزق الحكام والعاملين عليها

( قَولُهُ بَابُ رِزْقِ الْحَاكِمِ وَالْعَامِلِينَ عَلَيْهَا)
هُوَ مِنْ إِضَافَةِ الْمَصْدَرِ إِلَى الْمَفْعُولِ وَالرِّزْقُ مَا يُرَتِّبُهُ الْإِمَامُ مِنْ بَيْتِ الْمَالِ لِمَنْ يَقُومُ بِمَصَالِحِ الْمُسْلِمِينَ.

     وَقَالَ  الْمُطَرِّزِيُّ الرِّزْقُ مَا يُخْرِجُهُ الْإِمَامُ كُلَّ شَهْرٍ لِلْمُرْتَزِقَةِ مِنْ بَيْتِ الْمَالِ وَالعطَاء مَا يُخرجهُ كل عَامٌّ وَيَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ .

     قَوْلُهُ  وَالْعَامِلِينَ عَلَيْهَا عَطْفًا عَلَى الْحَاكِمِ أَيْ وَرِزْقُ الْعَامِلِينَ عَلَيْهَا أَيْ عَلَى الْحُكُومَاتِ وَيَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ أَوْرَدَ الْجُمْلَةَ عَلَى الْحِكَايَةِ يُرِيدُ الِاسْتِدْلَالَ عَلَى جَوَازِ أَخْذِ الرِّزْقِ بِآيَةِ الصَّدَقَاتِ وَهُمْ مِنْ جُمْلَةِ الْمُسْتَحِقِّينَ لَهَا لِعَطْفِهِمْ عَلَى الْفُقَرَاءِ وَالْمَسَاكِينِ بَعْدَ قَوْله انما الصَّدقَات قَالَ الطَّبَرِيُّ ذَهَبَ الْجُمْهُورُ إِلَى جَوَازِ أَخْذِ الْقَاضِي الْأُجْرَةَ عَلَى الْحُكْمِ لِكَوْنِهِ يَشْغَلُهُ الْحُكْمُ عَنِ الْقِيَامِ بِمَصَالِحِهِ غَيْرَ أَنَّ طَائِفَةً مِنَ السَّلَفِ كَرِهَتْ ذَلِكَ وَلَمْ يُحَرِّمُوهُ مَعَ ذَلِكَ.

     وَقَالَ  أَبُو عَلِيٍّ الْكَرَابِيسِيُّ لَا بَأْسَ لِلْقَاضِي أَنْ يَأْخُذَ الرِّزْقَ عَلَى الْقَضَاءِ عِنْدَ أَهْلِ الْعِلْمِ قَاطِبَةً مِنَ الصَّحَابَةِ وَمَنْ بَعْدَهُمْ وَهُوَ قَوْلُ فُقَهَاءِ الْأَمْصَارِ لَا أَعْلَمُ بَيْنَهُمَا اخْتِلَافًا وَقَدْ كَرِهَ ذَلِكَ قَوْمٌ مِنْهُمْ مَسْرُوقٌ وَلَا أَعْلَمُ أَحَدًا مِنْهُمْ حَرَّمَهُ.

     وَقَالَ  الْمُهَلَّبُ وَجْهُ الْكَرَاهَةِ أَنَّهُ فِي الْأَصْلِ مَحْمُولٌ عَلَى الِاحْتِسَابِ لِقَوْلِهِ تَعَالَى لِنَبِيِّهِ قُلْ لَا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ أجرا فَأَرَادُوا أَنْ يَجْرِيَ الْأَمْرُ فِيهِ عَلَى الْأَصْلِ الَّذِي وَضَعَهُ اللَّهُ لِنَبِيِّهِ وَلِئَلَّا يَدْخُلَ فِيهِ مَنْ لَا يَسْتَحِقُّهُ فَيَتَحَيَّلَ عَلَى أَمْوَالِ النَّاسِ.

     وَقَالَ  غَيْرُهُ أَخْذُ الرِّزْقِ عَلَى الْقَضَاءِ إِذَا كَانَتْ جِهَةُ الْأَخْذِ مِنَ الْحَلَالِ جَائِزًا إِجْمَاعًا وَمَنْ تَرَكَهُ إِنَّمَا تَرَكَهُ تَوَرُّعًا.
وَأَمَّا إِذَا كَانَتْ هُنَاكَ شُبْهَةٌ فَالْأَوْلَى التَّرْكُ جَزْمًا وَيَحْرُمُ إِذَا كَانَ الْمَالُ يُؤْخَذُ لِبَيْتِ الْمَالِ مِنْ غَيْرِ وَجْهِهِ وَاخْتُلِفَ إِذَا كَانَ الْغَالِبُ حَرَامًا.
وَأَمَّا مِنْ غَيْرِ بَيْتِ الْمَالِ فَفِي جَوَازِ الْأَخْذِ مِنَ الْمُتَحَاكِمَيْنِ خِلَافٌ وَمَنْ أَجَازَهُ شَرَطَ فِيهِ شُرُوطًا لَا بُدَّ مِنْهَا وَقَدْ جَرَّ الْقَوْلُ بِالْجَوَازِ إِلَى إِلْغَاءِ الشُّرُوطِ وَفَشَا ذَلِكَ فِي هَذِهِ الْأَعْصَارِ بِحَيْثُ تَعَذَّرَ إِزَالَةُ ذَلِكَ وَاللَّهُ الْمُسْتَعَانُ .

     قَوْلُهُ  وَكَانَ شُرَيْحٌ الْقَاضِي يَأْخُذُ عَلَى الْقَضَاءِ أَجْرًا هُوَ شُرَيْحُ بْنُ الْحَارِثِ بْنِ قَيْسِ النَّخَعِيُّ الْكُوفِيُّ قَاضِي الْكُوفَةِ وَلَّاهُ عُمَرُ ثُمَّ قَضَى لِمَنْ بَعْدَهُ بِالْكُوفَةِ دَهْرًا طَويلا وَلَهُ مَعَ عَلِيٍّ أَخْبَارٌ فِي ذَلِكَ وَهُوَ ثِقَةٌ مُخَضْرَمٌ أَدْرَكَ الْجَاهِلِيَّةَ وَالْإِسْلَامَ وَيُقَالُ إِنَّ لَهُ صُحْبَةً مَاتَ قَبْلَ الثَّمَانِينَ وَقَدْ جَاوَزَ الْمِائَةَ وَهَذَا الْأَثَرُ وَصَلَهُ عَبْدُ الرَّزَّاقِ وَسَعِيدُ بْنُ مَنْصُورٍ مِنْ طَرِيقِ مَجَالِدٍ عَنِ الشَّعْبِيِّ بِلَفْظِ كَانَ مَسْرُوقٌ لَا يَأْخُذُ عَلَى الْقَضَاءِ أَجْرًا وَكَانَ شُرَيْحٌ يَأْخُذُ .

     قَوْلُهُ  وقَالتْ عَائِشَةُ يَأْكُل الْوَصِيّ بِقدر عمالته قلت وَصله بن أَبِي شَيْبَةَ مِنْ طَرِيقِ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ عَنْ أَبِيهِ عَنْ عَائِشَةَ فِي قَوْلِهِ تَعَالَى وَمن كَانَ فَقِيرا فَليَأْكُل بِالْمَعْرُوفِ قَالَتْ أَنْزَلَ اللَّهُ ذَلِكَ فِي وَالِي مَالِ الْيَتِيمِ يَقُومُ عَلَيْهِ بِمَا يُصْلِحُهُ إِنْ كَانَ مُحْتَاجًا أَنْ يَأْكُلَ مِنْهُ .

     قَوْلُهُ  وَأَكَلَ أَبُو بَكْرٍ وَعُمَرُ أَمَّا أَثَرُ أَبِي بَكْرٍ فَوَصَلَهُ أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ مِنْ طَرِيقِ بن شِهَابٍ عَنْ عُرْوَةَ عَنْ عَائِشَةَ قَالَتْ لَمَّا اسْتُخْلِفَ أَبُو بَكْرٍ قَالَ قَدْ عَلِمَ قَوْمِي أَنَّ حِرْفَتِي لَمْ تَكُنْ تَعْجِزْ عَنْ مُؤْنَةِ أَهْلِي وَقَدْ شُغِلْتُ بِأَمْرِ الْمُسْلِمِينَ الْحَدِيثَ وَفِيهِ قِصَّةُ عُمَرَ وَقَدْ أَسْنَدَهُ الْبُخَارِيُّ فِي الْبُيُوعِ مِنْ هَذَا الْوَجْهِ وَبَقِيَّتُهُ فَسَيَأْكُلُ آلُ أَبِي بَكْرٍ مِنْ هَذَا الْمَالِ وَيَحْتَرِفُ لِلْمُسْلِمِينَ فِيهِ وَفِيهِ أَنَّ عُمَرَ لَمَّا وَلِيَ أَكَلَ هُوَ وَأَهْلُهُ مِنَ الْمَالِ وَاحْتَرَفَ فِي مَالِ نَفْسِهِ واما أثر عمر فوصله بن أبي شيبَة وبن سَعْدٍ مِنْ طَرِيقِ حَارِثَةَ بْنِ مُضَرِّبٍ بِضَمِّ الْمِيمِ وَفَتْحِ الضَّادِ الْمُعْجَمَةِ وَتَشْدِيدِ الرَّاءِ بَعْدَهَا مُوَحَّدَةٌ قَالَ قَالَ عُمَرُ إِنِّي أَنْزَلْتُ نَفْسِي مِنْ مَالِ اللَّهِ بِمَنْزِلَةِ قَيِّمِ الْيَتِيمِ إِنِ اسْتَغْنَيْتُ عَنْهُ تَرَكْتُ وَإِنِ افْتَقَرْتُ إِلَيْهِ أَكَلْتُ بِالْمَعْرُوفِ وَسَنَدُهُ صَحِيحٌ وَأَخْرَجَ الْكَرَابِيسِيُّ بِسَنَدٍ صَحِيحٍ عَنِ الْأَحْنَفِ قَالَ كُنَّا بِبَابِ عُمَرَ فَذَكَرَ قِصَّةً وَفِيهَا فَقَالَ عُمَرُ أَنَا أُخْبِرُكُمْ بِمَا أَسْتَحِلُّ مَا أَحُجُّ عَلَيْهِ وَأَعْتَمِرُ وَحُلَّتَيِ الشِّتَاءِ وَالْقَيْظِ وَقُوتِي وَقُوتُ عِيَالِي كَرَجُلٍ مِنْ قُرَيْشٍ لَيْسَ بِأَعْلَاهُمْ وَلَا أَسْفَلَهُمْ وَرَخَّصَ الشَّافِعِيُّ وَأَكْثَرُ أَهْلِ الْعِلْمِ وَعَنْ أَحْمَدَ لَا يُعْجِبُنِي وَإِنْ كَانَ فَبِقَدْرِ عَمَلِهِ مِثْلُ وَلِيِّ الْيَتِيمِ وَاتَّفَقُوا عَلَى أَنَّهُ لَا يَجُوزُ الِاسْتِئْجَارُ عَلَيْهِ



[ قــ :6782 ... غــ :7163] .

     قَوْلُهُ  بن أُخْتِ نَمِرٍ بِفَتْحِ النُّونِ وَكَسْرِ الْمِيمِ بَعْدَهَا رَاءٌ هُوَ الصَّحَابِيُّ الْمَشْهُورُ تَقَدَّمَ ذِكْرُهُ مِرَارًا مِنْ أَقْرَبِهَا فِي الْحُدُودِ وَأَدْرَكَ مِنْ زَمَانِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ سِتَّ سِنِينَ وَحَفِظَ عَنْهُ وَهُوَ مِنْ أَوَاخِرِ الصَّحَابَةِ مَوْتًا وَآخِرُ مَنْ مَاتَ مِنْهُمْ بِالْمَدِينَةِ وَقِيلَ مَحْمُودُ بْنُ الرَّبِيعِ وَقِيلَ مَحْمُودُ بْنُ لَبِيدٍ .

     قَوْلُهُ  ان حويطب بن عبد الْعُزَّى أَي بن أَبِي قَيْسِ بْنِ عَبْدِ شَمْسٍ الْقُرَشِيَّ الْعَامِرِيَّ كَانَ مِنْ أَعْيَانِ قُرَيْشٍ وَأَسْلَمَ فِي الْفَتْحِ وَكَانَ حَمِيدَ الْإِسْلَامِ وَكَانَتْ وَفَاتُهُ بِالْمَدِينَةِ سَنَةَ أَربع وَخمسين من الْهِجْرَة وَهُوَ بن مِائَةٍ وَعِشْرِينَ سَنَةً وَهُوَ مِمَّنْ أُطْلِقَ عَلَيْهِ أَنَّهُ عَاشَ سِتِّينَ فِي الْجَاهِلِيَّةِ وَسِتِّينَ فِي الْإِسْلَامِ تَجَوُّزًا وَلَا يَتِمُّ ذَلِكَ تَحْقِيقًا لِأَنَّهُ إِنْ أُرِيدَ بِزَمَانِ الْإِسْلَامِ أَوَّلُ الْبَعْثَةِ فَيَكُونُ عَاشَ فِيهَا سَبْعًا وَسِتِّينَ أَوِ الْهِجْرَةُ فَيَكُونُ عَاشَ فِيهِ أَرْبَعًا وَخَمْسِينَ أَوْ زَمَنُ إِسْلَامِهِ هُوَ فَيَكُونُ سِتًّا وَأَرْبَعِينَ وَالْأَوَّلُ أَقْرَبُ إِلَى الْإِطْلَاقِ عَلَى طَرِيقَةِ جَبْرِ الْكَسْرِ تَارَةً وَإِلْغَائِهِ أُخْرَى .

     قَوْلُهُ  أَنَّ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ السَّعْدِيِّ هُوَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ وَقْدَانَ بْنِ عَبْدِ شَمْسٍ وَيُقَالُ اسْمُ أَبِيهِ عُمَرُ وَوَقْدَانُ جَدُّهُ وَيُقَالُ قُدَامَةُ بَدَلَ وَقْدَانَ وَعَبْدُ شَمْسٍ هُوَ بن عبد ود بْنِ نَصْرِ بْنِ مَالِكِ بْنِ حَسْلِ بْنِ عَامِرٍ وَهُوَ أَيْضًا مِنْ بَنِي عَامِرِ بْنِ لؤَي من قُرَيْش وانما قيل لَهُ بن السَّعْدِيِّ لِأَنَّ أَبَاهُ كَانَ مُسْتَرْضَعًا فِي بَنِي سَعْدٍ وَمَاتَ عَبْدُ اللَّهِ بِالْمَدِينَةِ سَنَةَ سَبْعٍ وَخَمْسِينَ بَعْدَ حُوَيْطِبَ الرَّاوِي عَنْهُ بِثَلَاثِ سِنِينَ وَيُقَالُ بَلْ مَاتَ فِي خِلَافَةِ عُمَرَ وَالْأَوَّلُ أَقْوَى وَلَيْسَ لَهُ فِي الْبُخَارِيِّ إِلَّا هَذَا الْحَدِيثُ الْوَاحِدُ وَوَقَعَ عِنْدَ مُسْلِمٍ فِي رِوَايَةِ اللَّيْثِ عَنْ بُكَيْرِ بْنِ الْأَشَجِّ عَنْ بُسْرِ بن سعيد عَن بن السَّاعِدِيِّ وَخَالَفَهُ عَمْرُو بْنُ الْحَارِثِ عَنْ بُكَيْرٍ فَقَالَ عَن بن السَّعْدِيِّ وَهُوَ الْمَحْفُوظُ تَنْبِيهٌ أَخْرَجَ مُسْلِمٌ أَيْضًا هَذَا الْحَدِيثَ مِنْ طَرِيقِ عَمْرِو بْنِ الْحَارِثِ عَنِ الزُّهْرِيِّ عَنِ السَّائِبِ بْنِ يَزِيدَ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ السَّعْدِيِّ عَنْ عُمَرَ فَلَمْ يَسُقْ لَفْظَهُ بَلْ أَحَالَ عَلَى سِيَاقِ رِوَايَةِ سَالِمِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ عَنْ أَبِيهِ وَسَقَطَ مِنَ السَّنَدِ حُوَيْطِبُ بْنُ عَبْدِ الْعُزَّى بَين السَّائِب وبن السَّعْدِيِّ وَوَهِمَ الْمِزِّيُّ فِي الْأَطْرَافِ تَبَعًا لِخَلَفٍ فَأَثْبَتَ حُوَيْطِبَ بْنَ عَبْدِ الْعُزَّى فِي السَّنَدِ فِي رِوَايَةِ مُسْلِمٍ وَزَعَمَ أَنَّهُ وَقَعَ فِي رِوَايَته بن السَّاعِدِيِّ بِزِيَادَةِ أَلِفٍ وَلَيْسَ ذَلِكَ فِي شَيْءٍ مِنْ نُسَخِ صَحِيحِ مُسْلِمٍ لَا إِثْبَاتَ حُوَيْطِبَ وَلَا الْأَلِفَ فِي السَّاعِدِيِّ وَقَدْ نَبَّهَ عَلَى سُقُوطِ حُوَيْطِبَ مِنْ سَنَدِ مُسْلِمٍ أَبُو عَلِيٍّ الْجَيَّانِيُّ وَالْمَازِرِيُّ وَعِيَاضٌ وَغَيْرُهُمْ وَلَكِنَّهُ ثَابِتٌ فِي رِوَايَةِ عَمْرِو بْنِ الْحَارِثِ فِي غَيْرِ كِتَابِ مُسلم كَمَا أَخْرَجَهُ أَبُو نُعَيْمٍ فِي الْمُسْتَخْرَجِ وَوَقَعَ عِنْدَ بن خُزَيْمَةَ مِنْ طَرِيقِ سَلَامَةَ عَنْ عُقَيْلٍ عَنِ بن شِهَابٍ حَدَّثَنِي السَّائِبُ أَنَّ حُوَيْطِبًا أَخْبَرَهُ أَنَّ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ سَعْدِ بْنِ أَبِي سَرْحٍ أَخْبَرَهُ فَذَكَرَهُ وَهُوَ وَهْمٌ مِنْ سَلَامَةَ قَالَهُ الرَّهَاوِيُّ .

     قَوْلُهُ  أَنَّهُ قَدِمَ عَلَى عُمَرَ فِي خِلَافَتِهِ فَقَالَ لَهُ عُمَرُ أَلَمْ أُحَدِّثْ بِضَمِّ أَوَّلِهِ وَفَتْحِ الْمُهْمَلَةِ وَتَشْدِيدِ الدَّالِ .

     قَوْلُهُ  أَنَّكَ تَلِي مِنْ أَعْمَالِ النَّاسِ أَيِ الْوِلَايَاتِ مِنْ إِمْرَةٍ أَوْ قَضَاءٍ وَوَقَعَ فِي رِوَايَةِ بُسْرِ بْنِ سَعِيدٍ عِنْدَ مُسْلِمٍ اسْتَعْمَلَنِي عُمَرُ عَلَى الصَّدَقَةِ فَعَيَّنَ الْوِلَايَةَ .

     قَوْلُهُ  الْعُمَالَةَ بِضَمِّ الْمُهْمَلَةِ وَتَخْفِيفِ الْمِيمِ أَيْ أُجْرَةَ الْعَمَلِ.
وَأَمَّا الْعَمَالَةُ بِفَتْحِ الْعَيْنِ فَهِيَ نَفْسُ الْعَمَلِ .

     قَوْلُهُ  مَا تُرِيدُ إِلَى ذَلِكَ أَيْ مَا غَايَةُ قَصْدِكِ بِهَذَا الرَّدِّ وَقَدْ فَسَّرَهُ بِقَوْلِهِ وَأُرِيدُ أَنْ تَكُونَ عُمَالَتِي صَدَقَةً عَلَى الْمُسْلِمِينَ .

     قَوْلُهُ  فَقُلْتُ إِنَّ لِي أَفْرَاسًا بِفَاءٍ وَمُهْمَلَةٍ جَمْعُ فَرَسٍ .

     قَوْلُهُ  وَأَعْبُدًا لِلْأَكْثَرِ بِضَمِّ الْمُوَحَّدَةِ وَلِلكُشْمِيهَنِيِّ بِمُثَنَّاةٍ بَدَلَ الْمُوَحَّدَةِ جَمْعُ عَتِيدٍ وَهُوَ الْمَالُ الْمُدَّخَرُ وَقَدْ تَقَدَّمَ تَفْسِيرُهُ فِي كِتَابِ الزَّكَاةِ وَوَقَعَ عِنْد بن حِبَّانَ فِي صَحِيحِهِ مِنْ طَرِيقِ قَبِيصَةَ بْنِ ذُؤَيْب ان عمر أعْطى بن السَّعْدِيِّ أَلْفَ دِينَارٍ فَذَكَرَ بَقِيَّةَ الْحَدِيثِ نَحْوَ الَّذِي هُنَا ورويناه فِي الْجُزْءَ الثَّالِثَ مِنْ فَوَائِدِ أَبِي بَكْرٍ النَّيْسَابُورِيِّ الزِّيَادَات من طَرِيق عَطاء الخرساني عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ السَّعْدِيِّ قَالَ قَدِمْتُ عَلَى عُمَرَ فَأَرْسَلَ إِلَيَّ أَلْفَ دِينَارٍ فَرَدَدْتُهَا وَقُلْتُ أَنَا عَنْهَا غَنِيٌّ فَذَكَرَهُ أَيْضًا بِنَحْوِهِ وَاسْتُفِيدَ مِنْهُ قَدْرَ الْعُمَالَةِ الْمَذْكُورَةِ .

     قَوْلُهُ  فَإِنِّي كُنْتُ أَرَدْتُ الَّذِي أَرَدْتَ بِالْفَتْحِ عَلَى الْخِطَابِ .

     قَوْلُهُ  يُعْطِينِي الْعَطَاءَ أَيِ الْمَالَ الَّذِي يَقْسِمُهُ الْإِمَامُ فِي الْمَصَالِحِ وَوَقَعَ فِي رِوَايَةِ بُسْرِ بْنِ سَعِيدٍ عِنْدَ مُسْلِمٍ فَإِنِّي عَمِلْتُ عَلَى عَهْدِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَعَمَّلَنِي بِتَشْدِيدِ الْمِيمِ أَيْ أَعْطَانِي أُجْرَةَ عَمَلِي فَقُلْتُ مِثْلَ قَوْلِكِ .

     قَوْلُهُ  فَأَقُولُ أَعْطِهِ أَفْقَرَ إِلَيْهِ مِنِّي فِي رِوَايَةِ سَالِمٍ فَأَقُولُ يَا رَسُولَ اللَّهِ وَالْبَاقِي سَوَاءٌ قَالَ الْكِرْمَانِيُّ جَازَ الْفَصْلُ بَيْنَ أَفْعَلِ التَّفْضِيلِ وَبَيْنَ كَلِمَةِ مِنْ لِأَنَّ الْفَاصِلَ لَيْسَ أَجْنَبِيًّا بَلْ هُوَ أَلْصَقُ بِهِ مِنَ الصِّلَةِ لِأَنَّهُ يَحْتَاجُ إِلَيْهِ بِحَسَبِ جَوْهَرِ اللَّفْظِ وَالصِّلَةُ مُحْتَاجٌ إِلَيْهَا بِحَسَبِ الصِّيغَةِ .

     قَوْلُهُ  فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ خُذْهُ فَتَمَوَّلْهُ وَتَصَدَّقْ بِهِ فِي رِوَايَةِ سَالِمِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ أَوْ تَصَدَّقْ بِهِ بِلَفْظِ أَوْ بَدَلَ الْوَاوِ وَهُوَ أَمْرُ إِرْشَادٍ عَلَى الصَّحِيح قَالَ بن بَطَّالٍ أَشَارَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى عُمَرَ بِالْأَفْضَلِ لِأَنَّهُ وَإِنْ كَانَ مَأْجُورًا بِإِيثَارِهِ لِعَطَائِهِ عَنْ نَفْسِهِ مَنْ هُوَ أَفْقَرُ إِلَيْهِ مِنْهُ فَإِنَّ أَخْذَهُ لِلْعَطَاءِ وَمُبَاشَرَتَهُ لِلصَّدَقَةِ بِنَفْسِهِ أَعْظَمُ لِأَجْرِهِ وَهَذَا يَدُلُّ عَلَى عَظِيمِ فَضْلِ الصَّدَقَةِ بَعْدَ التَّمَوُّلِ لِمَا فِي النُّفُوسِ مِنَ الشُّحِّ عَلَى الْمَالِ .

     قَوْلُهُ  غَيْرُ مُشْرِفٍ بِضَمِّ أَوَّلِهِ وَسُكُونِ الْمُعْجَمَةِ وَكَسْرِ الرَّاءِ بَعْدَهَا فَاءٌ أَيْ مُتَطَلِّعٍ إِلَيْهِ يُقَالُ أَشْرَفَ الشَّيْءَ عَلَاهُ وَقَدْ تَقَدَّمَ بَيَانُهُ فِي كِتَابِ الزَّكَاةِ فِي بَابِ مَنْ أَعْطَاهُ اللَّهُ شَيْئًا مِنْ غَيْرِ مَسْأَلَةٍ .

     قَوْلُهُ  وَلَا سَائِلٍ أَيْ طَالِبٍ قَالَ النَّوَوِيُّ فِيهِ النَّهْيُ عَنِ السُّؤَالِ وَقَدِ اتَّفَقَ الْعُلَمَاءُ عَلَى النَّهْيِ عَنْهُ لِغَيْرِ الضَّرُورَةِ وَاخْتُلِفَ فِي مَسْأَلَةِ الْقَادِرِ عَلَى الْكَسْبِ وَالْأَصَحُّ التَّحْرِيمُ وَقِيلَ يُبَاحُ بِثَلَاثِ شُرُوطٍ أَنْ لَا يُذِلَّ نَفْسَهُ وَلَا يُلِحَّ فِي السُّؤَالِ وَلَا يُؤْذِي الْمَسْئُولَ فَإِنْ فُقِدَ شَرْطٌ مِنْ هَذِهِ الشُّرُوطِ فَهِيَ حَرَامٌ بِالِاتِّفَاقِ .

     قَوْلُهُ  فَخُذْهُ وَإِلَّا فَلَا تتبعه نَفسك أَي ان لم يَجِيء إِلَيْكَ فَلَا تَطْلُبْهُ بَلِ اتْرُكْهُ وَلَيْسَ الْمُرَادُ مَنْعَهُ مِنَ الْإِيثَارِ بَلْ لِأَنَّ أَخْذَهُ ثُمَّ مُبَاشَرَتَهُ الصَّدَقَةَ بِنَفْسِهِ أَعْظَمُ لِأَجْرِهِ كَمَا تَقَدَّمَ قَالَ النَّوَوِيّ فِي هَذَا الْحَدِيثُ مَنْقَبَةٌ لِعُمَرَ وَبَيَانُ فَضْلِهِ وَزُهْدِهِ وَإِيثَارِهِ.

قُلْتُ وَكَذَا لِابْنِ السَّعْدِيِّ فَقَدْ طَابَقَ فِعْلُهُ فِعْلَ عُمَرَ سَوَاءً وَفِي سَنَدِ الزُّهْرِيِّ عَنِ السَّائِبِ أَرْبَعَةٌ من الصَّحَابَة فِي نسق السَّائِب وَحُوَيْطِب وبن السَّعْدِيِّ وَعُمَرُ وَقَدْ أَشَرْتُ إِلَى ذَلِكَ فِي الْبَابِ الْمَذْكُورِ مِنْ كِتَابِ الزَّكَاةِ وَذَكَرْتُ أَنَّ مُسْلِمًا أَخْرَجَهُ مِنْ طَرِيقِ عَمْرِو بْنِ الْحَارِثِ عَنِ الزُّهْرِيِّ وَأَوْهَمَ كَلَامُ الْمِزِّيِّ فِي الْأَطْرَافِ أَنَّ رِوَايَةَ شُعَيْبٍ وَعَمْرِو بْنِ الْحَارِثِ مُتَّفِقَتَانِ وَلَيْسَ كَذَلِكَ فَإِنَّ حُوَيْطِبَ بْنَ عَبْدِ الْعُزَّى سَقَطَ مِنْ رِوَايَةِ عَمْرِو بْنِ الْحَارِثِ عِنْدَ مُسْلِمٍ وَقَدْ وَقَعَتِ الْمُقَارَضَةُ لِمُسْلِمٍ وَالْبُخَارِيِّ فِي هَذَيْنِ الْحَدِيثَيْنِ الرُّبَاعِيَّيْنِ فَأَوْرَدَ مُسْلِمٌ الرُّبَاعِيَّ الَّذِي فِي سَنَدِهِ أَرْبَعُ نِسْوَةٍ بِتَمَامِ الْأَرْبَعِ وَأَوْرَدَهُ البُخَارِيّ بِنُقْصَان وَاحِدَة كَمَا تَقَدَّمَ فِي أَوَائِلَ كِتَابِ الْفِتَنِ وَأَوْرَدَ الْبُخَارِيُّ الرُّبَاعِيَّ الَّذِي فِي سَنَدِهِ أَرْبَعَةُ رِجَالٍ بِتَمَامِ الْأَرْبَعَةِ وَأَوْرَدَهُ مُسْلِمٌ بِنُقْصَانِ رَجُلٍ وَهَذَا مِنْ لَطَائِفِ مَا اتُّفِقَ وَقَدْ وَافَقَ شُعَيْبًا عَلَى زِيَادَةِ حُوَيْطِبَ فِي السَّنَدِ الزُّبَيْدِيُّ عِنْدَ النَّسَائِيِّ وَسُفْيَانُ بْنُ عُيَيْنَةَ عِنْدَهُ وَمَعْمَرٌ عِنْدَ الْحُمَيْدِيِّ فِي مُسْنَدِهِ ثَلَاثَتُهُمْ عَنِ الزُّهْرِيِّ وَقَدْ جَزَمَ النَّسَائِيُّ وَأَبُو عَلِيِّ بْنِ السَّكَنِ بِأَنَّ السَّائِبَ لم يسمعهُ من بن السَّعْدِيِّ قَالَ النَّوَوِيُّ رُوِّينَا عَنِ الْحَافِظِ عَبْدِ الْقَادِرِ الرَّهَاوِيِّ فِي كِتَابِهِ الرُّبَاعِيَّاتِ أَنَّ الزُّبَيْدِيَّ وَشُعَيْبَ بْنَ حَمْزَةَ وَعُقَيْلَ بْنَ خَالِدٍ وَيُونُسَ بْنَ يَزِيدَ وَعَمْرَو بْنَ الْحَارِثِ رَوَوْهُ عَنِ الزُّهْرِيِّ بِذِكْرِ حُوَيْطِبَ ثُمَّ ذَكَرَ طُرُقَهُمْ بِأَسَانِيدَ مُطَوَّلَةٍ قَالَ وَرَوَاهُ النُّعْمَانُ بْنُ رَاشِدٍ عَنِ الزُّهْرِيِّ فَأَسْقَطَ ذِكْرَ حُوَيْطِبَ وَاخْتُلِفَ عَلَى مَعْمَرَ فَرَوَاهُ بن الْمُبَارَكِ عَنْهُ كَالنُّعْمَانِ وَرَوَاهُ سُفْيَانُ بْنُ عُيَيْنَةَ وَمُوسَى بْنُ أَعْيَنَ عَنْهُ كَالْجَمَاعَةِ وَرَوَاهُ عَبْدُ الرَّزَّاقِ عَنْ مَعْمَرٍ فَأَسْقَطَ اثْنَيْنِ جَعَلَهُ عَنِ السَّائِبِ عَنْ عُمَرَ قَالَ وَالصَّحِيحُ الْأَوَّلُ.

قُلْتُ وَمُقْتَضَاهُ أَنْ يَكُونَ سُقُوطُ حُوَيْطِبَ مِنْ رِوَايَةِ مُسْلِمٍ وَهْمًا مِنْهُ أَوْ مِنْ شَيْخِهِ وَإِلَّا فَذِكْرُهُ ثَابِتٌ مِنْ رِوَايَةِ غَيْرِهِ كَمَا تَقَدَّمَ وَاللَّهُ أَعْلَمُ وَقَدْ نَظَمَ بَعْضُهُمُ السَّنَدَ الْمَذْكُورَ فِي بَيْتَيْنِ فَقَالَ وَفِي الْعُمَالَةِ إِسْنَادٌ بِأَرْبَعَةٍ مِنَ الصَّحَابَةِ فِيهِ عَنْهُمُ ظَهَرَا السَّائِبُ بْنُ يزِيد عَن حويطب عبد الله حَدثهُ بِذَاكَ عَنْ عُمَرَا .

     قَوْلُهُ  وَعَنِ الزُّهْرِيِّ قَالَ حَدَّثَنِي سَالِمٌ هُوَ مَوْصُولٌ بِالسَّنَدِ الْمَذْكُورِ أَوَّلًا إِلَى الزُّهْرِيِّ وَقَدْ أَخْرَجَ النَّسَائِيُّ عَنْ عَمْرِو بْنِ مَنْصُورٍ عَنْ أَبِي الْيَمَانِ شَيْخِ الْبُخَارِيِّ فِيهِ الْحَدِيثَيْنِ الْمَذْكُورَيْنِ بِالسَّنَدَيْنِ الْمَذْكُورَيْنِ إِلَى عُمَرَ.
وَأَمَّا مُسْلِمٌ فَإِنَّهُ لَمَّا أَخْرَجَهُ مِنْ طَرِيقِ يُونُسَ عَن بن شِهَابٍ سَاقَهُ عَلَى رِوَايَةِ سَالِمٍ عَنْ أَبِيهِ ثمَّ عقبه بِرِوَايَة بن شِهَابٍ عَنِ السَّائِبِ بْنِ يَزِيدَ فَقَالَ مِثْلَ ذَلِكَ وَلَيْسَ بَيْنَ السِّيَاقَيْنِ تَفَاوُتٌ إِلَّا فِي قصَّة بن السَّعْدِيِّ عَنْ عُمَرَ فَلَمْ يَسُقْهَا مُسْلِمٌ وَإِلَّا مَا بَيَّنْتُهُ وَزَادَ سَالِمٌ فَمِنْ أَجْلِ ذَلِكَ كَانَ بن عُمَرَ لَا يَسْأَلُ أَحَدًا شَيْئًا وَلَا يَرُدُّ شَيْئًا أُعْطِيَهُ.

قُلْتُ وَهَذَا بِعُمُومِهِ ظَاهِرٌ فِي أَنَّهُ كَانَ لَا يَرُدُّ مَا فِيهِ شُبْهَةٌ وَقَدْ ثَبَتَ أَنَّهُ كَانَ يَقْبَلُ هَدَايَا الْمُخْتَارِ بْنِ أَبِي عُبَيْدٍ الثَّقَفِيِّ وَهُوَ أَخُو صَفِيَّةَ زوج بن عُمَرَ بِنْتِ أَبِي عُبَيْدٍ وَكَانَ الْمُخْتَارُ غَلَبَ عَلَى الْكُوفَةِ وَطَرَدَ عُمَّالَ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الزُّبَيْرِ وَأَقَامَ أَمِيرًا عَلَيْهَا مُدَّةً فِي غَيْرِ طَاعَةِ خَلِيفَةٍ وَتَصَرَّفَ فِيمَا يَتَحَصَّلُ مِنْهَا مِنَ الْمَالِ عَلَى مَا يَرَاهُ وَمَعَ ذَلِكَ فَكَانَ بن عُمَرَ يَقْبَلُ هَدَايَاهُ وَكَانَ مُسْتَنَدُهُ أَنَّ لَهُ حَقًّا فِي بَيْتِ الْمَالِ فَلَا يَضُرُّهُ عَلَى أَيِّ كَيْفِيَّةٍ وَصَلَ إِلَيْهِ أَوْ كَانَ يَرَى أَنَّ التَّبِعَةَ فِي ذَلِكَ عَلَى الْآخِذِ الْأَوَّلِ أَوْ أَنَّ لِلْمُعْطِي الْمَذْكُورِ مَالًا آخَرَ فِي الْجُمْلَةِ وَحَقًّا مَا فِي الْمَالِ الْمَذْكُورِ فَلَمَّا لَمْ يَتَمَيَّزْ وَأَعْطَاهُ لَهُ عَنْ طِيبِ نَفْسٍ دَخَلَ فِي عُمُومِ قَوْلِهِ مَا أَتَاكَ مِنْ هَذَا الْمَالِ مِنْ غَيْرِ سُؤَالٍ وَلَا اسْتِشْرَافٍ فَخُذْهُ فَرَأَى أَنَّهُ لَا يُسْتَثْنَى مِنْ ذَلِكَ إِلَّا مَا عَلِمَهُ حَرَامًا مَحْضًا قَالَ الطَّبَرِيُّ فِي حَدِيثِ عُمَرَ الدَّلِيلُ الْوَاضِحُ عَلَى أَنَّ لِمَنْ شُغِلَ بِشَيْءٍ مِنْ أَعْمَالِ الْمُسْلِمِينَ أَخْذَ الرِّزْقِ عَلَى عَمَلِهِ ذَلِكَ كَالْوُلَاةِ وَالْقُضَاةِ وَجُبَاةِ الْفَيْءِ وَعُمَّالِ الصَّدَقَةِ وَشَبَهِهِمْ لِإِعْطَاءِ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عُمَرَ العمالة على عمله وَذكر بن الْمُنْذِرِ أَنَّ زَيْدَ بْنَ ثَابِتٍ كَانَ يَأْخُذُ الْأَجْرَ عَلَى الْقَضَاءِ وَاحْتَجَّ أَبُو عُبَيْدٍ فِي جَوَازِ ذَلِكَ بِمَا فَرَضَ اللَّهُ لِلْعَامِلِينَ عَلَى الصَّدَقَةِ وَجَعَلَ لَهُمْ مِنْهَا حَقًّا لِقِيَامِهِمْ وَسَعْيِهِمْ فِيهَا وَحَكَى الطَّبَرِيُّ عَنِ الْعُلَمَاءِ هَلِ الْأَمْرُ فِي قَوْلِهِ فِي هَذَا الْحَدِيثِ خُذْهُ وَتَمَوَّلْهُ لِلْوُجُوبِ أَوْ لِلنَّدْبِ ثَالِثُهَا إِنْ كَانَتِ الْعَطِيَّةُ مِنَ السُّلْطَانِ فَهِيَ حَرَامٌ أَوْ مَكْرُوهَةٌ أَوْ مُبَاحَةٌ وَإِنْ كَانَتْ مِنْ غَيْرِهِ فَمُسْتَحَبَّةٌ قَالَ النَّوَوِيُّ وَالصَّحِيحُ أَنَّهُ إِنْ غَلَبَ الْحَرَامُ حَرُمَتْ وَكَذَا إِنْ كَانَ مَعَ عَدَمِ الِاسْتِحْقَاقِ وَإِنْ لَمْ يَغْلِبِ الْحَرَامُ وَكَانَ الْآخِذُ مُسْتَحِقًّا فَيُبَاحُ وَقِيلَ يُنْدَبُ فِي عَطِيَّةِ السُّلْطَانِ دُونَ غَيْرِهِ وَالله اعْلَم.

     وَقَالَ  بن الْمُنْذر وَحَدِيث بن السَّعْدِيِّ حُجَّةٌ فِي جَوَازِ أَرْزَاقِ الْقُضَاةِ مِنْ وجوهها.

     وَقَالَ  بن بَطَّالٍ فِي الْحَدِيثِ أَنَّ أَخْذَ مَا جَاءَ مِنَ الْمَالِ عَنْ غَيْرِ سُؤَالٍ أَفْضَلُ مِنْ تَرْكِهِ لِأَنَّهُ يَقَعُ فِي إِضَاعَةِ الْمَالِ وَقَدْ ثَبت النَّهْي عَن ذَلِك وَتعقبه بن الْمُنِيرِ بِأَنَّهُ لَيْسَ مِنَ الْإِضَاعَةِ فِي شَيْءٍ لِأَنَّ الْإِضَاعَةَ التَّبْذِيرُ بِغَيْرِ وَجْهٍ صَحِيحٍ.
وَأَمَّا التَّرْكُ تَوْفِيرًا عَلَى الْمُعْطَى تَنْزِيهًا عَنِ الدُّنْيَا وَتَحَرُّجًا أَنْ لَا يَكُونَ قَائِمًا بِالْوَظِيفَةِ عَلَى وَجْهِهَا فَلَيْسَ مِنَ الْإِضَاعَةِ ثُمَّ قَالَ وَالْوَجْهُ فِي تَعْلِيلِ الْأَفْضَلِيَّةِ أَنَّ الْآخِذَ أَعْوَنُ فِي الْعَمَلِ وَأَلْزَمُ لِلنَّصِيحَةِ مِنَ التَّارِكِ لِأَنَّهُ إِنْ لَمْ يَأْخُذْ كَانَ عِنْدَ نَفْسِهِ مُتَطَوِّعًا بِالْعَمَلِ فقد لَا يجد جد مَنْ أَخَذَ رُكُونًا إِلَى أَنَّهُ غَيْرُ مُلْتَزِمٍ بِخِلَافِ الَّذِي يَأْخُذُ فَإِنَّهُ يَكُونُ مُسْتَشْعِرًا بِأَنَّ الْعَمَلَ وَاجِبٌ عَلَيْهِ فَيَجِدُّ جِدَّهُ فِيهَا.

     وَقَالَ  بن التِّينِ وَفِي هَذَا الْحَدِيثِ كَرَاهَةُ أَخْذِ الرِّزْقِ عَلَى الْقَضَاءِ مَعَ الِاسْتِغْنَاءِ وَأَنَّ الْمَالَ طَيِّبًا كَذَا قَالَ قَالَ وَفِيهِ جَوَازُ الصَّدَقَةِ بِمَا لم يقبض إِذا كَانَ التَّصَدُّق وَاجِبًا وَلَكِنَّ قَوْلَهُ خُذْهُ فَتَمَوَّلْهُ وَتَصَدَّقْ بِهِ يَدُلُّ عَلَى أَنَّ التَّصَدُّقَ بِهِ إِنَّمَا يَكُونُ بَعْدَ الْقَبْضِ لِأَنَّ الْمَالَ إِذَا مَلَكَهُ الْإِنْسَانُ وَتَصَدَّقَ بِهِ طَيِّبَةٌ بِهِ نَفْسُهُ كَانَ أَفْضَلُ مِنْ تَصَدُّقِهِ بِهِ قَبْلَ قَبْضِهِ لِأَنَّ الَّذِي يَحْصُلُ بِيَدِهِ هُوَ أَحْرَصُ عَلَيْهِ مِمَّا لَمْ يَدْخُلْ فِي يَدِهِ فَإِنِ اسْتَوَتْ عِنْدَ أَحَدِ الْحَالَانِ فَمَرْتَبَتُهُ أَعْلَى وَلِذَلِكَ أَمَرَهُ بِأَخْذِهِ وَبَيَّنَ لَهُ جَوَازَ تَمَوُّلِهِ إِنْ أَحَبَّ أَوِ التَّصَدُّقِ بِهِ قَالَ وَذَهَبَ بَعْضُ الصُّوفِيَّةِ إِلَى أَنَّ الْمَالَ إِذَا جَاءَ بِغَيْرِ سُؤَالٍ فَلَمْ يَقْبَلْهُ فَإِنَّ الرَّادَّ لَهُ يُعَاقَبُ بِحِرْمَانِ الْعَطَاءِ.

     وَقَالَ  الْقُرْطُبِيُّ فِي الْمُفْهِمِ فِيهِ ذَمُّ التَّطَلُّعِ إِلَى مَا فِي أَيْدِي الْأَغْنِيَاءِ وَالتَّشَوُّفِ إِلَى فُضُولِهِ وَأَخْذِهِ مِنْهُمْ وَهِيَ حَالَةٌ مَذْمُومَةٌ تَدُلُّ عَلَى شِدَّةِ الرَّغْبَةِ فِي الدُّنْيَا وَالرُّكُونِ إِلَى التَّوَسُّعِ فِيهَا فَنَهَى الشَّارِعُ عَنِ الْأَخْذِ عَلَى هَذِهِ الصُّورَةِ الْمَذْمُومَةِ قَمْعًا لِلنَّفْسِ وَمُخَالَفَةً لَهَا فِي هَوَاهَا انْتَهَى وَتَقَدَّمَتْ سَائِرُ مَبَاحِثِهِ وَفَوَائِدِهِ فِي الْبَابِ الْمَذْكُورِ مِنْ كِتَابِ الزَّكَاةِ وَلِلَّهِ الْحَمْدُ