فهرس الكتاب

فتح الباري لابن حجر - باب قول النبي صلى الله عليه وسلم: «لا تزال طائفة من أمتي ظاهرين على الحق» يقاتلون وهم أهل العلم "

( قَولُهُ بَابُ لَا تَزَالُ طَائِفَةٌ مِنْ أُمَّتِي ظَاهِرِينَ عَلَى الْحَقِّ)
هَذِهِ التَّرْجَمَةُ لَفْظُ حَدِيثٍ أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ عَنْ ثَوْبَانَ وَبَعْدَهُ لَا يَضُرُّهُمْ مَنْ خَذَلَهُمْ حَتَّى يَأْتِيَ أَمْرُ اللَّهِ وَهُمْ كَذَلِكَ وَلَهُ مِنْ حَدِيثِ جَابِرٍ مِثْلُهُ لَكِنْ قَالَ يُقَاتِلُونَ عَلَى الْحَقِّ ظَاهِرِينَ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ وَلَهُ مِنْ حَدِيثِ مُعَاوِيَةَ الْمَذْكُورِ فِي الْبَابِ نَحْوُهُ .

     قَوْلُهُ  وَهُمْ أَهْلُ الْعِلْمِ هُوَ مِنْ كَلَامِ الْمُصَنِّفِ وَأَخْرَجَ التِّرْمِذِيُّ حَدِيثَ الْبَابِ ثُمَّ قَالَ سَمِعْتُ مُحَمَّدَ بْنَ إِسْمَاعِيلَ هُوَ الْبُخَارِيُّ يَقُولُ سَمِعْتُ عَلِيَّ بْنَ الْمَدِينِيِّ يَقُولُ هُمْ أَصْحَابُ الْحَدِيثِ وَذَكَرَ فِي كِتَابِ خَلْقِ أَفْعَالِ الْعِبَادِ عَقِبَ حَدِيثِ أَبِي سَعِيدٍ فِي قَوْله تَعَالَى وَكَذَلِكَ جَعَلْنَاكُمْ أمة وسطا هُمُ الطَّائِفَةُ الْمَذْكُورَةُ فِي حَدِيثِ لَا تَزَالُ طَائِفَةٌ مِنْ أُمَّتِي ثُمَّ سَاقَهُ.

     وَقَالَ  وَجَاءَ نَحْوُهُ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ وَمُعَاوِيَةَ وَجَابِرٍ وَسَلَمَةَ بْنِ نُفَيْلٍ وَقُرَّةَ بْنِ إِيَاسٍ انْتَهَى وَأَخْرَجَ الْحَاكِمُ فِي عُلُومِ الْحَدِيثِ بِسَنَدٍ صَحِيحٍ عَنْ أَحْمَدَ إِنْ لَمْ يَكُونُوا أَهْلَ الْحَدِيثِ فَلَا أَدْرِي مَنْ هُمْ وَمِنْ طَرِيقِ يَزِيدَ بْنِ هَارُونَ مِثْلُهُ وَزَعَمَ بَعْضُ الشُّرَّاحِ أَنَّهُ اسْتَفَادَ ذَلِكَ مِنْ حَدِيثِ مُعَاوِيَةَ لِأَنَّ فِيهِ مِنْ يُرِدِ اللَّهُ بِهِ خَيْرًا يُفَقِّهْهُ فِي الدِّينِ وَهُوَ فِي غَايَةِ الْبُعْدِ.

     وَقَالَ  الْكِرْمَانِيُّ يُؤْخَذُ مِنَ الِاسْتِقَامَةِ الْمَذْكُورَةِ فِي الْحَدِيثِ الثَّانِي أَنَّ مِنْ جُمْلَةِ الِاسْتِقَامَةِ أَنْ يَكُونَ التَّفَقُّهَ لِأَنَّهُ الْأَصْلُ قَالَ وَبِهَذَا تَرْتَبِطُ الْأَخْبَارُ الْمَذْكُورَةُ فِي حَدِيثِ مُعَاوِيَةَ لِأَنَّ الِاتِّفَاقَ لَا بُدَّ مِنْهُ أَيِ الْمُشَارُ إِلَيْهِ بِقَوْلِهِ وَإِنَّمَا أَنَا قَاسِمٌ وَيُعْطِي اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ



[ قــ :6920 ... غــ :7311] .

     قَوْلُهُ  حَدَّثَنَا عُبَيْدُ اللَّهِ بْنُ مُوسَى هُوَ الْعَبْسِيُّ بِالْمُوَحَّدَةِ ثُمَّ الْمُهْمَلَةِ الْكُوفِيُّ مِنْ كِبَارِ شُيُوخِ الْبُخَارِيِّ وَهُوَ مِنْ أَتْبَاعِ التَّابِعِينَ وَشَيْخُهُ فِي هَذَا الحَدِيث إِسْمَاعِيل هُوَ بن أَبِي خَالِدٍ تَابِعِيٌّ مَشْهُورٌ وَشَيْخُ إِسْمَاعِيلَ قَيْسٌ هُوَ بن أَبِي حَازِمٍ مِنْ كِبَارِ التَّابِعِينَ وَهُوَ مُخَضْرَمٌ أَدْرَكَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَلَمْ يَرَهُ وَلِهَذَا الْإِسْنَادِ حُكْمُ الثُّلَاثِيَّاتِ وَإِنْ كَانَ رُبَاعِيًّا وَقَدْ تَقَدَّمَ بَعْدَ عَلَامَاتِ النُّبُوَّةِ بِبَابَيْنِ مِنْ رِوَايَةِ يَحْيَى الْقَطَّانِ عَنْ إِسْمَاعِيلَ أَنْزَلَ مِنْ هَذَا بِدَرَجَةٍ وَرِجَالُ سَنَدِ الْبَابِ كُلُّهُمْ كُوفِيُّونَ لِأَنَّ الْمُغِيرَةَ وَلِيَ إِمْرَةَ الْكُوفَةِ غَيْرَ مَرَّةٍ وَكَانَتْ وَفَاتُهُ بِهَا وَقَدِ اتَّفَقَ الرُّوَاةُ عَنْ إِسْمَاعِيلَ عَلَى أَنَّهُ عَنْ قَيْسٍ عَنِ الْمُغِيرَةِ وَخَالَفَهُمْ أَبُو مُعَاوِيَةَ فَقَالَ عَنْ سَعِيدٍ بَدَلَ الْمُغِيرَةِ فَأَوْرَدَهُ أَبُو إِسْمَاعِيلَ الْهَرَوِيُّ فِي ذَمِّ الْكَلَامِ.

     وَقَالَ  الصَّوَابُ قَوْلُ الْجَمَاعَةِ عَنِ الْمُغِيرَةِ وَحَدِيثُ سَعْدٍ عِنْدَ مُسْلِمٍ لَكِنْ مِنْ طَرِيق بن عُثْمَانَ عَنْ سَعْدٍ .

     قَوْلُهُ  لَا تَزَالُ بِالْمُثَنَّاةِ أَوَّلُهُ وَفِي رِوَايَةِ مُسْلِمٍ مِنْ طَرِيقِ مَرْوَانَ الْفَزَارِيُّ عَنْ إِسْمَاعِيلَ لَنْ يَزَالَ قَوْمٌ وَهَذِهِ بِالتَّحْتَانِيَّةِ وَالْبَاقِي مِثْلُهُ لَكِنْ زَادَ ظَاهِرِينَ عَلَى النَّاسِ .

     قَوْلُهُ  حَتَّى يَأْتِيَهُمْ أَمْرُ اللَّهِ وَهُمْ ظَاهِرُونَ أَيْ عَلَى مَنْ خَالَفَهُمْ أَيْ غَالِبُونَ أَوِ الْمُرَادُ بِالظُّهُورِ أَنَّهُمْ غَيْرُ مُسْتَتِرِينَ بَلْ مَشْهُورُونَ وَالْأَوَّلُ أَوْلَى وَقَدْ وَقَعَ عِنْدَ مُسْلِمٍ مِنْ حَدِيثِ جَابِرِ بْنِ سَمُرَةَ لَنْ يَبْرَحَ هَذَا الدِّينُ قَائِمًا تُقَاتِلُ عَلَيْهِ عِصَابَةٌ مِنَ الْمُسْلِمِينَ حَتَّى تَقُومَ السَّاعَةُ وَلَهُ فِي حَدِيثِ عُقْبَةَ بْنِ عَامِرٍ لَا تَزَالُ عِصَابَةٌ مِنْ أُمَّتِي يُقَاتِلُونَ عَلَى أَمْرِ اللَّهِ قَاهِرِينَ لِعَدُوِّهِمْ لَا يَضُرُّهُمْ مَنْ خَالَفَهُمْ حَتَّى تَأْتِيَهُمُ السَّاعَةُ وَقَدْ ذَكَرْتُ الْجَمْعُ بَيْنَهُ وَبَيْنَ حَدِيثِ لَا تَقُومُ السَّاعَةُ إِلَّا عَلَى شِرَارِ النَّاسِ فِي أَوَاخِرِ كِتَابِ الْفِتَنِ وَالْقِصَّةُ الَّتِي أَخْرَجَهَا مُسْلِمٌ أَيْضًا مِنْ حَدِيثِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرِو لَا تَقُومُ السَّاعَةُ إِلَّا عَلَى شِرَارِ الْخَلْقِ هُمْ شَرٌّ مِنْ أَهْلِ الْجَاهِلِيَّةِ لَا يَدْعُونَ اللَّهَ بِشَيْءٍ إِلَّا رَدَّهُ عَلَيْهِمْ وَمُعَارَضَةُ عُقْبَةَ بْنِ عَامِرٍ بِهَذَا الْحَدِيثِ فَقَالَ عَبْدُ اللَّهِ أَجَلْ ثُمَّ يَبْعَثُ اللَّهُ رِيحًا كَرِيحِ الْمِسْكِ فَلَا تَتْرُكُ نَفْسًا فِي قَلْبِهِ مِثْقَالُ حَبَّةٍ مِنْ إِيمَانٍ إِلَّا قَبَضَتْهُ ثُمَّ يَبْقَى شِرَارُ النَّاسِ عَلَيْهِمْ تَقُومُ السَّاعَةُ وَقَدْ أَشَرْتُ إِلَى هَذَا قَرِيبا فِي الْكَلَامِ عَلَى حَدِيثِ قَبْضِ الْعِلْمِ وَأَنَّ هَذَا أَوْلَى مَا يُتَمَسَّكُ بِهِ فِي الْجَمْعِ بَيْنَ الْحَدِيثين الْمَذْكُورين وَذكرت مَا نَقله بن بَطَّالٍ عَنِ الطَّبَرِيِّ فِي الْجَمْعِ بَيْنَهُمَا أَنَّ شِرَارَ النَّاسِ الَّذِينَ تَقُومُ عَلَيْهِمُ السَّاعَةُ يَكُونُونَ بِمَوْضِعٍ مَخْصُوصٍ وَأَنَّ مَوْضِعًا آخَرَ يَكُونُ بِهِ طَائِفَةٌ يُقَاتِلُونَ عَلَى الْحَقِّ لَا يَضُرُّهُمْ مَنْ خَالَفَهُمْ ثُمَّ أَوْرَدَ مِنْ حَدِيثِ أَبِي أُمَامَةَ نَحْوَ حَدِيثِ الْبَابِ وَزَادَ فِيهِ قِيلَ يَا رَسُولَ اللَّهِ وَأَيْنَ هُمْ قَالَ بِبَيْتِ الْمَقْدِسِ وَأَطَالَ فِي تَقْرِيرِ ذَلِكَ وَذَكَرْتُ أَنَّ الْمُرَادَ بِأَمْرِ اللَّهِ هُبُوبُ تِلْكَ الرِّيحِ وَأَنَّ الْمُرَادَ بِقِيَامِ السَّاعَةِ سَاعَتُهُمْ وَأَنَّ الْمُرَادَ بِالَّذِينَ يَكُونُونَ بِبَيْتِ الْمَقْدِسِ الَّذِينَ يَحْصُرهُمُ الدَّجَّالُ إِذَا خَرَجَ فَيَنْزِلُ عِيسَى إِلَيْهِمْ فَيَقْتُلُ الدَّجَّالَ وَيَظْهَرُ الدِّينُ فِي زَمَنِ عِيسَى ثُمَّ بَعْدَ مَوْتِ عِيسَى تَهُبُّ الرِّيحُ الْمَذْكُورَةُ فَهَذَا هُوَ الْمُعْتَمَدُ فِي الْجَمْعِ وَالْعِلْمُ عِنْدَ اللَّهِ تَعَالَى





[ قــ :691 ... غــ :731] .

     قَوْلُهُ  حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيل هُوَ بن أبي أويس وبن وهب هُوَ عبد الله وَيُونُس هُوَ بن يزِيد وَحميد هُوَ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَوْفٍ .

     قَوْلُهُ  سَمِعْتُ مُعَاوِيَةَ بْنَ أَبِي سُفْيَانَ يَخْطُبُ فِي رِوَايَةِ عُمَيْرِ بْنِ هَانِئٍ سَمِعْتُ مُعَاوِيَةَ عَلَى الْمِنْبَرِ يَقُولُ وَقَدْ مَضَى فِي عَلَامَاتِ النُّبُوَّةِ وَيَأْتِي فِي التَّوْحِيدِ وَفِي رِوَايَةِ يَزِيدَ بْنِ الْأَصَمِّ سَمِعْتُ مُعَاوِيَةَ وَذَكَرَ حَدِيثًا وَلَمْ أَسْمَعْهُ رُوِيَ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى مِنْبَرِهِ حَدِيثًا غَيْرَهُ أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ .

     قَوْلُهُ  مِنْ يُرِدِ اللَّهُ بِهِ خَيْرًا يُفَقِّهْهُ فِي الدِّينِ تَقَدَّمَ شَرْحُ هَذَا فِي كِتَابِ الْعِلْمِ وَقَولُهُ وَإِنَّمَا أَنَا قَاسِمٌ وَيُعْطِي اللَّهُ تَقَدَّمَ فِي الْعِلْمِ بِلَفْظِ وَاللَّهُ الْمُعْطِي وَفِي فَرْضِ الْخُمُسِ مِنْ وَجْهٍ آخَرَ وَاللَّهُ الْمُعْطِي وَأَنَا الْقَاسِمُ وَتَقَدَّمَ شَرْحُهُ هُنَاكَ أَيْضًا .

     قَوْلُهُ  وَلَنْ يَزَالَ أَمْرُ هَذِهِ الْأُمَّةِ مُسْتَقِيمًا حَتَّى تَقُومَ السَّاعَةُ أَوْ حَتَّى يَأْتِيَ أَمْرُ اللَّهِ فِي رِوَايَةِ عُمَيْرِ بْنِ هَانِئٍ لَا تَزَالُ طَائِفَةٌ مِنْ أُمَّتِي قَائِمَةً بِأَمْرِ اللَّهِ وَتَقَدَّمَ بَعْدَ بَابَيْنِ مِنْ بَابِ عَلَامَاتِ النُّبُوَّةِ مِنْ هَذَا الْوَجْهِ بِلَفْظِ لَا يَزَالُ مِنْ أُمَّتِي أُمَّةٌ قَائِمَةً بِأَمْرِ اللَّهِ لَا يَضُرُّهُمْ مَنْ خَذَلَهُمْ حَتَّى يَأْتِيَهُمْ أَمْرُ اللَّهِ وَهُمْ عَلَى ذَلِكَ وَزَادَ قَالَ عُمَيْرٌ فَقَالَ مَالِكُ بْنُ يُخَامِرَ قَالَ مُعَاذٌ وَهُمْ بِالشَّامِ وَفِي رِوَايَةِ يَزِيدَ بْنِ الْأَصَمِّ وَلَا تَزَالُ عِصَابَةٌ مِنَ الْمُسْلِمِينَ ظَاهِرِينَ عَلَى مَنْ نَاوَأَهُمْ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ قَالَ صَاحِبُ الْمَشَارِقِ فِي قَوْلِهِ لَا يَزَالُ أَهْلُ الْغَرْبِ يَعْنِي الرِّوَايَةَ الَّتِي فِي بَعْضِ طُرُقِ مُسْلِمٍ وَهِيَ بِفَتْحِ الْغَيْنِ الْمُعْجَمَةِ وَسُكُونِ الرَّاءِ ذَكَرَ يَعْقُوبُ بْنُ شَيْبَةَ عَنْ عَلِيِّ بْنِ الْمَدِينِيِّ قَالَ الْمُرَادُ بِالْغَرْبِ الدَّلْوُ أَيِ الغرب بِفَتْحِ الْمُهْمَلَتَيْنِ لِأَنَّهُمْ أَصْحَابُهَا لَا يَسْتَقِي بِهَا أَحَدٌ غَيْرُهُمْ لَكِنْ فِي حَدِيثِ مُعَاذٍ وَهُمْ أَهْلُ الشَّامِ فَالظَّاهِرُ أَنَّ الْمُرَادَ بِالْغَرْبِ الْبَلَدُ لِأَن الشَّام غربي الْحجاز كَذَا قَالَ وَلَيْسَ بِوَاضِحٍ وَوَقَعَ فِي بَعْضِ طُرُقِ الْحَدِيثِ الْمَغْرِبُ بِفَتْحِ الْمِيمِ وَسُكُونِ الْمُعْجَمَةِ وَهَذَا يَرُدُّ تَأْوِيلَ الْغَرْبِ بِالْعَرَبِ لَكِنْ يَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ بَعْضُ رُوَاتِهِ نَقَلَهُ بِالْمَعْنَى الَّذِي فَهِمَهُ أَنَّ الْمُرَادَ الْإِقْلِيمُ لَا صِفَةُ بَعْضِ أَهْلِهِ وَقِيلَ الْمُرَادُ بِالْغَرْبِ أَهْلُ الْقُوَّةِ وَالِاجْتِهَادِ فِي الْجِهَادِ يُقَالُ فِي لِسَانِهِ غَرْبٌ بِفَتْحٍ ثُمَّ سُكُونٍ أَيْ حِدَّةٌ وَوَقَعَ فِي حَدِيثِ أَبِي أُمَامَةَ عِنْدَ أَحْمَدَ أَنَّهُمْ بِبَيْتِ الْمَقْدِسِ وَأَضَافَ بَيْتَ إِلَى الْمَقْدِسِ ولِلطَّبَرَانِيِّ مِنْ حَدِيثِ النَّهْدِيِّ نَحْوُهُ وَفِي حَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ فِي الْأَوْسَطِ لِلطَّبَرَانِيِّ يُقَاتِلُونَ عَلَى أَبْوَابِ دِمَشْقَ وَمَا حَوْلَهَا وَعَلَى أَبْوَابِ بَيْتِ الْمَقْدِسِ وَمَا حَوْلَهُ لَا يَضُرُّهُمْ مَنْ خَذَلَهُمْ ظَاهِرِينَ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ.

قُلْتُ وَيُمْكِنُ الْجَمْعُ بَيْنَ الْأَخْبَارِ بِأَنَّ الْمُرَادَ قَوْمٌ يَكُونُونَ بِبَيْتِ الْمَقْدِسِ وَهِيَ شَامِيَّةٌ وَيَسْقُونَ بِالدَّلْوِ وَتَكُونُ لَهُمْ قُوَّةٌ فِي جِهَادِ الْعَدُوِّ وَحِدَّةٌ وَجِدٌّ تَنْبِيهٌ اتَّفَقَ الشُّرَّاحُ عَلَى أَنَّ مَعْنَى قَوْلِهِ عَلَى مَنْ خَالَفَهُمْ أَنَّ الْمُرَادَ عُلُوُّهُمْ عَلَيْهِمْ بِالْغَلَبَةِ وَأَبْعَدَ مَنْ أَبْدَعَ فَرَدَّ عَلَى مَنْ جَعَلَ ذَلِكَ مَنْقَبَةً لِأَهْلِ الْغَرْبِ أَنَّهُ مَذَمَّةٌ لِأَنَّ الْمُرَادَ بِقَوْلِهِ ظَاهِرِينَ عَلَى الْحَقِّ أَنَّهُمْ غَالِبُونَ لَهُ وَأَنَّ الْحَقَّ بَيْنَ أَيْدِيهِمْ كَالْمَيِّتِ وَأَنَّ الْمُرَادَ بِالْحَدِيثِ ذَمُّ الْغَرْبِ وَأَهْلِهِ لَا مَدْحُهُمْ قَالَ النَّوَوِيُّ فِيهِ أَنَّ الْإِجْمَاعَ حُجَّةٌ ثُمَّ قَالَ يَجُوزُ أَنْ تَكُونَ الطَّائِفَةُ جَمَاعَةً مُتَعَدِّدَةً مِنْ أَنْوَاعِ الْمُؤْمِنِينَ مَا بَيْنَ شُجَاعٍ وَبَصِيرٍ بِالْحَرْبِ وَفَقِيهٍ وَمُحَدِّثٍ وَمُفَسِّرٍ وَقَائِمٍ بِالْأَمْرِ بِالْمَعْرُوفِ وَالنَّهْيِ عَنِ الْمُنْكَرِ وَزَاهِدٍ وَعَابِدٍ وَلَا يَلْزَمُ أَنْ يَكُونُوا مُجْتَمَعِينَ فِي بَلَدٍ وَاحِدٍ بَلْ يَجُوزُ اجْتِمَاعُهُمْ فِي قُطْرٍ وَاحِدٍ وَافْتِرَاقُهُمْ فِي أَقْطَارِ الْأَرْضِ وَيَجُوزُ أَنْ يَجْتَمِعُوا فِي الْبَلَدِ الْوَاحِدِ وَأَنْ يَكُونُوا فِي بَعْضٍ مِنْهُ دُونَ بَعْضٍ وَيَجُوزُ إِخْلَاءُ الْأَرْضِ كُلِّهَا مِنْ بَعْضِهِمْ أَوَّلًا فَأَوَّلًا إِلَى أَنْ لَا يَبْقَى إِلَّا فِرْقَةٌ وَاحِدَةٌ بِبَلَدٍ وَاحِدٍ فَإِذَا انْقَرَضُوا جَاءَ أَمْرُ اللَّهِ انْتَهَى مُلَخَّصًا مَعَ زِيَادَةٍ فِيهِ وَنَظِيرُ مَا نَبَّهَ عَلَيْهِ مَا حَمَلَ عَلَيْهِ بَعْضُ الْأَئِمَّةِ حَدِيثَ إِنَّ اللَّهَ يَبْعَثُ لِهَذِهِ الْأَمَةِ عَلَى رَأْسِ كُلِّ مِائَةِ سَنَةٍ مَنْ يُجَدِّدُ لَهَا دِينَهَا أَنَّهُ لَا يَلْزَمُ أَنْ يَكُونَ فِي رَأْسِ كُلِّ مِائَةِ سَنَةٍ وَاحِدٌ فَقَطْ بَلْ يَكُونُ الْأَمْرُ فِيهِ كَمَا ذَكَرَ فِي الطَّائِفَةِ وَهُوَ مُتَّجَهٌ فَإِنَّ اجْتِمَاعَ الصِّفَاتِ الْمُحْتَاجِ إِلَى تَجْدِيدِهَا لَا يَنْحَصِرُ فِي نَوْعٍ مِنْ أَنْوَاعِ الْخَيْرِ وَلَا يَلْزَمُ أَنَّ جَمِيعَ خِصَالِ الْخَيْرِ كُلِّهَا فِي شَخْصٍ وَاحِدٍ إِلَّا أَنْ يُدَّعَى ذَلِكَ فِي عُمَرَ بْنِ عَبْدِ الْعَزِيزِ فَإِنَّهُ كَانَ الْقَائِمَ بِالْأَمْرِ عَلَى رَأْسِ الْمِائَةِ الْأُولَى بِاتِّصَافِهِ بِجَمِيعِ صِفَاتِ الْخَيْرِ وَتَقَدُّمِهِ فِيهَا وَمِنْ ثَمَّ أَطْلَقَ أَحْمَدُ أَنَّهُمْ كَانُوا يَحْمِلُونَ الْحَدِيثَ عَلَيْهِ.
وَأَمَّا مَنْ جَاءَ بَعْدَهُ فَالشَّافِعِيُّ وَإِنْ كَانَ مُتَّصِفًا بِالصِّفَاتِ الْجَمِيلَةِ إِلَّا أَنَّهُ لَمْ يَكُنِ الْقَائِمَ بِأَمْرِ الْجِهَادِ وَالْحُكْمِ بِالْعَدْلِ فَعَلَى هَذَا كُلُّ مَنْ كَانَ مُتَّصِفًا بِشَيْءٍ مِنْ ذَلِكَ عِنْدَ رَأْسِ الْمِائَةِ هُوَ المُرَاد سَوَاء تعدد أم لَا